موصى به لك

الأقسام

الأفضل شهريًا

    الأعلى تقييمًا

      عائلة هوتون | البارت الاول

      عائلة هوتون

      2025, كاترينا يوسف

      رومانسية

      مجانا

      اللورد فينيان هوتون، اللي بيضايق من كتر الدعوات اللي بتجيله وبيحاول يتجنب الفضايح. بيبعت واحد اسمه وينستون يدور على معلومات عن "صوفيا بريكستون" وابنها "جورج"، اللي بيشك إنهم ولاد أخوه "ديفيد" المدلل. "صوفيا" اللي بتعيش حياة بسيطة مع أختها (اللي سابتها بعدين)، بتحاول تخبي ماضيها وتعيش كأرملة، لكن ظهور اللورد "هوتون" بيكشف كل حاجة ويهدد يكشف سرها.

      اللورد فينيان

      يسعى للحفاظ على سمعة عائلته وثروتها. يكره الفوضى ويحاول جاهداً إصلاح مشاكل أخيه "ديفيد" وتجنب الفضائح التي قد تدمر اسم العائلة.

      صوفيا

      عيش حياة بسيطة في قرية نائية وتحاول إخفاء ماضيها الصعب. تسعى لحماية ابنها "جورج" وتوفير حياة كريمة له، رغم الظروف الصعبة ونظرات المجتمع القاسية.

      وينستون

      مساعد اللورد "هوتون" الخاص، رجل غامض ومخلص في عمله. يقوم بجمع المعلومات بدقة وهدوء، ويبدو أنه يمتلك نظرة ثاقبة في الأمور، ولكنه لا يتدخل إلا بطل

      جورج

      طفل رضيع، ابن "ديفيد" أخو اللورد "هوتون"
      تم نسخ الرابط
      عائلة هوتون | البارت الاول

      كان فيه جوابات كتير أوي. عدد مبالغ فيه منهم، مالية كل شبر وكل ركن، وبتتزحلق من الرصات اللي كانت متظبطة. أغلبها كانت دعوات، وده كان بيعصب اللورد "فينين هوتون" لأبعد حد. دعوات لحفلات راقصة، ولمة أصحاب، وحفلات في الجناين، وشاي العصر، واللي كان المفروض إنه يتعامل فيها مع عدد مش قليل من الستات المدلعات. وكلهم رموشهم بتترفرف ومجرد لفة ونقرة بالمروحة بتاعتهم كانت بتتكلم لغة هو عمره ما قدر يفهمها.
      
      رصة الكروت بتاعت الصبح كانت محطوطة على مكتبه، والنور داخل من الشباك، رامي شعاع واحد على الجواب اللي فوق خالص. بصة سريعة على العنوان عرفته أكتر ما هو محتاج يعرف. الخط كان رفيع ومزركش زيادة عن اللزوم، خط إيد ست، وريحة مميزة طالعة من الورقة، كأنها كانت متغطية بمية ورد قبل ما تتبعت على بيته.
      
      هو كان فاهم اهتمامهم بيه، ومكانته في المجتمع الراقي. هو راجل. جنتلمان. جنتلمان ليه لقب وثروة كبيرة جدًا. والأهم من ده كله، إنه جنتلمان ليه لقب وثروة كبيرة، واللي - حسب المجتمع الراقي ده اللي كان مصر يرمي عليه كروت ودعوات مزركشة كأنهم بيرموا عيش لبطة في بركة - قرر إنه يفضل متمسك بعزوبيته.
      
      هز طرف الجورنال بتاعه ومد إيده لكوباية الشاي. من حتة تانية في البيت، سمع خبط على باب البيت، وبعدها خطوات "جليسون" الموزونة اللي مكنتش مستعجلة وهو بيرد. "هوتون" استنى، عيونه بتبص على نقطة مش واضحة ورا الجورنال وهو بيسمع خطوات الخادم بتوصل لمكتبه. خبطة تانية، المرة دي على بابه هو، وراس أصلع رمادية انحنت ودخلت الأوضة.
      
      "ده الأستاذ وينستون يا سيدي. أخليه...؟"
      
      "هوتون" هز راسه ردًا على السؤال اللي مكملش. "جليسون" اختفى، والخطوات بعدت، و"هوتون" طبق الجورنال بتاعه على شكل مستطيل ناشف نزل بخبطة مسموعة فوق رصة الدعوات.
      
      "فين؟"
      
      "هوتون" بص على الباب وهو بيشوف راجل تاني، المرة دي لابس جاكت وبنطلون بلون باهت مش مميز، دخل الأوضة اللي فيها شمس.
      
      "وينستون." "هوتون" قعد كويس على كرسيه وشاور على الكرسي اللي قصاده بإيده. "مكنتش متوقع أشوفك تاني بالسرعة دي."
      
      "وينستون" مشي لقدام، إيديه ماسكة الطاقية والجوانتيات بتوعه، ومقدرش يسلم أي منهم للخادم لما وصل. طلع تنهيدة وهو بينزل يقعد على كرسيه، وحك دقنه، ومسح إيده العريانة على شعره البني المتظبط.
      
      "فطرت؟" "هوتون" سأل، وعيونه كانت بتلاحظ التعب الواضح على بدلة الراجل والخدوش اللي في جزمته.
      
      "أيوه، بدري." الكلمتين دول كشفوا لهجة ملهاش أي علاقة بأي بلد أو منطقة على بعد خمسين ميل من لندن. "هوتون" عمره ما سأل عن أصل "وينستون"، و"وينستون" عمره ما حاول يقول المعلومة دي لوحده.
      
      "طيب." "هوتون" نضف زوره. "بما إنك مش هنا عشان تاكل معايا، يبقى أنا فهمت إنك..."
      
      "لقيتها."
      
      "هوتون" بص من كوبايته. بقايا الشاي نزلت في زوره، وسابت طعم مر مهدد يفضل في لسانه لفترة. "والطفل؟"
      
      "وينستون" هز راسه، ودقنه نزلت لمست الطيات البسيطة في ربطة رقبته. "نموذج مليان حيوية وشقاوة من الأطفال. شكله صحته كويسة."
      
      نفس خرج من رئة "هوتون" وهو بيرجع راسه لورا. لقي نفسه بيبص لسقف مرسوم عليه كل أنواع الملائكة الصغننين المكلبظين، بابتساماتهم الغريبة اللي بتنور على راسه، وعلى راس أبوه قبله، من ساعة ما أمه كلفّت باللوحة المرعبة دي من تلاتين سنة فاتوا.
      
      "الست." "هوتون" غمض عينيه. لازم يدهن السقف الملعون ده في يوم من الأيام، يمكن أول ما الفوضى الأخيرة دي تخلص. "اسمها إيه؟ سوزان؟"
      
      "صوفيا،" قال "وينستون". "صوفيا بريكستون."
      
      "صوفيا..." صورة شابة ظهرت في دماغه: قصيرة ومليانة، بشعر غامق وبشرة فاتحة تحت خدود حمرا وحلمات حمرا وأي حاجة تانية كان على الموضة إنها تكون حمرا. ده نوع، هو أدرك. ده نوع أخوه، وعمره "ديفيد" ما تجرأ إنه يحيد عن الأصل. "إيه اللي عرفته عنها؟"
      
      "عايشة حاليًا في ستانتريث،" قال "وينستون"، وهو قاعد في الكرسي وبيطلع من جواه جاكته كشكول ورق صغير. مسح بصمة إبهامه على لسانه وبدأ يقلب في الصفحات. "فوق في نورثمبرلاند، جنب الساحل بالظبط. عندها بيت صغير نضيف بتشاركه مع أختها. "مسح لسانه تاني وقلب صفحة تانية. "الوالدين ماتوا. الأب كان تاجر، كان عنده محل خردة وزجاج من نوع ما. الأخت الأصغر، اللي هي لوسي بنروز، ملهاش ثروة خاصة بيها. المدام بريكستون عندها إيراد سنوي بسيط قيمته خمسين جنيه بس."
      
      "استنى." "هوتون" رفع إيده وهو بيخلي واحدة من التفاصيل توصل لأفكاره أخيرًا. "المدام بريكستون؟ هي متجوزة؟"
      
      "أرملة، على حسب الإشاعات. بس مقدرتش ألاقي أي دليل على جواز سابق أو وجود سابق للأستاذ بريكستون."
      
      "هوتون" رفع حاجب واحد. "تصدق إنها بتكدب؟"
      
      
      
      
      "وينستون" ميل راسه على جنب. "أنت عارف إني مش بتاع تخمينات وافتراضات. بس أنا مستبعدش فكرة جواز مزيف عشان الطفل يتسجل شرعي."
      
      "طبعًا." "هوتون" تمتم تحت بقه وقام من كرسيه. هز راسه، ودخل صوابعه في شعره الغامق، وراح وقف قدام الشباك. "كمل," طلب بعد لحظة. "أنا عايز أعرف كل حاجة."
      
      "طب..." مسحة إبهام تانية على اللسان، وقلبة صفحة تانية. "فيه ستانتريث... بيت ريفي... أه، أيوه، أهو. مفيش خادمة في البيت، بس فيه بنت بتساعد كذا مرة في الأسبوع. أه... بتحضر الصلوات بانتظام، نادرًا ما تسيب الطفل في البيت، إمم... لبسها محتشم، طولها فوق المتوسط، شعرها أحمر..."
      
      "إيه ده؟" "هوتون" لف بسرعة وهو بيبعد عن الشباك. "آخر حتة دي؟ قولت إيه؟"
      
      "إمم... شعر أحمر؟"
      
      "لأ." "هوتون" هز راسه. "ده مستحيل يكون صح. أخويا بيكره الشعر الأحمر، خصوصًا لما يكون الموضوع متعلق بالجنس اللطيف."
      
      "وينستون" رفع كتف واحد وهو بيميل راسه على جنب. "يمكن الولد غير رأيه."
      
      "أو يمكن استسلم للحظة يأس مش من طبيعته."
      
      "وينستون" حواجبه طلعت لفوق على جبينه. "أو... يمكن المدام بريكستون دي عندها سحر تاني، حاجة أبعد من مجرد شعر."
      
      "هوتون" شمشم. "أنت عارف زيي بالظبط، أخويا مش بيقدر يبص أبعد من أبسط المظاهر السطحية."
      
      "وده معناه...؟"
      
      "ده معناه إنه كان سكران لدرجة إنه مكنش عارف هو بيحب ست حقيقية بدم ولحم ولا مخدة لسه منفوشة."
      
      "هوتون" ساب الشباك وبدأ يتمشى حوالين أوضة المكتب. هو متعبش نفسه يغير حاجات كتير من ساعة ما استلم الأوضة من أبوه لما كان ماركيز. الأثاث هو هو، كله بقايا من القرن اللي فات وكلها عليها علامات التلف والخدوش الكتير من المكانس على مدار الأربعين سنة اللي فاتت. لون الأوضة غامق زيادة عن اللزوم، غني زيادة عن اللزوم عشان يتماشى مع الموضة الحالية من النور والبهجة اللي بدأت تغزو كل بيوت لندن. وبعدين فيه الملائكة الملعونين دول...
      
      "أنا فاهم إن أخويا حاليًا ميعرفش إنه عنده ابن؟ الست دي، صوفيا دي... محاولتش تتصل بيه؟"
      
      "وينستون" بص للمفكرة الصغيرة بتاعته للمرة الأخيرة قبل ما يقفلها ويرجعها مكانها جوه جاكته. "على حد علمي، هي معملتش غير إنها فضلت لوحدها تقريبًا وقضت أيامها في تربية الطفل."
      
      "ست مش عادية."
      
      "فين؟"
      
      "هوتون" اتضايق من استخدام لقبه، بس هو متعبش نفسه يلوم الراجل. هو يعرفه من فترة طويلة أوي عشان يعمل كده. "مش عادي إن ست زي اللي وصفتها ممكن تلاقي نفسها في صحبة واحد زي أخويا الصغير."
      
      "ولادة الطفل ممكن تعمل كتير عشان تصلح من شخصية الإنسان." "وينستون" هز كتفه. "أو كده اللي سمعته."
      
      "أو كده اللي سمعته،" "هوتون" رد، وكمل تمشيه حوالين أطراف الأوضة.
      
