موصى به لك

الأقسام

الأفضل شهرياً

    رواية ملجأي

    ملجأي

    2025, شذى حماد

    رومانسية عائلية

    مجانا

    الرواية تحكي قصة امرأة نجت من علاقة مؤذية تركتها محطمة، لكنها استطاعت أن تبني حياتها من جديد وتنجح في عملها. بالرغم من تجاوزها الماضي ظاهرياً، لا تزال ذكريات تلك الفترة تطاردها في أحلامها. عودة أخيها بعد غياب طويل تحمل لها فرحة كبيرة وأملاً بمستقبل أفضل، لكنها تخفي في داخلها خوفاً عميقاً من عودة الظلام الذي كاد أن يبتلعها. القصة تصور رحلة تعافيها وصراعها المستمر مع آثار الماضي، مع بصيص أمل يلوح في الأفق بقدوم أخيها وصديقه.

    لين

    صاحبة متجر للحيوانات الأليفة. عانت في الماضي من علاقة مؤذية تركت آثاراً نفسية عميقة عليها، لكنها تسعى جاهدة لتجاوز تلك التجربة.

    مايكل

    الأخ الأكبر للين، شخص حنون وداعم كان له دور كبير في مساعدة لين على التعافي بعد علاقتها المؤذية. التحق بالجيش وغاب لفترة طويلة، وعودته تمثل مصدر سعادة وأمل للين.

    أنتوني

    صديق مايكل الذي سيأتي معه عند عودته، لكن وجوده يشير إلى إضافة شخصية جديدة للعالم المحيط بلين.
    تم نسخ الرابط
    رواية ملجأي

    هسه همزين مرت ست سنين، بس خياله بعده يخطر ببالي بالحلم.
    حتى وعيوني مفتحة أشوف وجهه. راح يبقى طول عمري وياي، شكد ما أتعالج. أذكر كل الضرب اللي ضربني إياه،
    
    إذا أركز زين أحس روحي أشوف أثر الرضوض اللي خلاها، هو مو دائماً هيج جان، قبل جان خوش ولد وحنين، يغركني بالورد والبوسات، أحنه تعارفنه من جنا عمرنه 16 سنة،
    بوكتها جنت مكسورة خاطري، أبوي توفى قبلها ومي عرفت عدها سرطان، جان وكت كلش خايس وجنت كلش ضايجة. هو ساعدني أشوف النور، يجوز تبين سوالف مال أفلام، بس صدك هو جان النور بظلمتي، بس ما جنت أدري راح يصير هو ظلمتي الجديدة. وره أربع سنين بلعني بلع لحد ما صرت ملفوفة بيه مثل البطانية، كل ما أحاول أفلت منه، هو يجذبني أكثر. فد يوم طفح الكيل، سوى شي ما ينغفر بحيث عرفت لازم أطلع من عنده. فلتت منه ومن ظلمته وما ردت أرجع بعد، بس هسه أني علكت بظلمتي. هي تحضني وتكلي كلشي راح يصير زين وأني أصدكها.
    
    
    باوعت بالمراية وأتذكر بذكرياتي، كلهن خايسات بعد ماكو مكان للزينات. جنت أفكر شلون خلصت روحي من بين أيده، شلون وره ما سوى بيه هالشي الشنيع ركضت، سقت سيارتي لبيت أخوي الجبير، هو جان يبعد عني ساعة تقريباً بس وصلته بـ 40 دقيقة من السرعة اللي جنت أسوق بيها.
    
    جانت تعدت الساعة 12 بالليل من دكيت باب مايكل، الجو بارد وجنت أرجف، الدموع اللي بقت على وجهي حسيتها تجمدت على خدودي، من فتح الباب مبين عليه مستغرب وضايج من الكعدة من النوم، بس من شاف خدودي الحمر والدمع بيهن وآثار الضرب الزركة والسودة اللي جانت منتشرة على جسمي، حضني. خلاني أبجي على صدره لحد الصبح من بدت الشمس تطلع من وره الجبال، أذكر سوى إلي جاي بشكر وملعقتين عسل، السائل الحار اللي نزل ببلعومي ريح الوجع من البجي.
    
