رواية عائلة في الميناء
عائلة في الميناء
2025, Jumana
رومانسية
مجانا
بتحاول تحافظ على بيتها وحانتهم القديمة في بالتيمور سنة 1812، وقت ما الحرب مع بريطانيا كانت لسه معلنة والبلد في فوضى. أخوها تشارلز، الجندي، عايزها تسيب كل حاجة وتهرب معاهم عشان يحموا أختهم الصغيرة لوتي من راجل فرنسي شرير اسمه لو كوكين عايز يتجوز لوتي غصب عنها. فيدليا بترفض تسيب بيت أهلها اللي بيجمع ذكرياتهم، وبتفضل تواجه لو كوكين لوحدها بعد ما تشارلز بيضطر يمشي مع كتيبته، وده بيخليها في موقف صعب جداً.
فيدليا
متمسكة ببيتها وذكريات أهلها. بتشتغل في حانة عيلتها وبتحاول تحمي أختها الصغيرة. عنيدة ومبتخافش تواجه الصعاب.تشارلز
أخو فيدليا الكبير، جندي في الجيش الأمريكي. بيحاول يحمي أخواته وبيخاف عليهم جداً، بس بيضطر يسيبهم عشان واجبه العسكري.لوطي
أخت فيدليا وتشارلز الصغيرة، عندها 16 سنة وبتشتغل في الاختراعات. بريئة وشكلها مش بتدرك الخطر اللي حواليها.
بالتيمور، 21 يونيو 1812 فيدليا رمت عجينة العيش على ترابيزة الشغل المتآكلة بتاعتها، والقوة اللي رمت بيها خلت الرجلين الخشب تتهز. "إزاي تطلب مني أسيب بيتي؟" قالت وهي بتغرز كف إيدها في العجينة الطرية. بقالها تسع سنين بتعجن عيش على الترابيزة دي، وعملت حتة غويطة في السطح البني الناعم. حانتهم، اللي كانت عبارة عن حظيرة خشب قديمة باباها كان صلحها، ما كانتش حاجة فخمة. بس الألواح، اللي ناعمة من سنين الضباب، كانت لسه بتحمي العيلة من برد مينا بالتيمور. تشارلز، أخوها الكبير، سَنَد على الترابيزة عشان يثبتها. "أنا مش بطلب. أنا بامر." شعر فيدليا الكيرلي النحاسي كان متلملم في طرحة قديمة، بس خصلة منه هربت ونزلت على خدها. زقت الخصلة المتمردة دي عن وشها بظهر إيدها وبصتله بغضب. "أنا مش عسكرية زيك." "وده بالظبط ليه ما تقدريش تقعدي." عينين تشارلز الزرقا الفاتحة، اللي كانت ملفته على بشرته الغامقة، حذرتها ما تناقشوش. "الرئيس ماديسون لسه معلن الحرب على بريطانيا العظمى. فيه شغب في الشوارع. راجل مات." فيدليا فركت العجينة في الترابيزة تاني. الخشب أنّ من الاعتراض. هيوقع في أي يوم دلوقتي وهي خايفة من تكلفة تصليحه. بعد سنين من الصراعات الصغيرة بين أمريكا وسيدها القديم، بريطانيا العظمى كانت عندها الجرأة إنها تجبر البحارة الأمريكان يدخلوا البحرية البريطانية وتمنع التجارة مع نابليون. الرئيس ماديسون كان أعلن الحرب على بريطانيا العظمى من أربع أيام، وفي الليلة دي شوية ديمقراطيين مؤيدين للحرب هجموا على مطبعة الفدراليين المعارضين للحرب. المطبعة اتحرقت، والفدراليين اتضربوا في الشوارع، وواحد من المخربين وقع من شباك. غبي، فيدليا فكرت. "إحنا عشنا شغب قبل كده،" تمتمت وهي بتشتغل العجينة بغضب. "فاكرة شغب الدكتور اللي كان بيتعلم جراحة على الجثث؟ ناس كتير ماتت وقتها وحانتنا كانت كويسة." "بس دلوقتي بابا مات، وده مش زي أي شغب عشناه قبل كده." صوت تشارلز علي، وخبط إيده على الترابيزة، "أنا لازم أروح وحدتي النهاردة." فيدليا اتنفضت. نبرة صوته دخلت برد في جسمها وهي غرست صوابعها في العجينة الطرية عشان تخبي رعشتهم. تشارلز عمره ما زعق لها، ولا في 18 سنة عمرها كلها. بصتله بغضب. "أنا أعرف أحسن منك إن بابا مات. مين فاكرك كان بيأكل العيلة دي من ساعة ما اتقتل؟" عينيه نزلت على بنطلونه الكحلي الغامق، والحمالات السودا بتاعته كانت متعلقة من وسطه. دي كانت أول مرة تشوفه لابس هدوم جديدة. بس دي كانت جزء من زيه العسكري وهي كانت عايزة ترجع لما تشوفها. إزاي يقدر يسيبهم؟ "كل اللي بطلبه منك إنك تفكري في الأحسن للوطي،" تشارلز قال، ووشه الغاضب اختفى وبقى الأخ الكبير اللطيف والمألوف اللي كانت بتحبه جدًا. فيدليا حطت العجينة في طبق خشب عشان تخمر وغطتها بفوطة قديمة. الفوطة كانت صفرا من كتر السن ومهلهلة من الأطراف، مامتها كانت بتستخدمها كده لما وصلوا بالتيمور أول مرة من عشر سنين. --- بعد ما قشرت بواقي العجين من بين صوابعها بمريلة المطبخ البني الفاتح بتاعتها، خدت لحظة عشان تكحت العجين من تحت ضوافرها، وبعدين شالت طبق أكل ودسته في إيد تشارلز. "خد،" قالت، "دول جاهزين يطلعوا." شالت طبقين تانيين ومشيت وراه لباب المطبخ، ووقفت تبص على الحانة اللي ورا. باباها كان قضى ساعات وهو بيبني ترابيزات من خشب الطوافي وبيجمع كراسي مرمية من السفن. كانت لسه بتشوف مامتها بتطير هنا وهناك، وشايلة أطباق مليانة أكل وروم بإيديها الاتنين. فيدليا غمضت عينيها عشان تشيل المنظر ده، وقلبها كان واجعها. مع إن أهلها ماتوا، زباين فيدليا الجعانين لسه موجودين. بحار عجوز بخروم في قبعته الصوف الحمرا كان بيبص من غير حركة في النار اللي بتولع وتطفي. مدام فالوي، مرات الحداد، كانت قاعدة في الزاوية مع ستاتين تانيين، وأولادهم بيلعبوا بعرايس قماش على رجليهم. "أنا بفكر في لوتي،" قالت. حطت طبق قدام الراجل العجوز اللي لابس القبعة الحمرا. فضل من غير حركة. لوتي، أختهم اللي عندها ستاشر سنة، رفعت راسها من مكان ما كانت قاعدة على السلالم، وبتشخبط في كشكول اختراعاتها. عينيها الزرقا الواسعة كانت باينة عليها مذهولة شوية. قفلت الكشكول بسرعة وقامت وقفت. "كنت بشتغل،" قالت وهي بتبتسم لهم ابتسامة خجولة. سحبت قماشة من مريلتها ومسحت ترابيزة. "والله." تشارلز ابتسم لها، مع إن عينيه فضلت بهتانة. لما لوتي اطمنت إنها مش في مشكلة عشان اتلهت تاني، تشارلز رجع بص لفيدليا. "أرجوكي، فيدليا،" سد طريقها، وبقى شكله خيال في الضوء الساطع اللي جاي من الشبابيك. قدرت تحس بقوة