موصى به لك

الأقسام

الأفضل شهريًا

    الأعلى تقييمًا

      سايلوس بوابة الاعماق (الفصل الثاني)

      سايلوس بوابة الاعماق 2

      2025, سما أحمد

      دراما رومانسية

      مجانا

      في عالم يمزج بين الأسطورة والغموض، تتشابك مصائر شخصيات غير بشرية تمتلك قوى خارقة، يجمعها البحر في مهمة غامضة تتعلق برسالة تأخرت عن موعدها. في موازاة ذلك، تتصاعد توترات أخرى بين أماليا وكايل، حيث تتحول أمسية رومانسية على متن سفينة إلى تجربة تحمل أسرارًا خفية ومصيرًا غير متوقع.

      زيفار

      مخلوق أسطوري على هيئة ذئب عملاق، يتخذ هيئة بشرية، بارد الطباع، متحكم في الرياح والسرعة الخارقة.

      فليريون

      عنقاء نارية في شكل بشري، نارية الطباع، مشاكسة وذكية، تتحكم في النار وتمتلك قدرة التجدد.

      سايلوس

      كائن غامض من عالم آخر، يتمتع بهيبة وقوة لا يمكن تجاهلهما، يخفي أسرارًا عن سبب وجوده في عالم البشر.
      تم نسخ الرابط
      سايلوس بوابة الاعماق

       
      
      وسط البحر – 9:00 مساءً
      
      كانت السماء ملبدة بالغيوم، والبحر يمتد بلا نهاية، يتلاطم بأمواجه تحت ضوء القمر الخافت. الرياح الباردة تهبّ بعنف، تحمل معها رذاذ الماء المالح، لكن رغم ذلك، ظلت السفينة ثابتة، تتمايل برفق فوق السطح الأسود المتحرك.
      
      عند حافتها، وقف شخصان، أحدهما يتكئ بملل على السور الخشبي، بينما الآخر يعقد ذراعيه بانزعاج واضح.
      
      قال الأول بصوت بارد، خالٍ من أي انفعال، بينما نظر إلى البحر وكأنه لا يعنيه:
      "أشعر بالبرد… لماذا نحن هنا؟ وأيضًا… بدأت أشعر بالملل."
      
      ( زيفار: مخلوق أسطوري على هيئة ذئب عملاق مغطى بطاقة متوهجة، لكن في هذا العالم، يظهر بهيئة بشرية؛ شاب طويل القامة، ذو شعر فضي يميل للأبيض، وعينين فيروزيتين تبثان برودة مخيفة. طبيعته هادئة، باردة، وحسابية، نادرًا ما يُظهر مشاعره، وكأنه منحوت من الجليد. قدراته تتمحور حول الرياح والسرعة الخارقة، ويتحكم في طاقة لا يمكن التنبؤ بها، لكنها تحت سيطرته الكاملة.)
      
      تأففت الفتاة بجانبه، ضربته بمرفقها دون أن تنظر إليه، ثم قالت بسخرية واضحة:
      "أيها الأحمق! ألستَ كلب الطاقة؟ كيف تشعر بأي شيء أصلًا؟"
      
      ( فليريون: عنقاء نارية أسطورية، لكنها تتخذ هيئة بشرية؛ شابة ذات شعر أحمر مشتعل يبدو كأن له حياته الخاصة، وعينين ذهبيتين متوهجتين تعكسان طبيعتها النارية. مشاكسة، حادة الطباع، مليئة بالحياة والطاقة، لكن وراء تهورها ذكاء ناري لا يقل قوة عن لهيبها. تمتلك القدرة على التحكم في النار والتجدد من رمادها، لكن رغم ذلك، تفضل التباهي بقوتها أكثر من استخدامها.)
      
      أمالت فليريون رأسها نحوه، نظرت إليه بنصف ابتسامة مستفزة، ثم أضافت:
      "وأيضًا، نحن هنا لنستلم الرسالة. حاول ألّا تتجمد قبل ذلك، حسنًا؟"
      
      عاد الصمت بينهما، بينما استمر البحر في هيجانه تحت قدميهما.
      
      زفر زيفار بضيق قبل أن يردّ بحدة، دون أن ينظر إليها:
      "أولًا، لستُ كلبًا، أيتها المزعجة."
      
      ثم التفت إليها قليلاً، متجاهلًا نظرتها المتسلية، ليضيف بجدية:
      "ثانيًا، لماذا علينا استلام الرسالة بأنفسنا؟ هل فيها شيء مهم؟ ولماذا تأخرت هكذا؟"
      
      عاد الصمت بينهما للحظة، لكنه لم يكن هادئًا... بل كان أشبه بصمت يسبق العاصفة.
      
      قبل أن تتمكن فليريون من الرد عليه، انفتح باب المقطورة بقوة، ليكشف عن شخص دخل بخطوات ثابتة، هادئة، لكنها تحمل ثقلًا لا يمكن تجاهله. ساد الصمت للحظة، وكأن الهواء نفسه توقف احترامًا لوجوده.
      
      وقف أمامهما، طويل القامة، بهيبة لا تحتاج إلى تفسير. عيناه الحادة مسلطة عليهما، باردة، غير مقروءة، كأنها تحكم عليهما دون أن يتكلم.
      
      ( سايلوس: ليس بشريًا، بل كائن من عالم آخر، جاء إلى عالم البشر لأسباب لا يعلمها إلا هو. في هذه الهيئة، يبدو كرجل وسيم، ذو ملامح دقيقة ووجه بلا عيوب، لكنها خالية من المشاعر تمامًا، وكأنها منحوتة من حجر. عيناه في عالم البشر بلون رمادي قاتم، لا تعكس أي ضوء، مما يزيد من غموضه، لكن في عالمه الحقيقي تتحول إلى زرقاء سماوية متوهجة ببؤبؤ أصفر لامع، وهي العلامة الفارقة لقوته الحقيقية. جسده في شكله الحقيقي ليس مجرد جسد بشري، بل يتخلله وهج طاقة يصعب تفسيره، وكأنه جزء من شيء أعظم من مجرد كائن حي.)
      
      بصوت هادئ، لكنه يحمل في طياته نغمة لا تحتمل الجدل، قال:
      "لقد تأخرت الرسالة أكثر من اللازم. يبدو أن هناك مشكلة."
      
      نظر إليه زيفار بلا تعبير، بينما اكتفت فليريون بإطلاق صفير خافت، وكأنها كانت تتوقع هذا تمامًا.
      
      داخل المطعم – طاولة بالقرب من النافذة
      
      كانت أضواء المطعم خافتة، تعكس أجواءً دافئة تناقض البرودة في قلبها. جلست أماليا مقابلة لكايل، تداعب أصابعها حافة الكوب أمامها، بينما كان هو ينظر إليها بابتسامة خفيفة، لكنها لم تصل لعينيه.
      
      قال بصوت ناعم، بنبرة تحمل دفئًا مصطنعًا:
      "حبيبتي، هل أنهيتِ طعامك؟"
      
      رفعت نظرها إليه، وأجابت باقتضاب:
      "أجل، أنهيته."
      
      وضع الملعقة جانبًا، ثم مال قليلاً للأمام، ناظرًا إليها بعينين تحملان شيئًا لم تستطع تفسيره تمامًا. ابتسامته اتسعت قليلاً قبل أن يقول:
      "جيد، هيا بنا… سأخذكِ إلى مكان مميز."
      
      حدقت به لوهلة، مترددة، لكنها هزّت رأسها في النهاية، متجاهلة الشعور الخافت الذي بدأ يتسلل إلى أعماقها… ذلك الشعور الذي يخبرها بأن هناك شيئًا خاطئًا.
      
      الميناء – 10:15 مساءً
      
      ركبت أماليا السيارة بجوار كايل، الذي كان يقود بصمت، وجهه مسترخٍ لكنه يحمل ظلالًا خفية من الترقب. كانت الأضواء في الشوارع تتلاشى شيئًا فشيئًا كلما اقتربوا من الميناء، حيث ساد الظلام والصمت، ولم يكن يُسمع سوى صوت الأمواج وهي تتكسر على الأرصفة الحجرية.
      
      توقفت السيارة أخيرًا بالقرب من رصيف بحري مهجور، نزلت أماليا أولًا، تلتفت حولها باستغراب، ثم استدار كايل ليخرج من السيارة ويلحق بها.
      
      نظرت إليه بعينين متردّدتين، قبل أن تسأله بصوت خافت:
      "حبيبي... لماذا نحن هنا؟"
      
      أدار وجهه نحوها، ابتسم بثقة وهو يقول:
      "حبيبتي، إنها مفاجأة."
      
