موصى به لك

الأقسام

الأعلى تقييمًا

    أعمال أصلية (RO)

      الأفضل شهريًا

        رواية صوت عائشة

        صوت عائشة

        2025,

        رومانسية

        مجانا

        طالبة بالجامعة، ملتزمة بيوم الإتنين لرفيقتها اللي توفيت. وأبو بكر، شاب تعرف عليها بالصدفة خلال عرض بالجامعة وانعجب فيها كتير من أول نظرة. بالرغم من إنها ما عطتو رقمها، بس هو مصمم يلاقيها. القصة بتجمع بين روتين الحياة اليومي والعلاقات الأسرية والصداقات، مع لمسة حب بلشت بين عائشة وأبو بكر.

        عائشة

        طالبة جامعية ملتزمة، بتكره نهار التنين لأنو بتكون عندها صفوف طول النهار وما عندها وقت ترتاح. عائشة وفية لرفيقتها اللي توفيت، "بليسنج"، وخصصت يوم التنين لتكتب كتاب عنها. هي بتحب عيلتها كتير وبتحلم بزواج سعيد متل أهلها.

        أبو بكر

        بيلتقي بـ "عائشة" صدفة بالجامعة خلال عرض، وبينعجب فيها من أول نظرة وبيقرر يعمل المستحيل ليتعرف عليها.

        فريدة

        هي الصديقة المقربة لـ "عائشة". بتحاول تقنع "عائشة" تتخطى حزنها على "بليسنج" وتركز على حياتها، بس بتزعل "عائشة" بكلامها أحيانا
        تم نسخ الرابط

        عائشة
        
        كان نهار التنين، وأنا بكره التنين كتير. ليش؟ لإنه عندي صفوف كل النهار وما في وقت للراحة، وبدي اتنفس نفس العالم اللي ما برتاح فيه.
        
        طلعت بالدكتور وبكرشو الكبير بجلابيتو اللي بيضل يرفعها ويعدّلها. بس بتمنى يخلّص اللي عم يعملو بسرعة لإنه الشوب بالصف ما بينحمل.
        
        صرت بدي نام كذا مرة، "وهيك بنكون خلصنا لليوم"، سمعت الدكتور عم يقول، وعيوني اللي كانوا عم يغمضوا فتحوا فورًا.
        
        أخد غراضو وفلّ من الصف. وبسرعة، بلشوا الطلاب يظهروا من الصف وعم يحكوا حكي مش مفهوم وما كنت عم انتبه عليه، بس بدي اطلع من الصف بأسرع وقت ممكن.
        
        بالأخير كنت برا، بس سبيت بصمت. الشمس كانت بقمة حرارتها عم تحرق وجهي، وعبايتي السودا ما كانت عم تساعد أبدًا لإنه كانت عم تمتص الحرارة كلها.
        
        دعست حالي ببالي لإني ما أخدت نظاراتي الشمسية. نسيت نظاراتي بالبيت وهلأ وجهي بدو يعاني. رفعت الدفتر تبعي لأغطي وجهي وأنا عم امشي بسرعة ودور على شي ضل.
        
        فجأة سمعت اسمي: "عائشة!" "عائشة!"
        
        وقفت خطواتي ودرت، وشفتها كانت وحدة من رفقاتي بالجامعة اسمها بتول.
        
        "صرلي زمان عم ناديكي"، قالت بتول عم تتنفس بصعوبة كأنها ركضت ماراثون.
        
        "آسفة، ما سمعتك"، كملت مشي وهي لحقتني وعم ندور على ضل، ولحسن الحظ لقينا شجرة، وللصدفة كان في صخرة تحتها، فقعدنا عليها.
        
        "شوفي؟" سألتها.
        
        "آه يا عائشة!" عطتني نظرة مترددة وأنا درت عيوني، "طلبت منك تساعديني بـالـ 'بايو ستاتيستكس' تبعي".
        
        "أه! نسيت"، قلت وتذكرت إني وعدتها ساعدها بمشكلة الـ 'بايو ستاتيستكس' تبعها.
        
        "نروح على محل هادي أو نروح على غرفتي بالمهجع؟" سألت، وحسيت حالي انزعجت فورًا، كان عندي شي بدي أعمله وبكره إني أرفض طلبات الناس.
        
        "ما فينا نعملها بكرا؟" سألتها بطريقة ترجي، بس هي سكتت، وقررت كمل: "عندي شي كتير مهم أعملو".
        
        "خلص إذا هيك، بس رجاءً أكّدي إنك بتلاقيلي وقت بكرا، عنا فحص الرجال قريب"، قالت بتول عم تترجى.
        
        "ما تعتلي هم، إن شاء الله رح لاقيلك وقت"، قلتلها وهي ابتسمت.
        
        "كتير شكراً، الله يبارك فيكي"، قالت وهي عم توقف.
        
        "آمين"، رديت عليها وهي فلّت.
        
        تنهدت، مددت إجريي وعم حرك أصابع إجريي لأخفف التوتر اللي بينهم لما سمعت اسمي مرة تانية.
        
        "عائشة، انتِ هون؟" سألت رفيقتي المقربة فريدة.
        
        "لأ شبحي"، رديت بتهكم ودرت عيوني، هي ضحكت وقعدت حدي.
        
        "الشوب مش مزحة"، قالت فريدة وأنا هزيت راسي.
        
        "صرت ركضت لهون، الشمس كتير قوية"، رديت.
        
        "رؤوف طلب مني نطلع موعد وبدي ياكي تجي معنا"، قالت فريدة، "بعرف إنو صفك خلص لليوم فما تفكري تكذبي".
        
        "آسفة ما فيني روح معك"، قلت.
        
        "ليش؟" سألت.
        
        "اليوم تنين، وانتِ بتعرفي شو بعمل بـأيام التنين تبعي"، رديت.
        
        "مش عادل ها، مش معقول إنو اللي عم تعمليه ما في يتأجل ليوم تاني"، تنهدت.
        
        "ما في يتأجل وانتِ بتعرفي إني عملت التنين يوم خاص لإلي ولـ 'بليسنج'"، قلت بضيق خفيف.
        
        "وحدة ميتة، ما فيكي تخليها ترتاح؟ صارلها أربع سنين ميتة، صار وقتك تكفي حياتك وتنسي هالكتاب اللي عم تكتبيه، ما حدا مهتم"، قالت وهي عم تدور عيونها، وبدون ما تعرف كانت حركت زر غضبي.
        
        "حذرتك كذا مرة ما تحكي عن 'بليسنج' بهالطريقة، كانت رفيقتي من زمان كتير بتذكر، وكتابة هالكتاب هي طريقة لأفرجي قديش بتعنيلي"، قلت وعيوني كادوا يدمعوا.
        
        "بس فيكي تكتبي كتابك بعدين وتطلعي معي بهالموعد"، حاولت تقنعني وأنا غضبت زيادة.
        
        "ما عندي وقت الك"، قلت بضيق ووقفت.
        
        تركتها بمحلها لأروّق حالي. بكره لما حدا بيستهين بكتابي اللي هو عن رفيقتي.
        
        'بليسنج' وأنا التقينا أول يوم دخلت فيه المدرسة الثانوية بصف الـ 'جي اس اس 1'، كانت شخصيتها رائعة وصرنا رفقات بنفس الدقيقة، كنا نروح على كل محل سوا، نطلع استراحات سوا، نعمل فروضنا سوا، كنا تقريبًا توأم.
        
        مرضت لما كنا بصف الـ 'اس اس 1' وتأكدوا إنو معها سرطان الدم اللي أدى لوفاتها. تدمرت بيوم اللي ماتت فيه وما فيني اعترض على إرادة الله.
        
        حطيت أولويتي إني أكتب كتاب عنها وعن الأوجاع اللي مرت فيها قبل ما تموت بالنهاية.
        
        وقفت تكتك وطلبت منو ياخدني على مكتبة الجامعة وهو عمل هيك.
        
        نزلت ودفعتلو، مشيت بهدوء على مكتبة الجامعة ودخلت ببطاقة هويتي الجامعية.
        
        قعدت بآخر المكتبة وطلعت كتبي ولابتوبي الصغير من شنطة المدرسة.
        
        مرقت على كل الصور اللي أخدتها مع 'بليسنج'، دمعة نزلت من عيني وحاولت ابتسم على الذكريات الحلوة اللي قضيناها سوا.
        
        
        
        
        
        
        
        
        
        رجعت ضهري على الكرسي وشهقت نفس عميق قبل ما بلّش شغلي. بلّشت طبعت وكتبت شي آلاف كلمة قبل ما سكّر اللابتوب.
        
        تأكدت من الوقت، كانت الساعة خمسة وتلاتين، فقررت روح عالبيت. أنا وأهلي ساكنين بـ "زاريا" وبدرس بـ "جامعة أحمد بيللو" بـ "زاريا" وهلأ أنا سنة تانية، بدرس تغذية وعلوم الأطعمة.
        
        أخدت تكتك عالبيت، دقيت عالبوابة بخفة، وانفتح الباب وطلع حارس البوابة تبعنا "دانجومو".
        
        "أهلاً، كيف المدرسة اليوم؟" سأل.
        
        "المدرسة منيحة"، قلت ومبتسمتلو ودخلت لجوا.
        
        لقيت خيي الصغير قاعد على كرسي محطوط بالبارج عم يلتهي بتلفونو.
        
        "عبد ال؟" ناديتو.
        
        "رجعتِ من المدرسة؟" ابتسم ووقف.
        
        "إيه، وين أمي؟" سألت.
        
        "هي جوا"، ساعدني بحقيبتي ودخلنا.
        
        رحت دغري على غرفتي وتحممت، لبست بنطلون أسود وتوب زهري واسع.
        
        جيت على غرفة القعدة ولقيت أختي الكبيرة مع طفلها.
        
        "قديرة؟!" اتفاجئت لما شفتها، نزلت طفلها على الكنباية وإجت لقدام لتحضني.
        
        "عائشة، اشتقتلك"، قالت وأنا ضحكت وحضنتها.
        
        "يا لهالمفاجأة، ما كنت متوقعتك اليوم"، قلت ورحت شلت الطفلة "فايزة"، "كيفها؟" سألت.
        
        "منيحة، ماما بالمطبخ"، قالت وبلشنا نمشي باتجاه المطبخ، الطفلة فايزة كانت عم تشد شعري بس تجاهلت الموضوع.
        
        "بيي جاي عالبيت اليوم، لهيك أنا هون"، قالت قديرة وأنا وقفت.
        
        "يعني بيي جاي عالبيت اليوم؟" سألت ومتفاجئة.
        
        "ما بتعرفي؟" سألت وهي عم نرجع نمشي.
        
        "ما حدا قالي"، دخلنا المطبخ ولقيت أمي، كانت لابسة عباية زرقا ملكية واسعة، وربطة حجابها الأحمر على راسها بطريقة مش مرتبة.
        
        "عائشة، رجعتِ"، ابتسمت أمي ورحت حضنتها، فايزة بلّشت تشد حجاب أمي وهالشي خلّى الكل يضحك.
        
        "والله هالبنت كتير مشاغبة"، قالت أمي وهي عم تهز راسها بينما أنا وقديرة كنا عم نضحك.
        
        "طلعت لأمها"، رديت.
        
        "بالأحرى طلعت لخالتها"، قالت أختي وهي عم تدور عيونها وأنا ضحكت بسخرية.
        
        "أنا مش مشاغبة، أنا بس ما بقبل بالهزيمة"، ابتسمت بينما أختي شالت فايزة مني.
        
        "شو ما كان!" قالت بجدية.
        
        "ماما ليش ما قلتيلي إنو بابا جاي عالبيت اليوم؟" سألت وعم حاجب شوي.
        
        "آسفة يا حبيبتي، انتِ دايماً مشغولة وأنا نسيت"، قالت أمي وعاملة وش آسف.
        
        "لا بأس على أي حال"، قلت ومبتسمتلا.
        
        السيد سليمان، بيي، هو رجل أعمال، بيبيع جلابيات وعبايات وحجابات غالية مع مجوهرات، بيروح على دبي ليشتري بضاعت.
        
        راح على دبي ليشتري بضاعتو، وبما إنو رح يرجع عالبيت يعني جلابية جديدة وحجابات ومجوهرات إلنا كلنا. بيي بيتأكد إنو بيشتريلنا كلنا شي كل ما يرجع.
        
        مع إنو عبد ال مش دايماً مبسوط لإنه صبي وما بيحصل على كل الأشياء الحلوة، بس بيي بيحاول يعوضو بأنو بيشتريلو جزمات ما بيكون راضي عنها أبدًا.
        
        فجأة سمعنا صوت عالي.
        
        "بابا!" كان عبد ال، كلنا ركضنا من المطبخ لغرفة القعدة ولقينا بيي واقف وشكلو تعبان. بدون أي إنذار نطيت عليه.
        
        "بابا!" قلت وحاطة راسي على صدرو، "اشتقتلك".
        
        "اشتقتلك أنا كمان"، ابتسم بيي عليّ.
        
        "أهلاً بابا!" سلمت أختي الكبيرة وابتسم بيي وربت على ضهرها وشال فايزة منها.
        