      المفكرة دلوقتي مش باينة، "وينستون" رجع ضهره لورا في كرسيه تاني. اللون الباهت لشعره، ولبسسه، بل حتى لكل شخصيته، اندمج مع جلد الكرسي المهترئ. "ودلوقتي بعد ما عرفت،" بدأ كلامه، وصوابعه بتتشابك وتتفك على صدره وهو طاقيته بتنط على ركبته. "وديفيد ميعرفش، ناوي تعمل إيه بالمعلومات دي؟ ابتزاز خفيف؟ رشوة من نوع ما؟"
      
      "هوتون" لوح بإيده كأنه بيمسح اقتراحات "وينستون" من الهوا. "لأ، لأ. في الحقيقة، ده بالظبط اللي أنا عايز أتجنبه. كل اللي محتاجه هو مجرد غزو من غزايا أخويا المنسية تقتحم صالوني، ومعاها طفل متعلق من وركها وهي بتطلب مبلغ مبالغ فيه من المال مقابل سكوتها عن ابن الحرام ده."
      
      "بس هل الصمت ده حاجة محتاجة تتشترى في العصر ده؟" "وينستون" خبط بصوابعه على صدره وهو "هوتون" بيوقف تمشيه. "مين معندوش ابن حرام؟ ممكن تتعد كرمز للمكانة عند البعض. وزي ما شفت، الست دي شكلها بتعمل كل اللي في وسعها عشان تسجل الطفل شرعي."
      
      لكن على الرغم من تأكيدات "وينستون"، "هوتون" مقدرش يتجاهل التهديد اللي بتمثله الست دي على عيلته، على مكانته الناشئة كتاسع ماركيز "هوتون"، وإزاي أخوه كان مصمم بلا مبالاة إنه يشوفهم كلهم ينجرفوا في الفضيحة والإفلاس. "لو فيه طفل، وده اللي عارفينه، وهي قررت تروح للصحافة... أو لو فيه جوابات، مراسلات خاصة بينهم؟ وفاكر ريجينا؟ الممثلة اللي كانت هتهرب عبر القناة ومعاها نص مجوهرات أمي؟ مجوهرات أخويا اللي هو ادهالها بعد ما قضى معاها تلات ساعات بس؟"
      
      صوابع "وينستون" كملت تخبيط نغمتها الهادية على صدره. "على حد علمي، دي شكلها مش هتعمل مشاكل لحد."
      
      "لحد دلوقتي،" قال "هوتون". "بس إيه لما الطفل يكبر، لما يبقى عبء؟ وإيه بالنسبة للبس الجديد، والأكل؟ بتقولي إن الست دي وأختها والطفل ده كلهم هيعيشوا بخمسين جنيه بس في السنة؟ لأ، خلي كلامي ده في بالك. أول ما الطفل ده يبقى كبير كفاية عشان يركب حصان، هتيجي هنا وهي ماسكة قائمة طلبات."
      
      "وينستون" طلع نفس بصوت عالي زي الهمس من بين سنانه. "يبقى إزاي تقترح إننا نتجنب الاقتحام ده؟"
      
      "هوتون" اتحرك ناحية مكتبه، رصات الدعوات المنظمة، وجرايد الأيام اللي فاتت، والمستندات الملفوفة والمتطبقة اللي بتتعلق برعاية أملاك عيلته، كلها كانت مجرد عائق بسيط وهو بيزيح كام حاجة على جنب وطلع ورقة رقيقة. "حاجة بسيطة أوي بصراحة. أنا بس هعرض عليها الفلوس اللي هي أكيد هتيجي تطلبها في وقت هيكون غير مناسب ليا. مبلغ ثابت، كفاية عشان نضمن إن الطفل هياخد الرعاية والإرشاد المناسب اللي يستحقه كابن أخويا."
      
      
      
      
      
      
      "وفي المقابل؟"
      
      "في المقابل،" "هوتون" لوّح بالوثيقة. "مبتتدخلش. مبتسيبش بيتها الصغير. مبتحطش رجلها في لندن. ولا بتحاول تتصل بيا، ولا بأخويا، ولا بأي فرد تاني من عيلتنا، إلا بالشروط اللي محددينها ليها."
      
      "وينستون" طلع صفارة طويلة وواطية. "تفتكر هتوافق على ده؟"
      
      "لقيت إن أغلب الناس بتوافق على أي حاجة، لو الحافز المناسب اتعرض عليهم." "هوتون" بص على الوثيقة اللي في إيده. حس بخبطة مرتزقة في عظامه مكنتش مريحاه، بس الحقيقة فضلت زي ما هي: مكنش يقدر يسمح للست دي إنها تتنطط في البلد ومعاها ابن أخوه غير الشرعي، مهما حاولت تظهر عكس كده. أبوهم، الماركيز اللي قبله، لسه مدفنش كويس، ودلوقتي فضيحة زي دي بتهدد بتدمير اسم العيلة.
      
      "هوتون" بص على المكتب، وعينه اتحركت ناحية اللوح الخلفي اللي كان مخبي وراه درج سري. كان مكان صغير بيخبي فيه كل الوثائق والملاحظات التانية المتعلقة بطرق أخوه "ديفيد" المدمرة. كان فيه ديون قمار كتير محتاجة تتسدد، وتقارير عن مبارزة "هوتون" دفع رشوة لـ 3 أشخاص عشان يخليها متتنشرش في الجرايد، ومظاهر عامة للسكر، ومعاهم حاجات تانية متعلقة بتاريخ العيلة - غير مجوهرات أمهم المتوفية - اللي كان لازم ترجع كل ما "ديفيد" يشوف إنها مناسبة يستخدمها كعملة لما جيوبه تفضى.
      
      مكنش اكتشف بالظبط إيه كمية الحاجات اللي الماركيز المتوفي عملها عشان يبعد ابنه الصغير عن المشاكل المالية والاجتماعية غير بعد أسبوع من وفاة أبوهم. آلاف الجنيهات اتصرفت عشان يصلح أو يمحو أخطاء "ديفيد" المختلفة. ودلوقتي مع ظهور الطفل ده، باين إن الأخطاء دي لسه مخلصتش.
      
      صوت خفيف بيزيق سبق انزلاق "وينستون" لقدام في كرسيه. "ناوي تبلغ الشابة دي بنواياك الكريمة دي إزاي؟"
      
      "هوتون" اتنهد. كان فيه حاجات كتير محتاجة اهتمامه، أمور كتير سابها تهمل خلال الأسابيع الأخيرة من مرض أبوه. مكنش لازم يسيب لندن، ومع ذلك... "هروح، أول ما أقدر أظبط الموضوع."
      
      "كل المسافة دي لنورثمبرلاند؟ دي مش فسحة يوم، أنت عارف. ابعت بريجز، أو واحد من محامينك التانيين يهتم بالموضوع بدالك."
      
      "أنا عارف كويس طول الرحلة،" "هوتون" اعترف. "ومبتفقش مع وسيط في موضوع زي ده." بص على "وينستون" ونزل راسه. "مفيش أي إهانة مقصودة للحاضرين."
      
      "وينستون" رد التحية. "مفيش زعل."
      
      كان فيه صوت خبطة تانية على باب البيت، والخطوات المألوفة للخادم وهو بيتحرك في الصالة عشان يرد على الخبط. زوار تانيين، "هوتون" أدرك. طلبات أكتر على وقته، وعلى ثروة عيلته اللي بتنقص ببطء - وده بفضل أخوه وإسراف الشاب ده. كان المفروض إنهم لسه في حالة حداد على أبوهم المتوفي، بس لازم يتعمل حاجة بخصوص مصاريف "ديفيد". أبوهم كان صارم بمصروف ضئيل، بس لما الديون تتراكم، مفيش حاجة تتعمل غير إنها تتسدد عشان يمنع ظهور أي محصلين على عتبة بيتهم.
      
      "هعرفك لما أسافر،" "هوتون" قال، وعيونه بتبص على الوثيقة تاني. كان محضرها مع محاميه قبلها بيوم واحد بس. هتبقى إزعاج، هو فكر، إنه يحدد معاش للست دي ولابنها، بس هو مش وحش. هيتأكد إن أي ابن من لحمه ودمه - سواء شرعي أو لأ - مش هيحتاج رعاية أو تعليم. أما بالنسبة لتربية الولد...
      
      "هوتون" كان عنده سبب تاني لرغبته في السفر لنورثمبرلاند بنفسه. لو الست دي هتكون مسؤولة عن صحة ابن أخوه ورفاهيته، على الأقل لحد ما الولد يروح المدرسة، يبقى عايز يشوف بنفسه إيه نوع التأثير اللي هتعمله على الطفل. هل هتزرع فيه عادات سيئة؟ هل هي كائن مهمل، من النوع اللي يشرب أي فلوس هيخطط إنه يدفعها ليها وللبيبي؟
      
      "ولما ترجع؟"
      
      "هوتون" بص لـ "وينستون" لما صوته علّا. "أيوه، ولما أرجع كمان. أنا متأكد إنك هتبقى عايز تعرف عملت إيه. ومش ناوي أغيب أكتر من الوقت اللي المفروض الموضوع ياخده. أول ما أوصل، مش شايف إنه هيحتاج أكتر من كام ساعة من وقتي. أنا ببساطة لازم آخد كلمتها إنها هتفضل ساكتة بخصوص الأبوة الحقيقية للولد لو السؤال ده طلع في أي وقت. ومع المبلغ اللي أنا مستعد أقدمه، أنا مش خايف إنها ترفض."
      
      
      
      
      
      "ايه ده، مش باين عليكي إنك مبسوطة النهاردة الصبح؟"
      
      "صوفيا" رجّعت خصلة شعر أحمر من على خدها قبل ما تنحني على سرير الأطفال الخشب الصغير. "جورج" كان واقف على أطراف صوابعه، إيديه الاتنين مرفوعة ناحيتها وإصابعه الممتلئة بتتحرك وكأنها بتحاول تمسك حاجة في الهوا. أول ما إيديها مسكته من تحت دراعاته، الطفل طلع صرخة سعادة فظيعة، عينيه الزرقا بتلمع و"صوفيا" بتشيله من على حرف السرير وتلف بيه دايرة كاملة في الهوا قبل ما تثبته أخيرًا على وركها.
      
      "نمت كويس؟" سألته، وصوتها مكانش بيزود غير ابتسامة الولد، ابتسامة كان فيها سنتين بيضا من فكه اللي تحت. وهي بتغير للولد الحفاضة وبتلبسه هدوم نضيفة لليوم، حكتله عن اللي حلمت بيه وهي نايمة، عن الشمس اللي بتدخل من شبابيك الأوضة، وعن الورد الأبيض اللي بدأ يفتح على طول السياج. "جورج" كان بيبغبغ ردًا على كل أسئلتها، وإيديه بتسقف بحماس لما شالته تاني ونزلت بيه تحت عشان يفطر.
      
      "عايز تفاح؟" "صوفيا" سألت وهي بتفتح برطمان تفاح مطبوخ وبتصبه في طبق. الولد كان بيكركب من ركنه في المطبخ، اللي كان فيه تشكيلة من المكعبات الخشبية وحصان لعبة لسه شارياه ومعاه عربية خشب بتتحرك على الأرض بعجل بيخبط.
      
      "لازم نجيب حتة خيط للعربية دي،" كملت وهي بتقطع بمهارة طرف رغيف عيش غامق ونزلته للطفل. بدأ يمضغ العيش الناشف بحماس، في حين تجمع طبقة من اللعاب على دقنه ونزلت عشان تبل ياقتة. "بالطريقة دي، أول ما تبدأ تمشي، هتقدر تسحبها وراك في كل حتة في البيت!"
      
      "جورج" صرخ وهو بوقه مليان عيش طري وركل رجليه الممتلئة و"صوفيا" رفعته من على الأرض وحطته في كرسيه العالي في طرف الترابيزة. قعدت جنبه على كرسي عالي، بتأكله قطع تفاح وهو فقد اهتمامه بالعيش وبدأ يفتته لفتات.
      
      "يمكن نتمشى الضهرية دي،" "صوفيا" اقترحت، وهي بتاخد الطبق الفاضي لحوض الغسيل. "لو الشمس فضلت، ممكن حتى نعمل فسحة صغيرة. إيه رأيك؟"
      
      فضلت ترغي مع الطفل وهي بتجهز فطارها وبتنضف المطبخ. أكلت وهي واقفة، بتدخل لقم عيش بالزبدة ولحم مقدد بين كنس الأرض ومسح الترابيزة. الشبابيك هتحتاج تتغسل كويس قريب، فكرت وهي بتبص على الجنينة اللي ورا البيت. والجنينة محتاجة تتنضف من الحشائش، والسياج محتاج يتقص، و...
      