عينيه اللي بتترجاها، حتى وهي بتبص بعيد. "تعالي معايا،" توسل. "أنا... فكرة إني أسيبكوا انتوا الاتنين هنا لوحدكوا بتملاني رعب." بصت وراه، من الشبابيك، على خليج تشيسابيك اللي ورا. حصان رمادي بهتان على ماكينة الطين، كان بيشتغل بجد وهو بيجرف الطين من المينا. وركه اللي باين عظمه كان بيتحرك تحت فروه المترب وهو بيلف ويلف في حزام الشغل بتاعه. هي كانت دايماً بتتخيل إنها هي كمان هتفضل هنا للأبد، وتشتغل كل يوم. إزاي تقدر تسيب كل اللي فاضل من عيلتها؟ حركة سريعة لفتت نظرها وشدت انتباهها. راجل مشي من مبنى الكنيسة الأبيض الطويل اللي في الشارع المقابل ووقف قدام شباكهم، وهو بيمشط شعره الخفيف على الحتة اللي ما فيهاش شعر في راسه. --- "لوطي!" فيدليا همست، والهلع ملى صدرها. لوطي كانت بتمسح ترابيزة ببطء، راسها الشقرا لسه تايهة، وما سمعتش شكلها. فيدليا خبطت الطبق على الترابيزة. الشوربة اتدلقت على الخشب القديم والعيش وقع على الأرض اللي كانت لسه ممسوحة. "إنه هو." تشارلز اتلفت بسرعة؛ ومن غير صوت، مسك لوطي من دراعها وسحبها لفوق على السلالم لغرف المعيشة بتاعتهم. أختهم الصغيرة صرخت وهي معترضة، بس سكتت لما تشارلز كتم بوقها بإيده. فيدليا واجهت المدخل، وكانت بتتمنى إنها كانت خدت سكين من اللي في المطبخ. الباب اتفتح بعنف وخبط في الحيطة. الستات اللي في الزاوية شهقوا ولموا عيالهم من على الأرض. الراجل اللي لابس القبعة الحمرا أخيراً رفع راسه، وعينيه التعبانة وسعت. --- راجل قصير وتخين بشعر أسود خفيف وأسنان أسود دخل. مسيو لو كوكين. سبع حراس مستأجرين دخلوا وراه؛ بنادقهم متعلقة على كتافهم وجزمهم المكسرة الموحلة سايبة بقع على أرضها. بهمسات خافتة، زباينها هربوا من غير ما يدفعوا. كابتن نابليون المفضل كان سمعته سبقاه، ومحدش كان بيجرؤ يقف في طريقه. "صباح الخير يا آنسة،" غنى كده ومسك إيدها جامد. باس كف إيدها بوسة مبلولة وبص وراها. "فين خطيبتي الصغيرة؟ جيت عشان كوباية روم دافي، تقدمها إيديها الجميلة الصغيرة." لحس شفايفه وفيدليا نفسها غليت. "خلصانين،" شدت إيدها من ماسكته وفركتها في مريلتها الوسخة. "الروم بتاعك؟" هددها، وعينيه البني بقت غامقة. "ولا أختك؟" "الاتنين." نقّر بلسانه، وهز راسه. اتحرك حواليها عشان يدفي إيديه جنب النار، بالرغم من حرارة يونيو اللي كانت شديدة. ده خلاها تتعصب. النار دي كانت عشان تدفي حلة العصيدة. لو كوكين نفض صوابعه التخينة، واتنين من حراسه بدأوا يقلبوا الترابيزات والكراسي. اتنين تانيين جريوا ورا فيدليا ناحية مطبخها. ودانها رنت من الغضب وهي مسكت واحد من الرجالة دول من ياقة قميصه الخشنة، وشدته بعيد عن مكانها المقدس. "اطلع بره بيتي،" رمته على الأرض وخطفت الطبق من الترابيزة. رفعته فوق راسها، وشعرها