      ثم صفق بيديه مرتين، وفجأة، اشتعلت الأضواء على سطح سفينة ضخمة كانت راسية على بعد أمتار قليلة. الأضواء انعكست على سطح الماء، تلمع كأنها نجوم غارقة في البحر.
      
      اتسعت عينا أماليا باندهاش، لكنها لم تجد فرصة للحديث، إذ أمسك كايل بيدها بقوة وسحبها خلفه نحو السفينة.
      
      "هيا، لا تخافي، ستكون ليلة لا تُنسى."
      
      قالها بصوت دافئ، لكن قبضته على يدها كانت أقوى مما ينبغي، وكأنها قيد لا يمكنها الإفلات منه.
      
      خطت أماليا إلى داخل السفينة بخطوات مترددة، وعيناها تتجولان في المكان المزين بطريقة حالمة. كانت الأضواء الناعمة تتراقص على سطح السفينة، بينما تمايلت البالونات الحمراء على شكل قلوب بفعل نسمات البحر الخفيفة. تناثرت الورود الحمراء في كل زاوية، مغطية الطاولات والسياج المعدني للسفينة، حتى بدا المشهد وكأنه مُعد بعناية لسهرة رومانسية لا تُنسى.
      
      وقفت أماليا في منتصف سطح السفينة، تدير عينيها ببطء، محاولة استيعاب المفاجأة. التفتت إلى كايل، الذي كان يراقبها بابتسامة منتشية، وكأنه يتلذذ بردة فعلها.
      
      "كايل… هذا جميل… لكن…"
      
      قبل أن تكمل، اهتزت السفينة قليلًا، وشعرت بحركتها تتغير. التفتت سريعًا نحو البحر، لترى أن المحرك قد بدأ بالعمل، وأن السفينة بدأت بالتحرك مبتعدة عن الميناء.
      
      شعرت بغصة غريبة في حلقها، فأعادت نظرها إلى كايل، الذي كان لا يزال مبتسمًا.
      
      نظرت أماليا إلى الديكور الرومانسي حولها، والدهشة لا تزال مرتسمة على وجهها. البالونات الحمراء تتمايل برقة، والأضواء تنعكس على سطح البحر كنجوم متراقصة. استدارت نحو كايل بابتسامة صغيرة، عيناها تحملان مزيجًا من المفاجأة والارتباك.
      
      قالت بصوت ناعم وهي تنظر إليه:
      "عزيزي… ما كل هذا الجمال؟ ولكن… لمَ كل هذا؟"
      
      اقترب منها كايل، أخذ يدها برفق، ثم همس بابتسامة ساحرة:
      "إنه عيد ميلادكِ، عزيزتي… كل عام وأنتِ معي."
      
      اتسعت عيناها قليلًا، قبل أن تضع يدها على فمها بدهشة:
      "حقًا؟ لقد نسيت تمامًا يوم مولدي!"
      
      ضحك كايل بصوت هادئ، ثم مرر أصابعه بين خصلات شعرها بلطف، بينما همس:
      "كيف يمكنني أن أنسى يوم ميلاد أغلى شخص في حياتي؟"
      
      ابتسمت له، عيناها تلتمعان بالمشاعر الصادقة، ثم قالت بحماس:
      "أنتَ حقًا أفضل حبيب… أنا حقًا أحبك!"
      
      أحاط خصرها بذراعيه، بينما همس لها بالقرب من أذنها:
      "وأنا أيضًا… أحبكِ أكثر مما تتخيلين."
      
      أماليا، التي كانت غارقة في أجواء المفاجأة الجميلة، نظرت إلى كايل بعيون متلألئة بالسعادة. لم تتوقع منه كل هذا التخطيط، وكل هذا الجمال الذي أحاط بها، فأمسكت بيده برقة، ثم سألته بابتسامة مشرقة:
      
      "ولكن… أين نحن متجهون؟"
      
      ضحك كايل بخفة، وضغط على يدها بلطف ليطمئنها قبل أن يقول:
      "إلى منتصف البحر… هناك مفاجأة بانتظارك، وأعدك أنكِ ستعشقينها."
      
      اتسعت ابتسامتها، وامتلأ قلبها بالدفء والثقة. منذ أن التقت بكايل، كان دائمًا يخطط لمفاجآت مميزة تجعلها تشعر بأنها الأهم في حياته، واليوم لم يكن مختلفًا.
      
      أمسكت بذراعه بحماس، وقالت وهي تضحك:
      "أنتَ مذهل، لا أصدق أنكَ فكرت بكل هذا من أجلي!"
      
      مرر يده بين خصلات شعرها بحب، ثم همس لها:
      "أنتِ تستحقين أكثر من هذا بكثير، حبيبتي."
      
      نظرت إليه بامتنان، ثم استدارت نحو البحر، مستمتعة بنسيمه العليل وهو يلامس وجهها، بينما كانت السفينة تواصل رحلتها نحو منتصف المحيط… حيث تنتظرها المفاجأة.
      
      منتصف البحر – 11:00 مساءً
      
      وصلت السفينة أخيرًا إلى منتصف البحر، حيث لم يكن هناك سوى المياه المتلألئة تحت ضوء القمر والنجوم التي بدت وكأنها تراقبهم من الأعلى. كان الجو هادئًا، لا يُسمع سوى صوت الأمواج الرقيقة وهي تتلاطم برفق مع السفينة.
      
      أمسك كايل يد أماليا بلطف، وضغط عليها برقة ليجذب انتباهها. ثم، بابتسامة دافئة، أشار إلى السماء قائلاً:
      "انظري إلى الأعلى، حبيبتي."
      
      رفعت أماليا عينيها بفضول، وما رأته جعل أنفاسها تتوقف لوهلة. كانت السماء قد تزينت بعرض من الأضواء الساطعة، وكأن النجوم نفسها بدأت ترقص من أجلها. ألوان زاهية تملأ السماء في مشهد ساحر، وكأنها دخلت إلى حلم جميل لا ترغب في الاستيقاظ منه.
      
      تألقت عيناها بسعادة خالصة، ثم استدارت إلى كايل وقالت باندهاش:
      "هذا… هذا مذهل! كيف فعلتَ ذلك؟"
      
      ضحك كايل وهو لا يزال ممسكًا بيدها، ثم قال بصوت هادئ مليء بالحنان:
      "لأجلكِ، أماليا… أردتُ أن يكون هذا اليوم لا يُنسى."
      
      كانت هذه لحظة مثالية.
      
      بينما كانت سفينة كايل وأماليا تبحر في هدوء وسط البحر، كانت سفينة أخرى على مقربةٍ منها، غير مرئية لمن عليها، لكنها تراقب كل شيء بصمت.
      
      وقف سايلوس على سطح السفينة، يحدّق بعينيه الباردتين نحو السفينة الأخرى، حيث كانت أماليا تضحك بسعادة مع كايل، غير مدركة أن هناك من يراقبها عن كثب.
      
      قالت فليريون وهي تراقب المشهد بملل:
      "ماذا يفعلون؟"
      
      أجاب زيفار ببرود، عاقدًا ذراعيه أمام صدره:
      "إنه الحب… أو شيءٌ مقرف يشبهه."
      
      ثم التفت نحو سيده، وأضاف سريعًا بصوت أكثر جدية:
      "صحيح، سيدي؟"
      
      لكن حينما وقعت عيناه على سايلوس، ارتجف للحظة… كانت نظراته أشبه بعاصفة قادمة، مزيجًا من الغضب، والغيرة، والتهديد الصامت.
      
      صوت سايلوس اخترق الصمت، منخفضًا لكنه مشحون بالهيمنة:
      "لماذا لم تصل الرسالة بعد؟"
      
      شعر زيفار بتوترٍ مفاجئ، فاعتدل في وقفته وأجاب فورًا:
      "سيدي، نحن في إيطاليا، والبوابة في الفيردلين… أي أن المسافة طويلة جدًا حتى تصل إلى هنا."
      
      ظل سايلوس صامتًا للحظات، ثم أعاد نظره إلى السفينة الأخرى، حيث كانت أماليا تنظر بحب إلى كايل… مشهد جعل الغضب يتصاعد داخله أكثر فأكثر.
      
      قالت فليريون بسرعة، وهي تعقد ذراعيها وتنظر إلى زيفار بتهكم، بينما تعدّل على كلامه:
      "أيها الغبي! اسمها الفلبين وليست الفيردلين، والبوابة في مكان اسمه خندق ماريانا، هل نسيت كل شيء فجأة؟!"
      
