موصى به لك

الأقسام

الأفضل شهريًا

    الأعلى تقييمًا

      مغامرات جبال سانت كاترين

      مغامرات جبال سانت كاترين

      2025, Jumana

      روايه مغامرات

      مجانا

      سبعة طلاب دنماركيين يذهبون في رحلة دراسية إلى جبل سانت كاترين في سيناء المصريه، حيث يرافقهم دليل بدوي عجوز. تبدأ الرحلة كمغامرة، لكن سرعان ما تتحول إلى كابوس عندما تبدأ ظواهر غريبة في الظهور—أصوات هامسة، ظلال مجهولة، وشعور مرعب بأنهم ليسوا وحدهم. مع مرور الوقت، يكتشفون أنهم دخلوا في عالم غامض قد لا يخرجون منه أبدًا.

      إريك

      شجاع لكنه يشكك في كل شيء، صاحب نظرة تحليلية

      ماريّا

      أول من رأت "الشخص الغامض" بين الصخور

      هانز

      دائمًا يشكك في الظواهر الغريبة ويحاول إنكارها

      آنّا

      هادئة، تميل للتدوين وتسجيل ملاحظاتها باستمرار
      تم نسخ الرابط
      جبال سانت كاترين

       إحنا سبعة طلاب دنماركيين في رحلة دراسية لمصر، وكان لازم نطلع الجبل كجزء من المغامرة. معانا دليل بدوي، راجل عجوز اسمه الشيخ محمود، وعارف كل شبر في الجبل. قال لنا نتحرك بسرعة قبل ما الليل يدخل علينا
      
      اسمي إريك، وعمري واحد وعشرين سنة. أنا مش من النوع اللي بيخاف بسهولة، بس وأنا فوق جبل سانت كاترين، حلفت إن المكان ده فيه حاجة غلط. الهوى كان بارد لدرجة إنه بيخترق العظم، وكل حاجة حوالينا كانت غريبة.. صمت مش طبيعي، كأن الجبل نفسه ميت.
      
      
      ماريّا، صاحبة الصوت العالي دايمًا، وقفت فجأة وقالت:
      "في حد هناك."
      
      كنا كلنا بنضحك وعايشين اللحظة، بس لما بصّينا في الاتجاه اللي كانت بتشاور عليه، سكتنا تمامًا. بين الصخور، كان في ظلّ.. جسم بني آدم واقف من بعيد، بس ملامحه مش واضحة. ماكنش بيتحرك، ماكنش بيعمل أي حاجة، بس وجوده لوحده كان مرعب.
      
      هانز قال: "أكيد حد من البدو."
      
      الشيخ محمود رد عليه فورًا بصوت حازم: "مافيش حد بيقف هناك."
      
      البرودة زادت، والهوى بقى عامل زي الهمس في وداني. وقفت أراقب الشخص الغامض ده، بس في ثانية واحدة.. اختفى.
      
      مش مشي، مش اتحرك.. اختفى.
      
      وقتها حسيت لأول مرة إن الرحلة دي مش مجرد مغامرة، وإن إحنا دخلنا في حاجة أكبر مننا.
      
      لما الشخص ده اختفى، حسيت بحاجة تلعب في ضهري، كأن في إيد باردة عدّت ورايا من غير ما تلمسني. بصّيت حواليّا بسرعة، بس ماكانش في حد. كنت لابس جاكيت تقيل، بس فجأة حسيت بالهوى يخترق ضهري كأن حد نافخ في ودني.
      
      ماريّا قربت مني وهمست: "إريك، إحنا لازم ننزل."
      
      قبل ما أرد عليها، الشيخ محمود شدّنا بصوته: "كملوا المشي، ماحدّش يقف هنا."
      
      النبرة بتاعته كانت مختلفة، كأنه خايف.. خايف بجد. إحنا كنا فاكرين إنه مجرد دليل سياحي، بس الطريقة اللي كان بيبص بيها حواليه قالت لي إنه شايف حاجات إحنا مش شايفينها.
      
      كملنا طلوع، بس كل ما نتحرك، كان عندي إحساس إن في حد بيتبعنا. كل شوية أبص ورايا، بس مافيش حاجة. أو يمكن في، بس مش ظاهرة.
      
      بعد عشر دقايق مشي وسط البرد والظلمة، وصلنا عند منطقة صخرية واسعة. الشيخ محمود وقف وقال: "هنا هنرتاح شوية."
      
      كنا محتاجينها، لأن التنفس بقى أصعب، مش بسبب الارتفاع، لكن بسبب الإحساس الملعون اللي حوالينا.
      
      قعدنا كلنا، وآنّا، اللي كانت هادية طول الوقت، قالت بصوت متردد: "أنا سامعة حاجة."
      
      ساعتها ساد الصمت تمامًا، كل واحد فينا ركّز في ودنه. الأول كان صوت الهوى، بعدين.. بدأ يظهر صوت تاني.
      
      صوت همس.
      
      مش همس عادي، كان كأنه مجموعة أصوات بتتكلم مع بعض، بكلام مش مفهوم. أقسم بالله كان صوتهم قريب، قريب أوي، كأنهم حوالينا، بس مافيش حد ظاهر.
      
      هانز قام بسرعة وقال: "إيه ده؟ حد بيهزر؟"
      
      الشيخ محمود قام واقف ووشه كان شاحب، وبدون أي كلام، بدأ يمسك سبحة كانت في جيبه ويتمتم بحاجة بصوت واطي.
      
      دي اللحظة اللي فهمت فيها إننا تورّطنا.
      
      
      هانز كان واقف وهو بيبص في الظلام، وكان واضح إنه مش مستوعب اللي بيحصل. بصلي وقال:
      
      "إريك، بتهزروا صح؟ ده مجرد صدى صوت، إحنا فوق جبل، الحاجات دي طبيعية."
      
      قبل ما أرد عليه، سيسيل، اللي كانت دايمًا بتحاول تلاقي تفسير منطقي لأي حاجة، قالت:
      
      "ممكن الهوى بيحرك الصوت من مكان بعيد.. الجبال بتعمل الصدى ده، صح محمود؟"
      
      الشيخ محمود ما ردّش فورًا، كان لسه ماسك سبحته وعنيه بتلف حواليه، وبعد لحظة قال بصوت هادي، لكن مش مطمئن:
      
      "مافيش حد بيتكلم في الجبل غير اللي طلعوا قبلكم.. ولو ماحدّش طلع قبلكم النهارده، يبقى مافيش حد غيركم هنا."
      
      الجملة دي ماكانتش مريحة لأي حد، بس حاولنا نتجاهلها. أخدنا نفس عميق وكملنا كلام عن النشاط اللي المفروض نعمله. الرحلة دي كان جزء منها إننا نوصل لقمة الجبل قبل الفجر علشان نشوف الشروق، وبعدها نكتب تقارير عن التجربة، نوصف الطبيعة والهدوء والمكان.
      
