موصى به لك

الأقسام

الأفضل شهريًا

    الأعلى تقييمًا

      رواية أرض العائلة

      أرض العائلة

      2025, هاني ماري

      عائليه

      مجانا

      بنت المزرعة حياتها اتقلبت لما أهلها بقوا مديونين للبنك اللي بيمتلكه "باكستون ويست" الغامض. وسط أزمة عيلتها اللي بتتفكك وهجرة أمها، "أديليد" بتلاقي نفسها في موقف صعب: يا تتجوز "باكستون" عشان تنقذ المزرعة، يا تخسر كل حاجة. هي بترفض الفكرة دي تمامًا، وبتقرر إنها هتستخدم خطة جريئة إنها تغريه عشان يوافق على حل بديل يحافظ على بيتها وعيلتها.

      أديليد

      بنت بتلاقي نفسها في موقف صعب عشان تنقذ مزرعة عيلتها. هي ذكية وعندها إحساس قوي بالمسؤولية تجاه أسرتها، وبتضطر تاخد قرارات صعبة.

      باكستون

      رجل أعمال غني وغامض، بيمتلك البنك اللي المزرعة مديونة له. معروف عنه إنه قاسي في شغله ومبيراعيش حد. بيعرض على "أديليد" الجواز كوسيلة لسداد الدين، وده بيفتح الباب لصراع وتوتر بينه وبين "أديليد".

      تريڤور

      أخو "أديليد" الأكبر، عصبي ومتقلب المزاج. بيحاول يساعد في المزرعة لكنه بيفقد الأمل بسهولة.
      تم نسخ الرابط
      رواية أرض العائلة

      سِمعت صوت موتور عربية طالعة في المدخل وأنا بغسل "دوك"؛ كلبي اللابرادور الأسود عنده سنتين.
      هو بصراحة مش بتاعي لوحدي، أنا بتشارك فيه مع إخواتي التلاتة الأكبر مني. سهل أمنع دوك إنه يجري ناحية اللاندروفر.
      دوك بيحب الحمام بتاعه أكتر ما بيحب الناس.
      
      ببص لـ "باكستون ويست" وهو نازل من عربيته الغالية وبيتلفت ناحيتي. إيه اللي جابه هنا ده؟
      
      شكله غريب أوي ببدلته الإيطالي الرمادي وهو واقف قدام بيتنا المتواضع اللي على طريقة المزرعة. استنيته يلف ويروح ناحية البيت، بس فضل باصصلي لحد ما أبويا طلع من الزريبة ومشى بخطوات واثقة ناحيته. حاجة غريبة. بدأت أدعك الشامبو في فروة دوك. ليه أبويا لازم يقابل الراجل ده؟
      
      "باكستون ويست" معروف إنه راجل أعمال ملهوش ضمير وهو عنده 29 سنة بس، يعني أكبر مني بست سنين، وده شيء مبهر. اسم "باكستون ويست" بيخلي ألسنة النمّامين في البلد دي شغالة. من اللي اتقال، فهمت إنه بياخد اللي هو عايزه ومبيفرقش معاه أي حد أو أي حاجة. وسيم وغني؛ هو أكتر راجل مطلوب في المقاطعة، ويمكن في الولاية كلها. عارفة إن معظم ستات البلد بيموتوا فيه. أنا فاهمة، هو وسيم وغني بس عينيه الرمادية الغامقة دي تلج. مش فاهمة الستات بيلاقوا ده جذاب إزاي. شكله بيحسب كل حاجة أوي. كإنه دايماً بيخطط أو بيدبر إنه يدمر حاجة أو حد... أو الاتنين غالباً.
      
      خلصت غسيل دوك ونشفته بالفوطة. مسكت فيه لحد ما دخلنا البيت؛ عارفة لو سبته هيتمرمغ في التراب، عشان ياخد حمام تاني. سبت الياقة بتاعته ومشيت لآخر البيت عند المطبخ. شميت ريحة "تشيلي" أمي بتتكّنّك على البوتاجاز ومعدتي قرقرت.
      
      "عايزين مساعدة؟" سألت، وأنا رايحة للتلاجة بطلع كوكاكولا.
      
      "لأ، كله جاهز دلوقتي. بس مستنيين خبز الذرة." ردت وهي تعبانة.
      
      "فين الولاد؟"
      
      "تريڤور وبرينت مع أبوك ومستر ويست في المكتب." قالت وهي متضايقة من أسئلتي.
      
      "تريڤور" و"برينت" وأنا لسه عايشين في البيت وبنساعد في المزرعة. "ليام" عايش مع مراته "أشلي" في بيت في المزرعة برضه، بس على بعد كام ميل من الطريق. "ليام" عمره ما اهتم بالزراعة. خد شهادته في المحاسبة وراح يشتغل في مكتب محاماة بره البلد بشوية. "تريڤور" هيكون اللي جاي يسيب البيت. بدأ يبني بيته في الأرض اللي أبويا بيمتلكها برضه. قرب يخلص بس "تريڤور" ده بتاع كماليات، شغل الخشب لوحده خد منه شهور. بعد ما الأرضيات تتصنفر والحيطان تتدهن، هيكون مشي.
      
      "لازم تغيري هدومك يا "أدي". أنتِ مبلولة زي دوك وريحتك زي ريحته." سمعت أمي بتشتكي ورفعت عيني للسقف.
      
      أمي وأنا أبعد ما يكون عن بعض، في الشكل والشخصية. إخواتي كانوا محظوظين بما يكفي إن شكلهم يبقى زيها؛ شعر أحمر بيلمع، عينين بني غامق وبشرة قمحية ممكن أقتل عشانها. هي بجد جميلة. أنا، طبعاً، خدت كل صفاتي من أبويا؛ شعر دهبي، عينين زرقا، وبشرة فاتحة لدرجة إني بتلسع لو ماخدتش بالي. كل الناس بتتريق على إن كل إخواتي شكلهم زي أمي الجميلة، لكن أنا، آخر العنقود، شكلي طبق الأصل من أبويا الرجولي. مش بتضايق أوي بصراحة، اتعودت على كده.
      
      طلعت من المطبخ ورحت أوضتي. وأنا معدية على مكتب أبويا سمعت خناقة وحاجة بتترزع على المكتب. كنت لسه هدخل لما سمعت "تريڤور" بيزعق: "لازم تدينا وقت أكتر! ممكن نوفرلك الفلوس. مش ممكن نخسر المزرعة، دي كل اللي عندنا!" رجعت خطوة لورا من الباب مصدومة. نخسر المزرعة. هنروح فين؟ ليه ما قالوليش على ده؟ أنا جزء من العيلة دي برضه؛ المزرعة دي حياتي زي ما هي حياتهم! متضايقة، دخلت الأوضة من غير ما أخبط والكل بصلي.
      
      "إيه اللي بيحصل هنا بالظبط؟" سألت الرجالة الأربعة اللي في الأوضة.
      
      مش فارقلي مين هيرد عليا. بصيت لأبويا اللي باصص لتحت على مكتبه. بصيت لـ "تريڤور" و"برينت" وهما الاتنين بيبصوا لجزمهم. قررت أتجاهل الراجل اللي على وشك يخلينا نتشرد وبصيت لأبويا بغضب.
      
      "ها؟" سألت تاني. أخيراً، بابا رفع وشه وشفت التوتر حوالين عينيه اللي زي عينيا.
      
      "اهدي يا حبيبتي. كل حاجة كويسة." قال، وهو بيحاول يبتسم. شفت التوتر حوالين بقه ورفعت عيني للسقف.
      سخرت من محاولته إنه يبان طبيعي. "إياك تكدب عليا." طلبت، وإيديا راحت على وسطي تلقائياً.
      
      مع تنهيدة عميقة وأكتاف منحنية، شرح: "إحنا بنخسر المزرعة. ما دفعناش الأقساط والبنك هيحجز عليها آخر الأسبوع الجاي لو ماقدرناش نوفر الفلوس عشان نسددها."
      لفيت لـ "باكستون ويست"، أنا عارفة إنه غني. عارفة إنه بيمتلك معظم بلدتنا وبلدان تانية مجاورة كتير. بس، مكنتش أعرف إنه بيمتلك بنك كمان. "أنت البنك يعني؟"
      
      شكله اتصدم إني سألت، بس بسرعة استعاد نفسه. "أيوة،" رد.
      "كام؟" سألت.
      
      "مليون ونص،" جاوب، من غير ما يرمش. يا نهار أبيض! فكرت في الزرايب الجديدة والأسوار اللي محتاجة تتعمل. من كام سنة خدنا فلوس بضمان البيت عشان معدات زراعية جديدة، بس مكنتش فاكرة إنها كتير أوي كده. خلاص كده، مفيش طريقة. خسرنا كل حاجة.
       
