موصى به لك

الأقسام

الأعلى تقييمًا

    أعمال أصلية (RO)

      الأفضل شهريًا

        روايه سفر الأقدار - عالم غريب بانتظاركم

        سفر الأقدار

        2025,

        خيال علمي

        مجانا

        يا زين هذي الرواية! تبدأ بسوالف عن زخات شهب نادرة، بس كل شيء يتلخبط لما بطلتنا جيانغ هوي تحاول تاكل اندومي بعد يوم شاق. مكالمة عمل تزعجها، وتنتقم من الكمبيوتر، اللي يسبب كارثة كهربائية. وفجأة، تلقى نفسها في مكان ثاني، في عالم غريب بعد ما روحتها انسلخت من جسمها وراحت في الفضاء.

        جيانغ

        موظفة كادحة تتعرض لضغوط الشغل ولسانها سليط. حياتها مليانة حظ سيء، لدرجة إنها ما قدرت تاكل وجبة اندومي بسبب مكالمات العمل اللي ما تخلص. شخصيتها قوية وتتحمل، بس عندها حد للصبر، وفي الأخير يخلص وتنفجر.

        الفريق الفلكي الصيني

        هم أعلنوا عن زخات الشهب

        الناس العاديين في الكوكب الأزرق والكوكب 732

        ..
        تم نسخ الرابط
        روايه سفر الأقدار - عالم غريب بانتظاركم

        الساعة 3:45 العصر بتوقيت بكين، عالم الفلك الصيني المشهور "جيا منغ" وفريقه الفلكي، اللي يعتبرون الأفضل في البلد، أعلنوا أول توقع لهم عن حدث فلكي ضخم، هو زخات شهب بتكون بالآلاف. الزخات هذي تنبأوا إنها بتمر أقرب مدار لكوكبنا الأزرق من أي شيء شافه الإنسان من قبل. القياسات الحالية تدل على وجود جسم سماوي ضخم في المنطقة الإشعاعية اللي حولها، ممكن يكون ثقب أسود...
        
        "هنا، هنا... إيوه، اللي رقمها الأخير 7474، هذي هي. عطني إياها، يعطيك العافية." طلعت البنت نص جسمها من الباب ومدت يدها، وأخذت الطرد من الرجال.
        
        ظل حق التوصيل يطالع في الباب اللي تسكر وهو شوي يهتز. الكلام اللي كان يبغى يقوله ما لحق يطلعه، وبقى بس آخر "يعطيك العافية" تتردد في الجو.
        
        آه، ليش شباب هالزمن كذا مستعجلين؟ كان وده يسولف شوي، حتى لو جملة ولا جملتين. هذي خامس مرة اليوم يتقفل الباب في وجهه كذا.
        
        آه، في هالزمن، صار صعب مرة الواحد يسولف؟ متى صارت المسافة بين الناس بعيدة كذا...؟ فيلسف حق التوصيل لحظة، وحس إن الموضوع له علاقة شوي بمادة علم الاجتماع اللي درسها في الجامعة.
        
        أما عن ليش واحد مثقف ومتخرج من الجامعة صار يوصل طلبات – فهذا موضوع ثاني يحتاج دراسة اجتماعية لحاله.
        
        وبوجهه البايخ وشفايفه النازلة، حق التوصيل ما كان عنده خيار غير إنه يمشي وهو محبط، لأن الوقت كان يضغط عليه عشان يوصل الطلب اللي بعده.
        
        كان في الأصل يبغى يخبر الناس بآخر الأخبار ويقول لهم عن زخات الشهب اللي توقعوها، لكن مع قرب المغرب، ما لقى ولا أحد مهتم يسمع.
        
        هذا كان الطلب قبل الأخير له، بعده بس طلب واحد ويخلص دوامه لليوم. الأخبار قالت إن فيه فرصة كبيرة إنهم يشوفون زخات الشهب الليلة، وحجمها يعتبر حدث يصير مرة كل مليون سنة.
        
        عشان يستعد، استأجر كاميرا كبيرة ومعدات، وكان يأمل إنه يلتقط مجموعة صور فلكية خرافية. بهذي الصور، يمكن يقدر ينقز لمستوى أفضل في شغله وفي المجتمع.
        
        بس... كل هذا ممكن يستنى. السواليف ممكن تستنى. أول شيء، لازم يخلص توصيلاته. توصيل طلبات! لأنه مهما كانت أحلامك كبيرة، لازم بالأول تاكل.
        
        على فكرة، وش ذا الشيء اللي كان معلق عند البنت قبل شوي؟ تعليقة؟ جرس؟ كانت لونها رمادي ومغبر، وألوانها متخلطة، لا هي حديد ولا بلاستيك، وشغلها كان خشن، كأنه قطعة فنية انحتت على السريع.
        
        أشياء زي كذا صارت في كل مكان في هالزمن. الناس اليوم متعودين على فكرة إن الشيء الغريب شكله، كل ما كان أحسن. إذا ما فهمته، معناته إنه شيء كويس. أكيد إنه حير كثير ناس - زي حق التوصيل.
        
        في اللحظة اللي لف فيها وجهه، حس شعور غريب إن لون التعليقة كان شوي غريب. كأنه... كان يلمع؟ كان نوع من النور الغريب اللي يشد الانتباه على طول، يلمع بطريقة ما توصف، وصعب إنك تعبر عنها بأي لغة نعرفها - ما هو شعور عادي يعرفه الناس.
        
        بس بعدها، في طرفة عين، رجعت كأنها تعليقة عادية، رمادية وباهتة، عادية وشكلها شين لدرجة خلته يشك إذا اللي شافه قبل شوي كان وهم. حق التوصيل ضحك على نفسه لأنه قاعد يحلم. أكيد هذا من كثر ما يقرأ - حتى صار يتخيل أشياء خارقة للطبيعة. بس للأسف، العالم ما فيه هالكثر من الغرائب.
        
        حس على نفسه على طول إنه يمشي أسرع واتجه للجهة الثانية من المبنى.
        
        طيب، وش كانت البنت، اللي أخذت الطلب وخلت حق التوصيل يطنقر شوي، قاعدة تسوي الحين؟ أكيد في هالوقت كانت قاعدة تاكل طلبها، صح؟
        
        إيه، ومو إيه.
        
        
        
        
        
        
        
        
        بالفعل، هي استلمت الطلب. وبمجرد ما فتحت الغطا، ريحة المرق الحار اللي تشهي انتشرت في المكان، والمكونات شكلها كان يفتح النفس ولذيذ. شهيتها، اللي كانت ضايعة من كثر الشغل الإضافي طول اليوم، رجعت فجأة. بسرعة، مسكت قطعة بطاطا طرية وما قدرت تستنى تاكلها.
        
        فرحتها بسرعة تحولت لكارثة. لأنها استعجلت في الأكل، حرقها الأكل في فمها، وصارت فقاعة كبيرة. الألم كان حاد، وفي ردة فعل سريعة، كبت جزء من المرق الحار. ومن بعدها، الموضوع صار أسوأ - صار زي سلسلة ردود فعل. وشعرها صار منكوش على جوانب وجهها، ونجحت في إنها تكب كل قدر المرق الحار، بما فيه القطعة اللي كانت ماسكتها.
        
        الأكل انكب عليها كلها، والجلد اللي كان ظاهر صار أحمر من الحرق. وزيادة على كذا، ما أكلت ولا لقمة من مرقها الحار.
        
        البنت على طول صار شكلها كأنها بتنفجر، وبعدها تغير تعبير وجهها لخليط من القهر وقلة الحيلة، وتحاول تكتم مشاعرها.
        
        يا ربي. هذا هو اللي يسمونه الحظ الشين، اللي حتى لو تشرب موية تغص؟ حتى المرق الحار صار يتهاوش معي اليوم!
        
        بس بعد سنوات من مواجهة الحياة الصعبة، ما كانت من النوع اللي ينهار عشان موقف بسيط. وبعدين، ما كان فيه أحد حولها يشوف قهرها. في هالشقة الكبيرة، هي لحالها - لمين بتوري حزنها أصلاً؟
        
        بعدين، كلها قدر مرق حار انكب. ما عصبت حتى لما أجبروها يشتغلون زيادة ويعدلون العقد نفسه 43 مرة اليوم. بعد اليوم هذا، حست إن صبرها وهدوءها تحسنوا كثير. كانت ممكن تشكر العالم وعملائها لأنهم أعطوها هالفرصة، وهي تبتسم.
        
        جمعت نفسها، ونظفت الفوضى، وأخذت لها لبس بيت أي كلام، وراحت بسرعة للحمام تاخذ لها دش منعش.
        
        عدلت مزاجها بسرعة بعد ما طلعت، ورجعت طبيعية.
        
        لكن... العشاء لسه راح عليها. تطلب وجبة ثانية يعني بتجلس تستنى أكثر من ساعة. "جيانغ هوي" ما كان عندها هالكثر صبر، خصوصاً إن عميلها "الحبيب" لسه يستناها تعدل العقد للمرة الـ 44. هدي أعصابك!
        
        فقررت، بعد ما فكرت شوي، إنها تاخذ كيس اندومي من المطبخ، وتتصرف فيه للعشاء. كانت ميته من الجوع.
        
        بعد ما طلعت من المطبخ، مشت لطاولة الأكل وغلت موية. التلفزيون كان لسه يعرض أخبار عن زخات الشهب، والخبراء يستخدمون أقوى الكلمات عشان يوصفون كم هي نادرة وعظيمة بتكون.
        
        هي ما كانت مهتمة كثير في البداية، بس بما إنها كانت تستنى الموية تغلي، وصوت المعلق كان مرة جذاب، لقت نفسها سرحانة شوي، وقاعدة تعض على شوكتها.
        
        صوت الموية وهي تغلي رجعها للواقع. بسرعة كبت الموية على الاندومي، وبعدين شالتها ورجعت لمكتبها عشان تكمل شغل.
        
        الاندومي ما المفروض يجلس وقت طويل، بس برضو يحتاج وقت. وهي حاطة يدها على ذقنها، طالعت في الشباك الكبير اللي جنب الكمبيوتر. من البلكونة الواسعة، كانت لسه تقدر تشوف الليل برا. وفي نفس الوقت، الشخص اللي في التلفزيون وراها كان لسه يتكلم بحماس عن زخات الشهب.
        
        آه، يازين الطفش. متى بتجي زخات الشهب هذي؟ ممكن... في اللحظة الجاية؟ لا، مافيه أمل إني أشوفها بالصدفة. وبعدين، أنا في المدينة، مو أحسن مكان عشان أطالع في النجوم.
        
        طيب ليش قاعدة تفكر في الموضوع أصلاً؟ هل فعلاً تأثرت من كلام الناس؟ الحين، الأفضل إنها تركز على إنها تشبع بطنها.
        
        آه، الاندومي استوى، وهي مرة جوعانة.
        
        
        
        
        
        
        إلا إنها، وهي على وشك إنها تشيل غطا الاندومي...
        
        "رن رن رن، رن رن رن، رن رن رن..." دق جوالها.
        
        جيانغ هوي عصبت مرة لدرجة إنها بغت ترمي الشوكة في الصالة. وبعيون معصبة وجبين مكرمش، طالعت في الاندومي وكأنه أسوأ عدو لها.
        
        الواقع مؤلم. أنسى موضوع زخات الشهب - هل هي، اللي تعتبر عبدة مسكينة للشركات، ما تستاهل حتى تاكل كوب اندومي حار وطازج؟
        
        بآخر نظرة حزينة على الاندومي، مسكت جوالها من الطاولة، وخلت شوكتها غارزة في طرف الكوب، وراحت وهي معصبة عشان ترد.
        
        ما يحتاج تخمن - أكيد كان العميل اللي مسؤول عن الـ 43 تعديل اللي قبل. حنه وتدقيقه كان أسوأ شيء مرت فيه جيانغ هوي، وصل لمستوى سخيف.
        
        فيه عملاء كثير يدقون بعد الدوام يطلبون شغل إضافي، بس قد سمعت عن واحد يطلب منك تعدل جملة وحدة ثلاث مرات، وتدققها ثلاث مرات، وبعدين يلقى جزء جديد ويطلب تعديله؟ وإذا ما سويت له اللي يبغاه، يشتكي ويقول إنك مو محترف ويهدد إنه يشتكي عليك. وإذا تجاهلته، يروح يشتكي عليك صدق.
        
        ممكن البعض يقول إن التعامل مع عميل زي كذا ما يستاهل المشاكل، وإن خسارة جزء من الراتب بسبب شكوى أفضل. بس هذي ما هي المشكلة الحقيقية. المشكلة هي إن العميل بيضايق مديرها بنفس الطريقة، ويجننه... وفي النهاية، المشكلة بترجع لجيانغ هوي.
        
        هذي مو حلقة مفرغة وتخوف؟! جيانغ هوي لها سنة بس في الشركة، وتعاملت مع هالعميل أربع مرات. وهذي كانت المرة الرابعة، وفي كل مرة كان يعذبها لدرجة إنها تفكر بجدية إنها تستقيل.
        
        لكن، كل مرة، مديرها كان يقدر يرجعها بكلامه الحلو - غالباً عشان الراتب كان زين. عشان نكون منصفين، مديرها اضطر يتدخل مادياً عشان يقنعها، لأن إيجاد أحد صبور كفاية عشان يتحمل عميل زي هذا وبسعر رخيص مو سهل.
        
        بعد ما خلصت المكالمة، رجعت جيانغ هوي، ووجهها معصب - عيونها، خشمها، فمها، كل شيء - وهي ماسكة جوالها بقوة.
        
        طالعت في كوب الاندومي، اللي صار شكله فاضي وذابح، كأنها فضت كل اللي فيها في دقايق.
        
        وحست إنها تائهة، طاحت على الكرسي بقوة، وخلت الكرسي الخشب يطلع صوت قوي. عيونها راحت من غطا كوب الاندومي إلى مؤشر الوقت اللي في الزاوية اليمين تحت من شاشة كمبيوترها.
        
        هي اشتغلت زيادة سبع ساعات اليوم. ما تقدر حتى تاكل وجبة حارة؟!
        
