موصى به لك

الأقسام

الأفضل شهريًا

    الأعلى تقييمًا

      رواية همسة - حب

      همسة

      2025, سعود

      رومانسية

      مجانا

      الفتاة الواثقة رغم قصر قامتها، تلتقي بشاب غامض بعد مغادرتها حفلة صاخبة مع صديقتها كايا. تنشأ بينهما محادثة مشحونة بالمشاعر والمشاكسات، لكنه يتركها بكلمات غامضة وابتسامة ساحرة قبل أن يختفي بطريقة غريبة، مما يثير في داخلها أسئلة لا إجابة لها.

      كاسي جين بيشوب

      فتاة واثقة، قصيرة القامة، ذات شعر أحمر وعينين بنيتين ذهبيتين.

      الشاب الغامض:

      جذاب، ساخر، يملك حضورًا مشوشًا بين الواقع والسراب.

      كايا

      صديقة كاسي المقربة، تحب الأضواء لكنها تعاني من مشاكل تخفيها بالكحول.
      تم نسخ الرابط
      رواية همسة

      0:00 0:00
       
        ليش دايمًا يصير لي كذا؟ وش سويت عشان أزعّل القدر لهالدرجة؟ ناظرت تحت على جزمة "ماري جين" الجديدة اللي صارت مغطية بالترجيع، وغمضت عيوني بقرف. يييييع، مقرف. راحت علي جزمة جديدة عالفاضي.
      
      "يلا يا كاي، خلينا نرجّعك البيت." سحبت صديقتي المقربة ولفّيت ذراعي حولها، ريحتها كانت خليط بين البيرة القديمة والترجيع. نَفَسها مقرف. كان ودي أخلّيها هنا وأمشي، فكرت بحقد. أصلًا أنا ما كنت أبغى أجي للحفلة الغبية هذي من البداية. بس كالعاده، كانت محاولة ثانية منهم عشان يخلوني أصير جزء من مجموعتهم، وأنا ما كان عندي أي نية إني أنجرف مع تفاهاتهم. شوفي وش صار لي الليلة—جيف حاول يغازلني مَرّة ثانية... يَع، وبعدين الجزمة راحت فيها. قمة في القرف.
      
      "آآآآسفففه..." تمتمت كاي وهي تحاول تمشي بخط مستقيم.
      
      "سيارتك وينها؟" سألتها وأنا أطالع السيارات المتكدسة عند طرف البحيرة.
      
      "جيس..."
      
      يا سلام. تنهدت بضيق. شفت أختها قبل شوي تتهاوش مع حبيبها الفاشل، لكن ما كنت أدري إنها أخذت سيارة كاي ومشت. طلعت جوالي وجربت أتصل عليها، بس زي ما توقعت، راح الاتصال على البريد الصوتي علطول.
      
      يا حلاااااوة. وكأن عندي خيار إني أكلم حبيب كاي يجي ياخذنا، وأهله حشروه الليلة في سهرة عائلية.
      
      
      
      يا حلاااااوة. وكأن عندي خيار إني أكلم حبيب كاي يجي ياخذنا، وأهله حشروه الليلة في سهرة عائلية.
      
      قعدت أطالع وسط الزحمة أدور أحد ممكن يعطيني سيارته. ضحكات المراهقين العالية كانت تملأ المكان وهم يرقصون حوالين "المومياء" اللي سووها لفارس بلا رأس، ورأس اليقطينة اللي حطوه له كان مشتعل بالنار، احتفالًا بدخول شهر أكتوبر وطقوس "سماهين". النيران كانت مولّعة على طول الشاطئ عشان يرحبون بأكبر عيد عندنا.
      
      الدخان من النيران كان مغطي المكان، وصعبت عليّ رؤية أي أحد. جيف لمحني ولوّح لي. كان ممكن أطلب منه سيارته، بس ولد الجيران بيحسبها معروف لازم أردّه، وأبدًا مو ناوية أعطيه هالفكرة. هو واحد من أقرب أصدقائي، لكن الولد عنده كراش قوي عليّ، وبالنسبة له، لو أعطاني سيارته، معناته إنه صار عندنا موعد. مستحيل.
      
      ما كان فيه أحد ثاني أعرفه كفاية عشان أطلب منه سيارته.
      
      وفجأة، كاي أصدرت صوت غثيان قوي، وبعدها رجعت على جزمتي مرة ثانية. ليييش أنا؟
      
      "يبدو إننا راح نمشي." الحمد لله بيتها قريب.
      
      سحبت البنت شبه المغمي عليها بعيد عن البحيرة باتجاه أطراف نيو سالم. ما كنت مصدقة إني لازلت أسحبها معي وأرجعها البيت. والله تدين لي بمعروف كبييير.
      
      كان الظلام حالك، بس أعرف طريقي في الغابة. طفولتي كلها قضيتها فيها، أقدر أمشي وأنا مغمضة عيوني. لكن كاي كانت تعقد الأمور أكثر، كل شوي لازم أوقف عشان ترجع.
      
      لما وصلنا أخيرًا لأول بيت بشارعنا، "جالوز لين"، كنت فعلًا مستعدة أتركها وتمشي لحالها.
      
      
      كاي تأوهت وانهارت للأمام، ساحبةً إياي معها. والآن أقدر أضيف الركب المخدوشة لقائمة المصايب اللي صارت لي الليلة، فكرت وأنا أسقط. لكن قبل ما أوصل للأرض، يد قوية أمسكت بذراعي وسحبتني للخلف. كاي؟ لا، كاي طاحت على وجهها.
      
      التفت عشان أشكر الشخص اللي أنقذني، لكن الكلمات تجمدت بحلقي. رفعت عيوني... ورفعتها أكثر. نور عمود الشارع كان يسلط ضوءه على شعر غامق بلون الشوكولاتة الفاخرة، طويل شوي وواصل لكتفه بطريقة فوضوية لكن مثالية، يحيط بملامح حادة وقوية... كأنه منحوت بدقة.
      
      أول فكرة خطرت لي: كأنه منحوت بيد فنان.
      
      عيونه الرمادية كانت تذكرني بالضباب اللي يلف الجبال بعد المطر، وكانت مثبتة عليّ بهدوء. ذهني تمسك بحقيقة واحدة—الولد وسيم بشكل مش طبيعي.
      
      "أنتِ بخير؟" سألني بصوت عميق وخشن. وعجبني.
      
      هززت راسي، ما وثقت بصوتي في اللحظة ذي. كنت في وضع التحديق اللاإرادي.
      