       
       
       "ليه سيبتوني في الضلمة؟ أنا عندي حاجات أخسرها زيهم بالظبط،" بقول وأنا بشاور على "تريڤور" و"برينت".
      "مكنتش عايز أقلقك أنتِ ولا مامتك." بيرد أبويا وهو زعلان.
      "ماما كمان متعرفش؟ إيه الهبل ده! ده هيفيد بإيه؟" بسأل وأنا غضبانه.
      "لمي لسانك يا "أديليد"," بيزعقلي.
      بتجاهله. "طيب، إيه الخطة؟" بسأل.
      "مفيش خطة، إحنا اتدبسنا." بيرد "تريڤور" وهو واقف مربع إيديه ومكشر.
      "هنلاقي حل." برد بهدوء.
      "في أسبوعين؟ هتعملي إيه؟ هتشتغلي في الكورنر؟" بيسأل وهو بيستهزئ. وده كسر التوتر في الأوضة فعلاً.
      "أيوة، طبعاً." بقول بصوت فيه استغراب، وده خلى "تريڤور" يبتسم و"برينت" يضحك.
      "أنا كمان هشتغل في الكورنر؛ الكل عارف إني الأحلى." "برينت" بيعرض بجدية، وهو بيسرح شعره اللي مش موجود.
      بضحك. "هتعمل أحسن من "تريڤور"؛ ده نام مع كل بنات ماركيت." بتريق.
      "يا ريت. أنا غطيت مناطق أكتر من كده." "تريڤور" بيتفاخر.
      بقلّب معدتي. "مقرف. يبقى الموضوع كده عليا أنا و"برينت"." بقول، وبضرب كفه.
      "الموضوع في الشوال." بيوافق "برينت" وهو مبتسم بحزن.
      "في تجربتي، الستات مبيحبوش الرجالة اللي أحلى منهم." "تريڤور" بيتريق، دي نكتة عائلية مستمرة. "برينت" وسيم، بس رموشه الطويلة الغامقة دي الستات بيموتوا عليها.
      بطبطب على دقني. "اللي يعرف الكلام ده هو راجل بتاع ستات بس. بس عندك حق. "تريڤور" رجعت للملعب و"برينت" على الدكة." بقول، وأنا مربعة إيديا.
      "مش هتعملي فلوس كتير برضه. مش هتبقي عارفة بتعملي إيه." "تريڤور" بيشاور.
      بكتّف إيديا. "هعمل بحثي." بقول بدفاع. "مش ممكن تكون صعبة أوي لو الغبي ده بيعملها." بقول وأنا بشاور على "برينت".
      بابا بيتنهد بتعب. "شكراً لحضرتك يا مستر ويست، بس زي ما أنت شايف أنا محتاج أقنع ولادي وأوفر فلوس كتير." بيقول أبويا وهو واقف.
      "يا مستر بيكيت." بيرد "باكستون ويست" بإيماءة وبيقف هو كمان.
      "استنى، عندي فكرة. ويست ياخد "أديليد". هنبيعها رخيصة. مليون ونص بس وهي بتطبخ وتنضف." "برينت" بيعرض، بيحاول يحلي الموضوع.
      بضربه على قفا راسه. "أنت عارف إنك هتتوحشني. مين غيري هيعملك كيكة شوكولاتة في عيد ميلادك؟" بسأل.
      "سوبر ماركت فريمان عنده مخبز." بيرد بنفس نبرة الاستغراب اللي استخدمتها قبله.
      "بتاعتي أحسن." برد بغرور.
      "مش مستاهلة مليون ونص. آسف يا "أدي"." بيرد، وهو بيهز راسه.
      "تمام. أنا عارفة امتى أبقى مش مرغوب فيا. هروح ألم حاجتي." بلف عشان أمشي، وأنا بمسح دموع وهمية.
      بفتح الباب وبسمع ماما بتنادي من الصالة. "العشا جاهز. مستر ويست، تحب تفضل تتعشى؟" يا نهار أسود.
      "لأ يا ماما. هو ماشي!" بزعق، ومش فارقلي قد إيه صوتي وقح.
      "إيه؟ أنا افتكرت إن كان بينا اتفاق؟" بيسأل بهدوء، وهو بيبصلي من راسي لرجلي.
      "أنام مع تعبان كوبرا أهونلي؛ حتى لو هما الاتنين دمهم بارد." برد، وأنا ببصله بغضب.
      "أوووه. جامدة يا A." "تريڤور" بيقول، وهو معدي من جنبنا عشان يروح المطبخ. أبويا بيتبعه و"برينت" كمان.
      "وصلي مستر ويست لحد الباب. ده عقابك عشان كنتي وقحة أوي كده." أبويا بيزعق، وهو ماشي.
      بضيق عيني على التعبان اللي واقف قدامي وبمشي ناحية باب الشقة وهو ماشي ورايا لازق في ضهري. بفتح الباب على آخره، ومستنياه يعدي. مبيتحركش. ببصله وهو بيبصلي كأني فريسته.
      "إيه؟ متعرفش تعدي من الباب؟ اطلع بره." بأمر.
      "عندي عرض ليكي." مابقولش حاجة بس برفع حاجب عند نبرة صوته. "عاجبني عرض برينت، أنتِ قصاد المزرعة. قدامك لحد يوم الجمعة الجاية قبل ما أبدأ في أوراق الحجز على المزرعة، عشان تقرري."
      بقي بيتفتح. "أنا قصاد المزرعة؟ أنت بتتكلم جد؟" بسأل، وأنا متلخبطة ومش مصدقة خالص.
      "جد جداً."
      "يعني هسدد الدين معاك؟ زي طبخ، وتنضيف، وشغل الجنينة؟" بسأل، وأنا متلخبطة.
      "يا نهار أسود لأ. مش هتضطري تشتغلي." بيقول وهو غضبان. ارتباكي بيزيد. "اتجوزيني وهتنقذي مزرعة العيلة وبيوت إخواتك."
      بعد ما اتجاوز الصدمة. بهز راسي، عشان أطرد أفكاري المدمرة. "أنا مش دعارة." بشاور، ودمي بيغلي.
      "أنا عارف. أعتقد إننا أكدنا ده في مكتب أبوكي. أنتِ لسه بنت؟" بيسأل، بس بابتسامته الساخرة هو عارف إنه مش محتاج يسأل. هو طويل أوي لدرجة إني بضطر أرجع راسي لورا عشان أبص عليه وهو بيقرب.
      "أنا مبسوطة إنك عارف. أعتقد إني هخليك تمشي وكرامتك لسه معاك." برد بوقاحة.
      "ده مش هيغير العرض. فكري فيه وتعالي شوفيني لما تقرري. افتكري قدامك لحد يوم الجمعة." بيفكرني، وهو بيطلع الكارت بتاعه من الجيب الداخلي لجاكته. بيحاول يديهولي بس أنا مبخدهوش. مش هحتاجه. عمري ما هتجوز واحد زيه. "خديه." بيأمر.
      "مش هحتاجه. مع السلامة يا مستر ويست." بقول، وأنا بشاور على عربيته.
      بيمسك إيدي ويحط الكارت في كفي، وبعدين يقفل إيدي عليه. بيقرب ويهمس في ودني، "هتحتاجيه لو عايزة تنقذي عيلتك من خسارة كل حاجة." بيقول، من غير أي ندم.
      برجع لورا وهو بيبتسم وهو معدي من الباب. يا حقير، بفكر وأنا بتفرج عليه وهو ماشي. هو إيه، طوله حوالي 195 سم؟ بكره الناس الطوال؛ بيفتكروا إنهم يقدروا يدوسوا عليك كده وخلاص. أنا طولي 162 سم فانا عارفة كل حاجة عن الموضوع ده. أخيراً بخرج من اللي كنت فيه لما بسمع بابا بينادي عليا.
      
      
      
      
      
      
      وأنا نايمة في السرير، فضلت أفكر في العشاء. بابا حكالنا القصة كلها بالتفصيل عن إزاي تورط مع البنك فوق دماغه. هو كان فاكر إن السنة دي هيقدر يطلّعنا من الأزمة دي، لكن الربيع جاب فيضان مسح كتير من محاصيلنا؛ وسابنا في حفرة أكبر لازم نملاها.
      
      مش عارفة أعمل إيه بجد. عمري ما كنت أفكر في عرض "باكستون" ده، بس إني أشوف عيلتي بتتعذب ده مش حاجة عايزة أعدي بيها، خصوصاً لو أقدر أصلّحها. سامعة صوت أهلي بيزعقوا لبعض في الصالة. مش عارفة بيقولوا إيه، بس صوتهم مش كويس.
      
      لازم أكون نمت شوية، لإنه بعد حوالي ساعة اتفزعت من خبطة، بابا بيشتم وبيقول لماما متخرجش. قعدت على السرير وسحبت البطانية من عليا لما سمعت عربية أمي بتدور. مش معقول تكون ماشية. جريت على الشباك وبصيت بره. أمي سايقة وبتمشي وبابا واقف حاطط راسه بين إيديه، مهزوم تماماً. جريت من أوضتي لقدام البيت. "تريڤور" و"برينت" أكيد سمعوا هما كمان لإنهما طلعوا من أوضهم برضه.
      
      وصلت لباب البيت وجريت بسرعة أقابل أبويا. جريت عليه وحضنته بكل قوتي. هي مشيت. حاسة بالألم، مش قادرة أتخيل هو حاسس بإيه. "هي مشيت، رايحة كاليفورنيا تقعد مع أختها." بيقول وصوته بيتكسر. حسيت بدموعه على خدي وده خلّى دموعي تنزل. بابايا الكبير القوي بيعيط، عمري ما شفته بيعيط. حضنته أقوى ودعيت إني بكون بحلم.
      
      "مش مصدق إنها سابتنا." "برينت" بيقول وهو مصدوم.
      
      "الأمور بقت صعبة. أنا مستغرب إنها عاشت هنا كل المدة دي، هي دايماً كانت بتكره المكان ده." بابا بيعترف.
      
      "وإحنا؟ هي سابت عيلتها كده وخلاص! إيه نوع الأم اللي تعمل كده؟ حتى ما ودعتش. عمري ما هتكلم معاها تاني. أوعدك بده." "تريڤور" بيعلن وهو بيترعش من الغضب.
      
      "هترجع." بقول، وأنا مش مصدقة كلامي أنا نفسي. زي ما بابا قال، هي دايماً كانت بتشتكي من العيشة هنا. عارفة إنها كانت بتكرهها، دايماً كنت بتساءل ليه فضلت قاعدة من الأول. أكيد مش عشان حبها ليا.
      
      هي كانت عايزة تمشي من زمان. شافت الفرصة ومشيت من غير ما تبص وراها. بدأت أبقى غضبانة زي "تريڤور". بسخر، لما بفتكر أفكاري إني كنت بتمنى أبقى شبهها، أو أبقى زيها بأي شكل. لأ، أنا سعيدة إني مش شبهها خالص. الحمد لله إني مش هضطر أبص في المراية بكرة وأشوفها. عمري ما هسامحها على إنها سابتنا. كانت وهتفضل دايماً ست ضعيفة. ليه بابا اتجوزها، عمري ما هعرف.
      
      "الوقت متأخر. عندنا شغل الصبح. يلا بينا ندخل ننام، كلنا." بابا بيأمر بحزن.
      
      ببص تاني على الممر. هخليها تدفع تمن ده، وحياتي لأخليها. كلنا رحنا أوضنا. أنا عارفة اللي لازم أعمله، بس كل حتة فيا بتصرخ إني ما أعملش كده. بمسك نمرة تليفون "باكستون" من على الكومودينو. الوش فيه نمرة شغله، والضهر فيه نمرتين موبايل مكتوبين بالقلم الحبر.
      