        "حفيدتي عم تكبر كل يوم"، قال وكلنا ضحكنا. لعب معها شوي قبل ما أمي تقاطعو أخيرًا.
        
        "قديرة شيلي بنتك، بدي وقت حلو مع جوزي"، قالت وكلنا ضحكنا.
        
        "كلنا اشتقنالو يا أمي"، قال عبد ال. أمي حضنت بيي بلطف وحطت راسها على صدرو.
        
        كان واضح إنو أمي اشتاقت لبيي، بالأحرى اشتاقوا لبعض، والحب بيناتهم دايماً موجود وواضح. بحب حياتهم ودايماً بتمنى يكون عندي زواج سعيد متلن، مع إنهم دايماً بيمروا بصعوبات وبيطلعوا أقوى.
        
        بعد الاستقبال، بيي تحمم وكلنا تعشينا قبل ما يجي جوز أختي يونس لياخد عيلتو.
        
        بس قبل هيك، بيي عطانا الأشياء اللي اشتراها إلنا وكنت كتير مبسوطة بأغراضي الجديدة، حبيت الجزمات أكتر شي.
        
        دخلت على غرفتي لأنزل أغراضي لما تلفوني عمل صوت.
        
        شلتو ولقيت رسالة من فريدة.
        
        "مرحباً يا أعز رفيقة، أنا كتير آسفة على تصرفي، بس كنت بدي ياكي تطلعي معي بالموعد. آسفة لأني زعّلتك، بتمنى تسامحيني."
        
        ابتسمت، كنت بعرف إنو فريدة أكيد رح تبعتلي رسالة اعتذار وأحلى شي إني ما فيني ضل زعلانة منها لفترة طويلة.
        
        بعتتلا رسالة رد:
        
        "لازم تعطيني كل تفاصيل الموعد وإلا بموتك."
        
        هاي طريقتنا لقبول الاعتذارات.
        
        رميت حالي على سريري وابتسمت، كنت كتير محظوظة بحياة حلوة وسعيدة ومباركة بوجود عائلة مثالية.
        
        
        
        
        
        
        أبو بكر
        
        كنت قاعد بغرفة القعدة عم بتفرج على مصارعة لما بلش تلفوني يدق. شلت التلفون وكان رفيقي المقرب إبراهيم.
        
        ارتخيت على الكنباية ورديت على المكالمة.
        
        "شو الأخبار؟" سألت.
        
        "ما في سلام يا غبي"، قال وأنا ضحكت بسخرية.
        
        "كأنك أحسن مني"، خففت صوت التلفزيون عشان أقدر أسمعه منيح.
        
        "بصراحة أنا مش هون لأتجادل معك، بدي ياك تطلع معي".
        
        "وين؟" سألته.
        
        "زبيدات، قالت إنو عندها شي عرض بدها تعملو بالمدرسة وعزمتني، ما فيني رفضها بتعرف كيف ممكن تكون وجع راس"، قال وأنا لا إرادياً بلشت أفرك رقبتي.
        
        "أي عرض؟" سألت.
        
        "ما بعرف، ما رح نطول، بس تشوف وشي، بفلّ".
        
        "آه! كنت بدي أترك هالنهار لحالي، اليوم سبت كرمال الله!" قلت بإحباط.
        
        "آسف، رح أعوضك، بليز ما فيني روح لهنيك لحالي، رح أزهق كتير"، ترجى.
        
        "أبا، أنت وجع راس"، قلت بانزعاج. أنا وباقي رفقاتو منناديلو أبا عادةً.
        
        "بطل تستهبل وجهز حالك، أنا جايي لأخدك"، قال ونهى المكالمة.
        
        تنهدت وحطيت إيدي على وشي. كنت عم أستمتع بوقتي، وأبا قرر ينهيها. ما كان عندي خيار إلا إني أعمل متل ما قال، مع إني رح ردلو ياها.
        
        وقفت ورحت على حمامي، فرشت سناني وتحممت. لبست منشفة بيضا من الحمام لغرفتي وعم دور بخزانتي على شي لابق لألبسه.
        
        استقريت على بنطلون جينز أسود وقميص رمادي. نسقتو مع كوندرا بالينسياغا السودا تبعي.
        
        لبست تيابي ورحت على المراية، حطيت كريم لشعري ومشطت شعري. شلت مزيل العرق والعطر وحطيت الكمية اللي بدي ياها.
        
        كنت عم ألبس جزمتي لما كان في دقة على الباب. وقفت فوراً ورحت على الباب.
        
        كان أبا، لابس بنطلون جينز أسود وقميص أبيض. لابس كوندرا نايكي بيضا وسودا، ومسرح شعرو بشكل مثالي.
        
        أبا بيحب يترك شعرو طويل متل معظم الشباب، أما أنا فبحب كتير قصة الشعر القصيرة.
        
        "عم تفحصني ولا شو؟" أبا ضحك وأنا درت عيوني.
        
        "ادخل يا غبي"، قلت وتركت الباب ورجعت على غرفتي. سمعت الباب سكر وسمعت خطواتو عم تلحقني.
        
        شلت كوندرا بالينسياغا تبعي ولبستها. شلت محفظتي ومفاتيح سيارتي.
        
        "أنا رح سوق"، قال أبا.
        
        "ما بثق فيك، ممكن تشوف بنت هناك وتقرر تتركني، أنا مش غبي"، قلت وهزيت راسي برفض.
        
        "هاي غلطة مرة وحدة يا زلمة، أنت أكيد بتحتفظ بالأشياء ببالك"، قال أبا وهو عم يضحك بسخرية، وحسيت إني بدي حطمو راسو. هزيت راسي بس وطلعت من الغرفة مع مفاتيح سيارتي.
        
        "فبعدك عم تاخد مفاتيح سيارتك؟" سأل.
        
        "لأ، أنا عم بضحي فيها للآلهة"، قلت وفتحت البوابة. أبا طلع بسيارتو أول شي قبل ما طلع سيارتي، ساعدني سكر البوابة وبسرعة صرنا على طريق زاريا المزدحم.
        
        بعد تلاتين دقيقة وصلنا بخير وسلامة على جامعة أحمد بيللو "زاريا". شفت طلاب عم يمشوا رايحين جايين وصفيت سيارتي جنب محل ما أبا صف سيارتو.
        
        نزلنا من السيارة وشال تلفونو ودق لـ "زبيدات".
        
        بعد دقايق قليلة من الوقوف، إجت "زبيدات" الحلوة باتجاهنا.
        
        "آسفة إني خليتكم تنطروا"، قالت وهي عم تبتسم بابتسامة معدية، رديت عليها بابتسامة.
        
        "ما في مشكلة"، قلت بينما هي حوطت أبا بإيديها وحضنتو، وبوسته على خدو قبل ما تتركو.
        
        أبا ما بان عليه أي تأثر، بان عليه إنو متضايق من هالشي. تبعنا "زبيدات" بهدوء على قاعة وهي عطتنا كراسي نقعد عليها.
        
        "ما فيني ضل معكم، لازم انضم لفرقتي"، قالت وهزينا راسنا، وهي فلّت.
        
        "حبيبتك حلوة"، قلت عم حاول ضايق أبا.
        
        "هي مش حبيبتي، هي رفيقتي"، قال وهو عم يكشّر وأنا درت عيوني.
        
        "مع فوائد، بطل تخدع حالك يا أبا، هي حبيبتك"، قلت.
        
        "هاي طريقتك لتردلي ياها لأني ضايقتك اليوم؟" سأل وهو رافع حاجب واحد.
        
        "يمكن"، قلت.
        
        بلش العرض أو شو ما كان. "الرجاء الترحيب بسليمان عائشة، طالبة تغذية وعلوم الأطعمة، حالياً سنة تانية"، قال المتحدث.
        
        "هي حتى مش أول وحدة بتقدم، إيمتى بدي فلّ من هون اليوم"، أبا تنهد.
        
        بنت صغيرة مش كتير طويلة طلعت على المسرح، كانت لابسة بلوزة بالازو حمرا غامقة وبلوزة سودة ضيقة، كانت حلوة وبتخطف الأنفاس.
        
        شالت الميكروفون من المتحدث وهي عم تبتسم له، الابتسامة كانت معدية وما قدرت غير إني ابتسم أنا كمان.
        
        "اسمي سليمان عائشة"، قالت وعجبتني صوتها فوراً، صوتها كان متل لحن لأذنيي، ابتسمت مرة تانية.
        
        "أبا"، ناديتو.
        
        "همم"، رد.
        
        "سامحتك لأني جبتني لهون"، قلت وابتسم بسخرية.
        
        "ليش؟" ضحك.
        
        "هالبنت اللي على المسرح، هي السبب"، قلت وأنا مبتسم.
        
        "شكلها منيحة بالسرير"، قال بعد ما قيمها.
        
        دعست راسو، "هي مش أداة جنسية، بس اشكر ربك إنها أنقذتك مني"، قلت وهو ضحك بهدوء.
        
        "إيه إيه فهمت"، قال.
        
        عرض عائشة كان عن الأكل الصح اللي لازم ناكلو. عادةً، أنا ما بعطي اهتمام لعروض متل هيك، بس ما قدرت غير إني راقب كيف جسمها بيتحرك، ابتساماتها المستمرة وصوتها الجذاب، حبيت كل شي فيها فوراً وكنت مبسوط مرة تانية إنو أبا جبرني إجي لهون.
        
        
        
        
        
        
        
        "زبيدات" قدمت عرضها الخاص، مع إني ما كنت عم انتبه. عقلي كان مشغول بـ "عائشة" وكيف رح ارجع شوفها. تعمدت إني خلي "أبا" ينطر لآخر العرض عشان يكون عندي فرصة كافية دور على "عائشة".
        
        "لازم نمشي، خلص كل شي"، قال "أبا" وهو عم يتطلع بساعتو.
        
        "إيه، فيك تروح أنت، أنا عندي شي أعملو"، قلتلو، وهو ضحك بسخرية.
        
        "ما تقلي إنك رايح تلحق هالبنت!" ضحك، "أنت اللي عم تتركني هلأ!"
        
        "مبسوط بهالشي"، ابتسمت بسخرية.
        
        "تأكد إنك بتجي لعندي، بدي اسمع القصة كاملة إذا قدرت تحصل عليها"، أبا ضحك.
        
        "إيه، كنت عم فكر اقضي الليلة معك لأزعجك"، قلت وأنا عم فرك دقني بغفلة.
        
        "هالشي رح يكون رائع، رح روح اشتري الـ 'بلاي ستيشن' الجديدة فوراً، رح نقضي ليلة ما بتنتسى"، قال وكلنا ضحكنا.
        
        راح على سيارتو وساق وراح.
        
        بلشت دور بالجامعة كلها على "عائشة"، ولحسن الحظ بعد عشرين دقيقة شفتها واقفة مع بنت سمرا طويلة، وجنب البنت كان في شب طويل، كان طويل متل "أبا".
        
        رحت لقدام وقححت عمداً لألفت انتباهن.
        
        "مرحباً بالجميع"، قلت بحرج.
        
        "كيف فينا نساعدك؟" سألت السيدة السمرا.
        
        "بدي احكي مع "عائشة"".
        
        "أنا؟" تطلعت بالبنت والشب قبل ما تركز نظراتها الحلوة عليي، "كيف فيني أساعدك؟" سألت.
        
        "فيكِ نحكي على انفراد؟" سألت، وهي تطلعت بالبنت مرة تانية اللي هزت راسها بالموافقة.
        
        "تمام، منرجع منحكي بعدين"، قالت للبنت وتبعوني.
        
        رحت على سيارتي وفتحتلا الباب لتقعد.
        
        "هل هالشي ضروري؟" سألت.
        
        "بدك توقفي؟" سألت، هي ابتسمت وقعدت، ورحت على كرسي السائق وقعدت.
        
        "حبيت عرضك كتير"، قلت وهي ضحكت بسخرية.
        
        "شكراً"، ردت.
        
        "على أي حال، اسمي أبو بكر، رفقاتي بينادوني أبو، فيكِ تناديني باللي بدك ياه"، قلتلها.
        
        "عائشة، أنت بتعرف أساساً"، قالت.
        
        "إيه"، رديت وظلينا ساكتين لفترة، مش صمت محرج، بس صمت مريح.
        
        "بحب أكون رفيقك"، كسرت الصمت.
        
        "همم، ليش؟" سألت.
        
        "أنا أمممم أه بس بدي أكون رفيقك"، قلت وأنا عم حاك ظهري راسي وهي ضحكت.
        
        "ما فيك بس بدك تكون رفيق لغريب"، قالت.
        
        "إيه، صحيح"، قلت.
        
        "لازم تحاول أكتر إذا بدك تكون رفيقي"، ابتسمت بسخرية.
        
        "طبعاً"، ضحكت بتوتر، "فيني آخد رقمك؟" سألت بصدق.
        
        "ما فهمت شو قلت قبل شوي، لازم تحاول أكتر"، قالت وهي عم تبتسم بخبث، وعرفت إنو لازم أطلع عن طريقي لأحصل عليها.
        
        وين رح ارجع شوفها؟
        
        "فيكِ على الأقل تعطيني دلائل عن كيف بدي حاول أكتر؟" سألت، عنجد كنت بتمنى تعطيني رقمها.
        