      زيفار، الذي كان مستندًا على سور السفينة، أدار عينيه بضجر وردّ ببرود:
      "أوه، عذرًا، آنسة الموسوعة الجغرافية، لم أكن أعلم أنني في امتحان معلومات عامة."
      
      فليريون شبكت يديها أمام صدرها وحدّقت به بحدة، نيران التحدي تشتعل في عينيها:
      "لو كنت تهتم بغير النوم والتذمر، لما أخطأت بهذه السخافة!"
      
      زيفار رفع حاجبه قليلًا ثم مال نحوها بابتسامة جانبية مستفزة:
      "وأنتِ، لو كنتِ تهتمين بشيء آخر غير الجدال معي، ربما كنتِ ستوفرين على نفسك هذا الصداع!"
      
      قبل أن تشتعل مشاجرة أخرى بينهما، جاء صوت سايلوس العميق والحاد ليقطع الجدال كالسيف:
      "كفى."
      
      في لحظة واحدة، ساد الصمت المكان. حتى الأمواج بدت وكأنها تراجعت رهبة من نبرته.
      
      وقف سايلوس بجانب حافة السفينة، معطفه الطويل يتمايل مع الرياح، وشعره الأسود يتطاير بخفة. عينيه، اللتين كانتا بلون الرمادى، لكنه لم يكن بحاجة إلى وهجها الغريب ليبث الرهبة في نفوس من حوله.
      
      التفت إليهما ببطء، نظراته كانت كالجليد، وقال بصوت هادئ لكنه محمّل بالتهديد الخفي:
      "لا يهمني ما اسم المكان، ولا يهمني مدى بُعده… ما يهمني هو لماذا لم تصل الرسالة حتى الآن."
      
      لم يجرؤ أحد على الرد للحظات. ثم تحدث زيفار أخيرًا، بصوت أقل حدة من ذي قبل:
      "سيدي… المسافة طويلة، والرسالة لم تكن جاهزة للإرسال حتى وقت قريب، ولكنها في الطريق بالفعل."
      
      ظل سايلوس يحدّق في الأفق، عيناه تعكسان أمواجًا من الأفكار التي لم يشارك بها أحدًا. وأخيرًا، قال بصوت بارد، وكأن الكلمات كانت تُقال أكثر لنفسه من لغيره:
      "يجب أن تصل… قبل فوات الأوان."
      
      بينما كانت السفينتان تتحركان جنبًا إلى جنب وسط الأمواج، ظهرت شرارة زرقاء خافتة في الهواء بينهما، وكأنها تمزق نسيج الواقع نفسه. ازداد التوهج شيئًا فشيئًا حتى تشكّلت فجوة صغيرة تلتف حولها طاقة غريبة.
      
      "أخيرًا!" قالت فليريون بحماس، وهي تراقب الفتحة تتسع ببطء، قبل أن تنطلق منها لفافة سوداء مختومة بختم ذهبي، تدور في الهواء للحظات، ثم تسقط في يدها مباشرة.
      
      "أوه! لقد وصلت الرسالة!" هتفت بسعادة وهي تقلبها بين يديها.
      
      لكن قبل أن تتمكن من فتحها، يد قوية خاطفة انتزعتها منها في اللحظة الأخيرة.
      
      "هيي! أعدها لي، أيها الذئب المتعجرف!" صاحت بغضب وهي تحاول الإمساك بها مرة أخرى.
      
      زيفار، الذي رفعها عاليًا بعيدًا عن متناولها، ردّ ببرود مستفز:
      "يجب أن تُسلَّم إلى سايلوس أولًا، وليست لمزعجة نارية مثلك!"
      
      "أنا مساعدته أيضًا!" قالت فليريون وهي تحاول القفز للوصول إلى الرسالة، لكن زيفار كان أطول منها، مما زاد من حنقها.
      
      ظل الاثنان يتشاجران، يتبادلان النظرات الغاضبة والدفع الخفيف، وكأنهما طفلان يتصارعان على لعبة.
      
      لكن فجأة…
      
      صوت ارتطام قوي بالماء جعل الاثنين يتوقفان في الحال، يلتفتان بسرعة نحو المكان الذي سقط فيه شيء… أو شخص.
      
      نظرا إلى سايلوس… لكنه لم يكن هناك.
      
      بينما كانت السفينة تتهادى برفق فوق سطح الماء، والنجوم تتلألأ في السماء، نظرت ليا إلى كايل بابتسامة دافئة، وعينيها تتوهجان بالسعادة.
      
      "حبيبي، دعنا نتزوج."
      
      كايل، الذي بدا وكأنه لم يصدق ما سمعه للحظة، ابتسم برقة وهو يضع يده على يدها:
      "أنا موافق، ولكن... أنتِ تعلمين أنني ما زلت في بداية طريقي، وليس لدي المال الكافي لشراء خاتم أو لتحمل نفقات الزفاف."
      
      ليا شدّت على يده بلطف، وكأنها تريد أن تطمئنه:
      "لا تقلق، عزيزي. لدي المال، وأنت وأنا سنصبح شخصًا واحدًا، سنبني كل شيء معًا."
      
      نظر إليها كايل للحظات، ثم تنهد بابتسامة هادئة قبل أن يهمس:
      "حقًا؟ لكن..."
      
      "لا يوجد لكن، أنا وأنت واحد، يا حبيبي." قاطعته بحزم، وعينيها تملؤهما العاطفة.
      
      كايل شعر بانجذاب لا إرادي نحوها، فاقترب منها أكثر وهمس بصوت عميق:
      "حبيبتي، أنا حقًا أحبك كثيرًا..."
      
      ثم، وكأنه يريد أن يخلّد هذه اللحظة، ابتسم فجأة وقال بحماس:
      "ما رأيك أن ألتقط لكِ صورة تذكارية؟"
      
      ليا ضحكت بخفة وهزّت رأسها:
      "حسنًا، لمَ لا؟"
      
      "هيا إذن، اصعدي إلى مقدمة السفينة، سألتقط لكِ صورة جميلة هناك!" قال كايل وهو يشير إلى مقدمة السفينة المزيّنة بالأضواء.
      
      دون أي شك، تحركت ليا بسعادة نحو مقدمة السفينة، غير مدركة لما كان يدور في عقل كايل...
      
      بينما كانت ليا تتقدم نحو مقدمة السفينة، تتأمل الأضواء المنعكسة على سطح البحر، كان كايل يقف خلفها، يخفي ابتسامة خبيثة.
      
      كان قد خطط لكل شيء بعناية، ووضع طبقة خفيفة من الزيت على سطح السفينة، بحيث تفقد توازنها وتنزلق بسهولة.
      
      خطواتها كانت واثقة، لم تكن تشعر بأي خطر، بل كانت سعيدة بالمفاجأة التي أعدها لها كايل... أو هكذا اعتقدت.
      
      ولكن فجأة—
      
      انزلقت قدمها بشدة!
      
      شعرت بجسدها يتهاوى إلى الخلف، وذراعيها تتأرجحان في الهواء بحثًا عن شيء تتشبث به، ولكن بلا جدوى.
      
      لحظة صادمة، صرخة قصيرة قطعت سكون الليل، ثم...
      
      "بووووم!"
      
      سقطت ليا في الماء، وغاص جسدها سريعًا في ظلام البحر البارد.
      
      كايل، الذي كان يراقب المشهد، لم يحاول حتى إنقاذها. بل وقف هناك، ينظر إلى المياه ببرود، وعيناه تلمعان بانتصار شرير.
      
      ابتسم بسخرية وهمس لنفسه:
      "وداعًا، ليا..."
      
      بينما كانت الأمواج تتلاطم برفق حول السفينة، وقف كايل للحظة، ينظر إلى النقطة التي سقطت فيها ليا. لم يظهر على وجهه أي قلق أو ندم، فقط نظرة باردة بلا مشاعر.
      
      رغم أنه لم يعرفها سوى منذ عام واحد، إلا أن ذلك كان كافيًا ليجعلها تثق به تمامًا. لم تكن تدرك أن كل كلمة حب قالها، وكل وعد قطعه، كان مجرد تمثيل متقن. والآن، بعد أن حقق هدفه، لم يعد بحاجة إليها.
      
      استدار بهدوء، وسار نحو مقدمة السفينة، خطواته ثابتة وكأن شيئًا لم يحدث. لم يحاول حتى التأكد مما إذا كانت تحاول السباحة أو النجاة، لم يلتفت وراءه. بالنسبة له، انتهى الأمر.
      
      أمسك بمقود السفينة، وأدارها بعيدًا عن المكان، مُسرعًا بها نحو اليابسة. المحرك هدر بصوت عالٍ، والمياه تباعدت خلفه، بينما كانت ليا تُغرق في أعماق البحر، وحدها، بلا أمل.
      