      "أو يمكن نخلي الفسحة لبكرة، ها؟" قرصت خد "جورج" وهو بتعدي من جنب كرسيه، بس الولد كان مشغول بالخبط بمكعب من مكعباته على الترابيزة لدرجة إنه ملاحظش اللمسة الخفيفة. "غير كده، ليسي المفروض تيجي النهاردة عشان تساعد في غسيل الستاير، وأنا متأكدة إنها هتبقى عايزة تاخدك تدور على ديدان الفراش، ده لو كنت شاطر أوي الصبح ده."
      
      الأعمال المنزلية، كانت بتأمل، هتكون كفاية عشان تبعد أفكارها عن حاجات تانية. طبعًا، كانت بتأمل نفس الأمل كل صباح، إن شغل إدارة البيت، والاهتمام بـ "جورجي" الصغير هينجح في تشتيت انتباهها عن أفكارها، بس كل يوم، بدون فشل، ابتسامتها كانت بتختفي وهي بتدخل في شغلها، دراعاتها بتتعب بسرعة كبيرة وهي بتعجن العجينة لرغيف العيش الطازج اللي كانت ناوية تخبزه في وقت لاحق من اليوم.
      
      لما كانت بتتكلم مع "جورج"، عمرها ما سمحت للأفكار دي تبان في كلامها أو تعبيراتها. هو مش محتاج يعرف إن أمه سابته، من غير كارت واحد ولا جواب عشان تعرفهم هي فين دلوقتي. بس دي كانت دايماً طريقة لوسي، "صوفيا" فكرت. تهرب من غير ما تبص وراها، تسيب كل حاجة وكل حد وراها في اللحظة اللي حاجة، أو حد، يلفت انتباهها.
      
      "صوفيا" عصرت القماشة اللي كانت بتستخدمها عشان تمسح الترابيزة وعلقتها على طرف الحوض. لسه مفيش حتى نص النهار وضهرها كان بيوجعها، وعقدة شد بدأت تتكون بين لوحين كتفها. التلات شهور اللي فاتوا كانوا الأصعب. لحد ما "جورج" بقى عنده ست شهور، "لوسي" كانت راضية تفضل معاها في البيت وتهتم بالولد. بس أول ما "جورج" بدأ يزحف ويبين شوية علامات استقلالية الرضع، "لوسي" بقيت قلقانة. اشتكت من متاعب الأمومة، وإزاي إنها بتكبرها أكتر من سنها اللي هو تسعتاشر سنة. وبعدين، في يوم من الأيام بعد الضهر، "لوسي" خرجت تتمشى في ستانتريث وممرجعتش.
      
      "صوفيا" مكنش عندها سبب تخاف إن حاجة حصلت لأختها الأصغر وهي بتتمشى. العربية كانت دايماً بتعدي من ستانتريث يوم التلات، وبما إن "لوسي" اختفت فجأة يوم تلات، قرب الساعة اللي العربية كانت بتبقى فيها بره الفندق...
      
      وبعدين اكتشفت الملاحظة على ترابيزة مكياج "لوسي". مكنتش رسالة طويلة أوي. مفيش اعتذار طبعًا. بس ده مكنش أسلوب "لوسي" أصلاً. "أنتِ هتعملي أحسن مني بكتير، أنا متأكدة" كده كانت مكتوبة، وممضية بقلب وحرف "L" ملفوف "لوسي" كانت معتادة تمضي بيه كل مراسلاتها.
      
      "يلا يا حبيبي." "صوفيا" شالت "جورج" من كرسيه العالي وادته بوسة خفيفة على راسه الأشقر. "يلا نرتب السراير، إيه رأيك؟"
      
      كانت الساعة عشرة وخمس دقايق الصبح لما "ليسي" وصلت لباب المطبخ، ومريلة بيضا نضيفة كانت مربوطة حوالين وسطها وسلة كبيرة متشالة على دراعها اليمين. "آسفة إني اتأخرت، يا مدام بريكستون." الشابة هزت راسها وهي بتعتذر. "بس ماما أصرت إني أجيب البسكوتات دي لـ"جورجي" الصغير. هما ناشفين شوية، عشان كده افتكرت إنهم ممكن يكونوا كويسين لتسنينه."
      
      "يا سلام، ممتاز!" "صوفيا" خدت السلة اللي اتعرضت عليها وبصت تحت القماشة اللي كانت بتحمي البسكوتات اللي لسه دافية. "جورج لسه نايم نومة الصبح، بس أنا متأكدة إنه هيحب ياكل واحدة أو اتنين منهم مع لبنه أول ما يصحى."
      
      وبينما "صوفيا" حطت السلة على جنب ومدت إيديها عشان تثبت دبوس شعر كان اتزحلق من ضفيرتها اللي ورا راسها، بصت على "ليسي" الشابة. بنت الطحان كانت جميلة، وبقت أجمل بزيادة وزن لطيفة اديت شكل لجسمها اللي كان لسه بينمو واديت استدارة لبشرتها الرائعة، بخدود وبشرة ناعمة زي القشطة الطازجة. "صوفيا" كشّرت تحت النمش بتاعها، النمش اللي كان لازمها من وهي طفلة ومختفاش تمامًا لما كبرت وبقت ست.
      
      "ليسي"، "صوفيا" فكرت، هتبقى زوجة وأم ممتازة في يوم من الأيام، على الرغم من إن البنت شكلها مكنتش واخدة بالها خالص من جاذبيتها. "صوفيا" من ناحية تانية، كانت عارفة مدى حدودها الجوازية. مفيش حاجة كتير تخليها مرغوبة لزوج محتمل. بغض النظر عن الجانب الجسدي (لإن مين ممكن يرغب في شابة شعرها أحمر ومنمشة لأي راجل؟)، سلوك أختها زود قفل أي فرصة لـ "صوفيا" إنها تلاقي زوج. مهما كان إنهم وصلوا لـ "ستانتريث" تحت ستار أرملة شابة وأختها بيحاولوا يبدأوا حياة جديدة لنفسهم.
      
      كانت سمعت الشائعات اللي بتدور حواليهم، وبالذات حواليها هي. إنها عمرها ما اتجوزت أصلًا، وإن الطفل اتولد ليها من غير جواز، وإنهم هربوا من بيتهم اللي فات على بعد دزينة مقاطعات عشان يهربوا من وصمة الفضيحة. وعشان كده فضلت في بيتها، بتعلم نفسها إزاي تدبر مبلغ الخمسين جنيه في السنة وهي بتتحمل النظرات المتعالية وقسوة أهل البلد اللي اختاروا يبصوا عليها باحتقار عشان عندها ماضي مش واضح متلوث أكتر بشهور من القيل والقال.
      
      لو كان معاهم فلوس أكتر، "صوفيا" كتير كانت بتتساءل... عيلة أكتر، عيلة أحسن، يمكن كانوا يقدروا يبعتوا "لوسي" بعيد طول فترة حملها، بعيد عن العيون الفضولية ونظرات الجيران اللي بتحكم. وبعدين، بعد كام شهر لما الشائعات تموت، كان ممكن ترجع بالطفل الجديد وتدعي إنه ابن عم أو حتى لقيط متروك لرعايتهم. بس "صوفيا" مكنش عندها لا الفلوس ولا العلاقات عشان تعمل خطة زي دي. وعشان كده "لوسي"، اللي كان عندها تمنتاشر سنة بس لما اكتشفت إنها حامل، اضطرت تتحمل انتقاد تقريبًا البلد كلها اللي تربوا فيها. ده لحد ما الطفل اتولد و"صوفيا" بدأت في الخطة إنها تدعي إنها أرملة وتلم حاجتهم القليلة لحياة جديدة في نورثمبرلاند.
      
      "فيه خرم صغير هنا يا مدام. بالظبط على الخياطة."
      
      "صوفيا" و"ليسي" قضوا بقية الصباح وهما بينزلوا الستاير والبرادي وبيفحصوهم لأي نوع من التلف قبل ما يحطوهم على جنب عشان يتغسلوا. "صوفيا" بدأت تفك العقدة في الخيط بتاعها وبدأت في الخرم الصغير اللي "ليسي" شورتلها عليه، صوابعها اتحركت بسرعة أكبر أول ما سمعت "جورج" بدأ يزن من أوضة نومها اللي فوق.
      
      "هروح أجيبه أنا،" "ليسي" عرضت، وانطلقت ناحية السلم قبل ما "صوفيا" تقدر تقول كلمة مؤيدة أو معارضة. بعد دقيقة، رجعت الشابة ومعاها "جورج" اللي كان بيضحك بالفعل ومتكفي على وركها، إيديه بتلعب بشريط صغير هي كانت شالته من شعرها عشان يستخدمه كلعبة.
      
      "ماما أكدتلي إنه هيمشي قبل ما يتم شهر تاني،" "ليسي" قالت، ابتسامتها بتزيد وهي بترمي الشريط الأخضر بعيد عن متناول "جورج" قبل ما تسمحله يتزحلق بين صوابعه تاني.
      
      "مش هستغرب،" "صوفيا" قابلت ابتسامة الشابة بواحدة زيها وهي بتبص على الطفل ومحاولاته اللي تقريبًا كوميدية إنه يمسك قطعة القماش الرفيعة دي. "لوسي مشيت بدري، حوالي تسع شهور، لو مكنتش غلطانة."
      
      "وإيه عنك؟" "ليسي" رمت الشريط رشة تانية، بس "جورج" فجأة اندفع ومسكه، مفاصل صوابعه ابيضت وهو ماسك بكل قوته.
      
      "آه، لأ." "صوفيا" ضحكت. "أنا كنت متأخرة في كل حاجة، أو كده اللي أمي كانت بتأكدلي عليه في مناسبات كتير. كنت متأخرة في المشي، متأخرة في النوم طول الليل، متأخرة في أول كلمة أنطقها، ومأساوية متأخرة في نمو شعر كامل. في الحقيقة، كنت تقريبًا عندي تلات سنين قبل ما أي حاجة من دول تظهر أخيرًا." وقفت خياطتها لمدة كافية عشان تشد طرف ضفيرتها بالراحة. "لوسي كانت بتهزر وتقول إن شعري قضى وقت طويل أوي جوه راسي لدرجة إنه حمض، وعشان كده طلع بلون بشع بالشكل ده."
      
      "ليسي" ضحكت بصوت عالي، وبعدين وشها احمر من الكسوف.
      
      "متشغليش بالك،" "صوفيا" لوحت بإيدها عشان تبعد مظهر البنت المحرج. "مش أنتي اللي لازم تعيشي بيه." ابتسمت تاني، و"ليسي" شكلها استرخت.
      
      
      
      
      
      "يا سلام، مش باين عليك إنك مبسوط النهاردة الصبح؟"
      
      "صوفيا" رجّعت خصلة شعر أحمر من على خدها قبل ما تنحني على سرير الأطفال الخشب الصغير. "جورج" كان واقف على أطراف صوابعه، إيديه الاتنين مرفوعة ناحيتها وإصابعه الممتلئة بتتحرك وكأنها بتحاول تمسك حاجة في الهوا. أول ما إيديها مسكته من تحت دراعاته، الطفل طلع صرخة سعادة فظيعة، عينيه الزرقا بتلمع و"صوفيا" بتشيله من على حرف السرير وتلف بيه دايرة كاملة في الهوا قبل ما تثبته أخيرًا على وركها.
      
      "نمت كويس؟" سألته، وصوتها مكانش بيزود غير ابتسامة الولد، ابتسامة كان فيها سنتين بيضا من فكه اللي تحت. وهي بتغير للولد الحفاضة وبتلبسه هدوم نضيفة لليوم، حكتله عن اللي حلمت بيه وهي نايمة، عن الشمس اللي بتدخل من شبابيك الأوضة، وعن الورد الأبيض اللي بدأ يفتح على طول السياج. "جورج" كان بيبغبغ ردًا على كل أسئلتها، وإيديه بتسقف بحماس لما شالته تاني ونزلت بيه تحت عشان يفطر.
      
      "عايز تفاح؟" "صوفيا" سألت وهي بتفتح برطمان تفاح مطبوخ وبتصبه في طبق. الولد كان بيكركب من ركنه في المطبخ، اللي كان فيه تشكيلة من المكعبات الخشبية وحصان لعبة لسه شارياه ومعاه عربية خشب بتتحرك على الأرض بعجل بيخبط.
      
