روايه بتمناها لي - حب
بتمناها لي
2025,
رومانسية
مجانا
بعد غياب طويل، يرجع غيث لقبيلته الرشيدين، ويلاقيها متغيرة ومزدهرة بفضل جهود قائدهم بدر. بينما يفرح غيث بعودته ويكتشف التطورات، يواجه بدر داخليًا صراعًا مع مشاعره تجاه شوق، اللي كانت أمله، لكنها الآن عروس غيث. تتكشف الأحداث بسرعة مع إعلان زواج غيث من شوق، وفجأة تنقلب الفرحة لهجوم على القبيلة، ليجد بدر نفسه في قلب المعركة.
غيث
تاجر رجع لقبيلته بعد خمس سنين قضاها في الشام، شخصية حكيمة، ومخلص لأهله وأصدقائه، ويبحث عن الاستقرار.بدر
قائد فرسان قبيلة الرشيدين، يتميز بالقوة والحكمة والشجاعة، مسؤول عن حماية قبيلته، ويخفي مشاعر خاصة تجاه شوق.شوق
أخت الشيخ فارس، وهي المرأة اللي كان بدر يتمناها، لكن الأقدار جمعتها بغيث كزوجة له.
سنة وأربعة شهور من بعد. الصبح كشف غطى الدنيا، ومعاه زقزقت العصافير، وطارت أول طلة لها باليوم. الهوا البارد يدور، شايل معاه ريحة الأرض، ناعمة بعد ما غسلتها الأمطار، وملت الأشجار روح فرحة منعشة وثابتة. جاب معاه سحب متفرقة تزين السما الشامخة، اللي تلالأت فيها النجوم المتفرقة زي الجواهر على التاج. الهوا لبس ثوب شتوي وهو يفتح يدينه لقبيلة الرشيدين. كان قد ودع قبيلة البركان من زمان والحين يدور ملجأ في قبيلة الرشيدين. ارتفعت الأوراق الجافة والشجيرات من الصحراء والهوا يتثاوب ويرمش على شي جاي من بعيد. والهوا يرقص ويتمايل، مخلي الهلال اللي باهت والذئاب النعسانة تتفرج عليه بترقب. وش اللي خلى الهوا كذا حيوي؟ هو الأمير اللي فقده؟ ولا البنت اللي عيونها وسيعة وبنية؟ الهوا اندفع قدام بشويش عشان ما يفزع زواره. جناحينه انفرجت والتفت حول قافلة مكونة من خمسة خيول وسبعة جمال. تاجر وقافلته كانوا مسافرين من الشام أكثر من شهرين. شوفة قبيلته المحبوبة؛ جابت الطمأنينة لقلبه. يده اليمين شدت على لجام حصانه؛ أخيراً رجع، رجع لتراب قبيلته، رجع لأمه. ولما قربت القافلة من القبيلة الكبيرة اللي بين جبلين ممتدة على الجانبين، لاحظ غيث التغيرات. حتى من بعيد كذا، كان يقدر يشوف التغيرات لأنها كانت استثنائية. لما غيث غادر قبيلته قبل خمس سنين، كل اللي كان موجود خيام ونخيل وآبار. أما الحين، تغير شي. غيث ضيق عيونه على البيوت اللي تشبه بيوت الطين في الشام. القبيلة كلها كانت مسورة؛ بعدد لا يحصى من أشجار النخيل. ومن دايرة الشجر، قدر غيث يشوف البيوت متوزعة حول الخيام. ابتسامته اتسعت. قبيلة الرشيدين كانت مزدهرة. يا ترى أبوه ساكن في واحد من هالبيوت؟ وبدر بعد؟ مع هالخواطر، ابتسامة زينت وجهه الوسيم. غيث طالع ورا كتفه على القافلة اللي وراه. لاحظ كيف كل واحد من الرجال يا جالس سيدة على حصانه أو يمد رقبته عشان يشوف قبيلة الرشيدين بشكل أوضح. وهو يبتسم، غيث واجه قبيلته ولف شماغه حول وجهه ضد الهوا البارد اللي يدور في هالديار. أعضاء الهوا المشاغبين طلوا داخل الصناديق الخشبية المحملة واندهشوا من البضايع اللي جابها التاجر من الشام. بفضول، داعب خدود التاجر الوسيم، وخلى الرجال يرتجف ويشد ثوبه عليه. توقفت