      لم يكن هناك شهود على هذه الخيانة، سوى القمر المنعكس على سطح الماء... وعيونٍ كانت تراقب من بعيد.
      
      وسط ظلام البحر وبرودة الليل، كانت هناك فتاة تغرق. نظراتها مليئة بالخوف والخذلان. لم تحاول المقاومة، كأنها استسلمت للمصير. كانت تشعر بجسدها يهبط للأسفل ببطء، المياه تحيط بها من كل جانب، عيناها نصف مغلقتين، لكن عقلها لم يتوقف عن التفكير.
      
      "هل هذه نهايتي؟ هل ينتهي كل شيء هنا؟ هل سأموت هكذا، بلا معنى، بلا فرصة للنجاة؟"
      
      حاولت رفع يدها، لكن جسدها كان ثقيلاً. أنفاسها بدأت تنقطع، والمياه تغزو رئتيها. في تلك اللحظة، لم يكن الخوف مما سيحدث بعدها، بل كان من الألم، من الظلم، من كل ما عاشته حتى هذه اللحظة.
      
      "لماذا؟ لماذا فعلتم بي هذا؟ لماذا كل هذا الألم؟"
      
      قبل أن تفقد وعيها تمامًا، رأت ظلًا يقترب من سطح المياه، كان سريعًا، كأنه يخترق البحر للوصول إليها. هل هو حقيقي؟ أم أنها تتخيل؟ لم تستطع التفكير أكثر، لأن الظلام ابتلعها تمامًا.
      على سطح البحر، كانت الأمواج مضطربة، كأنها تستجيب لغضبٍ خفي. وفي لحظة، اخترق سايلوس الماء، جسده يشق البحر كأنه وُلد منه. عيناه تحولت إلى اللون الرمادي المميت، لا تعكس إلا الغضب، إلا العاصفة التي تشتعل داخله. لم يكن إنقاذها مجرد فعل، بل كان أمرًا محسومًا، كُتب في أعماق كيانه منذ زمنٍ بعيد.
      
      تحرك بسرعة برق، لا شيء أوقفه، لا ضغط الماء ولا ظلمته. مدّ ذراعيه، ولفها بحذر بينهما، يسحبها إلى صدره، يحميها بجسده من برودة البحر القاتلة. للحظة، شعر بضعف أنفاسها، بشحوبها بين يديه، فزادت قبضته عليها، كأنه يتحدى الموت نفسه ليأخذها منه.
      
      ثم، وكأن البحر نفسه يخشاه، اندفع بهما نحو السطح بقوة هائلة، يخرجان من الماء كطيفٍ غاضب، جناحا قوته الخفية تنشر هالة من الطاقة حوله. لم يتوقف، لم ينظر للخلف، فقط حلق في الهواء بسرعة خاطفة، عائداً بها إلى سفينته الخاصة، حيث كان زيفار وفليريون يراقبان المشهد بدهشةٍ وصمت.
      
      هبط على سطح السفينة، قطرات الماء تتطاير من حوله، جسده يقطر غضبًا وقوة، بينما في حضنه كانت ليا، بين الحياة والموت.
      
      في تلك اللحظة، لم يكن في عيني سايلوس سوى وعدٍ واحد...
      "كايل، لقد حكمت على نفسك بالموت."
      
      

      الحياة شـروق وغروب، لا تدع اليأس يستولي عليك، انظر إلى حيث تشرق الشمس كل فجر جديد لتتعلم الدرس الذي أراد الله للناس أن يتعلموه، إنّ الغروب لا يَحُول دون شروق مرة أخرى في كل صبح جد إلى حيث تشرق الشمس كل فجر 👍

      عرض المزيد

      قصه النبي يوسف - قصص الأنبياء

      النبي يوسف

      2025, هاني ماري

      دينية

      مجانا

      تروي هذه الرواية بأسلوب مشوّق وبسيط قصة النبي يوسف عليه السلام، بدايةً من طفولته وحلمه العجيب، مرورًا بخيانة إخوته ورميه في البئر، ثم رحلته في قصر العزيز وسجنه، حتى وصوله إلى حكم مصر ولمّ شمله بأهله

      يوسف

      عليه السلام نبي من أنبياء الله، وذُكر في القرآن الكريم بسورة كاملة تحمل اسمه: سورة يوسف

      يعقوب بن إسحاق

      نبي الله، وهو الأب الحنون الذي يحب يوسف أكثر من باقي أبنائه، لكنه كان يعلم أن ليوسف شأنًا عظيمًا

      إخوة يوسف

      كانوا ١٠ إخوة أكبر من يوسف، بالإضافة إلى أخيه الشقيق بنيامين. كانوا يشعرون بالغيرة من حب أبيهم الزائد ليوسف
      تم نسخ الرابط
      قصه النبي يوسف - قصص الأنبياء

      في قديم الزمان، في أرض كنعان، كان فيه راجل طيب وكبير في العمر اسمه يعقوب بن إسحاق، وهو كان نبي من أنبياء الله. كان عنده ولاد كتير، بس كان فيه ولد واحد مميز عنده جدًا، وهو يوسف. يوسف ماكانش مجرد ولد عادي، ده كان جميل فوق الوصف، ملامحه كانت هادية ورايقة، وعينيه واسعة فيها براءة الأطفال، لكن في نفس الوقت كان فيه في نظرته حاجة مختلفة، حاجة بتقول إنه مش طفل زي أي طفل.
      
      يوسف كان دايمًا قريب من أبوه، يسمع كلامه، ويسأله في كل حاجة. وكان أبوه بيحبه حب فوق الوصف، وده خلى إخواته يحسوا بالغيرة منه. كان عنده أخ شقيق اسمه بنيامين، وكانوا الاتنين قريبين من بعض جدًا، لأن أمهم كانت متوفية، وكانوا بيلاقوا الأمان في حضن بعض.
      
      حلم غيّر كل شيء
      
      في يوم من الأيام، يوسف صحي من النوم وعينيه كانت مليانة فرحة وحيرة في نفس الوقت. جري بسرعة على أبوه وقال له بصوت متحمس:
      
      "يا أبي، أنا حلمت حلم غريب أوي! شُفت إني واقف في مكان كبير، وكان فيه حداشر كوكب، والشمس والقمر كلهم ساجدين ليّ!"
      
      يعقوب بص لابنه يوسف بحنان، لكنه في نفس الوقت كان قلقان، لأنه عارف إن الحلم ده مش مجرد حلم، ده كان رسالة من عند ربنا، وكان معناه كبير جدًا. قعد يفكر لحظة، وبعدها بص لابنه وقال له بصوت هادي، لكن فيه تحذير:
      
      "يا يوسف، متحكيش الحلم ده لإخواتك، لحسن يكيدوا لك كيد كبير."
      
      يوسف كان طفل بريء، مش فاهم ليه أبوه بيقوله كده، بس كان متأكد إن أبوه عارف أكتر منه، فهز رأسه وقرر يسكت عن الحلم. لكنه ماكانش يعرف إن الغيرة اللي جوا إخواته كانت بتزيد يوم عن يوم، وإنهم كانوا بيحقدوا عليه لإن أبوهم كان دايمًا مهتم بيه أكتر منهم.
      
      
      
      
      الوقت عدى، وإخوات يوسف فضلوا شايفين إن أبوهم بيحب يوسف أكتر منهم، وكانوا كل ما يشوفوه معاه بيحسوا بالحقد جوه قلوبهم بيزيد أكتر. وفضلوا يفكروا في حل يخلي أبوهم ينسى يوسف، علشان يبقى ليهم لوحدهم.
      
      في يوم، وهم قاعدين مع بعض بعيد عن أبوهم، بدأوا يتكلموا عن يوسف، وواحد منهم قال بغضب:
      
      "إحنا مش هنرتاح غير لما يوسف يختفي! طول ما هو موجود، أبونا مش شايف حد غيره!"
      
      واحد تاني رد عليه:
      
      "طب نعمل إيه؟ نقتله؟"
      
      لكن واحد من الإخوة كان أقل قسوة شوية، فقال:
      
      "لأ، لأ.. نرميه في بير بعيد! حد غريب يلاقيه وياخده، وأحسن من إننا نقتله بإيدينا!"
      
      وبعد تفكير، استقروا على إنهم ينفذوا خطتهم، لكنهم كانوا محتاجين حجة علشان يخلوا أبوهم يسمح لهم ياخدوا يوسف معاهم.
      
