سايلوس بوابة الاعماق (الفصل الثاني)

سايلوس بوابة الاعماق 2

2025, سما أحمد

دراما رومانسية

مجانا

في عالم يمزج بين الأسطورة والغموض، تتشابك مصائر شخصيات غير بشرية تمتلك قوى خارقة، يجمعها البحر في مهمة غامضة تتعلق برسالة تأخرت عن موعدها. في موازاة ذلك، تتصاعد توترات أخرى بين أماليا وكايل، حيث تتحول أمسية رومانسية على متن سفينة إلى تجربة تحمل أسرارًا خفية ومصيرًا غير متوقع.

زيفار

مخلوق أسطوري على هيئة ذئب عملاق، يتخذ هيئة بشرية، بارد الطباع، متحكم في الرياح والسرعة الخارقة.

فليريون

عنقاء نارية في شكل بشري، نارية الطباع، مشاكسة وذكية، تتحكم في النار وتمتلك قدرة التجدد.

سايلوس

كائن غامض من عالم آخر، يتمتع بهيبة وقوة لا يمكن تجاهلهما، يخفي أسرارًا عن سبب وجوده في عالم البشر.
تم نسخ الرابط
سايلوس بوابة الاعماق

 

وسط البحر – 9:00 مساءً

كانت السماء ملبدة بالغيوم، والبحر يمتد بلا نهاية، يتلاطم بأمواجه تحت ضوء القمر الخافت. الرياح الباردة تهبّ بعنف، تحمل معها رذاذ الماء المالح، لكن رغم ذلك، ظلت السفينة ثابتة، تتمايل برفق فوق السطح الأسود المتحرك.

عند حافتها، وقف شخصان، أحدهما يتكئ بملل على السور الخشبي، بينما الآخر يعقد ذراعيه بانزعاج واضح.

قال الأول بصوت بارد، خالٍ من أي انفعال، بينما نظر إلى البحر وكأنه لا يعنيه:
"أشعر بالبرد… لماذا نحن هنا؟ وأيضًا… بدأت أشعر بالملل."

( زيفار: مخلوق أسطوري على هيئة ذئب عملاق مغطى بطاقة متوهجة، لكن في هذا العالم، يظهر بهيئة بشرية؛ شاب طويل القامة، ذو شعر فضي يميل للأبيض، وعينين فيروزيتين تبثان برودة مخيفة. طبيعته هادئة، باردة، وحسابية، نادرًا ما يُظهر مشاعره، وكأنه منحوت من الجليد. قدراته تتمحور حول الرياح والسرعة الخارقة، ويتحكم في طاقة لا يمكن التنبؤ بها، لكنها تحت سيطرته الكاملة.)

تأففت الفتاة بجانبه، ضربته بمرفقها دون أن تنظر إليه، ثم قالت بسخرية واضحة:
"أيها الأحمق! ألستَ كلب الطاقة؟ كيف تشعر بأي شيء أصلًا؟"

( فليريون: عنقاء نارية أسطورية، لكنها تتخذ هيئة بشرية؛ شابة ذات شعر أحمر مشتعل يبدو كأن له حياته الخاصة، وعينين ذهبيتين متوهجتين تعكسان طبيعتها النارية. مشاكسة، حادة الطباع، مليئة بالحياة والطاقة، لكن وراء تهورها ذكاء ناري لا يقل قوة عن لهيبها. تمتلك القدرة على التحكم في النار والتجدد من رمادها، لكن رغم ذلك، تفضل التباهي بقوتها أكثر من استخدامها.)

أمالت فليريون رأسها نحوه، نظرت إليه بنصف ابتسامة مستفزة، ثم أضافت:
"وأيضًا، نحن هنا لنستلم الرسالة. حاول ألّا تتجمد قبل ذلك، حسنًا؟"

عاد الصمت بينهما، بينما استمر البحر في هيجانه تحت قدميهما.

زفر زيفار بضيق قبل أن يردّ بحدة، دون أن ينظر إليها:
"أولًا، لستُ كلبًا، أيتها المزعجة."

