موصى به لك

الأقسام

الأفضل شهريًا

    الأعلى تقييمًا

      روايه البلدة الخفية

      البلدة الخفية

      2025, أدهم محمد

      تاريخية

      مجانا

      بلد مستخبية تحت الأرض، الفصول الأربعة فيها مش معناها صيف وشتا، دي معناها حروب على المكانة والجواز. وسط الدسائس والفضيحة، عيلة "إيفرارد" الغنية بتواجه تحدي كبير: بناتهم لسه متجوزوش. وفجأة، الأخ الكبير "بينديكت"، اللي الكل شايفه غامض وجاد، بيعلن إنه هيتجوز، الخبر ده بيقلب الدنيا في العيلة كلها، وخصوصًا عند المربية "أجاثا" اللي بيثير فضولها دايماً.

      أجاثا

      هي مدرسة. ليست من طبقة النبلاء ولكنها متعلمة جيدًا. تعمل لدى عائلة "إيفرارد" وتحب القراءة والعلوم ولكن توائم "إيفرارد" يفضلون القصص الرومانسية. تتميز بذكائها وهدوئها، ويبدو أنها تكن فضولًا خاصًا تجاه "بينديكت إيفرارد".

      إيما

      واحدة من أصغر بنات "إيفرارد"، وتُعتبر توأمًا لإيزابيلا رغم الفارق البسيط في السن. مرحة ومغامرة، وتبدو متمردة على فكرة الزواج والقيود الاجتماعية، وتفضل الحرية.

      ليدي

      والدة الأبناء الثمانية، سيدة قلقة على مستقبل أبنائها، خصوصًا بناتها اللاتي لم يتزوجن بعد. تحاول جاهدة تزويج بناتها وتصف تصرفاتهن بالطفولية أحيانًا.
      تم نسخ الرابط
      روايه البلدة الخفية

      في بلد مش بعيد، كان فيه مكان عايش في الماضي. المؤسسين سموه "البلدة".
      اسم غريب لمكان، ومكانه خلاه أغرب.
      تحت الأرض، البلدة كانت مستخبية، أسرارها متلمستش.
      تحت صخور عالية ضخمة، المكان اللي جمال الطبيعة قابل شطارة البشر، كهوف واسعة اتقلبِت لمدن مليانة حياة.
      
      هنا، الأرض اتشكّلت لقرى صغيرة وطرق متعرجة، وفوق الرؤوس، الفتحات الضخمة اللي سموها "خروم" 
      
      كانت بتخلي شمس وهوا نضيف ينزلوا لتحت.
      وسط المتاهة اللي تحت الأرض دي، أهل البلدة – نبلاء وتجار وعمال زي بعض – كلهم كان ليهم هدف واحد: يعرفوا يتعاملوا مع الفصول الأربعة ويستمروا في الحياة.
      
      
      فصول البلدة مكنتش تعني دفء الشمس اللطيف أو صوت المطر الهادي، ولا حفيف ورق الشجر اللي وقع أو سكون التلج. لأ، خالص. العناصر اللي فوق الأرض كانت بتبعد عن الدورات الخطيرة في البلدة، عشان هنا، الفصول الأربعة كانت معناها حرب.
      كل ربع سنة كان ساحة معركة مليانة دسائس وطموح. معركة يائسة على المكانة والجواز. الجنود؟ أمهات بتعرف تتلاعب، بنات لسه طالعة ومستعجلة، ورجالة مش عايزة. أسلحتهم، ممكن تسأل؟ دهب العروسة بيتشال زي السيف، الفساتين زي الدروع (أو عدم وجودها كمناورة ذكية)، فن الإغراء كخنجر متخبي في دانتيل ومحادثات مثيرة، والأقوى من كل دول: الفضيحة. حلوة ومخيفة، مستعدة تدمر السمعة والعلاقات على حد سواء.
      فصل "الشيلز" كان بين يوليو وسبتمبر. وبالرغم من سمعته عن الحفلات الباهتة والترفيه الممل، الفصل ده كان بيوعد برومانسية ملهاش مثيل.
      الفصل اللي فات ده كان مجرد مشي بطيء لأقل فصول إثارة على الإطلاق. فصل "جرانفيل" اللي كان بيتعمل في أكتر بلدة متدينة، كان أكتر فصل فيه قيود. الفساتين متكنش ينفع تكون تحت عضم الرقبة، ولا ست واحدة تمشي في قاعة الرقص من غير جوانتي، والأدب الاجتماعي كان بيطلب مسافة متقلش عن خمسة قدم – أي مخالفة للقاعدة دي كانت بتنتهي بالجواز تحت أنف رجل ورع مدين. بس الأجرأ والأيأس هم اللي كانوا بيستجرأوا يتحدوا الفصل ده، ويا رب أرواحهم الشجاعة ترتاح في سلام لحد اللعنة الأبدية. آمين.
      الأمل كان بيرجع تاني مع بداية يناير في فصل "ويلوفير". لما البرلمان بيكون في جلسة، الأمهات وبناتهم كانوا بيفرحوا لما بيقلعوا فساتينهم المرعبة. النفوس الشجاعة دي، البطلات الحقيقيات لساحة المعركة الاجتماعية، كانوا بيخططوا للجوازات والخطوبات بتفاصيل موجعة، من المجوهرات اللي بتلمع اللي بتزين شعرهم لحد الحرير حوالين رجليهم الرقيقة (نعال قوية للرقص المستمر أفضل بكتير). للي بيعتبروا نفسهم يستاهلوا، فصل "ويلوفير" كان بيوعد بسحر لو الواحد عرف يعمل الخلطة الصح من الشقاوة والأدب.
      بس مفيش حد يقدر يختلف إن أكتر الفصول المنتظرة والفاضحة على الإطلاق كان فصل "ويكهيرست". كان أكتر بكتير في التبذير من باقي الفصول، ودي كانت مناسبة السحر الشقي.
      الست مكنش ينفع أبداً تحضر فصل "ويكهيرست" وهي لابسة أقل من منافساتها. الجوانتيات، اللي يا دوب أرق من الهمس، كانت بتضمن إن مفيش راجل يقدر ينكر الدفء الرقيق للمسة البنت. الفساتين كانت خفيفة على قد ما مصممين الأزياء يقدروا يعملوها، عشان لو الراجل كان غبي لدرجة إنه مياخدش باله من اللمسة الرقيقة، أكيد مكنش هيكون أعمى لدرجة إنه مياخدش باله من جاذبية جسم الست.
      ده كان فصل أحلام كتير من البنات اللي لسه طالعة. وبالنسبة لكتير من الرجالة، كان مكان صيد لمهر أكبر (الجوانتيات الخفيفة والفساتين الخفيفة مكنتش دايماً أحسن أسلحة للي ميعرفوش يستخدموها كويس).
      وفي الوقت اللي قادة البلدة كانوا بيتقابلوا مع المجلسين للجولة التانية من اللعبة السياسية للسنة، باقي المجتمع الراقي كان لابس دروعه الأنيقة، خبيثين بشكل مستخبي زي ما المفروض يكونوا.
      الجوازات الفاضحة، المليانة شغف وغضب خلال فصل "ويكهيرست" مكنتش حاجة غريبة.
      وده كان صح، عشان الربع التاني من السنة كان أحسن تسلية. بعد كل ده، مين مش عايز يشوف فضيحة حلوة؟ والأكتر من كده لو الفضيحة دي كانت فيها حد من عيلة "إيفرارد"؟
      
      
      
      
      
      
      أي حد هيتفق إن الشغل عند أغنى عيلة في "ويكهيرست" كان فرصة الكل بيتمناها، وبالأخص لو العيلة دي كانت عيلة "إيفرارد".
      
      العيلة دي مجاتش من أصل بسيط. هما اتولدوا في عز، أو بالأصح، ورثوه. تاريخ عيلتهم المحير بيقول إنهم كانوا من أوائل الناس اللي جم مع المؤسسين عشان يبنوا البلدة من قرون فاتوا.
      
      بجانب ألقاب وعقارات لا تعد ولا تحصى، عيلة "إيفرارد" كانت بتملك كمان المناجم اللي بره "ويكهيرست"، وخط المجوهرات الفاخر بتاعهم كان بيزين كتير من صفوة البلدة. ثروتهم ومكانتهم كانت حق مكتسب متوارث بعناية لقرون. اسمهم كان بيجيب حلم الثراء والفخامة. كل الناس كانت عايزة تبقى صاحبتهم وكل الناس كانت عايزة تبقى سلف لورثتهم.
      
      بس نسل "إيفرارد" الحالي كان على وشك الموت البطيء. الأطفال، كلهم تمنية، مكنوش مستعجلين إنهم يجيبوا لأمهم الحية، السيدة "أليس إيفرارد"، حفيد. والأسوأ من كده، إن الأطفال كانوا بيعتقدوا إن مستقبل المربية أهم بكتير من إنهم يلاقوا مستقبل ليهم هما.
      
      "أنتوا الاتنين هتظهروا في الموسم ده. مش هتحتاجوا أجاثا تاني"، قالت السيدة "أليس".
      
      أصغر طفلين من عيلة "إيفرارد"، إيما و إيزابيلا، بصوا لأمهم بسرعة، وعنيهم كانت مفتوحة على آخرها من الرعب. "بس يا ماما!" قالوا في نفس واحد. "أجاثا بقى لها معانا سنة وسبع شهور بس!" صرخت إيما.
      
      "يا دوب علمتنا أي حاجة لحد دلوقتي!" إيزابيلا ضافت.
      
      "أنتوا اتعلمتوا كفاية من السنين الكتير والمربيات الكتير اللي جم ومشيوا. أنتوا الاتنين هتعملوا كويس لو بطلتوا تتصرفوا زي الأطفال،" قالت أمهم بهدوء وسهولة، وكأن أحدث مشاغبة لبناتها الاتنين مكلفتهاش عربية وعجلتها وحصان ضايع.
      
      أجاثا فضلت ساكتة في ركن، شفايفها بترسم ابتسامة مستخبية. هي مكنتش عايزة حد يقول عليها مربية. المربيات عادة كانوا ستات من طبقة النبلاء الصغار اللي بيلاقوا نفسهم محتاجين يكسبوا فلوس. أجاثا كانت محتاجة فلوس، بس هي مكنتش من النبلاء. هي كانت مجرد خادمة لحد ما معلمتها السابقة، ماري هافرستون، علمتها القراءة ووفّرت لها مدرسين عشان تكمل تعليمها العالي.
      
      هي كانت بتفضل إنهم يقولوا عليها مدرسة بدل مربية، وهي كانت عارفة إن عيلة "إيفرارد" عارفين ده كويس جداً. هي نادراً ما كانت بتدي تلامذتها دروس عن الأتيكيت الصح أو الأدب، عشان لو ركزوا فيه، كانوا أحسن منها. خبرتها كانت في الحساب والعلوم، بس التوأم، بالرغم من إمكانياتهم الكبيرة، مكنوش بيبينوا اهتمام كبير بالمواد دي. في الحقيقة، هما كانوا بيحبوا القصص أكتر – الرومانسية بالذات.
      
      إيما و إيزابيلا إيفرارد مكنوش توأم بجد. هما اتولدوا بفارق تسع شهور بس، وإيما كانت الأصغر فيهم. اتولدت بدري، وكل الناس كانت فاكرة إنها مش هتعيش. لكن، إيما المغامرة والذكية جداً كبرت وبدأت تعمل مشاكل جنب أختها الكبيرة، إيزابيلا.
      
      كل الناس كانت بتقول عليهم توأم، وهما مكنوش بيعترضوا. الاتنين كان شعرهم أسود وعنيهم خضرا زي كل أطفال عيلة "إيفرارد"، بس إيما كان وشها أنحف شوية بينما إيزابيلا كان وشها مليان من الأطراف.
      
      "أنتوا الاتنين لازم تلاقوا عريس قبل الموسم الثاني أو الثالث ليكم،" صوت السيدة "أليس" كان بيقول، وده رجع انتباه أجاثا تاني جوه صالون عيلة "إيفرارد" الكبير.
      
      "هي لازم تلاقي عريس الأول،" قالت إيزابيلا وهي بتشاور على أختهم الكبيرة، مارجريت، اللي كانت قاعدة بهدوء على كرسي وكتاب في إيدها.
      
      مارجريت، زي أجاثا، كانت عدت سن الجواز وهي عندها سبعة وعشرين سنة. أجاثا كانت دايماً بتتساءل ليه الست دي مفيش عندها أي اهتمام بالجواز. مش عشان مكنش عندها عرسان، بالعكس أخت "إيفرارد" الخامسة كانت من أكتر الناس اللي بيتمناها في "ويكهيرست". مع شكل عيلة "إيفرارد" المميز من الشعر الأسود والعينين الخضرا، أنفها الرقيق وبشرتها المشرقة ضافوا لمسة من الكمال لجمالها. بس عقلها الذكي هو اللي كان بيدهش أجاثا أكتر حاجة. مارجريت كان ممكن تتجوز أي حد تتمناه.
      