      هو ليه عايز يتجوزني أصلاً؟ الموضوع ملوش معنى. لو هو عايز يستقر مع حد، ليه ميختارش حد يعرفه؟ أنا عمري ما شفته غير كده من بعيد لبعيد. عمري ما اتكلمت معاه قبل النهارده. إنه يعرض عليا الجواز عشان المزرعة ده بيلخبطني. ليه الجواز؟ يمكن هو لازم يتجوز ومش لاقي حد... لأ مش كده. أنا سمعت ستات البلد دي بيتكلموا. "باكستون ويست" مش هيعمل أي حاجة غير إنه يشاور لو كان الموضوع كده. ياه، أنا هتجنن. المفروض بس أكلمه وأسأل. مسكت موبايلي وبدأت أطلب أول نمرة موبايل على ضهر الكارت. أخدت نفس عميق ودوست إرسال.
      
      بعد رنة واحدة....رنتين...."إيه؟" بيسأل وهو متنرفز. أنا صحيته من النوم، فكرت في سري وابتسمت بخبث.
      
      "إيه؟ أنت بتمثل إنك كنت نايم، الساعة تلاتة الفجر بس. قوم. عندي أسئلة ليك." بأمر.
      
      في وقفة بسيطة. "آه، أنا صاحي. دلوقتي تعالي واسألي الأسئلة دي." بيرد بصوت أجش.
      "لأ. أعتقد ده كويس دلوقتي. ليه الجواز؟ أنا مش فاهمة."
      
      "ليه لأ؟" بيسأل تاني.
      "لازم أعرف. أنت لازم تتجوز... أو حاجة زي كده؟" بسأل تاني.
      
      "ليه أكون لازم أتجوز؟ هو أنتِ كنتي بتقري روايات رومانسية؟" بيسخر.
      "بطل ترد على أسئلتي بأسئلة!" بزعق بهدوء.
      
      بيضحك. "أنا عايزك. الأمر بسيط كده." بيقول بسهولة.
      "أنت حتى متعرفنيش." بفكرّه.
      
      بيطنشن، "مش لازم أعرفك، عشان أكون عايزك."
      "ميهمنيش. يبقى لو مش لازم تتجوز، أنت عايزني عشان الجنس، صح؟" بسأل، وأنا بوصل للموضوع الأساسي.
      
      
      
      
      
      
      بيطلع صوت زي الزئير في التليفون: "أنا مش عايزك للجنس بس، لأ." "ده اللي أنت عايزه، اعترف. أنا مش عايزة أتجوزك. إحنا محتاجين نتفق على حل وسط. أمي لسه سايبة أبويا، فلازم أصلح الوضع ده. الجواز مش هيحصل، فاديني اقتراح بديل." "مفيش بديل. لما تبقي ملكي، هتبقي ملكي للأبد. فاهمة؟" بزفر... لازم أفكّر في خطة. إزاي أغير رأيه؟ "جاوبي عليا." بيطلب. "سمعتك." برد. "تمام. دلوقتي قوليلي لابسة إيه." "إيه؟! مفيش حاجة." بزعق. "بجد؟ بتنامي من غير هدوم؟ مكنتش أتخيل ده." بيرد بفرحة. "أنا مش عريانة يا منحرف." "أنا عارف." بيضحك، وبعدين يبقى جاد. "حد شافك عريانة؟" "لأ، يا إلهي! ليه تسأل سؤال زي ده؟ أنت عارف إني بنت." "أنتِ بنت قد إيه؟" "إيه السؤال الغريب ده؟" "عملتي أي حاجة مع ولد؟" جه دوري أزأر. "لأ. عمري حتى ما اتباست. مبسوط؟" "جداً. بتلمسي نفسك؟" خدت دقيقة عشان أفهمه. ولما كنت لسه هسأله قصده إيه، فهمت. "لأ! كفاية أسئلة بقى." "لعنة. أنا بجد عايزك." بيقول وهو بيتأوه. "يبقى وافق على الجنس." بشجعه. "لأ، أنا هكون مجنون لو وافقت على ده، أنا عارف إيه الكروت اللي في إيدي." "أنا تعبت. تصبح على خير يا مستر ويست." بقوله، وأنا متضايقة من سير المحادثة. "ناديني باكستون. تصبح على خير يا جميلة." بيقول، وأنا بقفل الخط. مكنش المفروض أتصل بيه أصلاً. دلوقتي أنا متلخبطة أكتر. مش ممكن أتجوز واحد مش بحبه. ده مش صح. مش ممكن أقضي بقية حياتي عايشة كدبة.
      عندي خيار واحد بس. أنا هغري "باكستون ويست" وأخليه يوافق على الجنس مقابل المزرعة. هروح أتسوق في "إيست ليك" وأختار طقم دانتيل مثير، وأروح بيته و... وإيه؟ إزاي تغري حد؟ ليه ده لازم يحصل ليا أنا؟
      برجع لورا على مخداتي وبعدين بمسك موبايلي تاني. "إيه نوع اللانجيري اللي بتحبه؟" ببعت لـ "باكستون". "عليكِ؟... ولا حاجة... أو أي حاجة... أنتِ هتحاولي تغريني؟" بيرد. عرف إزاي؟ ممكن أكون بسأل لمرجع مستقبلي يا غبي. بقرر ألاعبه. "طبعاً لأ. أنت مش الرجل الغني الوحيد في ماركيت المهتم بيا. أنا بس افتكرت إنك هتعرف ذوقهم." "أنا أغنى." بيرد بسرعة. "إياكي تعملي كده." "أقدر لو عايزة." ماشي مش أحسن لحظاتي... عارفة إني بتكلم زي طفلة سنتين. بس هو بيخليني أتجنن. "هستولى على أرضك وأحرق كل بيت على الأرض. متلعبش معايا." أوه، مشاكل غضب يا مستر ويست. "تفتكر هبقى معاهم ليه؟ هقدر أسدد لك دينك." "أنا على بعد ثلاث ثواني من إني أجيلك وأضرب على مؤخرتك الصغيرة المشدودة. خلي بالك." مش عارفة ليه بس ده خلاني أبتسم. مسحت الابتسامة بسرعة من على وشي ورديت. "متعرفش تلمسني من غير عقد المزرعة... وإلا ده يبدو... مثير للاهتمام." "أنا جاي." "إيه!؟" بزعق لنفسي، وأنا وشي بيحمر. تمام، إيه الهبل اللي بعمله ده إني بتغزل في راجل هياخد مني المزرعة وبيتنا؟ لمي نفسك يا "أديليد"! "لأ، أنا هتصرف كويس... تصبح على خير." ببعت بسرعة. "لو اضطريت أخد دش ساقع تاني بعد ده، هندمك." بضحك، يمكن إغرائه هيكون أسهل مما كنت أتصور. "آسفة، مستر ويست." "وريني إنك آسفة. تعالي." "عندنا اتفاق؟" بسأل. "معرفش. عندنا؟"
      الحقير ده... هغير رأيه. بقوم من السرير. بقلع هدومي وبلبس معطفي الطويل؛ بيوصل لنص فخذي. ده هينفع، بفكر، وأنا بطلع من البيت ناحية عربيتي الشيفورليه s10 القديمة السودا. ببص في المراية الخلفية. أنا مش حاطة مكياج بس شعري الطويل نازل ومموج وجميل. يا رب ده يكون كافي. بشغل العربية وبمشي.
      في آخر الممر، ببعت لـ "باكستون". "في طريقي. العنوان؟"
      
      "3345 ويست لين." بيكتبلي. أنا أقدر أعمل ده. أنا أقدر أعمل ده. ويست لين؟ طبعاً الحقير سمى الشارع اللي عايش فيه، عادة.
      
      

      عائلة هوتون | البارت الاول

      عائلة هوتون

      2025, كاترينا يوسف

      رومانسية

      مجانا

      اللورد فينيان هوتون، اللي بيضايق من كتر الدعوات اللي بتجيله وبيحاول يتجنب الفضايح. بيبعت واحد اسمه وينستون يدور على معلومات عن "صوفيا بريكستون" وابنها "جورج"، اللي بيشك إنهم ولاد أخوه "ديفيد" المدلل. "صوفيا" اللي بتعيش حياة بسيطة مع أختها (اللي سابتها بعدين)، بتحاول تخبي ماضيها وتعيش كأرملة، لكن ظهور اللورد "هوتون" بيكشف كل حاجة ويهدد يكشف سرها.

      اللورد فينيان

      يسعى للحفاظ على سمعة عائلته وثروتها. يكره الفوضى ويحاول جاهداً إصلاح مشاكل أخيه "ديفيد" وتجنب الفضائح التي قد تدمر اسم العائلة.

      صوفيا

      عيش حياة بسيطة في قرية نائية وتحاول إخفاء ماضيها الصعب. تسعى لحماية ابنها "جورج" وتوفير حياة كريمة له، رغم الظروف الصعبة ونظرات المجتمع القاسية.

      وينستون

      مساعد اللورد "هوتون" الخاص، رجل غامض ومخلص في عمله. يقوم بجمع المعلومات بدقة وهدوء، ويبدو أنه يمتلك نظرة ثاقبة في الأمور، ولكنه لا يتدخل إلا بطل

      جورج

      طفل رضيع، ابن "ديفيد" أخو اللورد "هوتون"
      تم نسخ الرابط
      عائلة هوتون | البارت الاول

      كان فيه جوابات كتير أوي. عدد مبالغ فيه منهم، مالية كل شبر وكل ركن، وبتتزحلق من الرصات اللي كانت متظبطة. أغلبها كانت دعوات، وده كان بيعصب اللورد "فينين هوتون" لأبعد حد. دعوات لحفلات راقصة، ولمة أصحاب، وحفلات في الجناين، وشاي العصر، واللي كان المفروض إنه يتعامل فيها مع عدد مش قليل من الستات المدلعات. وكلهم رموشهم بتترفرف ومجرد لفة ونقرة بالمروحة بتاعتهم كانت بتتكلم لغة هو عمره ما قدر يفهمها.
      