القافلة عند حدود القبيلة. الرجال اللي متمركزين عند مدخل القبيلة انتبهوا لوصول القافلة. واحد منهم تقدم وسيفه بيده. "وش جابك هنا؟" سأل الحارس. "راجع للبيت." غيث نزل شماغه من على وجهه. "غيث؟" الحارس عبس. "أنت؟" غيث ضحك. "إي والله يا علي. أنا. رجعت بيتي. تسمح لي أدخل قبيلتي؟" "إي. إي نعم." علي غمد سيفه ورجع خطوة ورا وهو يبتسم. ولما حصان غيث مر بين بيوت الطين والخيام، شاف إن القبيلة تعج بالحركة. رجال وحريم يتمشون ويشوفون شغلهم. ارتفعت حواجب غيث من منظر معين قدامه، وهنا ضحك الهوا. قناة ضيقة رائعة تتسلل حول الخيام والبيوت. الموية تلمع في ضوء الشمس الخافت اللي يطل من أشجار النخيل، ويخلي القبيلة تبدو مهيبة. كيف بحق السما طلعت قناة في القبيلة؟ عيون غيث استوعبت الناس اللي طلعوا من بيوتهم ومعاهم قدور طين. لاحظ باهتمام وهم يركعون عشان يملون قدورهم موية من القناة الضيقة. لازال مذهول، نظره انتقل للنوافذ الخشبية اللي كانت مفتوحة عشان تدخل نسيم الصبح بدري رغم البرد. على يساره كانت المزارع والإسطبلات والقطعان. الرعاة كانوا خلاص يراعون حلالهم. غيث وجه حصانه باتجاه ميدان التدريب، وكان يدري إن الشخص اللي يدور عليه بيكون موجود هناك في هالوقت. "حسين، روح لبيت أبوي وفك الحمول من القافلة." كلم واحد من الرجال في القافلة. حسين هز راسه وتوجه لبيت غيث. غيث كان يدري إن حسين يعرف وين خيمة أبوه؛ وإذا فيه بيت مبني مكانها. راح يلاقيه هناك. توجه التاجر لميدان التدريب جنب الإسطبل وشاف؛ فعلاً، ثلاثة رجال جالسين جنب خيمة مفتوحة يشربون قهوة وياكلون خبز توه مخبوز. غيث نزل من حصانه البني، وربط اللجام حول جذع نخلة، وتوجه للرجال اللي في الخيمة المفتوحة. صوت طقطقة لفت انتباه غيث. حرك راسه يمين وشاف إن فيه حطب يحترق جنب الخيمة المفتوحة عشان يوفر للرجال دفى ضد البرد. آآآه! يا زين السكنة في الخيمة. اشتاق لها كثير. وبدون ما ينبه الفرسان، نادى غيث، "ريحة هالقهوة تشد." الرجال اللي في الخيمة رفعوا روسهم للصوت اللي يعرفونه. جبير، واحد من أصدقائه، كان أول واحد يوقف وتقدم لغيث. جبير ضم أخوه، وضربه على ظهره، تقريباً كسر عظامه. وهو يضحك، الرجال ابتعد ولف ذراعه على كتف غيث. "يا مرحبا، يا هلا ومسهلا." "كيفك؟" سأل غيث وهو يضحك. جبير شال يده ورجع خطوة ورا. "الحمد لله. أنت اللي المفروض تقول لنا عن أحوالك." خلفان، واحد من أصدقاء غيث المقربين صافحه وهو يبتسم. "والله زين إنك رجعت يا أخوي." بعدين ابتعد عشان آخر شخص في الخيمة يسلم على غيث. بدر. قائد فرسان الرشيدين. أعز أصدقاء غيث كان آخر واحد يسلم عليه. مع شوفة صقر الفرسان، الهوا وقف أعدل. شرب الابتسامة اللي على وجهه وعرف إن هالرجال هو المجرم اللي سرق جمال الهلال ولبس بريقه في عيونه الذكية. بدر كان لابس ثوب أبيض وفوقه ثوب بني وغترة بيضا. لحيته كانت أكثف من أول، ومخليته يبدو أجمل وأكثر وقاراً. عيونه الغامقة انكمشت عند الأطراف لما طاحت على صديقه. غيث طالع في شكل بدر؛ الرجال تغير؛ صار يبدو أكبر، أكثر حكمة. الشعر اللي