        جيانغ هوي ضربت يدها اليسار على المكتب كم مرة بقهر، وهي مو مهتمة إن يدها صارت توجعها. وفي الأخير، ما قدرت تتحمل أكثر، وطلعت قهرها بأنها ضربت بقوة على الزر اللي في الزاوية اليسار فوق من الكيبورد. لما تسيطر المشاعر، يسوي الواحد أشياء غبية، وهي ما كانت تفكر زين أبد.
        
        مع إنها استخدمت إصبعين بس هالمرة، القوة ما كانت أقل من لما ضربت المكتب بيدها كلها قبل شوي. وبمجرد ما أصابعها ضربت الزر، كوب الاندومي اللي على المكتب نط وزحف قدام نص بوصة، وصار طرفه لاصق تماماً في جانب الكيبورد.
        
        وفي نفس الوقت، في مكان ما تشوفه جيانغ هوي، التعليقة اللي كانت معلقة برا نطت شوي، وطلعت نور خافت ومجموعة أصوات خفيفة كأن في شيء اشتغل.
        
        "بيب بيب بيب-" صوت طلع لفترة، بس ما كان واضح هل هو من التلفزيون ولا من صوت الساعة.
        
        عقلها صار فاضي. يا ويلي، كارثة! هل حذفت كل شيء بالغلط؟!
        
        وفي حالة من الهلع، حسّت ببرودة تمشي من ورا راسها لين رقبتها وعمودها الفقري. ظهرها صار بارد، بس وجهها وصدرها كانوا حارين. التناقض بين البرودة والحرارة خلى جيانغ هوي تحس إنها بتنجن.
        
        لو كل شيء انحذف صدق، بيصير كأني رجعت لنقطة البداية. وش اللي خلاني اطلع قهري على الكمبيوتر؟ وليش كنت كأني في حرب مع كوب اندومي؟ هل خلاص انجننت من طلب التعديل الـ 44 من العميل؟
        
        جيانغ هوي كانت تعرف إن الشيء اللي المفروض تقلق منه الحين ما هو مشاعرها، لكن هل العقد اللي قضت اليوم كله تعدل فيه جزء جزء راح بسبب تصرفاتها المتهورة.
        
        بس بعدها، فجأة جاتها فكرة غريبة. حسّت إنها فقدت عقلها، حتى فكرت إن لو العقد راح، يمكن خلاص بترتاح. هل لازم تستقيل؟
        
        فكرة إن الملف ممكن يكون راح، والكمبيوتر ممكن يكون اخترب، ملتها بشعور غريب من الفرح، كأنها طايرة في الهواء. شعور سري بالفرح والترقب طلع فيها.
        
        لحظة، وش قاعدة تفكر فيه أصلاً؟!
        
        هل هي تحت تأثير سحر، ولا عقلها فصل؟ كيف ممكن تجيها أفكار زي كذا؟
        
        
        
        
        
        
        
        آآآآآه، فكرت في نفسها، "أنا عدلت العقد هذا 43 مرة، وعلى وشك أبدأ التعديل الـ44! الوقت من ذهب - كل هذا عشان الفلوس، وما أقدر أضيعه."
        
        تغير تعبير وجهها بسرعة، وجهها صار أحمر، بعدين شاحب، وبعدها أخضر باهت، وعيونها رجعت تلمع مرة ثانية.
        
        الوقت كان يمشي ببطء. وهي تطالع في الكمبيوتر، اللي ومض كم مرة بس في النهاية رجع على الشاشة الأصلية، طلعت زفرة طويلة من الراحة - كأن الكون مو ضدها بالكامل، والتعديل الـ 44 في أمان.
        
        لكن، لسبب ما، لسه كانت حاسة بخيبة أمل شوي.
        
        آه، فكرت في نفسها، "بخلص التعديل هذا بس، وبطفي الكمبيوتر، وبنسى كل شيء ثاني."
        
        جيانغ هوي حطت يدها على الكيبورد، واليد الثانية مسكت فيها كوب الاندومي، عشان تحطه على جنب. من طرف عينها، لمحت المرق اللامع والاندومي اللي بدأ يلين، ويدها وقفت تلقائياً.
        
        "آه... يمكن آكل لقمة أول،" فكرت. "ولا ممكن أموت من الجوع قبل ما أخلص شغلي. مرت نص يوم، وما أكلت ولا لقمة. لقمة وحدة ما هي طلب كبير، صح؟"
        
        في النهاية، استسلمت لشهيتها، جيانغ هوي وطت راسها شوي، وعيونها على تحت وهي تغرز شوكتها في كم حبة اندومي.
        
        ما انتبهت لليل المظلم برا، اللي كان فيه ضباب خفيف يلمع، ومعاه صوت خفيف حاد يتردد جوا وبرا الغرفة.
        
        وبينما الاندومي كان يقرب من فمها، عيونها راحت لشاشة الكمبيوتر، اللي توها صارت سوداء. عيونها اتسعت وهي تطالع، وشافت الشاشة مليانة بسلسلة من رسائل خطأ حمراء ما تنفهم، وقاعدة تنزل زي الشلال، حمراء زي الدم اللي كان ينبض في قلبها.
        
        عقلها كان على وشك الانهيار، بس يدها تلقائياً كملت حركتها لقدام. المرق اللي كان لسه حار انكب عليها، وخلعها، وسبب إن الاندومي يطيح على ظهر يدها. الصدمة سببت سلسلة ردود فعل في عقلها وجسمها؛ يدها بسرعة ضربت، وكبت كوب الاندومي كله، وغرقت اللابتوب بالمرق.
        
        - وخلاص انتهى الموضوع.
        
        جيانغ هوي ما قدرت تكتم صرخة قصيرة وحادة، والمرق من الاندومي انكب على كمبيوترها كله، وكون شبكة من النور اللي ومض زي البرق. وفي نفس الوقت، الشاشة السوداء للكمبيوتر كملت تنزل سيل لا نهاية له من الكلام الأحمر اللي ما ينفهم.
        
        وفي هاللحظة اللي كانت كارثية مرة، شهب نزلت من السماء، زي النجوم وهي تطيح من السحاب.
        
        جيانغ هوي حست بمئات وآلاف التيارات الحادة تقرب منها من ورا، وتلفها، وتلف الأرض، والطاولة، وكمبيوترها بقوة هائلة. وفي النهاية، كل اللي حولها جرفته موجة كبيرة.
        
        وبين زخات الشهب، فقدت وعيها.
        
        
        
        
        
        
        
        ---
        
        يُقال إن سرعة الضوء هي أسرع سرعة عرفتها البشرية، بينما الزمن هو كمية فيزيائية شاملة تحدد حالات الحركة والسكون لكل شيء.
        
        على الكوكب الأزرق، هناك أسطورة قديمة: عندما يستطيع الإنسان تجاوز سرعة الضوء ويحقق زخماً معيناً، قد يتمكن من عكس تدفق الزمن أو حتى السفر عبر الزمان والمكان.
        
        إذًا، ماذا لو كان العكس صحيحًا؟ إذا استطاع شخص ما عبور تيار الزمن، فهل يمكنه أن يشهد سرعة الضوء؟
        
        في الليلة التي هطلت فيها زخات الشهب، لم يكن أحد يعلم أن نسمة من الروح من الكوكب الأزرق قد جرفتها تيارات الزمن، لتنجرف في الفضاء الواسع للكون.
        
        طفقت تسبح ببطء داخل نهر الزمن، مصاحبةً لسرعة تريليونات من الضوء، تسير جنبًا إلى جنب مع الشمس والقمر والنجوم، غير مدركة لوجهتها.
        
        في نهاية المطاف، استيقظ هذا الجزء من الوعي من سبات طويل، وكأنه عبر برية قديمة، يهبط ببطء وفي النهاية انجذب نحو نقطة مألوفة.
        
        في لحظة، في نفَس، عادت نسمة من الروح، وتفتحت زهرة حياة من جديد.
        
        في عام 9983 من العصر الثامن للتقويم النجمي، كانت منطقة داخل اللوحة القارية المركزية للنظام النجمي الدائم، المسمى "الكوكب 732"، تشهد أيضًا زخات شهب.
        
        ومع ذلك، فقد اعتاد الناس هنا على مثل هذه المشاهد منذ زمن طويل ولم يتوقفوا عندها بسببها.
        
        في إحدى البنايات السكنية، انطفأت الأضواء في أحد المنازل فجأة، وساد الصمت في الغرفة، ولم يُسمع أي صوت لفترة طويلة.
        
        عندما لم يتم رصد أي حركة من الكائنات الحية، انطفأت أضواء الاستشعار التلقائية بسرعة مرة أخرى. وبعد فترة، بدأ صوت أنين منخفض يتردد في الغرفة، يشبه صوت حيوان صغير، مرتبكًا ومحتارًا بعض الشيء، وكأنه لا يفهم تمامًا الوضع.
        
        في الظلام، انفتحت عينا جيانغ هوي ببطء. وفي لحظة، وميض غريب في بؤبؤ العينين، وسرعان ما تدفق من زوايا العينين.
        
        "آه... هذا مؤلم"، صاحت جيانغ هوي التي كانت مستلقية على الأرض، فزعةً من الألم. ومع ذلك، يبدو أنها كانت لا تزال تكافح للتحكم في وظيفة كانت كامنة لفترة طويلة، مما جعل كل شيء يبدو بطيئًا. كان كلامها أيضًا غير واضح، مع لدغة شديدة في الكلام.
        
        لحسن الحظ، في تلك اللحظة، لم تكن تتحدث مع أحد؛ كانت فقط تتمتم لنفسها، لذلك لم يكن هناك حاجة لأي شخص آخر أن يجهد نفسه لفهمها.
        
        بعد فترة طويلة، تمكنت هذه الهيئة الصغيرة أخيرًا من أن ترفع نفسها قليلاً، لكن يبدو أنها فقدت أيضًا الإحساس بيديها وقدميها وأطرافها. كافحت قليلاً للتحكم في أطرافها، وحاولت أن ترفع نفسها ثلاث مرات قبل أن تستقر أخيرًا نصف جسدها.
        
        عندما استشعرت حركاتها، اشتغل الضوء الفوتولومينيسينتي تلقائيًا مرة أخرى، وفي هذه المرة، أضاءت الأضواء في غرفة النوم، ثلاثة صفوف من الأمام والخلف، لتنير الغرفة بشكل ساطع.
        
        فجأة انذهلت الفتاة من الضوء الساطع، وأغمضت عينيها بشكل غريزي حيث شعرت عينا جيانغ هوي بألم حاد.
        
        مع رفع نفسها قليلاً، كان نظرها مشوشًا، وعقلها لا يزال مضطربًا، غير قادر على التمييز بين الواقع والوهم. كان دماغها فارغًا، ومليئًا بصوت طنين مستمر.
        
        أين... هذا؟
        
        بعد فترة طويلة، تواصلت أفكارها أخيرًا مع عقلها، وتومضت مشاهد من قبل أن تفقد وعيها أمام عينيها، تلتها مساحات شاسعة من الضوء والظلام غير الواضحين، وفوضوية، وغير واضحة، حتى وصلت إلى اللحظة التي فتحت فيها عينيها للتو.
        
        لا يمكن أن تكون قد ماتت بصعقة كهربائية بسبب وعاء من الاندومي، أليس كذلك؟
        
        لا، انتظري، هل ستشعر بالألم إذا كانت ميتة؟ آه، هذا يؤلم حقًا.
        
        كانت الأرض باردة، وشعرت ببلل على ظهرها، مما جعلها ترتجف. كانت هناك رائحة معدنية غريبة على طرف أنفها، وفمها كان جافًا ومؤلماً. كم كان الأمر سيئاً لدرجة جعلها تشعر وكأنها أصيبت بالزكام على الفور؟
        
        يجب عليها فقط أن تجلس من الأرض. لماذا شعرت بالدوار والارتباك قليلاً؟ كان مؤخرة رأسها أيضًا مخدرة، ربما لأنها سقطت للتو إلى الوراء وضربت رأسها على الأرض.
        
        يا له من حظ سيء هذا! هل يجب أن تكون ممتنة لأنها لم تمت أو تتلف فصها القذالي؟ بعد كل شيء، كانت لا تزال لديها أفكار واضحة نسبيًا... آه، لم تعد متأكدة بعد الآن. هل يمكن أن تكون قد أصيبت بالفعل في فصها القذالي؟
        
        لماذا يبدو تخطيط الغرفة وكأنه تغير بشكل كبير؟ من فضلكم لا تجعلوا الأمر أن بصرها قد تضرر، مما يشوه إحساسها بالوعي المكاني الطبيعي... وإلا، كيف يمكن أن تشعر جيانغ هوي بأنها لا تتعرف على منزلها الخاص؟
        
        وسعت جيانغ هوي عينيها وتفحصت محيطها، وهي تحدق في الفراغ لفترة طويلة قبل أن ترمش بقوة.
        
        لا، هذه ليست غرفتها! إلى جانب ذلك، تذكرت أنها كانت عند مكتب الكمبيوتر في غرفة المعيشة، وهنا—هذه من الواضح أنها غرفة نوم غريبة.
        
        أين هي بالضبط؟ من أنقذها وأحضرها إلى هنا؟ كيف انتهى بها الأمر مستلقية على الأرض بدون سبب... أسئلة كثيرة، فكرت جيانغ هوي. لقد أخذت قيلولة فقط؛ كيف يمكن أن تستيقظ لتجد أن العالم بأكمله قد تغير؟
        
        قبل أن تتمكن من الاستمرار في فهم الوضع الحالي، انطفأت الأضواء فجأة، مما أغرق كل شيء في الظلام مرة أخرى.
        
        "×&%¥#@..." عبرت جيانغ هوي عن إحباطها، مدركةً أنه عندما يكون شخص ما في حالة سيئة، حتى شرب الماء البارد يمكن أن يعلق في أسنانه. ما الذي يحدث الآن؟ انقطاع في التيار الكهربائي؟
        
        لم تفهم، لذا ترنحت ووقفت، وساقيها ترتجفان حيث شعرت بثقل في جسدها وتعب، وتعتمد على جانب شيء لا يمكنها أن تعرف ما إذا كان طاولة أو شيئًا آخر لمساعدتها على الوقوف.
        