      
      
      رجعوا البيت، وقعدوا يتكلموا مع أبوهم بكل مكر وقالوا له:
      
      "يا أبانا، ما تخليش يوسف دايمًا قاعد جنبك! سيبه يخرج معانا، يلعب شوية في الصحراء، يجري، يستمتع! إحنا هنحافظ عليه، ومش هنسيبه لحظة!"
      
      يعقوب كان قلبه حاسس بحاجة مش مريحة، وكان قلقان على يوسف جدًا، فقال لهم:
      
      "أنا خايف تسيبوه وتيجي ذئب ياكله، وانتو مش واخدين بالكم!"
      
      ضحكوا بسخرية، وقالوا:
      
      "ذئب إيه بس يا أبانا؟! إحنا رجالة، مش هنسيب يوسف لحظة!"
      
      بعد إلحاح شديد، وافق يعقوب على مضض، لكنه كان حاسس إن قلبه مقبوض، وكأنه حاسس إن يوسف مش هيرجع.
      
      
      
      أخدوا يوسف معاهم، وكان فرحان إنه أخيرًا هيخرج معاهم يلعب، لكنه ماكانش يعرف إنهم مخبيين ليه أسوأ مصير. فضلوا ماشيين لحد ما وصلوا عند بير مهجور، وهناك بصوا لبعض، وأحدهم مسك يوسف بقوة، وقال له:
      
      "ودلوقتي يا يوسف، خلينا نشوف إزاي أبوك هيحبك وأنت مش موجود!"
      
      يوسف اتخض، وحاول يقاوم، لكنه كان صغير وضعيف قدامهم. واحد منهم مسكه من إيده، والتاني من رجله، وفجأة، رموه جوه البير!
      
      وقع يوسف جوه، وقلبه كان بيدق بسرعة، وهو مش فاهم إزاي إخواته ممكن يعملوا فيه كده! فضل يبص لفوق، لكنهم ماكانوش حتى باصين له، كانوا واقفين بيتكلموا عن الخطة اللي جاية.
      
      واحد منهم قال:
      
      "لازم نروح لأبونا ونقوله إن الذئب أكله!"
      
      رد عليه التاني:
      
      "صح! تعالوا نحط شوية دم على قميصه، ونقول إننا كنا مشغولين وماقدرناش نحميه!"
      
      وفعلًا، دبحوا شاه، وغمسوا قميص يوسف في دمه، وبعدها رجعوا البيت يبكوا قدام أبوهم، وقالوا له بصوت كله تمثيل:
      
      "يا أبانا، كنا بنجري ورا بعض، وسبنا يوسف لحظة، وفجأة جه الذئب وأكله! ملحقناش ننقذه!"
      
      يعقوب بص للقميص اللي مافهوش أي تمزق، ودموعه نزلت لوحدها، وحس إن ولاده بيكدبوا عليه، لكنه مكنش قادر يعمل حاجة غير إنه يبكي بحزن شديد، ويقول:
      
      "بل سولت لكم أنفسكم أمرًا، فصبر جميل!"
      
      ----- يتبع (رمضان كريم) -----
      
      

      في قبضة المافيا الروسية - روايه جريمه

      في قبضة المافيا الروسية

      2025, أدهم محمد

      مافيا

      مجانا

      تضطر لدخول عالم الجريمة في هيوستن، وتواجه المافيا الروسية والمقاتلين المحترفين. تلجأ لإيفان ماركوفيتش، رجل خطير قد يكون الأمل الوحيد لإنقاذ أختها. لكنها تكتشف أن طلب المساعدة قد يضعها في لعبة أخطر مما تخيلت.

      إيرين

      البطلة الرئيسية، شابة شجاعة تضطر لدخول عالم الجريمة للبحث عن أختها المفقودة

      إيفان ماركوفيتش

      مرتبط بالمافيا الروسية وعالم القتال، وقد يكون الأمل الوحيد لإيرين أو أسوأ كابوس لها.

      روبي

      أخت إيرين المفقودة، التي تورطت مع أشخاص خطرين، مما يدفع إيرين للمخاطرة بحياتها لإنقاذها.
      تم نسخ الرابط
      في قبضة المافيا الروسية

       إيرين، بالله عليكِ متدخليش هناك."
      
      ڤيڤيان كانت قاعدة في الكرسي الأمامي جنب السواق، وعمالة تفرك في إيديها بقلق. "ده خطر جدًا."
      
      حسيت بتوتر في بطني بسبب نبرتها اليائسة. "معنديش اختيار، لازم ألاقي روبي."
      
      "هنلاقي طريقة تانية." لينا لفّت في كرسي السواق بتاع عربيتها الحمرا القديمة، وبصّتلي بنظرة توسل. "ڤيڤي عندها حق، متدخليش هناك."
      
      بصّيت من الشباك الوراني للعربية الضيقة، وقلبي وقع في رجلي وأنا شايفة المستودع قدامي. المبنى كان شكله قديم وصدئ، منظره يوحي إنه مهجور، بس الحقيقة كانت مختلفة تمامًا. المكان ده كان بيحتوي على واحد من أقوى مراكز تدريب الفنون القتالية المختلطة في العالم. رجالة من كل حتة في الدنيا بييجوا هيوستن مخصوص علشان يحاولوا ياخدوا مكان في التدريبات السنوية القليلة جدًا.
      
      بس أنا مش جاية علشان أتدرب. لا، أنا هنا علشان أطلب المساعدة. نوع معين من المساعدة، المساعدة اللي مفيش حد يقدر يقدمهالي غير شخص غارق في الوحل بتاع العالم السفلي في هيوستن.
      
      "أنا محتاجة مساعدة."
      
      "دول مش النوع اللي تروحلهم علشان المساعدة!" ڤيڤي أصرت على كلامها. "دول النوع اللي عادةً بتحتاجي مساعدة علشان تهربي منهم!"
      
      "أنا مع ڤيڤي في النقطة دي، إيرين." لينا كانت بتقضم ضوافرها بقلق. "بجد بلاش تدوري على المشاكل. ڤيڤي أكتر واحدة عارفة، يا ساتر يا رب، إيرين! هي بتشتغل مع المافيا الروسية، أكيد عارفة نوعية الناس اللي زي إيفان ماركوفيتش ده."
      
      ڤيڤي ضربت لينا على رجلها بعصبية. "أنا مش بشتغل مع المافيا الروسية! بطلّي كلامك ده، ممكن تأذيني!"
      
      
      لينا حكّت رجلها وقالت، "إنتِ شغالة جارسونة في الساموفار، والمكان ده ملك نيكولاي كلاشنيكوف. لو ده مش تابع للمافيا، يبقى أنا مش فاهمة حاجة في الدنيا!"
      
      ڤيڤي ردّت بسرعة، "إنتِ متأكدة من ده؟ محدش عارف إذا كان في المافيا ولا لأ. الناس دي سرّيين جدًا."
      
      بصّتلي بقلق، "لما بدأت شغلي مع نيكولاي، حذرني أبعد عن الرجالة اللي بييجوا المطعم، وفعلاً بسمع كلامه. إيفان ماركوفيتش زبون دائم هناك، فخدي بنصيحة نيكولاي، إيرين، وابعدي عنه بأي تمن."
      
      كنت ممتنة لتحذيرها، بس كان الوقت فات على التراجع. "معنديش اختيار، هدخل."
      
      ڤيڤي كانت شكلها هتعيط، ولينا طلّعت نفس طويل وقالت، "خلي موبايلك في إيدك وافتحي رقمي. لو حصل أي حاجة غريبة، دوسي الزرار وإحنا هنيجي نطلّعك."
      
      في أي وقت تاني كنت هضحك على نبرة البطلة اللي بتتكلم بيها لينا، بس دلوقتي كنت محتاجة قوتها ودعمها. طلّعت موبايلي من الشنطة ومسكتُه بإحكام. "تمام، أنا جاهزة."
      
      ڤيڤي مدت إيدها ومسكَت معصمي بقوة، "إياكِ توعديه بأي حاجة. الروس دول عندهم موضوع الدين ده مقدّس. لو وعدتي بحاجة، لازم تسدديها، وهيستنوكِ توفّي بوعدك مهما كان."
      
      
      
      مسلحة بتحذير ڤيڤي ووعد لينا إنها هتيجي تنقذني لو حصلت أي مصيبة، فتحت باب العربية ونزلت. نسمة حارة من مايو لعبت بجيبة فستاني، فعدّلتها بسرعة وأنا بمسح بكفي المتوترة على القماش. سرّحت شعري القصير بأصابعي، وبلعت الغُصّة اللي كانت واقفة في حلقي. حطّيت نضارتي الشمسية على عيني، وأجبرت رجلي إنها تتحرك.
      