كان قصير وصل لأذانيه، العيون الهادية كان فيها خشونة؛ يمكن أحداث الخمس سنين اللي فاتت سببت هالشي. رد بدر فعل جبير وضمه صديقه. "والله، يسعدني رجوعك يا صديقي. بس لازم تشوف أمك أول." همس عشان غيث يسمعه. ضحك غيث. "آه! مشتاق لها يا بدر، بس قلبي ما يتحمل دموعها. أرسلت أغراضي، وأنا أدري إنها بتبكي يوم تشوفها. بنتظر لين الهوا ينشف دموعها، ولما ينشفها، أمي بتستقبل ولدها بابتسامة." وعلى كلامه، كم واحد من الهوا مشوا. "الرجال الحكيم دايم." بدر طبطب على كتف غيث. "تعال، اجلس معنا." جلسوا الرجال حول حصيرة صغيرة من الخوص. غيث ما كان يصبر ياكل خبز قبيلته والقهوة الطازجة. خلفان صب له قهوة في فنجان طين صغير ومده له. التاجر قرب الفنجان لشفايفه، شم ريحة القهوة القوية، وشربها كلها مرة وحدة. الريحة خلته يغمض عيونه. البيت. تغيرت أشياء كثيرة، ومع كذا، ما كان يعرف عنها إلا القليل من رسايل بدر. بين عيال عمّه وأصدقائه، بدر هو الوحيد اللي غيث يعتبره أخوه. كل هالسنوات وهو يتدرب جنبه، ويقاتل معاه، ما خلى غيث يفكر إنه الولد الوحيد لأهله. بدر هو الوحيد اللي كان يدري بكل صعوباته في الشام بسبب التجارة. كل الحيل، الفشل، والإنجازات اللي مر فيها غيث في الخمس سنين اللي فاتت في الشام. كان قد ترك قبيلته عشان يكتشف التجارة وكيف يصير تاجر. كان قرار حكيم، لأنه كسب ثروة حلال كبيرة لأهله. لكن مع الثروة جت المخاطر، الهزيمة، والعزلة. وحشة قوية لدرجة إنه ما عاد يقدر يتحملها، عشان كذا رجع لقبيلة الرشيدين. بدر كان يدري بكل شي لأنه هو الوحيد اللي مسموح له يقرا رسايله لأمه وأبوه. بس كان فيه شي واحد غيث كان يبغى يقوله له وجه لوجه مو في الرسايل. واليوم، راح يسوي هالشي. جلسوا يتكلمون عن اللي صار في الشام وقبيلة الرشيدين. "زين يوم شفناك بعد سنين طويلة. الواحد كان بيحسب إنك نسيتنا يا غيث." مزح خلفان، وعيونه الخضرا ضاقت. غيث بلع التمرة اللي توه أخذ منها قضمة، "أنا أرسلت رسايل." "أوه، أدري، بس مو لي." خلفان ابتسم بخبث. "احمد ربك إنه أرسل رسايل؛ لو كنت أنت يا خلفان، كان ودعت ذكرياتنا بعد." جبير رفع حاجب له، وضحكوا الرجال. "ذكرياتك كانت أول شي." خلفان رمى نواة تمر على جبير، اللي مسكها ببراعة. ابتسامة هادية ارتسمت على شفاه غيث بوجود أصدقائه. عيونه راحت لبدر، وطالع في شكله مرة ثانية وهو معبس شوي. بدال السيف اللي غيث كان متعود يشوفه مع بدر؛ كان فيه فأس محفور عليه خنجر صغير على المقبض الخشبي، موجود على يسار بدر. نفس الشفرة اللي القادة يعطونها للفرسان اللي يعدون الاختبارات ويصيرون جنود في جيش الرشيدين. "ليش الفأس يا بدر؟" "الواحد لازم يتعلم صنعة كل الأسلحة." أصابع بدر لمست الفأس. "ما شاء الله، يليق بك." غيث طبطب على كتف بدر. "ما أعتقد فيه سلاح في هالكون ما يليق به. بدر قاعد يكتشف فن كل الأسلحة من السنة اللي فاتت." أضاف خلفان. "السنة اللي فاتت؟" غيث استوعب. "إي والله، أنت ما تدري." جبير هز راسه، وعيونه على بدر وكأنه يطلب الإذن. بدر كح. "أختي،" "رغد؟" سأل غيث، وهو يتذكر