        في هذا الوضع الصعب للغاية، تمكنت جيانغ هوي أخيرًا من النهوض من الأرض اللعينة، ولم تعد تشعر بالبرودة. اشتعلت أضواء الغرفة فجأة مرة أخرى، لتنير المساحة بأكملها.
        
        بعد نصف دقيقة، نظرت جيانغ هوي حولها في هذا المكان الغريب تمامًا، وشعرت بالضياع. الآن يمكنها أن تؤكد أن فصها القذالي لم يتضرر وأنها لم تكن مخطئة؛ هذا ببساطة ليس منزلها.
        
        كانت هذه غرفة واسعة جدًا، حوالي أربعين إلى خمسين مترًا مربعًا، بدون حساب المدخلين الجانبيين اللذين كانا مخفيين جزئيًا بأبواب مصممة بشكل أنيق، مما جعل من المستحيل رؤية نوع التخطيط في الداخل. خمنت جيانغ هوي أنهما قد يؤديان إلى حمام أو غرفة ملابس، حيث كان المظهر العام واسعًا جدًا.
        
        كانت الجدران مبطنة بألواح بيضاء طويلة ومربعة مصنوعة من مادة غير معروفة. تحت الضوء، لم تكن تبدو ساطعة؛ بل كانت تنبعث منها وهج ناعم، مما يعطي إحساسًا بالتصميم الرفيع.
        
        في وسط الغرفة، كان السرير الكبير له مخطط ألوان بسيط. كان إطار السرير عاديًا جدًا، وكانت مفارش السرير داكنة ومشبّعة، مع لوح السرير الذي يمتد إلى منصة خشبية كبيرة حوله. تحت ذلك كانت أرضية الغرفة الخشبية بشكل عام، والتي كانت تتميز بأنماط داكنة خفيفة. مقابل المنصة، تركت مساحة كبيرة مفتوحة، مغطاة بستائر ثقيلة تبدو وكأنها نوافذ من الأرض إلى السقف. بدت الستائر سميكة جدًا، وكأنها مصنوعة من تطريز فضي، تمنع أي ضوء وتمنع رؤية المنظر الخارجي.
        
        كانت هناك أيضًا طاولات بجانب السرير، ومكتب كتابة، ورف كتب كبير من الأرض إلى السقف، وبعض الزخارف الكبيرة التي لم يكن غرضها واضحًا... صاحب هذه الغرفة كان يوحي بأنه "لا ينقصه المال".
        
        ربما كان هذا هو النوع من الأسلوب الذي كانت تحبه جيانغ هوي أكثر من غيره؛ كانت قد حلمت مرة بتزيين غرفتها بهذه الطريقة. لو لم يكن الوضع الحالي، لكانت على الأرجح أكثر من مستعدة للتقدم والإعجاب به.
        
        ومع ذلك، مقارنةً بالإعجاب بغرفة شخص غريب، كانت جيانغ هوي أكثر شوقًا لمعرفة ما حدث. كيف استيقظت في مثل هذا المكان الغريب تمامًا؟
        
        بالمناسبة، أين هذا بالضبط؟
         
        

        نوفيلا الكتاب الملعون

        نوفيلا الكتاب الملعون

        2025,

        فانتازيا

        مجانا

        تدور احداث نوفيلا "الكتاب الملعون" عن ليانا، الفتاة الشابة التي تجد نفسها محاصرة في عالم من السحر المظلم بعد أن تعثر على كتاب قديم يحمل قوى هائلة. الكتاب ليس مجرد أداة سحرية، بل هو بوابة لعوالم أخرى، ويجب على ليانا مواجهة تهديدات مظلمة لا تقتصر على الكتاب نفسه، بل تمتد لتشمل مصيرها. في صراعها لاختيار طريقها، تكتشف أن قوتها تكمن في اتخاذ القرار الصحيح مهما كانت التحديات.

        ليانا

        ....
        تم نسخ الرابط
        نوفيلا الكتاب الملعون

        نوفيلا الكتاب الملعون
        
        بقلم مديحة ممدوح عارف
        
        الإهداء
        إلى كل من يجرؤ على الغوص في أعماق المجهول، إلى أولئك الذين يسعون وراء الحقيقة حتى وإن كانت مرعبة، أهديكم هذه النوفيلا.
        
        "الكتاب الملعون" ليس مجرد حكاية عن السحر والظلام، بل هو دعوة للوقوف أمام أعمق مخاوفنا، وصراع داخلي لا ينتهي بين الضوء والظلال. في صفحات هذا الكتاب ستجدون ليانا، الفتاة التي حملت على عاتقها إرثاً من القوة والمصير المظلم. مع كل كلمة، مع كل لحظة، ستكتشفون أن السحر ليس مجرد قوة، بل هو اختبار للروح، وقرار نواجهه جميعاً: هل نختار الاستسلام أم نختار الصمود؟
        
        فلتكن هذه النوفيلا مرشدًا لكم في رحلة من الغموض، والتشويق، والمخاطر التي تكمن خلف كل زاوية. ومع كل خطوة تخطوها في عالم "الكتاب الملعون"، تذكروا أن الخيارات التي نختارها تحدد مصيرنا، وأن الظلام أحيانًا لا يكون سوى وجه آخر للضوء.
        
        المقدمة
        
        أكبر معركة يخوضها الإنسان ليست مع القوى التي تحيط به، بل مع نفسه، مع اختياراته، ومع ما يعتقده عن القوة والمصير.
        
        كانت السماء ملبدة بالغيوم الثقيلة، وكأنها تحبس المطر كدموعٍ ثقيلة تنتظر أن تسقط. القرية الصغيرة بدت وكأنها عالقة بين اليقظة والكابوس، أجراسها تُدق بصوت متقطع ومخيف، تتخلله أصوات الرياح وهي تصفر كأنها أرواح تائهة بين أعمدة المنازل الخشبية القديمة.
        
        "ليانا"، فتاة ذات شعر داكن يتماوج كألسنة دخان في عاصفة، كانت واقفة أمام أطلال منزلها المحترق. قدماها عاريتان مغبرتان، وملابسها ممزقة تفوح منها رائحة الدخان. كان المشهد أشبه بلوحة مرسومة من الألم. الحجارة المتفحمة تناثرت حولها، والدخان ما زال يتصاعد في خيوط رمادية كثيفة، وكأنه يروي الحكاية المأساوية التي شهدها هذا المكان قبل ساعات فقط.
        
        حاولت أن تتنفس، لكن الهواء كان خانقًا؛ ليس بسبب الدخان فقط، بل بسبب الخسارة. في كل زاوية من هذا الدمار كانت وجوه عائلتها تلوح أمامها، مبتسمة كما كانت دائمًا، لكنها الآن اختفت إلى الأبد، مدفونة تحت هذا الليل الذي لا نهاية له.
        
        كانت تبلغ من العمر عشرة أعوام فقط، لكنها شعرت وكأنها تعيش في جسد عجوز هرِم، أنهكه الحزن. تلك الليلة كانت محفورة في ذاكرتها بأدق تفاصيلها: صرخات متقطعة قادمة من المنازل المجاورة، الهمسات السحرية التي صدرت من الظلال الغريبة بين الأشجار، والضوء الأحمر المخيف الذي اخترق ظلام الليل قبل أن يلتهم كل شيء.
        …………………………………
        
        وسط هذا الركام، وبينما كانت قدماها تجرّانها بلا هدف، لفت نظرها شيء صغير يبرز من بين الحجارة المتفحمة. كانت لوحًا خشبيًا من أرضية المنزل قد انفلق بفعل الحرارة، وتحته، ظهر غلاف كتاب غريب، مغطى بالرماد. عيناها اتسعتا بذهول وهي تنحني لتلتقطه.
        
        كان الكتاب ثقيلًا على نحو غريب، غلافه الجلدي يحمل رموزًا محفورة بدقة، رموزًا بلغة غامضة لم ترها من قبل. وعلى الفور، شعرت وكأن أصابعها تلتصق به، وكأنه كان ينتظرها طوال هذا الوقت. كان هناك شيء غامض فيه، شعورٌ يشبه نداءً صامتًا يتردد في أعماقها.
        …………………………………..
        
        "ليانا!"
        
        كان الصوت مألوفًا ومليئًا بالقلق. استدارت ببطء لتجد "ريو"، صديق طفولتها، يركض نحوها. وجهه كان شاحبًا، وعيونه تتأرجح بين الخوف والذهول. وقف أمامها، يلهث بشدة، ويده تشير إلى الدمار حولها.
        
        "هذا ليس مكانًا آمنًا. علينا أن نرحل الآن!" قال بصوت مرتجف.
        
        لكن ليانا لم ترد. عيناها كانتا مثبتتين على الكتاب، و يديها تضمانه إلى صدرها كما لو كان كنزها الأخير. شعرت وكأن الكلمات التي نطق بها ريو لم تصل إليها، وكأنها محجوبة عن العالم الخارجي.
        …………………….
        
        مرت الدقائق ثقيلة قبل أن تستجيب ليانا لصوت ريو الذي جرّها من ذراعها وأخذها بعيدًا عن المكان. كان الجو مثقلًا بالصمت، لكن داخلها كان يعج بالأسئلة.
        
        من أين جاء هذا الكتاب؟ ولماذا كانت عائلتها الضحية الوحيدة لتلك الكارثة؟ وبينما كانت تتبع خطوات ريو بلا وعي، كانت تعرف في قرارة نفسها أن هذا الكتاب يحمل الإجابة، وأنه سيكون المفتاح لحياة لن تشبه حياتها القديمة أبدًا.
        
        على مدى الأيام التالية، كان الكتاب الغامض رفيقها الوحيد. تقلب صفحاته دون أن تفهم محتواها، لكنها شعرت وكأنه يهمس لها أشياء، أشياءً لم تكن قادرة على تفسيرها، لكنها كانت واثقة أن ما حدث في تلك الليلة لم يكن مجرد مصادفة.
        ……………………………..
        
        مرّت السنوات ببطء، لكنها لم تحمل معها إلا العذاب. ليانا كبرت في مدينة مزدحمة بعيدًا عن قريتها. عملت في كل شيء لتبقى على قيد الحياة: غسل الصحون في الحانات المظلمة، سرقة العملات من جيوب المارة في الأسواق، وأحيانًا النوم في الأزقة الباردة تحت رحمة النجوم الغائبة.
        
        رغم ذلك، لم يتركها الكتاب يومًا. كان معها دائمًا، مخبأً في حقيبة قديمة، كأنه ظلها الذي يرفض الرحيل. ومع كل ليلة كانت تنظر إليه، كانت تشعر بأن داخله شيء ينتظرها، شيء يغلي في أعماقه، ويغلى في أعماقها أيضًا.
        ………………………..
        
        كانت ليلة باردة في أزقة المدينة، وليانا تجلس أمام نار صغيرة جمعتها من بقايا الخشب. كانت تفرك يديها لتتدفأ عندما سمعت صوت خطوات هادئة تقترب. رفعت عينيها بحذر لتجد أمامها رجلًا غريبًا. كان يرتدي رداءً أسود طويلًا، وعيناه الهادئتان تلمعان بشكل غير طبيعي في ضوء النار.
        
        "أنت تبحثين عن السر، أليس كذلك؟" قالها الرجل بصوت منخفض وهادئ، لكنه يحمل وزنًا ثقيلًا.
        
        نظرت إليه ليانا بحدة، ويدها تتحسس الخنجر الصغير في جيبها.
        "من أنت؟ وكيف تعرفني؟"
        
        ابتسم الرجل بخفة، وقال بصوت هادئ لكنه مليء بالثقة:
        "اسمي كيرا، وأعرف عنك أكثر مما تتخيلين. رأيت الليلة التي احترق فيها منزلك، ورأيت الكتاب الذي تحرصين عليه. إذا كنت تريدين معرفة الحقيقة، إذا كنت تريدين القوة... فعليك أن تتبعيني."
        
        كانت كلمات كيرا كالسهم في قلبها. رغم شكوكها و شعورها بالخطر، كان هناك شيء في داخلها يشدّها. ربما كان خوفها، أو فضولها، أو ذلك النداء الغريب الذي شعرت به يوم أمسكت الكتاب للمرة الأولى.
        
        وقفت ليانا دون أن تنطق بكلمة، وتبعت كيرا إلى المجهول.
        قاد كيرا ليانا عبر ممرات ضيقة وشوارع لا تعرفها، حتى انتهى بهما المطاف خارج المدينة. الطريق كان يمتد نحو غابة كثيفة مظلمة، حيث بدأ العالم وكأنه يتقلص إلى ظلال متراقصة بفعل الرياح الباردة. شعرت ليانا بوخز غريب في جسدها كلما خطت خطوة نحو الداخل، وكأن الغابة نفسها تنظر إليها بعينين خفيتين.
        
        "إلى أين تأخذني؟" قالتها ليانا بحذر، ويديها تضمان حقيبتها بشدة.
        
        "إلى شخص يعرف الحقيقة. شخص يمكنه أن يُريَكِ ما لم يُرَ بعد." أجابها كيرا دون أن يلتفت إليها، وكأنما كانت الغابة تتحدث معه وتوجهه.
        
        بعد ساعات من السير في صمت، ظهرت أمامهما أطلال برج مهجور، يعلوه طوق من الضباب الذي بدا وكأنه ينبض بالحياة. كان البرج ضخمًا، جدرانه القديمة متآكلة من أثر الزمن، لكن رموزًا محفورة على حجارته كانت تلمع بخفوت تحت ضوء القمر.
        
        "من يعيش هنا؟" قالتها ليانا بصوت مرتعش.
        
        "داريوس، المعلم المنفي. الوحيد الذي يستطيع فك ألغاز هذا الكتاب."
        داخل البرج كان الجو كثيفًا ومشحونًا بطاقة غريبة، وكأن الجدران تخبئ داخلها أرواحًا لا ترى. ظهر أمامهما رجل عجوز جالس على كرسي خشبي متهالك، شعره الأبيض الطويل ينحدر على كتفيه، وعيناه الزرقاوان تخترقان الظلام كالشعلة.
        