      "لازم نجيب حتة خيط للعربية دي،" كملت وهي بتقطع بمهارة طرف رغيف عيش غامق ونزلته للطفل. بدأ يمضغ العيش الناشف بحماس، في حين تجمع طبقة من اللعاب على دقنه ونزلت عشان تبل ياقتة. "بالطريقة دي، أول ما تبدأ تمشي، هتقدر تسحبها وراك في كل حتة في البيت!"
      
      "جورج" صرخ وهو بوقه مليان عيش طري وركل رجليه الممتلئة و"صوفيا" رفعته من على الأرض وحطته في كرسيه العالي في طرف الترابيزة. قعدت جنبه على كرسي عالي، بتأكله قطع تفاح وهو فقد اهتمامه بالعيش وبدأ يفتته لفتات.
      
      "يمكن نتمشى الضهرية دي،" "صوفيا" اقترحت، وهي بتاخد الطبق الفاضي لحوض الغسيل. "لو الشمس فضلت، ممكن حتى نعمل فسحة صغيرة. إيه رأيك؟"
      
      فضلت ترغي مع الطفل وهي بتجهز فطارها وبتنضف المطبخ. أكلت وهي واقفة، بتدخل لقم عيش بالزبدة ولحم مقدد بين كنس الأرض ومسح الترابيزة. الشبابيك هتحتاج تتغسل كويس قريب، فكرت وهي بتبص على الجنينة اللي ورا البيت. والجنينة محتاجة تتنضف من الحشائش، والسياج محتاج يتقص، و...
      
      "أو يمكن نخلي الفسحة لبكرة، ها؟" قرصت خد "جورج" وهو بتعدي من جنب كرسيه، بس الولد كان مشغول بالخبط بمكعب من مكعباته على الترابيزة لدرجة إنه ملاحظش اللمسة الخفيفة. "غير كده، ليسي المفروض تيجي النهاردة عشان تساعد في غسيل الستاير، وأنا متأكدة إنها هتبقى عايزة تاخدك تدور على ديدان الفراش، ده لو كنت شاطر أوي الصبح ده."
      
      الأعمال المنزلية، كانت بتأمل، هتكون كفاية عشان تبعد أفكارها عن حاجات تانية. طبعًا، كانت بتأمل نفس الأمل كل صباح، إن شغل إدارة البيت، والاهتمام بـ "جورجي" الصغير هينجح في تشتيت انتباهها عن أفكارها، بس كل يوم، بدون فشل، ابتسامتها كانت بتختفي وهي بتدخل في شغلها، دراعاتها بتتعب بسرعة كبيرة وهي بتعجن العجينة لرغيف العيش الطازج اللي كانت ناوية تخبزه في وقت لاحق من اليوم.
      
      لما كانت بتتكلم مع "جورج"، عمرها ما سمحت للأفكار دي تبان في كلامها أو تعبيراتها. هو مش محتاج يعرف إن أمه سابته، من غير كارت واحد ولا جواب عشان تعرفهم هي فين دلوقتي. بس دي كانت دايماً طريقة لوسي، "صوفيا" فكرت. تهرب من غير ما تبص وراها، تسيب كل حاجة وكل حد وراها في اللحظة اللي حاجة، أو حد، يلفت انتباهها.
      
      "صوفيا" عصرت القماشة اللي كانت بتستخدمها عشان تمسح الترابيزة وعلقتها على طرف الحوض. لسه مفيش حتى نص النهار وضهرها كان بيوجعها، وعقدة شد بدأت تتكون بين لوحين كتفها. التلات شهور اللي فاتوا كانوا الأصعب. لحد ما "جورج" بقى عنده ست شهور، "لوسي" كانت راضية تفضل معاها في البيت وتهتم بالولد. بس أول ما "جورج" بدأ يزحف ويبين شوية علامات استقلالية الرضع، "لوسي" بقيت قلقانة. اشتكت من متاعب الأمومة، وإزاي إنها بتكبرها أكتر من سنها اللي هو تسعتاشر سنة. وبعدين، في يوم من الأيام بعد الضهر، "لوسي" خرجت تتمشى في ستانتريث وممرجعتش.
      
      "صوفيا" مكنش عندها سبب تخاف إن حاجة حصلت لأختها الأصغر وهي بتتمشى. العربية كانت دايماً بتعدي من ستانتريث يوم التلات، وبما إن "لوسي" اختفت فجأة يوم تلات، قرب الساعة اللي العربية كانت بتبقى فيها بره الفندق...
      
      وبعدين اكتشفت الملاحظة على ترابيزة مكياج "لوسي". مكنتش رسالة طويلة أوي. مفيش اعتذار طبعًا. بس ده مكنش أسلوب "لوسي" أصلاً. "أنتِ هتعملي أحسن مني بكتير، أنا متأكدة" كده كانت مكتوبة، وممضية بقلب وحرف "L" ملفوف "لوسي" كانت معتادة تمضي بيه كل مراسلاتها.
      
      "يلا يا حبيبي." "صوفيا" شالت "جورج" من كرسيه العالي وادته بوسة خفيفة على راسه الأشقر. "يلا نرتب السراير، إيه رأيك؟"
      
      كانت الساعة عشرة وخمس دقايق الصبح لما "ليسي" وصلت لباب المطبخ، ومريلة بيضا نضيفة كانت مربوطة حوالين وسطها وسلة كبيرة متشالة على دراعها اليمين. "آسفة إني اتأخرت، يا مدام بريكستون." الشابة هزت راسها وهي بتعتذر. "بس ماما أصرت إني أجيب البسكوتات دي لـ"جورجي" الصغير. هما ناشفين شوية، عشان كده افتكرت إنهم ممكن يكونوا كويسين لتسنينه."
      
      "يا سلام، ممتاز!" "صوفيا" خدت السلة اللي اتعرضت عليها وبصت تحت القماشة اللي كانت بتحمي البسكوتات اللي لسه دافية. "جورج لسه نايم نومة الصبح، بس أنا متأكدة إنه هيحب ياكل واحدة أو اتنين منهم مع لبنه أول ما يصحى."
      
      وبينما "صوفيا" حطت السلة على جنب ومدت إيديها عشان تثبت دبوس شعر كان اتزحلق من ضفيرتها اللي ورا راسها، بصت على "ليسي" الشابة. بنت الطحان كانت جميلة، وبقت أجمل بزيادة وزن لطيفة اديت شكل لجسمها اللي كان لسه بينمو واديت استدارة لبشرتها الرائعة، بخدود وبشرة ناعمة زي القشطة الطازجة. "صوفيا" كشّرت تحت النمش بتاعها، النمش اللي كان لازمها من وهي طفلة ومختفاش تمامًا لما كبرت وبقت ست.
      
      "ليسي"، "صوفيا" فكرت، هتبقى زوجة وأم ممتازة في يوم من الأيام، على الرغم من إن البنت شكلها مكنتش واخدة بالها خالص من جاذبيتها. "صوفيا" من ناحية تانية، كانت عارفة مدى حدودها الجوازية. مفيش حاجة كتير تخليها مرغوبة لزوج محتمل. بغض النظر عن الجانب الجسدي (لإن مين ممكن يرغب في شابة شعرها أحمر ومنمشة لأي راجل؟)، سلوك أختها زود قفل أي فرصة لـ "صوفيا" إنها تلاقي زوج. مهما كان إنهم وصلوا لـ "ستانتريث" تحت ستار أرملة شابة وأختها بيحاولوا يبدأوا حياة جديدة لنفسهم.
      
      كانت سمعت الشائعات اللي بتدور حواليهم، وبالذات حواليها هي. إنها عمرها ما اتجوزت أصلًا، وإن الطفل اتولد ليها من غير جواز، وإنهم هربوا من بيتهم اللي فات على بعد دزينة مقاطعات عشان يهربوا من وصمة الفضيحة. وعشان كده فضلت في بيتها، بتعلم نفسها إزاي تدبر مبلغ الخمسين جنيه في السنة وهي بتتحمل النظرات المتعالية وقسوة أهل البلد اللي اختاروا يبصوا عليها باحتقار عشان عندها ماضي مش واضح متلوث أكتر بشهور من القيل والقال.
      
      لو كان معاهم فلوس أكتر، "صوفيا" كتير كانت بتتساءل... عيلة أكتر، عيلة أحسن، يمكن كانوا يقدروا يبعتوا "لوسي" بعيد طول فترة حملها، بعيد عن العيون الفضولية ونظرات الجيران اللي بتحكم. وبعدين، بعد كام شهر لما الشائعات تموت، كان ممكن ترجع بالطفل الجديد وتدعي إنه ابن عم أو حتى لقيط متروك لرعايتهم. بس "صوفيا" مكنش عندها لا الفلوس ولا العلاقات عشان تعمل خطة زي دي. وعشان كده "لوسي"، اللي كان عندها تمنتاشر سنة بس لما اكتشفت إنها حامل، اضطرت تتحمل انتقاد تقريبًا البلد كلها اللي تربوا فيها. ده لحد ما الطفل اتولد و"صوفيا" بدأت في الخطة إنها تدعي إنها أرملة وتلم حاجتهم القليلة لحياة جديدة في نورثمبرلاند.
      
      "فيه خرم صغير هنا يا مدام. بالظبط على الخياطة."
      
      "صوفيا" و"ليسي" قضوا بقية الصباح وهما بينزلوا الستاير والبرادي وبيفحصوهم لأي نوع من التلف قبل ما يحطوهم على جنب عشان يتغسلوا. "صوفيا" بدأت تفك العقدة في الخيط بتاعها وبدأت في الخرم الصغير اللي "ليسي" شورتلها عليه، صوابعها اتحركت بسرعة أكبر أول ما سمعت "جورج" بدأ يزن من أوضة نومها اللي فوق.
      
      "هروح أجيبه أنا،" "ليسي" عرضت، وانطلقت ناحية السلم قبل ما "صوفيا" تقدر تقول كلمة مؤيدة أو معارضة. بعد دقيقة، رجعت الشابة ومعاها "جورج" اللي كان بيضحك بالفعل ومتكفي على وركها، إيديه بتلعب بشريط صغير هي كانت شالته من شعرها عشان يستخدمه كلعبة.
      
      "ماما أكدتلي إنه هيمشي قبل ما يتم شهر تاني،" "ليسي" قالت، ابتسامتها بتزيد وهي بترمي الشريط الأخضر بعيد عن متناول "جورج" قبل ما تسمحله يتزحلق بين صوابعه تاني.
      
      "مش هستغرب،" "صوفيا" قابلت ابتسامة الشابة بواحدة زيها وهي بتبص على الطفل ومحاولاته اللي تقريبًا كوميدية إنه يمسك قطعة القماش الرفيعة دي. "لوسي مشيت بدري، حوالي تسع شهور، لو مكنتش غلطانة."
      
      "وإيه عنك؟" "ليسي" رمت الشريط رشة تانية، بس "جورج" فجأة اندفع ومسكه، مفاصل صوابعه ابيضت وهو ماسك بكل قوته.
      
      "آه، لأ." "صوفيا" ضحكت. "أنا كنت متأخرة في كل حاجة، أو كده اللي أمي كانت بتأكدلي عليه في مناسبات كتير. كنت متأخرة في المشي، متأخرة في النوم طول الليل، متأخرة في أول كلمة أنطقها، ومأساوية متأخرة في نمو شعر كامل. في الحقيقة، كنت تقريبًا عندي تلات سنين قبل ما أي حاجة من دول تظهر أخيرًا." وقفت خياطتها لمدة كافية عشان تشد طرف ضفيرتها بالراحة. "لوسي كانت بتهزر وتقول إن شعري قضى وقت طويل أوي جوه راسي لدرجة إنه حمض، وعشان كده طلع بلون بشع بالشكل ده."
      
      "ليسي" ضحكت بصوت عالي، وبعدين وشها احمر من الكسوف.
      
      "متشغليش بالك،" "صوفيا" لوحت بإيدها عشان تبعد مظهر البنت المحرج. "مش أنتي اللي لازم تعيشي بيه." ابتسمت تاني، و"ليسي" شكلها استرخت.
      
      "إيه لون شعر جورجي اللي تفتكري هيطلع؟" "ليسي" سألت بعد ما عدت دقايق كتير. "هو فاتح أوي بالفعل،" قالت، ومسحت إيديها على الشعر القصير اللي تقريبًا أبيض اللي بيزين فروة راس الطفل.
      
      "مش متأكدة،" "صوفيا" نزلت الخياطة بتاعتها وبصت على راس "جورج".
      