        "لأ، حاول أكتر"، ضحكت بسخرية، "على أي حال، كان حلو إني تعرفت عليك يا أبو بكر، رفيقتي عم تنطرني ولازم روح"، قالت وفتحت الباب، وراقبتها وهي عم تطلع من السيارة.
        
        "آآآه!" ضربت مقود السيارة وأنا عم تنهد.
        
        "من وين بدي بلش؟" فركت صدغي.
        
        بعد ما قعدت بنفس الوضعية شي عشر دقايق، استعدت طاقتي وسقت وطلعت من الجامعة.
        
        وصلت على بيت "أبا"، "أبا" بيعيش مع عيلتو، هو وريث شركات أبوه المتعددة، مليونير شاب وكمان "بلاي بوي" نموذجي.
        
        صفيت سيارتي بالكراج ونزلت لما شفت أخت "أبا" من أبوه، "سمية"، عم تركض باتجاهي، هي بنت عمرها تسع سنين.
        
        "سمية!" صرخت بحماس وهي نطت عليّ.
        
        "عمو أبو، وين كنت؟" سألت وأنا ضحكت.
        
        "كنت مشغول بالشغل"، قلت ونزلتها عم إمسك إيدها الشمال ونحن عم نمشي باتجاه البيت.
        
        لقيت أم "أبا" بغرفة القعدة.
        
        "نهار سعيد يا مدام"، سلمت، وقدرت شوف قديش هي مبسوطة لما شافتني.
        
        "أبو! كتير مبسوطة إني شفتك، ما كنت هون مؤخراً"، قالت بينما "سمية" قعدت بحضنها، عدلتها لتقعد براحة.
        
        "آسف، الشغل كان مرهق".
        
        "عادي عادي"، هي لوحت بإيدها، بعدين إجت أم "أبا" من أبوه على غرفة القعدة.
        
        "أبو كيفك؟" سألت، كانت حاملة طفلها "غاني".
        
        "أنا منيح يا مدام"، قلت وهي ابتسمت.
        
        "رفيقك بغرفتو"، قالت وأنا هزيت راسي.
        
        "رح روح لجوا"، قلت.
        
        "تمام"، ردوا الزوجتين.
        
        أحياناً بفكر قديش "أبا" مبارك عنجد، أو قديش أبوه مبارك. زوجتيه بيحبوا وبيحترموا بعض، ومن الصعب تعرف مين ابن مين من التاني.
        
        فتحت باب غرفة "أبا" بدون ما دق، لقيته لابس بوكسر وضحكت بعد ما شفت مؤخرته العارية.
        
        "يا زلمة كان المفروض تدق الباب"، قال وهو عم يبين عليه إنو متضايق شوي بينما أنا ضحكت أكتر، المي كانت عم تنقط من راسو وعرفت إنو لساتو متحمم.
        
        "مش كرهك، بس روق"، رديت عليه باللغة البيدجينية، هو شال مخدة ورماها عليّ، ضحكت ورميتها عليه وهو قدر يتفاداها بنجاح.
        
        "ف، شو صار مع البنت؟" سأل وهو عم يلبس بنطلونو.
        
        "قالتلي لازم حاول أكتر"، قلت بإحباط، هالمرة كان دور "أبا" ليضحك.
        
        "يعني قالتلك لازم تحاول أكتر، قديش بدك تحاول أكتر؟" سأل.
        
        "ما بعرف أنا بس محتار وما تحاول حتى تضايقني بهالشي"، قلت وأنا عم أطلع فيه بغضب.
        
        "وأنت حولتها رسميًا لموضوع للمضايقة."
        
        أبا كان عند كلمتو، ضايقني طول الليل.
         
        

        روايه بتمناها لي - حب

        بتمناها لي

        2025,

        رومانسية

        مجانا

        بعد غياب طويل، يرجع غيث لقبيلته الرشيدين، ويلاقيها متغيرة ومزدهرة بفضل جهود قائدهم بدر. بينما يفرح غيث بعودته ويكتشف التطورات، يواجه بدر داخليًا صراعًا مع مشاعره تجاه شوق، اللي كانت أمله، لكنها الآن عروس غيث. تتكشف الأحداث بسرعة مع إعلان زواج غيث من شوق، وفجأة تنقلب الفرحة لهجوم على القبيلة، ليجد بدر نفسه في قلب المعركة.

        غيث

        تاجر رجع لقبيلته بعد خمس سنين قضاها في الشام، شخصية حكيمة، ومخلص لأهله وأصدقائه، ويبحث عن الاستقرار.

        بدر

        قائد فرسان قبيلة الرشيدين، يتميز بالقوة والحكمة والشجاعة، مسؤول عن حماية قبيلته، ويخفي مشاعر خاصة تجاه شوق.

        شوق

        أخت الشيخ فارس، وهي المرأة اللي كان بدر يتمناها، لكن الأقدار جمعتها بغيث كزوجة له.
        تم نسخ الرابط
        بتمناها لي

        سنة وأربعة شهور من بعد.
        
        الصبح كشف غطى الدنيا، ومعاه زقزقت العصافير، وطارت أول طلة لها باليوم. الهوا البارد يدور، شايل معاه ريحة الأرض، ناعمة بعد ما غسلتها الأمطار، وملت الأشجار روح فرحة منعشة وثابتة. جاب معاه سحب متفرقة تزين السما الشامخة، اللي تلالأت فيها النجوم المتفرقة زي الجواهر على التاج.
        
        الهوا لبس ثوب شتوي وهو يفتح يدينه لقبيلة الرشيدين. كان قد ودع قبيلة البركان من زمان والحين يدور ملجأ في قبيلة الرشيدين. ارتفعت الأوراق الجافة والشجيرات من الصحراء والهوا يتثاوب ويرمش على شي جاي من بعيد. والهوا يرقص ويتمايل، مخلي الهلال اللي باهت والذئاب النعسانة تتفرج عليه بترقب.
        
        وش اللي خلى الهوا كذا حيوي؟ هو الأمير اللي فقده؟ ولا البنت اللي عيونها وسيعة وبنية؟
        
        الهوا اندفع قدام بشويش عشان ما يفزع زواره. جناحينه انفرجت والتفت حول قافلة مكونة من خمسة خيول وسبعة جمال. تاجر وقافلته كانوا مسافرين من الشام أكثر من شهرين. شوفة قبيلته المحبوبة؛ جابت الطمأنينة لقلبه. يده اليمين شدت على لجام حصانه؛ أخيراً رجع، رجع لتراب قبيلته، رجع لأمه.
        
        ولما قربت القافلة من القبيلة الكبيرة اللي بين جبلين ممتدة على الجانبين، لاحظ غيث التغيرات. حتى من بعيد كذا، كان يقدر يشوف التغيرات لأنها كانت استثنائية. لما غيث غادر قبيلته قبل خمس سنين، كل اللي كان موجود خيام ونخيل وآبار. أما الحين، تغير شي.
        
        غيث ضيق عيونه على البيوت اللي تشبه بيوت الطين في الشام. القبيلة كلها كانت مسورة؛ بعدد لا يحصى من أشجار النخيل. ومن دايرة الشجر، قدر غيث يشوف البيوت متوزعة حول الخيام.
        
        ابتسامته اتسعت. قبيلة الرشيدين كانت مزدهرة. يا ترى أبوه ساكن في واحد من هالبيوت؟ وبدر بعد؟
        
        مع هالخواطر، ابتسامة زينت وجهه الوسيم. غيث طالع ورا كتفه على القافلة اللي وراه. لاحظ كيف كل واحد من الرجال يا جالس سيدة على حصانه أو يمد رقبته عشان يشوف قبيلة الرشيدين بشكل أوضح. وهو يبتسم، غيث واجه قبيلته ولف شماغه حول وجهه ضد الهوا البارد اللي يدور في هالديار.
        
        أعضاء الهوا المشاغبين طلوا داخل الصناديق الخشبية المحملة واندهشوا من البضايع اللي جابها التاجر من الشام. بفضول، داعب خدود التاجر الوسيم، وخلى الرجال يرتجف ويشد ثوبه عليه.
        
        توقفت القافلة عند حدود القبيلة. الرجال اللي متمركزين عند مدخل القبيلة انتبهوا لوصول القافلة. واحد منهم تقدم وسيفه بيده.
        
        "وش جابك هنا؟" سأل الحارس.
        "راجع للبيت." غيث نزل شماغه من على وجهه.
        
        "غيث؟" الحارس عبس. "أنت؟"
        غيث ضحك. "إي والله يا علي. أنا. رجعت بيتي. تسمح لي أدخل قبيلتي؟"
        
        "إي. إي نعم." علي غمد سيفه ورجع خطوة ورا وهو يبتسم.
        ولما حصان غيث مر بين بيوت الطين والخيام، شاف إن القبيلة تعج بالحركة. رجال وحريم يتمشون ويشوفون شغلهم. ارتفعت حواجب غيث من منظر معين قدامه، وهنا ضحك الهوا. قناة ضيقة رائعة تتسلل حول الخيام والبيوت. الموية تلمع في ضوء الشمس الخافت اللي يطل من أشجار النخيل، ويخلي القبيلة تبدو مهيبة.
        
        كيف بحق السما طلعت قناة في القبيلة؟
        عيون غيث استوعبت الناس اللي طلعوا من بيوتهم ومعاهم قدور طين. لاحظ باهتمام وهم يركعون عشان يملون قدورهم موية من القناة الضيقة. لازال مذهول، نظره انتقل للنوافذ الخشبية اللي كانت مفتوحة عشان تدخل نسيم الصبح بدري رغم البرد. على يساره كانت المزارع والإسطبلات والقطعان. الرعاة كانوا خلاص يراعون حلالهم.
        
        غيث وجه حصانه باتجاه ميدان التدريب، وكان يدري إن الشخص اللي يدور عليه بيكون موجود هناك في هالوقت. "حسين، روح لبيت أبوي وفك الحمول من القافلة." كلم واحد من الرجال في القافلة. حسين هز راسه وتوجه لبيت غيث. غيث كان يدري إن حسين يعرف وين خيمة أبوه؛ وإذا فيه بيت مبني مكانها. راح يلاقيه هناك.
        توجه التاجر لميدان التدريب جنب الإسطبل وشاف؛ فعلاً، ثلاثة رجال جالسين جنب خيمة مفتوحة يشربون قهوة وياكلون خبز توه مخبوز. غيث نزل من حصانه البني، وربط اللجام حول جذع نخلة، وتوجه للرجال اللي في الخيمة المفتوحة.
        
        صوت طقطقة لفت انتباه غيث. حرك راسه يمين وشاف إن فيه حطب يحترق جنب الخيمة المفتوحة عشان يوفر للرجال دفى ضد البرد. آآآه! يا زين السكنة في الخيمة. اشتاق لها كثير.
        وبدون ما ينبه الفرسان، نادى غيث، "ريحة هالقهوة تشد."
        
        الرجال اللي في الخيمة رفعوا روسهم للصوت اللي يعرفونه. جبير، واحد من أصدقائه، كان أول واحد يوقف وتقدم لغيث. جبير ضم أخوه، وضربه على ظهره، تقريباً كسر عظامه. وهو يضحك، الرجال ابتعد ولف ذراعه على كتف غيث. "يا مرحبا، يا هلا ومسهلا."
        "كيفك؟" سأل غيث وهو يضحك.
        
        جبير شال يده ورجع خطوة ورا. "الحمد لله. أنت اللي المفروض تقول لنا عن أحوالك."
        خلفان، واحد من أصدقاء غيث المقربين صافحه وهو يبتسم. "والله زين إنك رجعت يا أخوي." بعدين ابتعد عشان آخر شخص في الخيمة يسلم على غيث.
        
        بدر. قائد فرسان الرشيدين. أعز أصدقاء غيث كان آخر واحد يسلم عليه. مع شوفة صقر الفرسان، الهوا وقف أعدل. شرب الابتسامة اللي على وجهه وعرف إن هالرجال هو المجرم اللي سرق جمال الهلال ولبس بريقه في عيونه الذكية.
        
        بدر كان لابس ثوب أبيض وفوقه ثوب بني وغترة بيضا. لحيته كانت أكثف من أول، ومخليته يبدو أجمل وأكثر وقاراً. عيونه الغامقة انكمشت عند الأطراف لما طاحت على صديقه.
        غيث طالع في شكل بدر؛ الرجال تغير؛ صار يبدو أكبر، أكثر حكمة. الشعر اللي كان قصير وصل لأذانيه، العيون الهادية كان فيها خشونة؛ يمكن أحداث الخمس سنين اللي فاتت سببت هالشي.
        
        
        
        
        
        
        
        
        رد بدر فعل جبير وضمه صديقه. "والله، يسعدني رجوعك يا صديقي. بس لازم تشوف أمك أول." همس عشان غيث يسمعه.
        
        ضحك غيث. "آه! مشتاق لها يا بدر، بس قلبي ما يتحمل دموعها. أرسلت أغراضي، وأنا أدري إنها بتبكي يوم تشوفها. بنتظر لين الهوا ينشف دموعها، ولما ينشفها، أمي بتستقبل ولدها بابتسامة." وعلى كلامه، كم واحد من الهوا مشوا.
        "الرجال الحكيم دايم." بدر طبطب على كتف غيث. "تعال، اجلس معنا."
        