        "لماذا أتيت بها إلى هنا، كيرا؟" قالها داريوس بنبرة حملت مزيجًا من الغضب والحزن.
        
        "لأنها بحاجة إلى إجابات، وأنت الوحيد الذي يملكها." قالها كيرا بثقة وهو يشير إلى ليانا.
        
        داريوس حدق في ليانا طويلاً، وكأنما كان يقرأ كل ما مرت به. أخيرًا قال:
        "الكتاب الذي تحملينه ليس مجرد كتاب. إنه لعنة. لعنة صنعتها قوى أقدم من البشر أنفسهم. إذا اخترتِ السير في طريقه، فلن تكون هناك عودة."
        
        تقدمت ليانا بخطوة، عيناها تلمعان بالغضب والعزم:
        "إذا كان هذا الكتاب هو مفتاح الحقيقة، فأنا مستعدة. علمني كل ما لا أعرفه
        لقد فقدت عائلتي فى ليلة وضحاها واعتقد هذا الكتاب هو سبب خسارتي لعائلتي
        
        وافق داريوس على مضض أن يدرب ليانا، لكنه حذرها من البداية:
        "السحر ليس قوة عادية. إنه يستهلكك ببطء. وإذا كنتِ تحاولين الانتقام، فاعلمي أن الانتقام ثمنه دائمًا أغلى مما تتصورين."
        
        بدأت ليانا تدريباتها تحت إشراف داريوس. كانت جلسات التدريب مرهقة وخطيرة، حيث كان السحر في داخلها يخرج بعنف يفوق ما توقعه داريوس. في إحدى المرات، بينما كانت تتعلم استدعاء طاقة بسيطة، انفجرت القوة من يديها، محطمة الجدران القديمة من حولها وكادت تودي بحياة كيرا الذي كان يراقب من بعيد.
        
        "هذا ليس طبيعيًا"، قالها داريوس بحذر في إحدى الليالي. "هناك شيء مظلم في داخلك، شيء مرتبط بالكتاب."
        ……………………………
        بدأت ليانا في دراسة الكتاب بتمعن أكثر. كل صفحة كانت تحمل رموزًا ولغات غير مفهومة، لكنها شعرت بأنها مألوفة بطريقة ما. مع الوقت، بدأت ترى رؤى غريبة كلما حدقت في الصفحات لفترة طويلة: وجوه مظلمة، طقوس سحرية قديمة، وأصوات تهمس باسمها.
        
        أدركت لاحقًا أن الكتاب ليس مجرد تعاويذ، بل هو أشبه بخريطة. خريطة لعالم مخفي مليء بالأرواح والطاقة الغامضة. داريوس أخبرها أن الكتاب كان ملكًا لجماعة سحرية تُعرف باسم "أخوية الليل"، جماعة دمرت كل شيء في طريقها بحثًا عن القوة المطلقة.
        
        لكن الصدمة الكبرى جاءت عندما اكتشفت أن والدها كان يومًا عضوًا في هذه الأخوية، وأنه سرق الكتاب وهرب به في محاولة لتدميرهم.
        ……………………………
        قررت ليانا مواجهة الأخوية، لكنها كانت بحاجة إلى قوة أكبر وإجابات أعمق. انطلقت مع داريوس وكيرا و"ريو"، الذي انضم إليهم رغم خوفه، في رحلة للعثور على أطلال قديمة يُقال إنها تحمل أسرارًا عن الأخوية.
        
        في الطريق، واجهت المجموعة مخاطر غير متوقعة: مخلوقات روحانية حارسة للطريق، معارك مع أتباع الأخوية، وأهوال من رؤى الماضي التي كادت تلتهم عقولهم.
        
        عند وصولهم إلى الأطلال، اكتشفت ليانا أن والدها لم يكن مجرد عضو عادي في الأخوية، بل كان أحد أعمدتها الرئيسية. تركها هذا الاكتشاف في صراع داخلي كبير: هل كان والدها ضحية أم جلادًا؟
        
        المعركة الأخيرة كانت داخل معبد قديم مغمور بالطاقة السحرية. وقفت ليانا أمام قائد الأخوية، رجل بعينين تشتعلان بسحر أحمر قاتم، وقوة تشبه العاصفة.
        
        "أنتِ تشبهين والدكِ كثيرًا، ضعيفة وبلا أمل." قالها القائد بسخرية وهو يقترب منها.
        
        لكن ليانا لم تكن تلك الطفلة التي فقدت كل شيء. باستخدام كل ما تعلمته، استدعت قوة الكتاب، لكن الأمر لم يكن سهلًا. القوة التي استخدمتها كادت تستهلكها بالكامل، وجعلتها ترى أجزاءً من روحها تتلاشى في الظلام.
        
        في اللحظة الأخيرة، ظهرت روح والدها، مُحذرة إياها من أن تكرر نفس أخطائه. بتوجيه من والدها، كانت ليانا قد اقتربت من هزيمة القائد وإنهاء سيطرة الأخوية على الكتاب.لكنه استطاع الهرب
        
        كانت المعركة على أشدها، والأجواء مليئة بطاقة سحرية غير مسبوقة. كانت ليانا في مواجهة قائد الأخوية، هذا الكائن الذي بدا وكأنه لا ينتمي إلى هذا العالم. عيون القائد، التي تشتعلان بسحر أحمر قاتم، كانت تتنقل بينها وبين الكتاب الذي كانت تحمله بقوة، وكأن الكتاب نفسه يعترف بأن ليانا هي الوريثة الوحيدة لقوته المدمرة.
        
        "أنتِ لا تستطيعين الفوز، ليانا"، قالها القائد، بصوت عميق ومتهكم. "هذا الكتاب سيستهلكك. كما استهلكني من قبلك، سيأخذ منك كل شيء."
        
        لكن ليانا لم تتراجع. على العكس، شعرت بأنها تملك قوة لا مثيل لها، قوة كانت تنتظر هذه اللحظة منذ أن فقدت عائلتها في تلك الليلة المظلمة. ابتسمت، وأغمضت عينيها، مدفوعةً بالعزم والإصرار. استخدمت كل ما تعلمته، كل ما اكتسبته من سحرٍ مظلمٍ ونورٍ قديم، وأطلقت صاعقة سحرية ضخمة نحو القائد.
        
        لكن شيئًا غير متوقع حدث. في لحظة الهجوم، كانت الطاقة السحرية التي تجمعها قديمة جدًا وقوية بشكل يفوق قدرتها على التحكم. انفجرت في الهواء، محدثةً دوامة سحرية عارمة. كادت أن تبتلع كل شيء في محيطها، بما في ذلك ليانا نفسها.
        
        فجأة، ومع تدفق الطاقة الكارثية، ظهر والدها أمامها. كانت روحه قد انتقلت بالفعل، ولكن لم يكن قد رحل تمامًا. كان يظهر أمامها الآن في لحظة مفصلية، محاولًا أن يمنعها من تكرار الأخطاء التي وقع فيها.
        
        "ليانا، توقفي!" صرخ والدها، وصوته يتردد في الأرجاء. "القوة التي تمتلكينها قد تكون نهايتك. لا تضحي بنفسك كما فعلت أنا!"
        
        كان والدها قد فهم الآن المدى الرهيب للكتاب، وما كان يمكن أن يفعله به. فقد كان هو من سرق الكتاب في البداية، ولكن لم يكن يعلم حقًا مدى تأثيره عليه حتى أصبح جزءًا منه.
        
        في اللحظة التي أدركت فيها ليانا تحذير والدها، كان القائد قد استغل ضعفها. استخدم قوة الكتاب للانقضاض عليها، واستطاع أن يخترق سحرها بينما كانت مشوشة. وفي تلك اللحظة الحاسمة، دفع القائد بكل قوته ليفتح بوابة سحرية ضخمة، لتبتلع كل شيء في محيطها.
        
        لكن ليانا لم تكتفِ بالاستسلام. بينما كانت قوته تستهلكها، استخدمت آخر ما تبقى لها من قوة لتغلق البوابة، محبطةً بذلك محاولات القائد للاستيلاء على الكتاب بشكل نهائي. ومع تلك اللحظة الفاصلة، وقع القائد في مصيدة السحر التي كانت قد أعدتها له.
        
        ومع أن ليانا استطاعت كسر طوق القوة الذي كان يسيطر عليها، إلا أن الهجوم كان قد أصابها في مقتل. مع سقوط القائد، كانت روح الكتاب قد ابتلعت جزءًا آخر من ليانا، ليصبح المصير لا مفر منه. لكنها كانت تعلم أن الخطر الأكبر قد زال.
        
        مع هروب القائد، كان الكتاب قد استعاد بعض من قوته المظلمة، مما يعني أن المراحل القادمة لن تكون سهلة. لقد تركت وراءها في سعيها نحو الانتقام والعدالة جزءًا من روحها، لكن لم تكتمل المعركة.
        مع الهروب المفاجئ للقائد واحتباسه داخل سجنٍ سحريٍ، خيم الصمت الثقيل على ساحة المعركة. اختفت طاقة المعركة تمامًا، وعمّ الظلام حول ليانا، إلا أن الكتاب في يدها كان ينبض بحياةٍ غريبة، وكأن روحه تمتزج مع روحها في معركةٍ خفية. كانت آثار الطوفان السحري واضحة على جسدها، حيث شعرت وكأن الأوجاع تنتقل من داخلها إلى قلبها، كأنها تحمل عبئًا لا يمكن تحمله.
        
        ورغم أن القائد قد هرب، لم يكن الخطر قد انتهى. كان الكتاب قد استعاد جزءًا من قوته المظلمة، وهو ما يعني أن هناك تهديدًا قادمًا، تهديدًا قد يكون أكثر فتكًا من قبل.
        عادت ليانا منهكة وظلت مريضة هزيلة الفراش فقدت قوتها فى تلك المعركة وبعد عدة أيام اجتاحت رياح قوية منزلها حطمت عليها جدران المنزل اسقطتها ارضا وبينما كانت ليانا تنهض بصعوبة، تستشعر الآلام التي تشق جسدها، انفجر فجأة شعاع سحري أسود في السماء. تجمدت في مكانها، قلبها ينبض بسرعة، وعينيها تتسعان من الهلع. كان القائد قد عاد، ولكن هذه المرة لم يكن وحيدًا.
        
        ظهرت أمامها صورة مرعبة للقائد وهو يلوح بيديه، ممسكًا بقوة ظلامية أفظع من قبل. بدت عيناه وكأنها مليئة بالغضب، وكل جزء من جسده مشحون بطاقة سحرية قاتمة. مع عودة قوته، أصبح أكثر قوة وفتكًا، وظهرت حوله دوامات من الظلال.
        
        "ظننتِ أنكِ قد هزمتني؟" قالها القائد بصوت خشن، يتخلله ضحكة شنيعة. "أنا لم أهرب، بل كنت أترقب لحظة عودتي. والآن، سأستعيد الكتاب، وأخذ كل ما بقي منكِ!"
        
        عادت الظلال لتلتف حول ليانا، وكانت أقوى من أي وقت مضى، مما جعلها تكاد لا تستطيع التنفس. كان القائد قد فهم الآن كيفية استعادة طاقته، وكان قد جمع حوله كل القوة التي فقدها، ليتوجه نحو الكتاب، وهو يبتسم بسخرية.
        
        بدأت المعركة الثانية، وكانت أكثر قسوة من أي وقت مضى. استخدم القائد كل ما في جعبته من سحر مظلم، بينما كانت ليانا تستنفر ما تبقى لها من قوى سحرية لتدافع عن نفسها. لكن الكتاب، الذي كان في يديها، كان ينبض بقوة غريبة وكأنها تقاوم القائد وتُخفي شيئًا أكبر منها.
        
        "أنتِ لا تعرفين قوة هذا الكتاب!" قالها القائد بينما أمسك بيدها وأجبرها على التركيز عليه. "لقد كانت قوتكِ ضعيفة عندما كنتِ وحدك، دون مساعدة والدك لكن الآن... الآن الكتاب سيعود إلى مكانه!"
        
        في تلك اللحظة، لم تستطع ليانا مقاومة الزخم المظلم الذي كان يزداد حولها. وجدت نفسها تَغرق في قوة الكتاب المظلمة التي كانت تسيطر عليها. ومع ذلك، في أعماقها، شعرت بشيء غريب، شيء غير مرئي يزداد قوة. لم يكن الكتاب الذي كان بين يديها مجرد أداة سحرية، بل كانت جزءًا منها، من روحها.
        ………………………………
        مع تصاعد الهجوم، كانت ليانا في لحظة ضعيفة، لكنها تذكرت كلمات داريوس: "السحر ليس فقط قوة، إنه اختيار."
        
        في اللحظة التي كان القائد على وشك استعادة الكتاب بالكامل، ابتسمت ليانا رغم الألم الذي كان يعتصر جسدها. قالت بصوت هادئ، لكنه مليء بالعزم: "إن كنتَ تريد الكتاب، يجب أن تعرف أنه لن يذهب إلى أي مكان إلا إذا اختار ذلك
        
        وفي لحظة مفاجئة، أغلقت عينيها بقوة، وبنغمة من السحر القديم، أطلقت كلمات قديمة من الكتاب نفسه، كلمات كانت قد تعلمتها أثناء تدريبها مع داريوس، كلمات تفتح بوابة سحرية.
        
        اندفعت طاقة سحرية من ليانا، واخترقت القائد قبل أن يتمكن من الهجوم مجددًا. كأنما الأرض قد انشقت، وانتشرت دوامة سحرية حوله، مشدودة ومكبلة بأصفاد سحرية من أعماق الكتاب. شعر القائد بالمصير المحتوم يقترب منه بينما كانت الطاقات السحرية تجذبه نحو الكتاب، وهو يحاول مقاومة الاحتجاز.
        