ثم التفت إليها قليلاً، متجاهلًا نظرتها المتسلية، ليضيف بجدية:
"ثانيًا، لماذا علينا استلام الرسالة بأنفسنا؟ هل فيها شيء مهم؟ ولماذا تأخرت هكذا؟"

عاد الصمت بينهما للحظة، لكنه لم يكن هادئًا... بل كان أشبه بصمت يسبق العاصفة.

قبل أن تتمكن فليريون من الرد عليه، انفتح باب المقطورة بقوة، ليكشف عن شخص دخل بخطوات ثابتة، هادئة، لكنها تحمل ثقلًا لا يمكن تجاهله. ساد الصمت للحظة، وكأن الهواء نفسه توقف احترامًا لوجوده.

وقف أمامهما، طويل القامة، بهيبة لا تحتاج إلى تفسير. عيناه الحادة مسلطة عليهما، باردة، غير مقروءة، كأنها تحكم عليهما دون أن يتكلم.

( سايلوس: ليس بشريًا، بل كائن من عالم آخر، جاء إلى عالم البشر لأسباب لا يعلمها إلا هو. في هذه الهيئة، يبدو كرجل وسيم، ذو ملامح دقيقة ووجه بلا عيوب، لكنها خالية من المشاعر تمامًا، وكأنها منحوتة من حجر. عيناه في عالم البشر بلون رمادي قاتم، لا تعكس أي ضوء، مما يزيد من غموضه، لكن في عالمه الحقيقي تتحول إلى زرقاء سماوية متوهجة ببؤبؤ أصفر لامع، وهي العلامة الفارقة لقوته الحقيقية. جسده في شكله الحقيقي ليس مجرد جسد بشري، بل يتخلله وهج طاقة يصعب تفسيره، وكأنه جزء من شيء أعظم من مجرد كائن حي.)

بصوت هادئ، لكنه يحمل في طياته نغمة لا تحتمل الجدل، قال:
"لقد تأخرت الرسالة أكثر من اللازم. يبدو أن هناك مشكلة."

نظر إليه زيفار بلا تعبير، بينما اكتفت فليريون بإطلاق صفير خافت، وكأنها كانت تتوقع هذا تمامًا.

داخل المطعم – طاولة بالقرب من النافذة

كانت أضواء المطعم خافتة، تعكس أجواءً دافئة تناقض البرودة في قلبها. جلست أماليا مقابلة لكايل، تداعب أصابعها حافة الكوب أمامها، بينما كان هو ينظر إليها بابتسامة خفيفة، لكنها لم تصل لعينيه.

قال بصوت ناعم، بنبرة تحمل دفئًا مصطنعًا:
"حبيبتي، هل أنهيتِ طعامك؟"

رفعت نظرها إليه، وأجابت باقتضاب:
"أجل، أنهيته."

وضع الملعقة جانبًا، ثم مال قليلاً للأمام، ناظرًا إليها بعينين تحملان شيئًا لم تستطع تفسيره تمامًا. ابتسامته اتسعت قليلاً قبل أن يقول:
"جيد، هيا بنا… سأخذكِ إلى مكان مميز."

حدقت به لوهلة، مترددة، لكنها هزّت رأسها في النهاية، متجاهلة الشعور الخافت الذي بدأ يتسلل إلى أعماقها… ذلك الشعور الذي يخبرها بأن هناك شيئًا خاطئًا.

الميناء – 10:15 مساءً

ركبت أماليا السيارة بجوار كايل، الذي كان يقود بصمت، وجهه مسترخٍ لكنه يحمل ظلالًا خفية من الترقب. كانت الأضواء في الشوارع تتلاشى شيئًا فشيئًا كلما اقتربوا من الميناء، حيث ساد الظلام والصمت، ولم يكن يُسمع سوى صوت الأمواج وهي تتكسر على الأرصفة الحجرية.

توقفت السيارة أخيرًا بالقرب من رصيف بحري مهجور، نزلت أماليا أولًا، تلتفت حولها باستغراب، ثم استدار كايل ليخرج من السيارة ويلحق بها.