      رصة الكروت بتاعت الصبح كانت محطوطة على مكتبه، والنور داخل من الشباك، رامي شعاع واحد على الجواب اللي فوق خالص. بصة سريعة على العنوان عرفته أكتر ما هو محتاج يعرف. الخط كان رفيع ومزركش زيادة عن اللزوم، خط إيد ست، وريحة مميزة طالعة من الورقة، كأنها كانت متغطية بمية ورد قبل ما تتبعت على بيته.
      
      هو كان فاهم اهتمامهم بيه، ومكانته في المجتمع الراقي. هو راجل. جنتلمان. جنتلمان ليه لقب وثروة كبيرة جدًا. والأهم من ده كله، إنه جنتلمان ليه لقب وثروة كبيرة، واللي - حسب المجتمع الراقي ده اللي كان مصر يرمي عليه كروت ودعوات مزركشة كأنهم بيرموا عيش لبطة في بركة - قرر إنه يفضل متمسك بعزوبيته.
      
      هز طرف الجورنال بتاعه ومد إيده لكوباية الشاي. من حتة تانية في البيت، سمع خبط على باب البيت، وبعدها خطوات "جليسون" الموزونة اللي مكنتش مستعجلة وهو بيرد. "هوتون" استنى، عيونه بتبص على نقطة مش واضحة ورا الجورنال وهو بيسمع خطوات الخادم بتوصل لمكتبه. خبطة تانية، المرة دي على بابه هو، وراس أصلع رمادية انحنت ودخلت الأوضة.
      
      "ده الأستاذ وينستون يا سيدي. أخليه...؟"
      
      "هوتون" هز راسه ردًا على السؤال اللي مكملش. "جليسون" اختفى، والخطوات بعدت، و"هوتون" طبق الجورنال بتاعه على شكل مستطيل ناشف نزل بخبطة مسموعة فوق رصة الدعوات.
      
      "فين؟"
      
      "هوتون" بص على الباب وهو بيشوف راجل تاني، المرة دي لابس جاكت وبنطلون بلون باهت مش مميز، دخل الأوضة اللي فيها شمس.
      
      "وينستون." "هوتون" قعد كويس على كرسيه وشاور على الكرسي اللي قصاده بإيده. "مكنتش متوقع أشوفك تاني بالسرعة دي."
      
      "وينستون" مشي لقدام، إيديه ماسكة الطاقية والجوانتيات بتوعه، ومقدرش يسلم أي منهم للخادم لما وصل. طلع تنهيدة وهو بينزل يقعد على كرسيه، وحك دقنه، ومسح إيده العريانة على شعره البني المتظبط.
      
      "فطرت؟" "هوتون" سأل، وعيونه كانت بتلاحظ التعب الواضح على بدلة الراجل والخدوش اللي في جزمته.
      
      "أيوه، بدري." الكلمتين دول كشفوا لهجة ملهاش أي علاقة بأي بلد أو منطقة على بعد خمسين ميل من لندن. "هوتون" عمره ما سأل عن أصل "وينستون"، و"وينستون" عمره ما حاول يقول المعلومة دي لوحده.
      
      "طيب." "هوتون" نضف زوره. "بما إنك مش هنا عشان تاكل معايا، يبقى أنا فهمت إنك..."
      
      "لقيتها."
      
      "هوتون" بص من كوبايته. بقايا الشاي نزلت في زوره، وسابت طعم مر مهدد يفضل في لسانه لفترة. "والطفل؟"
      
      "وينستون" هز راسه، ودقنه نزلت لمست الطيات البسيطة في ربطة رقبته. "نموذج مليان حيوية وشقاوة من الأطفال. شكله صحته كويسة."
      
      نفس خرج من رئة "هوتون" وهو بيرجع راسه لورا. لقي نفسه بيبص لسقف مرسوم عليه كل أنواع الملائكة الصغننين المكلبظين، بابتساماتهم الغريبة اللي بتنور على راسه، وعلى راس أبوه قبله، من ساعة ما أمه كلفّت باللوحة المرعبة دي من تلاتين سنة فاتوا.
      
      "الست." "هوتون" غمض عينيه. لازم يدهن السقف الملعون ده في يوم من الأيام، يمكن أول ما الفوضى الأخيرة دي تخلص. "اسمها إيه؟ سوزان؟"
      
      "صوفيا،" قال "وينستون". "صوفيا بريكستون."
      
      "صوفيا..." صورة شابة ظهرت في دماغه: قصيرة ومليانة، بشعر غامق وبشرة فاتحة تحت خدود حمرا وحلمات حمرا وأي حاجة تانية كان على الموضة إنها تكون حمرا. ده نوع، هو أدرك. ده نوع أخوه، وعمره "ديفيد" ما تجرأ إنه يحيد عن الأصل. "إيه اللي عرفته عنها؟"
      
      "عايشة حاليًا في ستانتريث،" قال "وينستون"، وهو قاعد في الكرسي وبيطلع من جواه جاكته كشكول ورق صغير. مسح بصمة إبهامه على لسانه وبدأ يقلب في الصفحات. "فوق في نورثمبرلاند، جنب الساحل بالظبط. عندها بيت صغير نضيف بتشاركه مع أختها. "مسح لسانه تاني وقلب صفحة تانية. "الوالدين ماتوا. الأب كان تاجر، كان عنده محل خردة وزجاج من نوع ما. الأخت الأصغر، اللي هي لوسي بنروز، ملهاش ثروة خاصة بيها. المدام بريكستون عندها إيراد سنوي بسيط قيمته خمسين جنيه بس."
      
      "استنى." "هوتون" رفع إيده وهو بيخلي واحدة من التفاصيل توصل لأفكاره أخيرًا. "المدام بريكستون؟ هي متجوزة؟"
      
      "أرملة، على حسب الإشاعات. بس مقدرتش ألاقي أي دليل على جواز سابق أو وجود سابق للأستاذ بريكستون."
      
      "هوتون" رفع حاجب واحد. "تصدق إنها بتكدب؟"
      
      
      
      
      "وينستون" ميل راسه على جنب. "أنت عارف إني مش بتاع تخمينات وافتراضات. بس أنا مستبعدش فكرة جواز مزيف عشان الطفل يتسجل شرعي."
      
      "طبعًا." "هوتون" تمتم تحت بقه وقام من كرسيه. هز راسه، ودخل صوابعه في شعره الغامق، وراح وقف قدام الشباك. "كمل," طلب بعد لحظة. "أنا عايز أعرف كل حاجة."
      
      "طب..." مسحة إبهام تانية على اللسان، وقلبة صفحة تانية. "فيه ستانتريث... بيت ريفي... أه، أيوه، أهو. مفيش خادمة في البيت، بس فيه بنت بتساعد كذا مرة في الأسبوع. أه... بتحضر الصلوات بانتظام، نادرًا ما تسيب الطفل في البيت، إمم... لبسها محتشم، طولها فوق المتوسط، شعرها أحمر..."
      
      "إيه ده؟" "هوتون" لف بسرعة وهو بيبعد عن الشباك. "آخر حتة دي؟ قولت إيه؟"
      
      "إمم... شعر أحمر؟"
      
      "لأ." "هوتون" هز راسه. "ده مستحيل يكون صح. أخويا بيكره الشعر الأحمر، خصوصًا لما يكون الموضوع متعلق بالجنس اللطيف."
      
      "وينستون" رفع كتف واحد وهو بيميل راسه على جنب. "يمكن الولد غير رأيه."
      
      "أو يمكن استسلم للحظة يأس مش من طبيعته."
      
      "وينستون" حواجبه طلعت لفوق على جبينه. "أو... يمكن المدام بريكستون دي عندها سحر تاني، حاجة أبعد من مجرد شعر."
      
      "هوتون" شمشم. "أنت عارف زيي بالظبط، أخويا مش بيقدر يبص أبعد من أبسط المظاهر السطحية."
      
      "وده معناه...؟"
      
      "ده معناه إنه كان سكران لدرجة إنه مكنش عارف هو بيحب ست حقيقية بدم ولحم ولا مخدة لسه منفوشة."
      
      "هوتون" ساب الشباك وبدأ يتمشى حوالين أوضة المكتب. هو متعبش نفسه يغير حاجات كتير من ساعة ما استلم الأوضة من أبوه لما كان ماركيز. الأثاث هو هو، كله بقايا من القرن اللي فات وكلها عليها علامات التلف والخدوش الكتير من المكانس على مدار الأربعين سنة اللي فاتت. لون الأوضة غامق زيادة عن اللزوم، غني زيادة عن اللزوم عشان يتماشى مع الموضة الحالية من النور والبهجة اللي بدأت تغزو كل بيوت لندن. وبعدين فيه الملائكة الملعونين دول...
      
      "أنا فاهم إن أخويا حاليًا ميعرفش إنه عنده ابن؟ الست دي، صوفيا دي... محاولتش تتصل بيه؟"
      
      "وينستون" بص للمفكرة الصغيرة بتاعته للمرة الأخيرة قبل ما يقفلها ويرجعها مكانها جوه جاكته. "على حد علمي، هي معملتش غير إنها فضلت لوحدها تقريبًا وقضت أيامها في تربية الطفل."
      
      "ست مش عادية."
      
      "فين؟"
      
      "هوتون" اتضايق من استخدام لقبه، بس هو متعبش نفسه يلوم الراجل. هو يعرفه من فترة طويلة أوي عشان يعمل كده. "مش عادي إن ست زي اللي وصفتها ممكن تلاقي نفسها في صحبة واحد زي أخويا الصغير."
      
      "ولادة الطفل ممكن تعمل كتير عشان تصلح من شخصية الإنسان." "وينستون" هز كتفه. "أو كده اللي سمعته."
      
      "أو كده اللي سمعته،" "هوتون" رد، وكمل تمشيه حوالين أطراف الأوضة.
      