      نظر لكاي وتنهد، بعدين انحنى وشالها بسهولة بين ذراعيه. التفت لي وسأل: "وين بيتها؟"
      
      "قدّام، نهاية الشارع،" قلت وأنا أحاول أتصرف بشكل طبيعي، بس عيوني كانت مسمرة على عضلاته اللي تحركت تحت التيشيرت لما عدّل وضعية كاي. "شكرًا."
      
      هز راسه بإشارة بسيطة عشان أبدأ أمشي قدامه.
      
      "أنا كاسي جاين بيشوب،" قلت وأنا أمشي جنبه. "سي جي."
      
      يا ساتر، ليه قلت اسمي كامل؟ احنا تعلّمنا من وحنا صغار إنه ما ينفع نقول أسماءنا الكاملة للغرباء، كان شيء ممنوع عندنا. بس عادي، أصلًا أنا ما أؤمن بالخرافات هذي.
      
      "إيثان وارن،" قال وهو يسرّع خطواته.
      
      
      
      طيب، يمكن هو ما كان يبغى يتكلم معي. أو يمكن بس مستعجل عشان يبعد عن ريحة القيء والبيرة اليابسة. أتمنى يكون السبب الثاني. بعدين تذكرت جزمتي… أكيد أنا نفسي ريحتي كانت كارثة.
      
      وصلنا بيت كاي بسرعة قياسية. خطواته الطويلة كانت تلتهم الرصيف، ولقيت نفسي شبه أركض عشان ألحق عليه. أكيد طوله فوق الـ١٨٥ سم، وأنا حتى ما أوصل لكتفه.
      
      يبدو أن الحظ قرر يعوضني اليوم، لأن أبوها لسه ما رجع، ولا حتى جيس. فتحت الباب الخلفي بالمفتاح الاحتياطي اللي دايم يخلونه مدفون بين الحصى. كنت بمد يدي عشان أخذ كاي منه، لكنه كان دخل البيت خلاص.
      
      طلعت قبله للدور الثاني عشان أفتح باب الغرفة. دخل ورماها على السرير بكل بساطة. أنا سحبت جزمها وغطيتها بلحاف خفيف.
      
      "يلا يا كاسي جاين بيشوب، أوصلك بيتكم،" قال وهو يستدير ويطلع من الغرفة.
      
      وقفت في مكاني أحدق فيه. مين هذا؟
      
      لقيته واقف عند الباب الخلفي يستناني لما نزلت. قفلت الباب وحطيت المفتاح في جيبي (يعني شافني وأنا آخذه، كيف أضمن إنه ما يرجع؟) وبدينا نمشي في الشارع باتجاه بيتي الصغير والبسيط.
      
      "ليه ما كنتِ تشربين؟" سألني وهو يمشي جنبي.
      
      "كنت بالحفلة؟" سألته وأنا مصدومة.
      
      هز رأسه. "إيه. شفتك إنتِ وصاحبتك السكرانة لما جيتوا، بس طول الليل ما شفتك تشربين ولا شيء."
      
      
      
      
       
       "لا، أنا ما أشرب." وفعلاً ما كنت أشرب. كنت أشوف وش سوى الكحول في أبوي. مجرد مشاهدة الكارثة اللي كان يعيشها كفاية عشان تبعد أي أحد عن الفكرة نهائيًا، وأنا كنت أولهم. أبوي كان شخص رائع، إلا لما يشرب.
      
      بعد ثوانٍ، استوعبت معنى سؤاله. كيف عرف إني ما شربت؟ هل كان يراقبني طول الحفلة؟ التفتّ له بطرف عيني، ولساني نشف فجأة. القميص الأخضر الضيق اللي كان لابسه كان ماسك على عضلات بطنه بطريقة غير قانونية.
      
      "مثير للاهتمام،" قال بعد لحظة.
      
      مثير للاهتمام؟ وش يقصد؟ هل كان يتوقع إني زي كاي وأسرف في الشرب لين أفقد الوعي؟ بليز لا تفكر إني غبية لهالدرجة، رجوت بصمت. بس ليه يهمني أصلاً هو إيش يفكر عني؟ مو كأنه مهتم فيني أو شيء... صح؟ أو يمكن؟ هل أبغاه يكون مهتم؟ أوه، أكيد، بدون أدنى شك أبغى.
      
      العيون دايم كانت تلاحظ أعز صديقاتي، ماكايلا مارتن، أول. بس ما كان يضايقني هالشيء. كنت واثقة في نفسي زيها بالضبط. كنت دايم أحصل أي شخص أبغاه. أنا وكاي كنا متشابهين في كثير أشياء، لكننا كنا مختلفين زي الفرق بين كعب قوتشي وكعب من محل رخيص.
      
      هي طويلة، بشعر أسود لامع كأنه نار سوداء، وعينين مليانة حياة بلون بندقي يشبه عيون القطط. بشرتها الزيتونية كانت تعطيها مظهر غريب وجذاب. الشباب كانوا يتهافتون بس عشان يلمحوا ابتسامة منها.
      
      
      أنا؟ قصتي كانت مختلفة شوية. كنت قصيرة، نحيفة، ومليانة بالنار اللي تجري في دم أي شخص عنده جذور أيرلندية وشعره أحمر. شعري كان ملفت للنظر. لا كان بني محمر، ولا كان البرتقالي الباهت اللي بعض أصحاب الشعر الأحمر ينتهوا فيه. لا، شعري كان أحمر دموي، زي علبة كوكاكولا جديدة. عيناي البنية المذهبة كانت بتلمع بنفس ثقة كاي. كنت أقدر ألفت الأنظار زيها تمامًا. وكنت عارفة ده كويس.
      
      شخصياتنا كانت مختلفة زي اختلاف شكلنا. كاي عندها هوس غريب بإنها تكون محور الاهتمام. كانت حرفيًا قوة طبيعية. أما أنا؟ كنت راضية أكون الصديقة الأنيقة اللي دايم عندها أحذية خرافية. ما كنت محتاجة كل الناس تتهافت عليّ، طالما قدرت أحصل على انتباه الشخص اللي أنا عاوزاه. زي الولد اللي كان ماشي جنبي الحين.
      
      وهحصله. يمكن.
      بس الريحة ممكن تكون عائق.
      كاي هتدفع الثمن بكرة، ده أكيد.
      
      في لحظة، طافت صورة أختي في عقلي، وجهها ظهر قدامي كأنها واقفة هنا فعلًا. لو كانت هنا، كانت هتضحك عليّ لحد ما تدمع عيونها.
      