        "لا!" صرخ القائد، وهو يقاوم بكل قوته، ولكن لم يكن هناك مهرب. مع اللمسة الأخيرة من طاقة ليانا، انغلق الكتاب حوله بشكل مفاجئ، وابتلعه في داخله كما لو أن الأرض قد ابتلعته تمامًا.
        صمتٌ ثقيل عمَّ المكان بعد اختفاء القائد في الكتاب. كان الكتاب قد أُغلق مرة أخرى، ولكن لم يكن كما كان من قبل. كانت الروح التي تم حبسها داخله الآن محاصرة إلى الأبد.
        
        أخذت ليانا تنهض بتعبٍ، جسدها محطم من المعركة ولكن روحها أقوى من أي وقت مضى. عرفت أنها قد انتصرت، ولكن الثمن كان غاليًا. كانت قد أنقذت نفسها والعالم من تهديد القائد، لكنها كانت قد وضعت نفسها في معركة لا تنتهي أبدًا مع القوة التي لا تزال تنبض في الكتاب.
        
        بينما كانت ليانا تستعيد أنفاسها بصعوبة، وتحدق في الكتاب المغلق بين يديها، شعرت ببرودة غريبة تتسرب إلى جسدها، وكأن الجو حولها أصبح ثقيلًا بشكل غير طبيعي. كانت الأرض تهتز ببطء، وكأن العالم نفسه يتنفس بصعوبة. ثم، فجأة، ظهرت أمامها صورة ضبابية، شكل غامض يتلوى في الظلام.
        
        "ليانا..." جاء الصوت ضعيفًا في البداية، ثم تصاعد تدريجيًا ليصبح أكثر وضوحًا، ولكن كان مليئًا بالغموض. "لقد أغلقت الكتاب، ولكنكِ لم تحبسي الحقيقة داخله."
        
        تجمدت ليانا في مكانها، وشعرت بشيء غريب في قلبها. كانت هناك قوة أخرى تتسرب من الكتاب، قوى أعمق وأكثر ظلامًا، كان لزامًا عليها أن تواجهها.
        
        "من أنت؟" همست ليانا، وهي تشعر بالقشعريرة تنتشر في جسدها. "ماذا تريد؟"
        
        من داخل الضباب ظهر شكل إنساني غريب. كان يبدو غير واضح تمامًا، كما لو كان يطفو بين الأبعاد، لكن ما كان يميز ذلك الكائن هو العينان اللامعتان التي كانت تلمعان في الظلام، عميقة كما لو كانت تحمل آلاف الأسرار.
        
        "أنا الحارس." قالها ذلك الكائن، وكأن صوته ينبعث من أعماق الأرض نفسها. "لقد حُبِسَت قائد قوى الكتاب داخل هذا السجن السحري، لكن لا شيء يبقى محبوسًا إلى الأبد. لقد تمكنتِ من هزيمة القائد، ولكنكِ لن تستطيعين الهروب من عواقب أفعالك."
        
        كانت ليانا تشعر بالدماء تتجمد في عروقها. "ما الذي تعنيه؟" سألته بصوت مرتعش.
        
        "القوة التي تم حبسها في الكتاب ليست مجرد سحر، بل هي جزء من عالم أوسع وأخطر. لقد أغلقت فصلاً، لكن الكتاب ما يزال يحمل معه مفتاحًا لعالم مفقود." قالها الحارس وهو يقترب منها.
        
        بدا أن الكلمات التي قالها كانت تؤثر في ليانا. كانت تعلم أنها لم تكمل معركتها بعد، وأن الكتاب كان يحمل أسرارًا تتجاوز فهمها. لكن قبل أن تتمكن من الرد، انفجر فجأة ضوء أبيض لامع، وشعرت بشيء ثقيل يثقل قلبها. كانت على وشك الانهيار عندما عاد الحارس ليقول:
        
        "إذا كنتِ ترغبين في حل اللغز... يجب عليكِ دفع ثمن جديد."
        
        ومع تلك الكلمات، اختفى الحارس في سحابة من الظلال، تاركًا ليانا في مواجهة قوى كانت قد ظنَّت أنها قد هزمتها.
        
        كان العالم أمامها قد تغير، وكانت الحقيقة قد أصبحت أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.
        
        شعرت ليانا بصدمة غامرة وهي تقف هناك، تتنفس بصعوبة، بينما يلفها الظلام من كل جانب. الكلمات التي تركها الحارس ما زالت تتردد في ذهنها: "دفع ثمن جديد." كانت تلك الكلمات بمثابة دقات ساعة تصاعدت في قلبها، وكلما فكرت فيها أكثر، ازدادت الحيرة والقلق.
        
        كان الكتاب بين يديها، ثقيلًا كما لم يكن من قبل، وكأن داخله يخفي شيئًا أكبر من مجرد سحر مظلم. كانت تتساءل عن هذا المفتاح الذي ذكره الحارس، وما قد يعنيه ذلك بالنسبة لها. لكن لم يكن هناك وقت للتفكير، حيث شعرَت بتسارع غير متوقع للطاقة داخل الكتاب، وكأن شيئًا يتراكم بداخله. نظرت إلى الكتاب، ووجدت أن سطحه بدأ يلمع، عينيها تلاحق الحروف الغامضة التي كانت تظهر وتختفي على صفحاته.
        
        ثم، فجأة، حدث شيء غير متوقع. انفتح الكتاب ببطء، وكأن شيئًا داخله يستيقظ، ينفجر على شكل طاقة هائلة. قوة عظيمة خرجت من الصفحات، تتناثر في الهواء حولها، وتحتل المكان بأسره. شعرت ليانا وكأنها تغرق في دوامة من الطاقة المتلاطمة، ولكنها تمسكت بالكتاب بأيدٍ مرتجفة، محاولةً أن تسيطر على ما يحدث.
        
        "ماذا يحدث؟" همست لنفسها، وهي تحاول التركيز على السيطرة على القوة التي لا تستطيع فهمها.
        
        وعند تلك اللحظة، حدثت المفاجأة الأكبر. ظهر كائن غريب جديد أمامها، كأنه متجسد من الطاقة نفسها. كان ملامح وجهه غير واضحة، لكنه كان يتألف من طيف من الألوان الزاهية التي كانت تتداخل مع الظلال. كانت عيناه تومضان بظلام غريب، وكأنهما يشعان بالقوة القديمة التي كانت محبوسة في الكتاب.
        
        "أنتِ أفسدتِ التوازن..." قالها ذلك الكائن بصوت هادر، وكان صوته يشبه الموجات الصوتية التي تنبعث من أعماق البحر. "لقد أطلقَتِ طاقةً كانت نائمة لأجيال، لكنكِ لستِ مستعدة بعد لمواجهة ما سيأتي."
        
        فهمت ليانا أنه ليس مجرد كائن أو روح، بل هو جزء من تلك القوة القديمة التي كانت موجودة في الكتاب. كانت روحًا أعمق من كل ما عرفته. شعرَت بالخوف يتسلل إليها، لكن في الوقت نفسه، كان هناك شعور غريب من الفضول والتحدي.
        
        "من أنت؟" سألَت ليانا بصوتٍ خافت، بينما كانت قبضتها تتشبث بالكتاب.
        
        "أنا الحارس الحقيقي لهذا الكتاب... ما كنتِ تعتقدين أنه هزيمة، كان مجرد بداية." قالها ذلك الكائن وهو يقترب منها. "سوف تحتاجين إلى قوة أكبر مما تظنين إذا كنتِ ترغبين في إغلاق هذا الباب نهائيًا."
        
        وبينما كانت الكلمات تخرج من فمه، بدأ الكتاب في يديها ينبض بحياة جديدة، وكأنها كانت تأخذ جزءًا من روحه. ولكنها كانت تدرك شيئًا عميقًا... مع هذه القوة، ستجد نفسها على وشك الدخول في صراع أكبر بكثير مما كانت تتخيله، عالم مليء بالأسرار والكائنات الغامضة التي تتخطى حدود فهمها.
        
        وهكذا، بدأت ليانا في فهم أن القتال لم يكن ضد القائد فقط. القتال الأكبر كان ضد نفسها، وضد كل شيء كان حابسًا في هذا الكتاب، وأن المعركة التالية ستكون من أجل فتح بوابة جديدة، بوابة لا رجعة فيها.
        
        كان هذا الكائن أمام ليانا يتحرك في أرجاء المكان بشكل غير طبيعي، وكأن الأبعاد نفسها كانت تلتوي حوله. كلماته تتردد في الهواء، مثل صدى بعيد، تملأ الفضاء بشعور من الرهبة. لم يكن مجرد حارس للكتاب، بل كان جزءًا من الوجود نفسه، من القوة التي كانت تشكل نواة هذا السحر المظلم.
        
        "إذا كنتِ تظنين أن كل شيء قد انتهى بعد أن حبس القائد داخل الكتاب، فأنتِ مخطئة، ليانا. هذا الكتاب هو أكثر من مجرد أداة. هو عقد بين العوالم، وهو بوابة للذين يأتون بعدك. لكنكِ الآن جزء من هذه القوة، ولستِ قادرة على الهروب منها."
        
        كان قلب ليانا ينبض بسرعة أكبر، والضغط يزداد حولها، وكأنها تقف على حافة الهاوية. هذا الكائن، الذي كان يتحدث بهذه الطريقة، لم يكن مجرد تهديد، بل كان يحمل في طياته تحذيرًا لا مفر منه. ومع ذلك، كان هناك شيء في داخلها، شيئًا قد أضاء في قلبها، لم يسمح لها بالاستسلام.
        
        "لن أسمح لك بالتحكم في مصيري،" قالتها ليانا بصوت قوي، على الرغم من الضعف الذي كان يسيطر عليها. "لقد خضت معركة من أجل هذا الكتاب، ولدي القوة الآن لأواجه كل ما يخبئه لي."
        
        ابتسم الكائن بتبجح، وكأن كلماتها لم تكن سوى رياح عابرة. "الطاقة التي في يديك الآن هي مجرد بداية، وليست النهاية. ستكتشفين في وقت لاحق أنها تحمل عبئًا لا يمكنك تحمله. القوة التي أنتِ فيها الآن ستجذب انتباه كيانات أخرى، ولن تكون وحيدة."
        
        سحب الكائن يده، وظهرت دوامة سحرية أخرى، أكبر وأكثر كثافة من تلك التي كانت قد تراكمت حول ليانا سابقًا. كانت تلك دوامة من الظلال والضوء تتداخل مع بعضها البعض، مما جعل ليانا تكاد تفقد وعيها. لكن في تلك اللحظة، شعرَت بشيء غريب ينبض في داخلها.
        
        كانت روح الكتاب تتواصل معها، كما لو كانت تحاول مساعدتها في الوصول إلى شيء غير مرئي. فجأة، تذكرت كلمات داريوس مرة اخرى: "السحر ليس فقط قوة، إنه اختيار."
        
        تحولت الأنظار إلى الكتاب في يديها، بينما كان ينبض بطاقة هائلة. أدركت ليانا في تلك اللحظة أن الكتاب لم يكن مجرد وسيلة للسيطرة على القوة، بل كان مفتاحًا لفهمها. لم تكن قد قرأت فصوله بالكامل بعد، بل كانت تحاول فقط السيطرة على الطاقة التي كانت تتسرب منها. ومع ذلك، كان هنالك شيء واحد أكيد يجب عليها أن تتخذ الخيار الصحيح الآن، إن كانت تريد النجاة.
        
        "أنت محق في شيء واحد فقط..." قالتها ليانا بصوت هادئ، وثبات ينبع من أعماقها. "أنا جزء من هذه القوة، ولكنني لست خائفة منها. سأستخدمها لإغلاق البوابات إلى الأبد."
        
        بيد واحدة، رفعت الكتاب عاليًا، وأغمضت عينيها، تاركةً كل شيء خلفها، عازمة على فتح البوابة التي كانت تختبئ خلف الكلمات القديمة. في تلك اللحظة، بدأت الكلمات تتراقص في الهواء حولها، تتكاثف حتى امتزجت مع الأضواء والظلال التي كانت تحيط بها.
        
        وفجأة، تلاشى الكائن في فراغ من الضوء، وصوت خافت صرخ في الأرجاء: "ستندمين يومًا، ليانا، لأنك اخترت هذا الطريق."
        
        لكن ليانا لم تلتفت وراءها. كانت قد قررت، وتعلمت أنه مهما كان الثمن، فإن قوتها لا تكمن في الهروب أو الاستسلام. بل في الاختيار.
        
        بينما كان الكائن يختفي تمامًا في الضوء المتلألئ، شعرَت ليانا بأن العالم حولها بدأ يتغير بشكل غريب. كانت الكلمات التي تراقصت في الهواء حولها، بدأت تتحول إلى أشكال واضحة، كأنها شفرات سحرية تتنقل بين الظلال والضوء. كانت الأبعاد تتأرجح بشكل غير مرئي، لكنها كانت على يقين أن الكتاب هو المفتاح لكل شيء.
        
        عندما رفعت الكتاب أعلى، بدأت القوة تتسرب من بين صفحات الكتاب، وكأنها تمسك بالعالم بأسره بين يديها. كانت تلك القوة لا تُقاس ولا يمكن السيطرة عليها بالكامل، ولكن ليانا شعرت بشيء في أعماقها يرفض الاستسلام، حتى وإن كانت هذه الطاقة تهدد بابتلاعها.
        
        "إما أن تسيطر عليها أو تدمرها"، همست ليانا لنفسها، وبدأت في التفكير بما يجب فعله. ما كانت تعلمه هو أن هذا الكتاب، وهذه القوة، ليست مجرد أداة للسيطرة أو للفتح، بل كانت اختبارًا. اختبارًا حاسمًا في مصيرها.
        
        ثم فجأة، اندفعت طاقة هائلة من الكتاب، اندفاع لم تكن تتوقعه. كانت الهمسات التي كانت تسمعها من قبل أصبحت واضحة الآن. كانت كلمات قديمة تنبض بالحياة، تلك الكلمات التي كانت مختبئة في كل زاوية من الكتاب، تنبض بحياة جديدة.
        
        كان عالمها ينفتح أمامها. لم تكن قادرة على التراجع الآن، ولا حتى أن تسيطر على هذا التحول. ومع ذلك، فهمت شيئًا واحدًا: كانت هذه اللحظة، وهذه القوة، اختبارًا حقيقيًا لوجودها.
        