      الباب الرئيسي كان تقيل بشكل مرعب. حاولت أدفَعه بكتفي، لكنه بالكاد اتحرك. أخيرًا، بعد معافرة، بدأ ينفتح، وواجهني هواء بارد لدرجة صدمتني. وأنا بدخل المستودع، ما قدرتش أمنع نفسي من التفكير: هل فتح الباب ده كان أول اختبار للمقاتلين اللي بييجوا هنا عشان يتدربوا؟
      
      بمجرد ما دخلت، شجاعتي راحت في مهب الريح. المكان كان واسع جدًا، ومليان أقفاص للملاكمة والتدريبات القتالية. من بره، المستودع كان شكله خرابة، لكن دلوقتي فهمت قد إيه واجهته المتهالكة كانت خادعة. من جوه، المكان كان مظلم شوية، لكنه مليان بمعدات غالية. كان مزدحم برجالة عرقانين، نصهم تقريبًا نص عريان، بعضهم بيتمرن، والبعض التاني بيتضارب بشراسة جوه الأقفاص.
      
      وجودي ما عدّاش مرور الكرام. شوية عضلات وقفوا عن رفع الأوزان وبصّوا عليا باستغراب. حسيت بعدم ارتياح، فرفعت نضارتي الشمسية وحطّيتها فوق راسي، وحضنت دراعي اليمين على صدري. يمكن ڤيڤي كان عندها حق... دي كانت فكرة سيئة، سيئة جدًا.
      
      "ممكن أساعدك؟"
      
      لفّيت على الصوت، لقيت راجل كبير في السن، شكله ممكن يكون في عمر جدي، بييجي ناحيتي من جنب واحدة من محطات التدريب. صوته كان مليان لكنة تقيلة، بس مش روسي… لا، اللهجة اللي كانت بتلون كلماته كانت إسبانية.
      
      "إنتي تايهة؟"
      
      
      هزّيت راسي وقلت، "أنا محتاجة أقابل السيد ماركوفيتش."
      
      رفع حاجبه الأبيض بدهشة. "إيفان؟ إنتي عايزة تقابلي إيفان؟"
      
      أومأت بسرعة. "أيوه، من فضلك."
      
      فضل يبصّلي لحظة كأنه بيقيّمني، وبعدين طلع نفس طويل وحرّك صوابعه بإشارة خفيفة. "اتبعيني."
      
      مشيت وراه وأنا محافظة على مسافة قريبة. ركّزت عيني على ضهر التيشيرت الرمادي اللي لابسه، ورفضت أبصّ للعيون الفضولية اللي كانت بتتبعني. واضح إنهم مش متعودين يشوفوا ستات في المكان ده.
      
      "استني هنا." الراجل العجوز بصّلي بنظرة تحذير. "متتكلميش."
      
      قلبي وقع في رجلي. "متتكلميش"؟ إيه المكان ده بالظبط؟
      
      لما سبني لوحدي، جرّأت نفسي وبصّيت ناحية القفص المعدني اللي قدامي. كان مرفوع على مسرح صغير، وشبه اللي كنت بشوفه في عروض القتال المدفوعة. زمان، لما كنت قاعدة في أوضة معيشة حبيبي السابق، ما قدرتش حتى أكمل مشاهدة الجولة. لكن دلوقتي، وأنا واقفة قريب لدرجة إني سامعة صوت الضربات اللي بتتصادم مع الأجساد، حسّيت إن دماغي بتلف. العنف والدم عمرهم ما كانوا حاجة أقدر أتحملها بسهولة.
      
      على عكس ڤيڤي ولينا، أنا عشت حياة محمية، بعيد عن المشاكل. لحد ما دخلت روبي في مشاكل الإدمان والقضايا، ما كنتش حتى أعرف أي حاجة عن العالم السفلي لهيوستن. دلوقتي، أنا باخد درس مكثّف في أسوأ ما يمكن للمدينة دي إنها تقدمه.
      
      
      صوت رجل بيزعق لفت انتباهي. كان صوته واضح جدًا رغم الموسيقى العالية اللي شغالة في السماعات. مع إني عمري ما قابلت إيفان ماركوفيتش قبل كده، لكن مفيش شك إن الراجل المخيف ده هو هو.
      
      واقف قدام القفص مباشرة، شكله كان مختلف تمامًا عن الجو العنيف حواليه. كان لابس بنطلون رمادي مفصَّل بدقة وقميص أبيض بأكمام مرفوعة لحد كوعه، مكشفًا عن دراعات مليانة عضلات وتاتوهات. حتى من المسافة دي، الحروف السيريليّة كانت واضحة جدًا. مش محتاجة أكون خبيرة علشان أفهم معناها.
      
      إيفان صفق بإيديه وبدأ يصدر أوامر بالروسية، صوته كان قوي ومليان سيطرة. جوه الحلبة، المقاتلين ما جراش في بالهم حتى يعصوا أوامره. بالعكس، زوّدوا ضربهم لبعض، اللكمات والركلات كانت بتنزل بقوة. رغم كل العنف ده، كنت مرتاحة إنهم لابسين خوذات وقفازات للحماية.
      
      راجل تاني واقف بره القفص ضرب قطعتين خشب ببعض، مشيرًا لانتهاء الجولة. إيفان فتح باب القفص ودخل بخطوات ثابتة. أشار للمقاتلين اللي كانوا بينهجوا وعرقانين إنهم يقربوا منه. لفّ دراعاته على أكتافهم وسحبهم ناحيته، وهمس لهم بشوية كلام. ما قدرتش أفهم ولا كلمة، لكنهم كانوا بيسمعوا بانتباه شديد.
      
      بعد ما خلص كلامه، ضرب كل واحد منهم على كتفه وخرج من القفص. بدأ ينزل السلالم المعدنية القصيرة، لكن فجأة وقف مكانه. عيونه قابلت عيوني. النظرة اللي رمقني بيها حرّقتني من فوق لتحت، كأنه بيمسحني بعينيه.
      
      قطّب حواجبه وهو بينزل السلالم، وبعدين مال بدماغه ناحيّة الراجل العجوز اللي كان بيتكلم معاه. لكن، ولا لحظة واحدة، رفع عني نظره.
      
      
      
      إيفان استمع للراجل العجوز وهو بيتكلم، بس عيونه فضلت مثبتة عليا، كأنه بيحاول يقرا أفكاري. قلبي بدأ يدق بسرعة، وإحساس غريب تسلل لجسمي… مش خوف، مش ارتباك، لكن مزيج من الحاجتين معًا.
      
      بعد لحظات، أومأ إيفان بإشارة بسيطة، والراجل العجوز تحرك بعيدًا. بخطوات هادئة، بدأ يقترب مني. كل حركة منه كانت مدروسة، كأنه متعوّد يسيطر على كل حاجة حواليه، حتى المسافة اللي بتفصلنا.
      
      "إنتي مين؟"
      
      صوته كان منخفض لكنه محمّل بالثقل والسلطة. حسيت إن كل الأنظار اتجمعت علينا، لكني كنت عارفة إن التراجع مش خيار. رفعت راسي، بالرغم من التوتر اللي كان بيخنقني، وقلت بثبات:
      
      "أنا إيرين. محتاجة مساعدتك."
      
      ابتسامة خفيفة—مش سخرية، لكن حاجة أقرب لاختبار صبري—ظهرت على وشه. لفّ دراعاته على صدره وقال:
      
      "وأنا ليه أساعدك؟"
      
      بلعت ريقي. كنت عارفة إن دي اللحظة اللي كل حاجة فيها هتتحدد.
      
      "علشان أنا عارفة إنك الوحيد اللي يقدر يساعدني. ومقابل ده… أنا مستعدة أدفع التمن."
      
      عينيه ضاقت وهو بيدرسني، وكأنه بيحاول يكتشف إذا كنت فاهمة فعلاً معنى كلامي ولا لأ. بعد لحظة صمت طويلة، قال بهدوء:
      
      "التمن عندي غالي، إيرين. متأكدة إنك مستعدة؟"
      
      ما قدرتش أمنع الرعشة اللي عدّت في جسمي. كنت عارفة إنني دخلت لعبة خطيرة جدًا… لكن، برغم كل شيء، كنت مستعدة أخوضها.
      
      "أنا متأكدة."
      
      إيفان ابتسم ابتسامة خفيفة، لكن عيونه فضلت باردة. "طيب… احكيلي، إنتي عايزة إيه؟"
      
      
      إيفان ساب مسافة قصيرة بيننا، لكن التوتر في الجو كان كافي يخلي كل عضلة في جسمي متشنجة. بصيت في عيونه الداكنة، وحاولت أقاوم الرهبة اللي حسيتها وأنا واقفة قدامه.
      