      "دي بيتي،" قلت وأنا واقفة قدام الفيلا الفيكتورية الصفراء القديمة. كانت محتاجة شوية تصليح، بس كنت بحبها. إيثان تبعني لحد السلالم ووقف تحت ضوء الشرفة.
      
      "شكرًا إنك مشيت معايا،" قلت وأنا برفع عيني له.
      
      ما ردش على طول. لما بصيت له، لقيته بيتفرج عليّ... وابتسامة صغيرة بتلعب على شفايفه. غمازات. عنده غمازات.
      
      "ولا يهمك. توقعت إنك هتحتاجي مساعدة لما شوفتك بتترنحي بعيد عن الحفلة. هي دايمًا بتسكر كده؟"
      
      طبعًا... أكيد شايفها مرشحة كحبيبة محتملة. طبيعي إنه يقلق عليها لو كانت بتشرب كتير. زفرت بضيق. دي ممكن تكون مشكلة.
      
      في لحظات زي دي، كنت بجد بكره صديقتي المقربة.
      
      
      
      "لا،" كذبت، وظهرت مهاراتي كأفضل صديقة رغم انزعاجي. الحقيقة إن كاي كانت بتسكر كتير. أنا كنت بتعامل مع مشاكلي في البيت بالكتابة في مذكرتي. هي كانت بتتعامل معاها بالشرب. عقدت حواجبي وأنا فكرة غريبة بتلمع في دماغي.
      
      "استنى لحظة، إنت كنت بتتبعنا؟ مش شايف إن ده تصرف شوية مريب؟"
      
      ابتسم... وركبتايا كادت تذوب. "أيوة، عشان كده قررت أمشي وراكم وأتدخل بس لو كنتي محتاجة مساعدة. إنتِ مجرد حتة صغيرة من القطن. أنا مستغرب إن الأمازونية ما داستش عليكي قبل ما توصلي للطريق."
      
      "إنت قليل الأدب." صغيرة؟ ليه لازم يعلق على قِصري؟
      
      اتسعت ابتسامته.
      
      "وكاي مش دايمًا بتتصرف كده."
      
      "إنتِ مخلصة جدًا، مش كده؟" ضحك وهو بيهز رأسه.
      
      مخلصة؟ صغيرة؟ ده تعليق تاني على حجمي، الحاجة الوحيدة اللي كنت حقيقي مش راضية عنها في شكلي. حسيت بالغضب يتسلل لداخلي. هو بيضايقني عمدًا. هو بجد مزعج.
      
      "هي صاحبتي."
      
      شفتاه ارتفعتا في نصف ابتسامة، وعيناه تحولت من بريق المرح إلى لون رمادي داكن كالفولاذ. "قلت حاجة ضايقتك؟"
      
      "طبعًا لا،" رددت ببرود، رغم إنني ما كنتش قادرة أشيل عيني من عيونه. كانت ساحرة. عمري ما شفت عيون تتغير ألوانها بدرجات مختلفة من الرمادي في ثوانٍ قليلة.
      
      
      
      "وعندِك طبع ناري كمان،" تأمل وهو بيميل شوية ويمد إيده عشان يحرك خصلة شعر ساقطة ورا ودني. فجأة حسيت إني مش قادرة أتنفس كويس.
      
      عادةً، أي ولد كان يقرب مني كنت هتهرب فورًا، خصوصًا لو كنت لسه معرفهوش كويس. بس مش معاه. كنت عايزاه يلمسني. غريب جدًا.
      
      إيده كانت دافية، نازلة من عند ودني لحد ما لمست خدي. حسيت وكأن شرارة كهربائية صغيرة مرت على جلدي.
      
      "حاجة تانية عايز تعلق عليها وإنت ماشي في الاتجاه ده بامتياز؟" حاولت أظهر نظرة غاضبة، بس هو كان بيبص لي بطريقة غريبة، كأنه مش قادر يفهم أنا فين بالضبط في الصورة. كأنني القطعة اللي مش بتكمل اللغز مهما حاولت تركبها.
      
      ملامحه بقت جدية وهو بيفكر. "وشك بيحمر جدًا لما بتتعصبي."
      
      هو قال إيه؟!
      
      "وبتطلعي صوت كأنك بتتخنقي لما بتحاولي تمنعي نفسك من الصريخ."
      
      إيدي اتشدت في قبضة.
      
      دورت وفتحت باب البيت. مش معقول هقف هنا وأسمع الكلام ده أكتر من كده.
      
      لكن قبل ما ألحق أدخل، حسيت بإيده تلاقي إيدي وتسحبني ناحيته.
      
      "وعلى الرغم من كل ده، إنتِ أظرف وأحلى حاجة شُفتها من زمان." ابتسم ابتسامة كلها شيطنة.
      
      اتسعت عيناي وسقط فمي قليلًا. هو بيقول إني ظريفة؟!
      
      
      
      هشوفك بعدين، كاسي جين بيشوب. قالها وهو بيغمزلي بأنامله على طرف مناخيري قبل ما يلف ويرجع في الطريق اللي جينا منه.
      
      وقفت مكاني، عيني متعلقة بيه وهو بيبعد. هو قال إني ظريفة؟ مستر "جمال يذوب في الفم" شايفني ظريفة؟ ابتسمت، بس لما بصيت لتحت وشوفت جزمة ماري جين بتاعتي، اتنهدت. كايا مدينة ليّا بجزمة جديدة.
      
      هبت نسمة برد، فارتعشت وأنا بتمنى لو الجو كان أدفى شوية. بعد لحظات، حسيت بحرارة دافية بتلفني. أكيد السخان اشتغل، فكرت. على الأقل أمي ما نسيتش تشغله.
      
      رفعت عيني تاني للبقعة اللي اختفى عندها. الغريب إني مالحقتش أشوفه وهو بيلف عند الناصية… كأنه… تلاشى؟ غريب. أكيد عيني تعبانة ومخي بيتهيأ له حاجات، أقنعت نفسي، لكن الابتسامة فضلت مرسومة على شفايفي.
      
      لمست خدي، لسه حاسة بلمسة صوابعه عليه، وإيدي لسه بتوخز من حرارته.
      
      يمكن الدنيا أخيرًا بتبدأ تتحسن.
      
      بس ده لو قدرت أنسى يوم 15 أكتوبر… وأبعد عن قبضة المدينة.
      ...
      