      "أنا مش فاكرة إني—" بدأت مارجريت، بس إيما قاطعتها وقالت، "مش لازم نتجوز بجد،" وهي بتقلب عينيها. "لو جبنا أطفال، مش هياخدوا اسم "إيفرارد". فليه نتعب نفسنا بجد؟ عندنا الإخوة اللي يجيبوا ورثة كتير للألقاب اللي عمرنا ما هنورثها."
      
      "طب، أنا عكسك أنتي وماجي، أنا ناوية أتجوز. بس أتفق إن دلوقتي مش الوقت المناسب،" إيزابيلا قالت لإيما، وهي بتقوم من مكانها. "عشان كده لسه فيه حاجة لأجاثا."
      
      "ممكن تبقى رفيقتي،" اقترحت مارجريت، وعينيها نورت فجأة من الحماس. "أجاثا، تحبي تكوني رفيقتي؟"
      
      "هتبقى رفيقتنا لو اختارت إنها تبقى رفيقة يا ماجي،" إيما اعترضت.
      
      أجاثا كحت عشان تكسر صمتها. "أنا بتفق إن خدماتي كمربية مبقتش ضرورية لأي واحدة فيكم،" قالت للتوأم.
      
      التوأم بدأوا يعترضوا، بس أجاثا كملت بهدوء وقالت، "أنتوا الاتنين عندكم سبعة عشر سنة وهتظهروا لأول مرة في موسم "جرانفيل" ده."
      
      "هموت في الموسم ده، أقسم بالله،" إيما قالت، وهي بتقلب عينيها. "لو مش من الملل الشديد، يبقى أكيد من الياقات العالية السخيفة."
      
      "أجاثا هتكون الرفيقة المثالية للموسم الأول لينا،" إيزابيلا قاطعت.
      
      "أنا مش شايفه إن فيه دور ليا هنا—"
      
      "زي ما قلت، ممكن تكوني رفيقتي،" مارجريت أصرت.
      
      "أنتِ عملياً فاتك سن الجواز يا ماجي،" إيما قالت بملل. "مش محتاجة رفيقة."
      
      السيدة "أليس" تنهدت تنهيدة طويلة. "إحنا خرجنا خالص عن موضوعنا الأول. كنا بنتكلم عن العرسان المناسبين في "ويكهيرست" قبل ما الاتنين دول يحرفوا مسارنا عمداً." ضيقت عينيها على التوأم. "وأنتوا الاتنين محتاجين عريس."
      
      "عريس؟ لينا إحنا الاتنين؟ وهنشاركه؟ يا ماما، أكيد فيه رجالة كفاية في البلدة!" إيزابيلا صرخت برعب مصطنع.
      
      "ده مش اللي قصدته!" صوت السيدة "أليس" الحاد خلى الكل يتألموا وهي بتهوي على نفسها بإيدها. "أنتوا يا عيال بتموتوني."
      
      "أنا أعتقد إن القتل أقل أولوياتنا—"
      
      "إيما،" حذرت أجاثا، وهي بتهز راسها. البنت قفلت بقها واتأففت. "أنا آمل ألاقي شغل جديد قبل ما الموسم ده يخلص."
      
      "أجاثا وأنا بالفعل ناقشنا خططها،" قالت السيدة "أليس" فوق أنينهم. "مفيش حاجة تقدروا تعملوها."
      
      "مفيش حاجة تقدروا تعملوها في إيه؟" سأل صوت من مدخل الباب. كل الرؤوس لفت في نفس واحد. "إيه اللي بيحصل؟"
      
      بعينيه الخضرا الثاقبة وحاجبه المرفوع علامة استفهام، "بينديكت إيفرارد" استكشف الغرفة. نظره لمس أجاثا بسرعة قبل ما يحول انتباهه بسرعة لأمه وأخواته.
      
      
      
      
      
      
      "بينديكت!" صرخت إيزابيلا.
      "أنت لسه واصل حالا؟" سألت السيدة أليس.
      "أيوه. الظاهر ولادك سابوا شغل كتير مش خلصان قبل ما يختفوا في رحلة الصيد بتاعتهم."
      "بس أنت بتخلص كل شغلك في ديفونشاير،" قالت مارجريت وهي متلخبطة.
      "أنا كنت فاكراك مش هترجع البيت إلا بعد الأجازات؟" إيما ضافت وهي مكشرة.
      "عندي حاجات مهمة تانية لازم أتعامل معاها في ويكهيرست،" قال وهو بيتكلم بلامبالاة. "محدش رد على سؤالي."
      "مفيش حاجة. إحنا كنا بنناقش قلة المتجوزين في العيلة دي،" مارجريت كدبت بسلاسة.
      "أنا معرفش عن الباقيين، بس أنا هتجوز – أتمنى يكون قريب،" قال بنديكت، فكه المستطيل كان صلب كالعادة، والندوب البيضا اللي على وشه – اتنين طوال على اليمين، وواحدة تانية على الشمال، كانوا شبه شفافين تحت ضوء الصالون.
      
      حواجبه الكثيفة كانت مرفوعة شوية، وكأنه متوقع إن عيلته هتضحك على كلامه. بس مفيش حد عمل كده. كانوا لسه بيفكروا إذا كان بيهزر ولا لأ.
      أجاثا كانت من ضمنهم. في التسعة عشر شهر اللي قضتهم مع عيلة إيفرارد، أجاثا شافت بنديكت إيفرارد في مناسبات قليلة جداً. بما إنه كان بيقضي معظم وقته في عزبة ديفونشاير بتاعته، ومبيجيش ويكهيرست إلا كل فترة عشان يطمن على العيلة أو يتعامل مع أمور الشغل، أجاثا كانت تقدر تعد على صوابع إيد واحدة المرات اللي حاول فيها يهزر. للأسف، مفيش ولا لحظة من اللحظات دي جابت ضحك تلقائي أو تسلية.
      كأكبر أولاد إيفرارد، ورب البيت، بنديكت إيفرارد، لورد ديفونشاير، كان بيعتبره كل الناس تقريباً – بما فيهم اللي مش من العيلة، بس بالذات العيلة – ممل وجاف جداً. وشه اللي مليان ندوب، واللي دايماً كان بيبان جاد زيادة عن اللزوم، مغيرش كتير من نظرة الناس ليه، ولا هو حاول يغير آراءهم. بنديكت إيفرارد مكنش من النوع اللي بيتكلم كلام فاضي، وكان بيفضل الصمت على الكلام.
      هي كمان كانت تقدر تعد على صوابعها المرات اللي لف فيها ورمى سؤال عليها لما كانوا في نفس الأوضة. وكل الأسئلة كانت دايماً عن أخواته. ممكن الواحد يقول إنهم غرب. هو ميعرفش عنها حاجة، وهي بطريقة ما عملت انطباع إنها مش مهتمة تعرف عنه أكتر، بالرغم من إن كل حاجة عن بنديكت إيفرارد كانت بتثير فضولها.
      أولاً، مصدر ندوبه، الموضوع اللي مفيش مرة اتناقش جوه البيت، كان لغز كبير بالنسبة لها. أجاثا كمان ساعات كانت بتتساءل إزاي يقدر يمضي يوم كامل من غير ما ينطق كلمة واحدة. ساعات، زي النهاردة كده، هي مكنتش بتاخد بالها إنه رجع ويكهيرست إلا لما بيكون مشي.
      يمكن من الأسباب الكتير اللي خلت بنديكت إيفرارد ميتعتبرش أبداً ساحر هو إنه محاولش أبداً يكون كده. حضوره كان بيجذب الانتباه من غير ما يحتاج يعلي صوته؛ كلامه، لو اتكلم أصلاً، كان ممكن يكون جارح. في المرات القليلة اللي قعدت فيها في نفس الأوضة معاه، هو نادراً ما كان بيتحمل عدم الكفاءة، أو الغباء، أو الجهل، ومفيش حاجة كانت بتضايقه أكتر من لما الناس ميفهموش هو بيتكلم عن إيه.
      هو الوحيد في عيلته اللي كان بياخد الأمور بجدية تامة عشان إخواته مكنوش مختلفين عن الباقيين. هو بنديكت إيفرارد اللي عيلته كانت بتنظر له بمزيج من الاحترام والخوف، وأمه بالذات كانت كده. مجرد إشارة من إيده كانت ممكن تسكت الكل، ونظرة واحدة كانت ممكن تخلي التوأم ساكتين لساعات.
      أجاثا سمعت خادمة بتقول إنه كان لورد ديفونشاير بقاله فترة طويلة لدرجة إن ده ممكن يكون خلاه صلب زي المجوهرات اللي بيطلعوها من المناجم. هو شال كل المسئوليات لما أبوهم مات، وهو أخدها بجدية زيادة عن اللزوم. هي سمعت السيدة أليس بتشتكي من نفس الحاجة دي مرات لا تحصى.
      "إيه قصدك إنك هتتجوز؟" كانت السيدة أليس هي اللي كسرت الصمت أخيراً.
      أجاثا بصت في وشه بتركيز، وهي بتدور بيأس على أي إشارة للي بيفكر فيه أو حاسس بيه، بس مفيش فايدة. هو كان صعب إنك تفهمه.
      "طلبت إيد ليدي فرانسيس هايمور. أنا لسه مستني، بس أنا متفائل إنها هي وعيلتها هيوافقوا." الطريقة العادية اللي قال بيها الخبر هي اللي خلت الكل يصعب عليه يصدق. ومع ذلك، هو كمان الاسم اللي ذكره هو اللي خلى الكل يشهقوا من المفاجأة.
      أجاثا شافت وش بنديكت بيتشنج، إشارة خفية لابتسامة. "هما هيجوا يتعشوا معانا بعد تلات أيام من دلوقتي، وأنا متوقع مفيش غير أحسن تصرف." عينيه مسحت الأوضة، ووقفت تاني على أجاثا لثانية واحدة بس قبل ما تبعد. "بس كده،" قال للسيدات اللي كانوا فاتحين بقهم من الصدمة. قبل ما يخرج من الصالون، ضاف، "أنا هشتغل في مكتبي وأتمنى محدش يزعجني."
      بينديكت اختفى في لحظة، زي دايماً. أجاثا رمشت كذا مرة، مش متأكدة من اللي شافته، أو إذا كان هو موجود أصلاً.
      "إحنا كلنا سمعنا نفس الحاجة؟" كانت إيما هي اللي كسرت الصمت أخيراً. "إيسا، قوليلي إيه اللي سمعتيه بنديكت قاله."
      "طلب إيد ليدي فرانسيس هايمور للجواز. وهما هيتعشوا معانا."
      وبعدين قامت القيامة.
      "يا إلهي! أكيد ده حقيقي! لازم يكون حقيقي!" السيدة أليس قامت وجريت بره الباب، ووراها مارجريت وبعدين التوأم. "بينديكت!" صوت السيدة أليس اختفى وهي وبناتها بيجروا ورا بنديكت.
      لما فضلت لوحدها، أجاثا أجبرت ابتسامتها اللي متعودة عليها بينما أصوات سيدات إيفرارد الفرحانة كانت طالعة من مكان ما من فوق.
      بينديكت إيفرارد؟ هيتجوز؟ أجاثا كانت مذهولة. هو دايماً كان بيرفض الفكرة، ومحدش كان بيسترأ يفرضها عليه.
      "هايمور!" صوت السيدة أليس تردد من مكان ما.
      "بس هما شقر!" إيما أو إيزابيلا ناحت. "هي مش رفيعة زيادة عن اللزوم؟" إيما أو إيزابيلا ضافوا.
      "أنتِ متأكدة إنهم هيوافقوا؟ هما مش بيحبونا،" سألت مارجريت.
      أجاثا سمعت الشائعات اللي بتقول إن عيلة هايمور كانت من القليلين اللي مكنوش بيحبوا عيلة إيفرارد. كان بيتقال في الهمس إن في وقت من الأوقات، لورد هايمور اتهم عيلة إيفرارد إنهم بيطاردوا مناجم الياقوت بتاعته. القيل والقال كمان قال إن ليدي هايمور حذرت صاحباتها إنهم يبعدوا بناتهم عن إخوة إيفرارد الأشرار.
      "اخرسوا بقى يا تلاتة،" قالت السيدة أليس. "فرانسيس العزيزة مش زي أهلها خالص."
      أجاثا بلعت الإحساس بعدم الارتياح اللي كان بيتكون جواها. رمشت كذا مرة قبل ما تحاول تقف، بس لقت نفسها مش قادرة تتحرك.
      سخرت بعدم تصديق.
      بينديكت إيفرارد، الوحش، هيتجوز؟
       
      

      مدينة الناجين - روايه فانتازيا

      مدينة الناجين

      2025, Adham

      خيال علمي

      مجانا

      عالم غمرته كارثة الزومبي، تجد ديان نفسها مجبرة على الفرار من منزلها بعد حريق غابة. تتبع صديقيها كايلي وإيفان إلى قاعدة عسكرية، في رحلة محفوفة بالمخاطر عبر طرق موبوءة بالزومبي. يكشف وصولهم إلى القاعدة عن تحديات جديدة، حيث يجب عليهم التكيف مع نظام صارم وتحديد أدوارهم في مجتمع الناجين، بينما يواجهون حقيقة أن حياتهم لن تعود أبدًا إلى طبيعتها.