      "ليسي" فضلت تحرك إيديها في الشعر الخفيف اللي على راس البيبي، وكل مرة صوابعها بتعدي بتطلع صوت إعجاب تاني من "جورج" الصغير نفسه. "يمكن باباه شعره فاتح، أو كان وهو صغير. يمكن..." وقفت فجأة، وعينيها وسعت من الغلطة اللي عملتها. "أنا آسفة،" قالت، وصوتها واطي وعينيها بتدور على النقوش اللي في سجادة الصالون.
      
      "لو سمحتي، متقلقيش نفسك." لفة بصوابعها، قصة بالمقص، والخرم اللي في الستاير اختفى. "هي ببساطة مش مسألة الواحد يقدر يتجنبها خالص. هيجي وقتها، وأكتر من مرة، أنا متأكدة. ومش بتوجعني. على الأقل، مش بالقدر اللي ممكن تتخيليه." حست بوخزة بسيطة من عدم الأمانة ده، بس حاولت تبتسم ابتسامة صغيرة عشان تطمن البنت.
      
      بس على الرغم من كلام "صوفيا"، "ليسي" فضلت تعض شفتها اللي تحت. "أنتِ...؟" بدأت، وبعدين سكتت.
      
      "أيوة؟"
      
      "ليسي" نضفت زروها وحاولت تاني. "بتوحشك؟ والد جورجي، قصدي."
      
      "صوفيا" اتنهدت ونزلت الخياطة بتاعتها. فجأة، حست بنفس الإرهاق اللي كان بيلازمها بقالها كام شهر، نفس عقدة الشد اللي بتضيق في نص ضهرها من فوق. "طبعًا بيوحشني. هو كان جوزي، مش كده؟ على الرغم من إني ساعات بحس كأننا مقضيناش وقت كفاية مع بعض عشان أوحشه بجد زي ما المفروض."
      
      "ميس لوسي حكتلي عنه،" "ليسي" كملت، و"صوفيا" شتمت في سرها على عدم قدرة أختها على كتمان الحكايات. "وصفت إنه 'جنتلمان كويس'."
      
      "صوفيا" قاومت الرغبة في إنها تلف عينيها. "طيب، لو ده اللي قالته عنه، يبقى يمكن نسيبها على كده، ها؟"
      
      "ليسي" حطت "جورج" على رجلها وفضلت تتعب نفسها عشانه، بتظبط ياقته، وبتشد في الشرابات الصوف اللي بتحافظ على دفء صوابعه الصغيرة. كانت متوترة، "صوفيا" أدركت، ومع ذلك الرغبة في طرح الأسئلة، في الدخول في شوية نميمة كانت أكبر من أي إحراج كانت بتحسه بخصوص الموضوع ده. لازم يكون ده ناتج عن إنها اتولدت واتربت في قرية صغيرة، "صوفيا" فكرت، وده اللي خلق الحاجة للكلام عن الآخرين والادعاء إن عالمهم كان أكبر بكتير من اللي موجود بين بيت القسيس ومزرعة الخرفان بتاعة الأستاذ بينجامان.
      
      "صوفيا" وقفت عشان تنهي المحادثة اللي فاتت. نفضت خيوط الخياطة الزيادة من مريلتها واتحركت ناحية المطبخ. "أظن جه وقت الشاي، ها؟ وبعدين جورج ياكل
       
      

      روايه كاريوكي

      كاريوكي

      2025, كاترينا يوسف

      رومانسية

      مجانا

      طالبة جامعية ملتزمة بتدرس في سول، بس حياتها الهادية بتتقلب لما صاحبتها ميساكي بتسحبها لليلة كاريوكي صاخبة. في نفس اليوم، إيلين بتتصدم بعربية شاب اسمه منجاي، وده بيفتح باب لمغامرات غير متوقعة. الرواية بتوصف إزاي إيلين بتكتشف جوانب جديدة في شخصيتها وبتواجه تحديات في علاقاتها وصداقاتها، كل ده وسط أجواء كوريا الجنوبية الشتوية.

      ميساكي

      زميلة إيلين في السكن وصاحبتها المقربة. شخصية مفعمة بالحياة والطاقة، بتحب المرح والخروج، ودايمًا بتشجع إيلين إنها تخرج من قوقعتها وتجرب حاجات جديدة. هي السبب الرئيسي في إن إيلين تروح الكاريوكي وتتعرف على مجموعة "الملائكة".

      منجاي

      شاب بيلتقي بإيلين بشكل غير متوقع لما بيخبط عجلتها. شخصية ودودة ولطيفة، وباين عليه إنه مسالم، لكن بيظهر إنه جزء من مجموعة ميساكي، وبيدخل حياة إيلين بشكل مفاجئ ومؤثر.

      سونجوا

      حبيب إيلين، شخصية بتميل للتحكم شوية وبتضايق لما إيلين بتركز على دراستها أكتر منه. علاقتهم فيها توترات بسبب اختلاف أولوياتهم، وده بيظهر بوضوح في نهاية المقتطف.
      تم نسخ الرابط
      روايه كاريوكي

      إيلين كانت بتتساءل إزاي الملائكة الحارسة ممكن تطير بتقل هموم الدنيا على جناحاتها. كانت بتتساءل إزاي بيخبوا أسرارهم الغامقة، وإزاي بيقدروا يخبوا هوياتهم المُرَّة بين رمشات رموشهم الطويلة، وإزاي ممكن يبتسموا ويضحكوا رغم النار السودة اللي بتلسع تحت سطح أرواحهم المنهكة.
      
      كانت زمان بتفتكر إن زميلتها في السكن واحدة من الكائنات المعذبة دي، لغز مشتعل بيستخدم روح مشرقة عشان يخبي مشاكله المرة. كانت بتفتكر إن تصرفات ميساكي المجنونة مجرد تمثيل، بس كل ما عرفتها أكتر، إيلين أدركت إن زميلتها دي مجرد كائن نشيط. بنت جامحة.
      
      وأيوه، بالرغم من الدوشة والفوضى، إيلين لسه بتحب زميلتها. كانت بتحب طريقة ميساكي وهي بتخبي ضحكاتها ورا صوابعها المطلية بالبمبي، وإزاي بتعيش حياتها بسرعة، وإزاي بتطلع البريق في معظم الناس. وعلى عكس ما إيلين كانت بتفتكر، ميساكي ما كانتش شيطانة.
      
      بس أكيد ما كانتش ملاك.
      
      "إيلين!" صرخت ميساكي وهي بتخطف كتف إيلين وتهزها زي قلم الألوان. لحد لحظات فاتوا، كانوا الاتنين بيدرسوا في شقتهم في سول، ومتقطعين أحيانًا بصوت كلاكسات العربيات من الشارع اللي تحت – إيلين كانت بتدرس، ميساكي كانت مشتتة (كالعادة). المباني البيضا اللي قصادهم كانت بتعكس درجات الرمادي والأبيض الباهتة للسما العصرية على شقتهم اللي كانت ألوانها محايدة برضه، وده كان بيرمي ضباب باهت وكسول على عقولهم المنهكة.
      
      يمكن إيلين بس هي اللي كانت حاسة بالإرهاق. ميساكي ما كانتش أبدًا بتفقد لمعانها.
      
      "لازم تيجي معانا الليلة دي،" ميساكي اتوسلت وشفتها اللي تحت طلعت لقدام. "هييحبوكي! أوعدك..." صوتها اختفى في صرخات بعيدة لما إيلين بصت من الشباك. عينيها بقت مبرقة، وكسل العصر كان بيغمرها، بيرحب بيها زي موجة ودودة.
      
      إيلين كانت محتاجة تنام.
      
      لما ميساكي كانت بتتحمس، كانت بتتكلم بسرعة. "ميسا،" إيلين قالت أخيرًا وهي رافعة إيديها. "ميسا، اهدي شوية!"
      
      زميلتها ابتسمت، عينيها البني الفاتحة لسه بتلمع. "آسفة،" ضحكت ميساكي وهي بتحاول تتكلم أبطأ. "بس من فضلك! لازم تيجي معانا ليلة الكاريوكي!"
      
      إيلين رمشت مرتين. اسمها عمره ما اتحط في نفس الجملة مع كاريوكي. "مش عارفة-"
      
      "أنا بتكلم عنك طول الوقت،" ميساكي كملت كلامها وهي مش مهتمة، "الطاقم كله عايز يقابلك..." ده كان أقل وصف ممكن يتقال عن إن ميساكي بتتكلم بجسمها كله. بإيديها الصغيرة اللي بتحرك الكلام على شفايفها بلون الكريز وعينيها اللي بتلمع من الحماس، كل جملة كانت بتطلع من بقها كانت بتلمع بشغف حقيقي.
      
      إيلين نفخت خدودها وقعدت من كرسيها الخشب. "مش عارفة يا ميسا،" إيلين قاطعتها. "ده مش باين عليه نوع الخروجة اللي بحبها."
      
      هالة ميساكي المتفجرة خفتت شوية. "آه،" أدركت وهي بتمرر إيديها في شعرها اللي فيه خصلات شقرا. "طيب." سكتت للحظة، وبعدين خطفت تليفون إيلين. كتبت عنوان بسرعة ورجعتهولها. "لو غيرتي رأيك، هنكون هنا الساعة سبعة."
      
      إيلين قدرت تبتسم ابتسامة باهتة، وهي بتشد خصلة من شعر ميساكي الأشقر. "هنشوف." وقفت من الكرسي اللي بيزيق، وموجة جديدة من النعاس غمرتها على طول. "عندي حصة."
      
      ميساكي لوحت بإيديها، وقعدت تلقائيًا في المكان الفاضي. "انبسطي،" قالت بابتسامة مشرقة، "بحبك!"
      
      إيلين لبست جاكيت عليها وبر على كتفها وقلدت تصرفات زميلتها. "وأنا كمان بحبك."
      
      الهوا البارد بتاع سول استقبل إيلين بقوة. ارتعشت، وشدت على الشال اللي ميساكي ادتهولها هدية. عمرها ما هتفهم إزاي الشتا في كوريا بيكون ساقعة موت، والصيف حر مولع. أم الطبيعة عمرها ما كانت بتقرر هنا.
      
      ذكريات حلوة اتجمعت على سطح مخ إيلين اللي زي رف الكتب. صور وضحكات بعيدة عدت قدام عينيها وهي بتفتكر الأسطح اللي عليها تلج في المركز السياحي المشهور في سول – قصر جيونج بوكجونج – اللي مامتها وباباها كانوا بياخدوها ليه في إجازات الشتا. افتكرت ليالي إعدادي اللي قضتها في ساحة التزلج على الجليد في لوت وورلد، وهي بتتزحلق بشكل كارثي زي غزال لسه مولود وإزاي صحابها التانيين كانوا بيتزحلقوا على الجليد برشاقة الراقصين.
      
      الشتا. إيلين في يوم من الأيام كانت بتحب الشتا.
      
      بس كل ما كبرت، التقدير ده بدأ يخفت. لما الجو بقى ساقعة، ولما الشمس ما كانتش بتظهر وشها تقريبًا، المشاعر المبهجة طارت وبقت مجرد ذكريات للبنت اللي كانت زمان بتستنى عند الشبابيك المتغطية بالضباب عشان تشوف ندفة تلج واحدة. لأن دلوقتي، إيلين كانت بتكره طريقة التلج وهو بيتسرب لأجزاء بوتها البالية، وإزاي الهوا كان قوي لدرجة إنه كان هيوقعها تقريبًا، وإزاي بشرتها كانت بتنشف، وإزاي السما كانت رمادي، رمادي أوي، دايمًا رمادي.
      
      هبة هوا ساقعة تانية عدت، ورجعت شعرها اللي كان مجنون أصلاً في الهوا. قشعريرة زحفت على رقبتها، والبرد كان بيقرص خدودها اللي لونها تفاحي.
      
      محطة المترو كانت زحمة، كالعادة، دوشة وزحمة بطلاب جامعة سول الوطنية التانيين اللي رايحين حصصهم بعد الظهر. إيلين ضيقت عينيها وسط الزحمة، بتدور على الوش المألوف اللي تعبت عشان تيجي عشانه هنا. بصت في ساعتها.
      
      أخيرًا، ظهر حبيبها سونجوا.
      
      جرى عليها وهو لابس جاكيت نفخ أبيض فاتح، وإيديه محشورة جوه جيوبه. "نونا،" حبيبها حيّاها، وخبطها بكتفه. "الجو ساقعة أوي النهاردة."
      