      هي مو كامله ولكن اريد رأيكم حتى الأن فيها
       

      روايه بلا روح - دراما نفسية

      بلا روح

      2025, كاترينا يوسف

      مأساوية

      مجانا

      شاب يعاني من فقدان عائلته وتدهور حالته النفسية بعد مقتل أخيه وانتحار صديقه المقرب. وسط وحدته وصراعاته الداخلية، يغرق في دوامة من الألم النفسي والأذى الذاتي، محاولًا التعايش مع ماضيه المدمر، لكنه في النهاية يختار الهروب الأبدي من معاناته.

      ماكاو

      البطل الرئيسي، يعاني من اضطرابات نفسية بعد فقدان عائلته.

      فيجاس

      شقيق ماكاو الأكبر، كان جزءًا من المافيا لكنه قُتل برصاصة قناص.

      بيت

      صديق مقرب لماكاو، لم يتحمل فقدان فيجاس فانتحر.
      تم نسخ الرابط
      روايه بلا روح

       

      - ملحوظه الروايه كتبتها صاحبتي وانا خدتها منها انزلها بأسمها (فاطمه محمد)

      كل حاجة كانت غلط مفيش حاجة يقدر يعملها عشان يصلح ده موت الناس، الألم اللي بيحرقه الورد الجميل اللي كانوا بيغيروه كل يوم على ترابيزة السفرة مات، بتلاته وقعت ميتة من غير مية المزيكا اللي كانت شغالة كل ليلة ماتت في البيت، مفيش أصوات، مفيش مزيكا، مفيش دوشة، مفيش غُنى عالي، حتى صوت الكعب وهو بيخبط على الأرض ويرقص مع اللحن اختفى مفيش حد في الجنينة، الزرع مات، الخضار اللي كانوا بيهتموا بيه بقى بايظ الزجاجات الفاضية على الترابيزة، الكنبة اللي كانت مليانة هدايا وحب بقت فاضية كل حاجة انهارت بسرعة حتى صوته مش سامعه شنطة مليانة هدوم وحاجات ملهاش قيمة، ده اللي قدر يجمعه، مع الذكريات اللي هتفضل تطارده طول عمره كان ميت من جواه، زي واحد ميت وعاوز يختفي إيده بتلسعه ماكاو أخيرًا قدر ياخد الجرأة ويمشي بعد موت أخوه بقاله شهرين. حتى بعد ما ساب كل حاجة ورا ضهره، كل الشغل الوحش، كل البيزنس، فيجاس مبقاش جزء من المافيا، كانوا فاكرين إنهم عايشين حياة كويسة، لكن فجأة، اتضرب بالنار. الرصاصة جت من قناص، أصابته في نص دماغه، مات قدام خطيبته اللي بيحبها وأخوه الصغير. مرة، ماكاو رجع البيت علشان يلاقي آخر أمل ليه في الحياة، أخد حبوب وشنق نفسه في أوضته. الصمت كان بيقول كتير، كان محطم. عيلته الوحيدة ماتت، واحد اتضرب بالنار والتاني انتحر، لكنه لقى جواب في إيد بيت، موجه ليه، مكتوب فيه: "أنا آسف، مش قادر أعيش كده، كنت بحبه أوي، وغيابه خد جزء من روحي، مش قادر أكمل، سامحني يا ماكاو." الورقة بقت مبلولة من دموعه، قراها مرة ورا مرة، يمكن لو كان رجع البيت بدري، بيت مكنش راح، يمكن كان قدر يمنعه. ماكاو مسك الورقة بقوة وحرقها، ذكريات زي دي هتفضل تطارده طول عمره، صحته ساءت أكتر من الأول. كان بالكاد متمسك بالحياة. مسك شنطته، نزل السلم، فتح باب البيت عشان يمشي، رايح لبيت تاني، مش قادر يفضل في مكان كان مليان فرحة، لإنه هيخليه عاوز يختفي أكتر. فتح الباب عشان يمشي لكن اتوقف لما شاف كين، رغم إن القتال خلص، رغم إن كل حاجة بينهم انتهت، لكنه لسه بيحاول يتأقلم عليه. "محتاج مساعدة؟" سأل ماكاو بصوت تعبان، مش مهتم بيه، كان عارف هو هيقول إيه بس رغم كده سأل. "انتقل تعيش معانا." "لأ." قالها بهدوء، كين أخد نفس يائس. "هتكون في أمان معانا، ليه مش قادر تفهم ده؟" "وليه مش قادر تفهم إني عايز أبقى لوحدي؟ مش مهتم بخرابيطك، لا الانتقال معاك ولا أي حاجة، تمام؟ فبليز وسّع." ماكاو تحرك بعيد عن الحراس اللي حوالين كين. كين مكنش ناوي يأذيه، هو لسه صغير، عنده 20 سنة، وخسر اتنين من أقرب الناس ليه، أكيد الوجع كان قاتله، لكن كين مكنش عايز يكسر وعده. وعد كان عامله مع فيجاس. "وعدني لو مت، هتحمي بيت وأخويا." ده كان باين عليه مش واقعي، ناس كتير ممكن متصدقش، لأن ده فيجاس؟ أكيد كانت مفاجأة لكين، فيجاس كان بلا رحمة، عمره ما طلب معروف من حد، لكن كأنه كان عارف إنه هيموت. لسوء الحظ، بيت مات، لكن ماكاو لسه موجود، ولسه ممكن يحميه. ماكنش قاسي، قال لحراسه يتبعوه بهدوء. ماكاو مشي بعربيته، كان عارف إنهم هيطاردوه، ففضل يلف ويغير طريقه كتير عشان يشتتهم، وفعلاً نجح، فضل يضحك على غبائهم. وصل بيته الجديد وهو منهك، خد شنطته والمفاتيح، فتح الباب، رمى الشنطة على جنب وارتمى على الكنبة. كان تعبان جدًا عشان يفك شنطته، دراعه بيلسعه من الحروق، كان عامل جروح جديدة الصبح لكن غطاها بشاش عشان محدش يلاحظ. عنينه قفلت ببطء. المنبّه كان بيزن في ودانه بصوت عالي، فضل يخبط حواليه لحد ما ضغط على الزرار وطَفاه. رغم إنه عنده 20 سنة، لكنه ساب المدرسة وهو عنده 18، مكمّلش لآخرها. كان صغير عشان يشتغل، بس برضه كون أخوه الكبير كان جزء من المافيا خلّى الموضوع معقد. من فترة مش بعيدة، أبوه مات. معرفة مين اللي اغتاله عمرها