        أغمضت عينيها، وتذكرت كلمات داريوس مرة أخرى: "السحر ليس فقط قوة، إنه اختيار."
        
        في تلك اللحظة، قررت ليانا أنها لن تكون ضحية لهذه القوة، بل ستكون هي التي تختار كيف ستنتهي القصة. رفعت الكتاب أكثر، وأغمضت عينيها بشدة، واختارت أن تكون المسؤولة عن مصيرها، مهما كانت العواقب.
        
        ومع ذلك، في اللحظة التي اختارت فيها، بدأت الأبعاد تتشوه بشكل عميق. شعرت بنفَسٍ ثقيل، ثم تجمد كل شيء في مكانه. الكائن اختفى تمامًا، لكن لم يكن هناك راحة، بل كان هناك شعور غريب. شعور بأن كل شيء قد تغير، ولكن لم يكن واضحًا ما الذي سيحدث بعد ذلك.
        ثم جاء الصوت. صوت خافت في أعماقها. "لقد اخترت، ليانا... لكن الأبواب لا تُغلق بهذه السهولة."
        
        فتحت عينيها على عالم جديد، عالم لم يكن هو نفس العالم الذي عرفته. كانت القوة التي امتلكتها قد أعادت تشكيل كل شيء من حولها. في الأفق، ظهرت ظلال جديدة، لم تكن واضحة، لكنها كانت تقترب.
        
        لكن ليانا، على الرغم من الشكوك التي كانت تساورها، كانت مستعدة. لإنهائها في النهاية، اختارت.
        
        "لقد اخترت، ولن أتراجع."
        
        وانطلقت للأمام، عازمة على مواجهة كل ما سيأتي حتى لو كان نهاية هذا الكتاب هو نهاية حياتها أيضاً.
        
        تمت بحمد الله ♥
        بقلم مديحة ممدوح عارف
        
         
        

        نُزل الغابرين - روايه فانتازيا

        نُزل الغابرين

        2025,

        فانتازيا

        مجانا

        تنطلق ستيلا في مغامرة. تجد نفسها مع شابين غريبين في مكان معزول، حيث يكشف سوار غامض عن بوابة سرية إلى عالم "أوترالمونديه" المثير. هل يمتلك هذا السوار قوى خفية؟ وماذا يخبئ هذا الباب الخشبي العتيق خلف ضوئه الساطع؟ استعد لرحلة مليئة بالتشويق والأسرار، حيث القدر ينتظرهم خلف كل منعطف!

        ستيلا

        شابة إيطالية من روما، تزور خالتها في بلدة "أوبيدولا" الهادئة. تتسم بالفضول وحب الاستكشاف، وتجد نفسها في قلب مغامرة غير متوقعة عندما تكتشف سوارًا غامضًا يقودها إلى باب سري.

        سيلستين

        تعيش في أوبيدولا. تبدو على دراية بأسرار عائلية قديمة، وهي التي تمرر السوار الغامض لـ ستيلا.

        إدموند

        شاب فرنسي يقابل ستيلا في ظروف غامضة بعد أن سحبته نفس القوة الغريبة إلى نفس المكان. يبدو أكثر حذرًا وتفكيرًا من جون.

        جون

        شاب فرنسي آخر، يبدو أصغر سنًا من إدموند، ويظهر فجأة في نفس المكان بعد أن سحبته القوة الغامضة. يبدو أكثر اندفاعًا وشجاعة.
        تم نسخ الرابط
        نُزل الغابرين

        كانت أمسية باردة ومعتمة في شهر نوفمبر في مكان ما في جنوب إيطاليا. 
        
        ونسيم الخريف يبعث أنفاسه الباردة على العالم.
        في بلدة أوبيدولا القديمة، شقت امرأة ذات شعر داكن في منتصف الثلاثينات من عمرها طريقها على عجل نحو مبنى مهجور بالقرب من ضواحي المدينة.
        
        توقفت أمام المبنى، الذي كان هادئًا وفارغًا بشكل غريب، 
        ملاحظة الكلمات المكتوبة فوق الأعمدة الضخمة.
        
        مستودع الميناء القديم
        
        
        تسللت خلف الأعمدة وتوقفت أمام باب معدني. المدخل. أخرجت مفتاحًا من حقيبتها الجلدية وفتحت الباب المعدني. أغلقته خلفها، وأشعلت الأضواء فدبت الحياة في الغرفة. كانت الغرفة ميتة، بالأحرى. بعينيها العسليتين الداكنتين رأت صناديق وصناديق معدنية، مغطاة بأغطية بيضاء ولن تفتح أو تشحن أبدًا؛ جدران رمادية باهتة بها تشققات عديدة، تتساقط منها رقائق الطلاء؛ أرضية خرسانية غير مستوية؛ ومصابيح صفراء متقطعة، تتدلى من السقف المتعب. أخذت قطعة قماش بيضاء من حقيبتها. ثم حملتها بين ذراعيها، وتجولت مرورًا بالمكعبات الصدئة.
        
        نزلت إلى الطابق السفلي. بحثت عن الباب الكبير، عيناها تتجولان من السقف إلى الأرض، ووقفت أمامه. باب خشبي. كانت عليه رموز مبالغ فيها محفورة بدقة وكان عليه بصمة يد سوداء مضغوطة في المنتصف. كان الأكثر لفتًا للانتباه هو الأبجدية الغريبة التي كانت مكتوبة عليه. القلائل المختارون فقط هم من يستطيعون فهم ما كتب.
        
        أوترالمونديه
        
        غطت الباب بالغطاء الأبيض وربطته بالسقف بمساعدة خطافات وخيوط. كانت قد ثبتت الخطافات في السقف قبل بضعة أيام، وهكذا تمكنت أخيرًا من استخدامها. ثم لم يعد هناك باب؛ مجرد غطاء أبيض عادي يتدلى أمام الحائط. ابتعدت بسرعة وأطفأت الأضواء. ثم أغلقت الباب المعدني خلفها. مشكلة صغيرة واحدة فقط، خطأ صغير ارتكبته.
        
        تركت الباب المعدني مفتوحًا.
        
        خرجت المرأة مسرعة من المبنى. نظرت إلى سوارها الفضي الساحر، معجبة به. كانت السلسلة قوية جدًا وفضفاضة إلى حد ما على معصمها الصغير. في منتصف السوار الفضي كانت هناك حلقة واحدة على شكل نجمة بأربع نقاط، بحجم ظفر طفل. كانت ملكها آنذاك، ولكن ليس بعد الآن. أعجبت بها للمرة الأخيرة قبل وضعها في صندوق مخملي أحمر، وحفظتها في حقيبتها الجلدية.
        
        لقد وعدتهم بأنها ستعطيها لابنتها إذا أنجبت واحدة. لكنها لم تنجب أطفالًا أبدًا، ولا حتى زوجًا! لكن كان لديها ابنة أخت. ابنة أختها. لم يكن لديها خيار سوى أن تمررها إليها. لكن هل يمكنها أن تثق بها للحفاظ عليها؟ كان ذلك محتملاً. لكن ابنة أختها كانت تعيش بعيدًا جدًا عن منزلها، ولم تتمكن من إرسالها بالبريد في طرد. يمكنها أن تعطيها لها لاحقًا، خلال الصيف، بعد بضع سنوات من الآن. نعم، يمكنها ذلك.
        
        فتحت المرأة باب سيارتها، وصعدت، وقادت إلى المنزل.
        
        
        
        
        
        "من هنا"، قالت امرأة.
        
        سحبت ستيلا حقيبتها على الأرض وهي تتبع خالتها. كانت هذه أول مرة تسافر فيها مع شخص آخر غير والديها، وتمنت لو أنهما قد جاءا معها. بالتأكيد، العمة سيلستين كانت قريبتها، ولكن قبل ذلك اليوم، التقيا بضع مرات فقط. كان الوضع برمته محرجًا لـ ستيلا، على أقل تقدير. بعد خمس دقائق أو أقل، وصلتا إلى سيارة سيدان قديمة. وضعت ستيلا حقيبتها في الصندوق وجلست في المقعد الأمامي للراكب قبل أن تبدأ خالتها القيادة.
        
        وصلتا إلى المنزل بعد ساعات على الطريق. كان المنزل مبنى ضيقًا من طابقين. وبما أنه لا يوجد مرآب، فقد كانت السيارة متوقفة أمام المنزل مباشرةً. كانت أول غرفة تظهر عند الدخول هي غرفة المعيشة، والتي بدت أكبر مما كان من المفترض أن تكون عليه. ستائر بيضاء سميكة غطت النوافذ، قطعة قماش بيضاء سميكة غطت طاولة القهوة، في الزوايا كانت هناك مزهريات بيضاء تحمل أزهارًا ملونة، ولوحة في إطار أبيض معلقة فوق الأريكة البيضاء. كانت المطبخ في الجزء الخلفي من المنزل، وكان أكبر بكثير من غرفة المعيشة. طاولة بيضاء مع ثلاثة كراسي بيضاء جلست بين غرفة المعيشة والمطبخ، وبجانبها كانت الدرج المطلي باللون الأبيض. كان أقل منزل ملون زارته ستيلا على الإطلاق.
        
        "إذن كيف أعجبك المنزل؟" سألت سيلستين.
        
        "يبدو مريحًا"، أجابت ستيلا، "وأبيض جدًا. هل هذا لونك المفضل؟"
        
        "المفضل الثاني. أحب اللون الأرجواني الداكن أكثر، لكن منزلي لن يبدو جميلًا به، أليس كذلك؟ الأبيض يبدو أفضل."
        
        خلعت المرأة حذاءها ووضعته على رف أحذية قريب. ثم ارتدت زوجًا من النعال وأعطت زوجًا آخر لـ ستيلا، قائلة: "يمكنك استعارة هذا مؤقتًا." خلعت ستيلا حذاءها الرياضي ووضعته على الرف. ثم أدخلت قدميها في النعال. قادت المرأة ستيلا إلى الطابق العلوي وإلى غرفة الضيوف. وضعت ستيلا حقيبتها على أحد الجدران.
        
        "سأدعك تستقرين وتستريحين. إذا احتجتِ أي شيء، يمكنك النزول للأسفل والبحث عني. فهمتِ؟"
        
        "فهمتُ"، قالت ستيلا.
        
        تُركت وحدها. استلقت ستيلا على السرير ونظرت حول غرفتها. أمام سريرها كان هناك خزانة خشبية قديمة؛ النصف الأيسر كان مليئًا بالملابس القديمة ولكن الصالحة للاستعمال، بينما النصف الأيمن كان فارغًا. في الزاوية اليمنى من الغرفة، مقابل السرير، وقفت مصباح أرضي بلمبة صفراء دافئة. مكتب وكرسي خشبيان كانا يقعان بين المصباح الأرضي والخزانة. إلى يسارها كانت هناك رف كتب، يحوي حوالي ثلاثين كتابًا قديمًا، وحقيبتها التي لا تزال مغلقة. إلى يمينها كانت النافذة التي، بالطبع، كانت مغطاة بستائر بيضاء. نهضت ستيلا وسحبت الستائر للسماح بدخول المزيد من الضوء. ثم تمشت نحو رف الكتب.
        
        تصفحت ستيلا مجموعة الكتب. بعضها كان عن التاريخ، والبعض الآخر روايات، وأحدها لم يكن له عنوان. رفعت ستيلا الكتاب الذي لا يحمل عنوانًا وقلبت الصفحات. كانت فارغة. تساءلت في قرارة نفسها لماذا يحتفظ شخص بكتاب فارغ على رف كتبه، لكنها تجاهلت الأمر وأعادته إلى رف الكتب. كان هناك أمتعة لتفريغها. فتحت حقائبها وبدأت في تفريغها، ووضعت ملابسها في النصف الفارغ من الخزانة.
        
        صرير.
        
        ماذا كان ذلك؟ طرقت يدها الجزء الخلفي من الخزانة وشعرت بقطعة خشبية مرتخية. أزالتها. لم يكن هناك شيء سوى حجرة فارغة. غريب. أعادت اللوح الخشبي وأغلقت الخزانة.
        
        تثاؤب خرج من فمها. آه، إرهاق السفر. لا شيء لا يستطيع قيلولة علاجه. نهضت وسارت نحو السرير، وبينما كانت تفعل ذلك، لاحظت أن إحدى ألواح الأرضية كانت مرتخية. فتحتها. هذه المرة لم تكن الحجرة المخفية فارغة، بل كانت تحتوي على صندوق مخملي صغير. نظرت ستيلا حولها. لم يكن أحد يراقبها. مدت يدها ببطء نحو الصندوق وفتحته. بداخله كان سوار فضي لامع. عندما لمسته ستيلا، توهج. كان الأمر كما لو أنه تعرف عليها.
        
        دوت خطوات من خلف الباب. أغلقت ستيلا الصندوق بسرعة، ووضعته داخل الحجرة، وغطته بلوح الأرضية. قفزت على سريرها قبل أن يُفتح الباب.
        
        "كيف حالك؟" سألت خالتها، وهي تطل من المدخل.
        
        "أنا بخير. كنت على وشك تفريغ حقائبي ثم أخذ قيلولة، في الواقع،" أجابت وهي تتثاءب.
        
        "حسنًا إذن. فقط استيقظي قبل الحادية عشرة؛ سيكون العشاء جاهزًا بحلول ذلك الوقت."
        
        "الحادية عشرة؟" وسعت ستيلا عينيها. "هذا متأخر جدًا!"
        
        "هنا في الجنوب، نأكل العشاء حوالي العاشرة أو الحادية عشرة." غمزت خالتها. "اذهبي لترتاحي، لا بد أنك متعبة من السفر."
        