    بعدين سولف وياي بصوت كلش ناصي وحنين، كلي أحبه وكدر أثق بيه، هواي أسرار ضميتهن بقلبي بحيث فجأة طلعن كلهن، كتله شلون جان يضربني، شلون كام يشرب والخلكة مبينة على جسمي، بعدين كتله على الشي الخايس اللي سواه بيه قبل شوية، كتله على مخاوفي، من شنو خايفة ومنو أخاف منه، هو حسبني أحجي على حبيبي السابق هسه، بس جنت أحجي على روحي. جنت خايفة أرجعله، أخلي يكمل عذابي، بس جنت أخاف بالأكثر من الظلمة اللي جنت أعرف راح تبلعني، شلون ما راح أكدر أقاومها. مايكل طمني وكلي ما راح يسمح لهالشي يصير أبد طول ما هو وياي، ما راح أرجع للظلمة. وما رجعت سنة كاملة، جنت صدك فرحانة. أخذت علاج نفسي واستشارة خاصة لمشاكلي، علاقتي بمايكل صارت أقوى، بديت أدرس بالكلية وجنت أحضر ماجستير إدارة أعمال وشهادة ثانوية بالصحة والعافية. بس بعدين مايكل راد يسوي شي أكبر بحياته، يسوي شي لنفسه، فقدم بالجيش، تركني وعمري 19 سنة، هو جان عمره 21 سنة بس.
    وره 6 سنين
    سمعت المنبه مالتي يدك، تأوهت ودحرجت من فراشي. صار وكت بداية اليوم، كمت وسويت روتيني العادي، سبحت واستخدمت الشامبو وغسول الجسم بريحة الفانيلا وبعدين لبست ملابس الشغل، عندي محلي الخاص بعد أربع سنين دراسة وهوواي فلوس جمعتهن سويت "قفص لين"، هو محل مال حيوانات أليفة، طول عمري أحب الحيوانات فقررت أسوي كل شغلي حول شي أحبه، أخذ مني هواي وكت وفلوس بس جان يستاهل. عايشة بمدينة زينة مو كلش جبيرة، محلي بالمدينة وين أحصل أحسن شغل وأني عايشة بالأرياف يم الحقول الخضرة والزهور البرية. عندي بيت صغير طابق واحد، بيه طابع إنجليزي قديم كلش أحبه. من دخلت للمحل سمعت العصافير تزقزق والجراوي تنبح علي ترحب بيه. رحت على قفص الجراوي، بيه خمس جراوي جيرمن شيبرد صغار يهزن ذيولهن بفرح يترجون وجبة الصبح. من جنت أملي كاساتهن الزركة سمعت الجرس اللي فوك الباب يدك، باوعت لكيت ماكينا الموظفة مالتي. ماكينا بنية عمرها 18 سنة تخرجت من الثانوية، عدها شعر أحمر سرح وعيون خضر يخبلن ولهجة تخبل كل شاب، هي بالأصل من أيرلندا بس انتقلت لأمريكا من جان عمرها 12 سنة، كلش خوش بنية بالشغل وصديقة زينة إلي.
    "هلا لين، ما جنت متوقعة تجين اليوم؟" كالت، ابتسمت وشلت واحد من جراوي الجيرمن شيبرد وحضنته.
    "ما جنت ناوية بس ما بقى عندي شي أسويه فكت ليش لا. غير هذا عندي شغل لازم أسويه هنا." بهالكلمة نزلت الجرو ومشيت ليوره وين مكتبي، لبقية الصبح دفعت ضرائب وفواتير وطلبت شحنة جديدة مال ألعاب وياقات وأكل عصافير وهواي شغلات ثانية، طلبت همين مجموعة من خنازير غينيا صغار. من باوعت على الساعة جانت تعدت الساعة 12 الظهر، طلعت لكيت ماكينا تساعد عائلة تشترين واحد من جراوي الجيرمن شيبرد. أشرتلها بيدي يعني راح أتغدى وطلعت. من جنت أمشي لمطعم صغير قريب على محلي كام موبايلي يهتز يعني اكو مكالمة، باوعت على اسم المتصل والشي اللي شفته خلى قلبي يطير من الفرحة. مايكل جان يتصل بيه.
    
    
    
    
    
    من الفرحة بجيت وقفزت قبل ما أدوس موافق.
    "مايكل! يا إلهي!" صاحت بالتلفون.
    "يا معودة اهدي لين." مايكل ضحك بالتلفون. "شلونج؟"
    "لك اسكت مايكل! ليش تتصل راح ترجع؟" هم ضحك بالتلفون، شكد مشتاقة لهالضحكة، صوته عميق وفرحان بحيث يخلي الواحد يبتسم.
    "أي راح أرجع، الأسبوع الجاي يوم الثلاثاء طيارتي توصل الساعة 5:00 العصر." كال، ما كدرت أضم فرحتي الناس كاموا يباوعولي باستغراب بس تجاهلتهم.
    "مايكل كلش فرحانة! ما مصدكة راح ترجع." غصيت بالكلام وما كملت الجملة.
    "يا لين، فدوة لا تبجين. ما مصدك ما تريديني أرجع." سمعت النبرة المصطنعة مال الزعل بالتلفون.
    "لك اسكت أنت كلش زين تعرف أريدك ترجع. شكد راح تبقى هالمرة؟" سألت.
    "هاي المرة اثنعش شهر كامل." ابتسمت وكام صوتي يختنك مرة ثانية، صار فوك الثلاث سنين ما شايفة مايكل، آخر مرة جان هنا جنت يالله فاتحة المحل مالتي جان كلش فخور بيه بس للأسف بقى بس ثلاث أشهر، هسه سنة كاملة!
    "ياي راح يصير كلش حلو! ما مصدكة راح ترجع!"
    "أني هم ما مصدك وراح أجيب صديق وياي هم راح يرجع، اسمه أنتوني وما عنده هواي أهل باقين، زين هيج؟" سأل.
    "يا أي أكيد! راح أطبخ أكلة جبيرة أرحب بيكم بيها، راح أحضر كلشي، راح يصير كلش حلو!" كلت بفرحة.
    "تمام خوش حجي أكيد راح يطلع طيب. لازم أروح هسه راح أشوفج وره أسبوع. باي لين." كال، سمعت الحزن بصوته وأكيد صوتي جان مثله.
    "مع السلامة مايكل." يا الله شكد مشتاقة لمايكل ونكاته الحلوة وشلون يحاجي الواحد بذكاء بحيث أبد ما تمل وأنت وياه، وهذا صديقه ما عمره ذكر أي واحد اسمه أنتوني، كل الرسائل اللي دزها بالكوة يذكر أي أحد أصلاً. هسه أني كلش فرحانة بحيث ما إلي نفس أكل فرجعت للمحل حتى أكل لماكينا الأخبار الحلوة، من دخلت جانت توكل الطيور، مو كلش ناجحة، أكل الطيور جان مكوم بالكاع.
    "تدرين أكل الطيور المفروض يصير بالكاسة مو بالكاع، مو؟" غمزت لها.
    "أي هو المفروض هيج بس كل ما أخلي إيدي بالقفص ينهجم عليها هالطير الغبي." سوت تمثيلية شلون أخذت كاسة مليانة أكل وطبت إيدها بالقفص راساً أولي الببغاء الأحمر نكز إيدها.
    "شوفي! هو طير كلش غبي." كشرت وكتفت إيديها، مبينة مثل طفلة عمرها أربع سنين تسوي نوبة غضب.
    "زين يجوز لو تبطلين تكولين عليه طير غبي يجوز يحبج. وعندي أخبار تخبل! أخوي مايكل راح يرجع!" ما كدرت أضم فرحتي وسويت نكزة صغيرة، ماكينا هم مبينة فرحتلي وحضنتني.
    "لين هذا كلش حلو! كلش فرحانة لج." دمعات صغار تجمعت بعيوني.
    "صار هواي ما شايفته، أكيد متغير هواي، المرة الوحيدة اللي أشوفه بيها بالصور وهذا مو مثل الحقيقة."
    "أكيد راح يبقى يخبل مثل ما هو." ماكينا غمزتلي، مرة شفتها صورة مايكل كالت شكله مثل آلهة الإغريق.
    "شكد عمره هسه؟" سألت.
    "هسه عمره 26 سنة." ابتسمت.
    "هممم، مو جبير كلش." ابتسمتلي بمكر، سويت وجه مقرف عليها لأن حتى فكرت بهالطريقة على أخوي.
    "أي زين حظج، أكيد اكو هواي بنات يشوفنه شكله مثل آلهة الإغريق." غمزت لها.
    "يجوز صحيح بس كلنه نعرف آلهة الإغريق يدور على آلهة الإغريقية." ابتسمت بمكر مرة ثانية وراحت، ما كدرت ما أضحك على ثقتها بنفسها وشقاوتها.
     