      المفكرة دلوقتي مش باينة، "وينستون" رجع ضهره لورا في كرسيه تاني. اللون الباهت لشعره، ولبسسه، بل حتى لكل شخصيته، اندمج مع جلد الكرسي المهترئ. "ودلوقتي بعد ما عرفت،" بدأ كلامه، وصوابعه بتتشابك وتتفك على صدره وهو طاقيته بتنط على ركبته. "وديفيد ميعرفش، ناوي تعمل إيه بالمعلومات دي؟ ابتزاز خفيف؟ رشوة من نوع ما؟"
      
      "هوتون" لوح بإيده كأنه بيمسح اقتراحات "وينستون" من الهوا. "لأ، لأ. في الحقيقة، ده بالظبط اللي أنا عايز أتجنبه. كل اللي محتاجه هو مجرد غزو من غزايا أخويا المنسية تقتحم صالوني، ومعاها طفل متعلق من وركها وهي بتطلب مبلغ مبالغ فيه من المال مقابل سكوتها عن ابن الحرام ده."
      
      "بس هل الصمت ده حاجة محتاجة تتشترى في العصر ده؟" "وينستون" خبط بصوابعه على صدره وهو "هوتون" بيوقف تمشيه. "مين معندوش ابن حرام؟ ممكن تتعد كرمز للمكانة عند البعض. وزي ما شفت، الست دي شكلها بتعمل كل اللي في وسعها عشان تسجل الطفل شرعي."
      
      لكن على الرغم من تأكيدات "وينستون"، "هوتون" مقدرش يتجاهل التهديد اللي بتمثله الست دي على عيلته، على مكانته الناشئة كتاسع ماركيز "هوتون"، وإزاي أخوه كان مصمم بلا مبالاة إنه يشوفهم كلهم ينجرفوا في الفضيحة والإفلاس. "لو فيه طفل، وده اللي عارفينه، وهي قررت تروح للصحافة... أو لو فيه جوابات، مراسلات خاصة بينهم؟ وفاكر ريجينا؟ الممثلة اللي كانت هتهرب عبر القناة ومعاها نص مجوهرات أمي؟ مجوهرات أخويا اللي هو ادهالها بعد ما قضى معاها تلات ساعات بس؟"
      
      صوابع "وينستون" كملت تخبيط نغمتها الهادية على صدره. "على حد علمي، دي شكلها مش هتعمل مشاكل لحد."
      
      "لحد دلوقتي،" قال "هوتون". "بس إيه لما الطفل يكبر، لما يبقى عبء؟ وإيه بالنسبة للبس الجديد، والأكل؟ بتقولي إن الست دي وأختها والطفل ده كلهم هيعيشوا بخمسين جنيه بس في السنة؟ لأ، خلي كلامي ده في بالك. أول ما الطفل ده يبقى كبير كفاية عشان يركب حصان، هتيجي هنا وهي ماسكة قائمة طلبات."
      
      "وينستون" طلع نفس بصوت عالي زي الهمس من بين سنانه. "يبقى إزاي تقترح إننا نتجنب الاقتحام ده؟"
      
      "هوتون" اتحرك ناحية مكتبه، رصات الدعوات المنظمة، وجرايد الأيام اللي فاتت، والمستندات الملفوفة والمتطبقة اللي بتتعلق برعاية أملاك عيلته، كلها كانت مجرد عائق بسيط وهو بيزيح كام حاجة على جنب وطلع ورقة رقيقة. "حاجة بسيطة أوي بصراحة. أنا بس هعرض عليها الفلوس اللي هي أكيد هتيجي تطلبها في وقت هيكون غير مناسب ليا. مبلغ ثابت، كفاية عشان نضمن إن الطفل هياخد الرعاية والإرشاد المناسب اللي يستحقه كابن أخويا."
      
      
      
      
      
      
      "وفي المقابل؟"
      
      "في المقابل،" "هوتون" لوّح بالوثيقة. "مبتتدخلش. مبتسيبش بيتها الصغير. مبتحطش رجلها في لندن. ولا بتحاول تتصل بيا، ولا بأخويا، ولا بأي فرد تاني من عيلتنا، إلا بالشروط اللي محددينها ليها."
      
      "وينستون" طلع صفارة طويلة وواطية. "تفتكر هتوافق على ده؟"
      
      "لقيت إن أغلب الناس بتوافق على أي حاجة، لو الحافز المناسب اتعرض عليهم." "هوتون" بص على الوثيقة اللي في إيده. حس بخبطة مرتزقة في عظامه مكنتش مريحاه، بس الحقيقة فضلت زي ما هي: مكنش يقدر يسمح للست دي إنها تتنطط في البلد ومعاها ابن أخوه غير الشرعي، مهما حاولت تظهر عكس كده. أبوهم، الماركيز اللي قبله، لسه مدفنش كويس، ودلوقتي فضيحة زي دي بتهدد بتدمير اسم العيلة.
      
      "هوتون" بص على المكتب، وعينه اتحركت ناحية اللوح الخلفي اللي كان مخبي وراه درج سري. كان مكان صغير بيخبي فيه كل الوثائق والملاحظات التانية المتعلقة بطرق أخوه "ديفيد" المدمرة. كان فيه ديون قمار كتير محتاجة تتسدد، وتقارير عن مبارزة "هوتون" دفع رشوة لـ 3 أشخاص عشان يخليها متتنشرش في الجرايد، ومظاهر عامة للسكر، ومعاهم حاجات تانية متعلقة بتاريخ العيلة - غير مجوهرات أمهم المتوفية - اللي كان لازم ترجع كل ما "ديفيد" يشوف إنها مناسبة يستخدمها كعملة لما جيوبه تفضى.
      
      مكنش اكتشف بالظبط إيه كمية الحاجات اللي الماركيز المتوفي عملها عشان يبعد ابنه الصغير عن المشاكل المالية والاجتماعية غير بعد أسبوع من وفاة أبوهم. آلاف الجنيهات اتصرفت عشان يصلح أو يمحو أخطاء "ديفيد" المختلفة. ودلوقتي مع ظهور الطفل ده، باين إن الأخطاء دي لسه مخلصتش.
      
      صوت خفيف بيزيق سبق انزلاق "وينستون" لقدام في كرسيه. "ناوي تبلغ الشابة دي بنواياك الكريمة دي إزاي؟"
      
      "هوتون" اتنهد. كان فيه حاجات كتير محتاجة اهتمامه، أمور كتير سابها تهمل خلال الأسابيع الأخيرة من مرض أبوه. مكنش لازم يسيب لندن، ومع ذلك... "هروح، أول ما أقدر أظبط الموضوع."
      
      "كل المسافة دي لنورثمبرلاند؟ دي مش فسحة يوم، أنت عارف. ابعت بريجز، أو واحد من محامينك التانيين يهتم بالموضوع بدالك."
      
      "أنا عارف كويس طول الرحلة،" "هوتون" اعترف. "ومبتفقش مع وسيط في موضوع زي ده." بص على "وينستون" ونزل راسه. "مفيش أي إهانة مقصودة للحاضرين."
      
      "وينستون" رد التحية. "مفيش زعل."
      
      كان فيه صوت خبطة تانية على باب البيت، والخطوات المألوفة للخادم وهو بيتحرك في الصالة عشان يرد على الخبط. زوار تانيين، "هوتون" أدرك. طلبات أكتر على وقته، وعلى ثروة عيلته اللي بتنقص ببطء - وده بفضل أخوه وإسراف الشاب ده. كان المفروض إنهم لسه في حالة حداد على أبوهم المتوفي، بس لازم يتعمل حاجة بخصوص مصاريف "ديفيد". أبوهم كان صارم بمصروف ضئيل، بس لما الديون تتراكم، مفيش حاجة تتعمل غير إنها تتسدد عشان يمنع ظهور أي محصلين على عتبة بيتهم.
      
      "هعرفك لما أسافر،" "هوتون" قال، وعيونه بتبص على الوثيقة تاني. كان محضرها مع محاميه قبلها بيوم واحد بس. هتبقى إزعاج، هو فكر، إنه يحدد معاش للست دي ولابنها، بس هو مش وحش. هيتأكد إن أي ابن من لحمه ودمه - سواء شرعي أو لأ - مش هيحتاج رعاية أو تعليم. أما بالنسبة لتربية الولد...
      
      "هوتون" كان عنده سبب تاني لرغبته في السفر لنورثمبرلاند بنفسه. لو الست دي هتكون مسؤولة عن صحة ابن أخوه ورفاهيته، على الأقل لحد ما الولد يروح المدرسة، يبقى عايز يشوف بنفسه إيه نوع التأثير اللي هتعمله على الطفل. هل هتزرع فيه عادات سيئة؟ هل هي كائن مهمل، من النوع اللي يشرب أي فلوس هيخطط إنه يدفعها ليها وللبيبي؟
      
      "ولما ترجع؟"
      
      "هوتون" بص لـ "وينستون" لما صوته علّا. "أيوه، ولما أرجع كمان. أنا متأكد إنك هتبقى عايز تعرف عملت إيه. ومش ناوي أغيب أكتر من الوقت اللي المفروض الموضوع ياخده. أول ما أوصل، مش شايف إنه هيحتاج أكتر من كام ساعة من وقتي. أنا ببساطة لازم آخد كلمتها إنها هتفضل ساكتة بخصوص الأبوة الحقيقية للولد لو السؤال ده طلع في أي وقت. ومع المبلغ اللي أنا مستعد أقدمه، أنا مش خايف إنها ترفض."
      
      
      
      
      
      "ايه ده، مش باين عليكي إنك مبسوطة النهاردة الصبح؟"
      
      "صوفيا" رجّعت خصلة شعر أحمر من على خدها قبل ما تنحني على سرير الأطفال الخشب الصغير. "جورج" كان واقف على أطراف صوابعه، إيديه الاتنين مرفوعة ناحيتها وإصابعه الممتلئة بتتحرك وكأنها بتحاول تمسك حاجة في الهوا. أول ما إيديها مسكته من تحت دراعاته، الطفل طلع صرخة سعادة فظيعة، عينيه الزرقا بتلمع و"صوفيا" بتشيله من على حرف السرير وتلف بيه دايرة كاملة في الهوا قبل ما تثبته أخيرًا على وركها.
      