ما هتسيبه في حاله، هتفضل تقتله من جواه. كان عارف إن أبوه مكنش أحسن واحد، لا كأب ولا كإنسان، لكنه كان حنين عليه، أكتر من فيجاس بكتير. كان بيعافر بعد موت أبوه، ودلوقتي أخوه مات هو كمان، ومعاه آخر أمل كان فاكر إنه هيعيش عشانه. كل حاجة اتدهورت بسرعة، ومبقاش باقي من العيلة غيره هو بس. بس مش قادر يحافظ على نفسه، لا على صحته، ولا على حياته، مكنش بخير، بالعكس، كان بيدور على راحته في حاجة واحدة... إنه يأذي نفسه. كان عاقل، بس عقله دايمًا بيشرد، بيفكر في إحساس الموت، كان زمانه أسعد، كان بيحاول يخف، لأن فيجاس وبيت كانوا موجودين يعتنوا بيه، لكن دلوقتي... مفيش غيره. مفيش حد يحكي معاه، مفيش حد يقضي معاه الوقت، مفيش حد يتشارك معاه الأكل، مفيش حد يضحك معاه. الوحدة قاتلة. العلاج رحلة، لكن الرحلة دي انتهت من يوم ما أخوه مات. بتأفف، المنبّه اشتغل تاني، زنّ في ودانه لحد ما ضايقه. دي كانت روتينه اليومي، رغم إنه مكنش مضطر يقوم، لكنه كان بيحاول يبذل مجهود، يقوم الصبح يوم السبت والحد عشان يتمشى شوية. بس حتى الأيام دي، بقى بيكافح عشان يقوم، جسمه بقى بيموت ببطء على السرير. وبصراحة، البقاء تحت البطانية كان أأمن بكتير بالنسبة له، هو فعلاً بيحب سريره. أخيرًا قعد، لسه المنبه بيرن، شعره كان مكركب، حتى مع البيت الجديد، لسه الكوابيس بتلاحقه. الذكريات مش سايباه، حتى لو مرّ شهر، لسه محسش إن فات وقت طويل. وقف، حاول يبذل مجهود، وراح يشغّل الدش السخن، قلع هدومه والضمادات، ورماهم في الزبالة، محتاج يجيب غيرهم. دخل تحت المية، دراعه بيلسع، النار ماسكاه، لكنه اتعود على الألم. مية جرح، يمكن أكتر؟ مبقاش بيعدهم، لكنه بيكرر نفس الجروح. خرج من الشاور، لبس هدوم جديدة كان شاريها من فترة، رفع كُمّه، ومسَك الشفرة اللي فَكّها من براية، بيستخدمها لأنها حادة وسهل يخبيها في جيبه من غير ما حد يلاحظ. مسك الشفرة وبدأ يسيب علامات جديدة، بيرسمها فوق نفس الجروح اللي كان عاملها من كام يوم. أخد نفس عميق، حس براحة أكتر. الدم بينقط، حدّة الشفرة خلت الألم أقوى، شدّ على نفسه. كان لسه شاريها لأن القديمة بهتت ومبقتش بنفس القوة. كان الإحساس بالنسباله... مريح. وقف عند الوريد، إيده كانت بتتهز، مش عارف يقطع ولا يسيبها، زفر بعمق ورمى الشفرة في الحوض. دراعه كان غرقان دم، شكله زي مشهد جريمة. الوجع كان ماسك في دراعيه، بس مكنش فارق معاه، متعود. فتح الدرج الصغير يدور على الضمادات. "الضمادات بتخلص... والمكياج... لأ، مش مهم المكياج." كان بيحتاجه قبل كده لما كان بيخرج مع أخوه، لكن دلوقتي؟ ملهوش لازمة. نضّف جروحه، المناديل كلها دم، رماهم بسرعة وبدأ يحط الضمادات الجديدة. صحته النفسية انهارت من بعد ما سمع خبر موت أبوه، وبعدها كل ده حصل. "لازم أخرج أمشي شوية." نزل كُمّه، قفل الباب وخرج. الجو كان حر شوية، لكنه مكنش عايز يرفع كُمّه. مشَى في الشارع، لف حوالين البلوكات، عدّى على شوية محلات تحت. بس كان حاسس بحاجة مش مريحة... حاجة مضايقاه، مش عارف ليه. ماكاو وقف لحظة، بص حواليه، إحساس غريب خلى صدره يضيق. الشارع كان زحمة، ناس بتضحك، أطفال بتجري، والدنيا ماشية كأنها مش شايفة الخراب اللي جواه. كمل ماشي، لكن الإحساس اللي كان مخنوق بيه زاد، كأنه متابع، كأن فيه حاجة مش طبيعية. وفجأة، صرخة عالية شقّت الهدوء، صوت كسر حاجة ورا ضهره، لف بسرعة... بس مكنش في حاجة. حاول يهدي نفسه، يقنع نفسه إنه بيتوهم، بس الخوف اللي كان ماشي معاه طول الفترة اللي فاتت كان دليل إنه مش مأمن. رجع بيته بسرعة، قفل الباب بإحكام، وقف قدام المراية، بص لنفسه، عيونه غارقة، وجهه شاحب، مجرد شبح لشخص كان موجود زمان. فكر... ولو للحظة... إن الحياة دي مش مستنياه، مش فارقة. بص على الشفرة اللي كان لسه سايبها في الحوض، بص على الضمادات اللي بتتبدل كل يوم من غير فايدة. مشاكله متحلتش، وحدته مزادتش غير سوء، كل حاجة حواليه بتأكدله إنه مالوش مكان هنا. مسك الشفرة، إحساسها البارد في إيده كان آخر حاجة هيفتكرها. وبهدوء تام... قرر يختفي. ---------------------- نهايتها زقت لكن أهو بقى

      الكاتبه Jumana

      jumana_681

      الأعمال

      الاَراء

      مغامرات جبال سانت كاترين

      مغامرات جبال سانت كاترين

      2025, Jumana

      روايه مغامرات

      مجانا

      سبعة طلاب دنماركيين يذهبون في رحلة دراسية إلى جبل سانت كاترين في سيناء المصريه، حيث يرافقهم دليل بدوي عجوز. تبدأ الرحلة كمغامرة، لكن سرعان ما تتحول إلى كابوس عندما تبدأ ظواهر غريبة في الظهور—أصوات هامسة، ظلال مجهولة، وشعور مرعب بأنهم ليسوا وحدهم. مع مرور الوقت، يكتشفون أنهم دخلوا في عالم غامض قد لا يخرجون منه أبدًا.