      "أنا بدوّر على روبي."
      
      ارتفع حاجبه بخفة، وكأنه بيقيّم الموقف. "وروبي دي تبقى مين؟"
      
      اخدت نفس عميق وقلت: "أختي."
      
      نظرته ما اتغيرتش، لكن حسيت إن اهتمامه بيّا زاد. وقف لحظة كأنه بيجمع أفكاره، وبعدين قال بهدوء:
      
      "وأنا إيه علاقتي بموضوع أختك؟"
      
      كنت متوقعة السؤال، فجاوبت من غير تردد: "آخر مرة شوفتها، كانت مع واحد من رجالتك. اسمه فيكتور."
      
      فجأة، النظرة اللي في عيونه بردت أكتر. ملامحه ما تغيرتش كتير، بس حسيت بطاقة غريبة طالعة منه—طاقة خطيرة.
      
      "فيكتور مش من رجّالتي." قالها بصوت منخفض، لكن في حدة خلتني أفهم إن الموضوع أكبر مما كنت متخيلة.
      
      رفعت حواجبي باستغراب. "بس أنا متأكدة إن…—"
      
      قاطعني بحركة بسيطة من إيده، كأنه بيأمرني بالسكوت. قرب خطوة صغيرة، بقت المسافة بيننا أقرب من اللازم، فحاولت أثبت مكاني وما أتحركش للخلف.
      
      "إنتي ما تعرفيش إنتي بتلعبي مع مين، إيرين." قالها بنبرة فيها تحذير واضح. "لو فيكتور فعلاً معاه أختك، يبقى انتي مش بس داخلة في مشكلة… انتي داخلة في كابوس."
      
      حسيت بقشعريرة عدّت في جسمي. كنت فاكرة إن جايالي هنا كانت خطوة صعبة… لكن واضح إن اللي مستنيني أسوأ بكتير.
      
      "أختي فين، إيفان؟" سألت بصوت مليان قلق، وحاولت أحافظ على نبرتي قوية.
      
      نظر لي للحظة طويلة، وبعدين ابتسم ابتسامة شبه خالية من المشاعر. "هيا دي المشكلة، إيرين… إنتي فاكرة إنك جاية تطلبي خدمة. لكن الحقيقة؟ إنتي خلاص بقيتي جزء من اللعبة."
      
      يتبع
      

      سايلوس بوابة الاعماق - الفصل الأول

      سايلوس بوابة الاعماق

      2025, سما أحمد

      دراما رومانسية

      مجانا

      فتاه تعيش في مدينة جنوة الإيطالية، وتكافح بين قسوة زوجة أبيها وتجاهل والدها، بينما تعمل كنادلة وتحلم بالاستقلال. تجد في "كايل" حبًا ودعمًا لم تعرفه من قبل، لكن حياتها تنقلب رأسًا على عقب بعد لقائه الأخير، حيث تجد نفسها وسط دوامة من الأسرار والخيانة والمصير المجهول، حتى تنتهي غارقةً في البحر، بين الموت والأمل.

      أماليا

      فتاة في العشرين من عمرها، تدرس الهندسة المعمارية وتعمل كنادلة في مطعم صغير. نشأت في بيئة قاسية بعد وفاة والدتها

      كايل

      يبدو في البداية وكأنه المنقذ الوحيد في حياة ليا، لكنه يخفي الكثير من الأسرار. شخصيته جذابة، هادئ لكنه يحمل في داخله صراعات كثيرة

      فيكتور

      والد ليا، رجل أعمال ناجح لكنه قاسٍ ومستبد. بعد وفاة زوجته، تغير تمامًا وأصبح شخصًا أنانيًا
      تم نسخ الرابط
      سايلوس بوابة الاعماق

       
      وسط ظلام البحر وبرودة الليل، كانت هناك فتاة تغرق. نظراتها مليئة بالخوف والخذلان. لم تحاول المقاومة، كأنها استسلمت للمصير. كانت تشعر بجسدها يهبط للأسفل ببطء، المياه تحيط بها من كل جانب، عيناها نصف مغلقتين، لكن عقلها لم يتوقف عن التفكير.
      
      "هل هذه نهايتي؟ هل ينتهي كل شيء هنا؟ هل سأموت هكذا، بلا معنى، بلا فرصة للنجاة؟"
      
      حاولت رفع يدها، لكن جسدها كان ثقيلاً. أنفاسها بدأت تنقطع، والمياه تغزو رئتيها. في تلك اللحظة، لم يكن الخوف مما سيحدث بعدها، بل كان من الألم، من الظلم، من كل ما عاشته حتى هذه اللحظة.
      
      "لماذا؟ لماذا فعلتم بي هذا؟ لماذا كل هذا الألم؟"
      
      قبل أن تفقد وعيها تمامًا، رأت ظلًا يقترب من سطح المياه، كان سريعًا، كأنه يخترق البحر للوصول إليها. هل هو حقيقي؟ أم أنها تتخيل؟ لم تستطع التفكير أكثر، لأن الظلام ابتلعها تمامًا.
      
      قبل الحادث
      
      إيطاليا.. جنوة
      
      7:10 AM
      
      المدينة الساحلية، البحر الأدرياتيكي يمتد حتى الأفق، والشمس ما زالت خجولة خلف السحب الخفيفة. أصوات النوارس تمتزج مع هدير الموج، والنسيم البارد يعبث بأوراق الأشجار المصطفة على جانبي الطريق.
      
      المبنى الراقي يطل على الميناء، شرفة زجاجية في الطابق الخامس، ستائرها تتحرك مع الهواء. تسود الشقة أجواء هادئة إلا من صوت المياه المنسابة في الحمام.
      
      بخار الماء يملأ المكان، وقطرات تتساقط ببطء على المرآة. الفتاة تقف أمامها، جسدها يلتف بمنشفة بيضاء، شعرها الطويل المبلل يلتصق بظهرها. ترفع يدها، تتلمس أثر كدمة خفيفة على جانب وجهها، عيناها مليئتان بالإرهاق. فجأة، تنزل يدها سريعًا، كأنها ترفض الاعتراف بوجودها.
      
      تفتح خزانة الملابس، تخرج قميصًا أبيض فضفاضًا وسروال جينز فاتحًا. تبدأ بارتداء ملابسها، ولكن قبل أن تنتهي، يُفتح الباب بعنف.
      
      تقف امرأة في منتصف الأربعينات عند الباب، عيناها ضيقتان بغضب، ذراعاها معقودتان فوق صدرها.
      
      المرأة (بحدة): "أيتها الفتاة الغبية! تأخرتِ على العمل! هيا!"
      
      تتوقف عن إغلاق أزرار قميصها، تنظر إلى المرأة بنظرة خاوية، لا تجيب. أصابعها ترتجف قليلًا، لكنها تكمل ارتداء ملابسها بصمت.
      
      تتنهد بضيق، ثم تستدير خارجة من الغرفة، صوت خطواتها الحادة يتلاشى في الممر.
      
      تقف للحظة، تأخذ نفسًا عميقًا، تحاول كبح مشاعرها، ثم تلتقط حقيبتها وتخرج.
      
      صوت إغلاق الباب يملأ الفراغ.
      
      "مرحبًا، ربما يجدر بي أن أعرّفكم على نفسي.
      
      أنا أماليا، أو كما يناديني الجميع: ليا. أبلغ من العمر عشرين عامًا وأدرس الهندسة المعمارية. لم أختر هذا المجال عبثًا، بل لأنه كان شغف والدتي الراحلة، المهندسة المشهورة التي لطالما ألهمتني.
      
      أما عن العائلة... فهناك أبي، فيكتور، الذي لم يعد يشبه الرجل الذي كنت أعرفه. بجانبه تقف زوجته، فيرينا، تلك المرأة المزعجة التي تحرضه ضدي كلما سنحت لها الفرصة. ثم هناك أختي، ميرا... لكن لا تنخدعوا بالألقاب، فبعض الروابط العائلية ليست كما تبدو."
      
      "منذ طفولتي، عرفت معنى العذاب. فقدت أمي عندما كنت في العاشرة من عمري، ومع رحيلها تغير كل شيء. لم يمر وقت طويل حتى أحضر والدي عشيقته إلى منزلنا، وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة. لم تأتِ وحدها، بل جلبت معها ابنتها المزعجة، التي تكبرني بعامين. منذ ذلك اليوم، لم يعد المنزل كما كان، ولم يعد والدي الرجل الذي عرفته."
      
      ولكن تغير كل شيء منذ سنة. لأول مرة، شعرت أن هناك ضوءًا وسط العتمة التي تحيط بي.
      