      "نمت كويس؟" سألته، وصوتها مكانش بيزود غير ابتسامة الولد، ابتسامة كان فيها سنتين بيضا من فكه اللي تحت. وهي بتغير للولد الحفاضة وبتلبسه هدوم نضيفة لليوم، حكتله عن اللي حلمت بيه وهي نايمة، عن الشمس اللي بتدخل من شبابيك الأوضة، وعن الورد الأبيض اللي بدأ يفتح على طول السياج. "جورج" كان بيبغبغ ردًا على كل أسئلتها، وإيديه بتسقف بحماس لما شالته تاني ونزلت بيه تحت عشان يفطر.
      
      "عايز تفاح؟" "صوفيا" سألت وهي بتفتح برطمان تفاح مطبوخ وبتصبه في طبق. الولد كان بيكركب من ركنه في المطبخ، اللي كان فيه تشكيلة من المكعبات الخشبية وحصان لعبة لسه شارياه ومعاه عربية خشب بتتحرك على الأرض بعجل بيخبط.
      
      "لازم نجيب حتة خيط للعربية دي،" كملت وهي بتقطع بمهارة طرف رغيف عيش غامق ونزلته للطفل. بدأ يمضغ العيش الناشف بحماس، في حين تجمع طبقة من اللعاب على دقنه ونزلت عشان تبل ياقتة. "بالطريقة دي، أول ما تبدأ تمشي، هتقدر تسحبها وراك في كل حتة في البيت!"
      
      "جورج" صرخ وهو بوقه مليان عيش طري وركل رجليه الممتلئة و"صوفيا" رفعته من على الأرض وحطته في كرسيه العالي في طرف الترابيزة. قعدت جنبه على كرسي عالي، بتأكله قطع تفاح وهو فقد اهتمامه بالعيش وبدأ يفتته لفتات.
      
      "يمكن نتمشى الضهرية دي،" "صوفيا" اقترحت، وهي بتاخد الطبق الفاضي لحوض الغسيل. "لو الشمس فضلت، ممكن حتى نعمل فسحة صغيرة. إيه رأيك؟"
      
      فضلت ترغي مع الطفل وهي بتجهز فطارها وبتنضف المطبخ. أكلت وهي واقفة، بتدخل لقم عيش بالزبدة ولحم مقدد بين كنس الأرض ومسح الترابيزة. الشبابيك هتحتاج تتغسل كويس قريب، فكرت وهي بتبص على الجنينة اللي ورا البيت. والجنينة محتاجة تتنضف من الحشائش، والسياج محتاج يتقص، و...
      
      "أو يمكن نخلي الفسحة لبكرة، ها؟" قرصت خد "جورج" وهو بتعدي من جنب كرسيه، بس الولد كان مشغول بالخبط بمكعب من مكعباته على الترابيزة لدرجة إنه ملاحظش اللمسة الخفيفة. "غير كده، ليسي المفروض تيجي النهاردة عشان تساعد في غسيل الستاير، وأنا متأكدة إنها هتبقى عايزة تاخدك تدور على ديدان الفراش، ده لو كنت شاطر أوي الصبح ده."
      
      الأعمال المنزلية، كانت بتأمل، هتكون كفاية عشان تبعد أفكارها عن حاجات تانية. طبعًا، كانت بتأمل نفس الأمل كل صباح، إن شغل إدارة البيت، والاهتمام بـ "جورجي" الصغير هينجح في تشتيت انتباهها عن أفكارها، بس كل يوم، بدون فشل، ابتسامتها كانت بتختفي وهي بتدخل في شغلها، دراعاتها بتتعب بسرعة كبيرة وهي بتعجن العجينة لرغيف العيش الطازج اللي كانت ناوية تخبزه في وقت لاحق من اليوم.
      
      لما كانت بتتكلم مع "جورج"، عمرها ما سمحت للأفكار دي تبان في كلامها أو تعبيراتها. هو مش محتاج يعرف إن أمه سابته، من غير كارت واحد ولا جواب عشان تعرفهم هي فين دلوقتي. بس دي كانت دايماً طريقة لوسي، "صوفيا" فكرت. تهرب من غير ما تبص وراها، تسيب كل حاجة وكل حد وراها في اللحظة اللي حاجة، أو حد، يلفت انتباهها.
      
      "صوفيا" عصرت القماشة اللي كانت بتستخدمها عشان تمسح الترابيزة وعلقتها على طرف الحوض. لسه مفيش حتى نص النهار وضهرها كان بيوجعها، وعقدة شد بدأت تتكون بين لوحين كتفها. التلات شهور اللي فاتوا كانوا الأصعب. لحد ما "جورج" بقى عنده ست شهور، "لوسي" كانت راضية تفضل معاها في البيت وتهتم بالولد. بس أول ما "جورج" بدأ يزحف ويبين شوية علامات استقلالية الرضع، "لوسي" بقيت قلقانة. اشتكت من متاعب الأمومة، وإزاي إنها بتكبرها أكتر من سنها اللي هو تسعتاشر سنة. وبعدين، في يوم من الأيام بعد الضهر، "لوسي" خرجت تتمشى في ستانتريث وممرجعتش.
      
      "صوفيا" مكنش عندها سبب تخاف إن حاجة حصلت لأختها الأصغر وهي بتتمشى. العربية كانت دايماً بتعدي من ستانتريث يوم التلات، وبما إن "لوسي" اختفت فجأة يوم تلات، قرب الساعة اللي العربية كانت بتبقى فيها بره الفندق...
      
      وبعدين اكتشفت الملاحظة على ترابيزة مكياج "لوسي". مكنتش رسالة طويلة أوي. مفيش اعتذار طبعًا. بس ده مكنش أسلوب "لوسي" أصلاً. "أنتِ هتعملي أحسن مني بكتير، أنا متأكدة" كده كانت مكتوبة، وممضية بقلب وحرف "L" ملفوف "لوسي" كانت معتادة تمضي بيه كل مراسلاتها.
      
      "يلا يا حبيبي." "صوفيا" شالت "جورج" من كرسيه العالي وادته بوسة خفيفة على راسه الأشقر. "يلا نرتب السراير، إيه رأيك؟"
      
      كانت الساعة عشرة وخمس دقايق الصبح لما "ليسي" وصلت لباب المطبخ، ومريلة بيضا نضيفة كانت مربوطة حوالين وسطها وسلة كبيرة متشالة على دراعها اليمين. "آسفة إني اتأخرت، يا مدام بريكستون." الشابة هزت راسها وهي بتعتذر. "بس ماما أصرت إني أجيب البسكوتات دي لـ"جورجي" الصغير. هما ناشفين شوية، عشان كده افتكرت إنهم ممكن يكونوا كويسين لتسنينه."
      
      "يا سلام، ممتاز!" "صوفيا" خدت السلة اللي اتعرضت عليها وبصت تحت القماشة اللي كانت بتحمي البسكوتات اللي لسه دافية. "جورج لسه نايم نومة الصبح، بس أنا متأكدة إنه هيحب ياكل واحدة أو اتنين منهم مع لبنه أول ما يصحى."
      
      وبينما "صوفيا" حطت السلة على جنب ومدت إيديها عشان تثبت دبوس شعر كان اتزحلق من ضفيرتها اللي ورا راسها، بصت على "ليسي" الشابة. بنت الطحان كانت جميلة، وبقت أجمل بزيادة وزن لطيفة اديت شكل لجسمها اللي كان لسه بينمو واديت استدارة لبشرتها الرائعة، بخدود وبشرة ناعمة زي القشطة الطازجة. "صوفيا" كشّرت تحت النمش بتاعها، النمش اللي كان لازمها من وهي طفلة ومختفاش تمامًا لما كبرت وبقت ست.
      
      "ليسي"، "صوفيا" فكرت، هتبقى زوجة وأم ممتازة في يوم من الأيام، على الرغم من إن البنت شكلها مكنتش واخدة بالها خالص من جاذبيتها. "صوفيا" من ناحية تانية، كانت عارفة مدى حدودها الجوازية. مفيش حاجة كتير تخليها مرغوبة لزوج محتمل. بغض النظر عن الجانب الجسدي (لإن مين ممكن يرغب في شابة شعرها أحمر ومنمشة لأي راجل؟)، سلوك أختها زود قفل أي فرصة لـ "صوفيا" إنها تلاقي زوج. مهما كان إنهم وصلوا لـ "ستانتريث" تحت ستار أرملة شابة وأختها بيحاولوا يبدأوا حياة جديدة لنفسهم.
      
      كانت سمعت الشائعات اللي بتدور حواليهم، وبالذات حواليها هي. إنها عمرها ما اتجوزت أصلًا، وإن الطفل اتولد ليها من غير جواز، وإنهم هربوا من بيتهم اللي فات على بعد دزينة مقاطعات عشان يهربوا من وصمة الفضيحة. وعشان كده فضلت في بيتها، بتعلم نفسها إزاي تدبر مبلغ الخمسين جنيه في السنة وهي بتتحمل النظرات المتعالية وقسوة أهل البلد اللي اختاروا يبصوا عليها باحتقار عشان عندها ماضي مش واضح متلوث أكتر بشهور من القيل والقال.
      
      لو كان معاهم فلوس أكتر، "صوفيا" كتير كانت بتتساءل... عيلة أكتر، عيلة أحسن، يمكن كانوا يقدروا يبعتوا "لوسي" بعيد طول فترة حملها، بعيد عن العيون الفضولية ونظرات الجيران اللي بتحكم. وبعدين، بعد كام شهر لما الشائعات تموت، كان ممكن ترجع بالطفل الجديد وتدعي إنه ابن عم أو حتى لقيط متروك لرعايتهم. بس "صوفيا" مكنش عندها لا الفلوس ولا العلاقات عشان تعمل خطة زي دي. وعشان كده "لوسي"، اللي كان عندها تمنتاشر سنة بس لما اكتشفت إنها حامل، اضطرت تتحمل انتقاد تقريبًا البلد كلها اللي تربوا فيها. ده لحد ما الطفل اتولد و"صوفيا" بدأت في الخطة إنها تدعي إنها أرملة وتلم حاجتهم القليلة لحياة جديدة في نورثمبرلاند.
      
      "فيه خرم صغير هنا يا مدام. بالظبط على الخياطة."
      