        جلسوا الرجال حول حصيرة صغيرة من الخوص. غيث ما كان يصبر ياكل خبز قبيلته والقهوة الطازجة. خلفان صب له قهوة في فنجان طين صغير ومده له. التاجر قرب الفنجان لشفايفه، شم ريحة القهوة القوية، وشربها كلها مرة وحدة. الريحة خلته يغمض عيونه.
        البيت.
        
        تغيرت أشياء كثيرة، ومع كذا، ما كان يعرف عنها إلا القليل من رسايل بدر. بين عيال عمّه وأصدقائه، بدر هو الوحيد اللي غيث يعتبره أخوه. كل هالسنوات وهو يتدرب جنبه، ويقاتل معاه، ما خلى غيث يفكر إنه الولد الوحيد لأهله.
        بدر هو الوحيد اللي كان يدري بكل صعوباته في الشام بسبب التجارة. كل الحيل، الفشل، والإنجازات اللي مر فيها غيث في الخمس سنين اللي فاتت في الشام. كان قد ترك قبيلته عشان يكتشف التجارة وكيف يصير تاجر. كان قرار حكيم، لأنه كسب ثروة حلال كبيرة لأهله. لكن مع الثروة جت المخاطر، الهزيمة، والعزلة. وحشة قوية لدرجة إنه ما عاد يقدر يتحملها، عشان كذا رجع لقبيلة الرشيدين.
        
        بدر كان يدري بكل شي لأنه هو الوحيد اللي مسموح له يقرا رسايله لأمه وأبوه. بس كان فيه شي واحد غيث كان يبغى يقوله له وجه لوجه مو في الرسايل.
        واليوم، راح يسوي هالشي.
        
        جلسوا يتكلمون عن اللي صار في الشام وقبيلة الرشيدين. "زين يوم شفناك بعد سنين طويلة. الواحد كان بيحسب إنك نسيتنا يا غيث." مزح خلفان، وعيونه الخضرا ضاقت.
        غيث بلع التمرة اللي توه أخذ منها قضمة، "أنا أرسلت رسايل."
        
        "أوه، أدري، بس مو لي." خلفان ابتسم بخبث.
        "احمد ربك إنه أرسل رسايل؛ لو كنت أنت يا خلفان، كان ودعت ذكرياتنا بعد." جبير رفع حاجب له، وضحكوا الرجال.
        
        "ذكرياتك كانت أول شي." خلفان رمى نواة تمر على جبير، اللي مسكها ببراعة.
        ابتسامة هادية ارتسمت على شفاه غيث بوجود أصدقائه. عيونه راحت لبدر، وطالع في شكله مرة ثانية وهو معبس شوي. بدال السيف اللي غيث كان متعود يشوفه مع بدر؛ كان فيه فأس محفور عليه خنجر صغير على المقبض الخشبي، موجود على يسار بدر. نفس الشفرة اللي القادة يعطونها للفرسان اللي يعدون الاختبارات ويصيرون جنود في جيش الرشيدين. "ليش الفأس يا بدر؟"
        
        "الواحد لازم يتعلم صنعة كل الأسلحة." أصابع بدر لمست الفأس.
        "ما شاء الله، يليق بك." غيث طبطب على كتف بدر.
        
        "ما أعتقد فيه سلاح في هالكون ما يليق به. بدر قاعد يكتشف فن كل الأسلحة من السنة اللي فاتت." أضاف خلفان.
        
        "السنة اللي فاتت؟" غيث استوعب.
        "إي والله، أنت ما تدري." جبير هز راسه، وعيونه على بدر وكأنه يطلب الإذن.
        
        بدر كح. "أختي،"
        "رغد؟" سأل غيث، وهو يتذكر البنت الصغيرة اللي كانت تلحقه عشان يعلمها ركوب الخيل لأن بدر رفض، وقال إنها خطيرة عليها.
        
        بدر أخذ نفس. "إي، هي الحين،" ابتسامة مفاجئة ارتسمت على شفاه بدر. "زوجة فارس الفرسان."
        غيث وسعت عيونه. "الفارس مبارك البركاني؟"
        
        "إي." بدر ضحك.
        "ما فهمت. ما كان فارس هو اللي كان يبغى يهدم هالقبيلة؟"
        
        "ذا وأكثر."
        "أجل ليش رغد زوجته؟"
        
        بدر طالع في غيث وبعدين حكى له التفاصيل اللي ما منها مفر. زواج رغد، الخاين في قبيلة البركان، مساعدة فارس، والتجارة مع قبيلة البركان. "من يوم ما بدأنا التجارة مع البركان، هجمات قطاع الطرق كثرت على هالقبيلة، عشان كذا لازم نطور المهارات."
        "سامحني يا صديقي. ما كنت جنبك." تنهد غيث.
        
        بدر هز راسه. "لك حياتك اللي تعيشها. ما بسامح نفسي لو رجعت عشان تدبر مشاكلي."
        "عشان كذا ما ذكرت شي من هالشي في رسايلك. عشان كذا رسايلك صارت أقصر؟" غيث حط فنجانه الطيني بشويش.
        
        بدر انحنى لقدام، وغيث لاحظ كيف الرجال صار أكبر. صار أعرض كأنه يجهز جسمه يصير جبل لو ضربت مصيبة. "كان معي خالد وجبير وخلفان. لا تقلق."
        غيث عبس بس هز راسه. أشياء كثيرة صارت هنا، وأشياء كثيرة صارت خلال إقامته في الشام عشان يصير تاجر. لو بس يدرون. غيث كان يدري إن الناس تهمس عن طرق تجارته، عن ذكائه في شوارع بغداد، مدينة الحياة، العلم، والحكمة. كان على وشك الغرق في التعاسة لكنه استمر عشان حياة أفضل.
        
        لو بس يدرون.
        "صحيح إنك صرت تاجر مهم في الشام؟" جبير حس بالضيق، وغير الموضوع.
        
        غيث ابتسم. "الطريق قدامي طويل عشان أصير كذا."
        "دايم أنت المتواضع. كلنا سمعنا عن رحلاتك من بدر." قال خلفان.
        
        "الحياة في الشام مختلفة. الناس أكثر وعي." عيون غيث لمعت. "ناس من كل مكان في العالم يجون هناك للتجارة والتعلم."
        ارتفعت حواجب خلفان باستغراب.
        
        غيث هز راسه. "حتى الأديان المختلفة تعيش بسلام ووئام."
        "جد؟" كان جبير اللي سأل.
        
        "كثير من الطلاب من خارج البلاد يسكنون في الشام عشان يتعلمون من علماء المسلمين."
        على هالشي، خلفان حط فنجانه بعد. "ما شاء الله، أكيد حلو العيشة هناك."
        
        "ما أنكر هالشي. بس البيت يختلف. هوا هالقبيلة هادي."
        ضحك جبير. "كذا؟ رجعت أساساً لأن هوا قبيلتك لطيف؟"
        
        غيث طالع في بدر، اللي كان مبتسم، وبصمت طالع في أصدقائه القدامى وهم يتكلمون. "لا، رجعت لأن أمي تمنت ولدها الوحيد يتزوج." الأصدقاء انذهلوا منه، حتى بدر. "قبل كم شهر، أمي أرسلت لي رسالة تعلمني إنها لقت لي عروس بعد سنين من البحث."
        
        ابتسم الرجال بخبث على هالشي.
        غيث كونه الولد الوحيد، أمّه تأكدت إنها تدور له على عروس مثالية. كان مرة فكر برغد، أخت بدر، بس تجاهل الفكرة لما جبير بين إعجابه ونيته يخطبها. غيث كان يحتاج حجة بس عشان يرجع لقبيلته، ولما قرا الرسالة، بدأ يوقف تجارته.
        
        "مين الحرمة؟" سأل بدر باهتمام.
        غيث هز راسه. "ما أدري. أمي تبغى تعلمني لما أقابلها اليوم."
        
        "وافقت خلاص؟" خلفان استفسر.
        غيث بس طالع فيه.
        
        "ما شاء الله يا غيث. زي اسمك، أنت تغدق البركات على أمك." خلفان ابتسم بخجل.
        الرجال ما طولوا في كلامهم، لأن القهوة بردت، وغيث ما كان يقدر يجلس أكثر بدون ما يشوف أمّه. "لازم أمشي الحين."
        
        وقف بدر زي ما وقف غيث. "بمشي معاك لبيتك."
        "يلا، قدام." غيث شاف بدر وهو ياخذ فأسه ويطلع من الخيمة المفتوحة.
        
        
        
        
        
        
        
        
        طرَف بدر عينه على صديقه، لاحظ كيف حواجبه انعقدت. القلق والأسرار اللي غيث يخبيها في عيونه. رغم غيابه خمس سنين، بدر لسى يقدر يقرأ الرجال زي الكتاب المفتوح. بدر كان يدري إن غيث قال لجبير وخلفان بس جزء من الحقيقة؛ كان فيه شي ثاني قاعد يخفيه، شي يغمّق عيونه السودا.
        
        عكسه، غيث كانت عيونه غامقة وأقصر منه بكم إنش. غيث كان نحيل، زي التاجر. تاجر يلبس ثوب أنيق يمسح الرمل بصنادل جلدية. شعره القصير تحت عمامة غامقة وخنجر معلق من خصره.
        بدر كان يشتهي يسأل غيث عن الظلام اللي في عيونه، لكنه كان يدري إن التاجر محتاج يرجع لأمه ويرتاح شوي. راح يسأله قريب ويوفر أي مساعدة ممكن غيث يحتاجها.
        
        بدر استمر يمشي على الجانب الشرقي للقناة، اللي هو ورجال القبيلة سووها بحفر بئر وفتحوها للقبيلة. ببركة الله وموافقة الشيخ فيصل، بدر بدأ يغير القبيلة. تأكد إنه يكون من اللي شكلوا الطوب، وحفروا البئر، وبنوا بيوت الطين.
        ضحك صقر الفرسان لما غيث طالع في القبيلة بذهول وإعجاب. الأصدقاء كملوا طريقهم سيدة، ولما وصلوا لبيت طين من دورين بنوافذ خشبية، تراجع بدر. غيث فهم حركة صديقه، استدار وصافحه. "ارتاح. بنتقابل بكرة." بدر شاف حرمة واقفة عند الباب الخشبي وما بغى يدخل.
        
        "إن شاء الله. في أمان الله." غيث توجه لبيته، وعيونه تلمع.
        "في أمان الكريم،" همس بدر وهو يشوف أم غيث تفتح الباب الخشبي وتضم ولدها الحبيب.
        
        لف بدر يسار باتجاه وسط القبيلة حيث كان بيت الشيخ فيصل. وهو ماشي، رجال القبيلة سلموا عليه بابتسامة أو مصافحة. صقر الفرسان رد تحياتهم بابتسامة من عنده. فرك يدينه من برد الهوا، وهو يتمنى لو لبس ثوب أسمك. لما وصل البيت، بدر انحنى من عند البباب الخشبي وأعلن وجوده. من يوم ما خالد تزوج، بدر دايم يعلن وصوله عشان ما تواجه أخت زوجته، فاطمة، موقف محرج.
        خالد تزوج قبل سبع شهور بعد ما أمهم فقدت الأمل في بدر. أم بدر، من ذاك الوقت، ما فاتت يوم إلا وهي تحرضه يلاقي عروس أو تسمح لها تلاقي له. لكن بدر دايم كان يختار الصمت. صحة أبوه كانت تسوء كل يوم، وواجبات القبيلة تثقل على كتفيه أكثر وأكثر. عنده قبيلة وناس يحميهم. الحرمة بتلاقي صعوبة في إنها تسوي لها مكان في قلبه مع كل اللي قاعد يصير.
        
        ابتسم بدر لما عيونه طاحت على أخته الصغيرة مها وهي تلعب مع سالم، أخوه، في الحوش. دخل البيت، ومن الغرفة الرئيسية، لف يسار باتجاه غرفة أبوه. وقف بدر عند الباب المفتوح وطالع في وجه الشيخ فيصل النايم. وجهه كان شاحب أكثر من أمس، وجسمه أنحف. بتنهيدة، توجه الولد لغرفته لكنه توقف عند الباب.
        
        أمه كانت واقفة عند النافذة الخشبية تنتظره. لما دخل الغرفة، بدر ابتسم وهز راسه، عارف ليش أمه هنا. صقر الفرسان وقف قدام أمه، انحنى لقدام، وباس جبينها. "ما شاء الله، شكلك جميل مرة اليوم يا أمي." ابتسم بخبث لما أمه ضيقت عيونها بمزح.
        الأم والولد يعرفون بعض زين.
        
        "كيفك؟"
        "توك سألتني نفس السؤال لما طلعت لصلاة الفجر." بدر مسك يدها اليمين بشويش، وجلسوا على فراشه في زاوية الغرفة.
        
        "كنت أظن إنك بتكون..." سكتت وهنا بدر عبس، قلقان.
        "وش السالفة يا أمي؟"
        
        "ما دريت للحين؟"
        "أدري وش؟"
        
        "إن غيث بيتزوج." أم بدر قالتها، وصوتها حزين.
        آه! الخبر انتشر، وعشان كذا أمه الحبيبة قلقانة. بدر عض طرف شفته عشان يخفي ابتسامته. "وش المشكلة في كذا؟" فك عقاله.
        