      ماريّا، اللي كانت بتحاول تخرّجنا من الجو المرعب، قالت بابتسامة متوترة:
      
      "بصراحة، المنظر هنا خرافي، حتى مع البرد والهمس الغريب ده."
      
      ضحكت ضحكة قصيرة، لكن محدش ضحك معاها. هانز أخيرًا قعد جنبها وقال:
      
      "إحنا مش لازم نخلّي كل حاجة دراما، إحنا سبع طلاب دنماركيين فوق جبل في مصر، ده لوحده كفاية علشان تبقى مغامرة."
      
      أنا كنت عارف إن هانز بيحاول يخفّف التوتر، بس حسيت إنه بيحاول يطمن نفسه أكتر ما بيطمننا.
      
      "طيب، المفروض نوصل القمة كمان ساعة، صح؟" سألت آنّا وهي بتبص للشيخ محمود.
      
      هو هزّ راسه وقال:
      
      "لو مشيتوا دلوقتي، توصلوا قبل الفجر. بس.. لازم تمشوا بسرعة وما تبصوش وراكم."
      
      الجملة الأخيرة دي ماعجبتنيش خالص، ولا عجبت حد فينا. بس حاولنا ما نركّزش عليها. قمنا وبدأنا نمشي، بس الإحساس اللي كان عندي من شوية رجع تاني..
      
      كأن في حد ماشي ورانا، في الضلمة.. وماشوفهوش.
      
      
      لما وصلنا أخيرًا للغرف البسيطة اللي تحت الجبل، حسّيت براحة مؤقتة. المباني هنا كانت حجرية، صغيرة ومتجمعة حوالين بعض، مصممة عشان تحمينا من الثلوج والبرد اللي بيضرب المكان بالليل. الباب كان خشبي تقيل، مقفول بمزلاج حديد، والنوافذ صغيرة ومتغطية بخشب مقوّى، كأن المكان مبني مخصوص عشان يعزل أي حاجة جوّاه عن العالم الخارجي.
      
      دخلنا بسرعة، وقفلنا الباب ورانا. كانت الغرفة باردة، بس على الأقل كنا محميين من الريح اللي برا. في ركن الغرفة، كان في مدفأة حجرية، والشيخ محمود بدأ يولّع فيها نار بسيطة. ماريّا قعدت على سرير خشبي وقالت وهي بتشد البطانية حواليها:
      
      "أنا حرفيًا مافيش حاجة تهمني دلوقتي غير إني أنام."
      
      هانز رد عليها وهو بيرمي شنطته في الركن:
      
      "وأنا كمان، يوم طويل، ومليان حاجات.. غريبة."
      
      سيسيل كانت واقفة عند النافذة الصغيرة، بتبص برا بعينين مش مرتاحة، وسألت بصوت هادي:
      
      "المكان هنا معروف بقدسيته عند المسيحيين، صح؟"
      
      الشيخ محمود، اللي كان لسه بيرتب حاجته، رفع عينه ليها وقال:
      
      "أيوه، الدير مش بعيد من هنا، فيه رهبان بيعيشوا فيه بقالهم قرون، والمكان كله مقدّس عندهم. بس.." سكت لحظة، وبعدين كمل بصوت أهدى: "فيه حاجات تانية بتحصل هنا، حاجات مش لازم تعرفوها."
      
      أنا رفعت عيني من شنطتي وسألته:
      
      "تقصد إيه؟"
      
      الراجل ما ردّش، بس ملامحه كانت متغيرة. كأنه قال أكتر مما كان المفروض يقوله.
      
      آنّا، اللي كانت بتقلب في الأوراق بتاعتها عشان تكتب ملحوظات للرحلة، قالت:
      
      "أنا قريت قبل ما نيجي إن بعض الناس بيقولوا إن في شعوذة بتحصل هنا، بس دي أكيد خرافات."
      
      الشيخ محمود بص لها وقال بهدوء:
      
      "إنتو سمعتم الهمس، صح؟"
      
      سيسيل التفتت له على طول وسألت بقلق:
      
      "تقصد الصوت اللي سمعناه فوق؟"
      
      "مش فوق بس.." قالها بصوت بالكاد مسموع، وبص للباب المقفول كويس، كأنه خايف إن حد يكون بيسمعنا.
      
      لحظتها، جت هبّة هوا باردة من تحت الباب، والنار في المدفأة اهتزّت كأن حد نفخ فيها. آنّا سابت الورق، وأنا حسّيت بالقشعريرة بتلف جسمي.
      
      لأول مرة، وأنا جوه الغرفة المقفولة، حسّيت إن الحماية اللي حوالينا مش كفاية.. وإن اللي برّا، لو كان موجود فعلًا، ممكن يقدر يدخل في أي وقت.
      
