رواية همسة - حب

همسة

2025, سعود

رومانسية

مجانا

الفتاة الواثقة رغم قصر قامتها، تلتقي بشاب غامض بعد مغادرتها حفلة صاخبة مع صديقتها كايا. تنشأ بينهما محادثة مشحونة بالمشاعر والمشاكسات، لكنه يتركها بكلمات غامضة وابتسامة ساحرة قبل أن يختفي بطريقة غريبة، مما يثير في داخلها أسئلة لا إجابة لها.

كاسي جين بيشوب

فتاة واثقة، قصيرة القامة، ذات شعر أحمر وعينين بنيتين ذهبيتين.

الشاب الغامض:

جذاب، ساخر، يملك حضورًا مشوشًا بين الواقع والسراب.

كايا

صديقة كاسي المقربة، تحب الأضواء لكنها تعاني من مشاكل تخفيها بالكحول.
تم نسخ الرابط
رواية همسة

0:00 0:00
 
  ليش دايمًا يصير لي كذا؟ وش سويت عشان أزعّل القدر لهالدرجة؟ ناظرت تحت على جزمة "ماري جين" الجديدة اللي صارت مغطية بالترجيع، وغمضت عيوني بقرف. يييييع، مقرف. راحت علي جزمة جديدة عالفاضي.

"يلا يا كاي، خلينا نرجّعك البيت." سحبت صديقتي المقربة ولفّيت ذراعي حولها، ريحتها كانت خليط بين البيرة القديمة والترجيع. نَفَسها مقرف. كان ودي أخلّيها هنا وأمشي، فكرت بحقد. أصلًا أنا ما كنت أبغى أجي للحفلة الغبية هذي من البداية. بس كالعاده، كانت محاولة ثانية منهم عشان يخلوني أصير جزء من مجموعتهم، وأنا ما كان عندي أي نية إني أنجرف مع تفاهاتهم. شوفي وش صار لي الليلة—جيف حاول يغازلني مَرّة ثانية... يَع، وبعدين الجزمة راحت فيها. قمة في القرف.

"آآآآسفففه..." تمتمت كاي وهي تحاول تمشي بخط مستقيم.

"سيارتك وينها؟" سألتها وأنا أطالع السيارات المتكدسة عند طرف البحيرة.

"جيس..."

يا سلام. تنهدت بضيق. شفت أختها قبل شوي تتهاوش مع حبيبها الفاشل، لكن ما كنت أدري إنها أخذت سيارة كاي ومشت. طلعت جوالي وجربت أتصل عليها، بس زي ما توقعت، راح الاتصال على البريد الصوتي علطول.

يا حلاااااوة. وكأن عندي خيار إني أكلم حبيب كاي يجي ياخذنا، وأهله حشروه الليلة في سهرة عائلية.



يا حلاااااوة. وكأن عندي خيار إني أكلم حبيب كاي يجي ياخذنا، وأهله حشروه الليلة في سهرة عائلية.

قعدت أطالع وسط الزحمة أدور أحد ممكن يعطيني سيارته. ضحكات المراهقين العالية كانت تملأ المكان وهم يرقصون حوالين "المومياء" اللي سووها لفارس بلا رأس، ورأس اليقطينة اللي حطوه له كان مشتعل بالنار، احتفالًا بدخول شهر أكتوبر وطقوس "سماهين". النيران كانت مولّعة على طول الشاطئ عشان يرحبون بأكبر عيد عندنا.

الدخان من النيران كان مغطي المكان، وصعبت عليّ رؤية أي أحد. جيف لمحني ولوّح لي. كان ممكن أطلب منه سيارته، بس ولد الجيران بيحسبها معروف لازم أردّه، وأبدًا مو ناوية أعطيه هالفكرة. هو واحد من أقرب أصدقائي، لكن الولد عنده كراش قوي عليّ، وبالنسبة له، لو أعطاني سيارته، معناته إنه صار عندنا موعد. مستحيل.

ما كان فيه أحد ثاني أعرفه كفاية عشان أطلب منه سيارته.

وفجأة، كاي أصدرت صوت غثيان قوي، وبعدها رجعت على جزمتي مرة ثانية. ليييش أنا؟

"يبدو إننا راح نمشي." الحمد لله بيتها قريب.

سحبت البنت شبه المغمي عليها بعيد عن البحيرة باتجاه أطراف نيو سالم. ما كنت مصدقة إني لازلت أسحبها معي وأرجعها البيت. والله تدين لي بمعروف كبييير.

كان الظلام حالك، بس أعرف طريقي في الغابة. طفولتي كلها قضيتها فيها، أقدر أمشي وأنا مغمضة عيوني. لكن كاي كانت تعقد الأمور أكثر، كل شوي لازم أوقف عشان ترجع.