      إيفان

      صديق مشترك لديان وكايلي. يعمل ميكانيكيًا ولديه خبرة واسعة في إصلاح السيارات والمركبات الثقيلة. يتسم بالهدوء والواقعية، ولديه روح الدعابة الخفيفة.

      ديان

      شابة في الخامسة والعشرين من عمرها، تعاني من حالة صحية نادرة تتطلب نشاطًا بدنيًا منتظمًا. تتميز بمعرفتها بالنباتات البرية الصالحة للأكل، وقدرتها على إيجاد حلول عملية في الأزمات. تتسم بالهدوء والملاحظة الدقيقة لما يدور حولها.

      كايلي

      صديقة ديان المقربة، تبلغ من العمر أربعة وعشرين عامًا. تُعرف بشخصيتها المفرطة الحماس والعصبية، وتجد صعوبة في التكيف مع الوضع الجديد. قبل الكارثة، كانت تعمل في محل بقالة، وتبرع في الطهي والتنظيف.
      تم نسخ الرابط
      مدينة الناجين

      تفقدت الساعة بينما أُجهّز بعض البيض للإفطار. توقعت أن يرن هاتفي في أي لحظة الآن. كان الأول من أبريل، وهذا يعني أنه يوم كذبة أبريل. كان من الجيد أنني أعيش على بعد عشر دقائق بالسيارة من منزل صديقتي، فقد تلومني كايلي على ما فعله إيفان.
      
      بدأ هاتفي يرن، وألقيت نظرة على شاشة المكالمات قبل أن أجيب. "مرحباً، كايلي."
      
      "لا أصدق ذلك! ديان، هل ترين هذا؟!" كانت دائماً مفرطة الحماس…
      
      تظاهرت بأنني ليس لدي أي فكرة عما تتحدث عنه. "أرى ماذا؟"
      
      "شغّلي التلفاز على الأخبار. لن تصدقي هذا..."
      
      لم يكن ذلك هو الرد الذي توقعته. "أعطيني ثانية."
      
      سحبت البيض عن الموقد وذهبت إلى غرفة معيشتي لتشغيل التلفاز. ملأت صور لأشخاص يصرخون ويهاجمون بعضهم البعض كالحيوانات المسعورة الشاشة وصدمت أذني.
      
      قلّبت عيني من إغفالها. "كايلي. أي يوم هو اليوم؟"
      
      "آه... السبت. لماذا؟"
      
      "أي يوم من الشهر؟ أتذكرين تلك المدونة الإلكترونية التي أريتني إياها الأسبوع الماضي؟"
      
      "الأول من أبريل - أووه... صحيح، تلك المجموعة الحاسوبية الضخمة وعدت بمحاولة اختراق محطات الأخبار. انتظري لحظة – ديان، ماذا فعلتِ؟"
      
      "لا شيء. أنا بريئة هذه المرة."
      
      ارتفع صوت كايلي في عدم تصديق. "لا أصدقك! ماذا فعلتِ؟"
      
      "تحققي مع إيفان، قد يكون لديه فكرة. يجب أن أذهب، أتحدث معك لاحقًا!"
      
      "ديان-" طق.
      
      ربما ستظل تلومني حتى لو كنت بريئة بالفعل. ابتسمت بينما تخيلت وجهها ونظرت فوق كتفي للتأكد مرة أخرى من أن الباب الأمامي لا يزال مغلقًا. كانت كيس دوريتوس مُلصقًا بالفعل بالجانب الآخر من الباب كعرض صلح في حال ظهرت وتمكنت بطريقة ما من الحصول على مفتاح للتسلل إلى الداخل.
      
      ضحكت وعدت إلى المطبخ بينما رفعت شعري البني الطويل حتى الخصر في ذيل حصان. أعدت مقلاة البيض إلى الموقد بينما استمر مراسل الأخبار على الشاشة يتحدث بسرعة، "الناس يصابون بأعراض شبيهة بداء الكلب ويحاولون عض أي شخص يمكنهم الإمساك به. التقارير تأتي من العديد من البلدان، وجميعها تبلغ عن نفس الشيء. المستشفيات مكتظة، ويُنصح الناس بالبقاء في الداخل-"
      
      أوقفت طلقات نارية مراسل الأخبار. نظرت إلى الشاشة لأرى أشخاصًا يرتدون زي الشرطة الأجنبية يطلقون مسدساتهم على أشخاص بعيون حمراء. اهتزت أجسادهم بالرصاص، لكنهم لم يُظهروا أي علامة على الألم وهم يواصلون السير نحو الضباط.
      
      زومبي... إلى أي مدى يمكن أن يصبحوا غير واقعيين؟ إذا نزف شخص حتى الموت، فإنه يموت. أو على الأقل، ينهار لأن العضلات لم تعد تحتوي على أي أكسجين. يبدو أن هؤلاء المتسللين نسوا عرض هذا على عدد قليل من أصدقائهم لأغراض ضمان الجودة... أو ربما كانوا مواطنين صالحين بضمان أن معظم الناس سيدركون أن هذه الفيديوهات مزيفة بوضوح.
      
      رن. رن. كان هاتفي يرن أكثر من المعتاد هذا الصباح، وهو ما لم يكن دائمًا شيئًا جيدًا. نظرت بحذر إلى الاسم على الشاشة، لكنه كان إيفان فقط.
      
      بابتسامة مرتاحة، أجبت. "صباح الخير، إيفان. أفترض أن كايلي اتصلت بك؟"
      
      سمعت ضحكات في الخلفية، بالإضافة إلى أدوات كهربائية. كان صوت إيفان خفيفًا يملؤه المرح بينما جاء عبر الهاتف. "نعم، هل أخبرتيها بما فعلته؟"
      
      "لا، لم أفعل، لكنها تحاول لومي. ما كل هذا الضحك في الخلفية؟ هل قمت بمزحة أحدهم هناك أيضًا؟"
      
      "لا، الجميع في العمل يشاهدون الأخبار ويضحكون على هذه المزحة السخيفة ليوم كذبة أبريل. لا يمكن أن يظهر وباء في أكثر من نصف دول العالم خلال اثنتي عشرة ساعة."
      
      نظرت إلى الساعة مرة أخرى. "لماذا أنت في العمل مبكرًا جدًا؟"
      
      شهق بخفة على سبيل المزاح. "فقط لأتأكد أن كايلي لا تستطيع العثور علي بسهولة. بمجرد أن تفكر في الأمر، ستعرف أنني مذنب بوضع لمعان في مجفف شعرها. شاهدتني أشتريه الشهر الماضي."
      
      "حسنًا،" قلت، "استمتع بوقتك!"
      
      "لا يُفترض أن يستمتع الناس عندما يكونون مختبئين." أغلق إيفان الهاتف بينما نادى أحدهم اسمه في الخلفية.
      
      جلست كايلي وإيفان بصمت بجانبي على الأريكة بينما كنا نستمع إلى الراديو القديم. لم يكن أحد يضحك الآن. في الواقع، ما لا يقل عن ربع سكان العالم إما ماتوا أو أصبحوا أحياءً أمواتًا. لم نكن الوحيدين الذين تجاهلوا مقاطع الفيديو باعتبارها مزحة كذبة أبريل – فقد كلف ذلك الكثير من الناس حياتهم.
      
      الزومبي كانوا حقيقيين.
      
      كنت لا أزال أحاول استيعاب ذلك. ظهرت الحالات الأولى التي عُرضت على محطات الأخبار قبل خمسة أيام، وكان خطؤنا أننا رفضناها باعتبارها مزحة. سكتت معظم البلدان، ولم تعد ترسل أي نوع من الاتصالات بينما أصبحت مدن بأكملها ملاعب للزومبي – والفيروس لا يزال ينتشر بسرعة جنونية.
      
      تأثرت المناطق ذات الكثافة السكانية العالية في جميع أنحاء العالم بشدة وسقطت بسرعة، على الرغم من أن الآثار كانت تُشعر بها حتى في بلدتنا النائية في ألبرتا. ساعد التوزيع السكاني الأكثر تشتتًا في كندا، ولكن على الرغم من عدم الإبلاغ عن العديد من الزومبي في البلاد، فقد فقدنا الطاقة هذا الصباح، مما أجبرنا نحن الثلاثة على البحث في لوازم التخييم القديمة الخاصة بي.
      
      كان صوت امرأة لا يزال يأتي من راديوي الذي يعمل بالبطارية بينما كانت تنقل آخر الأخبار التي لديهم. كنا قد سمعنا كل ذلك بالفعل هذا الصباح، لكننا لم نستطع أن ندفع أنفسنا لتغيير القناة. بالإضافة إلى ذلك، لم يكن هناك شيء على الأثير سوى هذا الحدث الأخير الذي كان يدمر الإنسانية والحضارة ويسقطها على ركبتيها. إيقافه سيؤدي إلى الصمت – وهو شيء لم نرغب به حقًا أيضًا.
      
      "تدعي تقارير المختبر أن هذا الفيروس هو في الواقع طفرة من سلالة تم إنشاؤها في المختبر وصُممت لمكافحة الفيروسات والبكتيريا. إنه شديد العدوى وأي اتصال بسوائل الجسم سينشره. أبلغ العديد من الأشخاص عن إصابتهم بصداع نصفي قبل دقائق من تحولهم، ولكن بخلاف ذلك، لا توجد أعراض حتى تحدث النوبات."
      
      الفيروس الأصلي كان ينتشر عن طريق العطس بدون أي آثار جانبية أخرى، وهذا ما جعله ينتقل إلى كل بلد تقريبًا دون suspicion. بطريقة ما، كان للفيروس مؤقت داخلي تسبب في تحوره في نفس الوقت تقريبًا وبنفس التأثير.
      
      "هذا سيء حقًا،" قال إيفان، متأوهًا بخفة من الإحباط. "حتى لو كان الفيروس الحالي لا ينتشر إلا عن طريق الدم أو اللعاب، فإن فترة حضانة هذا الفيروس الجديد تتفاوت بشكل كبير لدرجة أنها تجعل الاحتواء شبه مستحيل."
        
      
      
       لم يرد كل من كايلي ولا أنا. كنا جميعًا نعلم أنه ينتشر كالنار في الهشيم. كان الناس الفارين من الفوضى يركضون بلا هدى وهم يحاولون الهروب من الخطر، وبالتأكيد سيصاب البعض، لكن الزومبي أنفسهم كانوا الخطر الرئيسي.
      
      لم يكن هؤلاء الزومبي يلتزمون بقواعد هوليوود أيضًا. فقد تم الإبلاغ عن عدة حالات حيث دخلت رذاذ الدم إلى فم شخص أو عينيه أثناء إطلاق النار على زومبي. وقد تحولوا هم أنفسهم إلى زومبي.
      
      تومض عينا كايلي بتوتر إلى النوافذ المختلفة، بدت أكثر قلقًا من إيفان. نظرت إليّ، التقت عيناها البنيتان الفاتحتان بعينيّ البنيتين الداكنتين، قبل أن تعود إلى إيفان مرة أخرى.
      
      قالت: "أسوأ جزء هو أننا ليس لدينا طريقة لمعرفة ما إذا كان شخص ما مصابًا أم لا. لم يقل أحد كم من الوقت لدى المصابين قبل أن يتحولوا إلى زومبي. على حد علمنا، تلك النوبة التحسسية التي أصابتني قبل شهرين كانت في الواقع الفيروس الأول وأنا مجرد قنبلة موقوتة."
      
      "لا،" قال إيفان، وهو يهز رأسه معترضًا. "كانت تلك عطلة نهاية الأسبوع التي حاولت فيها تنظيف علية منزلك. لقد حذرتك من استخدام قناع الغبار، لكنك لم تفعلي. نحن لسنا مصابين، لكن من يدري كم من الناس المسافرين قد يكونون كذلك."
      
      نظرنا جميعًا نحو النوافذ. كانت الستائر مفتوحة للسماح بدخول الضوء – وأيضًا للسماح لنا برؤية طريق خلفي مرصوف حيث كان عدد كبير بشكل غير عادي من المركبات يتجه شمالًا. بالنظر إلى عدد المركبات التي كانت تتسابق على هذا الطريق السريع الصغير والنائي خلال الأيام الأربعة الماضية، فإن كلمات إيفان لم تكن مطمئنة تمامًا.
      
      كسرت كايلي الصمت. "إذن، حتى يصاب شخص ما بنوبات ويستيقظ فجأة بعيون حمراء ساطعة ومحتقنة بالدم، نحن آمنون إلى حد ما؟ لقد اجتاح الزومبي جميع الولايات الجنوبية تقريبًا في الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في الشرق، والولايات الشمالية بالكاد صامدة. لا توجد طريقة تتوقف بها الزومبي عند الحدود وتطلب بأدب السماح لها بالدخول."
      
      كانت محقة. لم أكن متأكدة حتى من أنني أريد التفكير في مدى ازدحام الطرق السريعة الرئيسية. كان الناس يفرون شمالًا إلى كندا في محاولة للهروب من الأهوال التي خلفهم. الفيروس – والزومبي – محتم أن يتبعهم. ومما زاد الطين بلة، كان هؤلاء الزومبي يكادون يكونون من المستحيل القضاء عليهم بشكل ديدم. لا شيء يبدو أنه يزعجهم.
      