      سيسيل قربت من الباب وحطت إيديها عليه كأنها بتحاول تحس بحاجة، لكن قبل ما تلمسه، الشيخ محمود شدّها بسرعة وهو بيقول بحدة: "ما تمديش إيدك! ما تفتحوش الباب مهما سمعتوا." كلامه كان قاطع وحاسم، والطريقة اللي قالها بيها خلت قلبنا يسقط في رجلينا. كلنا بصينا لبعض، وفي لحظة صمت تقيلة، كل واحد فينا كان بيسأل نفسه السؤال اللي ماكناش عايزين نقوله بصوت عالي: "إحنا لوحدنا هنا؟" ماريّا ضحكت ضحكة عصبية وقالت: "يا جماعة، إحنا أكيد بنهري.. ماحدّش بيفتح الباب وإحنا كلنا تعبانين، المفروض ننام ونبطل تفكير في الحاجات الغريبة دي." هانز كان واقف عند المدفأة، حط إيده على النار كأنه بيتدفى، وقال بصوت هادي: "أنا مش مرتاح هنا، في حاجة غلط، بس بجد تعبت ومش قادر أفكر أكتر من كده." أنا سحبت بطانية وقفلتها حواليّا وأنا براقب الباب.. رغم إن المكان مقفول كويس، كان عندي إحساس إن فيه حاجة تانية هنا، حاجة مش مرئية، لكنها بتتحرك حوالينا، بتسمعنا، ومستنيّة اللحظة المناسبة. الشيخ محمود راح قعد عند المدفأة، خد نفس عميق، وبص لنا وقال بصوت فيه تحذير واضح: "المكان ده شاف حاجات كتير.. الرهبان هنا مقدسين المكان، بس في ناس تانية جم ودوروا على حاجة مش ليهم. اللي بيحصل فوق الجبل مش مجرد خرافات، واللي سمعناه النهارده.. دي كانت أول خطوة بس." قبل ما أي حد يرد، صوت عالي جه من برّا.. دقّة واحدة على الباب. مش دقّات متكررة، مش حد مستعجل.. بس دقّة واحدة تقيلة، كأن حد واقف في الضلمة، مستني ردّنا. سيسيل شهقت، آنّا حطت إيدها على بقها، وهانز بص ليّا بعينين واسعة، وهو بيهمس: "إحنا ماكنّاش لوحدنا." محدش فينا اتحرك، كأننا بقينا تماثيل حجر، حتى أنفاسنا بقت تقيلة وصامتة. مفيش حد مد إيده للباب، مفيش حد حاول حتى يتكلم. كلنا كنا مستنيين… بس مفيش دقّة تانية جت. الشيخ محمود كان هو الوحيد اللي شكله عادي، كأنه متوقّع اللي حصل. قرب من المدفأة، زوّد الحطب جوّاها، وبص لنا وقال: "ماحدّش يفتح الباب.. ماحدّش يبص من الشباك.. ولو سمعتوا أي صوت، طنّشوا." ماريّا بلعت ريقها وقالت بصوت متقطّع: "بس.. بس لو كان حد من الرهبان؟ أو حد محتاج مساعدة؟" محمود بص لها نظرة طويلة قبل ما يرد بهدوء: "اللي برّا مش بني آدم محتاج مساعدة." الجملة دي قتلت أي فرصة للنقاش. كلنا كنا عارفين إننا مش عايزين نعرف أكتر. رجعنا لقعداتنا، بس كنا متوترين، كل واحد لافف نفسه في بطانيته كأنه بيحاول يحمي نفسه من الجو اللي بقى تقيل جوّه القوضة. الدقّة اللي على الباب ما اتكررتش، ومفيش أصوات غريبة تانية حصلت. الجو كان هادي بطريقة غير طبيعية، كأن الجبل نفسه حبس أنفاسه معانا. هانز كان أول واحد استسلم للنوم، وبعده ماريّا اللي كانت متكتفة تحت بطانيتها. واحدة واحدة، كلنا وقعنا في النوم رغم القلق، رغم الرهبة، لأننا كنا محتاجين نصحى بكرة ونعرف إزاي هنكمل الرحلة.. وإيه اللي مستنينا لما نطلع فوق الجبل. صحينا على صوت الشيخ محمود وهو بيخبط على الأبواب الخشبية الصغيرة بقوة: "يالا، قوموا! الدنيا ضوّحت، ووراكم يوم طويل." كان الوقت لسه بدري، حوالي الساعة 7 الصبح، والجو برّه كان بارد لدرجة إن النفس بيطلع زي الضباب. أنا كنت آخر واحد قام من السرير، حسّيت بجسمي متخشّب من النوم المتقطع، لكن لما بصيت حواليّا، لقيت الباقيين تقريبًا في نفس الحالة. ماريّا كانت بتتمطّع وهي بتتمتم: "كنت ممكن أنام شوية كمان، بجد الليلة كانت تقيلة." هانز، اللي كان واقف عند النافذة الصغيرة، بص برّه وقال بصوت شبه متفاجئ: "كل حاجة شكلها طبيعي.. ماحدّش كان برّه بالليل؟" سيسيل، اللي كانت لابسة الجاكيت بتاعها بسرعة عشان تدفي نفسها، ردّت: "محدش عايز يتكلم عن اللي حصل امبارح، خلونا نركز على النهارده." الشيخ محمود دخل علينا الغرفة، وشاور لبرّه وهو بيقول: "هناكل حاجة خفيفة، وبعدها هاخدكم لفتحة في الجبل، فيها نقوش أثرية جميلة للقديسين المسيحيين. هتصوروها، وبعدها ننزل تاني قبل الضلمة." فكرة إننا نطلع للجبل تاني كانت غريبة بالنسبالي، خصوصًا بعد اللي حصل امبارح، لكن محمود كان بيتكلم بثقة كأن مفيش حاجة تستدعي القلق. آنّا سألت وهي بتلبس الشنطة على ضهرها: "والمكان ده بعيد؟" "مش قوي، نص ساعة مشي، بس الطريق صخري ولازم تكونوا مركزين." لبسنا هدومنا كويس، وخرجنا من الغرفة. البرد كان لسه ناشف، لكنه أقل من بالليل. الجو كان ساكت، والمكان حواليّنا مهجور تمامًا، كأننا الوحيدين هنا. ماحدّش كان عايز يتكلم عن الليلة اللي فاتت، وكأننا كلنا قررنا نتجاهلها.. على الأقل، لحد ما نعرف اللي مستنينا فوق الجبل. وأنا طالع من الغرفة، كالعادة سبت شنطتي ومستلزماتي، أصل أنا مش بحب أشيل حاجات كتير وأنا طالع مشوار زي ده. بس وأنا بخرج، لقيت الشيخ محمود واقف عند الباب، كان باصص لي بنظرة غريبة، مش زيه كل مرة. صوته كان أعمق، وأهدى من العادي، وكلامه كان تقيل: "هات حاجتك ويلا.. خلّص." لكن الطريقة اللي قالها بيها ماكنتش لهجته العادية، كأنها لهجة تقيلة، قديمة، أو حتى مش بتاعته! حاجة في نبرة صوته خلت قلبي يدق بسرعة. اتسمرت مكاني لحظة، وبعدها هزّيت راسي من غير كلام، ورجعت بسرعة جبت شنطتي بالكاميرا والمية والحاجات المهمة. لما خرجت تاني، لقيت عيون الشيخ محمود لسه متعلقة بيا، لكنه ساعتها رجع اتكلم بلهجته الطبيعية وقال وهو بيبص للباقيين: "كل واحد واخد حاجته؟ الطريق مش سهل ومش هنرجع قبل الضهر." الباقيين أومأوا برؤوسهم، وسيسيل سألت وهي بتعدل شنطتها: "طب وليه ناخد كل حاجتنا؟ إحنا مش هنبات فوق الجبل." الشيخ محمود ابتسم ابتسامة صغيرة جدًا، بالكاد لاحظتها، وقال بصوت هادي: "إحنا مش هنبات.. بس دايمًا خليك جاهز لكل حاجة." الكلمة دي خلت في توتر بسيط بيننا، بس محدش علّق، كأن كل واحد فينا مش عايز يفتح كلام عن اللي حصل بالليل. أخدنا نفس عميق، وبدأنا رحلتنا لفوق. الصخور كانت خشنة تحت رجلينا، والطريق كان صعب، بس الأهم من ده كله.. إن كل ما كنا نطلع، كنت حاسس إن الجو بيتغير. مش بس البرد اللي زاد، لكن كأن الهوا نفسه بقى تقيل، محمّل بحاجة غريبة، كأن الجبل مش عايزنا نوصل للقمة.