      "صوفيا" و"ليسي" قضوا بقية الصباح وهما بينزلوا الستاير والبرادي وبيفحصوهم لأي نوع من التلف قبل ما يحطوهم على جنب عشان يتغسلوا. "صوفيا" بدأت تفك العقدة في الخيط بتاعها وبدأت في الخرم الصغير اللي "ليسي" شورتلها عليه، صوابعها اتحركت بسرعة أكبر أول ما سمعت "جورج" بدأ يزن من أوضة نومها اللي فوق.
      
      "هروح أجيبه أنا،" "ليسي" عرضت، وانطلقت ناحية السلم قبل ما "صوفيا" تقدر تقول كلمة مؤيدة أو معارضة. بعد دقيقة، رجعت الشابة ومعاها "جورج" اللي كان بيضحك بالفعل ومتكفي على وركها، إيديه بتلعب بشريط صغير هي كانت شالته من شعرها عشان يستخدمه كلعبة.
      
      "ماما أكدتلي إنه هيمشي قبل ما يتم شهر تاني،" "ليسي" قالت، ابتسامتها بتزيد وهي بترمي الشريط الأخضر بعيد عن متناول "جورج" قبل ما تسمحله يتزحلق بين صوابعه تاني.
      
      "مش هستغرب،" "صوفيا" قابلت ابتسامة الشابة بواحدة زيها وهي بتبص على الطفل ومحاولاته اللي تقريبًا كوميدية إنه يمسك قطعة القماش الرفيعة دي. "لوسي مشيت بدري، حوالي تسع شهور، لو مكنتش غلطانة."
      
      "وإيه عنك؟" "ليسي" رمت الشريط رشة تانية، بس "جورج" فجأة اندفع ومسكه، مفاصل صوابعه ابيضت وهو ماسك بكل قوته.
      
      "آه، لأ." "صوفيا" ضحكت. "أنا كنت متأخرة في كل حاجة، أو كده اللي أمي كانت بتأكدلي عليه في مناسبات كتير. كنت متأخرة في المشي، متأخرة في النوم طول الليل، متأخرة في أول كلمة أنطقها، ومأساوية متأخرة في نمو شعر كامل. في الحقيقة، كنت تقريبًا عندي تلات سنين قبل ما أي حاجة من دول تظهر أخيرًا." وقفت خياطتها لمدة كافية عشان تشد طرف ضفيرتها بالراحة. "لوسي كانت بتهزر وتقول إن شعري قضى وقت طويل أوي جوه راسي لدرجة إنه حمض، وعشان كده طلع بلون بشع بالشكل ده."
      
      "ليسي" ضحكت بصوت عالي، وبعدين وشها احمر من الكسوف.
      
      "متشغليش بالك،" "صوفيا" لوحت بإيدها عشان تبعد مظهر البنت المحرج. "مش أنتي اللي لازم تعيشي بيه." ابتسمت تاني، و"ليسي" شكلها استرخت.
      
      
      
      
      
      "يا سلام، مش باين عليك إنك مبسوط النهاردة الصبح؟"
      
      "صوفيا" رجّعت خصلة شعر أحمر من على خدها قبل ما تنحني على سرير الأطفال الخشب الصغير. "جورج" كان واقف على أطراف صوابعه، إيديه الاتنين مرفوعة ناحيتها وإصابعه الممتلئة بتتحرك وكأنها بتحاول تمسك حاجة في الهوا. أول ما إيديها مسكته من تحت دراعاته، الطفل طلع صرخة سعادة فظيعة، عينيه الزرقا بتلمع و"صوفيا" بتشيله من على حرف السرير وتلف بيه دايرة كاملة في الهوا قبل ما تثبته أخيرًا على وركها.
      
      "نمت كويس؟" سألته، وصوتها مكانش بيزود غير ابتسامة الولد، ابتسامة كان فيها سنتين بيضا من فكه اللي تحت. وهي بتغير للولد الحفاضة وبتلبسه هدوم نضيفة لليوم، حكتله عن اللي حلمت بيه وهي نايمة، عن الشمس اللي بتدخل من شبابيك الأوضة، وعن الورد الأبيض اللي بدأ يفتح على طول السياج. "جورج" كان بيبغبغ ردًا على كل أسئلتها، وإيديه بتسقف بحماس لما شالته تاني ونزلت بيه تحت عشان يفطر.
      
      "عايز تفاح؟" "صوفيا" سألت وهي بتفتح برطمان تفاح مطبوخ وبتصبه في طبق. الولد كان بيكركب من ركنه في المطبخ، اللي كان فيه تشكيلة من المكعبات الخشبية وحصان لعبة لسه شارياه ومعاه عربية خشب بتتحرك على الأرض بعجل بيخبط.
      
      "لازم نجيب حتة خيط للعربية دي،" كملت وهي بتقطع بمهارة طرف رغيف عيش غامق ونزلته للطفل. بدأ يمضغ العيش الناشف بحماس، في حين تجمع طبقة من اللعاب على دقنه ونزلت عشان تبل ياقتة. "بالطريقة دي، أول ما تبدأ تمشي، هتقدر تسحبها وراك في كل حتة في البيت!"
      
      "جورج" صرخ وهو بوقه مليان عيش طري وركل رجليه الممتلئة و"صوفيا" رفعته من على الأرض وحطته في كرسيه العالي في طرف الترابيزة. قعدت جنبه على كرسي عالي، بتأكله قطع تفاح وهو فقد اهتمامه بالعيش وبدأ يفتته لفتات.
      
      "يمكن نتمشى الضهرية دي،" "صوفيا" اقترحت، وهي بتاخد الطبق الفاضي لحوض الغسيل. "لو الشمس فضلت، ممكن حتى نعمل فسحة صغيرة. إيه رأيك؟"
      
      فضلت ترغي مع الطفل وهي بتجهز فطارها وبتنضف المطبخ. أكلت وهي واقفة، بتدخل لقم عيش بالزبدة ولحم مقدد بين كنس الأرض ومسح الترابيزة. الشبابيك هتحتاج تتغسل كويس قريب، فكرت وهي بتبص على الجنينة اللي ورا البيت. والجنينة محتاجة تتنضف من الحشائش، والسياج محتاج يتقص، و...
      
      "أو يمكن نخلي الفسحة لبكرة، ها؟" قرصت خد "جورج" وهو بتعدي من جنب كرسيه، بس الولد كان مشغول بالخبط بمكعب من مكعباته على الترابيزة لدرجة إنه ملاحظش اللمسة الخفيفة. "غير كده، ليسي المفروض تيجي النهاردة عشان تساعد في غسيل الستاير، وأنا متأكدة إنها هتبقى عايزة تاخدك تدور على ديدان الفراش، ده لو كنت شاطر أوي الصبح ده."
      
      الأعمال المنزلية، كانت بتأمل، هتكون كفاية عشان تبعد أفكارها عن حاجات تانية. طبعًا، كانت بتأمل نفس الأمل كل صباح، إن شغل إدارة البيت، والاهتمام بـ "جورجي" الصغير هينجح في تشتيت انتباهها عن أفكارها، بس كل يوم، بدون فشل، ابتسامتها كانت بتختفي وهي بتدخل في شغلها، دراعاتها بتتعب بسرعة كبيرة وهي بتعجن العجينة لرغيف العيش الطازج اللي كانت ناوية تخبزه في وقت لاحق من اليوم.
      
      لما كانت بتتكلم مع "جورج"، عمرها ما سمحت للأفكار دي تبان في كلامها أو تعبيراتها. هو مش محتاج يعرف إن أمه سابته، من غير كارت واحد ولا جواب عشان تعرفهم هي فين دلوقتي. بس دي كانت دايماً طريقة لوسي، "صوفيا" فكرت. تهرب من غير ما تبص وراها، تسيب كل حاجة وكل حد وراها في اللحظة اللي حاجة، أو حد، يلفت انتباهها.
      
      "صوفيا" عصرت القماشة اللي كانت بتستخدمها عشان تمسح الترابيزة وعلقتها على طرف الحوض. لسه مفيش حتى نص النهار وضهرها كان بيوجعها، وعقدة شد بدأت تتكون بين لوحين كتفها. التلات شهور اللي فاتوا كانوا الأصعب. لحد ما "جورج" بقى عنده ست شهور، "لوسي" كانت راضية تفضل معاها في البيت وتهتم بالولد. بس أول ما "جورج" بدأ يزحف ويبين شوية علامات استقلالية الرضع، "لوسي" بقيت قلقانة. اشتكت من متاعب الأمومة، وإزاي إنها بتكبرها أكتر من سنها اللي هو تسعتاشر سنة. وبعدين، في يوم من الأيام بعد الضهر، "لوسي" خرجت تتمشى في ستانتريث وممرجعتش.
      
      "صوفيا" مكنش عندها سبب تخاف إن حاجة حصلت لأختها الأصغر وهي بتتمشى. العربية كانت دايماً بتعدي من ستانتريث يوم التلات، وبما إن "لوسي" اختفت فجأة يوم تلات، قرب الساعة اللي العربية كانت بتبقى فيها بره الفندق...
      
      وبعدين اكتشفت الملاحظة على ترابيزة مكياج "لوسي". مكنتش رسالة طويلة أوي. مفيش اعتذار طبعًا. بس ده مكنش أسلوب "لوسي" أصلاً. "أنتِ هتعملي أحسن مني بكتير، أنا متأكدة" كده كانت مكتوبة، وممضية بقلب وحرف "L" ملفوف "لوسي" كانت معتادة تمضي بيه كل مراسلاتها.
      
      "يلا يا حبيبي." "صوفيا" شالت "جورج" من كرسيه العالي وادته بوسة خفيفة على راسه الأشقر. "يلا نرتب السراير، إيه رأيك؟"
      
      كانت الساعة عشرة وخمس دقايق الصبح لما "ليسي" وصلت لباب المطبخ، ومريلة بيضا نضيفة كانت مربوطة حوالين وسطها وسلة كبيرة متشالة على دراعها اليمين. "آسفة إني اتأخرت، يا مدام بريكستون." الشابة هزت راسها وهي بتعتذر. "بس ماما أصرت إني أجيب البسكوتات دي لـ"جورجي" الصغير. هما ناشفين شوية، عشان كده افتكرت إنهم ممكن يكونوا كويسين لتسنينه."
      