البنت الصغيرة اللي كانت تلحقه عشان يعلمها ركوب الخيل لأن بدر رفض، وقال إنها خطيرة عليها. بدر أخذ نفس. "إي، هي الحين،" ابتسامة مفاجئة ارتسمت على شفاه بدر. "زوجة فارس الفرسان." غيث وسعت عيونه. "الفارس مبارك البركاني؟" "إي." بدر ضحك. "ما فهمت. ما كان فارس هو اللي كان يبغى يهدم هالقبيلة؟" "ذا وأكثر." "أجل ليش رغد زوجته؟" بدر طالع في غيث وبعدين حكى له التفاصيل اللي ما منها مفر. زواج رغد، الخاين في قبيلة البركان، مساعدة فارس، والتجارة مع قبيلة البركان. "من يوم ما بدأنا التجارة مع البركان، هجمات قطاع الطرق كثرت على هالقبيلة، عشان كذا لازم نطور المهارات." "سامحني يا صديقي. ما كنت جنبك." تنهد غيث. بدر هز راسه. "لك حياتك اللي تعيشها. ما بسامح نفسي لو رجعت عشان تدبر مشاكلي." "عشان كذا ما ذكرت شي من هالشي في رسايلك. عشان كذا رسايلك صارت أقصر؟" غيث حط فنجانه الطيني بشويش. بدر انحنى لقدام، وغيث لاحظ كيف الرجال صار أكبر. صار أعرض كأنه يجهز جسمه يصير جبل لو ضربت مصيبة. "كان معي خالد وجبير وخلفان. لا تقلق." غيث عبس بس هز راسه. أشياء كثيرة صارت هنا، وأشياء كثيرة صارت خلال إقامته في الشام عشان يصير تاجر. لو بس يدرون. غيث كان يدري إن الناس تهمس عن طرق تجارته، عن ذكائه في شوارع بغداد، مدينة الحياة، العلم، والحكمة. كان على وشك الغرق في التعاسة لكنه استمر عشان حياة أفضل. لو بس يدرون. "صحيح إنك صرت تاجر مهم في الشام؟" جبير حس بالضيق، وغير الموضوع. غيث ابتسم. "الطريق قدامي طويل عشان أصير كذا." "دايم أنت المتواضع. كلنا سمعنا عن رحلاتك من بدر." قال خلفان. "الحياة في الشام مختلفة. الناس أكثر وعي." عيون غيث لمعت. "ناس من كل مكان في العالم يجون هناك للتجارة والتعلم." ارتفعت حواجب خلفان باستغراب. غيث هز راسه. "حتى الأديان المختلفة تعيش بسلام ووئام." "جد؟" كان جبير اللي سأل. "كثير من الطلاب من خارج البلاد يسكنون في الشام عشان يتعلمون من علماء المسلمين." على هالشي، خلفان حط فنجانه بعد. "ما شاء الله، أكيد حلو العيشة هناك." "ما أنكر هالشي. بس البيت يختلف. هوا هالقبيلة هادي." ضحك جبير. "كذا؟ رجعت أساساً لأن هوا قبيلتك لطيف؟" غيث طالع في بدر، اللي كان مبتسم، وبصمت طالع في أصدقائه القدامى وهم يتكلمون. "لا، رجعت لأن أمي تمنت ولدها الوحيد يتزوج." الأصدقاء انذهلوا منه، حتى بدر. "قبل كم شهر، أمي أرسلت لي رسالة تعلمني إنها لقت لي عروس بعد سنين من البحث." ابتسم الرجال بخبث على هالشي. غيث كونه الولد الوحيد، أمّه تأكدت إنها تدور له على عروس مثالية. كان مرة فكر برغد، أخت بدر، بس تجاهل الفكرة لما جبير بين إعجابه ونيته يخطبها. غيث كان يحتاج حجة بس عشان يرجع لقبيلته، ولما قرا الرسالة، بدأ يوقف تجارته. "مين الحرمة؟" سأل بدر باهتمام. غيث هز راسه. "ما أدري. أمي تبغى تعلمني لما أقابلها اليوم." "وافقت خلاص؟" خلفان استفسر. غيث بس طالع فيه. "ما شاء الله يا غيث. زي اسمك، أنت تغدق البركات على أمك." خلفان ابتسم بخجل. الرجال ما طولوا في كلامهم، لأن القهوة بردت، وغيث