نظرت إليه بعينين متردّدتين، قبل أن تسأله بصوت خافت:
"حبيبي... لماذا نحن هنا؟"

أدار وجهه نحوها، ابتسم بثقة وهو يقول:
"حبيبتي، إنها مفاجأة."

ثم صفق بيديه مرتين، وفجأة، اشتعلت الأضواء على سطح سفينة ضخمة كانت راسية على بعد أمتار قليلة. الأضواء انعكست على سطح الماء، تلمع كأنها نجوم غارقة في البحر.

اتسعت عينا أماليا باندهاش، لكنها لم تجد فرصة للحديث، إذ أمسك كايل بيدها بقوة وسحبها خلفه نحو السفينة.

"هيا، لا تخافي، ستكون ليلة لا تُنسى."

قالها بصوت دافئ، لكن قبضته على يدها كانت أقوى مما ينبغي، وكأنها قيد لا يمكنها الإفلات منه.

خطت أماليا إلى داخل السفينة بخطوات مترددة، وعيناها تتجولان في المكان المزين بطريقة حالمة. كانت الأضواء الناعمة تتراقص على سطح السفينة، بينما تمايلت البالونات الحمراء على شكل قلوب بفعل نسمات البحر الخفيفة. تناثرت الورود الحمراء في كل زاوية، مغطية الطاولات والسياج المعدني للسفينة، حتى بدا المشهد وكأنه مُعد بعناية لسهرة رومانسية لا تُنسى.

وقفت أماليا في منتصف سطح السفينة، تدير عينيها ببطء، محاولة استيعاب المفاجأة. التفتت إلى كايل، الذي كان يراقبها بابتسامة منتشية، وكأنه يتلذذ بردة فعلها.

"كايل… هذا جميل… لكن…"

قبل أن تكمل، اهتزت السفينة قليلًا، وشعرت بحركتها تتغير. التفتت سريعًا نحو البحر، لترى أن المحرك قد بدأ بالعمل، وأن السفينة بدأت بالتحرك مبتعدة عن الميناء.

شعرت بغصة غريبة في حلقها، فأعادت نظرها إلى كايل، الذي كان لا يزال مبتسمًا.

نظرت أماليا إلى الديكور الرومانسي حولها، والدهشة لا تزال مرتسمة على وجهها. البالونات الحمراء تتمايل برقة، والأضواء تنعكس على سطح البحر كنجوم متراقصة. استدارت نحو كايل بابتسامة صغيرة، عيناها تحملان مزيجًا من المفاجأة والارتباك.

قالت بصوت ناعم وهي تنظر إليه:
"عزيزي… ما كل هذا الجمال؟ ولكن… لمَ كل هذا؟"

اقترب منها كايل، أخذ يدها برفق، ثم همس بابتسامة ساحرة:
"إنه عيد ميلادكِ، عزيزتي… كل عام وأنتِ معي."

اتسعت عيناها قليلًا، قبل أن تضع يدها على فمها بدهشة:
"حقًا؟ لقد نسيت تمامًا يوم مولدي!"

ضحك كايل بصوت هادئ، ثم مرر أصابعه بين خصلات شعرها بلطف، بينما همس:
"كيف يمكنني أن أنسى يوم ميلاد أغلى شخص في حياتي؟"

ابتسمت له، عيناها تلتمعان بالمشاعر الصادقة، ثم قالت بحماس:
"أنتَ حقًا أفضل حبيب… أنا حقًا أحبك!"

أحاط خصرها بذراعيه، بينما همس لها بالقرب من أذنها:
"وأنا أيضًا… أحبكِ أكثر مما تتخيلين."

أماليا، التي كانت غارقة في أجواء المفاجأة الجميلة، نظرت إلى كايل بعيون متلألئة بالسعادة. لم تتوقع منه كل هذا التخطيط، وكل هذا الجمال الذي أحاط بها، فأمسكت بيده برقة، ثم سألته بابتسامة مشرقة:

"ولكن… أين نحن متجهون؟"

ضحك كايل بخفة، وضغط على يدها بلطف ليطمئنها قبل أن يقول:
"إلى منتصف البحر… هناك مفاجأة بانتظارك، وأعدك أنكِ ستعشقينها."