    

    أحببت ضابط - قصه حب

    أحببت ضابط

    2025, سلمى إمام

    رومانسية عسكرية

    مجانا

    شابة تعمل كنادلة وتواجه صعوبات في حياتها، بدءًا من طردها من منزلها في سن مبكرة وإقامتها في حي فقير. تلتقي بمجموعة من الجنود، ويظهر اهتمام خاص من أحدهم يدعى "لوكلاند". تتخلل القصة لحظات من الوحدة والكفاح، بالإضافة إلى بداية علاقة واعدة تنشأ وسط ظروف غير متوقعة. تكشف "راين" عن ماضيها المؤلم لـ "لوكلاند"، الذي يبدو متعاطفًا ومستعدًا لدعمها.

    راين

    شابة في التاسعة عشرة من عمرها تعمل كنادلة. تواجه صعوبات في حياتها بعد طردها من منزلها في سن مبكرة، وتعيش في حي فقير. تبدو قوية ومستقلة ظاهريًا، لكنها تحمل في داخلها ألمًا من ماضيها.

    لوكلاند

    جندي وسيم ولطيف يلتقي براين في المطعم. يبدي اهتمامًا خاصًا بها ويتعاطف مع قصتها. يبدو حنونًا ومهتمًا بمشاعر راين.

    إيدن

    شقيق راين الأكبر، يبدو قلقًا على أخته ويحاول مساعدتها.
    تم نسخ الرابط
    أحببت ضابط - قصه حب

    تنويه هام:
    
    جميع الأحداث والشخصيات والوقائع المذكورة في هذه القصة هي من محض خيالي ولا تمت بصلة إلى أي شخص يحمل الأسماء نفسها، كما أن الأحداث التي وقعت هي مجرد مصادفة لا أكثر. يُرجى عدم سرقة أفكاري وجهودي، فقد بذلتُ قصارى جهدي لجعل هذا العمل أصليًا. وتذكروا، مجرد استخدامي لاسم ما هنا لا يعني أنني أقلدكم بأي شكل من الأشكال، بل تصادف أنني استخدمت نفس الاسم.
    
    هذه عينة من الكتاب الأصلي والكامل، وهو منشور ومتاح للشراء. آمل أن تستمتعوا به وتتركوا تعليقاتكم وتقييماتكم.
     
     ____________________
     
     
     راين
    
    كنت أركض، والألم في جنبي يزداد مع كل خطوة أخطوها. كانت أنفاسي تخرج متقطعة بينما كانت قدماي تواصلان الحركة. أردت، بل احتجت، إلى أخذ قسط من الراحة قبل أن تنهار ركبتاي من الإرهاق. توقفت، واتكأت على مبنى، حيث كانت الطوب البارد يلطف بشرتي الساخنة والمتعرقة.
    
    مسحت بطني برفق، حيث بدأ الانتفاخ الصغير يصبح ملحوظًا. بدأت ملابسي تضيق، وكان الناس يهنئونني في العمل. كان هاتفي يرن ويهتز بشكل لا يمكن السيطرة عليه، مما منعني من الاستماع إلى الموسيقى.
    