      روايه رحلتي - الفصل 24

      رحلتي مع القدر

      2025, خضراء سعيد

      دراما نفسيه

      مجانا

      يارا، تعود إلى بلدها بعد غياب طويل، لتجد نفسها وسط عائلة لم تعش معها من قبل، محاطة بأشخاص جدد يحملون لها مشاعر مختلفة. بين الحنين والغموض، تحاول التأقلم مع حياتها الجديدة، بينما تنجذب إلى أحد الشبان الذين يستقبلونها، دون أن تدرك أن ماضيها قد يحمل مفاجآت غير متوقعة.

      يارا

      فتاة هادئة وحساسة، تحمل ذكريات غامضة عن ماضيها، وتواجه مشاعر متضاربة في رحلتها الجديدة.

      فؤاد

      شاب مرح وحيوي، يعتبر يارا كأخته، يحاول جعلها تشعر بالراحة منذ لحظة وصولها.

      السيدة الباكية

      امرأة حنونة، تذرف دموع الفرح عند رؤية يارا، وتحمل لها مشاعر دفينة قد تكشف الكثير عن ماضيها.
      تم نسخ الرابط
      رحلتي

       
      ولا داعي لأن تخاف.
      بينما جلست يارا بجانب والدها في القطار، 
      
      كانت عيناها تتنقلان بين الوجوه المتحركة حولها.
      رجل يرتشف قهوته بهدوء، ينظر من النافذة وكأنه غارق في أفكاره،
      
      بينما تتشابك أصابعه على الكوب الدافئ. شابة تجلس على الجانب الآخر، تتحدث في هاتفها بصوت خافت، شفاهها تتحرك بسرعة بينما تهز رأسها بين الحين والآخر.
      طفل صغير يقفز على المقعد بجوار والدته، تبتسم له بحنان وتحاول تهدئته، بينما يجذب انتباهه صوت بائع متجول يعرض بضاعته للركاب بصوت رخيم. بالقرب من الباب، يقف رجل مسنّ مستندًا إلى عصاه، يراقب المشهد بعينين تحملان حكايا الزمن، في حين يمد له شاب يده لمساعدته على الجلوس.
      القطار يهتز برفق، وعجلاته تنزلق بسلاسة على القضبان، فيما تتداخل أصوات الركاب مع صفير الرياح خلف النوافذ. يارا تتأمل كل ذلك بصمت، وكأنها تلتقط مشاهد من مسرحية متحركة، حيث يكتب كل راكب سطرًا جديدًا في قصته الخاصة. شعرت يارا بالنعاس وتحاول جاهده أن لا تنام فاحتضنها: نامي يا حبيبتي
      فاغمضت عينيها ونامت فقبل جبينها وبعد فترة وصل القطار لوجهته استيقظت وهي تلمح انعكاس صورتها على نافذة القطار للحظة قبل أن تستدير نحو المخرج، أو تمر بجانب أكشاك الجرائد والمطاعم الصغيرة بينما تتسارع خطواتها تدفق الهواء البارد من الخارج،
      
      ارتفع هدير المحرك، ثم خطت سريعًا على الرصيف، تحاول الحفاظ على توازنها وسط حركة الركاب المتجهين للصعود والنزول.
      
      سمعت صوت احتكاك العجلات بالسكة الحديدية أو لاحظت رائحة المعدن والوقود.
      
      
      بمجرد خروجها،تحرر الهواء من رائحة القطار، وصوت السيارات وضجيج المدينة أصبح أكثر وضوحًا.
      البحث بنظراتها: رفعت يدها تحجب الشمس عن عينيها، بحثت في الوجوه، حتى رأته واقفًا هناك، تسارعت أنفاسها، ربما راودها شعور بالراحة فاتجهت نحو والدها فلمحت معه عده شباب فخجلت من أن تتقدم فتقدم نحوها أحدهم وضمها وهي مصدومة 
      
      فقال:نورتي البلد يا قلب اخوكِي أسمي فؤاد يالله نروح وترتاحي فذهبت معه وهي تتأمل المناظر وتستمع إلى أحاديثهم وترى نظرات أحدهم موجهه لها ويبتسم لها فابعدت نظراتها وتنظر للبحر
      
      فوصلوا للحي وتوقفت السيارة أمام قصر كبير تحيطه حديقة جميلة فنزلت يارا برفقتهم فسبقوها وكان أحدهم ينتظر دخولها فسمعته يقول لها بهيام:نورتي قلبي يا نونه اتفضلي البيت بيتك فدخلت وهي مستغربه. فتفاجأت بتلك السيدة التي تذرف دموع الفرح وتتوجه ناحيتها وضمتها بحنان وظلت تقبلها وتبكي
      
      

      رقصة تحت ضوء القمر

      رقصة تحت ضوء القمر

      2025, مينا مسعود

      روايه حب تاريخيه

      مجانا

      قصة رومانسية اجتماعية تدور أحداثها في العصر الفيكتوري، حيث تخضع الفتيات لقيود المجتمع وقواعده الصارمة بشأن الزواج والمظهر اللائق. وسط هذا العالم المليء بالقيود، تعيش البطلة كريسي مارتن، فتاة شابة تتمتع بروح حرة وفضول لا حدود له، لكنها تجد نفسها عالقة بين رغباتها الشخصية وتوقعات والدتها المتسلطة.

      كريسي مارتن

      فتاة في السادسة عشرة من عمرها، ذكية وحادة الملاحظة لكنها تعاني من قيود المجتمع الراقي. تحب السباحة وتشعر أنها محاصرة بين توقعات والدتها ورغباتها الحقيقية.

      جيم دينهام:

      شاب غامض ذو روح مرحة لكنه متوتر في المواقف الاجتماعية. رغم كونه من عائلة نبيلة، إلا أنه يبدو مختلفًا عن الآخرين، مما يجذب كريسي إليه بشكل غير متوقع.

      السيدة مارتن

      والدة كريسي، امرأة طموحة تسعى لتزويج ابنتها لرجل مناسب وفقًا لمعايير المجتمع، مما يجعلها تضغط على كريسي في اختيار شركاء الرقص والحديث خلال المناسبات
      تم نسخ الرابط
      رقصة تحت ضوء القمر

      0:00 0:00
        في نوفمبر 1811
      
      كرسيدا مارتن ماكانتش فاكرة حاجات كتير عن حياتها قبل ما والدها يسافر فرنسا.
      كانت ساعات بتحب تتخيل إنه ساب البيت عشان سبب نبيل، زي الرجالة التانية اللي بيحاربوا عشان الملك والبلد. كانت بتحب تتخيل نفسها هي ووالدتها مستنيين رجوعه بانتصار، وهم محافظين على البيت بكل إخلاص.
      