لما وصلنا أخيرًا لأول بيت بشارعنا، "جالوز لين"، كنت فعلًا مستعدة أتركها وتمشي لحالها.


كاي تأوهت وانهارت للأمام، ساحبةً إياي معها. والآن أقدر أضيف الركب المخدوشة لقائمة المصايب اللي صارت لي الليلة، فكرت وأنا أسقط. لكن قبل ما أوصل للأرض، يد قوية أمسكت بذراعي وسحبتني للخلف. كاي؟ لا، كاي طاحت على وجهها.

التفت عشان أشكر الشخص اللي أنقذني، لكن الكلمات تجمدت بحلقي. رفعت عيوني... ورفعتها أكثر. نور عمود الشارع كان يسلط ضوءه على شعر غامق بلون الشوكولاتة الفاخرة، طويل شوي وواصل لكتفه بطريقة فوضوية لكن مثالية، يحيط بملامح حادة وقوية... كأنه منحوت بدقة.

أول فكرة خطرت لي: كأنه منحوت بيد فنان.

عيونه الرمادية كانت تذكرني بالضباب اللي يلف الجبال بعد المطر، وكانت مثبتة عليّ بهدوء. ذهني تمسك بحقيقة واحدة—الولد وسيم بشكل مش طبيعي.

"أنتِ بخير؟" سألني بصوت عميق وخشن. وعجبني.

هززت راسي، ما وثقت بصوتي في اللحظة ذي. كنت في وضع التحديق اللاإرادي.

نظر لكاي وتنهد، بعدين انحنى وشالها بسهولة بين ذراعيه. التفت لي وسأل: "وين بيتها؟"

"قدّام، نهاية الشارع،" قلت وأنا أحاول أتصرف بشكل طبيعي، بس عيوني كانت مسمرة على عضلاته اللي تحركت تحت التيشيرت لما عدّل وضعية كاي. "شكرًا."

هز راسه بإشارة بسيطة عشان أبدأ أمشي قدامه.

"أنا كاسي جاين بيشوب،" قلت وأنا أمشي جنبه. "سي جي."

يا ساتر، ليه قلت اسمي كامل؟ احنا تعلّمنا من وحنا صغار إنه ما ينفع نقول أسماءنا الكاملة للغرباء، كان شيء ممنوع عندنا. بس عادي، أصلًا أنا ما أؤمن بالخرافات هذي.

"إيثان وارن،" قال وهو يسرّع خطواته.



طيب، يمكن هو ما كان يبغى يتكلم معي. أو يمكن بس مستعجل عشان يبعد عن ريحة القيء والبيرة اليابسة. أتمنى يكون السبب الثاني. بعدين تذكرت جزمتي… أكيد أنا نفسي ريحتي كانت كارثة.

وصلنا بيت كاي بسرعة قياسية. خطواته الطويلة كانت تلتهم الرصيف، ولقيت نفسي شبه أركض عشان ألحق عليه. أكيد طوله فوق الـ١٨٥ سم، وأنا حتى ما أوصل لكتفه.

يبدو أن الحظ قرر يعوضني اليوم، لأن أبوها لسه ما رجع، ولا حتى جيس. فتحت الباب الخلفي بالمفتاح الاحتياطي اللي دايم يخلونه مدفون بين الحصى. كنت بمد يدي عشان أخذ كاي منه، لكنه كان دخل البيت خلاص.

طلعت قبله للدور الثاني عشان أفتح باب الغرفة. دخل ورماها على السرير بكل بساطة. أنا سحبت جزمها وغطيتها بلحاف خفيف.

"يلا يا كاسي جاين بيشوب، أوصلك بيتكم،" قال وهو يستدير ويطلع من الغرفة.

وقفت في مكاني أحدق فيه. مين هذا؟

لقيته واقف عند الباب الخلفي يستناني لما نزلت. قفلت الباب وحطيت المفتاح في جيبي (يعني شافني وأنا آخذه، كيف أضمن إنه ما يرجع؟) وبدينا نمشي في الشارع باتجاه بيتي الصغير والبسيط.

"ليه ما كنتِ تشربين؟" سألني وهو يمشي جنبي.

"كنت بالحفلة؟" سألته وأنا مصدومة.

هز رأسه. "إيه. شفتك إنتِ وصاحبتك السكرانة لما جيتوا، بس طول الليل ما شفتك تشربين ولا شيء."




 
 "لا، أنا ما أشرب." وفعلاً ما كنت أشرب. كنت أشوف وش سوى الكحول في أبوي. مجرد مشاهدة الكارثة اللي كان يعيشها كفاية عشان تبعد أي أحد عن الفكرة نهائيًا، وأنا كنت أولهم. أبوي كان شخص رائع، إلا لما يشرب.