اتسعت ابتسامتها، وامتلأ قلبها بالدفء والثقة. منذ أن التقت بكايل، كان دائمًا يخطط لمفاجآت مميزة تجعلها تشعر بأنها الأهم في حياته، واليوم لم يكن مختلفًا.

أمسكت بذراعه بحماس، وقالت وهي تضحك:
"أنتَ مذهل، لا أصدق أنكَ فكرت بكل هذا من أجلي!"

مرر يده بين خصلات شعرها بحب، ثم همس لها:
"أنتِ تستحقين أكثر من هذا بكثير، حبيبتي."

نظرت إليه بامتنان، ثم استدارت نحو البحر، مستمتعة بنسيمه العليل وهو يلامس وجهها، بينما كانت السفينة تواصل رحلتها نحو منتصف المحيط… حيث تنتظرها المفاجأة.

منتصف البحر – 11:00 مساءً

وصلت السفينة أخيرًا إلى منتصف البحر، حيث لم يكن هناك سوى المياه المتلألئة تحت ضوء القمر والنجوم التي بدت وكأنها تراقبهم من الأعلى. كان الجو هادئًا، لا يُسمع سوى صوت الأمواج الرقيقة وهي تتلاطم برفق مع السفينة.

أمسك كايل يد أماليا بلطف، وضغط عليها برقة ليجذب انتباهها. ثم، بابتسامة دافئة، أشار إلى السماء قائلاً:
"انظري إلى الأعلى، حبيبتي."

رفعت أماليا عينيها بفضول، وما رأته جعل أنفاسها تتوقف لوهلة. كانت السماء قد تزينت بعرض من الأضواء الساطعة، وكأن النجوم نفسها بدأت ترقص من أجلها. ألوان زاهية تملأ السماء في مشهد ساحر، وكأنها دخلت إلى حلم جميل لا ترغب في الاستيقاظ منه.

تألقت عيناها بسعادة خالصة، ثم استدارت إلى كايل وقالت باندهاش:
"هذا… هذا مذهل! كيف فعلتَ ذلك؟"

ضحك كايل وهو لا يزال ممسكًا بيدها، ثم قال بصوت هادئ مليء بالحنان:
"لأجلكِ، أماليا… أردتُ أن يكون هذا اليوم لا يُنسى."

كانت هذه لحظة مثالية.

بينما كانت سفينة كايل وأماليا تبحر في هدوء وسط البحر، كانت سفينة أخرى على مقربةٍ منها، غير مرئية لمن عليها، لكنها تراقب كل شيء بصمت.

وقف سايلوس على سطح السفينة، يحدّق بعينيه الباردتين نحو السفينة الأخرى، حيث كانت أماليا تضحك بسعادة مع كايل، غير مدركة أن هناك من يراقبها عن كثب.

قالت فليريون وهي تراقب المشهد بملل:
"ماذا يفعلون؟"

أجاب زيفار ببرود، عاقدًا ذراعيه أمام صدره:
"إنه الحب… أو شيءٌ مقرف يشبهه."

ثم التفت نحو سيده، وأضاف سريعًا بصوت أكثر جدية:
"صحيح، سيدي؟"

لكن حينما وقعت عيناه على سايلوس، ارتجف للحظة… كانت نظراته أشبه بعاصفة قادمة، مزيجًا من الغضب، والغيرة، والتهديد الصامت.

صوت سايلوس اخترق الصمت، منخفضًا لكنه مشحون بالهيمنة:
"لماذا لم تصل الرسالة بعد؟"

شعر زيفار بتوترٍ مفاجئ، فاعتدل في وقفته وأجاب فورًا:
"سيدي، نحن في إيطاليا، والبوابة في الفيردلين… أي أن المسافة طويلة جدًا حتى تصل إلى هنا."

ظل سايلوس صامتًا للحظات، ثم أعاد نظره إلى السفينة الأخرى، حيث كانت أماليا تنظر بحب إلى كايل… مشهد جعل الغضب يتصاعد داخله أكثر فأكثر.