      عندما دخل كايل إلى حياتي، بدا وكأنه طوق نجاة وسط بحر من الوحدة. لم يكن مثل أبي القاسي الذي لم يرَ فيّ سوى عبئًا، ولا مثل زوجته التي لم تفوّت فرصة لإهانتي، ولا حتى مثل ميرا التي لم ترَني يومًا كأختها.
      
      كايل كان مختلفًا. كان يستمع إليّ عندما كنت بحاجة إلى الحديث، وكان يمسح دموعي عندما كنت أختبئ في غرفتي هربًا من قسوة المنزل. كان يبتسم لي وكأنني أهم شخص في العالم، وكان صوته دافئًا وهو يهمس:
      
      "أنتِ أقوى مما تظنين، ليا."
      
      كلماته كانت تمنحني القوة. كنت أصدقه. كنت أراه ملاذي الوحيد في عالم لم يمنحني سوى الألم.
      
      أنا حقًا أحبه، إنه أفضل رجل في العالم. لا أطيق الانتظار لرؤيته اليوم بعد العمل.
      
      آه، كدت أنسى أن أخبركم أين أعمل! أنا نادلة في مطعم صغير، وراتبي بالكاد يكفيني. لكنه أفضل من لا شيء.
      
      هل تتساءلون كيف أعيش في شقة راقية رغم أن مرتبي ضئيل؟ بسيطة، هذه الشقة كانت ملكًا لأمي.
      
      أمي كانت مهندسة معمارية مشهورة، واحدة من الأفضل في مجالها. بعد وفاتها، كان من المفترض أن تكون هذه الشقة لي، لكنها أصبحت تحت سيطرة أبي. تمامًا كما استحوذت زوجته على كل شيء آخر في حياتي.
      
      ولكن أمي لم تكن ساذجة. كانت تعلم أن فيكتور سيستولي على كل شيء، لذلك تركت لي مبلغًا كبيرًا في البنك باسمي.
      
      أعتقد أنها كانت تخطط لشيء، ربما أرادت أن تؤمن مستقبلي بعيدًا عنه، لكنها رحلت قبل أن تخبرني.
      
      أما أبي، فيدّعي أنه رجل عصامي، أنه بدأ من الصفر، لكنه في الحقيقة سرق كل شيء.
      
      هو رجل أعمال يملك شركة مقاولات، بناها بأموال أمي، لكنه لم يعترف بذلك أبدًا. كان يتحدث عنها وكأنها مجرد شريكة سابقة، لا كأنها المرأة التي جعلت منه ما هو عليه اليوم.
      
      وميرا؟ تعيش في رفاهية بفضل أموال أمي، تتجول بثياب باهظة، تسافر، تخرج كل ليلة إلى الحفلات، بينما أنا… أعمل كنادلة في مطعم صغير، بالكاد أغطي مصاريفي.
      
      ليس لأنني لا أملك المال، بل لأنني لا أريد أن ألمس شيئًا من أموال أمي حتى لا أشعر أنني مثلهم.
      
      أخيرًا، وصلت إلى المطعم بعد نصف ساعة من المشي.
      
      كنت متعبة، لكن هذا لم يكن جديدًا. عملي هنا لم يكن صعبًا جسديًا بقدر ما كان مرهقًا نفسيًا. كنت مضطرة إلى تحمل الزبائن الوقحين، والمدير المتطلب، والزميلات اللواتي لا يتوقفن عن الثرثرة.
      
      لكنني كنت أتحمل كل ذلك، لأن هذا العمل يمنحني شيئًا واحدًا مهمًا: استقلالي.
      
      دخلت من الباب الخلفي، ألقيت التحية على زملائي بسرعة، ثم ارتديت مئزري واستعديت لبدء يوم جديد من العمل الرتيب.
      
      المطعم – الساعة 10:30 صباحًا
      
      حملت صينية المشروبات وسارت بين الطاولات بخطوات سريعة، محاولةً تجاهل الإرهاق الذي بدأ يتسلل إلى قدميها. زبون يطلب فنجان قهوة آخر، وآخر يشتكي من تأخر طلبه. يوم آخر ممل كعادته.
      
      لكن وسط الزحام، وقعت عيناها على شخص مألوف يجلس في الزاوية البعيدة.
      
      كايل.
      
      كان جالسًا على طاولة منفردة، مرتديًا قميصًا أسود يكشف عن عضلات ذراعيه، وأمامه كوب من القهوة بالكاد شرب منه. ابتسم عندما التقت نظراتهما، فأحست ليا بدفء مفاجئ يسري في صدرها.
      
      اقتربت منه بخطوات سريعة، وتساءلت في سرها: لماذا لم يخبرني أنه سيأتي؟
      
      ليا (بمرح): "زيارة مفاجئة؟ ما الذي أتى بك إلى هنا؟"
      
      كايل (بابتسامة هادئة): "اشتقت إليكِ، أردت رؤيتك."
      
      كلماته جعلت قلبها يخفق بسعادة. جلست أمامه لثوانٍ، رغم علمها أن المدير لن يكون سعيدًا بذلك.
      
      ليا: "كان بإمكانك أن تنتظرني بعد العمل."
      
      كايل (مترددًا): "كنت أريد الحديث معكِ في أمر مهم."
      
      شعرت بنبرة غريبة في صوته، لكن قبل أن تتمكن من كم مقعدها بسرعة، وأحست بوجنتيها تحترقان من الإحراج.
      
      ليا (معتذرة): "آسفة، سأعود للعمل حالًا!"
      
      رمقها كايل بنظرة غريبة قبل أن ينهض ببطء.
      
      كايل: "سأنتظرك الليلة، لدينا ما نتحدث عنه."
      
      ثم استدار وخرج من المطعم، تاركًا وراءه إحساسًا غريبًا في قلبها.
      
      ماذا يريد أن يخبرني؟ ولماذا يبدو مختلفًا اليوم؟
      
      لكنها لم تعلم أن تلك الليلة ستغير حياتها إلى الأبد.
      
      حلّ الليل سريعًا، وكأن الساعات قد تسارعت بلا رحمة.
      
      وقفت ليا أمام المرآة، تنظر إلى انعكاسها وهي ترتدي فستانًا أنيقًا بلون الكحلي الداكن، بسيط لكنه مناسب لعشاء رومانسي. شعرها انسدل بنعومة على كتفيها، وعيناها زرقاوان تلمعان بانتظار لحظة اللقاء.
      
      الليلة مميزة. كايل يبدو غريبًا اليوم، لكن ربما يريد مفاجأتي؟ ربما سيعترف بشيء مهم؟
      
      أخذت نفسًا عميقًا، حاولت كبح توترها، ثم حملت حقيبتها وخرجت من الشقة.
      
      المطعم الراقي – الساعة 8:45 مساءً
      
      عندما وصلت، كان كايل ينتظرها عند مدخل المطعم، مرتديًا بذلة رمادية أنيقة، وابتسامة ساحرة تزين وجهه.
      
      كايل: "تبدين جميلة الليلة."
      
      ليا (بخجل): "وأنت تبدو أنيقًا أيضًا."
      
      أمسك بيدها وسار بها إلى الداخل. كانت الأجواء هادئة، الطاولات مضاءة بشموع خافتة، والموسيقى تعزف مقطوعة رومانسية.
      
      لكن رغم كل هذا الجمال، كان هناك شيء غريب
      
      جلسنا على الطاولة، وأتى النادل ليأخذ طلبنا. كايل ابتسم لي ابتسامته الساحرة المعتادة، ذلك النوع من الابتسامات التي كانت تجعل قلبي ينبض أسرع. طلبنا سباجتي باللحم، وهو طبقي المفضل، وكأنه ما زال يتذكر كل شيء عني.
      
      أجواء المطعم كانت هادئة، الأضواء الخافتة تضفي لمسة رومانسية، والموسيقى التي يعزفها العازف في الزاوية كانت كفيلة بأن تجعل أي لحظة مثالية.
      
      في تلك اللحظة، مدّ كايل يده وأمسك بيدي بلطف، إبهامه يداعب أصابعي بخفة، ثم رفعها إلى شفتيه وطبع عليها قبلة خفيفة.
      
      همس بصوت منخفض: "أحب هذه اللحظات معكِ، ليا."
      
      كان يجب أن أشعر بالسعادة… لكن هناك شيء غريب. شيء في نظراته، في طريقته، وكأنه يخفي عني شيئًا لا أستطيع رؤيته بعد.
      
      
      رسائل أحدث رسائل أقدم الصفحة الرئيسية

      Pages

      authorX

      مؤلفون تلقائي

      نظام شراء