        أغلقت خالتها الباب قبل أن تتمكن من النطق بكلمة أخرى. على الفور تقريبًا، نزلت ستيلا من السرير وركعت حيث كانت لوح الأرضية المرتخية. أعادت فتح الحجرة المخفية. كان الصندوق يجلس هناك، ينتظر بشكل جميل كما لو كان يتوقع أن يأخذه أحدهم. انحنت ستيلا وهي تنتزع الصندوق من مخبئه، ثم فتحته. دلكت إصبعها السبابة اليمنى السلسلة الرفيعة للسوار. لا شيء. رفعت ستيلا حاجبها – هل كانت تتخيل في وقت سابق، أم أن السوار توهج حقًا عندما لمسته لأول مرة؟
        
        جالت عيناها العسليتان إلى الباب، ثم إلى قطعة المجوهرات. لا ينبغي أن يكون هناك ضرر في تجربتها، طالما أنها أعادتها قبل أن تُكتشف. قرصت ستيلا السوار ورفعته من صندوقه؛ بدت السلسلة قصيرة قليلاً، وتساءلت عما إذا كانت ستناسبها حتى. تلاعبت أصابعها بالمشبك على شكل نجمة، والذي عمل أيضًا كقلادة، ثم لفت السوار حول معصمها. لم يكن فضفاضًا، كما هو متوقع، لكنه لم يخنق معصمها كما ظنت. كان الأمر كما لو أنه صُنع لها.
        
        ظهر تثاؤب آخر. على الرغم من أن الظهيرة كانت لا تزال مشرقة، إلا أن جسدها كان يطالب بالراحة بعد الرحلة الشاقة في وقت سابق. لمحت ستيلا الباب مرة أخرى. لا، لا يمكنها النوم والسوار في يدها. قد تدخل خالتها وتلتقطها وهي ترتديه بينما كانت تغفو. فكت ستيلا السوار وأعادته إلى صندوقه قبل أن تدفنه تحت لوح الأرضية. ثم صعدت إلى سريرها، ووضعت حقيبة كتفها على منضدة سريرها، وأغلقت عينيها.
        
        
        
        
        
        
        
        كانت الشمس لا تزال تترنح فوق الأفق عندما استيقظت ستيلا من قيلولتها. تمددت وفركت عينيها، ثم انطلقت جانبًا لإحضار هاتفها من حقيبتها. كانت الساعة السادسة بالفعل. تبقى حوالي خمس ساعات على العشاء، ولم تكن تعرف ماذا تفعل. آه، صحيح. لا يزال هناك أمتعة لتفريغها. نزلت من السرير، ثم قضت الثلاثين دقيقة التالية في تفريغ أمتعتها وإزالة الغبار من النصف الأيمن من الخزانة قبل أن تحتفظ ببعض ملابسها وممتلكاتها هناك.
        
        ثم ضربتها موجة من الملل بمجرد أن أدركت أنه لم يعد لديها شيء لتفعله. في البداية، لم تكن تعرف كيف تملأ وقتها - كانت متعبة جدًا لأخذ قيلولة أخرى، ولم تكن في مزاج للقراءة، ولم تشعر بالتقارب الكافي مع خالتها لتتحدث معها لساعات. وصلت في النهاية إلى هاتفها الخلوي ولعبت سودوكو وسنيك، وهما من الألعاب الوحيدة المتاحة.
        
        مرت ساعات وهي تلعب، ولم تتوقف إلا بعد أن أصبح السماء مظلمة تمامًا. لا بد أن الوقت قريب من موعد العشاء، تساءلت. ذهبت ستيلا إلى الحمام لتنعش نفسها قبل أن تتجه إلى الطابق السفلي. كانت خالتها مسترخية على الأريكة، غارقة في رواية. نظرت ستيلا إلى عنوان الكتاب - "حبوب القهوة وتأملات الصباح". لم تسمع به من قبل. هل هو إصدار جديد؟ غلاف الكتاب البالي أخبرها خلاف ذلك. جلست على أحد المقاعد المريحة.
        
        رفعت سيلستين رأسها من كتابها. "آه، لقد استيقظتِ. كيف كانت قيلولتكِ؟"
        
        "كانت جيدة، شكرًا لكِ"، أجابت. جالت عينيها العسليتان إلى الكتاب مرة أخرى؛ براندون دي بيلفور كان مؤلفه. "هل لي أن أسأل عن الكتاب الذي تقرأينه؟"
        
        "أوه، هذا؟ عنوانه 'حبوب القهوة وتأملات الصباح'. كتبه صديق لي."
        
        "لديكِ صديق مؤلف؟" سألت ستيلا بانبهار.
        
        ابتسمت سيلستين بخفة. "نعم. لم يكن مشهورًا جدًا، على الرغم من ذلك. على أي حال" - وضعت الكتاب جانبًا ووقفت - "لدي شيء لأعطيكِ إياه. انتظري هنا."
        
        صعدت إلى الطابق العلوي ودخلت غرفة الضيوف. خرجت من الغرفة بعد لحظة، حاملة صندوقًا مخمليًا صغيرًا. بدا تمامًا مثل الذي رأته تحت لوح الأرضية قبل بضع ساعات. نزلت المرأة الدرج وسلمته لـ ستيلا. عندما فتحته، رأت السوار الفضي بداخله.
        
        "سوار؟"
        
        "ليس أي سوار فقط"، قالت سيلستين وهي تغمز. "هذا إرث عائلي ثمين، ينتقل من جيل إلى جيل. كما تعلمين، ليس لدي أطفال، لذلك سأورثه لكِ. هل تعدينني ألا تخلعيه؟"
        
        "أعدك."
        
        "جيد." نظرت إلى ساعة الحائط. "إنها الساعة العاشرة، هل تمانعين في مساعدتي في إعداد العشاء؟"
        
        "آه، بالتأكيد، لا أمانع."
        
        نهضت ستيلا من الأريكة لمساعدة خالتها في إعداد العشاء وتجهيز الطاولة. تم تقديم العشاء قبل الحادية عشرة إلا ربع، وتجاذبت الاثنتان أطراف الحديث وهما يأكلان.
        
        "إذن، كيف هي الحياة في روما؟" سألت سيلستين.
        
        "إنها جيدة. أحب العيش هناك،" أجابت ستيلا.
        
        "هل تحب والدتكِ العيش هناك؟"
        
        "نعم، إنها تحب ذلك كثيرًا. لا تريد الانتقال إلى أي مكان آخر."
        
        "آه، أرى،" قالت خالتها مبتسمة. ارتشفت بعض النبيذ قبل أن تتناول لقمة أخرى من معكرونتها.
        
        سألتها ستيلا: "هل يعجبكِ العيش هنا؟"
        
        "نعم، كثيرًا. أحب المدن الهادئة أكثر من المدن الصاخبة، طالما أنها ليست هادئة جدًا."
        
        "حقًا؟ أخبرتني أمي أنكِ أحببتِ ميلانو، ولكن لسبب ما، أنتِ عالقة هنا."
        
        "كان ذلك عندما كنت صغيرة. الآن بعد أن عرفت مدى صخب المدن، أفضل البقاء هنا. إنه أنسب لي،" قالت. ثم سألت: "هل أخبرتكِ والدتكِ أي قصص تتعلق بخالتكِ؟"
        
        "أخبرتني أنكِ كنتِ تحبين السفر مع الأولاد، وأنكِ لم تكوني مثل الفتيات الأخريات."
        
        "إذن لقد أخبرتكِ شيئًا،" همست سيلستين لنفسها.
        
        انتهيا من العشاء. ساعدت ستيلا خالتها في غسل الأطباق وتجفيفها، ثم صعدت الدرج إلى غرفة نومها. تفقدت الوقت؛ كانت الساعة تشير إلى منتصف الليل إلا نصف ساعة. غيرت ملابسها إلى ملابس النوم، صعدت إلى سريرها، واستأنفت لعب الألعاب حتى شعرت بالنعاس. بحلول الساعة 12:00 صباحًا، وضعت هاتفها على المنضدة الليلية، تزحلقت تحت بطانيتها، وغرقت في نوم عميق.
        
        لم تكن خالتها نائمة بعد. كانت تمسك هاتفها في يديها بينما تنتظر في غرفة نومها. ثم تلقت رسالة: "مرحبًا سيلستين! لقد وصلنا للتو. التدريب يبدأ بعد غد، أليس كذلك؟"
        
        كتبت سيلستين ردًا: "نعم."
        
        وضعت هاتفها جانبًا، وتلت صلاة قصيرة، ثم نامت بعمق.
        
        
        
        
        
        
        
        اخترقت أشعة شمس الصباح الستائر. أدارت **ستيلا** ظهرها للنافذة وتثاءبت. لقد حل يومها الثاني في أوبيدولا. أمسكت بملابسها، واستحمت، ثم توجهت إلى الطابق السفلي لتناول الإفطار. كانت **سيلستين** قد استيقظت للتو.
        
        "مستيقظة بالفعل؟ إنها الخامسة فقط!" صاحت.
        
        "في روما، أستيقظ عادة في السادسة،" أوضحت **ستيلا**.
        
        "أنتِ مثل أمكِ إذن. هي تحب الاستيقاظ مبكرًا،" قالت **سيلستين**.
        
        كان الإفطار عبارة عن كوبين من القهوة السوداء الساخنة وطبق كبير مليء بقطع البريوش الحلوة. من اللقمة الأولى، أصبح البريوش طعام الإفطار المفضل لـ **ستيلا**، ليحل محل الكرواسون. ومع ذلك، كانت القهوة قوية جدًا بالنسبة لذوقها. توقعت **سيلستين** ذلك وأعدت بعض الحليب مسبقًا. بعد الإفطار، نظفت **ستيلا** أسنانها وملأت كوبها بالماء البارد. كانت حقيبة كتفها تحتوي على كل ما تحتاجه: محفظتها، مرطب الشفاه، معقم اليدين، وغيرها من الضروريات. كل ما كانت تحتاجه هو إذن **سيلستين**. وجدتها في غرفة المعيشة.
        
        "يا خالتي، هل يمكنني الذهاب واستكشاف البلدة؟ سأعود قبل الظهر كما قلتي بالأمس،" سألت **ستيلا**.
        
        "بالتأكيد،" أجابت **سيلستين**، "فقط كوني حذرة."
        
        "شكرًا لكِ!"
        
        قبلت **ستيلا** خالتها وودعتها وخرجت من المنزل. كانت تنظر إلى الوراء كل دقيقة أو أقل، تتتبع خطواتها للتأكد من أنها لن تضل طريقها. لم يكن بعيدًا عن منزل خالتها صف من المقاهي والمتاجر الصغيرة، وعلى بعد قليل من هناك كانت ساحة كبيرة. تجولت **ستيلا** في الشارع، يدها اليمنى تتأرجح بحرية ويدها اليسرى تستقر على حقيبة كتفها.
        
        شد. اهتز معصمها الأيمن بعنف إلى اليمين كما لو أن شخصًا ما أمسك بذراعها فجأة. نظرت إلى جانبها. لا أحد. ما هذا؟ وقفت **ستيلا** ساكنة للحظة، تنتظر أي حركة غريبة لتتكرر، لكن شيئًا لم يحدث. أتمنى أنني كنت أتخيل ذلك، فكرت قبل أن تتجاهل الأمر وتواصل سيرها.
        
        شد. حدث ذلك مرة أخرى! هذه المرة كان أقوى بكثير. نظرت **ستيلا** إلى يمينها ولم تر أحدًا بجانبها. ماذا كان يحدث؟ وضعت يدها اليمنى في جيبها وواصلت السير. ربما سيتوقف إذا لم تدع يدها تتأرجح بحرية.
        
        يبدو أن الأمر قد نجح. كانت تتجول في البلدة لما يقرب من ساعة وظلت يدها اليمنى في جيبها. استدارت **ستيلا** وبدأت طريق عودتها إلى منزل خالتها. مرت ببعض المباني وكانت على وشك الانعطاف يمينًا... انتظر، هل ذهبت في هذا الاتجاه؟ أم أنها جاءت من اليسار؟ نظرت في كلا الاتجاهين. بدت الشوارع متشابهة جدًا بحيث لا يمكنها التمييز. سأذهب إلى اليسار فقط، فكرت **ستيلا**، وإذا كان خطأ فسأذهب إلى اليمين.
        
        انعطفت يسارًا. للحظات قليلة، شعرت وكأنها اتخذت القرار الصحيح. بدت المباني أكثر فأكثر ألفة كلما سارت. إذا تذكرت بشكل صحيح، يجب أن تسير مباشرة لمدة خمس عشرة دقيقة أخرى قبل الانعطاف يسارًا بعد التراتوريا. ابتسمت وهي تتجول، ثم توقفت.
        
        أدى المسار بها مباشرة إلى غابة. أقسمت أنه كان من المفترض أن يكون هناك صف طويل من المنازل الصغيرة. ربما كانت مخطئة. وضعت **ستيلا** قدمًا خلفها وبدأت بالاستدارة.
        
        شد! انطلقت ذراعها اليمنى من جيبها وسحبتها نحو الغابة. "آه!" صرخت. قوة غير طبيعية سحبت جسدها عبر الغابة مثل صنارة صيد تسحب سمكة ضعيفة. اختفت البلدة بسرعة من نظرها حيث أحاطت بها الأشجار فجأة. حاولت أن تغرس قدميها في الأرض فقط لينتهي بها الأمر بتجريفها. أمسكت بأقرب غصن لينكسر. "أيوتو!" صرخت، لكن صوتها لم يصل إلى أحد. كانت محاولاتها للمقاومة عقيمة.
        
        ثود. سقطت على الأرض ككيس ثقيل. وقفت **ستيلا** ببطء، تنفض الغبار عن ملابسها، وألقت نظرة على محيطها. أمامها كانت الغابة، وعلى الرغم من أن الفجوات بين الأشجار كانت واسعة إلى حد ما، لم تتمكن من رؤية البلدة على الإطلاق. من يدري إلى أي مدى ذهبت؟
        
        ---
        
        لا، لم تستطع أن تتقطع بها السبل في مكان مجهول. يجب أن يكون هناك طريقة للعودة! انطلقت **ستيلا** بسرعة إلى الغابة ونحو البلدة -
        
        أمسكتها نفس القوة من معصمها الأيمن ورمتها خارج الغابة مرة أخرى. سقطت على ظهرها هذه المرة، في نفس المكان الذي أُسقطت فيه في وقت سابق.
        