الأحمر الكيرلي وقع من الطرحة القديمة. لو كوكين خطف معصم إيدها من ورا قبل ما تقدر تهجم ولفها لورا. شهقت من الألم والطبق وقع على الأرض واتكسر. الرجالة كملوا قلب الترابيزات، وراجل بأنف خنزير قلب حلة العصيدة، فدلقت العصيدة الكريمية على النار المشتعلة وعلى الأرض. بـ "بوم" و "فحيح"، انفجر بخار ورماد، وانتشر في الأوضة في سحابة كريهة. كتلة اتكونت في زور فيدليا لما شافت حانة مامتها بتتدنس. "مفيش حد هنا،" الحارس اللي بأنف خنزير بلغ. ركل آخر كرسي واقف ووقع. فيدليا قاومت في قبضة لو كوكين وهو بيبص في وشها بشهوانية. "فين هي؟" أنفاسه السخنة كانت ريحتها مقرفة من الأسنان المسوسة والويسكي القديم. بصتله بغضب، ورفضت إنها تخاف. الألواح اللي فوقيهم صرصرت وعينين فيدليا اتجهت بسرعة ناحية السلالم. "أنت،" لو كوكين أشار بإصبعه ناحية الراجل اللي بأنف خنزير. "فتش فوق." "لا!" فيدليا صرخت، وادركت متأخر إنها كده أكدت شكوكه. الحارس المستأجر علق حزام بندقيته على كتفه وطلع السلالم اتنين اتنين. *** قبالة ساحل خليج ديلاوير، 21 يونيو 1812 --- اللورد ويليام جريفيل كان بيراقب الساحل في صمت، ورقبته كانت بتوخزه، شديد اليقظة. السفينة "يوريديس" كانت بتتمايل ببطء تحت رجليه، وكل صرير وأنين للخشب اللي متعود على البحر كان صوته عالي قوي في ودانه. وزن نفسه على السور وميل على الطرف. خليج ديلاوير، اللي متغطي بالضباب، كان ممتد لجوه زي صباع ملفوف. "ده أقصى قرب أقدر أوصلك بيه،" الكابتن روبرتس انضم لويليام. "اتنين من رجالي هيجدفوا بيك للشط." "مش ممكن ندخل خليج تشيسابيك؟" ويليام سأل. ما عجبتهوش فكرة إنه يغري الأمريكان المتعطشين للحرب أكتر من الكابتن، بس رسالته للرئيس ماديسون كانت مسألة حياة أو موت. حتى ليلة زيادة يقضيها وهو بيلف حوالين الطرف الشمالي لخليج تشيسابيك ممكن تعني الهزيمة. "تلقيت كذا بلاغ عن سفن بريطانية تم الاستيلاء عليها جوه الخليج. بالتيمور هتكون أحسن مكان للرسو، بس حتى لو عدينا من السفن الأمريكية، حصن ماكهنري اللي على التل ممكن يغرقنا بمدفع واحد،" الكابتن روبرتس قال وهو بيهز راسه. كتفين الراجل الكبير اللي دايماً محنيين ووشه اللي زي لحاء شجرة بلوط عجوز كان بيخبي وراهم عقل حاد وده اللي خلاه مثالي لتهريب الجواسيس للأراضي الأجنبية. ويليام عدل جاكيته البني السادة وأومأ براسه. ما يقدرش يطلب من الكابتن إنه يخاطر بحياة طاقمه. إدموند دي لاسي انضم ليهم، وطبيعته المرحة اللي كانت دايماً موجودة كانت خافتة. "مفيش أمل نوصل هناك على رجلينا،" قال. الراجل الأشقر مرر إيده في شعره الفاتح، اللي كان قصير على الموضة الحالية؛ عكس شعر ويليام الطويل الغامق. كتف بكتف، الراجلين وقفوا عند السور. الاتنين كانوا لابسين جواكت