      إريك

      شجاع لكنه يشكك في كل شيء، صاحب نظرة تحليلية

      ماريّا

      أول من رأت "الشخص الغامض" بين الصخور

      هانز

      دائمًا يشكك في الظواهر الغريبة ويحاول إنكارها

      آنّا

      هادئة، تميل للتدوين وتسجيل ملاحظاتها باستمرار
      تم نسخ الرابط
      جبال سانت كاترين

       إحنا سبعة طلاب دنماركيين في رحلة دراسية لمصر، وكان لازم نطلع الجبل كجزء من المغامرة. معانا دليل بدوي، راجل عجوز اسمه الشيخ محمود، وعارف كل شبر في الجبل. قال لنا نتحرك بسرعة قبل ما الليل يدخل علينا
      
      اسمي إريك، وعمري واحد وعشرين سنة. أنا مش من النوع اللي بيخاف بسهولة، بس وأنا فوق جبل سانت كاترين، حلفت إن المكان ده فيه حاجة غلط. الهوى كان بارد لدرجة إنه بيخترق العظم، وكل حاجة حوالينا كانت غريبة.. صمت مش طبيعي، كأن الجبل نفسه ميت.
      
      
      ماريّا، صاحبة الصوت العالي دايمًا، وقفت فجأة وقالت:
      "في حد هناك."
      
      كنا كلنا بنضحك وعايشين اللحظة، بس لما بصّينا في الاتجاه اللي كانت بتشاور عليه، سكتنا تمامًا. بين الصخور، كان في ظلّ.. جسم بني آدم واقف من بعيد، بس ملامحه مش واضحة. ماكنش بيتحرك، ماكنش بيعمل أي حاجة، بس وجوده لوحده كان مرعب.
      
      هانز قال: "أكيد حد من البدو."
      
      الشيخ محمود رد عليه فورًا بصوت حازم: "مافيش حد بيقف هناك."
      
      البرودة زادت، والهوى بقى عامل زي الهمس في وداني. وقفت أراقب الشخص الغامض ده، بس في ثانية واحدة.. اختفى.
      
      مش مشي، مش اتحرك.. اختفى.
      
      وقتها حسيت لأول مرة إن الرحلة دي مش مجرد مغامرة، وإن إحنا دخلنا في حاجة أكبر مننا.
      
      لما الشخص ده اختفى، حسيت بحاجة تلعب في ضهري، كأن في إيد باردة عدّت ورايا من غير ما تلمسني. بصّيت حواليّا بسرعة، بس ماكانش في حد. كنت لابس جاكيت تقيل، بس فجأة حسيت بالهوى يخترق ضهري كأن حد نافخ في ودني.
      
      ماريّا قربت مني وهمست: "إريك، إحنا لازم ننزل."
      
      قبل ما أرد عليها، الشيخ محمود شدّنا بصوته: "كملوا المشي، ماحدّش يقف هنا."
      
      النبرة بتاعته كانت مختلفة، كأنه خايف.. خايف بجد. إحنا كنا فاكرين إنه مجرد دليل سياحي، بس الطريقة اللي كان بيبص بيها حواليه قالت لي إنه شايف حاجات إحنا مش شايفينها.
      
      كملنا طلوع، بس كل ما نتحرك، كان عندي إحساس إن في حد بيتبعنا. كل شوية أبص ورايا، بس مافيش حاجة. أو يمكن في، بس مش ظاهرة.
      
      بعد عشر دقايق مشي وسط البرد والظلمة، وصلنا عند منطقة صخرية واسعة. الشيخ محمود وقف وقال: "هنا هنرتاح شوية."
      
      كنا محتاجينها، لأن التنفس بقى أصعب، مش بسبب الارتفاع، لكن بسبب الإحساس الملعون اللي حوالينا.
      
      قعدنا كلنا، وآنّا، اللي كانت هادية طول الوقت، قالت بصوت متردد: "أنا سامعة حاجة."
      
      ساعتها ساد الصمت تمامًا، كل واحد فينا ركّز في ودنه. الأول كان صوت الهوى، بعدين.. بدأ يظهر صوت تاني.
      
      صوت همس.
      
      مش همس عادي، كان كأنه مجموعة أصوات بتتكلم مع بعض، بكلام مش مفهوم. أقسم بالله كان صوتهم قريب، قريب أوي، كأنهم حوالينا، بس مافيش حد ظاهر.
      
      هانز قام بسرعة وقال: "إيه ده؟ حد بيهزر؟"
      
      الشيخ محمود قام واقف ووشه كان شاحب، وبدون أي كلام، بدأ يمسك سبحة كانت في جيبه ويتمتم بحاجة بصوت واطي.
      
      دي اللحظة اللي فهمت فيها إننا تورّطنا.
      
      
      هانز كان واقف وهو بيبص في الظلام، وكان واضح إنه مش مستوعب اللي بيحصل. بصلي وقال:
      
      "إريك، بتهزروا صح؟ ده مجرد صدى صوت، إحنا فوق جبل، الحاجات دي طبيعية."
      
      قبل ما أرد عليه، سيسيل، اللي كانت دايمًا بتحاول تلاقي تفسير منطقي لأي حاجة، قالت:
      
      "ممكن الهوى بيحرك الصوت من مكان بعيد.. الجبال بتعمل الصدى ده، صح محمود؟"
      
      الشيخ محمود ما ردّش فورًا، كان لسه ماسك سبحته وعنيه بتلف حواليه، وبعد لحظة قال بصوت هادي، لكن مش مطمئن:
      
      "مافيش حد بيتكلم في الجبل غير اللي طلعوا قبلكم.. ولو ماحدّش طلع قبلكم النهارده، يبقى مافيش حد غيركم هنا."
      
      الجملة دي ماكانتش مريحة لأي حد، بس حاولنا نتجاهلها. أخدنا نفس عميق وكملنا كلام عن النشاط اللي المفروض نعمله. الرحلة دي كان جزء منها إننا نوصل لقمة الجبل قبل الفجر علشان نشوف الشروق، وبعدها نكتب تقارير عن التجربة، نوصف الطبيعة والهدوء والمكان.
      
      ماريّا، اللي كانت بتحاول تخرّجنا من الجو المرعب، قالت بابتسامة متوترة:
      
      "بصراحة، المنظر هنا خرافي، حتى مع البرد والهمس الغريب ده."
      
      ضحكت ضحكة قصيرة، لكن محدش ضحك معاها. هانز أخيرًا قعد جنبها وقال:
      
      "إحنا مش لازم نخلّي كل حاجة دراما، إحنا سبع طلاب دنماركيين فوق جبل في مصر، ده لوحده كفاية علشان تبقى مغامرة."
      