        دفعت **ستيلا** نفسها عن الأرض مرة أخرى. دلكت يداها صدغيها وهي تحاول تهدئة أنفاسها. كانت الغابة محظورة. ماذا عن مسار آخر إلى المدينة؟ واجهت الاتجاه الآخر. رصدت عيناها ساحلاً قريبًا، مع سفن صغيرة ترسو في ميناء قريب. يجب أن يكون هناك أشخاص يمكنهم المساعدة، لكنها لم تكن متأكدة حتى مما إذا كان آمنًا. وكان بعيدًا جدًا أيضًا - من يدري كم من الوقت سيستغرق للوصول إلى هناك سيرًا على الأقدام؟ وماذا لو حدث لها شيء في الطريق؟
        
        ترقرقت عيناها بالدموع. أرادت فقط أن تتجول، لا أن تُجرّ إلى أي شيء يحدث. هددت فكرة عدم العودة إلى المنزل أبدًا بتسرب الدموع. يجب أن يكون هناك طريقة، يجب أن يكون هناك طريقة...
        
        خالتها. يمكنها أن تساعد! مدت **ستيلا** يدها في حقيبتها وتلمست هاتفها.
        
        لم يكن هناك هاتف. كان قلبها ينبض بقوة. أين هو؟ هل أسقطته؟ هل فقدته في الغابة؟ آلاف الأفكار تدور في ذهنها. ثم خطر لها أنها كانت تشحنه في منزل خالتها. "ماناجيا!" لعنت. ما بدأ كصباح مليء بالسعادة والعجب تحول إلى يوم مليء بالذعر والإحباط. نظرت إلى معصمها الأيمن وحدقت في السوار. وعدت ألا تخلعه، لكنها لم تهتم. بحثت عن المشبك، لكنه لم يكن موجودًا. حاولت سحب السوار، لكنه لم يخرج.
        
        "آه!" صرخ أحدهم.
        
        وجهت **ستيلا** انتباهها إلى الغابة. تم قذف شخصية ذكر من الغابة قبل أن ينهار أمامها. بالحكم من المظهر، بدا وكأنه أجنبي: شعره القصير كان أشقر كراميل؛ عيناه الحادتان، على شكل لوز، بلون تركوازي داكن، برزتا من وجهه الشاحب؛ أنفه النحيل والمستقيم كان منحوتًا فوق شفتيه الرقيقتين والورديتين؛ وعلى الرغم من أنه كان أطول منها بكثير، إلا أنه لم يبد أكبر سنًا بكثير.
        
        ---
        
        نهض الشاب، يتمتم لنفسه، وعلى الرغم من أنها لم تستطع فهمه، إلا أنها استطاعت أن تدرك أنه كان مذعورًا أيضًا - فصوته المرتعش وعيناه الواسعتان كشفا ذلك. استغرق الأمر بعض الوقت قبل أن يلاحظها، وعندما فعل ذلك، تجمد لفترة وجيزة.
        
        "إيه... بونجورنو؟" قال بصعوبة.
        
        "بونجورنو،" قالت بنفس الصعوبة.
        
        "كم كنتِ واقفة هناك؟"
        
        "إيه، دقيقة واحدة فقط."
        
        "إذن رأيتني وأنا، إيه، 'أُسحب'؟" أشار، محاكيا حركة سحب.
        
        "نعم. كنتُ، أه، 'أُسحب' إلى هنا أيضًا."
        
        "أنتِ أيضًا!" صاح، ثم وضع يديه على جانبي وجهه. "إذن أنا لست وحدي الذي أصبح مجنونًا. إيه، حسنًا، هل تم سحبكِ أيضًا من أوبيدولا أم من مكان آخر—"
        
        "جئتُ من هناك." أشارت **ستيلا** في اتجاه الغابة.
        
        
        
        
        
        "آه، مثلي." وضع يديه على خصره. نظر إلى الغابة. "حاولت العودة، لكن شيئًا ما ظل يسحبني إلى هنا."
        
        "ربما إذا ذهبنا معًا، فسنخرج."
        
        رفع حاجبيه. "هل تعتقد أن ذلك سينجح؟"
        
        "يمكننا أن نحاول."
        
        بدأت تسير في الغابة. تبعها. لم يحدث شيء غير عادي في البداية. خطوة، خطوتان، ثلاث خطوات... شد! رفعتهم قوة غير طبيعية عن أقدامهم ورمتهم مرة أخرى إلى حيث كانوا. نهض الاثنان، نفضا الغبار عن ملابسهما، وحدقا في الغابة.
        
        "نحن عالقون هنا،" تنهد الشاب.
        
        "انتظر، أعتقد أن عمتي يمكنها مساعدتنا،" قالت ستيلا. "هل لديك هاتف؟"
        
        "ليس لديه إشارة. حاولت."
        
        "ربما يمكننا المحاولة مرة أخرى. هل يمكنني استعارة هاتفك؟"
        
        نظر إليها نظرة. "إيه، بالتأكيد،" تردد. "لكنني أشك في أنه سيعمل."
        
        أخرج هاتفه من جيبه. لدهشتها، كان أحد أحدث الهواتف في ذلك الوقت. حقيقة أنه يحتوي على شاشة لمس بدلاً من الأزرار المادية تعني أنه كان أغلى بكثير مما تملكه. فتح هاتفه الذكي ونقر على الشاشة قبل أن يعطيها إياه لفترة وجيزة. اتصلت ستيلا برقم هاتف خالتها وحاولت الاتصال بها. بعد فترة، هزت رأسها وأعادته إليه.
        
        "لا إشارة."
        
        زفر، متقاطعًا ذراعيه أمام صدره. "إذن نحن عالقون هنا حقًا."
        
        وقف الاثنان في صمت. نظرا إلى الغابة، غير متأكدين مما يجب فعله بعد ذلك. نظرت إليه. "بالمناسبة، ما اسمك؟"
        
        "إيه، اسمي إدموند،" أجاب. "وأنتِ؟"
        
        "أنا ستيلا،" قالت. مدت يدها. "سررت بلقائك."
        
        "سررت بلقائك أيضًا."
        
        تصافحا بإيجاز. كادت ترتجف عند لمس يده؛ كانت باردة نوعًا ما. بعد ذلك، سألته: "ومن أين أنت؟ بريطاني؟"
        
        "لا. فرنسي،" أخبرها، "وأنتِ...؟"
        
        "إيطالية."
        
        "آه. إذن هل أنتِ من أوبيدولا، أم..."
        
        "أنا من روما، لست من هنا."
        
        "فهمت."
        
        سمعوا صوت حفيف قادم من الغابة. ظهرت شخصية من الغابة، تطير بسرعة الرصاصة قبل أن تسقط أمامهما مباشرة. كان صبيًا: شعر قصير، فوضوي، بني شوكولاته؛ عيون واسعة، شابة، بنية اللون تتناسب مع وجهه المستدير والسمرة؛ وعلى الرغم من أنه لم يكن واقفًا، إلا أن ستيلا استطاعت أن ترى أنه كان أطول منها بقليل.
        
        "جون!"
        
        "إدموند؟" صاح الصبي.
        
        "هل تعرفان بعضكما؟" سألت ستيلا الاثنين، متفاجئة.
        
        "التقينا الأسبوع الماضي في ميلانو،" أجاب إدموند. أمسك بيد جون وساعده على الوقوف. وتابع: "جون، هذه ستيلا. ستيلا، قابل جون."
        
        "سررت بلقائك، جون."
        
        "سررت بلقائك أيضًا،" قال. تصافحا بإيجاز. ثم سأل: "هل رأيتما أحدًا يسحبني عندما كنت أطير إلى هنا؟"
        
        "لا. لقد تم سحبي أنا أيضًا إلى هنا بواسطة شيء ما،" أجاب إدموند.
        
        "أنا أيضًا،" قالت ستيلا.
        
        تبادل الثلاثة النظرات. لماذا يا ترى تم إحضارهم إلى هذا المكان المجهول؟ هل كان هناك شيء - أو شخص - يختبئ في مكان قريب؟
        
        "حسنًا، لقد تم سحبنا جميعًا نحن الثلاثة إلى هذا المكان المجهول. و- لا أعرف إذا كنت قد حاولت يا جون بعد - لا يمكننا الخروج من حيث أتينا. أعتقد أن شيئًا ما يحاول أن يقودنا إلى شيء ما،" قال إدموند.
        
        "لكن إلى ماذا؟ لا يوجد شيء هنا سوى الأشجار و..." كاد جون أن ينطق بشيء، لكنه توقف.
        
        "و؟" حثه على الاستمرار. لم يقل جون شيئًا. أشار إلى شيء خلف إدموند وستيلا.
        
        كان مبنى مهجورًا. كان لونه أبيض باهت، مع نباتات خضراء فاتحة تزحف على أعمدته وتشققات تظهر في جدرانه الأسمنتية. اقترب الثلاثة من المبنى القديم. لافتة ملطخة، بالكاد تلتصق بسلاسلها الصدئة، كشفت عن اسمه.
        
        مستودع الميناء القديم
        
        حدقت ستيلا في اللافتة لبعض الوقت. هل صادفت هذا الاسم من قبل؟
        
        "هل يجب أن ندخل؟" سألت ستيلا.
        
        "لدي شعور سيء حيال هذا،" أجاب إدموند.
        
        "لكننا هنا لسبب، أليس كذلك؟ أنا سأدخل أولًا،" قال جون. سار عدة خطوات أمامهما قبل أن يتوقف، ويستدير، ويعود إليهما. "لا يهم، أنتَ ادخل أولًا."
        
        مر الثلاثي من الأعمدة. كانت البوابات الأمامية للمبنى مغلقة بالمسامير ومغطاة بالألواح. لم يكن هناك سبيل للمرور من هناك. ساروا نحو الجانب الأيسر ووجدوا بابًا معدنيًا أصغر بكثير. لدهشتهم، كان مفتوحًا. مشوا بتردد داخل المبنى. بحث أحدهم عن مفتاح الإضاءة وقلبه. اشتعلت المصابيح واحدًا تلو الآخر؛ لم تكن ساطعة، لكنها لم تكن خافتة جدًا. لم يكن هناك سوى صناديق معدنية وهياكل تشبه الصناديق مغطاة بأغطية بيضاء. كانت الجدران بها شقوق وطلاء متقشر. نظر الثلاثة حولهم، محاولين معرفة لماذا تم توجيههم إلى المبنى.
        
        "انظر." أشار جون إلى درجتين. كانت الدرج الذي يؤدي إلى الطوابق العلوية مغلقًا بالألواح. بقي الآخر مفتوحًا ولكنه يؤدي إلى الطابق السفلي إلى غرفة مظلمة. ثم قال: "لن ننزل إلى هناك، أليس كذلك؟ لا بد أنه مظلم جدًا."
        
        "لا أريد النزول إلى هناك،" قال إدموند.
        
        "لكننا لا نستطيع الخروج من الغابة،" ذكرته ستيلا. "ربما يجب علينا، إيه، النزول أولًا والعثور على ما تريده القوة منا."
        
        تنهد. "يمكنكما الذهاب أولاً."
        
        تبادل جون وستيلا النظرات. أشار جون إلى الدرج برأسه. بتردد، قادت ستيلا الطريق. تبعها جون إلى الطابق السفلي بينما تبع إدموند الاثنان، ناظرًا فوق كتفه بين الحين والآخر. بمجرد وصولهم إلى الطابق السفلي، مر الأخير يده على الحائط، باحثًا عن مفتاح الإضاءة، ثم قلبه. اشتعلت الأضواء. بدا الطابق السفلي تمامًا مثل الطابق الأرضي، باستثناء أنه كان فارغًا بشكل أكبر. واصل الثلاثة السير ورأوا غطاءً أبيض يغطي شيئًا على الحائط. رفعه جون وشهق.
        
        "ما هذا؟" سألت ستيلا.
        
        "أعتقد أنه باب،" قال جون ببطء. سحب الغطاء الأبيض ليكشف عما وجده.
        
        ما كان أمامهم كان هيكلاً خشبيًا غريبًا عليه رموز غريبة محفورة. وعلى الرغم من أنه لم يكن يحتوي على مقبض أو مقبض أو أي طريقة واضحة لفتحه، إلا أنهم كانوا متأكدين من أنه مدخل من نوع ما. كانت بصمة يد سوداء فحمية مطبوعة في المنتصف، وفوقها كانت كلمة محفورة. قرأت ستيلا الكلمة في ذهنها لتكشف عن اسم مكان.
        
        أوترالمونديه
        
        "يا له من باب،" تمتمت ستيلا.
        
        "كيف تفتحه؟"
        
        "هل يجب أن نفتحها؟" سأل إدموند. ألقى نظرة سريعة على بقية الغرفة. "ربما القوة تريدنا فقط أن نجد الباب، والآن بعد أن وجدناه، دعونا نحاول العودة إلى المنزل الآن."
        
        استدار على عقبيه وبدأ طريقه إلى الدرج عندما سحبته قوة إلى الباب، وسحبته من حافة قميصه. نظر إلى الباب. "علينا فتحه."
        
        "ربما ندفعه،" قال جون، بينما بدأ يدفع الباب. لم يتحرك قيد أنملة.
        
        "دعني أساعد،" قال إدموند، بينما دفع هو وجون الباب معًا. لم يتحرك بعد. "ربما إذا دفعنا من جانب واحد فإنه سيدور،" اقترح بعد ذلك، واضعًا يديه على الجانب الأيمن من الباب. ما زال يرفض الفتح. لم يهم مقدار القوة التي طبقوها أو أي جانب دفعوه. ببساطة لن يتحرك.
        
        "ربما يمكننا سحبه."
        
        "لكن لا يوجد مقبض،" قالت، "فقط بصمة يد."
        
        "أي بصمة يد؟" سأل الصبيان في وقت واحد. حدقت ستيلا في منتصف الباب.
        
        "تلك البصمة،" أجابتهم، بينما وضعت يدها اليمنى عليها.
        
        فتح الباب على مصراعيه وظهر ضوء ساطع من الجانب الآخر.
        
         
        

        Pages

        authorX

        مؤلفون تلقائي

        نظام شراء