    أخرجته من الرباط الخاص الذي اشتراه لي لوك عندما كنت أذهب للركض. شغلت الشاشة، وتأوهت عندما رأيت المكالمات الفائتة والرسائل النصية العديدة من جميع أصدقائي وعائلتي الجديدة.
    
    أرسلت بسرعة رسالة نصية إلى أعز صديقاتي وزوجة أخي:
    
    أنا بخير، خرجت للركض.
    
    ثم شغلت بعض الموسيقى المبهجة، قبل أن آخذ نفسًا عميقًا وأركض في أي اتجاه عشوائي.
    
    رن هاتفي مرة أخرى، وبحلول هذا الوقت، كنت منزعجة. "ماذا!" صرخت، وقد طفح بي الكيل أخيرًا.
    
    "أين أنتِ؟" تردد صوت أخي إيدن العميق الجهوري، وبدا غاضبًا مثلي تمامًا.
    
    "أنا بخير. والآن اتركني وشأني." زمجرت، بينما كنت أشاهد بعض السيارات القليلة تمر مسرعة بجانبي.
    
    "هذا رائع. والآن أخبريني أين بحق الجحيم أنتِ!"
    
    قلبت عيني بضجر. "خرجت للركض."
    
    "في الساعة الثانية صباحًا؟"
    
    تنهدت، وبدأت أستدير. "لم أستطع النوم، وإذا كان لا بد أن تعرف أين أنا، فأنا لا أعرف."
    
    "راين!"
    
    "أعلم أنه تصرف طائش، لكنني لم أكن أركض في اتجاه معين، وقد أكون ضعت الآن. هل يمكنك المجيء والبحث عني؟"
    
    "أنتِ محظوظة لأنني أحبكِ يا شمس."
    
    ~*~
    
    بعد نصف ساعة، كنت جالسة داخل سيارته المتهالكة القديمة من نوع موستانج، وأستمع إلى محاضرة طويلة إلى حد ما. "أنتِ حامل يا راين. عليكِ أن تعتني بنفسكِ، إن لم يكن من أجلكِ فمن أجل هذا الطفل الذي ينمو بداخلكِ. أنتِ تتصرفين بتهور. ماذا عن لوك؟"
    
    "إياك أن تذكر اسمه! أنا في حالة يرثى لها بسببه. لا أريد محاضرة عن الحياة منك. أعلم أنه لم يكن عليّ الخروج للركض في منتصف الليل. آسفة لأنني أقلقك. والآن من فضلك توقف عن هذا." كنت أراقبه وهو يواصل النظر في مرآة الرؤية الخلفية، ويغير المسارات بشكل متكرر، ويسرع عند المنعطفات.
    
    "ستذهبين إلى الطبيب في الصباح وستخبرين لوك."
    
    "لا يمكنه أن يعرف بشأن الحمل أو ما حدث الليلة." أعلنت، وجعلت صوتي حازمًا.
    
    "لدينا مشكلة أخرى." تمتم وهو ينظر في المرآة مرة أخرى.
    
    "ماذا الآن؟"
    
    "يتربص بنا ترينت."
    
    كان شهيقي هو الصوت الوحيد الذي يمكن سماعه في السيارة.
    
    
    
    
    
    الفصل الأول (المرة الأولى)
    
    أكتوبر 2011
    
    استيقظت في شقتي ذات الغرفة الواحدة، متعبة من الليلة السابقة. كنت قد عملت طوال الليل في مطعم العشاء المحلي، "مطعم مات"، في مسقط رأسي بيمبروك، جورجيا، وكان عليّ العودة للعمل في فترة الذروة الصباحية. فتحت عيني وألقيت نظرة خاطفة على المنبه؛ كانت الساعة بالضبط 5:30 صباحًا، وكنت بالفعل أشعر بالإرهاق الشديد.
    
    نهضت من السرير بتنهيدة وتوجهت نحو حمامي، آملة أن يخفف حمام ساخن من مزاجي. قفزت بسرعة إلى الداخل، لا أريد إضاعة القليل من الماء الدافئ المتاح. انهمر الماء على رأسي وجسدي المتعب، مما ساعد على تهدئة عضلاتي المؤلمة. وقفت هناك لما بدا وكأنه عدة دقائق وعيناي مغمضتان، ناسية كل شيء، ومستمتعة بكل ثانية.
    
    عدت إلى الواقع، واستحممت بسرعة قبل أن أخرج وأتجه إلى خزانة ملابسي الصغيرة. ارتديت سروال يوغا أسود وقميصًا ورديًا نيون مكتوبًا عليه بأحرف سوداء كبيرة "Matt's Diner"، وهو زي عملي.
    
    كان روتيني الصباحي يتكون من وضع مكياج خفيف لإبراز عيني الخضراوين، وتمشيط شعري الأشقر الفاتح، وبالطبع تنظيف أسناني. بعد ذلك، خرجت مسرعة من الشقة، وأمسكت بمفاتيحي في طريقي للخارج.
    
    قفزت بسرعة إلى سيارتي الجيب، حيث كنت متأخرة بالفعل خمس دقائق. ثم توجهت إلى المطعم، وركنت في قسم الموظفين، واندفعت إلى الباب الخلفي المخصص للموظفين. دسست هاتفي في حذائي الأيمن، وارتديت مئزري، وأمسكت بدفتري وقلمي، وخرجت من قسم الموظفين إلى المطعم الرئيسي.
    