بعد ثوانٍ، استوعبت معنى سؤاله. كيف عرف إني ما شربت؟ هل كان يراقبني طول الحفلة؟ التفتّ له بطرف عيني، ولساني نشف فجأة. القميص الأخضر الضيق اللي كان لابسه كان ماسك على عضلات بطنه بطريقة غير قانونية.

"مثير للاهتمام،" قال بعد لحظة.

مثير للاهتمام؟ وش يقصد؟ هل كان يتوقع إني زي كاي وأسرف في الشرب لين أفقد الوعي؟ بليز لا تفكر إني غبية لهالدرجة، رجوت بصمت. بس ليه يهمني أصلاً هو إيش يفكر عني؟ مو كأنه مهتم فيني أو شيء... صح؟ أو يمكن؟ هل أبغاه يكون مهتم؟ أوه، أكيد، بدون أدنى شك أبغى.

العيون دايم كانت تلاحظ أعز صديقاتي، ماكايلا مارتن، أول. بس ما كان يضايقني هالشيء. كنت واثقة في نفسي زيها بالضبط. كنت دايم أحصل أي شخص أبغاه. أنا وكاي كنا متشابهين في كثير أشياء، لكننا كنا مختلفين زي الفرق بين كعب قوتشي وكعب من محل رخيص.

هي طويلة، بشعر أسود لامع كأنه نار سوداء، وعينين مليانة حياة بلون بندقي يشبه عيون القطط. بشرتها الزيتونية كانت تعطيها مظهر غريب وجذاب. الشباب كانوا يتهافتون بس عشان يلمحوا ابتسامة منها.


أنا؟ قصتي كانت مختلفة شوية. كنت قصيرة، نحيفة، ومليانة بالنار اللي تجري في دم أي شخص عنده جذور أيرلندية وشعره أحمر. شعري كان ملفت للنظر. لا كان بني محمر، ولا كان البرتقالي الباهت اللي بعض أصحاب الشعر الأحمر ينتهوا فيه. لا، شعري كان أحمر دموي، زي علبة كوكاكولا جديدة. عيناي البنية المذهبة كانت بتلمع بنفس ثقة كاي. كنت أقدر ألفت الأنظار زيها تمامًا. وكنت عارفة ده كويس.

شخصياتنا كانت مختلفة زي اختلاف شكلنا. كاي عندها هوس غريب بإنها تكون محور الاهتمام. كانت حرفيًا قوة طبيعية. أما أنا؟ كنت راضية أكون الصديقة الأنيقة اللي دايم عندها أحذية خرافية. ما كنت محتاجة كل الناس تتهافت عليّ، طالما قدرت أحصل على انتباه الشخص اللي أنا عاوزاه. زي الولد اللي كان ماشي جنبي الحين.

وهحصله. يمكن.
بس الريحة ممكن تكون عائق.
كاي هتدفع الثمن بكرة، ده أكيد.

في لحظة، طافت صورة أختي في عقلي، وجهها ظهر قدامي كأنها واقفة هنا فعلًا. لو كانت هنا، كانت هتضحك عليّ لحد ما تدمع عيونها.

"دي بيتي،" قلت وأنا واقفة قدام الفيلا الفيكتورية الصفراء القديمة. كانت محتاجة شوية تصليح، بس كنت بحبها. إيثان تبعني لحد السلالم ووقف تحت ضوء الشرفة.

"شكرًا إنك مشيت معايا،" قلت وأنا برفع عيني له.

ما ردش على طول. لما بصيت له، لقيته بيتفرج عليّ... وابتسامة صغيرة بتلعب على شفايفه. غمازات. عنده غمازات.

"ولا يهمك. توقعت إنك هتحتاجي مساعدة لما شوفتك بتترنحي بعيد عن الحفلة. هي دايمًا بتسكر كده؟"

طبعًا... أكيد شايفها مرشحة كحبيبة محتملة. طبيعي إنه يقلق عليها لو كانت بتشرب كتير. زفرت بضيق. دي ممكن تكون مشكلة.

في لحظات زي دي، كنت بجد بكره صديقتي المقربة.



"لا،" كذبت، وظهرت مهاراتي كأفضل صديقة رغم انزعاجي. الحقيقة إن كاي كانت بتسكر كتير. أنا كنت بتعامل مع مشاكلي في البيت بالكتابة في مذكرتي. هي كانت بتتعامل معاها بالشرب. عقدت حواجبي وأنا فكرة غريبة بتلمع في دماغي.