      إيلين بصت في عينيه البني. "آه،" قالت ببساطة، صوتها كان مكتوم تحت طيات شال ميساكي. "ساقعة." كان ساقعة كل يوم.
      
      الأتنين وقفوا في صمت، بيتفرجوا على القطارات وهي بتعدي وبيسمعوا صوت المحطة اللي بيتردد. إيلين كان عندها خيار إنها تروح محطة تانية أقرب كانت على بعد كام بلوك بس من شقتها، بس سونجوا أصر إنهم يتقابلوا قبل ما يروحوا الجامعة.
      
      إيلين بصت على سونجوا وهو بيطلع تليفونه، وكتب رسالة بسرعة، وحط إيديه في جيوبه تاني. هبة هوا عدت بينهم، ورمت شال ميساكي بره وخبطته زي علم أبيض.
      
      سونجوا أخيرًا لف ناحيتها، وابتسامة ساحرة بتلعب على شفايفه الشاحبة. "عايزة تيجي عندي الليلة دي؟"
      
      جزء من إيلين انكمش من الاقتراح. في الحقيقة، هي ما كانتش عايزة تروح شقته الصغيرة أوي (ولأ، مش عشان ريحة الكحول الرخيص اللي دايمًا موجودة). فابتسمت بلطف على قد ما قدرت بس هزت راسها بلا. "كنت ناوية أدرس الليلة دي،" قالت، بس صوتها اتغرق بسرعة في صوت المترو اللي بيقرب.
      
      "إيه؟" سونجوا صرخ فوق صوت القطار المستمر.
      
      "لازم أدرس!"
      
      سونجوا تنهد شوية. "بس انتي بقالك فترة بتدرسي أوي."
      
      إيلين بصت له، فتحت بقها وقفلته. أيوه، فكرت ردًا، ده اللي جيت الجامعة عشانه. سونجوا كان بيبقى كده لما إيلين بتستخدم الدراسة كحجة عشان تسيبه لوحدها، فعادة كانت بتصالحه عن طريق إنها تجيب له معجنات الفول الحلو المفضلة بتاعته من المخبز المحلي. "أنا عندي مشكلة في تاريخ علم النفس،" تمتمت.
      
      "أنا لسه مش فاهم ليه لازم تاخدي حصة تاريخ،" تمتم سونجوا، وشه كان رتيب.
      
      حاجة جوه إيلين دبلت. "ده تاريخ علم النفس."
      
      "أنا عارف."
      
      وقفوا في صمت لحظة، والقطارات كانت بتملى الصمت.
      
      "هاجبلك معجنات فول أحمر بكره،" نفخت وهي بتغير الموضوع بسرعة على قد ما قدرت، وأخيرًا أجبرت نفسها إنها تبص في عينيه. "صوتها حلو؟"
      
      
      
      
      
      ابتسم بسرعة تاني، الهوا كان بيطير شعره الغامق على عينيه. "هاتي اتنين. زميلي في السكن كان عايز يجربهم."
      
      ممتنة إنه مكانش بيتنرفز، إيلين عضت على شفتها، هزت راسها، وشدت القلنسوة بتاعتها على راسها وهما بيركبوا المترو.
      
      "أعتقد إني مكانتش بكدب على سونجوا بالكامل،" إيلين فكرت بمرارة وهي بتحاول تقرا خط إيدها اللي عامل زي خربشة الفراخ. كان واضح من الفترة اللي فاتت إنها فعلاً بتعاني في المادة دي.
      
      الحصة كانت خلصت من حوالي تلاتين دقيقة، بس إيلين كانت لسه سايقة عجلة من غير هدف في الجامعة، بتحاول تفهم اللي لسه اتعلمته. كانت بتكره ركوب العجل في الشتا - الطريقة اللي وشها بيحس بيها إنه متيبس وساقع بعد كل ركوبة - بس حست إن دي الطريقة الوحيدة عشان تحس إنها مخدرة عقليًا وجسديًا.
      
      عقل إيلين كان بيميل إنه يسرح في أيام زي دي، لما الهوا بيكون خفيف، لما السما بتكون بتتقفل، وتخبي الشمس ودفئها، وبتحس إن روحها بتختفي في نسيان أبيض متغطي بالتلج.
      
      وهي مكملة تزغد في مذكراتها، إيد ماسكة دراعات العجلة وإيد ماسكة كراستها المتكرمشة. هي بس مكانتش بتقدر تركز في الحصة لما الجو بيبقى كده. رفعت راسها للسما المليانة سحب، إيلين كملت سواقة العجلة على الرصيف المتشقق في حرم جامعة سيول الوطنية، وعينيها بتدمع من الهوا الساقع.
      
      ابتسامة حبيبها ظهرت في دماغها تاني، وإيلين أطلقت تنهيدة. سونجوا كان عنده حق غالبًا في إنه يحط دراستها قبل منه. كل اللي إيلين كانت بتعمله هو الدراسة. طبعًا، هي ممكن تلاقي وقت تشوفه فيه من وقت للتاني، صح؟
      
      "بس لو أنا مش عايزة أشوفه؟" صوت تاني في دماغها رد. إيلين فتحت وغمضت عينيها ببطء، وبتدوس على البدال أسرع.
      
      عربية ضربت كلاكس فجأة.
      
      عيني إيلين اتفتحت على آخرها. قبل ما تقدر تتفاعل أو حتى تفهم إيه اللي هيحصل، هي اتدفعت من غير هدف للشارع، وخبطت في عربية رمادي اللي بان إنها ظهرت من العدم. صرخة طلعت منها وهي بتتحدف من على عجلتها لورا، وبتتدحرج على الرصيف الخشن اللي تحتها. الأرض المتغطية بالتلج الخفيف استقبلتها بقرصة تلج قاسية. إيلين غطت راسها، غمضت عينيها جامد، واستنت إن العربية تدوسها. بس هي سمعت بس صوت خبطة عالية وصوت فرامل بتتضرب.
      
      كام راس اتلفت ناحيتها، وصوت شهقات وصراخ.
      
      "يا إلهي!"
      
      "شفت ده؟"
      
      "هي كويسة؟"
      
      إيلين فتحت عين واحدة، وبعدين التانية، وبتزغد في اللي حواليها. العربية الرمادي كانت عدت على عجلتها، وبعدين رجعت تاني، وظهرت دراعات العجلة المتطبقة، والعجل اللي بقى مسطح، والكرسي المكسور. قعدت ببطء، وهي بترمش في السحاب اللي فوقيها وبتحسس على جسمها عشان تشوف لو فيه أي إصابات. ألم حرقان في وركها لأنه خد أغلب الصدمة، وكان فيه خدش كبير في وشها، بس – إيلين وقفت ببطء – هي ممكن تمشي. زفرت بسرعة، وحطت إيدها على قلبها اللي كان بيدق بسرعة.
      
      وقفت هناك في الهوا الساقع، وقلبها بيدق، وبصت على العجلة المكسرة. كانت هتقع على ركبها.
      
      أخيرًا، باب العربية الرمادي الأمامي اتفتح، وظهر طالب تاني من جامعة سيول الوطنية. للحظة، كان فيه لمحة قلق عدت على وشه وهو بيمرر إيده في شعره الأسود، بس القلق ده اتحول بسرعة لحيرة. "إيه... إيه اللي حصل..." قال بالإنجليزية، وهو بيبص بعبوس على البنت اللي لسه خبطها بعربيته.
      
      "إيه اللي حصل في إيه؟" إيلين ردت بالإنجليزية، وهي بتقرب خطوة، بالرغم من إن إيديها لسه بتترعش. "انت لسه خبطتني بعربيتك يا عبقري!"
      
      الولد بص عليها، وبقه مفتوح، وعينيه البني واسعة. "مش هتقدر تحطي اللوم ده كله عليا،" قال، صوته كان عامل زي المية على الزجاج (بالرغم من الكلام اللي كان بيقوله). "عربيتي كانت بتتحرك بالعافية! انتي اللي سرّعتي للشارع من غير ما تاخدي بالك."
      
      "أنا مجرد مشاة!" صرخت. "المفروض تخليني أعدي."
      
      "كنتي بتبصي لفوق."
      
      إيلين فتحت بقها عشان ترد بس قفلته. هو كان عنده حق. عينيها كانت مقفولة. ولما كانوا مفتوحين، كانت بتبص للسحاب. مقدرتش غير إنها تبص له بذهول، كبريائها كان أكبر من إنها تكمل جدال. "بس عجلتي..." تمتمت وهي بتحط إيديها المرتعشة في جيوبها. هو مكانش ماشي بسرعة، بس يبدو إن كان فيه زخم كفاية عشان يدوس على عجلتها.
      
      الولد ابتسم فجأة؛ ابتسامة مشرقة، حقيقية. "طيب، انتي كويسة؟" سأل، وهو بيحول للكوري فجأة وكأنه بيختبر إذا كانت اللغة مألوفة ليها. من غير ما يستناها ترد، مشي ناحية العجلة المتطبقة، ورفعها برفق من الرصيف.
      
      إيلين بصت عليه. "أنا كويسة،" ردت، وهي كمان حولت للكوري. هما الاتنين كانوا محظوظين إنه خبط مؤخرة عجلتها. وإنه كان سايق ببطء في منطقة الجامعة. الولد حاول يرفع العجلة من الأرض ويسندها، بس وقعت على طول تقريبًا، والعجلة السايبة وقعت خالص. كان المنظر كوميدي تقريبًا.
      
      الولد عبّس، وهو بيحفر في جيبه. "ممكن آخد رقم تليفونك؟" سأل بالإنجليزية.
      
      "رقمي؟" بصت بذهول، وهي بتتأتئ فجأة وواعية لعدد الناس اللي لسه بيتفرجوا على آثار الحادثة.
      
      "اهدي،" كمل، "أنا هاصلحلك عجلتك."
      
      
      
      
      
      
      
      إيلين ماقدرتش غير إنها تبص بذهول أكتر. "تصلح؟" إيلين بصت بذهول، وهي بترمي إيدها ناحية العجلة المتكسرة. "دي ماتتصلحش."
      
      الولد فضل واقف، ماسك تليفونه. "ها... أحوش فلوس عشان أجيبلك واحدة جديدة، إذن."
      
      إيلين كانت عايزة تتخانق معاه، وتثبت موقفها، وتطلب منه أي حاجة، بس ماقدرتش تفوت الفرصة. "بس... إزاي أنت—"
      
      بصلها، ورفع حاجب، وكأنه فضولي بجد إيه شكواها من عجلة ببلاش. مين ممكن يرفض عجلة ببلاش؟
      
      هي لسه كانت عايزة تجادله، بس في النهاية كانت طالبة جامعية مفلسة. أخيرًا لقت الكلمات اللي ترد بيها، وقالت "ماشي،" وببطء خدت تليفونه في إيديها الناشفة. "شـ شكرًا." وإيديها بتترعش شوية، كتبت الأرقام المألوفة في تليفونه، والجراب البرتقالي الفاتح كان بيلمع بوضوح على خلفية الألوان البيضا والرمادية في حرم الجامعة الشتوي.
      
      اتنهدت. سونجوا مش هيوافق على ده.
      
      "أنا اللي خبطتك، في النهاية،" قال، صوته كان هادي وكأنه عرف إنها لسه بتترعش شوية. "أنا منجاي، على فكرة."
      
      إيلين رجعت التليفون البرتقالي ليه. "إيلين."
      
      منجاي حك شعره الغامق تاني. "أنا آسف إني كسرت عجلتك يا إيلين،" قال من فوق كتفه وهو بيشيل العجلة المكسورة لعربيته.
      
      إيلين ماعرفتش تقول إيه.
      
      "آه،" منجاي بدأ، وهو بيرفع صباعه عشان يخبط على عظمة خده. "عندك جرح صغير هنا. محتاجة... بلاستر؟"
      
      إيلين فورًا رفعت إيدها لخدها، وهي بتدعك الجلد المفتوح بالغلط. عضت على سنانها، وهي بتتكرمش من ألم حاد ضرب في وشها. "أنا غالبًا محتاجة أطهره الأول،" إيلين تمتمت لنفسها.
      
      "أنا عندي بلاستر في—" منجاي قطع كلامه. بسرعة، سند العجلة المكسرة على جنب عربيته وفتح باب الراكب. إيلين بصت من غير كلام وراسه اختفت تحت التابلوه وظهرت ورا الزجاج الأمامي.
      