    مشيت إلى الطاولة رقم خمسة، مبتسمة للزوجين الجالسين هناك. "مرحبًا، اسمي راين، وأنا النادلة المسؤولة عن خدمتكم اليوم. ماذا تودان أن تشربا؟" سألت مبتسمة.
    
    "أود قهوة. شكرًا لكِ"، قالت المرأة، وهي تبتسم لي بالمقابل. كتبت طلبها للمشروب ونظرت بتوقع إلى الرجل الجالس مقابلها.
    
    "سآخذ نفس الشيء. شكرًا"، قال. كتبت طلبه للمشروب أيضًا ثم أسرعت إلى المطبخ، ولاحظت أن طاولة أخرى من طاولاتي كانت ممتلئة وتنتظرني.
    
    أمسكت بكوبين من أكواب القهوة المميزة للمطعم وإبريق قهوة ثم عدت إلى الطاولة رقم خمسة، وقدمت لهما القهوة. أومآ برأسيهما شكرًا، ومشيت إلى الطاولة رقم سبعة، حيث كانت تجلس عائلة بأكملها.
    
    رسمت أفضل ابتسامة لدي وأخذت طلباتهم، ثم أسرعت عائدة إلى المطبخ لملء المشروبات ثم عدت إلى الطاولة رقم خمسة لطلبات وجباتهم. استمر بقية الصباح على نفس المنوال، ذهابًا وإيابًا بين المطبخ وطاولاتي العديدة. بحلول الساعة الواحدة ظهرًا، كنت متعبة للغاية، وأجر قدمي إلى مقدمة المطعم، وجلست عند صندوق المحاسبة، حيث كانت جميع طاولاتي فارغة في الوقت الحالي. أغمضت عيني عندما سمعت رنين الجرس يشير إلى دخول شخص ما من الباب. فتحت عيني لأرى مجموعة من الجنود يدخلون ويجلسون على إحدى طاولاتي.
    
    تأوهت، مدركة أن استراحتي القصيرة قد انتهت. نهضت، ومشيت إلى طاولتهم، ورسمت ابتسامة زائفة على وجهي. "مرحبًا، اسمي راين، وسأكون النادلة المسؤولة عن خدمتكم اليوم. ماذا تودون أن تشربوا؟" سألت، مكررة نفس العبارة التي كنت أكررها طوال الصباح. بدأ حلقي يجف بغض النظر عن كمية الماء التي شربتها.
    
    "سآخذ قهوة، من فضلك"، سأل الأول، وعيناه الخضراوان اللافتتان تراقباني عن كثب قبل أن يخلع قبعته ويضعها على الطاولة.
    
    نظر إليّ الشاب الأشقر الجالس بجانبه، مبتسمًا. "سآخذ عصير برتقال، من فضلك"، قال.
    
    التفتت إلى الرجل الثالث، وانحبس أنفاسي في حلقي عندما صدمتني وسامته غير الطبيعية.
    
    كانت عيناه زرقاوين عميقتين، تبدوان كالسماء في يوم عاصف، وكان شعره الأسود الداكن قصيرًا جدًا. كان وجهه محددًا بشكل جيد، وكل شيء فيه يصرخ بالرجولة. كانت ذراعاه العضليتان الكبيرتان مختبئتين تحت زيه العسكري، واستطعت أن أحدد أنه طويل القامة بمجرد طريقة جلوسه، ربما ستة أقدام على الأقل. كان بالتأكيد أطول مني بست أو سبع بوصات جيدة.
    
    "أود كوكتيل فواكه، من فضلك"، قال، مبتسمًا لي. ابتسمت له بالمقابل، متوسلة ألا أبدو حمقاء، والتفتت إلى الرجل الأخير، محاولة تجاهل الفراشات في معدتي بينما كان الرجل الوسيم من قبل لا يزال يحدق بي.
    
    "قهوة من فضلك"، قال الأخير، وعيناه البنيتان تتنقلان بين الرجل الوسيم وبيني.
    
    مشيت إلى المطبخ، وملأت طلباتهم. بمجرد عودتي إلى الطاولة، وأنا أحمل مشروباتهم على صينية، ابتسموا جميعًا بخبث. "حسنًا، لدي قهوتان، وعصير برتقال واحد، وكوكتيل فواكه واحد. أرجوكم قولوا لي أنني فهمت الأمر بشكل صحيح؟" سألت، وقد انخفضت قامتي قليلاً مما يدل على مدى تعبي حقًا. أومأوا برؤوسهم، وهم يضحكون بخفة.
    
    "هل يمكنك تذكر من طلب ماذا؟" سأل صاحب العينين الخضراوين.
    
    "بالطبع. لن أكون نادلة جيدة إذا لم أفعل." ناولته قهوته.
    