        "بس فكرت إنك بتكون مهتم شوي."
        بدر رفع حاجب على هالشي. "ما فهمت يا أمي."
        
        "غيث قال لك مين عروسته؟"
        "لا يا أمي. كنا مع بعض الفرسان. فكرت بيكون أحسن أسأله لحالي." على نظرتها القلقة كمل. "أنت تدرين؟"
        
        "أنا أدري من زمان." همست أم بدر.
        "والله ما فهمت عليك اليوم يا أمي. قلقتيني." بدر مسح إبهامه على كفوفها.
        
        "الزواج تحدد بعد ثمانية شهور." أمه عصرت أصابعها.
        "طبعاً تدرين هالشي بعد." بدر ضحك.
        
        "الخطبة الأسبوع الجاي." كملت كلامها وهي تتجاهل ملاحظة ولدها.
        "ما شاء الله، هذي والله أخبار زينة." بدر سوى حركة كأنه بيوقف لكنه توقف عند كلامها اللي بعده.
        
        "هي أخبار زينة يا ولدي؟"
        صقر الفرسان حرك جسمه يمين وطالع سيدة في عيونها اللي متضايقة. "ليش ما بتكون أخبار زينة؟ صديقي، أخوي، بيتزوج."
        
        "شوق."
        بدر بلع ريقه.
        
        "شوق. أخت فارس هي عروس غيث يا بدر." أم بدر طالعته.
        بدر ما سمح لأي تعبير يظهر على وجهه. لكن كتفه شد. بين كل الحريم اللي أمه تمنت إنه يتزوج منهم، بنت الشيخ مبارك دايم كانت الحرمة اللي يتمناها جنبه. بدر حتى دعا إن شوق تكون زوجته مرة أو مرتين.
        
        "هذي أخبار زينة والله. هالزواج بيقوي العلاقة بين قبائلنا."
        أمه تنهدت. بدر رمى راسه ورا وضحك.
        
        كانت تدري.
        "كيف دريتي يا أمي الحبيبة؟" جلس مرة ثانية ولف يده على كتفها.
        
        "عيونك ما طالعتني صدق يوم كنت أتكلم عن زواجك. ولا اسم حرمة ثانية أو مواصفاتها لفتت انتباهك. بس لما يجي طاري شوق بنت قبيلة البركان، أنت تنصت يا بدر."
        
        بدر هز راسه بشويش. "لا تقلقين. ما كانت من نصيبي. دايم ندعي بالأفضل. غيث رجال طيب، وأدعي لهم بحياة هادية." شاف الدموع تسبح في عيون أمه. "يا الله يا أمي، لا تكسرين درعي بدموعك." ضمها بقوة أكثر.
        "أنت تنازلت عن قوتك، عن سعادتك عشان هالقبيلة، والحين الحرمة اللي تمنيتها. كيف ممكن يكون عندي ولد مثلك؟ كيف انعم بولد مثلك؟"
        
        بدر حاول يبتسم. "لأنك أمي. لا تقلقين؛ كل شي بيصير تمام." نزلت دمعة من عين أم بدر.
        الفرسان عرف إنها دمعة تتكلم عن صحة الشيخ فيصل، ومرض سالم، وسوء حظ بدر. الولد أخذ نفس عميق، مو قادر يشوف أمه بهالحالة. كان يبغى يوفر لها شوية سعادة على الأقل لو يقدر، وبدر كان يدري إن كلماته الجاية راح تجلب الفرحة لقلبها الذابل.
        
        
        
        
        
        
        
        
        
        
        "خلاص، وش رايك تدورين لولدك عروس؟ أنا موافق أتزوج." باس يدينها. "ولدك صار رجال كبير الحين. لازم يتزوج قبل لا كل البنات الحلوات يروحون لفرسان ثانيين." وهنا، ابتسامة، ابتسامة ما كان يقصدها، ظهرت على وجهه.
        "أنت صدق تتمنى هالشي؟" واجهت ولدها.
        "إي يا أمي. أتمنى. أنا وصلت سن الزواج، وبصفتي قائد هالقبيلة، أحتاج أحد يساعدني." أعلن بدر.
        "آه! يا ولدي." عصرت يدينه، وهي مبتسمة ابتسامة عريضة. "بلقاقي لك عروس تستاهلك. أحد يقدر يسعدك."
        "كأنك رايحة حرب يا أمي." قال بدر بخفة.
        "أنت ما تفهم يا بدر. إيجاد زوجة لأخوك خالد كان سهل. لكن أنت. طبعك، قلبك الكبير، يقلقوني."
        "إذا كذا، أجل عندي إذنك تعلنين الصيد لزوجتي." مرة ثانية، ضحك ضحكة ما وصلت لعيونه وخلت قلبه يدق بقوة.
        وقف بدر، ومسك فأسه. "وين رايح الحين؟ لازم تاكل."
        الفرسان كح. "فرساني يبغون يتناقشون معي في أمر." الكذبة مشت على لسانه وهو يقولها. بدر بصمت طلب المغفرة من ربه. كان لازم يطلع من هنا. بدر كان محتاج يكون لحاله ويفكر.
        "لازم تاكل أول؛ سالم كان يستناك."
        "برجع قريب. لا تستنوني." وبهالكلمة، طلع من الغرفة ومن البيت. وبمجرد ما طلع برا، بدر توجه للإسطبل حيث كان حصانه.
        زمجر الهوا حوالين بدر وهو حصانه يصهل باتجاه الوادي اللي يبعد دقايق عن قبيلة الرشيدين. الفرسان كان يدري إن الوادي فاضي الحين. حريم الرشيدين وقفوا يروحون له يوم انفتحت القناة في القبيلة عشان الموية. بعد ما ركب دقايق، بدر وقف، نزل، وجلس على صخرة كبيرة. الهوا تسلل بجنبه وضحك بخفة. تذكر كيف رغد مرة جلست على نفس الصخرة، عشان تفكر.
        وهو يطالع في الموية اللي تجري على بعد قدم منه، بدر رجع راسه لورا وتنهد. فعلاً، ضايقه إنه يدري إن بنت الشيخ مبارك، شوق، بتكون زوجة غيث لأنه كان قد قرر أخيراً يخبر أمه عشان يخطب شوق بعد ما سجن اللصوص.
        شكله تأخر شوي.
        بدر تنفس وحاول يفرغ عقله من أفكار شوق. الشمس صعدت وهو يطالع في الموية، وهي تتدفق جنبه. سمكة قفزت من الموية ثم غطست مرة ثانية. الشجيرات تتمايل كل ما رقص الهوا حواليه. كان الجو بارد رغم الشمس، لكن برودة مفاجئة في قلبه خلته يمرر أصابعه في شعره.
        كان قد دعا لشوق، لكن هالشي ما صار. بدر كان يدري إن فيه حكمة في مجرى الأحداث اللي عقله البشري ما يقدر يفهمها. هل هو تأخر كثير؟ هل كان لازم يعبر بدري؟ لازم يكون فيه خير في هالشي، وراح يتمنى الأفضل لغيث، صديقه.
        إذا كان يبغى يرجع لقبيلته كقائد، كل هالخواطر لازم تموت هنا.
        بتنهيدة أخيرة، بدر انزلق بنعومة من على الصخرة ومشى لحصانه. الشمس كانت فوق راسه بالضبط، وكان يدري قريب بيصير وقت صلاة الظهر؛ لازم يرجع الحين. صقر الفرسان ركب حصانه ورجع لقبيلة الرشيدين بأفكار مشتتة وقلب حزين.
        حصانه صهل فوق الأراضي المتشققة، وقريب، غيوم سوداء أغلقت من الجبال اللي حواليها مخفية الشمس العظيمة. صرخة نسر خلت بدر يطالع فوق في السما. ضاقت نظرته الحادة لما عرف نسره يحوم فوق قبيلته. بسرعة، قبضت يده على اللجام؛ حث حصانه يركض. فيه شي غلط؛ نسره ما كان بيترك غرفته إلا إذا؛ فيه شي غلط، وكان يشتهي يوصل رسالة.
        بس لما بدر قرب من قبيلته، قلبه دق بقوة، ورعب شديد غلفه بعباءة مخيفة. بدر مسك فأسه بيده وهو يعبر حدود القبيلة، وبدون ما يوقف، الفرسان قفز من حصانه وغرس نصل فأسه في جمجمة أول رجال شافه.
        "لا تخلونهم يقربون زيادة!" صرخ بدر، وهو يمسح الدم من خده اليمين.
         
        

        حراس الإمبراطورية - رواية تاريخية

        حراس الإمبراطورية

        2025,

        مغامرات

        مجانا

        في مهمة خطيرة لإنقاذ الأمير إدريس وحماية الإمبراطورية من تهديد العدو "هاكار" وخريطته الغامضة. يواجهون تحديات الصحراء القاسية، وتزداد المهمة تعقيدًا مع اختطاف الأمير، مما يجبرهم على استغلال مهاراتهم الفردية في عملية إنقاذ جريئة. تتخلل الأحداث توترات شخصية، خاصة بين زيد وليلى بسبب مأساة سابقة، لكنهم يتجاوزون خلافاتهم من أجل المصلحة العليا للإمبراطورية، ويكتشف الأمير الصغير شجاعته وقوته الحقيقية وسط هذه المحن.

        زيد

        قائد المهمة يحمل عبء ذنب من الماضي يتعلق بليلى وأخيها. هو موضع ثقة السلطان، وتعتمد عليه الإمبراطورية في مهمتها الحاسمة.

        ليلى

        مرشدة ماهرة وخبيرة بالصحراء والنجوم. تحمل غضبًا تجاه زيد بسبب حادثة أليمة أدت إلى وفاة أخيها. على الرغم من ذلك، توافق على مساعدة زيد من أجل الإمبراطورية.

        الأمير إدريس

        ابن السلطان، صبي يبلغ من العمر 12 عامًا. يحمل على عاتقه مستقبل الإمبراطورية بسبب خريطة مرتبطة به. يظهر عليه الخوف والتردد في البداية، لكنه يبدأ في اكتشاف شجاعته وقوته الداخلية خلال الرحلة.
        تم نسخ الرابط
        حراس الإمبراطورية - رواية تاريخية

        0:00 0:00
         بين ممالك عظيمة وظلال الأعداء المتربصين، تنطلق رحلة مصيرية. وسط هذا العالم المليء بالأسرار والمخاطر، يصبح بقاء إمبراطورية عريقة مرهونًا بحماية أمير صغير وخريطة غامضة
         
         وقف زيد ساكنًا في حجرة السلطان، وقفته ثابتة، كتفاه العريضان منتصبتان، وقبعته محكمة بين يديه. الغرفة، رغم عظمتها، كانت تشع بمهابة. الأصوات الوحيدة كانت حفيفًا خافتًا لستائر الحرير التي ترفرف في النسيم، وطنينًا بعيدًا للحياة في المدينة خلف أسوار القصر.
        
        كان السلطان، مهيبًا وآمرًا، يسير أمامه. ثوبه المطرز بالفضة كان يحف الأرض بهدوء، لكن حركاته السريعة والمقصودة كانت تخفي إحساسًا بالإلحاح. رغم حضوره المهيب، كان جبينه متجعدًا، وعيناه تحملان عمقًا من التعب – إرهاقًا يدل على التهديد الوشيك الذي يحدق بإمبراطوريتهم.
        
        "زيد،" بدأ السلطان، صوته منخفض لكنه مثقل بجدية كلماته. "ما كنت لأطلب منك هذا لو كان هناك أي سبيل آخر."
        
        "لقد وثقت بي من قبل يا صاحب الجلالة،" أجاب زيد بنبرة هادئة وثابتة. "ولم أخيّب ظنك أبدًا."
        
        أومأ السلطان بجدية، لكن القلق ظل في نظراته. "هذه المهمة تختلف عن أي مهمة أخرى. ابني، الأمير إدريس، يجب أن يؤخذ إلى مكان آمن – بعيدًا عن الإمبراطورية، بعيدًا عن متناول أعدائنا."
        
        جالت عينا زيد الحادتان نحو الصبي الواقف بهدوء في زاوية الغرفة. لم يكن إدريس يتجاوز الاثني عشر عامًا، لكن وقفته كانت مستقيمة، وتعبيره هادئ بشكل غير معتاد بالنسبة لسنه. ومع ذلك، استطاع زيد أن يرى الارتعاش الخفيف في يدي الصبي، والتردد الذي يرتسم في عينيه.
        
        "الفتى يحمل عبئًا لا يفهمه بعد،" تابع السلطان، وصوته غليظًا بالقلق. "العدو يبحث عن خريطة مرتبطة ببقاء إمبراطوريتنا. تلك الخريطة مرتبطة به. إذا أسروه..." توقف، وثقل التهديد غير المنطوق يخيم في الجو.
        
        أمال زيد رأسه، وتعبيره ثابت. "إلى أين تريدني أن آخذه؟"
        
        "إلى جبل الرماد، بعيدًا في الجنوب،" قال السلطان، وصوته حازمًا. "قليلون فقط يعرفون موقعه، وقليلون جدًا يمكنهم الوصول إليه. ستحتاج إلى التحرك بسرعة، دون لفت الانتباه. بقاء هذه الإمبراطورية يعتمد على ذلك."
        