بني زي بعض بس جاكيت ويليام كان مفرود على جسمه الرشيق، بينما جاكيت إدموند كان مشدود على ضهره العريض المليان عضلات. بالرغم من اختلافاتهم، الاتنين كانوا أقدم الأصدقاء والزملاء في التجسس. مع بعض، كانوا بيشكلوا فريق قوي. "هيبقى لازم نجيب شوية خيل،" ويليام قال. "يعني نسرق؟" إدموند قال وهو بيهز راسه. "مستحيل." "أنا كمان مش عاجبني الموضوع،" ويليام طبطب على كتف صاحبه، "بس هيكون خطر جداً لو أجرنا أو اشترينا. ما نقدرش نخاطر إن حد يتعرف علينا." إدموند تمتم تحت أنفاسه. "الزورق جاهز،" الكابتن روبرتس قال، وهو بيشاور على اتنين من طاقمه. "يا رب ده ينفع،" ويليام قال، وهو بيبص بصه أخيرة على الشط. "بريطانيا العظمى ما تقدرش تتحمل حرب على جبهتين." *** بالتيمور، 21 يونيو 1812 خبطة. الراجل اللي بأنف خنزير طار لورا وتدحرج على السلالم. إحساس بالرضا لسع فيدليا كل ما راس الراجل وكوعه يخبطوا في درجة لحد ما وقع على الأرض وهو بيئن. تشارلز نزل بخطوات بطيئة وثقيلة كانت بتهز السلالم القديمة. كان لابس جاكيته الكحلي الغامق، وعلامة الـ X البيضا على صدره وقبعته اللي فيها ريش كانت بتعرفه كجندي في الفوج الأمريكي. الحراس المستأجرين رجعوا خطوة لورا ولو كوكين بص لهم بغضب. بس كونه فرنسي، حتى هو ما تجرأش إنه يتحدى جندي بالزي العسكري على الأراضي الأمريكية. --- "مسيو لو كوكين،" تشارلز قال، وهو بيراقب الراجل القصير ده زي ما قطة ممكن تفكر في ناموسة مزعجة بتزن حوالين ودنها. فيدليا شدت دراعها بالعافية وجريت لجنب تشارلز. هو مسك إيدها وشدها وراه، وكتفه خبط في مناخيرها. من وراه، بصت على السلالم لغرفة المعيشة الضيقة اللي الأخوات كانوا بيشاركوها. لوطي ما كانش ليها أثر؛ ممكن تكون مستخبية تحت السرير. لو كوكين وطى راسه للتحية. "مسيو أتويل. يا لها من مفاجأة. كنت فاكرك سافرت إمبارح." "واضح،" تشارلز أشار للغرفة المدمرة، قماشة جاكيته الجديدة والناشفة كانت يا دوب بتتكسر لما رفع دراعه. "كنت بس بحل سوء تفاهم مع أختك،" لو كوكين قال، وصوته ناعم زي الروم اللي كان بيفضله جداً. نظرة تشارلز بقت أشد وراح لإيده عشان يمسك السكين اللي إيده من الكريز اللي كان بيحتفظ بيها مدسوسة في وسط بنطلونه. --- الشمس اللي بتغيب كانت بتطفي وتنور من الشبابيك وفيدليا شهقت. مسكت دراع أخوها قبل ما يسحب السكينة. الباب اتفتح تاني، والمرة دي دخل الملازم سميث، الضابط القائد بتاع تشارلز. كان أكبر في السن، وبطنه كبيرة من كتر الشرب، بس وشه اللي مليان حفر من الجدري واللي فيه جيوب تحت عينيه ما سابش مجال للنقاش. فيدليا قدرت تحس عضلات دراع تشارلز بتتشد تحت صوف جاكيته الجديد الخشن. ببطء، ساب السكينة، صوابعه لسه متعلقة على المقبض. بهزة من راسها، شدت إيده بعيد. كتفين