      "يا سلام، ممتاز!" "صوفيا" خدت السلة اللي اتعرضت عليها وبصت تحت القماشة اللي كانت بتحمي البسكوتات اللي لسه دافية. "جورج لسه نايم نومة الصبح، بس أنا متأكدة إنه هيحب ياكل واحدة أو اتنين منهم مع لبنه أول ما يصحى."
      
      وبينما "صوفيا" حطت السلة على جنب ومدت إيديها عشان تثبت دبوس شعر كان اتزحلق من ضفيرتها اللي ورا راسها، بصت على "ليسي" الشابة. بنت الطحان كانت جميلة، وبقت أجمل بزيادة وزن لطيفة اديت شكل لجسمها اللي كان لسه بينمو واديت استدارة لبشرتها الرائعة، بخدود وبشرة ناعمة زي القشطة الطازجة. "صوفيا" كشّرت تحت النمش بتاعها، النمش اللي كان لازمها من وهي طفلة ومختفاش تمامًا لما كبرت وبقت ست.
      
      "ليسي"، "صوفيا" فكرت، هتبقى زوجة وأم ممتازة في يوم من الأيام، على الرغم من إن البنت شكلها مكنتش واخدة بالها خالص من جاذبيتها. "صوفيا" من ناحية تانية، كانت عارفة مدى حدودها الجوازية. مفيش حاجة كتير تخليها مرغوبة لزوج محتمل. بغض النظر عن الجانب الجسدي (لإن مين ممكن يرغب في شابة شعرها أحمر ومنمشة لأي راجل؟)، سلوك أختها زود قفل أي فرصة لـ "صوفيا" إنها تلاقي زوج. مهما كان إنهم وصلوا لـ "ستانتريث" تحت ستار أرملة شابة وأختها بيحاولوا يبدأوا حياة جديدة لنفسهم.
      
      كانت سمعت الشائعات اللي بتدور حواليهم، وبالذات حواليها هي. إنها عمرها ما اتجوزت أصلًا، وإن الطفل اتولد ليها من غير جواز، وإنهم هربوا من بيتهم اللي فات على بعد دزينة مقاطعات عشان يهربوا من وصمة الفضيحة. وعشان كده فضلت في بيتها، بتعلم نفسها إزاي تدبر مبلغ الخمسين جنيه في السنة وهي بتتحمل النظرات المتعالية وقسوة أهل البلد اللي اختاروا يبصوا عليها باحتقار عشان عندها ماضي مش واضح متلوث أكتر بشهور من القيل والقال.
      
      لو كان معاهم فلوس أكتر، "صوفيا" كتير كانت بتتساءل... عيلة أكتر، عيلة أحسن، يمكن كانوا يقدروا يبعتوا "لوسي" بعيد طول فترة حملها، بعيد عن العيون الفضولية ونظرات الجيران اللي بتحكم. وبعدين، بعد كام شهر لما الشائعات تموت، كان ممكن ترجع بالطفل الجديد وتدعي إنه ابن عم أو حتى لقيط متروك لرعايتهم. بس "صوفيا" مكنش عندها لا الفلوس ولا العلاقات عشان تعمل خطة زي دي. وعشان كده "لوسي"، اللي كان عندها تمنتاشر سنة بس لما اكتشفت إنها حامل، اضطرت تتحمل انتقاد تقريبًا البلد كلها اللي تربوا فيها. ده لحد ما الطفل اتولد و"صوفيا" بدأت في الخطة إنها تدعي إنها أرملة وتلم حاجتهم القليلة لحياة جديدة في نورثمبرلاند.
      
      "فيه خرم صغير هنا يا مدام. بالظبط على الخياطة."
      
      "صوفيا" و"ليسي" قضوا بقية الصباح وهما بينزلوا الستاير والبرادي وبيفحصوهم لأي نوع من التلف قبل ما يحطوهم على جنب عشان يتغسلوا. "صوفيا" بدأت تفك العقدة في الخيط بتاعها وبدأت في الخرم الصغير اللي "ليسي" شورتلها عليه، صوابعها اتحركت بسرعة أكبر أول ما سمعت "جورج" بدأ يزن من أوضة نومها اللي فوق.
      
      "هروح أجيبه أنا،" "ليسي" عرضت، وانطلقت ناحية السلم قبل ما "صوفيا" تقدر تقول كلمة مؤيدة أو معارضة. بعد دقيقة، رجعت الشابة ومعاها "جورج" اللي كان بيضحك بالفعل ومتكفي على وركها، إيديه بتلعب بشريط صغير هي كانت شالته من شعرها عشان يستخدمه كلعبة.
      
      "ماما أكدتلي إنه هيمشي قبل ما يتم شهر تاني،" "ليسي" قالت، ابتسامتها بتزيد وهي بترمي الشريط الأخضر بعيد عن متناول "جورج" قبل ما تسمحله يتزحلق بين صوابعه تاني.
      
      "مش هستغرب،" "صوفيا" قابلت ابتسامة الشابة بواحدة زيها وهي بتبص على الطفل ومحاولاته اللي تقريبًا كوميدية إنه يمسك قطعة القماش الرفيعة دي. "لوسي مشيت بدري، حوالي تسع شهور، لو مكنتش غلطانة."
      
      "وإيه عنك؟" "ليسي" رمت الشريط رشة تانية، بس "جورج" فجأة اندفع ومسكه، مفاصل صوابعه ابيضت وهو ماسك بكل قوته.
      
      "آه، لأ." "صوفيا" ضحكت. "أنا كنت متأخرة في كل حاجة، أو كده اللي أمي كانت بتأكدلي عليه في مناسبات كتير. كنت متأخرة في المشي، متأخرة في النوم طول الليل، متأخرة في أول كلمة أنطقها، ومأساوية متأخرة في نمو شعر كامل. في الحقيقة، كنت تقريبًا عندي تلات سنين قبل ما أي حاجة من دول تظهر أخيرًا." وقفت خياطتها لمدة كافية عشان تشد طرف ضفيرتها بالراحة. "لوسي كانت بتهزر وتقول إن شعري قضى وقت طويل أوي جوه راسي لدرجة إنه حمض، وعشان كده طلع بلون بشع بالشكل ده."
      
      "ليسي" ضحكت بصوت عالي، وبعدين وشها احمر من الكسوف.
      
      "متشغليش بالك،" "صوفيا" لوحت بإيدها عشان تبعد مظهر البنت المحرج. "مش أنتي اللي لازم تعيشي بيه." ابتسمت تاني، و"ليسي" شكلها استرخت.
      
      "إيه لون شعر جورجي اللي تفتكري هيطلع؟" "ليسي" سألت بعد ما عدت دقايق كتير. "هو فاتح أوي بالفعل،" قالت، ومسحت إيديها على الشعر القصير اللي تقريبًا أبيض اللي بيزين فروة راس الطفل.
      
      "مش متأكدة،" "صوفيا" نزلت الخياطة بتاعتها وبصت على راس "جورج".
      
      "ليسي" فضلت تحرك إيديها في الشعر الخفيف اللي على راس البيبي، وكل مرة صوابعها بتعدي بتطلع صوت إعجاب تاني من "جورج" الصغير نفسه. "يمكن باباه شعره فاتح، أو كان وهو صغير. يمكن..." وقفت فجأة، وعينيها وسعت من الغلطة اللي عملتها. "أنا آسفة،" قالت، وصوتها واطي وعينيها بتدور على النقوش اللي في سجادة الصالون.
      
      "لو سمحتي، متقلقيش نفسك." لفة بصوابعها، قصة بالمقص، والخرم اللي في الستاير اختفى. "هي ببساطة مش مسألة الواحد يقدر يتجنبها خالص. هيجي وقتها، وأكتر من مرة، أنا متأكدة. ومش بتوجعني. على الأقل، مش بالقدر اللي ممكن تتخيليه." حست بوخزة بسيطة من عدم الأمانة ده، بس حاولت تبتسم ابتسامة صغيرة عشان تطمن البنت.
      
      بس على الرغم من كلام "صوفيا"، "ليسي" فضلت تعض شفتها اللي تحت. "أنتِ...؟" بدأت، وبعدين سكتت.
      
      "أيوة؟"
      
      "ليسي" نضفت زروها وحاولت تاني. "بتوحشك؟ والد جورجي، قصدي."
      
      "صوفيا" اتنهدت ونزلت الخياطة بتاعتها. فجأة، حست بنفس الإرهاق اللي كان بيلازمها بقالها كام شهر، نفس عقدة الشد اللي بتضيق في نص ضهرها من فوق. "طبعًا بيوحشني. هو كان جوزي، مش كده؟ على الرغم من إني ساعات بحس كأننا مقضيناش وقت كفاية مع بعض عشان أوحشه بجد زي ما المفروض."
      
      "ميس لوسي حكتلي عنه،" "ليسي" كملت، و"صوفيا" شتمت في سرها على عدم قدرة أختها على كتمان الحكايات. "وصفت إنه 'جنتلمان كويس'."
      
      "صوفيا" قاومت الرغبة في إنها تلف عينيها. "طيب، لو ده اللي قالته عنه، يبقى يمكن نسيبها على كده، ها؟"
      
      "ليسي" حطت "جورج" على رجلها وفضلت تتعب نفسها عشانه، بتظبط ياقته، وبتشد في الشرابات الصوف اللي بتحافظ على دفء صوابعه الصغيرة. كانت متوترة، "صوفيا" أدركت، ومع ذلك الرغبة في طرح الأسئلة، في الدخول في شوية نميمة كانت أكبر من أي إحراج كانت بتحسه بخصوص الموضوع ده. لازم يكون ده ناتج عن إنها اتولدت واتربت في قرية صغيرة، "صوفيا" فكرت، وده اللي خلق الحاجة للكلام عن الآخرين والادعاء إن عالمهم كان أكبر بكتير من اللي موجود بين بيت القسيس ومزرعة الخرفان بتاعة الأستاذ بينجامان.
      
      "صوفيا" وقفت عشان تنهي المحادثة اللي فاتت. نفضت خيوط الخياطة الزيادة من مريلتها واتحركت ناحية المطبخ. "أظن جه وقت الشاي، ها؟ وبعدين جورج ياكل
       
      

      Pages

      authorX

      مؤلفون تلقائي

      نظام شراء