      لكن الحقيقة إنه عمره ما رجع. ولا كان هيرجع أبدًا.
      
      والدتها، مدام آن مارتن، كانت عارفة ده كويس.
      كانت بتتصرف قدام الناس كأنها تمام، مبتورّيش ضعفها لأي حد. هي كرهت فكرة إنها تبقى الست اللي جوزها سابها، وفضلت تعيش في دور الأرملة. الناس كانوا عارفين الحقيقة، عارفين إن مستر مارتن كان راجل لعوب وسابهم، لكن محدش كان بيجرؤ يجيب سيرته قدامها من باب الذوق.
      
      كرسي كانت راقدة في سريرها بتبص على والدتها وهي بتحط بودرة على وشها، بودرة من خلطة هي اللي عملتها بنفسها. زمان كان عندها عطور ومساحيق تجميل، لكن من زمان وهي خلصت، فاضطرت تلاقي طرق أرخص عشان تحافظ على جمالها الطبيعي.
      
      
      
      مدام مارتن كانت في شبابها من أجمل البنات، ولسه محتفظة بجمالها اللي كان بيخلي الخطاب يدقوا بابها زمان.
      
      — "القَسِّيس طمّنّي إننا هنتعرف على الدوق والدوقة النهارده، كريسي"، قالتها والدتها بحماس متوتر وهي بتقرص خدودها عشان تديها لون قبل ما تقوم من على التسريحة الصغيرة. مشيت ناحية السرير ووقفت قدام كريسي، بتبص لها بنظرة ناقدة وحواجب مرفوعة وعيونها الرمادي المائل للأخضر ديقة.
      
      — "تقصدين إن القَسِّيس بيحاول يروّج لي عند الدوق والدوقة الليلة؟" ردّت كريسي بتهكم قبل ما تعض لسانها.
      
      والدتها رفعت حواجبها باستنكار:
      — "طلّعي كل التعليقات اللي عندك دلوقتي، عشان مش عايزة أسمع منك ولا كلمة النهارده إلا لو كانت ناعمة، جذابة أو لطيفة!"
      
      كريسي تنهدت بملل ورمت راسها على السرير، لكن أمها زعقت فيها على طول عشان كانت هتبوظ التسريحة اللي قعدت ساعة تثبتها فيها.
      
      ضحكت مدام مارتن بسخرية وقالت:
      — "كأنها فاكرة إننا عندنا فلوس تكفينا عشان تفضل تلعب زي العيال شوية كمان."
      
      كانت بتتكلم كأنها بتقول الكلام لنفسها، لكن كريسي عرفت كويس إن الجملة دي مقصودة عشان تحسسها بالذنب.
      
      هي أصلًا عارفة حالهم المالي السيئ من وهي طفلة. بس الصراحة، هي لسه حاسة إنها طفلة، لسه مش مكملة السبعة عشر، وده مش هيحصل غير في أبريل الجاي.
      
      
      كريسي بقالها كتير ماحستش إن في حاجة ثابتة في حياتها. بالكاد تفتكر الإحساس ده، زي ما بالكاد تفتكر الوقت اللي أهلها كانوا عايشين فيه مع بعض كزوج وزوجة.
      
      اتعودت على فكرة إنها تشيل نفسها في أي لحظة وتسافر بحقيبة واحدة فيها كل اللي تملكه. هي ووالدتها كانوا بيعتمدوا على كرم الأصدقاء والجيران والقرايب القليلين اللي لسه عايشين. في الشتا، كانوا بيقعدوا في لندن في شقة تبع واحد من قرايب مدام مارتن. كريسي كانت بتكره لندن في الشتا، بس عمرها ما اشتكت.
      
      أما الصيف، فكان بيتقسم ما بين أبرشية بريملي وسيابريدج. بريملي كانت أبرشية صغيرة في ديربيشاير، قريبة من الضيعة اللي كريسي اتولدت فيها وعاشت فيها طفولتها الأولى. القَسِّيس هناك كان لسه بيعامل مدام مارتن كويس وساعدها تأجر كوخ صغير كان أصحابه سابوه وسافروا اسكتلندا.
      
      وفي سيابريدج، والدتها كان عندها نفس الترتيبات تقريبًا.
      
      
      
      
      أو على الأقل، ده كان زمان. السنة اللي فاتت كانت أصعب سنة عليهم على الإطلاق. يمكن من بعد السنة اللي مستر مارتن سافر فيها لفرنسا بطريقة أبعد ما تكون عن الشرف. القَسِّيس اللي كان بيساعدهم مات، وغيابه كان مؤلم جدًا لكريسي ومدام مارتن. بس الألم ماكانش المشكلة الوحيدة، لأنهم كمان بقوا مش عارفين هيعملوا إيه لحد ما يجي الشتاء ويقدروا يروحوا لندن.
      
      أشفود كان مجرد صدفة. مدام مارتن شافت إعلان عن كوخ للإيجار في الأبرشية بسعر معقول. مدة الإيجار كانت قصيرة، ولما وصلوا هناك، فهموا ليه السعر كان بالشكل ده—المكان صغير وحالته مش قد كده.
      
      — "كريسي..." قالت مدام مارتن اسم بنتها بزفرة مليانة تعاطف، قبل ما تقعد جنبها على السرير وتسحبها بلطف.
      
      كريسي سمعت الكلام واستسلمت، مالت برأسها على كتف والدتها، ومدام مارتن حاوطتها بإيديها بحنان.
      
      — "محدش بيحاول يروّج لحد"، قالتها مدام مارتن بصوت هادي. "إحنا بس عندنا الليلة دي عشان نتعرف على الدوق والدوقة، ونكسب رضاهم، عشان نقدر نستفيد من العلاقة دي السنة الجاية في الموسم. فكّري في الناس اللي يعرفوهم، في الرجالة اللي ممكن يساعدونا. كل اللي محتاجينه هو صديق يوقف جنبك في أول ظهور ليكي، وساعتها كل مشاكلنا هتتحل."
      
      كريسي سمعت الكلام ده ألف مرة قبل كده. كانت عارفة هي المفروض تعمل إيه. كانت فاهمة كل واجباتها والتزاماتها. والدتها كانت شاطرة جدًا في إنها تحسسها بالذنب وتاخد اللي عايزاه منها. وكريسي هتعمل اللي أمها طلبته منها، مفيش شك في كده... بس ده مش معناه إنها لازم تكون مبسوطة بيه.
       