"استنى لحظة، إنت كنت بتتبعنا؟ مش شايف إن ده تصرف شوية مريب؟"

ابتسم... وركبتايا كادت تذوب. "أيوة، عشان كده قررت أمشي وراكم وأتدخل بس لو كنتي محتاجة مساعدة. إنتِ مجرد حتة صغيرة من القطن. أنا مستغرب إن الأمازونية ما داستش عليكي قبل ما توصلي للطريق."

"إنت قليل الأدب." صغيرة؟ ليه لازم يعلق على قِصري؟

اتسعت ابتسامته.

"وكاي مش دايمًا بتتصرف كده."

"إنتِ مخلصة جدًا، مش كده؟" ضحك وهو بيهز رأسه.

مخلصة؟ صغيرة؟ ده تعليق تاني على حجمي، الحاجة الوحيدة اللي كنت حقيقي مش راضية عنها في شكلي. حسيت بالغضب يتسلل لداخلي. هو بيضايقني عمدًا. هو بجد مزعج.

"هي صاحبتي."

شفتاه ارتفعتا في نصف ابتسامة، وعيناه تحولت من بريق المرح إلى لون رمادي داكن كالفولاذ. "قلت حاجة ضايقتك؟"

"طبعًا لا،" رددت ببرود، رغم إنني ما كنتش قادرة أشيل عيني من عيونه. كانت ساحرة. عمري ما شفت عيون تتغير ألوانها بدرجات مختلفة من الرمادي في ثوانٍ قليلة.



"وعندِك طبع ناري كمان،" تأمل وهو بيميل شوية ويمد إيده عشان يحرك خصلة شعر ساقطة ورا ودني. فجأة حسيت إني مش قادرة أتنفس كويس.

عادةً، أي ولد كان يقرب مني كنت هتهرب فورًا، خصوصًا لو كنت لسه معرفهوش كويس. بس مش معاه. كنت عايزاه يلمسني. غريب جدًا.

إيده كانت دافية، نازلة من عند ودني لحد ما لمست خدي. حسيت وكأن شرارة كهربائية صغيرة مرت على جلدي.

"حاجة تانية عايز تعلق عليها وإنت ماشي في الاتجاه ده بامتياز؟" حاولت أظهر نظرة غاضبة، بس هو كان بيبص لي بطريقة غريبة، كأنه مش قادر يفهم أنا فين بالضبط في الصورة. كأنني القطعة اللي مش بتكمل اللغز مهما حاولت تركبها.

ملامحه بقت جدية وهو بيفكر. "وشك بيحمر جدًا لما بتتعصبي."

هو قال إيه؟!

"وبتطلعي صوت كأنك بتتخنقي لما بتحاولي تمنعي نفسك من الصريخ."

إيدي اتشدت في قبضة.

دورت وفتحت باب البيت. مش معقول هقف هنا وأسمع الكلام ده أكتر من كده.

لكن قبل ما ألحق أدخل، حسيت بإيده تلاقي إيدي وتسحبني ناحيته.

"وعلى الرغم من كل ده، إنتِ أظرف وأحلى حاجة شُفتها من زمان." ابتسم ابتسامة كلها شيطنة.

اتسعت عيناي وسقط فمي قليلًا. هو بيقول إني ظريفة؟!



هشوفك بعدين، كاسي جين بيشوب. قالها وهو بيغمزلي بأنامله على طرف مناخيري قبل ما يلف ويرجع في الطريق اللي جينا منه.

وقفت مكاني، عيني متعلقة بيه وهو بيبعد. هو قال إني ظريفة؟ مستر "جمال يذوب في الفم" شايفني ظريفة؟ ابتسمت، بس لما بصيت لتحت وشوفت جزمة ماري جين بتاعتي، اتنهدت. كايا مدينة ليّا بجزمة جديدة.

هبت نسمة برد، فارتعشت وأنا بتمنى لو الجو كان أدفى شوية. بعد لحظات، حسيت بحرارة دافية بتلفني. أكيد السخان اشتغل، فكرت. على الأقل أمي ما نسيتش تشغله.

رفعت عيني تاني للبقعة اللي اختفى عندها. الغريب إني مالحقتش أشوفه وهو بيلف عند الناصية… كأنه… تلاشى؟ غريب. أكيد عيني تعبانة ومخي بيتهيأ له حاجات، أقنعت نفسي، لكن الابتسامة فضلت مرسومة على شفايفي.

لمست خدي، لسه حاسة بلمسة صوابعه عليه، وإيدي لسه بتوخز من حرارته.

يمكن الدنيا أخيرًا بتبدأ تتحسن.

بس ده لو قدرت أنسى يوم 15 أكتوبر… وأبعد عن قبضة المدينة.
...

هي مو كامله ولكن اريد رأيكم حتى الأن فيها
 

تعليقات

authorX

مؤلفون تلقائي

نظام شراء