ما كان يقدر يجلس أكثر بدون ما يشوف أمّه. "لازم أمشي الحين." وقف بدر زي ما وقف غيث. "بمشي معاك لبيتك." "يلا، قدام." غيث شاف بدر وهو ياخذ فأسه ويطلع من الخيمة المفتوحة. طرَف بدر عينه على صديقه، لاحظ كيف حواجبه انعقدت. القلق والأسرار اللي غيث يخبيها في عيونه. رغم غيابه خمس سنين، بدر لسى يقدر يقرأ الرجال زي الكتاب المفتوح. بدر كان يدري إن غيث قال لجبير وخلفان بس جزء من الحقيقة؛ كان فيه شي ثاني قاعد يخفيه، شي يغمّق عيونه السودا. عكسه، غيث كانت عيونه غامقة وأقصر منه بكم إنش. غيث كان نحيل، زي التاجر. تاجر يلبس ثوب أنيق يمسح الرمل بصنادل جلدية. شعره القصير تحت عمامة غامقة وخنجر معلق من خصره. بدر كان يشتهي يسأل غيث عن الظلام اللي في عيونه، لكنه كان يدري إن التاجر محتاج يرجع لأمه ويرتاح شوي. راح يسأله قريب ويوفر أي مساعدة ممكن غيث يحتاجها. بدر استمر يمشي على الجانب الشرقي للقناة، اللي هو ورجال القبيلة سووها بحفر بئر وفتحوها للقبيلة. ببركة الله وموافقة الشيخ فيصل، بدر بدأ يغير القبيلة. تأكد إنه يكون من اللي شكلوا الطوب، وحفروا البئر، وبنوا بيوت الطين. ضحك صقر الفرسان لما غيث طالع في القبيلة بذهول وإعجاب. الأصدقاء كملوا طريقهم سيدة، ولما وصلوا لبيت طين من دورين بنوافذ خشبية، تراجع بدر. غيث فهم حركة صديقه، استدار وصافحه. "ارتاح. بنتقابل بكرة." بدر شاف حرمة واقفة عند الباب الخشبي وما بغى يدخل. "إن شاء الله. في أمان الله." غيث توجه لبيته، وعيونه تلمع. "في أمان الكريم،" همس بدر وهو يشوف أم غيث تفتح الباب الخشبي وتضم ولدها الحبيب. لف بدر يسار باتجاه وسط القبيلة حيث كان بيت الشيخ فيصل. وهو ماشي، رجال القبيلة سلموا عليه بابتسامة أو مصافحة. صقر الفرسان رد تحياتهم بابتسامة من عنده. فرك يدينه من برد الهوا، وهو يتمنى لو لبس ثوب أسمك. لما وصل البيت، بدر انحنى من عند البباب الخشبي وأعلن وجوده. من يوم ما خالد تزوج، بدر دايم يعلن وصوله عشان ما تواجه أخت زوجته، فاطمة، موقف محرج. خالد تزوج قبل سبع شهور بعد ما أمهم فقدت الأمل في بدر. أم بدر، من ذاك الوقت، ما فاتت يوم إلا وهي تحرضه يلاقي عروس أو تسمح لها تلاقي له. لكن بدر دايم كان يختار الصمت. صحة أبوه كانت تسوء كل يوم، وواجبات القبيلة تثقل على كتفيه أكثر وأكثر. عنده قبيلة وناس يحميهم. الحرمة بتلاقي صعوبة في إنها تسوي لها مكان في قلبه مع كل اللي قاعد يصير. ابتسم بدر لما عيونه طاحت على أخته الصغيرة مها وهي تلعب مع سالم، أخوه، في الحوش. دخل البيت، ومن الغرفة الرئيسية، لف يسار باتجاه غرفة أبوه. وقف بدر عند الباب المفتوح وطالع في وجه الشيخ فيصل النايم. وجهه كان شاحب أكثر من أمس، وجسمه أنحف. بتنهيدة، توجه الولد لغرفته لكنه توقف عند الباب. أمه كانت واقفة عند النافذة الخشبية تنتظره. لما دخل الغرفة، بدر ابتسم وهز راسه، عارف ليش أمه هنا. صقر الفرسان وقف قدام أمه، انحنى لقدام، وباس جبينها. "ما شاء الله، شكلك جميل مرة اليوم يا أمي." ابتسم بخبث لما أمه ضيقت عيونها بمزح. الأم والولد يعرفون بعض