      كريسي سحبت دراعها من تحت إيد والدتها ووقفت، عدّت الأوضة الصغيرة بخطوات سريعة ووقفت عند الشباك الصغير اللي كان مفتوح على الهوى البارد بتاع الليل. أوضة السطح كانت بتبقى خانقة جدًا، فكان لازم يتهوّى كل شوية. — "بس برضه حاسه إنه تسويق، يا ماما"، قالتها كريسي بجفاف. "أنا مش مستعدة أصلًا للجواز." مستحيل كانت تجرؤ تقولها بصوت عالي، بس جواها كانت متأكدة إن والدتها بتحاول تكرر حياتها فيها. مدام مارتن اتجوزت من تمنتاشر سنة في موسم لندن. كانت بنت صالحة للزواج، ومستربمارتن كان واحد من المعجبين بيها. والنتيجة؟ دلوقتي مدام مارتن بقت ست فقيرة بتمثل دور الأرملة، ومستربمارتن عايش في جنوب فرنسا مع واحدة أكبر من كريسي بسنتين ومعاهم طفل رضيع. حاليًا يعني، بس مدام مارتن عندها طرقها لمعرفة أخباره، وبتتصرف كأن كريسي مش عارفة أي حاجة عن الموضوع. الحقيقة إن مستربمارتن كان بيحب الستات الصغيرين، وعنده على الأقل ست عيال غير شرعيين وعشيقات سايبهم في فرنسا. التصرفات دي ما كانتش مشجعة خالص لكريسي إنها تفكر في أي "جنتلمان" تاني. — "يا كريسي يا حبيبتي، إحنا هنلاقي لك شخص ساحر، وهتبقي سعيدة"، قالتها مدام مارتن بنبرة مشجعة. "أنا واثقة من ده. ومتأكدة إن علاقتنا بالدوق والدوقة، وكمان الدوقة الأرملة، هتفيدنا جدًا. أنا بشوفهم في الكنيسة، وباين عليهم إنهم ناس متدينين جدًا." كريسي كانت عارفة إن والدتها نيتها كويسة، بس في أعماق قلبها، كانت متأكدة إن ده مش هيكون له أي فرق في النهاية. أمها هتشتغل أكتر من أي حد مع بداية الموسم، وفي الآخر هتتجوز أغنى راجل يقدروا يلاقوه، واحد ما يهموش إنها ما عندهاش مهر. الفكرة نفسها كانت بتقرفها، وعارفة إنها هتفضل تحارب عشان تخرجها من دماغها طول الليل. حفلة الشتاء كانت الحدث الأكبر في الموسم الاجتماعي لأشفود، وكل حد تقريبًا شافته كريسي من يوم ما وصلت كان موجود، بيضحك، بيرقص، وبيتصرف بحرية تامة. أما مدام مارتن، فمكانتش جاية عشان تضحك. أول ما عيلة بيريسفورد تم الإعلان عن وصولهم للقاعة، مسكت كريسي من دراعها وسحبتها ناحيتهم بكل إصرار. كريسي حاولت تبطّئ خطواتها وهي بتحاول تقاوم، بس أمها كانت مصممة وهي بتشدها وسط الطابور اللي كان متجمع بالفعل عشان يتعرّف على عيلة بيريسفورد اللي لسه واصلة. كانت حاسة بخجل وضيق، وكأنها، أكتر من أي وقت فات، معروضة للبيع. بصعوبة قدرت تلمح أي بنت تانية في سنها في الأوضة. غالبًا لسه قاعدين في البيت بفساتينهم القصيرة اللي أطرافها فوق الكاحل، مش لابسين زي السيدات الكبار زيها. سألت نفسها، لو كانت ظروفهم المادية أحسن، يا ترى كانت أمها هتصمم إنها تخرج للمجتمع وهي لسه صغيرة كده؟ حبت تصدق إن الإجابة كانت هتكون "لأ". أول ما مدام مارتن وكريسي وصلوا لأول الطابور، همست في ودن بنتها بحدة، "بسم الله، ابتسمي بقى!" "أصحاب السمو، اسمحوا لي أقدّم لكم مدام مارتن، وبنتها الآنسة كريسيدا مارتن. مدام مارتن، آنسة مارتن، أعرّفكم بأصحاب السمو، دوق ودوقة أشفود، ودوقة أشفود الأرملة." الكاهن نطق بالكلمات رسميًا، وكريسي وأمها انحنوا باحترام. كريسي حاولت تطيع أمها وقدرت تطلع ابتسامة، رغم إنها مش متأكدة كانت عاملة إزاي مع التوتر اللي حاساه. رغم إنها مكرهة على فكرة "التسويق" اللي أمها بتعمله لها، بس الوقوف قدام دوق ودوقتين كان مرعب بصراحة. الدوقة الكبيرة كان شكلها فخم جدًا، لدرجة إن كريسي حسّت إنها مش قادرة تبصّ في عينيها. أما الدوق فكان باين عليه دفء أكتر، بينما الدوقة كانت ملامحها مليانة رُقي وطيبة. عنيها الزرقا كانت مليانة لطف واضح. "لنا الشرف الكبير إننا نقابلكم، أصحاب السمو." قالتها مدام مارتن بحماس، وكريسي سمعت الصدق في كل كلمة من كلام أمها. بعد كده، زقت كريسي لقدام، حاطاها مباشرةً قدام الثلاثة نبلاء. كريسي حسّت خدودها بتحمر وهي بتحاول تلاقي أي كلمة تقولها، وطلعت منها بتهتهة محرجة، "نعم، أنا أوافق أمي… أنا م-مسرو..