        لم تتردد نظرة زيد. "اعتبر الأمر منتهيًا."
        
        تقدم السلطان، ويده الكبيرة الخشنة استقرت بحزم على كتف زيد. "أثق بك يا زيد. الله شاهد – لا أثق بأحد أكثر منك."
        
        كانت شوارع المدينة صامتة بشكل غريب تحت غطاء الليل. قاد زيد إدريس عبر الأزقة المتاهة، وعيناه الحادتان تمسحان الظلال، منتبهتين لكل حركة. القمر كان منخفضًا في السماء، يلقي وهجًا فضيًا ناعمًا على الدروب المرصوفة بالحصى، ولكن حتى أضعف أصوات الليل بدت خافتة في السكون المتوتر.
        
        "ابق قريبًا،" تمتم زيد للصبي، الذي أومأ بصمت، وشكله الصغير بالكاد مرئي في الظلام.
        
        وصلا إلى الإسطبلات، حيث كان حصانان ينتظران. ساعد زيد إدريس على امتطاء أحدهما قبل أن يصعد هو على الآخر. كانت الخيول تتحرك بقلق في هواء الصحراء البارد، مستشعرة التوتر الذي خيم في الجو كضباب كثيف.
        
        بينما شد زيد اللجام، مستعدًا للانطلاق، ناداه صوت من الظلال، مما أفزعه.
        
        "مغادرًا دون توديع؟"
        
        تنهد زيد في داخله، وشد فكه، واستدار ليرى صديقه المقرب رشيد يخرج إلى ضوء القمر، ابتسامته العريضة لا تخطئها العين. خرجت أخته التوأم، رانيا، من خلفه، وذراعاها متقاطعتان بإحكام على صدرها، وتعبيرها أكثر جدية مما اعتاد عليه.
        
        "ماذا تفعلان هنا؟" سأل زيد، والضيق يتسرب إلى صوته.
        
        "يمكننا أن نسألك نفس الشيء،" قال رشيد، متكئًا بلا مبالاة على عمود قريب، وابتسامته تزداد اتساعًا. "التسلل خارج المدينة مع ابن السلطان؟ يبدو كمغامرة. وأنت تعلم كم نحب المغامرات."
        
        "هذه ليست لعبة،" نطق زيد بحدة، صوته قاسٍ.
        
        تقدمت رانيا، ونبرتها هادئة لكنها مُلحة. "نعلم ذلك. وهذا بالضبط السبب الذي يجعلك تحتاج إلينا. قد تكون قويًا يا زيد، لكنك لا تستطيع حمايته بمفردك."
        
        انفرجت شفتا زيد وهو يهم بالاعتراض، لكن رشيد قاطعه بيد مرفوعة. "هيا يا زيد. أنت تعلم أننا مفيدون. علاوة على ذلك، لن تستطيع التخلص منا حتى لو حاولت."
        
        تنهد زيد بشدة، وثقل الموقف يضغط عليه. كان يعرف هذين الاثنين جيدًا. كانا عنيدين، وقادرين، ومتهورين بعض الشيء. لكنه لم يستطع أن ينكر فائدتهما – والآن، أدرك، لم يكن لديه خيار سوى قبول مساعدتهما.
        
        "حسنًا،" تمتم زيد، مستسلمًا. "لكنكما تتبعان قيادتي. لا تشتيت. ولا تعيقاني."
        
        كانت ابتسامة رشيد واسعة ومليئة بالمكر. "لن أحلم بذلك."
        
        دخل إلى الإسطبل، تبعته رانيا.
        
        "السلطان لن يمانع استعارتنا لخيوله، أليس كذلك؟" سأل بابتسامة بريئة.
        
        قلبت رانيا عينيها. "لن نسرق خيول السلطان يا رشيد. يمكننا استخدام جمالنا."
        
        "أوه، هيا الآن. الجمال ليست رائعة وقوية مثل الخيول – أعني، انظر إلى هذه الخيول العربية الأصيلة،" أجاب رشيد.
        
        "نعم، نعم، لكن الجمال أكثر ملاءمة للصحراء،" قالت رانيا.
        
        "آها! لكننا ذاهبون إلى الجبال! لذلك سنحتاج إلى الخيول الآن، أليس كذلك؟" صفق رشيد بيديه بفرح.
        
        عبس زيد. "كيف عرفت إلى أين نحن ذاهبون؟"
        
        
        
        
        
        
        هز رشيد كتفيه. "حسنًا يا أخي، أنت لا تأخذ الكثير من القبعات إلا عندما تشرع في رحلة طويلة." وأشار إلى كثرة قبعات الفيدورا المعلقة بحزام حصان زيد.
        "وبالإضافة إلى ذلك، البوصلة على خصرك تشير جنوبًا، ولا توجد سوى جبال في الجنوب."
        
        سخر زيد بخفة. "أنت شديد الملاحظة أكثر من اللازم."
        
        ابتسم رشيد بفخر. "أنا عبقري، بعد كل شيء."
        
        شخرت رانيا. "تواضع يا رشيد. غرورك سيكون سبب سقوطك."
        
        رمقها زيد بنظرة استياء. "هل عليك دائمًا أن توبخي الناس؟"
        
        "توقفا كلاكما،" قاطع زيد. "علينا أن نكون هادئين إذا أردنا المغادرة دون أن نلاحظ."
        
        بينما امتطوا خيولهم وخرجوا من المدينة، ارتفعت نظرة زيد نحو القصر، حيث كان ظل القلعة الضخم يتراجع خلفهم. كانت رياح الصحراء الباردة تضرب وجوههم، لكن زيد لم يستطع التخلص من الشعور بأن هذه المهمة ستصبح أكثر تعقيدًا مما توقعه.
        
        امتدت الصحراء بلا نهاية أمامهم، ولم يكسر اتساعها سوى التكوينات الصخرية العرضية ووشوشة الريح عبر الرمال. أضاء ضوء القمر طريقهم، ملقيًا بظلال طويلة بينما كان زيد وإدريس ورشيد ورانيا يركبون في صمت متوتر. كان الهواء كثيفًا برائحة الغبار ولسعة ليل الصحراء القاسية.
        
        كانت عينا زيد تتحركان ذهابًا وإيابًا، تمسحان الأفق. كانوا يركبون لساعات، وكأن الكثبان الرملية التي لا نهاية لها تمتد إلى الأبد، ومع ذلك، لم يكن هناك أي أثر للعدو. لكن زيد كان يعلم أفضل من أن يعتقد أنهم آمنون. فالعدو لديه جواسيس في كل مكان.
        
        وبينما كانوا يركبون عبر وادٍ ضيق بين جرفين، أبطأت رانيا، اليقظة دائمًا، حصانها ورفعت يدها. "هل ترون ذلك؟" سألت، وصوتها بالكاد مسموع.
        
        ضيق زيد عينيه في الأفق. كان هناك شكل صغير يركض على حافة الوادي، يتحرك بسرعة وبشكل غير منتظم، وكأنه مطارد. تعثر الشكل، ثم استقام، ينظر فوق كتفه وكأنه يتوقع أن يتم الإمساك به في أي لحظة.
        
        "ابعدوا المسافة،" أمر زيد، بنبرة حادة. "قد يكون فخًا."
        
        لكن رشيد، المتهور دائمًا، انحنى إلى الأمام في سرجه، وعيناه تلمعان بالفضول. "أو قد يكون شخصًا يحتاج إلى المساعدة. هيا يا زيد، لا تكن مشبوهًا إلى هذا الحد."
        
        ضيق زيد نظره الحاد. "هذا ليس وقتًا للرحمة يا رشيد. لا نعرف من هي."
        
        ولكن حتى وهو يقول ذلك، دفعته غريزته إلى الأمام. كانت الشخصية تتحرك بسرعة، خطواتها يائسة، أنفاسها متقطعة. كان هناك شيء ما في حركاتها لم يكن صحيحًا. لم تكن مجرد تجري - كانت تهرب من شيء ما. أو شخص ما.
        
        بتذمر من الإحباط، دفع زيد حصانه إلى الأمام، وعيناه تتجهان إلى إدريس والتوأمين. "ابقوا قريبين. إذا كان هذا فخًا، فسنتعامل معه بسرعة."
        
        أغلقوا المسافة بسرعة، وعندما اقتربوا، استدارت الشخصية، وعيناها واسعتان من الخوف. كانت شابة، شعرها الداكن أشعث، وملابسها الصحراوية البسيطة ممزقة ومتسخة، وكأنها كانت تركض لأيام. نظرت إليهم، فزعة، وللحظة، بدا أن الزمن يتباطأ.
        
        "أرجوكم،" تنهدت، وصوتها أجش. "عليكم أن تساعدوني."
        
        لجم زيد حصانه، وضاقت عيناه وهو يدرسها بعناية. "من أنتِ؟ ما الذي يحدث؟"
        
        خطت المرأة خطوة نحوهم، وعيناها ترتعدان بخوف خلفها. "اسمي أميرة،" قالت، وصوتها يرتجف. "أنا... أنا عبدة. هربت من أحد معسكرات هاكار. إنهم... إنهم يطاردونني."
        
        تبادل التوأمان النظرات، لكن زيد رفع يده، أسكتهما. درس أميرة بتركيز، يزن كلماتها. كان خوفها واضحًا، وشيء في عينيها أخبره أنها لا تكذب. كان هناك نوع من الخامة في يأسها، أصالة لا يمكنه تجاهلها.
        
        "هاكار إذن... لقد أسرك العدو؟" سأل زيد، وصوته يلين قليلاً.
        
        أومأت أميرة بسرعة. "نعم. إنهم... يخططون لغزو أراضيكم. سمعتهم يتحدثون عن خريطة - خريطة تقود إلى كنوز مخبأة. إنهم بحاجة إليها، ويعتقدون أنني أعرف شيئًا عنها. لكنني لا أعرف - أقسم أنني لا أعرف. أنا فقط أعرف أنهم سيستخدمونها لتدمير كل شيء في الإمبراطورية."
        
        اشتدت نظرة زيد، وتبادل نظرة قصيرة ومتوترة مع رشيد ورانيا. خريطة مرتبطة ببقاء الإمبراطورية، كنوز مخبأة، والعدو يستخدمها لإحداث الفوضى - كل ذلك يتوافق تمامًا مع ما قاله له السلطان.
        
        نظر إليها زيد بحذر. "مرحب بك للانضمام إلينا، ولكن يجب أن تعلمي أنه ليس لدينا وقت للتشتت. إذا رأيتِ شيئًا، أو سمعتِ شيئًا، يجب أن تتكلمي الآن."
        
        ألقت رانيا على زيد نظرة تقول "كيف يمكننا أن نثق بها" لكن زيد تجاهلها وعدل قبعته. وهذا يعني أنه كان يعرف ما يفعله. تنهدت وعادت لتنظر إلى أميرة.
        
        نظرت أميرة من زيد إلى إدريس، ولانت نظرتها عندما التقت عينا الأمير. ابتلعت بصعوبة، وكأنها تستجمع قوتها. "شكرًا لك. سأساعد قدر استطاعتي. إنهم معسكرون إلى الجنوب من هنا مباشرة. إذا واصلتم طريقكم الحالي، فسوف يجدونكم. لديهم كشافة في كل مكان - جواسيس، مخبرون. ستسيرون مباشرة إلى فخهم."
        
        شد زيد فكه. كان قد اشتبه في ذلك. لطالما كان الطريق إلى الجبل الخفي محفوفًا بالخطر، لكنه الآن بدا أكثر غدرًا.
        
        "إذن ماذا تقترح أن نفعل؟" سألت رانيا.
        
        "أعرف طريقًا،" قال زيد، صوته منخفضًا. "لكنه ليس آمنًا. هناك غابة أمامنا - تسمى الغابات المظلمة. إنها مليئة بالحيوانات البرية، ويقولون إنها المكان الذي تقطن فيه قوى الشر. سآخذكم عبرها، لكننا لا نستطيع المرور دون مساعدة. هناك طريقة واحدة فقط للتنقل فيها بأمان."
        
        رمشت رانيا في حيرة، وعيناها تبحثان في وجهه. "وهذا هو المكان الذي نحتاج للذهاب إليه؟"
        
        أومأ زيد، ونظرته بعيدة. "نعم، لكن لا يمكنني أن أرشدنا عبر الغابة بمفردي. الوحيدتان اللتان تعرفان كيفية التنقل فيها هما أم صفية وليلى."
        
        "من؟" سألت أميرة.
        
        تردد رشيد، "حسناً، إنهما صديقتان... عاشتا على الجبل لسنوات كما تعلم، وهما الوحيدتان اللتان يمكنهما قيادتنا بأمان عبر الطريق الغادر."
        
        اتسعت عينا أميرة بالفهم. "إذن يجب أن نذهب إليهما."
        
        شد زيد شفتيه. "نعم. أعتقد ذلك. سيتعين علينا أن نسلك الطريق الأطول والأكثر خطورة للوصول إلى هناك. الأعداء يقتربون، وليس لدينا الكثير من الوقت."
        