زين. "كيفك؟" "توك سألتني نفس السؤال لما طلعت لصلاة الفجر." بدر مسك يدها اليمين بشويش، وجلسوا على فراشه في زاوية الغرفة. "كنت أظن إنك بتكون..." سكتت وهنا بدر عبس، قلقان. "وش السالفة يا أمي؟" "ما دريت للحين؟" "أدري وش؟" "إن غيث بيتزوج." أم بدر قالتها، وصوتها حزين. آه! الخبر انتشر، وعشان كذا أمه الحبيبة قلقانة. بدر عض طرف شفته عشان يخفي ابتسامته. "وش المشكلة في كذا؟" فك عقاله. "بس فكرت إنك بتكون مهتم شوي." بدر رفع حاجب على هالشي. "ما فهمت يا أمي." "غيث قال لك مين عروسته؟" "لا يا أمي. كنا مع بعض الفرسان. فكرت بيكون أحسن أسأله لحالي." على نظرتها القلقة كمل. "أنت تدرين؟" "أنا أدري من زمان." همست أم بدر. "والله ما فهمت عليك اليوم يا أمي. قلقتيني." بدر مسح إبهامه على كفوفها. "الزواج تحدد بعد ثمانية شهور." أمه عصرت أصابعها. "طبعاً تدرين هالشي بعد." بدر ضحك. "الخطبة الأسبوع الجاي." كملت كلامها وهي تتجاهل ملاحظة ولدها. "ما شاء الله، هذي والله أخبار زينة." بدر سوى حركة كأنه بيوقف لكنه توقف عند كلامها اللي بعده. "هي أخبار زينة يا ولدي؟" صقر الفرسان حرك جسمه يمين وطالع سيدة في عيونها اللي متضايقة. "ليش ما بتكون أخبار زينة؟ صديقي، أخوي، بيتزوج." "شوق." بدر بلع ريقه. "شوق. أخت فارس هي عروس غيث يا بدر." أم بدر طالعته. بدر ما سمح لأي تعبير يظهر على وجهه. لكن كتفه شد. بين كل الحريم اللي أمه تمنت إنه يتزوج منهم، بنت الشيخ مبارك دايم كانت الحرمة اللي يتمناها جنبه. بدر حتى دعا إن شوق تكون زوجته مرة أو مرتين. "هذي أخبار زينة والله. هالزواج بيقوي العلاقة بين قبائلنا." أمه تنهدت. بدر رمى راسه ورا وضحك. كانت تدري. "كيف دريتي يا أمي الحبيبة؟" جلس مرة ثانية ولف يده على كتفها. "عيونك ما طالعتني صدق يوم كنت أتكلم عن زواجك. ولا اسم حرمة ثانية أو مواصفاتها لفتت انتباهك. بس لما يجي طاري شوق بنت قبيلة البركان، أنت تنصت يا بدر." بدر هز راسه بشويش. "لا تقلقين. ما كانت من نصيبي. دايم ندعي بالأفضل. غيث رجال طيب، وأدعي لهم بحياة هادية." شاف الدموع تسبح في عيون أمه. "يا الله يا أمي، لا تكسرين درعي بدموعك." ضمها بقوة أكثر. "أنت تنازلت عن قوتك، عن سعادتك عشان هالقبيلة، والحين الحرمة اللي تمنيتها. كيف ممكن يكون عندي ولد مثلك؟ كيف انعم بولد مثلك؟" بدر حاول يبتسم. "لأنك أمي. لا تقلقين؛ كل شي بيصير تمام." نزلت دمعة من عين أم بدر. الفرسان عرف إنها دمعة تتكلم عن صحة الشيخ فيصل، ومرض سالم، وسوء حظ بدر. الولد أخذ نفس عميق، مو قادر يشوف أمه بهالحالة. كان يبغى يوفر لها شوية سعادة على الأقل لو يقدر، وبدر كان يدري إن كلماته الجاية راح تجلب الفرحة لقلبها الذابل. "خلاص، وش رايك تدورين لولدك عروس؟ أنا موافق أتزوج." باس يدينها. "ولدك صار رجال كبير الحين. لازم يتزوج قبل لا كل البنات الحلوات يروحون لفرسان ثانيين." وهنا، ابتسامة، ابتسامة ما كان يقصدها، ظهرت على وجهه. "أنت صدق تتمنى هالشي؟" واجهت ولدها. "إي يا أمي. أتمنى. أنا وصلت سن الزواج، وبصفتي قائد هالقبيلة، أحتاج أحد يساعدني." أعلن بدر. "آه! يا ولدي." عصرت يدينه، وهي مبتسمة ابتسامة عريضة. "بلقاقي لك عروس تستاهلك. أحد يقدر يسعدك." "كأنك رايحة حرب يا أمي." قال بدر بخفة. "أنت ما تفهم يا بدر. إيجاد زوجة لأخوك خالد كان سهل. لكن أنت. طبعك، قلبك الكبير، يقلقوني." "إذا كذا، أجل عندي إذنك تعلنين الصيد لزوجتي." مرة ثانية، ضحك ضحكة ما وصلت لعيونه وخلت قلبه يدق بقوة. وقف بدر، ومسك فأسه. "وين رايح الحين؟ لازم تاكل." الفرسان كح. "فرساني يبغون يتناقشون معي في أمر." الكذبة مشت على لسانه وهو يقولها. بدر بصمت طلب المغفرة من ربه. كان لازم يطلع من هنا. بدر كان محتاج يكون لحاله ويفكر. "لازم تاكل أول؛ سالم كان يستناك." "برجع قريب. لا تستنوني." وبهالكلمة، طلع من الغرفة ومن البيت. وبمجرد ما طلع برا، بدر توجه للإسطبل حيث كان حصانه. زمجر الهوا حوالين بدر وهو حصانه يصهل باتجاه الوادي اللي يبعد دقايق عن قبيلة الرشيدين. الفرسان كان يدري إن الوادي فاضي الحين. حريم الرشيدين وقفوا يروحون له يوم انفتحت القناة في القبيلة عشان الموية. بعد ما ركب دقايق، بدر وقف، نزل، وجلس على صخرة كبيرة. الهوا تسلل بجنبه وضحك بخفة. تذكر كيف رغد مرة جلست على نفس الصخرة، عشان تفكر. وهو يطالع في الموية اللي تجري على بعد قدم منه، بدر رجع راسه لورا وتنهد. فعلاً، ضايقه إنه يدري إن بنت الشيخ مبارك، شوق، بتكون زوجة غيث لأنه كان قد قرر أخيراً يخبر أمه عشان يخطب شوق بعد ما سجن اللصوص. شكله تأخر شوي. بدر تنفس وحاول يفرغ عقله من أفكار شوق. الشمس صعدت وهو يطالع في الموية، وهي تتدفق جنبه. سمكة قفزت من الموية ثم غطست مرة ثانية. الشجيرات تتمايل كل ما رقص الهوا حواليه. كان الجو بارد رغم الشمس، لكن برودة مفاجئة في قلبه خلته يمرر أصابعه في شعره. كان قد دعا لشوق، لكن هالشي ما صار. بدر كان يدري إن فيه حكمة في مجرى الأحداث اللي عقله البشري ما يقدر يفهمها. هل هو تأخر كثير؟ هل كان لازم يعبر بدري؟ لازم يكون فيه خير في هالشي، وراح يتمنى الأفضل لغيث، صديقه. إذا كان يبغى يرجع لقبيلته كقائد، كل هالخواطر لازم تموت هنا. بتنهيدة أخيرة، بدر انزلق بنعومة من على الصخرة ومشى لحصانه. الشمس كانت فوق راسه بالضبط، وكان يدري قريب بيصير وقت صلاة الظهر؛ لازم يرجع الحين. صقر الفرسان ركب حصانه ورجع لقبيلة الرشيدين بأفكار مشتتة وقلب حزين. حصانه صهل فوق الأراضي المتشققة، وقريب، غيوم سوداء أغلقت من الجبال اللي حواليها مخفية الشمس العظيمة. صرخة نسر خلت بدر يطالع فوق في السما. ضاقت نظرته الحادة لما عرف نسره يحوم فوق قبيلته. بسرعة، قبضت يده على اللجام؛ حث حصانه يركض. فيه شي غلط؛ نسره ما كان بيترك غرفته إلا إذا؛ فيه شي غلط، وكان يشتهي يوصل رسالة. بس لما بدر قرب من قبيلته، قلبه دق بقوة، ورعب شديد غلفه بعباءة مخيفة. بدر مسك فأسه بيده وهو يعبر حدود القبيلة، وبدون ما يوقف، الفرسان قفز من حصانه وغرس نصل فأسه في جمجمة أول رجال شافه. "لا تخلونهم يقربون زيادة!" صرخ بدر، وهو يمسح الدم من خده اليمين.
تعليقات
إرسال تعليق