      يمكن أن ينزفوا دون أي رد فعل ولا يمكن إفقادهم الوعي تمامًا. تذكرت الفيديو من القناة الإخبارية الذي يظهر الشرطة تفرغ مئات الطلقات في زوج من الزومبي المقتربين، وبصرف النظر عن الارتداد الخلفي للرصاص، لم يتأثروا أو حتى يتباطأوا كثيرًا بالجروح.
      
      شهق إيفان بخفة على سبيل المزاح من مزحتها غير المقصودة. "الزومبي في الأفلام لم يطلبوا قط، وأشك بشدة أنهم سيفعلون ذلك في الحياة الواقعية."
      
      "أتذكر تلك الأفلام التي قالت إن أي إصابة في الدماغ ستقتل الزومبي؟" سألت كايلي. "هل تتخيل لو كان هذا مثل (شون الموتى)؟ سيكون هذا أسهل بكثير لو كان كذلك..."
      
      ارتعش إيفان قليلًا. "نعم، كانوا مخطئين. لقد ظن الكثيرون أن الأمر سيكون بهذه البساطة، وهم ليسوا على قيد الحياة بالضبط ليندموا على ذلك. الطريقة الوحيدة لقتل تلك الكائنات هي قطع الرأس عن الجسم تمامًا، وهذا ليس سهلاً بالضبط – خاصة إذا أخذت في الاعتبار تناثر الدم."
      
      واصلت الصمت وأنا أخلع نظارتي وأفرك عيني بتعب. الأشخاص الذين اعتمدوا على الأسلحة النارية لم يعيشوا طويلًا بما يكفي ليتعلموا من أخطائهم. لقد استعدت الحكومات للعديد من المواقف، مثل الحرب والفيضانات وحرائق الغابات والأعاصير والزلازل، وحتى اصطدام نيزكي...
      
      الزومبي. تخيل!
      
      حتى خطط النجاة من الزومبي للأفراد المتطرفين كانت تعتمد على إصابات الدماغ لإيقاف الزومبي. لم يكن غزو الزومبي سهل النجاة منه كما توقع الناس. ربما كان عدد قليل منهم في مأمن في بعض المخابئ تحت الأرض، لكن الأغلبية كانوا يحاولون ببساطة البقاء على قيد الحياة – وهذا يعني الابتعاد عن الزومبي.
      
      صوّرت العديد من الأفلام الزومبي على أنهم مخلوقات بطيئة ومتعثرة ومشتتة تشبه إلى حد كبير مراهقًا سكرانًا بشدة. مرة أخرى، أخطأت هوليوود.
      
      بثت محطات الأخبار أكبر عدد ممكن من مقاطع الفيديو التي تمكنت من إقناع طواقم الأخبار بتصويرها. كان معظم الزومبي يمكنهم الحفاظ على وتيرة أسرع من المشي السريع. كما أنهم يستطيعون الرؤية جيدًا ولديهم حاسة شم جيدة. على الرغم من أنهم، بأسلوب هوليوود النموذجي، لم يتعبوا أبدًا. كان هذا مزيجًا خطيرًا أنهى بشكل دائم مسيرة أكثر من عدد قليل من طواقم الأخبار.
      
      ومع ذلك، لم تكن الزومبي أذكى المخلوقات. كانوا عاجزين إلى حد كبير عن التسلق الحقيقي، لدرجة أنهم فشلوا في إدراك أنهم يمكنهم تسلق سياج شبكي بطول ستة أقدام. لكنهم كانوا أقوياء، وإذا دفع بضعة عشرات من الزومبي سياجًا كهذا أثناء محاولتهم الوصول إلى شخص ما، فلن يدوم السياج طويلًا. بمجرد أن يتحول الشخص المصاب، فإنه يتحرك ببطء أكثر، ولكنه يصبح أقوى بكثير.
      
      باستثناء السريعين.
      
      لسبب ما، بين الحين والآخر، لن يكون الزومبي بطيئًا. في الواقع، يمكنهم التحرك أسرع من معظم الناجين. كانوا خطرين للغاية لأنهم ينجذبون بشدة إلى الحركة وسيتخلون عن ضحية مصابة مفضلين مطاردة الآخرين الذين يهربون. بسبب سرعتهم، أُطلق عليهم اسم السريعين من قبل القليل جدًا من الناجين الذين تمكنوا من الخروج من المنطقة أحياءً.
      
      كانت كايلي تتصفح ببطء العديد من الصفحات على الطاولة. كنت سعيدة جدًا لأنني قمت بطباعتها قبل انقطاع الكهرباء. معظم ما طبعته كان أدلة حول النباتات الصالحة للأكل، على الرغم من أنني كنت أعرف أكثر من معظم الناس في منطقتي بسبب حبي للأنشطة الخارجية.
      
      بدون كهرباء، لم يعد حاسوبي وطابعتي خيارًا، على الرغم من أن هواتفنا كانت لا تزال تعمل. لم يكن هذا يعني الكثير، حيث اختفت المزيد والمزيد من المواقع الإلكترونية في صحراء الإنترنت – ومن المحتمل أن تكون غرف خوادمها بلا طاقة أيضًا. ومع تعطل حاسوبي، فقدت أيضًا دليلي المفضل – جوجل. أدركت أخيرًا مدى تكراري استخدام جوجل للبحث عن الأشياء، وكوني محاصرة في الداخل أثناء كارثة الزومبي جعلني أفتقد وجوده حقًا.
      
      كانت كايلي وإيفان يقيمان في منزلي لأن منازلهما كانت في وسط المدينة وأرادا تجنب الناس في حال الإصابة. كنا نأمل أن يزول كل هذا في غضون أسابيع قليلة وأن تعود الحياة إلى طبيعتها تقريبًا. بالنظر إلى عدد البلدان التي انهارت بالفعل، كان أملًا مشكوكًا فيه – وكان الجميع يعلم ذلك.
      
      وضعت كايلي الأوراق والتقطت هاتفها الخلوي لإجراء فحص سريع. شهقت بقلق، ونظر كلانا إليها بقلق، متسائلين عما كانت تراه. بعينين واسعتين، رفعت هاتفها حتى نتمكن من رؤيته.
      
      "هذه هي صفحة تويتر الجديدة لـ رصد زومبي ألبرتا. كان هناك أكثر من اثني عشر مشاهدة لزومبي في كالجاري في الساعة الأخيرة."
      
      دبّت القشعريرة في عمودي الفقري بينما تمتمت، "هذا ليس جيدًا. كالجاري تبعد ساعتين فقط عن هنا بالسيارة."
      
      نقرت كايلي على هاتفها بضع مرات أخرى بينما حاولت بسرعة فرز الفوضى للحصول على مزيد من المعلومات. عندما تحدثت، اهتز صوتها، "هناك حالات مؤكدة في ما لا يقل عن اثنتي عشرة مدينة أخرى في ألبرتا أيضًا."
      
      تأوه إيفان قبل أن يسقط رأسه بين يديه، متمتمًا، "حسنًا، كنا نعلم أن الزومبي سيظهرون في كندا في النهاية. ماذا عن المقاطعات الأخرى؟"
      
      "أممم... دعني أتحقق." حدقت بصمت في الشاشة لبعض الوقت قبل أن تمرر هاتفها ببساطة إلى إيفان.
      
      أخذها في حيرة، متفحصًا الخط الصغير على الشاشة. بعد لحظة صمت، نظر إليّ وبدأ يتحدث بصوت مشدود، "لقد شوهد الزومبي في كل مقاطعة وإقليم في كندا – والمشاهدات تتزايد بشكل جنوني." توقف، وأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يتابع، "في الوقت الحالي، صفحات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت لمدينة تورنتو لتتبع الزومبي غارقة. ربع المنشورات من أولئك الذين ما زالوا يبلغون عن مشاهدات جديدة، وربع المنشورات يسألون عما إذا كان قد شوهد زومبي في مناطق معينة، وحوالي نصف المنشورات من أشخاص يتوسلون للمساعدة حيث يحاول الزومبي اقتحام منازلهم."
      
      كل ما استطعت فعله هو الجلوس هناك والنظر إليه في صدمة. كانت كايلي قد تحققت من تلك الصفحات مساء أمس، وباستثناء بعض الحوادث المعزولة حيث تم احتواء أو محاصرة الزومبي بسرعة، بدت الأمور طبيعية إلى حد ما. بدا الأمر وكأن الأمور أسوأ بكثير في شرق كندا في الوقت الحالي.
      
      جلست كايلي وإيفان أيضًا بهدوء، غير راغبين في كسر الصمت. لم يرغب أي منا في قول ذلك، لكننا جميعًا كنا نعلم الحقيقة. الحياة لن تعود إلى طبيعتها قريبًا.
      
      جعلنا صوت التشويش ننظر جميعًا إلى الراديو. المحطة التي كنا نستمع إليها لم تعد تبث، وهذا دليل آخر على انهيار الحضارة. مدت كايلي يدها للإمساك بالراديو وبدأت تتلاعب بالمفتاح بينما كانت تحاول العثور على محطة أخرى مباشرة. كانت معظم محطات الراديو تتوقف واحدة تلو الأخرى خلال الأيام القليلة الماضية. لقد استغرق منا الأمر خمس دقائق تقريبًا لالتقاط هذه المحطة هذا الصباح.
      
      حدق إيفان في الهاتف الخلوي الذي لا يزال في يده وتنهد. "مع انقطاع التيار الكهربائي، تعمل أبراج الهواتف الخلوية على بطاريات احتياطية. هل تدركون أن هذه البطاريات لن تدوم أكثر من يوم واحد على الأقل؟ لقد توقفت الهواتف الأرضية عن العمل بالفعل."
      
      نظرت كايلي وأنا إلى بعضنا البعض عندما تلقينا هذا الخبر غير السار. كنت أعتقد أن بطارية هاتفها الخلوي ستكون هي الحد الأقصى. لم يخطر ببالي أن هاتفها يعتمد على تلك الأبراج للوصول إلى الإنترنت.
      
      تجرأت كايلي على الرد. "أمم... أعتقد أننا نعلم الآن؟" نظرت إلى الأسفل في صمت بينما كانت تتلاعب بالراديو، ولم تُكافأ إلا بالتشويش.
      
      فجأة، كان الراديو ينطق بكلمات، والتي اختفت بنفس السرعة في التشويش عندما تصفحت القناة عن طريق الخطأ.
      
      قفز إيفان بحماس. "ارجعي! أرجعي المفتاح، بسرعة!"
      
      كانت كايلي تحاول بالفعل تحديد التردد العشوائي الذي وجدته دون قصد. بعد لحظات، ملأت الكلمات الغرفة.
      
      "-لا تغادروا مواقعكم إذا كنتم آمنين وترون مصابين في الخارج. أكرر، من فضلكم لا تغادروا مواقعكم إذا كنتم آمنين وترون مصابين في الخارج. لأولئك الذين ليسوا في موقع آمن وغير قادرين على العثور على واحد، قاعدة واينرايت العسكرية في ألبرتا لا تزال تعمل..."
      
      استمر البث لمدة خمس دقائق تقريبًا قبل أن يكرر نفسه. أطفأنا الراديو ونظرنا إلى بعضنا البعض. هل نبقى أم نذهب؟ كانت واينرايت شمال غربنا، على بعد ساعتين بالسيارة تقريبًا - إذا لم نواجه أي تأخير أو مشاكل.
      
      بعد بعض النقاش، قررنا البقاء. يمكننا الركض لاحقًا إذا احتجنا لذلك.
      
      
      
      
      
      
      بعد يومين، استيقظت على رائحة دخان خفيفة. بعد ساعات قليلة، أصبحت الرائحة أقوى بكثير وبدأت أشعر بالقلق. صعد إيفان شجرة بسرعة ثم نزل أسرع مما صعد.
      
      تحدث على عجل: "حريق غابة، والرياح تهب في هذا الاتجاه. يجب أن نغادر من هنا، بسرعة."
      
      لقد فُرض علينا الأمر. كان علينا المغادرة.
      
      قمنا بتحميل سياراتنا على عجل بأكبر قدر ممكن من الأغراض وبدأنا القيادة. كان هناك وقت كافٍ فقط لرمي الضروريات في سياراتنا، ولي لأخذ بضع صور لإيفان وكايلي ونفسي من مكتبي. كانت سحب الدخان تهب نحونا بفعل الرياح التي تزداد قوة.
      
      تبعت سيارة جيب إيفان خارج الممر والدموع تشوش رؤيتي قليلًا. كان هذا منزلي، وبه صور وذكريات لوالدي وأصدقائي قد لا أراها مرة أخرى. كان والداي يسافران في مكان ما في الجانب الآخر من العالم، ولم يكن لدي أي أقارب آخرين على قيد الحياة.
      
      أن أُجبر على الخروج منه كان أمرًا فظيعًا، خاصة وأنني لم أكن أعلم ما إذا كان سيبقى قائمًا بعد يومين. لم أكن أعلم حتى إذا كنت سأتمكن من العودة إلى هذا المكان. كان الزومبي يسيطرون على العالم وكان حريق غابة يهدد منزلي. لم يكن هذا من أفضل أيامي.
      