      أنا كنت عارف إن هانز بيحاول يخفّف التوتر، بس حسيت إنه بيحاول يطمن نفسه أكتر ما بيطمننا.
      
      "طيب، المفروض نوصل القمة كمان ساعة، صح؟" سألت آنّا وهي بتبص للشيخ محمود.
      
      هو هزّ راسه وقال:
      
      "لو مشيتوا دلوقتي، توصلوا قبل الفجر. بس.. لازم تمشوا بسرعة وما تبصوش وراكم."
      
      الجملة الأخيرة دي ماعجبتنيش خالص، ولا عجبت حد فينا. بس حاولنا ما نركّزش عليها. قمنا وبدأنا نمشي، بس الإحساس اللي كان عندي من شوية رجع تاني..
      
      كأن في حد ماشي ورانا، في الضلمة.. وماشوفهوش.
      
      
      لما وصلنا أخيرًا للغرف البسيطة اللي تحت الجبل، حسّيت براحة مؤقتة. المباني هنا كانت حجرية، صغيرة ومتجمعة حوالين بعض، مصممة عشان تحمينا من الثلوج والبرد اللي بيضرب المكان بالليل. الباب كان خشبي تقيل، مقفول بمزلاج حديد، والنوافذ صغيرة ومتغطية بخشب مقوّى، كأن المكان مبني مخصوص عشان يعزل أي حاجة جوّاه عن العالم الخارجي.
      
      دخلنا بسرعة، وقفلنا الباب ورانا. كانت الغرفة باردة، بس على الأقل كنا محميين من الريح اللي برا. في ركن الغرفة، كان في مدفأة حجرية، والشيخ محمود بدأ يولّع فيها نار بسيطة. ماريّا قعدت على سرير خشبي وقالت وهي بتشد البطانية حواليها:
      
      "أنا حرفيًا مافيش حاجة تهمني دلوقتي غير إني أنام."
      
      هانز رد عليها وهو بيرمي شنطته في الركن:
      
      "وأنا كمان، يوم طويل، ومليان حاجات.. غريبة."
      
      سيسيل كانت واقفة عند النافذة الصغيرة، بتبص برا بعينين مش مرتاحة، وسألت بصوت هادي:
      
      "المكان هنا معروف بقدسيته عند المسيحيين، صح؟"
      
      الشيخ محمود، اللي كان لسه بيرتب حاجته، رفع عينه ليها وقال:
      
      "أيوه، الدير مش بعيد من هنا، فيه رهبان بيعيشوا فيه بقالهم قرون، والمكان كله مقدّس عندهم. بس.." سكت لحظة، وبعدين كمل بصوت أهدى: "فيه حاجات تانية بتحصل هنا، حاجات مش لازم تعرفوها."
      
      أنا رفعت عيني من شنطتي وسألته:
      
      "تقصد إيه؟"
      
      الراجل ما ردّش، بس ملامحه كانت متغيرة. كأنه قال أكتر مما كان المفروض يقوله.
      
      آنّا، اللي كانت بتقلب في الأوراق بتاعتها عشان تكتب ملحوظات للرحلة، قالت:
      
      "أنا قريت قبل ما نيجي إن بعض الناس بيقولوا إن في شعوذة بتحصل هنا، بس دي أكيد خرافات."
      
      الشيخ محمود بص لها وقال بهدوء:
      
      "إنتو سمعتم الهمس، صح؟"
      
      سيسيل التفتت له على طول وسألت بقلق:
      
      "تقصد الصوت اللي سمعناه فوق؟"
      
      "مش فوق بس.." قالها بصوت بالكاد مسموع، وبص للباب المقفول كويس، كأنه خايف إن حد يكون بيسمعنا.
      
      لحظتها، جت هبّة هوا باردة من تحت الباب، والنار في المدفأة اهتزّت كأن حد نفخ فيها. آنّا سابت الورق، وأنا حسّيت بالقشعريرة بتلف جسمي.
      
      لأول مرة، وأنا جوه الغرفة المقفولة، حسّيت إن الحماية اللي حوالينا مش كفاية.. وإن اللي برّا، لو كان موجود فعلًا، ممكن يقدر يدخل في أي وقت.
      