      "لقيت واحد!" رجع بسرعة، وهو بيقشر الغلاف. ولدهشة إيلين، رفع بلاستر عليه صور هيلو كيتي. حواجبها طلعت لفوق. "هنا." منجاي بدأ يرفع البلاستر لوشها، بس بسرعة سحب إيديه واداهولها بالأتنين. إيلين خدته بسرعة.
      
      قبل ما تقدر تكون جملة مفهومة، منجاي لف بسرعة ورجع للعربية. "هاجبلك عجلة جديدة قريب!" قال، وهو بيحطها في الشنطة. "أتمنى... خدك يتحسن؟"
      
      اتحرك بسرعة، وقفل الشنطة بقوة ونط في كرسي السواق قبل ما تقدر ترمش.
      
      إيلين بلعت ريقها. "شكرًا لـ—"
      
      بسرعة ما وصل، منجاي شغل الموتور وساق ومشي، أعمق جوه الحرم الجامعي.
      
      إيلين بصت على عربيته وهي بتختفي في المسافة، والبلاستر في إيديها، والعجلة مش موجودة، وخدها بيحرقان مع كل هبة هوا جديدة بتلطش في وشها.
      
      "شكرًا لك،" تمتمت أخيرًا، "منجاي."
      
      
      
      
      
      
      مستحيل إيلين كانت تتخيل إنها ممكن في يوم من الأيام تدخل أوضة كاريوكي. بس يا سبحان الله، متخبية في البلد كانت مكان ميساكي المفضل للكاريوكي. وهناك كانت إيلين. واقفة عند الباب.
      
      إيلين ما كانتش بتشوف نفسها شخصية عفوية. في الحقيقة، هي نادرا ما كانت بتروح مناسبات مش مكتوبة في مفكرتها. ومع ذلك، وبطريقة ما، بعد الأحداث الفوضوية اللي حصلت بدري في اليوم ده، إيلين ما كانتش عايزة تموت وهي بتقول إنها بس درست طول فترة جامعتها.
      
      إيلين نفخت خدودها، وهي بتبص على نفسها وهي بتتنفس الهوا اللي بيختفي في الضلمة. هي مش هتخلي مخاوفها تمنعها من ليلة ممتعة. على الأقل، هتحاول.
      
      الأضواء الوردية الفلورسنت اللي بره مبنى كاريوكي NRB انفجرت على المباني الطوب في الحارة. الألوان كانت بتنبض بالحياة، عشان ترحب بإيلين في الدوشة والفوضى اللي جوه أوض الكاريوكي. إيلين بلعت ريقها ببطء ودعكت صوابعها في بعض تحت جوانتيها الجلد، لسه بتحاول تقرر إذا كانت غبية تمامًا ولا لأ.
      
      الساعة سبعة، فكرت، وهي بتطلع تنهيدة تانية في الهوا الساقع.
      
      "هيحبوكي!" كلمات ميساكي طارت في دماغ إيلين تاني. مش هيضر إنها تخرج المرة دي بس، صح؟ هي ما خرجتش من أول الترم، وده كان عشان "العشا الإلزامي" الفظيع اللي كام طالب من سنها الأكبر أصروا عليه. وهي لسه ما كلمتهمش من ساعتها.
      
      بس نتمنى إن المرة دي ما تبقاش وحشة زي ما إيلين كانت متوقعة. أخيرًا، بعد ما خدت نفس تاني، إيلين رفعت راسها لفوق ومشيت جوه المبنى اللي نوره ساطع.
      
      "لين، انتي جيتي!" صوت عالي نادى. جوه مبنى الكاريوكي كان النور خافت، بيرمي توهج غريب على منطقة الانتظار الفاضية. كانت ليلة أربع، فالمبنى كان فاضي إلى حد ما، ما عدا كام طالب تاني قرروا يغنوا بدل ما يدرسوا. إيلين أخيرًا لفت ناحية الصوت العالي والمألوف، واستقبلتها تلقائيًا ميساكي مبتسمة. "سون هي خلاص غنت أغنية،" البنت بدأت، وهي بتشد إيلين ناحية واحدة من الأوض. "وجي وو على وشك تبدأ." ميساكي قادتها من المساحة الأكبر وفي ممر، وهي بتاخد وقتها عشان تبص في كل باب في الممر. كل باب كان فيه شباك، بيسمح لإيلين تشوف لمحة جوه كل أوضة كاريوكي. بالرغم من عزل الصوت والأبواب المقفولة، قدرت تسمع الأصوات السكرانة والضحك اللي جاي من الأوض.
      
      إيلين استعجلت المشي، وهي بتحاول تطابق الوشوش بالأسماء في دماغها المتلخبط. "سون هي هي الطويلة، صح؟" حاولت تقول. "عندها نمش؟" هي ما توقعتش إن ميساكي هتبتسم وتأوم.
      
      "صحيح،" ميساكي ردت زي أم فخورة وهي بتفتح باب بقوة. "جي وو شعرها بمبي." قبل ما إيلين تقدر ترد، اتسحبت في أوضة ضلمة منورة بأضواء نيون زرقا وصفرا منقطة على الحيطان زي دهان مشع.
      
      خمس رؤوس لفت ناحية الباب المفتوح، اتنين منهم كانوا البنت الطويلة اللي عندها نمش والجميلة ذات الشعر البمبي اللي ميساكي وصفتها قبل كده. "خمنوا مين أخيرًا قرر يظهر!" ميساكي أعلنت، ومرة تانية سحبت إيلين للمركز.
      
      لدهشتها، إيلين استقبلتها كورال من الترحيب والابتسامات، ودعوات ومشروبات.
      
      "إيلين، سعيد جدا إني قابلتك أخيرًا!"
      
      "زميلة ميساكي في السكن، صح؟"
      
      كام تحية تانية بالكوري عدت من ودانها ودماغها لسه بتحاول تستوعب المنظر والوشوش الجديدة. وهي بتحاول تبتسم أحسن ابتسامة ليها، حيّتهم واتحركت ببطء ناحية مؤخرة الأوضة.
      
      هي قعدت بسرعة جنب ولد طويل عينيه كانت بتلمع كل ما يرمش. "أنا هاخد الأغنية اللي جاية!" الولد صرخ، بالرغم من إن الأوضة كانت صغيرة كفاية عشان الكل يسمع.
      
      "لا!" حد من المجموعة صرخ.
      
      "إيمز، لا!"
      
      حتى ميساكي كانت بتتأوه. "أنا كنت فاكرة إن دور جي وو!"
      
      بالرغم من البكاء والصراخ، الولد – إيمز – وقف، نفض هدومه، وخد الميكروفون اللامع من الترابيزة اللي في النص. "ده دوري،" قال، وهو بيصفي زوره بصوت عالي وبشكل درامي.
      
      إيلين رفعت حاجبها لما باقي المجموعة بدأوا يغطوا ودانهم. لحن بيانو بطيء ومتصاعد بدأ يدوي من السماعات القوية والاوضة كلها لفت ناحية التلفزيون اللي بيعمي العين على الحيطة. قبل ما أي حد منهم يعرف، الكلمات المربعة ظهرت على الشاشة.
      
      إيمز خد نفس عميق وغنى.
      
      إيلين ندمت إنها جت هنا في اللحظة اللي أول نوتة طلعت من شفايفه.
      
      هي ماعرفتش إيه اللي كان طالع من أحبال إيمز الصوتية، بس أكيد ما كانش موسيقى. باقي صحابه باين عليهم اتفقوا معاه وهو بيكمل الأغنية، وهو بيصرخ ويعوي زي كلب مجروح في الميكروفون.
      
      بطريقة ما، إيلين لقت نفسها بتضحك وهي بتلف لميساكي.
      
      ميساكي رجعت راسها لورا، وهي بتضحك بصوت عالي. "هو بيغني من قلبه!" ردت، وهي بتاخد رشفة من أي مشروب كانت طلبته. "خليه ياخد وقته."
      
      البنتين رجعوا للولد اللي بيغني والأنوار كلها عليه. "بنمشي مع بعض على الطريق المهجور،" غنى بصوت عالي، وبشغف، والبيانو المنتشر كان بيشيل نغماته المعذبة في الهوا الضبابي.
      
      المجموعة كلها كانت بتبص عليه بذهول، وبيبتسموا بغباء وهما مغطيين ودانهم.
      
      "إزاي أقدر أحب وجع القلب..."
      
      اتكرمشوا.
      
      "... لما انت اللي بحبه،" غنى إيمز، وهو قابض على قلبه.
      
      المجموعة كملت تتفرج بذهول.
      
      إيلين حست بضحكة تانية تهرب منها. كان فيه عرق بارز من رقبته. "هو متحمس أوي للموضوع ده، مش كده؟"
      
      "ليلة الكاريوكي هي ليلة إيمز المفضلة، طبعًا،" صوت تاني رد. إيلين لفت شوية عشان تشوف البنت اللي عندها نمش، سون هي، اللي كانت بتحاول تخبي ضحكتها من غير نجاح.
      
      "وبطريقة ما، هو بيعرف يغني الجزء الرجالي والجزء النسائي،" ميساكي ضحكت، وهي كمان فشلت. أخيرًا، اللحظة اللي المجموعة كانت مستنياها، إيمز خلص أغنيته اللي بتحرق القلب بشغف، "حبنا عميق زي المحيط، واستنوا لحد ما ينشف هيكون وداعنا."
      
      البيانو خفت تدريجيًا في صمت وبسرعة اتحل محله تصفيق متقطع من المجموعة. هتفات، وتشجيع، وضحك بسرعة ملأ الهوا اللي كان حزين قبل كده.
      
      "جميل يا إيمز!" بنت تانية صرخت بسخرية. "عمرك ما بتفشل!"
      
      "وداني بتنزف!" ولد اتأوه.
      
      إيلين شخرت.
      
      "ده، يا صديقتي،" ميساكي بدأت وهي بتلف عشان تبص في عيني إيلين، "هو الجانب المظلم لـ 'الملائكة'." إيلين بصت ليها، وبعدين لباقي المجموعة، وفجأة أدركت إن دي هي المجموعة اللي ميساكي كانت هتموت وتخليها تقابلها. افتكرت أخيرًا إن أغلب صحاب ميساكي كانوا راقصين معاصرين وحديثين. هي كانت قاعدة مع كام واحد من "ملائكة" جامعة سيول الوطنية.
      
      بالرغم من كلمات ميساكي الدرامية، باقي مجموعة الرقص ضحكوا، ورفعوا مشروباتهم وشربوها زي ما يكون مفيش بكره.
      
      "طيب، ده كان فظيع،" سون هي قالت بتنهيدة درامية. خطفت المايك من إيمز اللي كان زعلان واديته للبنت اللي شعرها بمبي. "خلي جي وو تنضف وداننا."
      
      الباقي هللوا، وهم بيرددوا اسم جي وو.
      
      بس قبل ما جي وو تقدر تقول كلمة واحدة، الباب اتفتح بسرعة، وغرق نور الشارع الأصفر الأوضة النيون. الكل لف ناحية الباب لما الشخص دخل بسرعة، وقفل الباب لما أضواء الديسكو النيون ضربت مباشرة على وشه.
      
      إيلين بصت بذهول للشخص.
      
      "مين-مين!"
      
      "جيمي!"
      
      "جاي أخيرًا هنا!"
      
      دماغ إيلين بالعافية كانت بتلاحق الحماس اللي طالع من باقي أعضاء الطاقم.
      
      ميساكي وقفت، وحطت الميكروفون التاني في إيدين مينجاي نفسه. "إيه اللي أخّرك أوي يا مينجاي؟" سألت، وهي بتوجهه لمقاعد المنتصف.
      
      "كنت بشتري عجل،" الولد قال بلامبالاة، وهو بيمرر إيده في شعره. إيلين ماقدرتش غير إنها تبص له أكتر، مليون سؤال بيدق في دماغها.
      
      ميساكي تجاهلته. "أتمنى ما تزعلكش، بس أنا عزمت زميلتي في السكن!" مسكت دراع إيلين وشدتها ناحية الوافد الجديد. "هي مش بتخرج كتير."
      
      إيلين حست عينيها بتوسع وخدودها بتسخن. "أهـ أهلًا،" تمتمت، صوتها واطي بشكل محرج.
      
      ولدهشتها، عيني مينجاي بس نورت وابتسامة لطيفة انتشرت على وشه. "إيلين!" قال بمرح. "ما كنتش أعرف إنك صاحبة ميساكي!"
      