      لم يشهد الطريق الحصوي الوعر أمام منزلي الكثير من حركة المرور، لكن الطريق السريع المعبد الأكبر في المسافة كان قصة مختلفة. لا بد أن آخرين سمعوا البث الإذاعي، أو ربما كانوا يحاولون ببساطة الفرار من المدن الكبرى أو حريق الغابة. على الرغم من مرور أسبوع على تفشي الوباء، كانت الطرق لا تزال مزدحمة إلى حد ما.
      
      حرصت على إبقاء سيارة جيب إيفان في مرمى بصري، ممسكًا بقبضة قوية على عجلة القيادة بينما تمر بنا مركبات مختلفة وكأننا واقفون. كل بضع دقائق كنا نمر بمركبة مهجورة تركت متوقفة على جانب الطريق أو في الخندق؛ ربما نفد منها الوقود أو واجهت مشاكل ميكانيكية. كان مقياس الوقود في سيارتي يشير إلى أن لدي الكثير من الوقود المتبقي.
      
      بمجرد أن وصلنا إلى منتصف الطريق إلى واينرايت، انعطفنا إلى طريق سريع أكبر. كان به المزيد من المركبات المهجورة على جانب الطريق. تركت الأبواب مفتوحة وكأن الركاب كانوا في عجلة من أمرهم لإغلاقها.
      
      مددت عنقي عندما رأيت حركة أمامي – عدد قليل من الناس يركضون على حافة الطريق. كانت شاحنة مهجورة تحجب معظم رؤيتي في تلك اللحظة، ولكن بمجرد أن مررت بها، ألقيت نظرة أفضل على المجموعة. كان هناك بالغان وثلاثة أطفال. في نفس اللحظة، رأيت أيضًا أول زومبي لي. ثلاثة منهم على وجه الدقة، وجميع الثلاثة كانوا مغطين بكمية كبيرة من الدم.
      
      انقلب معدتي عندما لاحظت أن أحدهم كان فاقدًا لذراع. من الطريقة التي كان يحاول بها الإسراع بخطوة خلطية غريبة، لا بد أنه كان لديه عدد قليل من الإصابات الأخرى أيضًا. تسارع نبض قلبي عندما أدركت أن الزومبي كانوا يطاردون العائلة المذعورة بسرعة تشبه المشي السريع. كانت العائلة تتفوق على خصومها الأبطأ بسرعة كافية، لكنهم كانوا يتعبون. مما أتذكر، فإن الزومبي لن يتعبوا أو يتباطأوا.
      
      انحرفت سيارة جيب إيفان إلى جانب الطريق عندما ضغط على الفرامل بقوة، متوقفة أمام العائلة مباشرة. رأيت كايلي تقفز وتفتح الباب الخلفي بقوة، وتصرخ عليهم ليركضوا أسرع ويدخلوا. كان الزومبي خلفهم بحوالي عشرة أطوال سيارات. فكرت بسرعة، وسحبت سيارتي إلى جانب الطريق السريع. كان الزومبي أقرب إليّ منهم إلى كايلي، ولكن ليس بكثير.
      
      فتحت بابي ووقفت. أمسكت بأول شيء جاء في يدي ورميت علبة حساء عليهم بينما صرخت: "مرحباً، إلى هنا!"
      
      لطالما عرفت أن هدفي كان سيئًا، لذا حقيقة أنني أصبت أحدهم في الكتف صدمتني، على الرغم من أن الزومبي بدا أكثر حيرة مني. توقف ليحدق بصمت في العلبة التي ارتدت عن كتفه وكانت تتدحرج ببطء. توصلت إلى استنتاج مفاده أن هذا الرجل لم يكن الأذكى قبل إصابته.
      
      لقد تباطأ الزومبيين المتبقيين لرؤية ما كان يفتش عنه الآخر عن كثب. ثم نظر الأول إلى حيث أتى صوتي ورآني. لقد تفاجأت إلى حد ما بعينيه. كنت أعلم أنهما ستكونان حمراوين، لكنني لم أتوقع أن تكونا بهذا اللون الأحمر الزاهي. بعد مباراة تحديق استمرت ثلاث ثوانٍ، انطلق في اتجاهي بأقصى سرعة بدا أنها بنفس سرعة مشي السريع. كان صديقاه يتبعان عن كثب.
      
      إنه لأمر مدهش كم هو متغير البعد. خمسة عشر مترًا عند رمي علبة حساء على جسم متحرك هي مسافة هائلة. خمسة عشر مترًا مع ثلاثة زومبي يقتربون وهم مغطون بالدم هي مسافة قريبة جدًا لدرجة عدم الراحة.
      "حسنًا، حان وقت الذهاب،" تمتمت، وسرعان ما انخفضت إلى السيارة التي لا تزال تعمل قبل أن أضغط على دواسة الوقود.
      
      كان إيفان يبتعد ببطء بالفعل، ربما كان يراقبني أنا والسائقين الانتحاريين الآخرين في مراياه. كان السائقون المجانين في الغالب في المسار الأيمن، لحسن الحظ. اختفت الزومبي في الأفق، وانخفض معدل ضربات قلبي ببطء بينما كنا نقود أبعد.
      ظللت أفكر فيما حدث للتو. تمنيت ألا يكون أي من أفراد العائلة قد أصيب، أو أسوأ من ذلك، تعرض للعض. لكن عقلي ظل يعود إلى الزومبي. الغريب أن الزومبي لم يبدوا مميتين تمامًا كما صورتهم التقارير الإخبارية. مخيفين، نعم. مميتين، ليس تمامًا. كلما فكرت في الأمر أكثر، كلما عقدت العزم على تجنب التقليل من شأنهم لأنهم كانوا يسيطرون على بلدان بأكملها بمعدل ينذر بالخطر.
      
      لم أكن في أفضل حالاتي، لكن كان بإمكاني تجاوزهم لفترة قصيرة، آمل أن تكون طويلة بما يكفي ليجدوا شيئًا آخر أكثر إثارة للاهتمام. أو قد أتعثر في المزيد منهم، وفي هذه الحالة سأكون في مشكلة خطيرة إذا كنت متعبة بالفعل. وإذا صادفت أحد تلك الكائنات السريعة، فسأكون قد انتهيت. ربما كان أفضل طريق لنا هو تجنب الزومبي تمامًا...
      أوقفت أضواء الفرامل أفكاري عندما توقف إيفان بعد فترة وجيزة من فقدان الزومبي من أعيننا. ركنت خلفه وراقبت بينما خرج الجميع. كان غريبًا جدًا رؤية سبعة أشخاص يخرجون من سيارة جيب بها أربعة مقاعد فقط. هززت رأسي وأنا أخرج من سيارتي وسرت نحوهم.
      
      لم أستطع فهم ما كانوا يقولونه حقًا لأن الجميع كان يتحدث في وقت واحد. كانت الأم تبكي بارتياح وهي تعانق كايلي بامتنان. الفتاة الصغرى كانت لا تزال تصرخ وتتشبث بساق والدتها في نوبة هستيرية.
      سار إيفان بالقرب مني. "نفد الوقود من حافلتهم الصغيرة، وبينما كانوا يسيرون، عبر هؤلاء الثلاثة... الزومبي... الطريق وبدأوا في مطاردتهم. كنا أول من توقف للمساعدة."
      
      أومأت برأسي، لاحظت أنه يجد صعوبة في قول كلمة "زومبي". الكلمة لم تخرج من لسانه بسهولة. سألت: "هل أصيب أي منهم؟"
      "لا، كان ذلك أول شيء سألنا عنه."
      
      بتنهيدة عميقة من الارتياح، استرخيت، على الرغم من أنني ما زلت ألقي نظرة عليهم وأنا أبحث عن أي دم أو إصابات. آخر ما كنا نحتاجه هو أن يتحول أحدهم إلى زومبي بينما كانوا في السيارة.
      
      "يمكنني أن آخذ ثلاثة منهم،" قلت، "لكنني أفضل عدم أخذ الفتاة الصارخة. لديها رئة قوية جدًا."
      ضحك على ترددي في أخذ الفتاة. "تصويب جيد رغم ذلك. لا أصدق أنك تمكنت من إصابة ذلك الشيء. لا يمكنك رمي كرة تنس لإنقاذ حياتك، لكن يمكنك إصابة زومبي عبر مسافة مماثلة."
      
      كنت أعلم أن تصويبي سيء، لكن ليس بهذا السوء. أو على الأقل، كنت متأكدة من أنه ليس بهذا السوء. أخرجت لساني له، وضحك على رد فعلي.
      "ماذا رميت على أي حال؟" سأل.
      
      "آه، قد نكون أو لا نكون قد فقدنا علبة حساء..."
      ضحك بصوت عالٍ بما يكفي ليلفت انتباه الآخرين. هز رأسه بفكاهة، واستدار ليواجه رفاق سفرنا الجدد.
      
      بعد بعض التعارف وتبادل المؤن، تمكننا من إفراغ مقاعد كافية للجميع. جاء الأب والولدان معي، بينما ذهبت الأم والفتاة مع إيفان وكايلي.
      
      بالكاد وصلنا إلى سرعة الطريق السريع قبل أن نرى رجلاً يسير بالقرب من الأشجار التي تحد الطريق السريع. بدأ إيفان في التباطؤ، مما جعل الرجل يستدير وينظر إليه بعيون حمراء. ثم زاد إيفان سرعته مرة أخرى.
      
      واصلنا القيادة على الطريق السريع. كلما اقتربنا من وجهتنا، زاد عدد الزومبي والمركبات الفارغة التي مررنا بها. في بعض الأحيان، كانت الطريقة الوحيدة لمعرفة ما إذا كانوا زومبي هي من خلال عيونهم الحمراء. لم نرَ أي ناجين أحياء آخرين. مع تزايد أعداد الموتى الأحياء في الخنادق وعلى الطريق، كنت سعيدة لأنني لا يزال لدي أكثر من نصف خزان وقود. مع بقاء خمس عشرة دقيقة فقط في رحلتنا، يجب أن يكون ذلك أكثر من كافٍ. لم أكن أرغب في نفاد الوقود في هذه المرحلة.
      انعطفنا عن الطريق السريع الرئيسي لنتجه المسافة القصيرة المتبقية إلى حصن واينرايت. لقد تفاجأت أن معظم المركبات لم تنعطف هنا. لا بد أنهم لم يسمعوا البث الإذاعي بعد كل شيء. تساءلت عما إذا كانوا يعرفون إلى أين يتجهون أو ما إذا كانوا يحاولون فقط وضع أكبر مسافة ممكنة بينهم وبين ما خلفهم.
      
      أشار أحد الصبيان من المقعد الخلفي: "انظروا!"
      نظرت إلى الجانب، ورأيت عدة دراجات رباعية تستدرج الزومبي بعيدًا. كان الجنود على المركبات الرباعية يقودون الزومبي بعيدًا عن الطريق والقاعدة العسكرية. وبناءً على عدم وجود الزومبي بعد هذه النقطة، فقد كانوا ينجحون. ارتجفت قليلاً عند التفكير في القيام بهذه المهمة إذا ارتفعت درجة حرارة الدراجة الرباعية أو نفد منها الوقود.
       
      
      
      وجهت لافتة كبيرة مرسومة باليد جميع المركبات إلى "التهدئة إلى 30 كم/ساعة". كنت آمل أن تكون البقع الحمراء على اللافتة طلاء. لكن كان علي أن أعترف بأنها جعلت الجميع يهدأ. تباطأنا إلى الزحف عندما وصلنا إلى صف طويل من المركبات.
      بقيت قريبة من سيارة جيب إيفان عندما اقتربنا من نوع من نقطة التفتيش. كانت عدة صفوف من المركبات تتوقف للتحدث مع الجنود. في النهاية، كان دور إيفان، ورأيته يشير إلينا. أومأ الجندي برأسه قبل أن يواصل الحديث. بعد دقيقة، لوح لإيفان بالمرور ولي بالتقدم. خفضت نافذتي عندما توقفت بجانبه.
      
      سأل عن أسمائنا، وإذا كنا على اتصال بأي مصابين، ومن أين أتينا، وبعض التفاصيل الأخرى بينما كان يدخل كل شيء في جهاز كمبيوتر محمول صغير. أجبته عن نفسي، وأجاب الأب عن نفسه وأولاده.
      أعطى الجندي توجيهات إلى موقف السيارات الذي كان من المفترض أن أركن فيه، وبعد أن سجل رقم لوحة الترخيص، لوح لي بالمرور. قدت إلى الأمام ومررت عبر البوابة ذات المظهر الجديد. كان إيفان ينتظرني، وتبعته إلى منطقة وقوف السيارات التي وُجهنا إليها.
      
      السبب الوحيد الذي جعلني أعرف أن المنطقة العشبية كانت موقف سيارات هو بسبب المركبات المتوقفة بالفعل وأماكن وقوف السيارات المطلية بالرش. عندما ركنت بجانب إيفان، ألقيت نظرة على العديد من المركبات ومجموعات الأشخاص بقلق.
      خرجنا من المركبات، وعلقت حقيبتي على كتفي عندما أغلقت بابي. اجتمعت العائلة التي أنقذناها وتعانقوا بينما كنت أسير نحو إيفان وكايلي.
      