    
    
    
    
    "ماذا لو أخبرناكِ بأسمائنا، ثم تجلسين معنا وتستمتعين بوجبة لطيفة، على حسابي؟" قال الوسيم للغاية.
    "حسنًا، ولكن فقط لأنكم طاولتي الأخيرة حتى الليلة"، قلت وأنا أجلس بجانبه.
    "أنا لوكلاند"، قال الرجل الرائع.
    رفع الشاب الأشقر يده. "أنا مايك."
    "أنا كول"، قال صاحب العينين الخضراوين، وهو يجلس مقابلي.
    أخيرًا، قال الشخص الذي كان يراقب لوكلاند وأنا من قبل: "أنا تايلر"، وعيناه البنيتان لا تزالان تراقبنا عن كثب.
    نهضت بسرعة، متذكرة أنني لم آخذ طلباتهم. "آسفة، لكنني لم أحصل على طلباتكم بعد." ابتسمت بخجل.
    "لا مشكلة"، قال لوكلاند مبتسمًا لي، وكاشفًا عن أسنانه البيضاء المثالية. ذاب قلبي، وبذلت قصارى جهدي لكي لا أسقط على ركبتي أمام مغازلته البريئة.
    "حسنًا، سآخذ الطلبات بنفس الترتيب الذي أخذت به المشروبات. هذا أسهل"، قلت وأنا ألتفت إلى كول.
    "سآخذ كومة من الفطائر."
    "وأنا أيضًا." ابتسم تايلر، وصفق كول على الطاولة.
    "وأنا كذلك." ابتسم لوكلاند بخبث.
    "وأنا"، قال مايك، وهو ينظر بملل إلى أصدقائه المبتسمين. ضحكت على أنهم جميعًا طلبوا نفس الشيء.
    "لا تنسي أن تطلبي شيئًا لنفسك"، أضاف لوكلاند قبل أن أبدأ في الابتعاد.
    "أوه لا، لست بحاجة إلى أي شيء"، قاطعت بسرعة، وبدأت في الابتعاد مرة أخرى عندما أمسك بمعصمي، وأدارني نحوه.
    "إما أن تطلبي شيئًا لنفسك، وإما سأذهب إلى ذلك المطبخ وأطلبه لكِ." حدق بي، كما يفعل صديق مهتم.
    انتظر. لماذا أفكر في ذلك؟ لقد أقسمت على عدم المواعدة منذ فترة طويلة عندما انكسر قلبي بوحشية.
    عبست في وجهه، وكتبت "كومة من الفطائر" لنفسي ولاحظت أن لوكلاند ينظر فوق كتفي للتأكد من أنني كتبت شيئًا بالفعل.
    ابتسم لي وأنا ألتفت لوضع الطلب في المطبخ. "إذن، راين، منذ متى وأنتِ تعملين هنا؟" سأل مايك، وهو ينظر إليّ بفضول.
    "سنتان، تقريبًا منذ أن بلغت التاسعة عشرة"، قلت.
    "منذ متى وأنتم في الجيش؟" سألت الطاولة، وشاهدتهم جميعًا ينظرون إلى بعضهم البعض.
    "أربع سنوات"، قالوا جميعًا في انسجام تام.
    "أوه، واو، هذه مدة طويلة. إذن، كم ستبقون في المنطقة؟" سألت، آملة أن تكون فترة طويلة حتى أتمكن من التعرف على لوكلاند بشكل أفضل. بدا شابًا لطيفًا حقًا.
    
    "لقد أنهينا للتو أربع سنوات من الخدمة الفعلية، لكن لدينا التزامًا آخر لمدة أربع سنوات كاحتياطيين. يمكنهم استدعائنا في أي وقت، ولكن ربما ليس قبل أشهر." ابتسم لوكلاند بخبث، وأرسل لي غمزة مغازلة، كما لو كان يقرأ أفكاري.
    احمر وجهي، وأدرت رأسي بعيدًا عندما سمعت رنين الجرس يشير إلى أن الطعام جاهز. نهضت، ودخلت المطبخ، وأمسكت بالصينيتين، وقدمت الطعام للجميع. بعد إعادة الصينيتين وأخذ كوب من الماء لنفسي، جلست ورأيت أنهم قد بدأوا بالفعل في تناول طعامهم. كنت أبحث عن شراب القيقب على الطاولة عندما رأيته في يد لوكلاند. "عندما تنتهي، هل يمكنني الحصول على بعض من فضلك؟" سألت بخجل.
    "أجل بالطبع، لقد انتهيت." ناولني إياه.
    ابتسمت بامتنان، وسكبت بعضًا على فطائري، ووجدت سكينًا وشوكة إضافيين، وسرعان ما وضعت قطعة في فمي. "أقسم أن لديهم أفضل فطائر هنا." تأوهت بين اللقمات.
    "أخبريني عن ذلك"، قالوا جميعًا في وقت واحد.
    انتهينا من طعامنا، وقمت أنا، بصفتي النادلة، بحساب الفاتورة. خصمت ثمن طعامي، وأضفته إلى حسابي الشخصي قبل تقسيم الفاتورة كما طلبوا مني. عدت إلى الطاولة وقدمت لكل منهم فاتورته. "أين وجبتك؟" سأل لوكلاند، وهو يفحص جميع فواتيرهم قبل أن يسألني.
    "أوه، سأخصمها من راتبي"، قلت.
    "أوه، لا، لن تفعلي. اذهبي وضعيها على فاتورتي الآن"، قال وهو يدفعها في يدي ولم يعطني فرصة للجدال. تراجعت إلى الخلف، وعلى وشك أن أفتح فمي عندما حدق بي.
    