رة جدًا." مدام مارتن عمرها ما نسيت إزاي تتصرف في قاعات الحفلات. طريقتها الواثقة في الكلام مع عيلة بيريسفورد كانت تخلي أي حد يفتكر إنها واحدة منهم. وهي بتوزّع المجاملات وبتتكلم عن الاحتفالات، فجأة، الدوقة اتقدمت وخدت كريسي من دراعها بلُطف. كريسي كانت متفاجئة جدًا لدرجة إنها مش عارفة ترد تقول إيه! قالت الدوقة بصوت ناعم وهي بتبدأ تمشي جنب كريسي، "إنتِ جميلة جدًا الليلة، آنسة مارتن." كريسي مشيت معاها وهي بتاخدها ناحية اتنين رجالة وست واقفين مع بعض. كانت شافت الرجالة دول قبل كده، لكن ماكانتش تعرفهم، ونفس الشيء بالنسبة للست. الأكبر فيهم كان راجل طويل ووسيم، جسمه ممشوق ومتناسق. عنيه الزرقا كانت متناسقة مع شعره الغامق، وبشرته كانت ناعمة وفاتحة. كان واقف بثقة جنب الست، اللي واضح إنها كانت شريكته. كريسي كانت عارفة بوجود شابة سمراء في قرية أشفود، زي ما كانت سامعة عن الراجل اللي بقى زوج الليدي سوزانا بيريسفورد. الإشاعات دايمًا بتلف، وكريسي ماكانتش تقدر تتجنبها حتى لو حاولت. كانت عارفة إن القيل والقال بيستهدف الناس البريئة أكتر من أي حد تاني. هي وأمها كانوا موضوع للإشاعات أكتر من مرة في برملي، فبقت فاهمة اللعبة دي كويس. لكن بغض النظر عن اللي ممكن الناس محدودي التفكير يقولوه عن بشرتها، كريسي كانت شايفة إنها جميلة بشكل مبهر. يمكن ما شافتش في حياتها ست بالجاذبية دي. دلوقتي، بقت فاهمة ليه الراجل الأكبر واقف بفخر جنبها. كانت لافتة جدًا للنظر، وحركتها فيها وقار وثقة. بشرتها كانت ملساء زي الحرير، لكن أكتر حاجة شدت انتباه كريسي كانت عنيها الذهبية اللامعة. عمرها ما شافت لون زي ده قبل كده. بينما الرجل والسيدة كانوا واقفين في هدوء مستنيين الدوقة تقول حاجة، الراجل الأصغر اللي معاهم كان باين عليه التوتر وعدم الارتياح. الشاب الأصغر كان عنده ملامح شابة بس جذابة. كريسي كانت شافته قبل كده في القرية، وكان دايمًا عنده ابتسامة لعوبة بتكشف عن سنه وروحه المرحة. بس النهارده، الابتسامة دي كانت غايبة تمامًا. كان باين عليه عدم الارتياح، كأنه حد قاله إن فيه قطع في بنطلونه من ورا! كان طويل زي أخوه، والتشابه بينهم كان واضح، مفيش شك إنهم إخوات. بس الفرق إن الأخ الأكبر كان جسمه متناسق وممشوق، في حين إن الأصغر لسه ما أخدش راحته في طوله. كان نحيف، وحركاته باينة متلخبطة، كأنه مش عارف يحط إيديه ورجليه فين. الدوقة أشارت للرجل الأكبر وقالت، "آنسة مارتن، حابة أقدملك أخويا، السيد دينهام." وبعدين لمحت ناحية السيدة، "ودي الآنسة بيل ديجاردان. صديقة عزيزة لعيلتنا، وخياطة موهوبة جدًا، يمكن تكوني قريتي عن شغلها في الجرايد وسط بقية الهري اللي بيكتبوه." كريسي لاحظت نبرة دفاعية في صوت الدوقة وهي بتقدم الآنسة بيل، وحبت لو تقدر تطمنها إن مفيش داعي للقلق. السيد دينهام قال بلطف واضح، "تشرفنا يا آنسة مارتن." فردت عليه كريسي بابتسامة، "وأنا كمان، يا سيد دينهام، ويا آنسة ديجاردان." الدوقة كملت، "وكمان حابة أعرفك بأخويا الأصغر." وبصت له بابتسامة مشجعة، "آنسة مارتن، ده السيد جيم دينهام. جيم، دي الآنسة كريسيدا مارتن." جيم بص لكريسي أخيرًا، عنيه الزرقا كان فيها توتر غريب، وفكه مشدود كأنه بيعض على سنانه. كريسي ما قدرتش تمنع نفسها من العبوس وهي بتبصله باستغراب. إيه حكايته بالضبط؟ كانت نسيت تمامًا إن أمها واقفة وراها، وفجأة قفزت من مكانها لما سمعت السيدة مارتن بتقول بصوت عالي، "أنا متأكدة إن الآنسة مارتن سعيدة جدًا بالتعرف على إخوة الدوقة!" كريسي كادت تتأوه من قلة اللباقة في اللحظة دي. أمها كانت تقريبًا بتصرخ إن الموضوع "عريس وعروسة" بطريقة فجة! لحسن الحظ، الدوقة كانت لطيفة بما يكفي إنها تقدم السيدة مارتن لإخوتها، وللآنسة ديجاردان، قبل ما السيد جيم يفاجئ الجميع بإعلان صادم. "عاوز ساندوتش!" كل العيون في المكان اتجهت له فورًا، وهو بكل بساطة لف ضهره ومشي في اتجاه قاعة الضيافة بخطوات ثابتة، كأن دي كانت أهم حاجة في الدنيا بالنسبة له دلوقتي. بعد ما خلصت التعارفات، اتسحبت كريسي بعيدًا عن عيلة بيريسفورد، واتحركت هي وأمها ناحية حافة قاعة الرقص. المكان اللي كانوا واقفين فيه كان مثالي بالنسبه لمامتها، اللي كانت ماسكة المشهد كله تحت المجهر، بتراقب الأزواج وهيا بترصد تحركات بيريسفورد بعين صقر. وهنا جالها أول طلب للرقصة. كان الرجل اللي طلبها هو السيد أندروز، صاحب البقالة. كانت تعرفه من قبل، لكن عمره كان مجهول بالنسبة لها—بس أكيد كان أكبر منها بأكتر من عشر سنين! والطريقة اللي كان بيبصلها بيها خلتها تحس بعدم ارتياح رهيب... كانت بتتمنى لو تقدر تلبس تاني التنانير الطويلة اللي بتوصل لكاحلها، خصوصًا في اللحظة دي. السيدة مارتن وافقت بسعادة على طلب السيد أندروز بالرقص مع كريسي، وفعلاً رقصت معاه وهي بتتكلم معاه بأدب، من غير ما تبدي أي اهتمام حقيقي. ولما خلصت الرقصة، وطلب منها رقصة تانية، تظاهرت بالتعب بكل لطف، وده خلاه يعرض عليها إنه يجيب لها مشروب منعش. استغلت اللحظة دي فورًا وهربت... مش بعيد طبعًا، لكن بعيد كفاية عن مامتها وعن السيد أندروز. راحت للنحية التانية من قاعة الرقص، مستخبية ورا الزحمة اللي كانت بتتفرج على الراقصين.