      "الدخول كان سهلاً للغاية،" علقت بهدوء. "كان بإمكاني إحضار أحد أصدقائنا من جانب الطريق في الصندوق على حد علمه. يمكن أن يكون أي شخص هنا مصابًا."
      عبست كايلي وهي تلقي نظرة حولها بعصبية. "أعرف ما تعنيه. آمل ألا تكون قد ذكرت مغامراتنا في وقت سابق؟"
      
      "لا."
      تنهدت بارتياح لإجابتي لكنها لم تبد أفضل حالًا. علق إيفان: "تمت إضافة موقف السيارات هذا مؤخرًا - انظر إلى مدى حداثة هذا السياج. علامات الطباشير لم يتم غسلها بعد، لذلك لا يمكن أن تكون هذه المنطقة مسيجة لأكثر من أسبوع. ربما وضعوها للتو للحفاظ على سلامة الناس حتى يتمكنوا من إدخالهم إلى الداخل."
      
      قاطعتنا امرأة ترتدي الزي الرسمي في كتلة زاوية وهي تنادي في مكبر الصوت: "الرجاء من جميع الأشخاص قفل مركباتهم والاحتفاظ بمفاتيحهم. ثم يرجى القدوم لرؤيتي للتسجيل."
      نظرنا إلى بعضنا البعض وهزنا أكتافنا قبل أن نسير. تبعتنا العائلة. أومأت المرأة بترحيب سريع من حيث كانت تقف خلف منصة مع جهاز كمبيوتر محمول.
      قالت: "لدي التفاصيل الأساسية من نقطة التفتيش. أحتاج فقط إلى المزيد. الاسم الأول والعمر."
      
      "إيفان، خمسة وعشرون."
      "كايلي، أربعة وعشرون."
      
      "ديان، خمسة وعشرون."
      نظرت إلى مجمع المباني الكبير على الجانب بينما قدم ركابنا إجاباتهم.
      
      "أي مهارات أو قدرات خاصة، أو أي شيء قد يكون مفيدًا للمساعدة في استمرار هذا المكان في العمل؟ حتى لو كنت جيدًا في غسيل الملابس، فهذا رائع."
      بدأ إيفان أولاً مرة أخرى. "ميكانيكي. يمكنني فعل معظم الأشياء في السيارات ولدي بعض التدريب على مركبات الفئة 1."
      
      تبعت كايلي: "أمم... كنت كاتبة بقالة. لا أمانع في التنظيف، ويمكنني طهي حساء جيد."
      أومأت السيدة التي ترتدي الزي الرسمي ونظرت إلي. حاولت أن أفكر في المهارات التي قد تكون مفيدة هنا.
      
      "حسنًا، أعرف عددًا قليلاً من أنواع النباتات البرية الصالحة للأكل في المنطقة. لقد تدربت على قوس منحني، لكنني لم أطلق النار على أي شيء آخر غير الأهداف."
      أومأت واستمرت في النزول في الصف. تخطت الأطفال، قائلة إنهم سيحضرون المدرسة بفصول تدور حول الأساسيات مثل الرياضيات الأساسية ومهارات البقاء على قيد الحياة، مع بعض الأعمال الروتينية الأساسية على الجانب.
      
      "أي حالات طبية أو حساسية؟" سألت. "نحتاج إلى معرفة كل شيء، حتى الأشياء الصغيرة، فقط في حالة."
      هز كل من إيفان وكايلي رأسيهما بالنفي. تنهدت وفركت رقبتي بيدي في حرج طفيف. نظرت إليّ السيدة، منتظرة أن أتحدث.
      
      "نوع نادر من اضطراب المناعة المفرط النشاط، تحديدًا مع نشاط الخلايا التائية المفرط النشاط. لا شيء خطير، لكنه يمكن أن يسبب إحساسًا غير مريح بالوخز والإبر إذا لم أحصل على نشاط بدني منتظم. لا يمكنني الجلوس طوال اليوم."
      لقد أخاف إحساس الوخز والإبر والدي في البداية، واستغرق الأطباء شهورًا لمعرفة ما هو. ينظر إليّ معظم الناس بغرابة إذا أخبرتهم وحاولت صياغتها بطريقة يفهمونها كان صعبًا. لا بد أن هذه السيدة كانت تفعل هذا لفترة من الوقت لأنها لم ترمش حتى.
      
      كانت السيدة التي ترتدي الزي الرسمي تكتب. "التفاصيل والأمثلة."
      "أمم... إذا قضيت اليوم كله على الأريكة أشاهد الأفلام، فسأشعر بالوخز والإبر بحلول المساء. الركض لمدة خمس عشرة دقيقة في الصباح والمساء يبقي الأمر تحت السيطرة. غالبًا ما تصاحب الحمى الوخز والإبر كجزء من الاستجابة المناعية." نظرت إلى السيدة، منتظرة لمعرفة ما إذا كان لديها المزيد من الأسئلة.
      
      "حسنًا، هل تعاني من أي آثار جانبية أخرى؟"
      "ليس ما لاحظته." بدت راضية بما يكفي بردّي والتفتت إلى العائلة الأخرى.
      
      أخذت نفسًا عميقًا ونظرت إلى السماء الزرقاء، متظاهرة بعدم رؤية النظرات الغريبة التي كان يلقيها علينا ركابنا. لهذا السبب حاولت تجنب التحدث عن حالتي الطبية – كنت دائمًا أحصل على نظرات غريبة. أنهت السيدة التي ترتدي الزي الرسمي أسئلتها والتقطت بعض الأشياء المغلفة بالبلاستيك.
      خاطبتنا جميعًا: "حسنًا. أول الأشياء أولاً. النظافة مهمة. يجب على كل من يدخل هذا المكان أن يستحم. هذه مناشف يمكن التخلص منها. امشوا على طول الطريق المحدد وعبر البوابات. ادخلوا الباب الأول واتبعوا الممر. هناك لافتات في مكانها، على الرغم من وجود منعطف واحد فقط لليسار للوصول إلى الحمامات. يستخدم الرجال المدخل الأيسر وتستخدم النساء المدخل الأيمن. ستكون هناك طاولة عليها ملابس نظيفة؛ خذوا مجموعة لأنفسكم وارموا ملابسكم الحالية في القمامة. ستؤدي الأبواب على كلا الجانبين إلى غرفة الاستقبال التالية، حتى تتمكنوا من لم شملكم مع العائلة والأصدقاء هناك بمجرد أن تكونوا نظيفين."
      
      مررت لنا الطرود البلاستيكية، على الرغم من أنني وجدت أنه من الغريب نوعًا ما أن يتم إعطاؤنا مناشف حمام كبيرة الحجم يمكن التخلص منها. بدا الأمر وكأنه مضيعة بالنسبة لي. ثم مرة أخرى، لم أكن أرغب في غسل هذا العدد الكبير من المناشف أيضًا، وكان رائحة بعض الأشخاص الذين يدخلون الغرفة وكأنهم لم يلمسوا الماء منذ ظهور أول الزومبي.
      
      مشينا على طول الطريق، على الرغم من أنه لم يكن من الممكن حقًا تفويت البوابة الكبيرة لأنها كانت بها نصف دزينة من الحراس حولها. كان العديد منهم في أبراج حراسة مرتفعة، والخشب لا يزال غير مبيض بالشمس. كانت اللافتات والأسهم الكبيرة تعني أن الضياع يجب أن يكون قرارًا متعمدًا. كان الوافدون الجدد الآخرون يتسللون أيضًا على طول هذا الطريق في تيار بطيء ولكن ثابت.
      بمجرد وصولنا إلى الحمامات، توجه إيفان إلى قسم الرجال وهو يقول: "سأقابلك في غرفة الاستقبال."
      
      أومأنا أنا وكايلي برأسنا ودخلنا قسم النساء. تبعتنا العائلة التي تخلفت عنا الأم والابنة أكثر فأكثر. كانت غرفة الاستحمام بها كبائن فردية تصطف على كلا الجانبين، وكل واحدة مقسمة للخصوصية. على طول أحد الجدران، كانت هناك عدة طاولات مكدسة بملابس زرقاء باهتة بجميع الأحجام. أمسكت أنا وكايلي بمجموعة من الملابس الجديدة قبل اختيار كبينتين جنبًا إلى جنب.
      داخل كشك الاستحمام، كان هناك خزانة مقاومة للماء معلقة على الحائط. وضعت ملابسي الجديدة وحقيبتي ومنشفتي فيها قبل إلقاء ملابسي المتسخة على الأرض. بينما كنت أمشي تحت الماء الدافئ، كنت سعيدًا برؤية موزعات الصابون والشامبو والبلسم على الحائط لأنني لم أحضر أي شيء معي سوى حقيبتي.
      
      لكنني وجدت نفسي أفتقد فرشاة شعري. سيكون شعري الطويل حتى الخصر متشابكًا للغاية بحلول نهاية اليوم. بمجرد أن أصبحت نظيفة، جففت نفسي وارتديت ملابسي. كانت كايلي تنتظرني بجانب الباب وهي تحاول تجديل شعرها. أسقطت منشفتي وملابسي القديمة في سلة المهملات وسرت نحوها.
      ألقينا نظرة على بعضنا البعض بنفس النظرة المستسلمة على شعرنا المبلل والمتشابك. ندبت كايلي على حالة شعرها: "أحتاج بجدية إلى فرشاة شعر."
      
      "نعم، أنا أيضًا،" قلت. "يجب أن نذهب قبل أن يصاب إيفان بنوبة هلع."
      أومأت بالموافقة، وسرنا عبر الأبواب إلى الغرفة التالية حيث كان جميع الرجال ينتظرون بفارغ الصبر رفقائهم من الإناث. كان إيفان ينتظر أيضًا وجاء بسرعة. لم أرَ أي شخص من العائلة التي أنقذناها، لذلك ربما كانوا لا يزالون في الحمامات.
      
      لم يكن لدينا حتى وقت للتحدث قبل أن تنادي امرأة على المكتب: "التالي!" بينما كانت تنظر إلينا بوضوح.
      "حسنًا،" قالت، وسرعان ما شرعت في العمل. "يرجى الجلوس. هذا مركز إنقاذ، لكنه يتطلب مساعدة الجميع للحفاظ على تشغيله حتى تعود الأمور إلى طبيعتها. ما هي أسماؤكم؟"
      
      أعطينا أسماءنا، وتابعت المرأة: "تم تقييم مهاراتكم. إيفان، لقد تم قبولك كميكانيكي. كايلي، يحتاج الطهاة إلى مساعدة، لذلك ستكونين في المطابخ. ديان، ستنضمين إلى الباحثين عن الطعام. إذا كنت ترغبين في الحصول على منصب أكثر أمانًا لاحقًا، فيمكننا نقلك إلى رعاية الماشية."
      أومأت بقبول دوري. لم أكن أطيق فكرة أن أكون محبوسة داخل هذا المكان طوال اليوم وكل يوم مع كل هؤلاء الأشخاص المحشورين هنا. في الوقت الحالي، كنت سأتجنب التفكير في حقيقة وجود المئات من القتلة المسعورين خارج الجدران...
      
      تابعت: "ممتاز. سأدون ذلك. إليكم بطاقات أسمائكم وجداولكم. يرجى الاستمرار في أسفل القاعة إلى غرفتنا الطبية. أوه، ولا تفقدوا بطاقة اسمكم. يتطلب الأمر الكثير من الأعمال الورقية لاستعادتها." سلمتنا كل واحد منا بضع أوراق وبطاقة اسم بلاستيكية لتثبيتها على قمصاننا.
      ألقيت نظرة على بطاقتي وأنا أضعها. كان اسمي هو الأكبر، وكان منصبي أسفله بحروف أصغر، وكان هناك رقم صغير في الزاوية اليمنى السفلية؛ "ديان - باحثة عن الطعام – 0723". نظرت إلى الأوراق الثلاث. كان هناك جدول، ومجموعة من القواعد، وخريطة.
      
      أمسكت كايلي بذراعي وقادتني إلى أسفل القاعة. "هيا. لننتقل حتى يتمكن الآخرون من المرور. يجب أن يكون هناك طعام هنا في مكان ما. أنا أتضور جوعًا – وتركت جميع وجباتي الخفيفة في سيارة الجيب!"
      زمجر معدتي موافقة بينما كنا الثلاثة نواصل السير في أسفل القاعة. ألقيت نظرة إلى الوراء، لكنني لم أرَ أي شخص من العائلة التي أنقذناها. كان الوافدون الجدد الآخرون يسيرون في الممر، وكان هناك العديد من الحراس يقفون في محطات على طول جدار الممر وهم يراقبوننا. كانت بنادقهم في الحافظات، لكن كان لدى كل منهم سكين منجل في أيديهم.
      