قالت فليريون بسرعة، وهي تعقد ذراعيها وتنظر إلى زيفار بتهكم، بينما تعدّل على كلامه:
"أيها الغبي! اسمها الفلبين وليست الفيردلين، والبوابة في مكان اسمه خندق ماريانا، هل نسيت كل شيء فجأة؟!"

زيفار، الذي كان مستندًا على سور السفينة، أدار عينيه بضجر وردّ ببرود:
"أوه، عذرًا، آنسة الموسوعة الجغرافية، لم أكن أعلم أنني في امتحان معلومات عامة."

فليريون شبكت يديها أمام صدرها وحدّقت به بحدة، نيران التحدي تشتعل في عينيها:
"لو كنت تهتم بغير النوم والتذمر، لما أخطأت بهذه السخافة!"

زيفار رفع حاجبه قليلًا ثم مال نحوها بابتسامة جانبية مستفزة:
"وأنتِ، لو كنتِ تهتمين بشيء آخر غير الجدال معي، ربما كنتِ ستوفرين على نفسك هذا الصداع!"

قبل أن تشتعل مشاجرة أخرى بينهما، جاء صوت سايلوس العميق والحاد ليقطع الجدال كالسيف:
"كفى."

في لحظة واحدة، ساد الصمت المكان. حتى الأمواج بدت وكأنها تراجعت رهبة من نبرته.

وقف سايلوس بجانب حافة السفينة، معطفه الطويل يتمايل مع الرياح، وشعره الأسود يتطاير بخفة. عينيه، اللتين كانتا بلون الرمادى، لكنه لم يكن بحاجة إلى وهجها الغريب ليبث الرهبة في نفوس من حوله.

التفت إليهما ببطء، نظراته كانت كالجليد، وقال بصوت هادئ لكنه محمّل بالتهديد الخفي:
"لا يهمني ما اسم المكان، ولا يهمني مدى بُعده… ما يهمني هو لماذا لم تصل الرسالة حتى الآن."

لم يجرؤ أحد على الرد للحظات. ثم تحدث زيفار أخيرًا، بصوت أقل حدة من ذي قبل:
"سيدي… المسافة طويلة، والرسالة لم تكن جاهزة للإرسال حتى وقت قريب، ولكنها في الطريق بالفعل."

ظل سايلوس يحدّق في الأفق، عيناه تعكسان أمواجًا من الأفكار التي لم يشارك بها أحدًا. وأخيرًا، قال بصوت بارد، وكأن الكلمات كانت تُقال أكثر لنفسه من لغيره:
"يجب أن تصل… قبل فوات الأوان."

بينما كانت السفينتان تتحركان جنبًا إلى جنب وسط الأمواج، ظهرت شرارة زرقاء خافتة في الهواء بينهما، وكأنها تمزق نسيج الواقع نفسه. ازداد التوهج شيئًا فشيئًا حتى تشكّلت فجوة صغيرة تلتف حولها طاقة غريبة.

"أخيرًا!" قالت فليريون بحماس، وهي تراقب الفتحة تتسع ببطء، قبل أن تنطلق منها لفافة سوداء مختومة بختم ذهبي، تدور في الهواء للحظات، ثم تسقط في يدها مباشرة.

"أوه! لقد وصلت الرسالة!" هتفت بسعادة وهي تقلبها بين يديها.

لكن قبل أن تتمكن من فتحها، يد قوية خاطفة انتزعتها منها في اللحظة الأخيرة.

"هيي! أعدها لي، أيها الذئب المتعجرف!" صاحت بغضب وهي تحاول الإمساك بها مرة أخرى.

زيفار، الذي رفعها عاليًا بعيدًا عن متناولها، ردّ ببرود مستفز:
"يجب أن تُسلَّم إلى سايلوس أولًا، وليست لمزعجة نارية مثلك!"

"أنا مساعدته أيضًا!" قالت فليريون وهي تحاول القفز للوصول إلى الرسالة، لكن زيفار كان أطول منها، مما زاد من حنقها.

ظل الاثنان يتشاجران، يتبادلان النظرات الغاضبة والدفع الخفيف، وكأنهما طفلان يتصارعان على لعبة.