لو كوكين انحنت لجوه، وأشار على الأوضة المدمرة. "الملازم سميث،" قال، بصوت طفولي مليان دلع، "أنا جيت أمريكا بدعوة من رئيسكم ماديسون وشوف شعبك بيعاملني إزاي." الملازم سميث استوعب الموقف بلمعة سريعة من عينيه الغامقة وحواجبه نزلت. "أتويل،" قال. تشارلز وقف انتباه بالتحية. "الملازم سميث، سيدي." "أختك الشيطانة عاملة مشاكل تاني؟" الراجل شخر، وحفر الجدري كرمشت في ابتسامة ساخرة. فيدليا استهزأت باعتراض. "تاني؟" تمتمت. التاجر الغني اللي سرق رغيف عيش بالريحان من كشكها في سوق ليكسينجتون السنة اللي فاتت ضربها، ومع ذلك فيدليا هي اللي اتمسكت من العساكر وأجبرها الملازم سميث تدفع تمن الجاكيت اللي اتقطع لما مسكت الحرامي. "لو اضطريت أقبض عليها تاني عشان ضربت راجل،" سميث كمل، "مش هيكون عندي خيار غير إني أجلدها." تشارلز غير وضع جسمه، وسد عليها الرؤية بكتفه العريض. "اشرح الفوضى دي،" أمر الملازم سميث، وهو بيقرب لحد ما صوابع جزمته لمست جزمه تشارلز. سابت بقعة من البولش الأسود على الجلد الباهت في جزمه تشارلز. حراس لو كوكين المستأجرين اتفرقوا وطلعوا بره الباب، وما فضلش غير الراجل اللي بأنف خنزير يحرس الفرنسي. فيدليا وقفت على صوابع رجليها، وكان فيه رد مرير بيحرق لسانها، بس تشارلز مسك دراعها وشدها بقوة وراه تاني. --- "مسيو لو كوكين ما عجبوش الأكل، سيدي،" تشارلز قال، والكلمات كانت هادية وموزونة. "الست دي وقعت طبق على رجلي،" مسيو لو كوكين قال، وفجأة بدأ يعرج ويشاور على الطبق الواقع والعيش المتناثر. "لا، أنا ما عملتش-" فيدليا اعترضت، بس تشارلز رجع لورا وداس على صباع رجلها بكعب رجله، وهي حطت إيدها على بوقها عشان توقف صرخة الألم. تشارلز عمره ما عمل حاجة زي كده، ولا حتى وهو طفل. "أنا اللي عملت كده يا سيدي،" تشارلز قال. "إيدي كانت زلقة." بصت من حوالين دراعه واتجمدت تحت نظرة الملازم الغامقة. كان بيبص لها، عينيه بتحسب. "أطالب بتعويض عن إصاباتي،" لو كوكين رمى رجله 'المصابة' بضعف ولّوى وشه الدهني في تعبير كشرة. ضهر تشارلز اتصلب، والقماش الأزرق الغامق اتشد على لوحين كتفه. فيدليا بصت من ضهر أخوها الطويل المفرود للترابيزات المقلوبة والعصيدة المنسكبة، اللي بقت دلوقتي طين أسود، منتشرة على ألواح الأرضية المتآكلة. الملازم سميث تنهد بتعبير يوحي بمعاناة طويلة ولف للكابتن الفرنسي بإيماءة سريعة من راسه. "ده حقك. إيه اللي يرضي كبرياءك؟" لو كوكين عدل نفسه، وكل أثر للألم اختفى. "الأخت الأصغر لأتويل. اديهالي،" قال. سائل بني طلع من الفراغات بين أسنانه السفلية وهو بيبتسم. "يا خنزير،" فيدليا همست، وهي بتهجم لقدام. تشارلز مد إيده لسكينته في نفس اللحظة، وسحبها نص المسافة من حزامه. لو كوكين خاف، وهو بيشتم بالفرنسي. الملازم