        نظر زيد إلى رفاقه - إدريس، رشيد، ورانيا - وبدون كلمة، امتطوا جميعًا خيولهم، مستعدين للرحلة الطويلة نحو جبل أم صفية وليلى. كانت الصحراء شاسعة، لكن الوقت لم يكن في صالحهم، وكانوا بحاجة إلى كل ميزة يمكنهم الحصول عليها.
        
        بينما كانوا يركبون في الليل، والرياح تزداد قوة وتثير رمال الصحراء، لم يستطع زيد إلا أن يشعر أن الرحلة الحقيقية قد بدأت للتو. الغابة المظلمة كانت مكانًا قليلون من تجرأوا عليه، وأقل منهم عادوا. لكنها كانت أملهم الوحيد.
        
        
        
        
        
        
        
        
        
        امتدت الصحراء بلا نهاية، محيط شاسع من الكثبان الذهبية تتلألأ تحت نظرة الشمس القاسية. عدلت ليلى حزام حقيبتها وشدت الوشاح حول وجهها، وعيناها الحادتان تمسحان الأفق. من مكانها العالي فوق الجبال، كان بإمكانها رؤية كل شيء – الصحراء اللانهائية، الجبال في الأفق، القرية البعيدة بالأسفل، والخط الباهت حيث يلتقي الأفق بالسماء.
        
        كان هذا ملاذها، جبلها. النجوم في الأعلى كانت رفيقاتها، والرمال المتحركة بالأسفل لوحتها. ومع ذلك، حتى ثبات عالمها بدا هشًا اليوم.
        
        "ليلى!"
        
        كسر الصوت شرودها. استدارت لترى والدتها، أم صفية، تقف خلفها، ذراعاها متقاطعتان ونسر جاثم بلا مبالاة على كتفها. كان حضورها، كالعادة، يشع بسلطة هادئة لا تستطيع حتى المخلوقات الأكثر جموحًا مقاومتها.
        
        "هل كنتِ تراقبين السماء طوال اليوم مرة أخرى؟" سألت أم صفية، نبرتها نصف عتاب ونصف حنان.
        
        ابتسمت ليلى بخبث. "ليس طوال اليوم، فقط منذ الفجر. السماء صافية بشكل غير عادي – إنه الوقت المثالي لتحديث خرائط النجوم الخاصة بي."
        
        تنهدت والدتها، واقتربت لتنظر إلى الرق المتهالك في يدي ليلى. كانت الخطوط المعقدة للكوكبات مضاءة بضوء الشمس الخافت. "النجوم ستبقى دائمًا هناك يا ليلى. لكن ما هو قادم على الأرض لا يمكن تجاهله."
        
        عبست ليلى. كانت كلمات والدتها الغامضة غالبًا ما تخفي حكمة لن تقدرها إلا لاحقًا. "ماذا تقصدين؟"
        
        "هناك همسات حرب،" قالت أم صفية، وصوتها ينخفض. "رجال من الجنوب يتحدثون عن جيش عدو يقترب من حدود الإمبراطورية. هاكار يسمون قائدهم. يقولون إنه يبحث عن شيء – شيء مرتبط بالسلطان."
        
        شعرت ليلى بقشعريرة تسري في عمودها الفقري رغم حرارة الصحراء. "ماذا يمكن أن يريدوا من السلطان؟ الإمبراطورية واسعة وقوية."
        
        "القوة لا تعني شيئًا بدون وحدة،" قالت أم صفية بهدوء. "والوحدة هشة مثل كثيب رمل في الريح."
        
        قبل أن تتمكن ليلى من الرد، وصل صوت خافت لحوافر الخيل إلى أذنيها. تيبست، وتحركت يدها غريزيًا إلى الخنجر عند حزامها. الزوار كانوا نادرين في هذا الارتفاع من الجبل، والزوار غير المتوقعين عادة ما يعنون المتاعب.
        
        "ابقِ هنا،" أمرت والدتها، وصوتها حازم لكنه هادئ. سلمت ليلى النسر الجاثم على كتفها. "وراقبي السماء."
        
        عند سفح الجبل...
        
        كان وجه زيد غير مقروء كالعادة، وعيناه الداكنتان تمسحان مسار الجبل الوعر بدقة. كان ابن السلطان، إدريس، يجلس بشكل غير مريح على حصانه خلفه، يعبث باللجام.
        
        "هل أنت متأكد أن هذه فكرة جيدة؟ هي ليست على أفضل وفاق معك بعد كل شيء،" سأل رشيد، وصوته بالكاد مسموع.
        
        تنهد زيد ببطء. "ليس لدينا خيار آخر، أليس كذلك؟"
        
        استدار إلى رشيد ورانيا. "انتظرا هنا. سأقابلهما أنا وإدريس بمفردنا،" أمر.
        
        تأفف رشيد. "لماذا لا؟ كيف؟ لماذا بحق الأر—"
        
        دفعته رانيا قليلاً. "حتى لا تحرجه كما تفعل دائمًا،" شخرت.
        
        شهق رشيد. "أرجو المعذرة؟" استدار إلى زيد، آملًا أن يختلف معه، لكن النظرة المذنبة على وجه زيد أثبتت العكس.
        
        تأوه. "حسنًا، اذهب بمفردك إذن."
        
        أومأ زيد وتوجه أبعد نحو سفح الجبل.
        
        وصلا إلى سفح جبل خالد، حيث ظهرت شخصية من الظلال. كانت أم صفية تنتظر، وحضورها مهيب رغم هدوء تصرفاتها.
        
        "زيد،" رحبت به ببرود، وعيناها تنظران إلى الصبي خلفه. "لقد جلبت رفاقًا."
        
        "السلام عليكم يا أم صفية،" أجاب زيد بإيماءة. "أحتاج أن أرى ليلى."
        
        رفعت أم صفية حاجبها. "أنت لست مرحبًا بك هنا تمامًا يا زيد. أنت تعلم ذلك."
        
        "أعلم... أنا لست هنا لاستقبال حار،" قال زيد، وهو ينزل من حصانه. "أحتاج مساعدتها."
        
        قبل أن تتمكن أم صفية من الرد، قطع صوت آخر التوتر.
        
        "لديك بعض الجرأة للعودة إلى هنا."
        
        كانت نبرة ليلى حادة، وشكلها النحيل يظهر كظل على خلفية الصخور بينما كانت تنزل مسار الجبل. كانت معطفها الطويل الأشعث ينسدل خلفها، وعيناها تحترقان بغضب بالكاد مخفي. كانت ليلى امرأة قصيرة، غامضة ومع ذلك صريحة. كانت عيناها بلون بني. بني فاتح مثل رمال الصحراء التي قبلتها الشمس.
        
        "ليلى." تنهد زيد.
        
        "لا تقل لي 'ليلى'!" صاحت، وشدت يدها على حزام حقيبتها. "ماذا تريد؟"
        
        "أحتاج مرشدًا،" قال زيد ببساطة.
        
        أطلقت ليلى ضحكة مريرة. "مرشدًا؟ جئت كل هذه المسافة لتطلب مني أن أرشدك؟ بعد ما حدث في المرة الأخيرة؟"
        
        شد زيد فكه، لكنه لم يرد.
        
        تقدمت أم صفية بينهما، وصوتها هادئ لكنه حازم. "كفى. أيًا كان التاريخ الذي تتشاركان فيه، الآن ليس وقت إعادته. ما هذا الأمر يا زيد؟"
        
        نظر زيد إلى إدريس، الذي تحرك بشكل غير مريح تحت ثقل نظراتهما. "هذا ابن السلطان، يحتاج إلى أن يؤخذ إلى جبل الرماد. الطريق الرئيسي مسدود من قبل العدو. أحتاج أن أسلك الطريق الخفي عبر الغابة."
        
        تجمدت ليلى، وضاقت عيناها. "الغابة المظلمة؟ أنت مجنون. لن تتمكن من المرور."
        
        "ليس بدون مساعدتك،" قال زيد.
        
        هزت ليلى رأسها، واشتد تعبيرها. "ابحث عن شخص آخر. لن أخاطر بحياتي من أجلك - أو من أجل أي شخص آخر."
        
        "هذا ليس عني،" قال زيد، صوته هادئ لكنه ثابت. "هذا عن الإمبراطورية. إذا وقع الصبي في الأيدي الخطأ، فلن تكون حياتي وحدها على المحك - بل حياتك، وحياة والدتك، وحياة الجميع."
        
        ترددت ليلى، وثقل كلماته يغوص فيها. نظرت إلى والدتها، التي أومأت قليلاً.
        
        "أنا لا أدين لك بشيء يا زيد،" قالت أخيرًا، وصوتها بارد. "لكني سأفعلها - من أجل الإمبراطورية، وليس من أجلك."
        
        أمال زيد رأسه. "هذا كل ما أطلبه."
        
        بينما استدارت ليلى لتستعد، انقبض قلبها. ذكريات ضحكات أخيها الأصغر - من اليوم الذي جاء فيه زيد إلى جبلها طالبًا مساعدتها - تومض في ذهنها. دفعتها بعيدًا. هذا لم يكن عن الماضي.
        
        أو هكذا قالت لنفسها.
        
        صعدت المسار الصخري عائدة نحو منزلها الصغير، قبضتاها مشدودتان. كل خطوة بعيدًا عن زيد بدت وكأنها محاولة للهروب من سيل الذكريات التي تهدد بإغراقها.
        
        
        
        
        
        
        
        
        كان اليوم الذي وافقت فيه على مساعدته في مطاردة هارب خطير من المفترض أن يكون رحلة بسيطة - رحلة تحولت إلى كابوس. كانت لا تزال ترى ابتسامة أخيها الأصغر المشرقة وهو يصر على الانضمام إليهما. "أريد أن أرى العالم مثلك يا ليلى،" قال، وصوته مليء بالإثارة.
        
        هزت رأسها وكأنها تريد أن تتخلص من الذكرى. تلك الرحلة نفسها أودت بحياة أخيها. وعلى الرغم من القبض على الهارب، إلا أن الخسارة كانت لا تطاق. صمت زيد بعد ذلك بدا وكأنه خيانة. لا اعتذار، ولا اعتراف بالألم الذي سببه.
        
        "ليلى." أعادتها صوت والدتها إلى الحاضر.
        
        "ماذا؟" صاحت ليلى، ثم هدأت عندما رأت نظرة والدتها التي تعرف كل شيء.
        
        درستها والدتها للحظة قبل أن تتحدث. "هذا اختبار من الله. لا تدعي غضبك يحجب حكمك."
        
        تنهدت ليلى، وارتخت كتفاها. "هل تظنين أنني لا أعلم ذلك؟ لكن رؤيته مرة أخرى - كأنها تمزيق جرح قديم."
        
        "أفهم." تقدمت أم صفية، ووضعت يدًا مطمئنة على كتف ابنتها. "لكن في بعض الأحيان، نُدعى إلى التسامي فوق ألمنا من أجل شيء أعظم. هذا ابن السلطان، وإذا كان هذا الموقف مهمًا كما يدعي زيد، فعليك أن تفكري في المصلحة العليا."
        
        أومأت ليلى على مضض. "سأفعل ذلك. لكنني لن أغفر له."
        
        "المغفرة ليست له - إنها لكِ،" قالت أم صفية بلطف.
        
        هزت ليلى كتفيها بلا مبالاة واستدارت للاستعداد للرحلة.
        
        انتظر زيد عند سفح جبل خالد، وتعبيره لا يزال غير مقروء كالعادة. جلس إدريس في مكان قريب، يركل الرمال بحذائه بلا مبالاة.
        
        "لا يبدون متحمسين لرؤيتك،" قال إدريس، كاسرًا الصمت.
        
        "الأمر معقد،" رد زيد بلهجة مقتضبة. لم يكن ليشرح ما حدث لصبي يبلغ من العمر 12 عامًا.
        
        رفع إدريس حاجبًا. "لديكما تاريخ، أليس كذلك؟"
        
        ألقى زيد نظرة حادة، لكن الصبي لم يرتعش. "ركز على المهمة التي أمامنا يا إدريس. هذا ليس عني أو عن ليلى."
        
        قبل أن يضغط إدريس أكثر، لفت انتباههما صوت خطوات. ظهرت ليلى من الممر، وحقيبتها متدلية على كتفها وقوس مثبت على ظهرها. كان وجهها يعلوه قناع من التصميم، على الرغم من أن عينيها خانتا عاصفة المشاعر الكامنة.
        
        "أنا جاهزة،" قالت بحدة. خرجت أم صفية من خلفها.
        
        "وأنا ذاهبة أيضًا، لن أفقد اثنين من أبنائي على يديك،" رفعت حاجبيها.
        
        بلع زيد ريقه وأومأ، ثم امتطى حصانه. "علينا أن نغادر على الفور."
        
        التفتت ليلى إلى إدريس. "كم عمرك؟ هل يمكنك الركوب؟"
        
        تردد إدريس، ثم أومأ. "عمري 12 عامًا هذا العام. لست خبيرًا، لكنني سأتدبر الأمر."
        
        "حسنًا، التزم بالقرب،" قالت ليلى، وصوتها يلين قليلاً. "ولا تبتعد. الصحراء لا ترحم."
        
        أومأ إدريس، وبدا عليه الارتياح الواضح من لطفها.
        