      ميساكي لفت دراعها حوالين كتف إيلين قبل ما الأخيرة تقدر تستوعب إيه اللي بيحصل. "إزاي تعرفي صاحبتي المفضلة يا جيمي؟" ميساكي سألت.
      
      "آه،" ضحك بهدوء. "أنا خبطتها بعربيتي النهاردة."
      
      الدوشة اللي في الخلفية وقفت.
      
      "أنت إيه؟"
      
      
      
      
      
      
      ميساكي شهقت بصوت عالي، وهي بتعصر إيلين أقوى من الأول. "إيلين!" ميساكي بصت بذهول، "ما قولتليش إن المجنون ده خبطك! كويسة؟ كسرتي أي عظم؟ إيه اللي حصل لـ-"
      إيلين مسكت خدود صاحبتها المنتفخة. "أنا كويسة!" قالت بسرعة، وبصوت عالي كفاية عشان كل فريق الرقص يسمعها. "هو بس كسر عجلتي، ده كل اللي حصل." لفت لمنجاي، اللي كان بيحك ورا راسه.
      "أتمنى البلاستر نفع؟" حاول يقول. "مرة تانية، أنا آسف."
      إيلين ما قدرتش تتمالك نفسها من الضحك لما ذكر بلاستر هيلو كيتي بتاعه. "كان غلطي أنا،" ردت ببطء، وهي ماسكة إيديها قدامها.
      "بما إن جيمي هنا،" صوت إيمز رن في الأوضة وهو بيشبك دراعه في دراع منجاي. "وقت الغنى يا معلم!"
      الأوضة اتحولت لكورال من الهتافات لما منجاي اتزق لمنتصف الكنبة. عينيه وسعت، بس لسه فيه ابتسامة حقيقية على وشه. "آه، من فضلكم. مش هقدر أعمل ده وأنا فايق."
      "ديو إذن!" ميساكي ردت. "هنجيبلك حاجة تشربها وأنت بتسخن."
      منجاي لف لإيمز. "رئاتك مستعدة لده؟"
      إيمز ابتسم وأومأ. بس المجموعة صفّرت احتجاجًا.
      "مش إيمز تاني، من فضلك،" ميساكي اتوسلت. "آه!" ابتسمت، وادت المايك التاني لإيلين على طول. "إيلين لسه ما غنتش!"
      المجموعة فجأة بقت بتشجع وإيلين بقها اتفتح. "يا إلهي."
      لمحت نظرة منجاي، وهي بتتمنى إنه يطلعها من الموقف المحرج ده، بس هو بس ابتسم. "ما فيش حد هنا بيعرف يغني،" قال بطمأنينة وهو بيضحك، "يعني، ما عدا جي وو غالبًا. إحنا مش بنحاول نغني كويس. بس انبسطوا، ماشي؟"
      
      انتباه المجموعة اتجه بعد كده للشاشة العملاقة لما حد قلب في قائمة الأغاني. ميساكي فجأة شهقت بصوت عالي. "هي، هي، هي!" صرخت فوق الدوشة، وهي بتشاور على الشاشة. "إيلين بتحب الأغنية دي! ليه ما تغنوش الأغنية دي؟"
      إيلين بصت بسرعة لفوق، عينيها بتحاول تلاقي الأغنية اللي هي المفروض بتحبها. "إيه الأغنية اللي اخترتيها دلوقتي يا ميساكي أونو؟" سألتها بأكثر صوت مرعب ليها.
      الأغنية اتحددت، ومنجاي بدأ يضحك. السماعات بدأت تشغل اللحن والأوضة بسرعة اتملت بصوت "ياه، ياه" خافت.
      إيلين أتأوهت، دماغها أخيرًا استوعبت الأغنية. "أكيد بتهزري يا ميسا." ده كان هيصبح محرج أوي. بس ماقدرتش تتجاهل موجة الحنين اللي غمرتها لما اللحن المألوف ملأ ودانها.
      منجاي قابل نظرتها. "جاهزة؟"
      ضحكت بسخرية. "لأ."
      هو غنى المقطع الأول. "أنت... ناري،" غنى.
      إيلين بلعت ريقها. "الرغبة... الوحيدة..." غنت، صوتها انكمش لأقل درجة.
      "صدقي لما أقول..."
      والأوضة كلها شاركت بأصواتهم النشاز وهي بتصرخ، "أنا عايزها كده!" بأعلى صوت عندهم.
      ألعاب نارية انفجرت في صدرها لما المجموعة خدت الأغنية في إيديها، كل واحد بيغني في مقام مختلف. الصوت كان وحش. وحش تمامًا. بس لما الأضواء الساطعة انفجرت على الحيطان والميكات اللامعة بعتت انعكاسات على وشوش المغنيين، قلبها تحرر من توتره.
      يمكن الخروج ما كانش سيء أوي بعد كل ده.
      "شفتي؟" ميساكي سألت وهي ماسكة إيد إيلين. "ما كانش سيء أوي." المجموعة أخيرًا خلصت فقرة الغنا بتاعتها، وكل عضو طلع بصوت مبحوح وطبلة أذن مكسورة. كانت بعد منتصف الليل والكثير من "ملائكة" جامعة سيول الوطنية كانوا أكتر من إنهم بس سكرانين، بس شوارع سول كانت لسه مليانة حركة، أضواء المدينة البيضا المبهرة بتلمع بألوان وتنور طريقهم للبيوت.
      المجموعة كانت بتترنح ورا بعضها، ماسكين إيدين بعض وبيطبطبوا على خدودهم اللي لونها أحمر نبيتي. إيمز، أكتر واحد سكران فيهم، اسرع لقدام المجموعة، والهوا الساقع كان بيطير شعره الغامق حواليه. "هاجب شوية فراخ مقلية!" صرخ، بصوت عالي لدرجة إن البلد كلها تقدر تسمعه. "مين عايز يجي معايا!"
      ولدهشة إيلين، تقريبًا كل المجموعة رفعت عينيها اللي عليها آثار سُكر لملك الفراخ المقلي بتاعهم. إيلين هزت راسها بسرعة. "أنا- أنا هاروح البيت."
      ميساكي بدأت تتبع إيمز بس لفت لصاحبتها. "كويسة تروحي لوحدك؟" سألت بهدوء. "هاجي معاكي. الوقت متأخر أوي."
      إيلين هزت راسها بسرعة - باين عليها كانت أكتر واحدة فيهم فايقة. "أنت عارفة إنها على بعد خطوة. إحنا خدنا الطريق ده ميت مرة."
      "ابعتيلي رسالة لما توصلي،" ميساكي ردت بعناد. "لو ما بعتليش، أنا هاتصل بالـ-"
      إيلين لوحتلها. "هاكون كويسة يا ميسا. روحي انبسطي."
      لحسن الحظ، المجموعة فهمت، وابتسمت ولوحت بإيديها. "شكرًا إنك جيتي معانا يا إيلين!" سون هي نادت من فوق كتفها وجي وو مسكت إيدها. "هنوفرلك شوية فراخ!" الراقصين الجوعانين تبعوا إيمز في شوارع سول الصاخبة، بيضحكوا ويهللوا زي مجموعة من الأغبياء.
      منجاي ظهر فجأة جنبها. "أنا ما أثقش في كلام سون هي،" قال بالإنجليزية، وهو بيبتسم. إيلين شخرت بهدوء، وهي بتلوح لميساكي وهي بتتبع باقي المجموعة.
      "وليه كده؟" إيلين سألت، وهي كمان حولت للإنجليزية.
      "كلهم عندهم شهية وحوش،" منجاي قال بتنهيدة عالية، "أنا عملت غلطة لما دفعت لهم تمن أكلهم مرة."
      ضحكت، وهي عارفة إن ميساكي تقدر تاكل تلات فراخ كاملة لو عايزة. رفعت راسها، عينيها بتتحرك عبر أضواء المدينة الساطعة. "أنت رايح ترجع الشقق؟" سألت.
      منجاي أومأ، وهو بيتبع نظرتها. الاتنين رجعوا للمجموعة اللي لسه مليانة طاقة وبصوا وهما بيختفوا في مطعم الفراخ المقلي المحلي زي خيول مهوسة.
      إيلين لفت راسها للطريق المعتاد بتاعها، بس وقفت وقابلت نظرة منجاي. هل هو كان هيوصلها البيت؟ منجاي باين عليه عرف إيه اللي إيلين بتفكر فيه، لأنه هو كمان وقف، وبان عليه الحرج فجأة. "شقّتي في الطريق ده كمان،" وضح بسرعة، "أنا بس... ما كنتش عايزك تستخدمي الاختصار ده بعد الضلمة."
      إيلين أومأت ببطء. الاختصار ده كان غالبًا من أكتر المناطق المشبوهة في الجامعة، وعمره ما كان فكرة كويسة لأي حد يمشي لوحده متأخر أوي، أو أبدًا.
      تحت نور القمر، الاتنين مشيوا في شوارع سول، وعملوا محادثة هادية والنجوم بتسمعهم. إيلين لفت للراقص اللي عينيه بتلمع وماشي جنبها، وعشرات الأسئلة بتجري في دماغها. "إزاي... هتدفع تمن عجلتي؟" اختارت إنها تسأل. في اللحظة اللي الجملة طلعت من شفايفها، حست بالذنب فورًا إنها بتتدخل في شؤونه.
      بس منجاي أومأ تاني. "أنا باخد فلوس... من بابا أحيانًا،" قال ببطء، بحذر والقمر بيرسم ملامحه. ابتسم على ده، بس ما كانش فيه فرحة على وشه. إيلين استنته يكمل، بس هو ما وضحش.
      كملوا المشي، أهدى دلوقتي، وأصوات المدينة الصاخبة خفتت. ببطء، سابوا الفوضى ودخلوا الحرم الجامعي النايم. الاتنين عدوا على السوبر ماركت المحلي، وأضوائه البيضا القوية كانت بترمي ظلالهم على الرصيف الطوب.
      فجأة، باب المحل الزجاجي اتفتح وصوت أجراس رنت، وكشفت عن آخر وش إيلين كانت عايزة تشوفه الليلة دي. قلبها وقع على الأسفلت اللي تحتها.
      "سـ سونجوا،" إيلين اتنهدت، والندم غرقها زي الحبر في المية. وهناك كان واقف، في إطار الباب بجاكيته الأبيض الثقيل، وكيس بلاستيك في إيده اللي لابسة جوانتي.
      "نونا؟" سونجوا بص بذهول، والغضب لمع على ملامحه. عينيه اتجهت لمنجاي، وبعدين لإيلين تاني لما هبة هوا ساقعة طارت شعره الغامق من عينيه. "بتعملي إيه هنا؟" لف. "ومين ده؟"
      منجاي انحنى شوية، بسرعة، "أهلًا،" حيّا بالكوري. "منجاي لي."
      إيلين ماقدرتش تتكلم.
      سونجوا تجاهل منجاي تمامًا. "كنت فاكرك بتدرسي،" اتهمها.
      "سونجوا، استنى-"
      "مش زي ما باين عليه،" منجاي رد بسرعة، "إيلين اتسحبت للكاريوكي معانا-"
      "مش عايز أسمع منك،" سونجوا رد بغضب. للحظة، بان كأنه هيبدأ يتنرفز، بس هو بس نفخ بصوت عالي. "كلميني لما ما تكونيش بتكدبي في وشي."
      "إيه؟ أنا أوعدك إني—"
      هو رماهم هما الاتنين بنظرة أخيرة قبل ما يلف ويرجع للحرم الجامعي، وهو بيخبط كتف منجاي في طريقه.
      الأتنين وقفوا في صمت، بيتفرجوا على سونجوا وهو بيختفي. منجاي كسر الصمت بسرعة، وهو بيلف ليها. "أنا آسف أوي."
      "مش غلطتك،" إيلين ردت، وهي بتهز راسها. هو دايمًا بيبان كأنه بيعتذر عن حاجات مش مسؤول عنها. بصت على جزمتها، وبعدين رجعت لعينيه البني. "يلا... يلا نروح البيت."
      منجاي وافق بصمت، ومع بعض، مشيوا في الطريق، وأعمدة الإضاءة الصفرا بتنور طريقهم.
      إيلين دعكت إيدها على وشها، ونظرة سونجوا بتلمع في دماغها.
      كانت محتاجة تشتري كمية كبيرة من معجنات الفول بكره.
       
      

      Pages

      authorX

      مؤلفون تلقائي