سميث رفع إيده. رجاله جهزوا بنادقهم، والحراب كانت موجهة لتشارلز وفيدليا. الصمت ضرب الأوضة زي دفقة مياه باردة. "صابع رجل مخبوط بالعافية يبرر إنك تاخد ست شابة،" الملازم سميث شخر، وهو بيميل على لو كوكين. "وإنت بتسمي نفسك راجل؟" السخرية في صوته شكلها هدت غضب لو كوكين الشهواني والفرنسي رجع لورا بانحناءة اعتذارية. الملازم سميث خرج الهوا من مناخيره في فحيح طويل وبطيء. "عشر جلدات عشان صابع رجل مخبوط. راضي؟" طرف شفايف لو كوكين رفع. قرب من فيدليا، رجله بقت سليمة فجأة. "أتطلع لمشاهدة ذلك،" همس. تشارلز مسك لو كوكين من رابطة عنقه، ولف الحرير حوالين صوابعه لحد ما الفرنسي بدأ يغرغر. "أتويل،" الملازم سميث صرخ. تشارلز ساب الفرنسي ووقف انتباه تاني، بس فيدليا قدرت تشوف إيديه المقبوضة بترتعش من الغضب. "بما أن مسيو أتويل اعترف، هو اللي هيتحمل العقاب،" الملازم قال للو كوكين، ونبرة صوته كانت بتحذر من أي اعتراض. "لا!" فيدليا اعترضت، بس تشارلز لف وضغط إيده على شفايفها. --- "شكراً يا فندم،" تشارلز قال، ونظرته كانت بتخترقها. "عقابك هتاخده بعد ما نوصل البيت الأبيض. الرئيس ماديسون بعتلنا خبر إننا لازم نتحرك فوراً،" الملازم سميث شاور لرجاله، وهما علقوا أسلحتهم تاني على كتافهم. فيدليا قاومت إيد أخوها، وهي بترجوه في صمت إنه ما يمشيش. عينيه الزرقا لانت، وحواجبه كرمشت. "أرجوكي،" همس. "تعالي معايا." فيدليا حركت راسها لجنب، ونفضت إيده. وهي بتتنفس بصعوبة، بصت لأخوها بغضب. "مش هسيب بيتنا، حتى لو إنت سبته." "أتويل،" الملازم سميث قال من عند الباب. عينين تشارلز لمعت بالدموع، وفيدليا شهقت وهو شدها في حضن قوي. ريحة جاكيته الجديد، اللي لازقة في مناخيرها، خلت الدموع تحرق في زورها. بتردد، رفعت إيدها عشان تحضنه. بس كانت بطيئة جداً. بعد عنها وبص على لوتي في الدور اللي فوق. فيدليا شافته بيغمض عينيه في صمت، كأنه بيتألم. لف ومشى ناحية الباب، جزمه بتخبط بصوت تقيل على الأرض. قدرت تحس اهتزاز كل خطوة في عضمها وده هز رئتيها. كتفه العريض غمّق المدخل وهو ماشي، والخسارة المفاجئة لضوء الشمس عمت فيدليا. ركب حصانه وبصلها بآخر نظرة أخيرة. كان المفروض تجري له، على الأقل تحضنه عشان تودعه... بس كبرياؤها كان عنيد جداً. فضلوا يبصوا لبعض فترة طويلة قبل ما يضرب حصانه برجله ويتبع قائده. فيدليا اتهزت في الظلام اللي بدأ يتجمع في الحانة، اللي كانت فاضية دلوقتي ما عدا لو كوكين وواحد من رجاله. صوابعها اللي باين عليها العضم لفت حوالين معصمها، الألم الحاد صحّى فيدليا من ذهولها. لو كوكين شدها، وسحبها لدرجة إنها فقدت توازنها لحد ما بقوا وش لوش. "هتبقى حاجة مؤسفة يا آنسة،" همس في ودنها، "لو، في كل فوضى الشغب دي، أختك الحبيبة... اختفت."