    
    
    
    
    
    استدرت بتنهيدة، عالمة أنني لن أكسب هذه المجادلة. أضفت وجبتي إلى فاتورته وعدت، وأنا أحدق به بغضب. ناولني عشرين دولارًا لتغطية وجبتنا بأكملها. أعطاني الآخرون بطاقاتهم الائتمانية، وسرعان ما قمت بتمريرها، وعدت إلى الطاولة في غضون دقائق قليلة.
    ~*~
    ابتسمت وأنا أعود إلى قسم الموظفين، وعلقت مئزري، ومشيت عبر الباب الخلفي إلى سيارتي الجيب. قفزت بسرعة إلى الداخل وشغلتها، لكنها توقفت عن العمل فجأة. "ليس اليوم"، تذمرت، وضغطت على البوق بغضب. حاولت مرة أخرى، وهذه المرة لم أحصل على أي شيء، ولا حتى اهتزاز طفيف من المحرك. خرجت، وفتحت غطاء المحرك، واستقبلني دخان أسود كثيف. سعلت واستدرت قبل أن أعود، وأنا أحدق في سيارة الجيب الحمراء اللامعة بغضب.
    "كيف تفعلين هذا بي؟ لا أستطيع تحمل تكلفة شراء سيارة جديدة، وليس لدي وقت لإصلاحك." حصلت على سيارة الجيب في عيد ميلادي السادس عشر من والديّ المحبين. كانت بالفعل سيارة دفع رباعي قديمة وتحتاج إلى بعض الإصلاحات هنا وهناك، لكن بشكل عام كانت دائمًا توصلني إلى وجهتي.
    كنت أعتز بسيارة الجيب رانجلر الحمراء موديل 2000 بكل قلبي، والآن حان وقت الحصول على سيارة جديدة، لكنني كنت بحاجة إلى بضعة أشهر أخرى لأتمكن من توفير ثمنها. جلست على الرصيف، وأنا أحدق في سيارة الجيب مرة أخرى، على أمل أن يجعلها نظراتي تبدأ العمل خجلًا بطريقة ما.
    "هل تحتاجين إلى مساعدة؟" سأل شخص ما، قادمًا أمامي، حيث التقت نظراتي بحذائه القتالي البني الداكن. نظرت إلى الأعلى، والتقت عيناي بعيني لوكلاند الزرقاوين.
    "هل يمكنك من فضلك محاولة تشغيل سيارتي الجيب؟" سألت، وعيناي تتوسلان بينما كنت على وشك المشي إلى المنزل.
    "أجل، سأبذل قصارى جهدي." ابتسم بخبث.
    "أوه، شكرًا لك."
    ألقى نظرة على المحرك لبضع ثوان قبل أن يتحدث. "اذهبي واجلسي في مقعد السائق، وعندما أقول لكِ ابدئي التشغيل، ابدئي."
    أومأت برأسي. "حسنًا، سأفعل." أسرعت إلى مقعد السائق.
    "ابدئي!" صرخ بعد أن عبث ببعض المفاتيح. أدرت المفتاح ولم يحدث شيء. "حسنًا، انتظري ثانية." عاد إلى تحت غطاء المحرك. لاحظت أنه قد غير ملابسه ويرتدي الآن بنطلون جينز وسترة سوداء بغطاء للرأس. انتظرت، وأنا أشاهده يخلع سترته ذات الغطاء ويرميها على الأرض، ليظهر بقميص داخلي أبيض ضيق يبرز عضلاته. دعني أخبرك أن عضلاته بدت رائعة وهي تنقبض ببراءة مع كل حركة يقوم بها.
    