لكن فجأة…

صوت ارتطام قوي بالماء جعل الاثنين يتوقفان في الحال، يلتفتان بسرعة نحو المكان الذي سقط فيه شيء… أو شخص.

نظرا إلى سايلوس… لكنه لم يكن هناك.

بينما كانت السفينة تتهادى برفق فوق سطح الماء، والنجوم تتلألأ في السماء، نظرت ليا إلى كايل بابتسامة دافئة، وعينيها تتوهجان بالسعادة.

"حبيبي، دعنا نتزوج."

كايل، الذي بدا وكأنه لم يصدق ما سمعه للحظة، ابتسم برقة وهو يضع يده على يدها:
"أنا موافق، ولكن... أنتِ تعلمين أنني ما زلت في بداية طريقي، وليس لدي المال الكافي لشراء خاتم أو لتحمل نفقات الزفاف."

ليا شدّت على يده بلطف، وكأنها تريد أن تطمئنه:
"لا تقلق، عزيزي. لدي المال، وأنت وأنا سنصبح شخصًا واحدًا، سنبني كل شيء معًا."

نظر إليها كايل للحظات، ثم تنهد بابتسامة هادئة قبل أن يهمس:
"حقًا؟ لكن..."

"لا يوجد لكن، أنا وأنت واحد، يا حبيبي." قاطعته بحزم، وعينيها تملؤهما العاطفة.

كايل شعر بانجذاب لا إرادي نحوها، فاقترب منها أكثر وهمس بصوت عميق:
"حبيبتي، أنا حقًا أحبك كثيرًا..."

ثم، وكأنه يريد أن يخلّد هذه اللحظة، ابتسم فجأة وقال بحماس:
"ما رأيك أن ألتقط لكِ صورة تذكارية؟"

ليا ضحكت بخفة وهزّت رأسها:
"حسنًا، لمَ لا؟"

"هيا إذن، اصعدي إلى مقدمة السفينة، سألتقط لكِ صورة جميلة هناك!" قال كايل وهو يشير إلى مقدمة السفينة المزيّنة بالأضواء.

دون أي شك، تحركت ليا بسعادة نحو مقدمة السفينة، غير مدركة لما كان يدور في عقل كايل...

بينما كانت ليا تتقدم نحو مقدمة السفينة، تتأمل الأضواء المنعكسة على سطح البحر، كان كايل يقف خلفها، يخفي ابتسامة خبيثة.

كان قد خطط لكل شيء بعناية، ووضع طبقة خفيفة من الزيت على سطح السفينة، بحيث تفقد توازنها وتنزلق بسهولة.

خطواتها كانت واثقة، لم تكن تشعر بأي خطر، بل كانت سعيدة بالمفاجأة التي أعدها لها كايل... أو هكذا اعتقدت.

ولكن فجأة—

انزلقت قدمها بشدة!

شعرت بجسدها يتهاوى إلى الخلف، وذراعيها تتأرجحان في الهواء بحثًا عن شيء تتشبث به، ولكن بلا جدوى.

لحظة صادمة، صرخة قصيرة قطعت سكون الليل، ثم...

"بووووم!"

سقطت ليا في الماء، وغاص جسدها سريعًا في ظلام البحر البارد.

كايل، الذي كان يراقب المشهد، لم يحاول حتى إنقاذها. بل وقف هناك، ينظر إلى المياه ببرود، وعيناه تلمعان بانتصار شرير.

ابتسم بسخرية وهمس لنفسه:
"وداعًا، ليا..."

بينما كانت الأمواج تتلاطم برفق حول السفينة، وقف كايل للحظة، ينظر إلى النقطة التي سقطت فيها ليا. لم يظهر على وجهه أي قلق أو ندم، فقط نظرة باردة بلا مشاعر.

رغم أنه لم يعرفها سوى منذ عام واحد، إلا أن ذلك كان كافيًا ليجعلها تثق به تمامًا. لم تكن تدرك أن كل كلمة حب قالها، وكل وعد قطعه، كان مجرد تمثيل متقن. والآن، بعد أن حقق هدفه، لم يعد بحاجة إليها.