      كان الأمر منطقيًا، لكنه تسبب في ظهور قشعريرة على ذراعي عندما أدركت أن الأشخاص هنا ربما كانوا يعرفون مدى سهولة الدخول من الأبواب الأمامية – وكانوا مستعدين لأي شخص كذب بشأن احتمال إصابته. نظرت حولي بقلق، متسائلة كيف لا يزال هذا المكان قائمًا عندما يسمحون لأي شخص بالدخول.
      راقبت كايلي الحراس المسلحين بعينين واسعتين، لكنها لم تجرؤ حتى على الهمس. كان إيفان هادئًا كعادته بينما كنا نواصل السير في الممر القصير.
      
      

      رواية المشاغب والذكية

      المشاغب والذكية

      2025, سهى كريم

      رواية كورية

      مجانا

      بنت شاطرة حياتها بتتقلب لما بتتنقل فصل جديد وبتقابل كيم تايهيونج، الشاب المشاغب. الاتنين دول مبيطقوش بعض وكل يوم خناقات ومقالب لدرجة إنهم بقوا بيتطردوا من الحصص سوا تقريباً كل يوم. الخناقات دي بتخليهم يقربوا من بعض بشكل غريب، وبيكتشفوا أماكن سرية زي مخزن تايهيونج اللي بيحكي فيه عن نفسه لأول مرة. الرواية بتوريلنا إزاي علاقة العداوة دي ممكن تتحول لحاجة تانية خالص

      الأستاذة جيل

      مبتسمحش بالفوضى في فصلها. دايمًا بتلاحظ خناقات لي هايجين وتايهيونج وبتعاقبهم بشكل مباشر. بتظهر عليها علامات الضيق واليأس من تصرفاتهم المتكررة. رغم إنها بتعاقبهم، بس واضح إنها بتحاول تفرض النظام وتحافظ على الهدوء في المدرسة، خصوصًا لما بتاخدهم لمكتب الناظر كإنذار أخير.

      لي هايجين

      شاطرة ومجتهدة في دراستها، كانت دايمًا بتجيب درجات كويسة وكانت رئيسة الفصل في سنتها الأولى. شخصيتها بتبان في الأول إنها منظمة وبتخطط لحياتها كويس. بس لما بتقابل تايهيونج، بتدخل في مشاكل كتير وبتتصرف بعصبية، وبتتضايق منه بسهولة. رغم إنها بتحاول تبان قوية وجريئة قدامه، إلا إنها بتكون خايفة منه شوية، وممكن تبقى قلقانة من عواقب تصرفاتهم. كمان بيبان إنها حساسة لدرجة إنها بتعاني لما بتحس بإهمال من أهلها.

      كيم تايهيونج

      هو الشاب المشاغب في المدرسة، مبيحبش يلتزم بالقواعد وواضح إنه بيعمل مشاكل كتير. بيحب يعمل مقالب ويضايق هايجين بالذات. شخصيته بتبان إنه مغرور ومش بيهتم باللي حواليه، وحتى بيعتبر نفسه ذكي في تهرب من المذاكرة والواجبات. لكن ورا كل ده، بيبان إنه وحيد شوية وإنه بيدور على مكان خاص بيه زي "مخبئه السري". أحيانًا بتظهر له لمحات من الجانب البريء أو الطيب، وده بيخلي شخصيته معقدة أكتر.
      تم نسخ الرابط
      رواية المشاغب والذكية

      "كل ده بسببك يا حمار!" همستله وأنا متعصبة وسناني ماسكة في بعض.
      
      كنت رافعة دراعاتي لفوق أوي، مش عشان اتجننت بالظبط، مع إن ده ممكن يكون حصل لو كان صبري خلص خالص. مدرسة الرياضيات خلتني أنا والحمار ده نقف بره الفصل عقاب عشان اتخانقنا في حصتها.
      
      "اسكتي. مش ذنبي أنا، انتي اللي ضربتيني في عيني الأول،" دافع عن نفسه.
      
      طلعت زفير عميق، "كم مرة قولتلك إنها كانت بالغلط!"
      
      "إزاي تضربي حد في عينه بالغلط؟!"
      
      دراعاني كانوا بيسيبوني. غالبًا كنت رافعاهم بقالي حوالي ربع ساعة. مدرسين اتنين عدوا من جنبنا، وبصولنا بغضب وهما ماشيين في الممر، بس دراعاتي كانت وجعاني أوي لدرجة إني مكنتش قادرة حتى أهتم إني اتحرج. بس مهما كانت دراعاتي وجعاني، مكنتش أجرؤ أنزلها عشان مدرسة الرياضيات مكنش ينفع حد يستعبط معاها، محدش كان بيجرؤ يعارضها، غالبًا ما عدا تايهيونج.
      
      قالت لو لقت دراعاتنا نازلة هتبعتنا ننضف الحمامات، ودي حاجة كنت بكرهها أوي عشان حمامات المدرسة كانت قذر، بالعافية كنت بقدر أغسل أي وسخة.
      
      دقايق عدت وعضلات دراعاتي كانت بتشد أوي. بدأوا ينزلوا أكتر وأكتر لحد ما نزلتهم الاتنين جنبي أخيرًا، وطلعت أنين بصوت عالي.
      
      لكن بعد ثانية، حسيت إيد لفت حوالين معصمي، ورفعت دراعي لفوق.
      
      "مش عايز أتعاقب زيادة بسببك، عشان كده لازم ترفعي دراعاتك،" قال تايهيونج بجمود، وهو مركز عينيه قدامه.
      
      كشرت، وطلعت صوت ضيق من الزهق بسبب إن دي كانت تالت مرة الأسبوع ده أقف فيها بره الفصل معاه.
      
      أنا اسمي لي هايجين، ودي كانت سنتي التانية في الخرم الأسود ده، أو زي ما بتقولوا عليه، ثانوي. الأمور كانت ماشية تمام في سنتي الأولى. كنت بلا شك من أذكى الأطفال في المدرسة، وكنت دايمًا بجيب درجات كويسة في الامتحانات. مكنتش اجتماعية أوي، بس كان عندي أصحاب بتكلم معاهم كل يوم. وفي مرة، كنت رئيسة الفصل عشان المدرسين كانوا شايفين إني قدوة كبيرة لزملائي، مع إني أنا نفسي كان بيجيلي أيام كسل.
      
      كنت فاكرة إن حياتي متخططلها كويس— هجيب درجات كويسة، وأتخرج، وبعدين الاقي شغلانة بمرتب كويس وأعيش في راحة ورفاهية طول حياتي.
      
      مكنتش أعرف إن سنتي التانية هتكون بشعة. بعد ما اتنقلت لفصل جديد السنة اللي بعدها، الجو اتغير، والناس اللي حواليا اتغيروا. وقابلته. تايهيونج. كيم تايهيونج.
      
      مكنتش بهتم بالمقالب اللي كانت بتحصل في المدرسة. لسوء حظي، كان لازم أقابل البلطجي ده بالذات، بالصدفة. مكنتش أعرف إزاي بدأنا نكره بعض، بس ده اللي حصل. كنا عكس بعض تمامًا. في الأول، كان بيعمل مقالب بسيطة، كنت بختار إني أتجاهلها وأعتبرها مجرد لفتة ودودة. بس مع مرور الوقت، هو شكله اعتبرها تحدي عشان يجنني. غالبًا كان بيستغرب ليه أنا الوحيدة اللي مكنش عندي أي رد فعل على مقالبه لما أنا بصراحة مكنتش بهتم بوجود أي حد في المدرسة.
      
      تايهيونج قدر في لحظة يخليني أفقد صبري. المدرسين مكنوش بيهتموا لما كنت بشتكي، فكنت بتصرف بطريقتي. بدأت بغباء أردله المقالب، وقضيت وقت كتير في تخطيط تخريبي اللي بعده أكتر من المذاكرة. بالنسبة لي، كان إحساس بالرضا كبير إني أشوفه بيقع من كرسيه والفصل كله يضحك عليه، أو إني ألاحظه بيعاني مع صفحات كتابه اللي كانت لازقة في بعضها.
      
      اتخانقنا، واتخانقنا. خناقتنا كانت أغلب حواراتنا اليومية. كانها الخناقات اللي بينا كونت صداقة من غير ما نعرف. مع ذلك، مكنش ممكن يعدي يوم من غير ما نرمي ورق مكرمش على دماغ بعض لما يكون عندنا فرصة.
      
      بس بعد كده، درجاتي بدأت تقل بالتدريج. مكنتش بهتم خلاص، مش متأكدة إذا كان ده بسبب تايهيونج أو لأني كنت بمر بمرحلة كنت فيها مرهقة جدًا من أي حاجة وكل حاجة. لسه كنت بحاول ألم نفسي، بس أغلب الوقت كنت مشغولة بإني أدخل في مشاكل.
      
      مهما كان أهلي محبطين، كانوا مشغولين بشغلهم أوي لدرجة إنهم مكنوش مهتمين أوي بصحتي. أفضل إني مشتكيش عشان كان عندي شوية حرية لنفسي، بس أوقات تانية كنت بحس بإهمال كبير كطفلة وحيدة. بس ده مكنش مهم أوي لأني كنت بقدر دايمًا أعتمد على جدتي للراحة من وقت للتاني، مع إنها عايشة بعيد عن البيت.
      
      وبالإضافة لقائمة مقالب تايهيونج الطويلة، وجودي في البيت مكنش بيمنعه من إنه يكون مصدر إزعاج. كان بيبعت رسايل لا نهاية لها، ويملى صندوق رسايلي برسايل ملهاش معنى، وكنت دايمًا لازم أقفل تليفوني عشان أذاكر بالليل.
      
      بقالها شهور قليلة بس، بس كان الموضوع صعب أوي إني أستحمل تصرفاته.
      
      جرس الحصة الخامسة في اليوم رن أخيرًا. مقبض باب الفصل عمل صوت، وإحنا فورًا فردنا دراعاتنا لفوق. الأستاذة يونج دخلت من ورانا ووقفت قدامنا بالظبط، ونزلت نضارتها على أنفها وهي بتبص لينا احنا الاتنين.
      
      "ده آخر إنذار ليكوا إنتوا الاتنين،" قالت بصرامة، وحواجبها كانت معقودة وهي مكشرة.
      
      بعد ما لفت ومشيت، فورًا نزلت دراعاتي بارتياح ومرخت كتافي عشان أريح العضلات المشدودة. الحمد لله، مكنش لازم أغسل الحمامات المرة دي.
      
      "سمعتها، ده آخر إنذار ليها،" تمتمت، مش متأكدة إذا كان تايهيونج سمعني بس أنا كررت ده عشان أضمن إنه مش هيوقعني في مشاكل المرة الجاية. هو بس سخر، ورفع حاجب واحد.
      
      تجاهلت غروره، ولفيت بسرعة عشان أدخل الفصل. في اللحظة دي، تايهيونج زقني على الجنب بكوعه، وشق طريقه قبلي.
      
      كنت غلطانة طبعًا لما فكرت إنه مش هيعملي مشاكل ولو لمرة واحدة.
      
      
      
      
      
      
       خلص وقت الفسحة وكل الطلبة طلعوا من الفصول بيجروا، مالوا الطرقة ودخلوا الكانتين.
      
      قفلت دولابي بعد ما شلت حاجتي وكنت خلاص رايحة الكانتين، لما فجأة شفته - الواد المتغطرس - ماشي مع صاحبينه، جيمين وجونجكوك. كانوا هدومهم طالعة بره البنطلون والكرافتات بتاعتهم مش مربوطة كويس على الرقبة. كان واضح أوي إنهم المشاغبين الكبار في المدرسة.
      
      لفيت الناحية التانية بدل ما أروح الكانتين وحاولت أتجنبهم.
      
      "ياااااه!"
      
      يا لهوي.
      
      سرعت خطواتي وكملت ماشي على طول.
      
      "لي هايجين!"
      
      لفيت ورايا وتايهيونج كان بيجري ناحيتي، وجالي عرق بارد.
      
      الحمد لله حمام البنات كان على بعد كام خطوة، فجريت ودخلت واستخبيت في كابينة. اتنهدت براحة، بس صوت ضربات قلبي كان ممكن يتسمع. أنا بس عايزة أتجنب الضفدع ده على قد ما أقدر. هو دايمًا بيجيب لي مشاكل.
      
      استنيت جوه حوالي 5 دقايق لحد ما مسمعتش أي صوت بره. فتحت باب الكابينة بالراحة وبصيت بره الحمام. مفيش حد. الحمد لله.
      
      طلعت على طراطيف صوابعي. لسوء الحظ، مكنتش لسه مشيت كتير لما حسيت حد جاي ناحيتي.
      
      هو، وبقوة كبيرة، شدني تاني لحمام البنات وخبطني في الحيطة.
      
      "آآآه كيم تايهيونج إيه اللي عايزه،" قولت وأنا بفرك كوعي اللي اتخبط في الحيطة. كنت بتنفس بصعوبة وبسرعة، بتوتر. كنت بتمنى إنه ميكونش عنده طلبات غريبة، في مرة قالي أحط فوطة صحية في شنطة مدرسة، وهددني إنه هيفضحني لو قولت لحد.
      
      "عملتي واجب الإنسانيات اللي هيتسلم النهارده؟" سأل.
      
      "أ-أيوه،" قولت، بحاول أبان جريئة بس كنت خايفة منه شوية. شوية صغيرين.
      