      "معذرة، آنسة مارتن." تجمدت في مكانها للحظة، قلبها دق بسرعة... هل السيد أندروز لقاها؟! لكن سرعان ما أدركت إن الصوت مختلف. كان صوت شبابي أكتر، أهدى وألطف. استدارت ببطء... كان السيد جيم هو اللي واقف قدامها. واقف بفخر، إيديه وراه، والتعبير الغريب اللي كان في وشه قبل كده اختفى. لكنه لا يزال مش مرتاح تمامًا... كان متوتر. يمكن كان حاسس بنفس اللي هي حست بيه لما اضطرت تتكلم مع عيلة بيريسفورد. سنه الصغير كان بيكشف ده أكتر، وبصراحة؟ كريسي حست إن ده حاجة لطيفة جدًا. كانت طول الوقت حاسة إنها أصغر واحدة في القاعة، لكن السيد جيم... يمكن كان قريب منها في السن. لكن رغم إن توترها كان مفهوم لأي حد في القاعة، هي ماكنتش عارفة إيه اللي يخلي السيد جيم متوتر كده. في الآخر، هو قريب عيلة بيريسفورد. مش كأنه داخل مزاد أو حاجة! أما هي، فكانت حاسة إن أي رجل ممكن يجي يطلب يشوف سنانها أو يقيس طولها وكأنها حصان في مزاد لندن للموسم الاجتماعي. "مساء الخير، سيد دينهام." قالتها بابتسامة خفيفة وانحناءة صغيرة. "آه، آه، صباح الخير!" رد عليها بتلعثم، وهو يحاول يرد التحية بانحناءة سريعة. وبعد ثانية، فتح عينيه على وسعهم واتلخبط وهو بيحاول يصحح كلامه: "قصدي مساء الخير! مش الصبح، يعني... بس هيبقى الصبح كمان شوية، صح؟ بس على العموم، هل بتعتبري الساعات بعد نص الليل صباح ولا لسه مساء؟ أنا شخصيًا بشوفها لسه مساء. مش بقول لحد صباح الخير لو نمت بعد نص الليل!" كريسي عقدت حواجبها وهي مش عارفة تفهم إيه اللي بيقوله بالظبط. بدأ يرجع لنفس حالة الارتباك اللي كان فيها وقت التعارف، وبدأت تقلق... هل هي السبب؟ هو حصل منها حاجة ضايقته؟ هما أصلًا أول مرة يتقابلوا النهارده! "ممم... أظن إنه فعليًا بيكون صباح،" ردت عليه ببطء، "بس لو رايحة أنام بعد نص الليل، أكيد هقول تصبح على خير." السيد جيم ضحك ضحكة متوترة، ومد إيده على شعره يلفف شوية من خصلاته الغامقة بين صوابعه، قبل ما يفوق لنفسه ويسيب شعره فجأة كأنه لمس نار. "يا ربّي، هو في إيه؟!" قالها وهو بينفخ لنفسه. كريسي عقدت حواجبها أكتر. هو مستني منها رد على السؤال ده؟ لو بصت له كده، مفيش أي حاجة شكلها غلط فيه. يمكن غريب شوية، بس التوتر مفهوم. هي فاكرة الابتسامة الشقية اللي شافته بيها في القرية. هو مش دايمًا كده! "إنتي مش عايزة ترقصي الرقصة الجاية معايا، صح؟" السؤال خرج من السيد جيم بطريقة ملتوية جدًا، لدرجة إن كريسي ماقدرتش تفهمه في الأول. كانت طريقة غريبة لطلب رقصة… أو على الأقل ده اللي افتكرته إنه بيحاول يعمله. "أنا... مممم... مش مش عايزة…" دلوقتي، الدور عليه هو اللي يعبس ويحاول يستوعب هو قال إيه! شدّ حواجبه في إحباط وأخد نفس عميق قبل ما يحاول تاني: "أنا آسف، آنسة مارتن. أنا ببوّظ كل حاجة. هل تودين أن ترقصي الرقصة الجاية معي؟" كريسي ماقدرتش تمنع نفسها من الابتسام. حطّت إيدها المغطاة بالقفاز في إيده، وبمجرد ما عملت كده، شافت الابتسامة الصادقة اللي نورت وشه. ياااه، الابتسامة دي! زادت من لمعان عيونه الزرقا الفاتحة، وخلّته يبان أصغر وألطف. ماحستش بأي توتر وهي بتمشي مع جيم دينهام للرقص، على عكس اللي حسته مع السيد أندروز. لكن يا سلام على رقصة جيم! كان… كارثة متحركة! دراعاته ورجليه مش متعاونين خالص معاه، وكل خطوة كانت شكلها أغرب من اللي قبلها. بس كريسي ماضايقتش. بالعكس، لقيت ده لطيف جدًا. هو كان بيحاول بجد، وده كان كفاية يخليها تبتسم طول الرقصة. الـ "كوادريل" كانت رقصة سريعة، ماكانتش بتسيب فرصة كبيرة للكلام بين الشُركاء. كريسي كانت لاهثة في الآخر، وحقيقي كانت محتاجة المشروب اللي السيد أندروز راح يجيبه… بس الحمد لله، ماكانش له أثر في أي حتة! وجيم؟ خدوده كانت محمّرة، وكريسي متأكدة إن خدودها كمان بقت ورديّة. بصّوا لبعض بضحكة خفيفة، وكأن التوتر اللي كان مسيطر عليه طار فجأة. وقف بثقة أكتر، وابتسامته الجميلة بقت أدفى وأريح بكتير. "إيه الحاجة اللي بتخليكي مبسوطة، آنسة مارتن؟" كريسي رمشت بعينها في اندهاش. السؤال غريب جدًا! صحيح هي ماعندهاش خبرة كبيرة في الكُرات، ولا في الكلام مع الرجالة أصلًا، بس عمرها ماحد سألها سؤال زي ده. عادةً، التملُّق هو النظام المعتاد. لو أمها كانت جنبها، كانت هتجبرها ترد بحاجة زي: "مساعدة المحتاجين" أو "الأطفال"، أي حاجة تخليها تبان لطيفة وعروسة مثالية. لكن بصراحة…؟ "السباحة." ردّت بتفكير، "بحب السباحة جدًا." مش ده الحاجة الوحيدة اللي بتفرّحها، لكن لما فكّرت في اللحظات اللي حسّت فيها بسعادة نقية، افتكرت الأيام اللي قضتها في العوامة جوه البرك… كانت متعة خالصة. مع آخر نغمة في الرقصة، كريسي بصت لجيم لاقته واقف قدامها ببريق غريب في عينيه، مزيج من التردد والحيرة، كإنه عايز يقول حاجة بس مش عارف إزاي. "كريسي..." صوته طلع واطي، بالكاد سمعته وسط دوشة القاعة. رفعت حاجبها مستنية يكمل، بس قبل ما يقدر ينطق بكلمة، صوت أمها جالها زي السهم، "كريسي، آنستي، كفاية بقى!" اتلفتت بسرعة، قلبها بيدق، رجعت تبص لجيم... مكنش هناك. كإنه اختفى.

      لفت حوالين نفسها، عينيها بتجري على كل الناس، الوجوه الضاحكة، الرجال ببدلهم السوداء، الستات بفساتينهم المنفوشة، الراقصين، المتفرجين... بس هو مش موجود. مفيش أثر ليه. وكإنه... عمره ما كان هنا أصلاً. --------------------- دي الروايه كامله رأيكم ؟
      رسائل أحدث رسائل أقدم الصفحة الرئيسية

      Pages

      authorX

      مؤلفون تلقائي

      نظام شراء