استدار بهدوء، وسار نحو مقدمة السفينة، خطواته ثابتة وكأن شيئًا لم يحدث. لم يحاول حتى التأكد مما إذا كانت تحاول السباحة أو النجاة، لم يلتفت وراءه. بالنسبة له، انتهى الأمر.

أمسك بمقود السفينة، وأدارها بعيدًا عن المكان، مُسرعًا بها نحو اليابسة. المحرك هدر بصوت عالٍ، والمياه تباعدت خلفه، بينما كانت ليا تُغرق في أعماق البحر، وحدها، بلا أمل.

لم يكن هناك شهود على هذه الخيانة، سوى القمر المنعكس على سطح الماء... وعيونٍ كانت تراقب من بعيد.

وسط ظلام البحر وبرودة الليل، كانت هناك فتاة تغرق. نظراتها مليئة بالخوف والخذلان. لم تحاول المقاومة، كأنها استسلمت للمصير. كانت تشعر بجسدها يهبط للأسفل ببطء، المياه تحيط بها من كل جانب، عيناها نصف مغلقتين، لكن عقلها لم يتوقف عن التفكير.

"هل هذه نهايتي؟ هل ينتهي كل شيء هنا؟ هل سأموت هكذا، بلا معنى، بلا فرصة للنجاة؟"

حاولت رفع يدها، لكن جسدها كان ثقيلاً. أنفاسها بدأت تنقطع، والمياه تغزو رئتيها. في تلك اللحظة، لم يكن الخوف مما سيحدث بعدها، بل كان من الألم، من الظلم، من كل ما عاشته حتى هذه اللحظة.

"لماذا؟ لماذا فعلتم بي هذا؟ لماذا كل هذا الألم؟"

قبل أن تفقد وعيها تمامًا، رأت ظلًا يقترب من سطح المياه، كان سريعًا، كأنه يخترق البحر للوصول إليها. هل هو حقيقي؟ أم أنها تتخيل؟ لم تستطع التفكير أكثر، لأن الظلام ابتلعها تمامًا.
على سطح البحر، كانت الأمواج مضطربة، كأنها تستجيب لغضبٍ خفي. وفي لحظة، اخترق سايلوس الماء، جسده يشق البحر كأنه وُلد منه. عيناه تحولت إلى اللون الرمادي المميت، لا تعكس إلا الغضب، إلا العاصفة التي تشتعل داخله. لم يكن إنقاذها مجرد فعل، بل كان أمرًا محسومًا، كُتب في أعماق كيانه منذ زمنٍ بعيد.

تحرك بسرعة برق، لا شيء أوقفه، لا ضغط الماء ولا ظلمته. مدّ ذراعيه، ولفها بحذر بينهما، يسحبها إلى صدره، يحميها بجسده من برودة البحر القاتلة. للحظة، شعر بضعف أنفاسها، بشحوبها بين يديه، فزادت قبضته عليها، كأنه يتحدى الموت نفسه ليأخذها منه.

ثم، وكأن البحر نفسه يخشاه، اندفع بهما نحو السطح بقوة هائلة، يخرجان من الماء كطيفٍ غاضب، جناحا قوته الخفية تنشر هالة من الطاقة حوله. لم يتوقف، لم ينظر للخلف، فقط حلق في الهواء بسرعة خاطفة، عائداً بها إلى سفينته الخاصة، حيث كان زيفار وفليريون يراقبان المشهد بدهشةٍ وصمت.

هبط على سطح السفينة، قطرات الماء تتطاير من حوله، جسده يقطر غضبًا وقوة، بينما في حضنه كانت ليا، بين الحياة والموت.

في تلك اللحظة، لم يكن في عيني سايلوس سوى وعدٍ واحد...
"كايل، لقد حكمت على نفسك بالموت."

تعليقات

  1. https://www.facebook.com/ptjannnd.com

    ردحذف
  2. https://www.rwayaa.com/2025/02/novel-im-not-a-bitch2.html

    ردحذف

إرسال تعليق

authorX

مؤلفون تلقائي

نظام شراء