      "خليني أنقله."
      
      بصيتله، وبعدين قلبت عيني.
      
      "بجد يا ڤي؟ جريت ورايا كل ده عشان إجابات الواجب؟ من إمتى بتهتم بالواجب؟" قولت وكتفت دراعاتي.
      
      "اسكتي واديهولي. عليه درجات،" قال.
      
      "بعدين،" رديت وحاولت أزقه بس خبطني في الحيطة تاني.
      
      "آآآه!"
      
      "عايزه دلوقتي،" قال.
      
      "يا خسارة،" رديت. هو سد الباب بدراعاته الاتنين مفرودين من أوله لآخره. متضايقة، دوست على رجله، جامد أوي. "يا متخلف،" قولت وطلعت.
      
      "خدي بالك يا لي هايجين!" سمعته بيزعق وأنا سرعت خطواتي ناحية الكانتين.
      
      خلصت الفسحة ورجعت الفصل. كانت حصة الإنسانيات.
      
      "صباح الخير يا فصل،" الأستاذة جيل سلمت علينا وإحنا ردينا عليها بنبرة روتينية. "شكله كده متحمسين لدرس النهارده،" قالت بسخرية، "دلوقتي كل واحد يطلع الواجب اللي طلبته الأسبوع اللي فات. فكرتكم إنه عليه درجات."
      
      كل واحد فتح شنطته وطلع الواجب اللي خلصوه. بصيت ورايا على تايهيونج اللي كان على بعد ترابيزتين بزاوية ناحية اليمين. بصلي بغضب، وأنا ابتسمت بسخرية. الغريب إنه ابتسم هو كمان بسخرية.
      
      لفيت ناحية شنطتي وفتحتها. طلعت ورقة الواجب، اللي كنت مخلّصاها بتعب كبير الليلة اللي فاتت.
      
      لكن، ويا روفي، برص طلع مع الورق. وقعت الورق وصرخت بأعلى صوتي لما شفت واحد من أقذر المخلوقات اللي بكره أشوفها. كنت هقع لورا على الكرسي، بس قدرت أقف وبعدت عنه. كل واحد في الفصل بصلي، ما عدا تايهيونج، اللي انفجر في الضحك وهو شايفني خايفة من برص.
      
      بس بعد كده دققت النظر. مكنش بيتحرك. أدركت إنه برص بلاستيك مصنوع من مطاط. بصيت لتايهيونج بغضب. "أنت!"
      
      كان لسه بيضحك. شلت البرص البلاستيك ورميته عليه، "أنت اللي عملت كده مش كده؟!"
      
      ضحكته اختفت، يمكن عشان زعل لما رميت عليه البرص البلاستيك. "يا لي هايجين،" وقف ومشي ناحيتي، بيحاول يعمل خناقة.
      
      "إنتوا الاتنين! إيه اللي بيحصل؟!" الأستاذة جيل بصت لينا. كل واحد في الفصل سكت وهو بيتفرج على الدراما اللي بتحصل.
      
      "بتتخانقوا تاني؟" سألت.
      
      "هي اللي بدأت الأول،" تايهيونج شاور علي بصابعه.
      
      "لا! هو اللي حط البرص البلاستيك في شنطتي،" شرحت.
      
      "أنا معملتش حاجة أنا بس كنت-"
      
      "إنتوا الاتنين، بره الفصل دلوقتي. دراعات مرفوعة."
      
      لا تاني. دي بتتكرر للمرة الـ 17 وأنا واقفة بره فصل مدرسة ودراعاتي مرفوعة، مع المجنون ده. بدأت أقلق إن المدرسين هياخدوا إجراءات تأديبية كبيرة ضدي. أنا بس مكنتش بقدر أتحكم في نفسي.
      
      "زهقت من ده،" قولت ورفعت إيدي.
      
      "ده كله غلطتك أنتِ،" قال.
      
      مكنش عندي طاقة أجادل تاني، فضلت ساكتة وكملت واقفة هناك ودراعاتي مرفوعة.
      
      لحسن الحظ، حصتها كانت قصيرة. الجرس رن ومددت دراعاتي كويس.
      
      "كان المفروض أحط برص حقيقي في شنطتك دلوقتي،" قال وضربني بكوعه.
      
      "يا ريت،" قولت وقلبت عيني.
      
      الأستاذة جيل طلعت من الفصل وإحنا افتكرنا إنها ببساطة هتمشي.
      
      "إنتوا الاتنين، امشوا ورايا على المكتب،" قالت.
      
      يا نهار أبيض.
      
      أنا وتايهيونج بصينا لبعض بصة فاضية شوية، وبعدين مشينا وراها على مضض.
      
      بصيت لتحت وإحنا ماشيين للمكتب، بنتبع صوت كعبها وهو بيخبط في الأرض.
      
      لما صوت الخبط وقف، رفعت راسي وبصيت على الباب اللي عليه يافطة مكتوب عليها، "مكتب الناظر". بلعت ريقي. الأستاذة جيل خبطت على الباب ولفته. بعدين، عملتلنا إشارة بعينيها عشان ندخل المكتب.
      
      اتنهدت. أنا هتدمر خالص.
      
      
      
      
      
      
      "لي هايجين!" نادى الناظر.
      "نعم؟" رديت بصوت واطي.
      "كيم تايهيونج!"
      "نعم؟" رد هو.
      
      الناظر اتنهد وطلب مننا نقعد.
      
      "ممكن أعرف إيه اللي بيحصل؟" سأل الناظر.
      
      تايهيونج شاور عليا وأنا شاورت عليه. "هو حط البرص البيكيا في شنطتي!" قولت.
      
      "هي رمته عليا."
      "أنت اللي بدأت الأول، مين قلك تحط البرص ده في شنطتي؟"
      "اخرسي، ده غلطتك، انتي مسمعتيش كلامي!"
      
      كنا هنتخانق، أنا وقفت وزعقت فيه، وهو عمل نفس الحكاية.
      
      "يا جماعة كفاية!" زعقت الأستاذة جيل. بس مكنش ممكن نسمعها عشان كنا مشغولين بالخناق.
      
      "تتوقع إني هخليك تنقل..."
      
      قاطعني وهو غطى بوقي. بعدين بص للأستاذة جيل اللي كانت حواجبها معقودة وبتبص علينا.
      
      "إنتوا معندكوش احترام خالص؟!" أخيراً قدرت تتكلم. "هتنضفوا حمامات المدرسة بعد ما تخلصوا دروس. ومحدش هيمشي لحد ما تخلصوا! فاهمين؟!"
      
      "بس يا أستاذة جيل..."
      "مفيش بس! اطلعوا بره دلوقتي!" زعقت.
      
      تايهيونج فتح الباب. خرج من المكتب بعصبية ورزع الباب وراه، بوقاحة.
      
      أنا لفيت بصة محرجة للأستاذة جيل والناظر. "أنا آسفة!" اعتذرت بلطف وبدأت أبعد عشان أمشي. من طرف عيني، شفت الأستاذة جيل والناظر بيهزوا راسهم.
      
      طلعت من المكتب وجريت ورا تايهيونج.
      
      "يااااه!" زعقت. لفلي.
      
      "إيه؟"
      
      "أنت... أنت بجد..." شهقت وأنا باخد نفسي بالعافية، "أنت بجد..."
      
      "طاقتك ضعيفة أوي!" قال.
      
      "ياااااه! يا أنت! لازم أغسل الحمامات بسببك! أنت عارف الحمامات قذرة قد إيه؟ آآآه!" بكيت، كنت على وشك إني أعيط.
      
      "تخس، ضعيفة!" ضحك ضحكة خفيفة ولف عشان يمشي على الفصل. "مش فارقلي!" قال وضهره ليا.
      
      قلبت عيني وكشرت.
      
      بعدين أدركت إنه كان ماشي ببطء أوي. "ليه ماشي كده؟ جدتي ممكن تمشي أسرع منك."
      
      "جدتك ماتت."
      
      "لا، هي ممتتش!" ضربت دراعه. "جدتي لسه عايشة في بلدها. هزورها في يوم من الأيام."
      
      ضحك ضحكة وحشة، "لو بتقولي كده."
      
      قال، "مش همشي بسرعة. دي حصة علوم ومخلصتش بحثي كمان. الأستاذة جين بتزهق وهتديني محاضرة عن إني مخلصتش البحث ومسجلتش ملاحظات وحاجات كده، فهتمشى في المدرسة دلوقتي."
      
      "لازم نعمل بحث؟ عن إيه؟" سألت.
      
      "واو، أنت أسوأ مني."
      
      بما إني مكنتش عملت أي بحث لحصة العلوم، ومكنتش أعرف إني لازم أعمل كده، أنا كمان قررت أتمشى في المدرسة. بصراحة، أنا نفسي مكنتش أعرف ليه اخترت أمشي معاه. أنا بس مشيت.
      
      نزلنا لغرفة الرسم، كان الوضع محرج، مكنش فيه حد في مستوى غرفة الرسم، كان هدوء ومكلمناش خالص. بعدين، جنب غرفة الرسم، شفنا بيانو كبير.
      
      جريت عليه وقعدت.
      
      "أنتي بتعرفي تعزفي ده؟" رفع حاجبه وسند على البيانو.
      
      "أيوة!" قولت وحطيت صوابعي على المفاتيح.
      
      عزفت مقطوعة كنت متعودة أتقنها. غمضت عيني ولسه بعزف بسلاسة. حتى وعيني مغمضة، كنت بقدر أحس بأي مفتاح أعزفه.
      
      قدرت أقول إنه كان معجب بيا أوي - وشه كان ملامحه ثابتة وبوقه كان مفتوح.
      
      "اقفل بوقك، هتخش دبانة!" قولت بعد ما خلصت عزف.
      
      لقيته بيبصلي. حول نظره وبقى ملامحه ثابتة. "يلا نمشي!" قال.
      
      "لفين؟" سألت وغطيت مفاتيح البيانو وأنا بقف عشان أمشي وراه.
      
      ماتكلمش وبقيت فضولية أعرف هو رايح فين.
      
      وصلنا لمخزن، بعيد أوي عن الفصول. كان في نفس الدور، الدور التالت، وكان مهجور أكتر.
      
      "ده!" قال، "ده مخبئي السري."
      
      "أ... أوكيه..." رديت بحرج ودخلت جوه. المخزن كان مليان صناديق وفوضى. كان فيه كمان ازايز فاضية وكام سيجارة مرميين. شفت ورق مرمي على الأرض، ورسومات على الحيطان، وأنا متأكدة إنه هو اللي عملها. كان مكان زبالة. بس كان دافي أوي، مكان مثالي نقعد فيه في الجو البرد ده.
      
      "لما جيت المدرسة دي أول مرة، مكنش عندي حد!" اتكلم فجأة. "لقيت المكان ده، وقعدت هنا كل يوم في الفسحة. لحد ما لقيت جيمين وجونجكوك. دلوقتي بيجوا هنا أوقات يدخنوا كمان."
      
      "بتدخن؟" شهقت.
      
      ابتسم بسخرية وطلع سيجارة من جيبه وحطها في بوقه. كان على وشك يولع الطرف التاني من السيجارة لما ضربت إيده والسيجارة والولاعة وقعوا على الأرض.
      
      "مش دلوقتي، مش بقدر أستحمل ريحة الدخان!" قولت وكتفت دراعاتي.
      
      "طيب ليه بتقوليلي كل ده؟" سألت.
      
      "مش عارف، بس حسيت إني عايز أقول كده!" رد.
      
      فجأة قرب مني وهمس بصوته العميق، "ده سر بينا، متقوليش لحد!"
      
      طلع صباعه الصغير واستناني عشان أشبكه.
      
      حسيت إني غريبة شوية. كنا دايمًا بنتخانق، بس أعتقد إنه خد دوا غلط. بالراحة قدمت صباعي الصغير وشبكته في صباعه، وابتسمت تلقائيًا. هو كمان ابتسم، ودي كانت أول مرة أشوفه يبتسم كده.
      
      أقصد، هو دايمًا بيبتسم، بس دايمًا كان ابتسامة شر، ابتسامة سخرية.
      
      المرة دي، شفته بيبتسم، شكله كان نقي، بريء، زي طفل صغير.
      
      سبت صباعه الصغير وقعدت على كومة صناديق.
      
      "ممكن تيجي هنا في أي وقت تحبي، وتطلعي غضبك، حزنك، زعلك، أي حاجة!" قال، ومكنش باين عليه إنه تايهيونج اللي أعرفه.
      
      جرس المدرسة رن وطلعنا احنا الاتنين من المخزن.
      
      كنا ماشيين ومقدرتش أبطل أفكر في اللي حصل دلوقتي لما فجأة وقف ولفلي.
      
      "إيه؟" قولت.
      "إيه؟ عايزة تتفرجي عليا وأنا بعمل بيبي؟" رد. أدركت إننا كنا ماشيين جنب حمام الأولاد.
      
      لفيت بسرعة ومشيت بسرعة عشان أرجع الفصل.
      
      آآه، محرج أوي!
      
      

      Pages

      authorX

      مؤلفون تلقائي

      نظام شراء