      سيسيل قربت من الباب وحطت إيديها عليه كأنها بتحاول تحس بحاجة، لكن قبل ما تلمسه، الشيخ محمود شدّها بسرعة وهو بيقول بحدة: "ما تمديش إيدك! ما تفتحوش الباب مهما سمعتوا." كلامه كان قاطع وحاسم، والطريقة اللي قالها بيها خلت قلبنا يسقط في رجلينا. كلنا بصينا لبعض، وفي لحظة صمت تقيلة، كل واحد فينا كان بيسأل نفسه السؤال اللي ماكناش عايزين نقوله بصوت عالي: "إحنا لوحدنا هنا؟" ماريّا ضحكت ضحكة عصبية وقالت: "يا جماعة، إحنا أكيد بنهري.. ماحدّش بيفتح الباب وإحنا كلنا تعبانين، المفروض ننام ونبطل تفكير في الحاجات الغريبة دي." هانز كان واقف عند المدفأة، حط إيده على النار كأنه بيتدفى، وقال بصوت هادي: "أنا مش مرتاح هنا، في حاجة غلط، بس بجد تعبت ومش قادر أفكر أكتر من كده." أنا سحبت بطانية وقفلتها حواليّا وأنا براقب الباب.. رغم إن المكان مقفول كويس، كان عندي إحساس إن فيه حاجة تانية هنا، حاجة مش مرئية، لكنها بتتحرك حوالينا، بتسمعنا، ومستنيّة اللحظة المناسبة. الشيخ محمود راح قعد عند المدفأة، خد نفس عميق، وبص لنا وقال بصوت فيه تحذير واضح: "المكان ده شاف حاجات كتير.. الرهبان هنا مقدسين المكان، بس في ناس تانية جم ودوروا على حاجة مش ليهم. اللي بيحصل فوق الجبل مش مجرد خرافات، واللي سمعناه النهارده.. دي كانت أول خطوة بس." قبل ما أي حد يرد، صوت عالي جه من برّا.. دقّة واحدة على الباب. مش دقّات متكررة، مش حد مستعجل.. بس دقّة واحدة تقيلة، كأن حد واقف في الضلمة، مستني ردّنا. سيسيل شهقت، آنّا حطت إيدها على بقها، وهانز بص ليّا بعينين واسعة، وهو بيهمس: "إحنا ماكنّاش لوحدنا." محدش فينا اتحرك، كأننا بقينا تماثيل حجر، حتى أنفاسنا بقت تقيلة وصامتة. مفيش حد مد إيده للباب، مفيش حد حاول حتى يتكلم. كلنا كنا مستنيين… بس مفيش دقّة تانية جت. الشيخ محمود كان هو الوحيد اللي شكله عادي، كأنه متوقّع اللي حصل. قرب من المدفأة، زوّد الحطب جوّاها، وبص لنا وقال: "ماحدّش يفتح الباب.. ماحدّش يبص من الشباك.. ولو سمعتوا أي صوت، طنّشوا." ماريّا بلعت ريقها وقالت بصوت متقطّع: "بس.. بس لو كان حد من الرهبان؟ أو حد محتاج مساعدة؟" محمود بص لها نظرة طويلة قبل ما يرد بهدوء: "اللي برّا مش بني آدم محتاج مساعدة." الجملة دي قتلت أي فرصة للنقاش. كلنا كنا عارفين إننا مش عايزين نعرف أكتر. رجعنا لقعداتنا، بس كنا متوترين، كل واحد لافف نفسه في بطانيته كأنه بيحاول يحمي نفسه من الجو اللي بقى تقيل جوّه القوضة. الدقّة اللي على الباب ما اتكررتش، ومفيش أصوات غريبة تانية حصلت. الجو كان هادي بطريقة غير طبيعية، كأن الجبل نفسه حبس أنفاسه معانا. هانز كان أول واحد استسلم للنوم، وبعده ماريّا اللي كانت متكتفة تحت بطانيتها. واحدة واحدة، كلنا وقعنا في النوم رغم القلق، رغم الرهبة، لأننا كنا محتاجين نصحى بكرة ونعرف إزاي هنكمل الرحلة.. وإيه اللي مستنينا لما نطلع فوق الجبل. صحينا على صوت الشيخ محمود وهو بيخبط على الأبواب الخشبية الصغيرة بقوة: "يالا، قوموا! الدنيا ضوّحت، ووراكم يوم طويل." كان الوقت لسه بدري، حوالي الساعة 7 الصبح، والجو برّه كان بارد لدرجة إن النفس بيطلع زي الضباب. أنا كنت آخر واحد قام من السرير، حسّيت بجسمي متخشّب من النوم المتقطع، لكن لما بصيت حواليّا، لقيت الباقيين تقريبًا في نفس الحالة. ماريّا كانت بتتمطّع وهي بتتمتم: "كنت ممكن أنام شوية كمان، بجد الليلة كانت تقيلة." هانز، اللي كان واقف عند النافذة الصغيرة، بص برّه وقال بصوت شبه متفاجئ: "كل حاجة شكلها طبيعي.. ماحدّش كان برّه بالليل؟" سيسيل، اللي كانت لابسة الجاكيت بتاعها بسرعة عشان تدفي نفسها، ردّت: "محدش عايز يتكلم عن اللي حصل امبارح، خلونا نركز على النهارده." الشيخ محمود دخل علينا الغرفة، وشاور لبرّه وهو بيقول: "هناكل حاجة خفيفة، وبعدها هاخدكم لفتحة في الجبل، فيها نقوش أثرية جميلة للقديسين المسيحيين. هتصوروها، وبعدها ننزل تاني قبل الضلمة." فكرة إننا نطلع للجبل تاني كانت غريبة بالنسبالي، خصوصًا بعد اللي حصل امبارح، لكن محمود كان بيتكلم بثقة كأن مفيش حاجة تستدعي القلق. آنّا سألت وهي بتلبس الشنطة على ضهرها: "والمكان ده بعيد؟" "مش قوي، نص ساعة مشي، بس الطريق صخري ولازم تكونوا مركزين." لبسنا هدومنا كويس، وخرجنا من الغرفة. البرد كان لسه ناشف، لكنه أقل من بالليل. الجو كان ساكت، والمكان حواليّنا مهجور تمامًا، كأننا الوحيدين هنا. ماحدّش كان عايز يتكلم عن الليلة اللي فاتت، وكأننا كلنا قررنا نتجاهلها.. على الأقل، لحد ما نعرف اللي مستنينا فوق الجبل. وأنا طالع من الغرفة، كالعادة سبت شنطتي ومستلزماتي، أصل أنا مش بحب أشيل حاجات كتير وأنا طالع مشوار زي ده. بس وأنا بخرج، لقيت الشيخ محمود واقف عند الباب، كان باصص لي بنظرة غريبة، مش زيه كل مرة. صوته كان أعمق، وأهدى من العادي، وكلامه كان تقيل: "هات حاجتك ويلا.. خلّص." لكن الطريقة اللي قالها بيها ماكنتش لهجته العادية، كأنها لهجة تقيلة، قديمة، أو حتى مش بتاعته! حاجة في نبرة صوته خلت قلبي يدق بسرعة. اتسمرت مكاني لحظة، وبعدها هزّيت راسي من غير كلام، ورجعت بسرعة جبت شنطتي بالكاميرا والمية والحاجات المهمة. لما خرجت تاني، لقيت عيون الشيخ محمود لسه متعلقة بيا، لكنه ساعتها رجع اتكلم بلهجته الطبيعية وقال وهو بيبص للباقيين: "كل واحد واخد حاجته؟ الطريق مش سهل ومش هنرجع قبل الضهر." الباقيين أومأوا برؤوسهم، وسيسيل سألت وهي بتعدل شنطتها: "طب وليه ناخد كل حاجتنا؟ إحنا مش هنبات فوق الجبل." الشيخ محمود ابتسم ابتسامة صغيرة جدًا، بالكاد لاحظتها، وقال بصوت هادي: "إحنا مش هنبات.. بس دايمًا خليك جاهز لكل حاجة." الكلمة دي خلت في توتر بسيط بيننا، بس محدش علّق، كأن كل واحد فينا مش عايز يفتح كلام عن اللي حصل بالليل. أخدنا نفس عميق، وبدأنا رحلتنا لفوق. الصخور كانت خشنة تحت رجلينا، والطريق كان صعب، بس الأهم من ده كله.. إن كل ما كنا نطلع، كنت حاسس إن الجو بيتغير. مش بس البرد اللي زاد، لكن كأن الهوا نفسه بقى تقيل، محمّل بحاجة غريبة، كأن الجبل مش عايزنا نوصل للقمة.
      رسائل أحدث رسائل أقدم الصفحة الرئيسية

      Pages

      authorX

      مؤلفون تلقائي

      نظام شراء