        صعدت أم صفية على حصانها بينما ساعدها زيد في تعليق حقيبة مؤنها على الحصان.
        
        بينما بدأت المجموعة رحلتها، كان التوتر بين ليلى وزيد ملموسًا. لحق رشيد ورانيا، اللذان كانا يسيران على مسافة قصيرة خلفهما، أخيرًا بهما.
        
        "انتظرا!" نادى رشيد، وصوته خفيف ومرح.
        
        ابتسمت ليلى بخبث، "يا إلهي. ماذا يفعل هنا؟"
        
        "قصة طويلة،" تمتم زيد.
        
        "لم نتمكن من ترك زيد يستمتع بكل المتعة،" قال رشيد بابتسامة، وهو يهرول بجانبهما. "بالإلى أنكما ستحتاجان إلى مساعدتنا. أعني، هل يمكنكما أن تتخيل زيد يحاول الحفاظ على خفة الظل؟ الرجل عبارة عن سحابة رعدية متنقلة."
        
        قلبت رانيا عينيها. "تجاهليه. نحن هنا لأننا مفيدون."
        
        حيّت ليلى رانيا بابتسامة وأشارت إليها بالاقتراب.
        
        كانت ليلى تعرف التوأمين منذ فترة. كانت ليلى ورانيا تتعلمان معًا في مركز تعليم المساجد بالقرب من منزل رانيا. كانت لديهما رابطة قوية ووجدتا كلاهما متعة في إزعاج رشيد.
        
        لاحظت امرأة تركب مع رانيا. "من هي؟" التفتت إلى زيد.
        
        "فتاة عبدة، من أحد معسكرات هاكار،" أجاب بصوت منخفض.
        
        سخرت ليلى، "هاكار؟ العدو؟ أنت تثق بأي شخص، أليس كذلك؟"
        
        شد زيد أسنانه لكنه تجاهلها.
        
        مررت أم صفية نظرة إلى ليلى تخبرها ألا تقول أي شيء آخر.
        
        ركب رشيد ورانيا خلفهما يتجادلان حول من يمتلك أفضل حصان بينما ركبت أميرة بجانب أم صفية التي استغلت الوقت للتعرف عليها.
        
        نظرت ليلى بين التوأمين وهما يتجادلان، الفتاة العبدة، الأمير وزيد، غير متأكدة ما إذا كانت تشعر بالتسلية أم بالضيق. "هذا بدأ يبدو وكأنه قافلة أكثر من كونه مهمة سرية."
        
        "سوف يزداد سوءًا،" تمتم زيد تحت أنفاسه، على الرغم من أن شفتيه ارتجفتا فيما قد يكون ظل ابتسامة خبيثة.
        
        حل الظلام.
        
        نصبت المجموعة مخيمها تحت مجموعة من أشجار النخيل، وكانت السماء أعلاه حافلة بالنجوم.
        
        قُسّم المخيم إلى قسمين. مكان على اليمين للنساء وعلى اليسار للرجال. وخلق حاجزًا كثيفًا من الصبار البري بينهما.
        
        جلست ليلى بعيدًا عن الآخرين، ترسم الأبراج بعناية على ورقة جديدة من الرق.
        
        "ما زلت تفعلين ذلك؟" أزعجها صوت زيد وهو يقترب منها. كان يحمل في ذراعيه عصيًا لتغذية النار.
        
        نظرت إليه لترى أنه يقف على بعد أقدام قليلة، وتعبيره غير مبال كالعادة.
        
        "لماذا لا أفعل؟" أجابت، ونبرتها حادة.
        
        تردد زيد، ثم جلس على مسافة قصيرة منها. "خرائطك كانت دائمًا دقيقة. أفضل من معظم رسامي الخرائط الذين عملت معهم."
        
        امتعضت ليلى من الإطراء، غير متأكدة ما إذا كان حقيقيًا أم خدعة. "هل من المفترض أن ينسيني ذلك ما حدث؟"
        
        "لا،" قال زيد بهدوء. "لا أتوقع منك أن تنسي. أو أن تغفري."
        
        "جيد،" صاحت، وعادت تركز على خريطتها.
        
        امتد الصمت بينهما، مثقلاً بكلمات غير منطوقة. أخيرًا، تحدث زيد مرة أخرى. "كنت مسؤولًا عن سلامة أخيك، وفشلت. حملت هذا الذنب كل يوم منذ ذلك الحين."
        
        تجمدت ليلى، وقلمها معلق فوق الرق. لم تنظر إليه، لكن صوتها كان مشدودًا عندما تحدثت. "الذنب لا يعيده."
        
        "أعلم،" قال زيد. "لكنني أحاول إصلاح الأمور الآن. من أجل إدريس. من أجل الإمبراطورية."
        
        لم ترد ليلى. ركزت على خريطتها، الخطوط والنجوم المألوفة تجعلها ثابتة بطريقة لا يمكن للكلمات أن تفعلها أبدًا.
        
        "اذهب للنوم يا زيد، أمامنا رحلة طويلة،" قالت أخيرًا وهي تقف وتنفض عن نفسها الغبار قبل أن تتجه إلى الجزء المخصص للنساء من المخيم.
        
        تنهد زيد. "الحمد لله."
        
        استدار ليرى رشيد يطل من خلف شجرة. عبس قبل أن يمر بجانبه دون أن يلاحظه.
        
        "ستتغير الأمور،" ضحك رشيد بعصبية، محاولًا مواساة صديقه.
        
        واصل زيد تجاهله وهو يرمي العصي في النار واحدة تلو الأخرى. ثم أخرج بطانية صوفية صغيرة ونشرها قبل أن يستلقي عليها.
        
        تنهد رشيد واستلقى على الجانب الآخر.
        
        "كل ما يحدث له سبب وجيه،" تثاءب.
        
        
        
        
        
        
        
        
        صباح اليوم التالي
        "هل ستتوقف عن الكلام أبدًا؟" تمتمت رانيا لراشد وهو يشرع في حكاية أخرى عن شجاعته المزعومة.
        
        "هل تبدأين بالحديث أبدًا؟" رد عليها بابتسامة.
        
        قلبت رانيا عينيها وهي تحرك إبريق الشاي أمامها.
        
        نظرت ليلى إليهما باختصار، ابتسامة خافتة تعلقت على شفتيها قبل أن تجبرها على الاختفاء. كان التوأمان يتجادلان دائمًا تقريبًا، لكنهما على الأقل كانا يوفران بعض التشتيت عن أفكارها.
        
        تخلل برودة الليل بينما تفكك المجموعة معسكرها، وأنفاسهم مرئية في هواء الصحراء البارد. كانت الرمال تحت أقدامهم ثابتة وباردة، وحرارة النهار لا تزال بعيدة بساعات. صلوا صلاة الفجر واستعدوا لمواصلة رحلتهم.
        
        وبينما امتطوا خيولهم، رسمت أولى بوادر الفجر الأفق بألوان وردية وبرتقالية باهتة. كشف الضوء عن الأنماط الدقيقة المحفورة في الكثبان الرملية بفعل الرياح – تلال ودوامات بدت أشبه بالخط العربي، وكأن الصحراء نفسها تكتب تاريخها الخاص.
        
        كان الطريق أمامهم ضيقًا ومتعرجًا، لا يحده سوى كتلة عرضية من الشجيرات أو بقايا أشجار ميتة منذ زمن طويل. كان الهواء ثقيلًا بالصمت، لا يقطعه سوى صوت حوافر الخيل الناعمة على الرمال وصيحة بعيدة لصقر يحلق في السماء.
        
        تولت ليلى القيادة، وعيناها الحادتان تمسحان الأفق بحثًا عن أي علامات خطر. وإلى جانبها، حافظ زيد على وتيرة ثابتة، ويده لا تبتعد عن مقبض سيفه. ركب رشيد ورانيا جنبًا إلى جنب، وتخفت مشاجراتهما بفضل هدوء الصباح الباكر. إدريس، الذي لم يكن معتادًا على مثل هذه التضاريس القاسية والسفر، وجد صعوبة في مقاومة البرد القارس.
        
        كانت الصحراء تستيقظ حولهم. سحالي صغيرة تتسلل بين الصخور، وحركاتها سريعة ومتوترة. ظهر قطيع من الغزلان لفترة وجيزة في الأفق قبل أن يختفي خلف كثيب. صعدت الشمس أعلى، تلقي بظلال طويلة عبر الرمال وتغمر العالم بضوءها القاسي.
        
        نظرت ليلى فوق كتفها إلى المجموعة، وتوقفت نظرتها على زيد للحظة أطول مما كانت تنوي. التقت عيناها لفترة وجيزة قبل أن يخفض نظره، وتعبيره مغلق كالعادة.
        
        عادت إلى الطريق أمامها، وشدت قبضتها على اللجام. مهما كان ما يكمن في الغابة المظلمة، كانت تعرف شيئًا واحدًا مؤكدًا: هذه الرحلة لم تنته بعد. كانت الرحلة إلى الغابة طويلة، لكن الرحلة بعدها أطول.
        
        الوصول إلى القرية
        ساد الهدوء حتى الظهر حيث اقتربوا من قرية كبيرة في وسط الصحراء.
        
        كانت القرية تلوح في الأفق بينما كانت الشمس تنخفض في السماء، تلقي بظلال طويلة عبر رمال الصحراء. بدت جدرانها الطينية متينة ولكن بالية، دليلًا على سنوات من العواصف الرملية وصيفات حارة. بينما اقتربت المجموعة من البوابة، أبطأت ليلى حصانها وأشارت للآخرين بالتوقف.
        
        "إدريس، انزل،" أمرت، وهي تنزلق من حصانها.
        
        عبس إدريس. "ماذا الآن؟"
        
        سارت ليلى إليه دون إجابة، ففكت حزام الفضة حول خصره. رفعته، وتصميمه المعقد يلتقط الضوء الخافت. "هل تريد أن يعرف العالم كله أنك أمير؟ هذا يمكن أن يكون علامة تقول 'اخطفني'."
        
        "إنه مجرد حزام،" تمتم إدريس، وعقد ذراعيه.
        
        "إنه دعوة،" ردت ليلى، حاشية الحزام في حقيبته وسحبت وشاحًا باليًا من حقيبتها. لفته حول كتفي الصبي، وسحبته لأسفل ليخفي وجهه. "من الآن فصاعدًا، أنت لست ابن السلطان. أنت... ابن زيد."
        
        "ماذا؟" قال إدريس وزيد في نفس الوقت، على الرغم من أن نبرة زيد كانت أقل إعجابًا بكثير.
        
        "سمعتني،" قالت ليلى. "سيكون الأمر منطقيًا عندما نصل إلى البوابة. أعرف الحارس، سيصدقني، فقط تظاهرا."
        
        ابتسمت رانيا بخبث وهي تنزل. "إذا كان زيد هو الأب، فمن هي الأم؟"
        
        "ميتة... لأنها لم تستطع العيش مع شخص فاشل مثل زيد،" شخر رشيد.
        
        نظر إليه زيد بغضب. "قل كلمة أخرى، وستأكل الرمال على العشاء."
        
        التفت إلى ليلى، "الحارس يعرفني. وهو يعلم أيضًا أنني لست متزوجًا. لن يصدقك."
        
        "بالتأكيد سيصدق، سنجعل الأمر يبدو وكأننا لم نذكر له أنك كنت متزوجًا من قبل،" أكدت ليلى.
        
        سارت المجموعة المسافة المتبقية إلى بوابة القرية، حيث كان رجل عجوز يتكئ بكسل على عصا خشبية. ضاقت عيناه عندما رآهم، وتوقفتا عند ليلى.
        
        "ليلى،" قال بلهجة بطيئة، ونبرته مزيج من الشك والتضجر. "أي نوع من المتاعب تجلبين هذه المرة؟ وأرى أنك جلبت صياد الجوائز أيضًا."
        
        مال زيد قبعته إلى الجانب بابتسامة مائلة، "السلام عليكم يا عمي."
        
        نق الرجل لسانه وعاد لينظر إلى ليلى.
        
        "لا متاعب يا صديقي القديم،" قالت ليلى، مبتسمة ابتسامة ساحرة. "فقط عابرون مع... طاقمي." أشارت إلى الآخرين. "زيد، رشيد، رانيا، أميرة، أم صفية، و..." ترددت، ناظرة إلى إدريس. "ابن زيد."
        
        رفع حارس البوابة حاجبًا، وتوجهت نظراته إلى زيد. "ابنه؟ هذا؟ أعرفكما منذ سنوات - لم تخبراني أبدًا أن لديك ابنًا."
        
        "أنا لم أفعل؟ لا بد أنني فعلت ذلك،" قال زيد، وعقد ذراعيه.
        
        هز الرجل العجوز رأسه ولكنه تنحى جانبًا، متمتمًا، "مثيرو مشاكل، كلكم. ادخلوا ولا تثيروا المشاكل."
        
        أمرت ليلى زيد بابتسامة ظافرة، "قلت لك إنه سيصدقنا."
        
        سخر زيد، "هل هذا يبدو كوجه رجل يصدق أي شيء قلناه له للتو؟"
        
        هزت ليلى كتفيها، "لا يهم، لقد وصلنا على أي حال."
        
        

        Pages

        authorX

        مؤلفون تلقائي

        نظام شراء