    "مرة أخرى!" نادى.
    أدرت المفتاح، وبدأت السيارة في العمل لكنها توقفت مرة أخرى. "إنها لا تعمل يا لوك." قلت، وأنا أخرج من سيارة الجيب، ومشيت نحوه. "لا بأس. سأعود إلى المنزل سيرًا على الأقدام وأتركها هنا"، أكدت له، واضعة يدي على كتفه المتعرقة.
    "لا، ليس بخير"، قال، والعرق يتصبب على وجهه.
    "لوك، حقًا، لا بأس"، قلت مرة أخرى.
    "يعجبني اللقب." ابتسم.
    "لم أقصد ذلك. آسفة إذا أسأت إليك"، تلعثمت، وشعرت بخدي يحمران على الفور.
    "لا، يعجبني حقًا. دائمًا ما يكون لوكي أو لوكلاند أو الرقيب كوين"، قال، وهو يقف منتصبًا وينظر إليّ في عيني. "سأوصلك إلى المنزل."
    تحدث مع نفسه، وانحنى لالتقاط سترته ذات الغطاء، وأغلق غطاء المحرك، وذهب إلى جانب السائق، وسحب المفتاح من الإشعال، وأغلق الباب. ثم أمسك بيدي، وقادني إلى شاحنته الفورد الزرقاء الداكنة، وفتح باب الراكب، وساعدني على الركوب مثل رجل نبيل حقيقي. ثم أغلق الباب ومشى إلى جانب السائق.
    انزلق بسرعة إلى الداخل، وشغل السيارة، ورما سترته في الجزء الخلفي من الشاحنة. بمجرد خروجه من موقف سيارات المطعم، أدار رأسه نحوي. "ما هو العنوان؟" سأل، ولا يزال مبتسمًا بطريقة ما.
    "لا أعرفه بالضبط، لكنك تنعطف يسارًا هناك ثم يمينًا عند الإشارة التالية، ثم تسير прямо لمدة خمس دقائق تقريبًا قبل سلسلة من المنعطفات"، كذبت.
    "لا مشكلة. سأوصلك إلى المنزل بأمان. لا تقلقي"، قال، وهو يتبع تعليماتي وتوقف أمام مبنى شقتي بعد عشر دقائق.
    نظر إلى المبنى وهز رأسه. ذهبت لفتح الباب لكنني وجدته مغلقًا. "لا يمكنني السماح لكِ بالخروج"، قال عابسًا.
    "لماذا لا؟"
    "لم أكن أعرف أنكِ تعيشين في هذا الحي، ولو كنت أعرف، لما كنت قد أحضرتكِ إلى هنا. أنتِ تعرفين ما يجري هنا، أليس كذلك؟" سألني، وهو يبدو قلقًا للغاية.
    "أجل، أعرف. لست غبية." قلت، وأنا أعبس له بالمقابل.
    وضع الشاحنة في وضع الانتظار. "إذن لماذا تعيشين هنا؟" كان عليه أن يهتم بشؤونه الخاصة في رأيي، لكن من كان يسأل؟
    "لا أستطيع تحمل تكلفة العيش في أي مكان آخر. طردني والداي من المنزل عندما بلغت الثامنة عشرة، واضطررت للعيش في الشوارع لمدة عام لأنني لم أستطع العثور على وظيفة." شعرت بالدموع تتوسل بالفعل للانطلاق.
    لم أخبر أحدًا بهذا من قبل. لم أفهم لماذا كانت كل الأشياء تنزلق من فمي بهذه السهولة أو لماذا أردت أن أخبره بكل شيء.
    "لست مضطرة للاستمرار." بدا غير مرتاح، ويمرر يديه في شعره كما لو أنه لا يعرف ماذا يفعل بهما.
    "في الواقع، أريد أن أخبرك. لم أستطع إخبار أي شخص وأشعر كما لو أنني أستطيع الوثوق بك"، همست، وعيناي تنظران إلى عينيه بعجز.
    "أريد أن أعرف كل شيء عن ذلك، لكن دعنا ننتقل إلى الخلف"، همس، وفتح بابه وقفز للخارج، وركض إلى جانبي وفتح الباب.
    سحبني إلى ذراعيه واحتضنني هناك. لم أشعر بالحاجة إلى التحرك. شعرت بالأمان للمرة الأولى منذ سنوات. "لست مضطرة لعناقي"، همست، قبل أن أضع رأسي على كتفه، مستمتعة بالراحة.
    "أعلم أنني لست مضطرًا، لكنني أريد ذلك"، قال، وهو ينزلق إلى الجزء الخلفي من الشاحنة. حملني في حضنه بحيث كنت أواجهه. "ابدئي من البداية وأخبريني بكل شيء"، أمرني، وهو يحتضنني بإحكام بين ذراعيه. أومأت برأسي وبدأت من البداية تمامًا، اليوم الذي أُجبرت فيه على الخروج من منزلي.
    "بدأ كل شيء في يوم عيد ميلادي الثامن عشر . . ."
    
    
    
    
    
    "كنت في غرفتي أحل واجباتي المدرسية عندما فتحت أمي الباب بعنف وبدأت بالصراخ. لم تصرخ عليّ حقًا من قبل، لكنني كنت أعرف دائمًا أنها لم تحبني أبدًا. كانت تولي كل اهتمامها لأخي الأكبر إيدن. كان الطفل المدلل. استمر ذلك حتى رسب في دورته الجامعية مرتين. لكن هذه قصة أخرى." قلت وأنا أنظر إليه.
    "تابعي"، همس بهدوء.
    "اخرجي من بيتي الآن!" صرخت أمي في وجهي.
    "لماذا؟" سألت، متفاجئة بالتحول المفاجئ للأحداث.
    "كيف تجرؤين على سؤالي لماذا!" صرخت مرة أخرى، واتسعت عيناها، وهي تمسك بشعري وتسحبني عبر المنزل. "لا أريد رؤيتك مرة أخرى أبدًا. لقد عشت معك ثمانية عشر عامًا، وقد سئمت منك. السبب الوحيد لبقائك طوال هذه المدة هو أن والدك أرادك، لكنه الآن رحل." فتحت الباب الأمامي ورمتني إلى الخارج. جلست هناك لفترة، مشوشة مما حدث للتو. كنت قد بلغت الثامنة عشرة للتو، وكان والدي مسافرًا في عطلة نهاية الأسبوع للعمل.
    "على أي حال، لم يكن لدي مكان أذهب إليه. لم يكن لدي أصدقاء ولا عائلة. نمت على مقعد الحديقة تلك الليلة، ولم أكن أعرف ماذا أفعل. فعلت ما يفعله المشردون العاديون. بحثت عن عمل ونمت حيثما استطعت. بعد عام، حصلت على وظيفة في مطعم مات.
    "استأجرت هذه الشقة بعد العمل هناك لمدة شهر. سمح لي مالك المبنى بدفع نصف الإيجار. لقد تفهم وضعي، وأنا أعيش هنا منذ ذلك الحين"، قلت، وأنا أحاول جاهدة ألا أفقد أنفاسي بينما كانت الدموع تنهمر على وجهي. "لم أخبرك بالعنوان لأنني لم أرد أن تشفق عليّ."
    "ششش، يا حبيبتي"، غنى بهدوء، وهو يسحبني إلى صدره ويمرر يده على طول ظهري بحركة مهدئة. لففت ذراعي المرتعشتين حول خصره وضغطت برأسي على تجويف عنقه، تاركة إياه يحميني من كل شر في العالم. "لن أؤذيك أو أتركك. أعدك"، همس.
    
    

    صدمة ما بعد الحرب - رواية عسكرية

    صدمة ما بعد الحرب

    2025, تاليا جوزيف

    اجتماعية

    مجانا

    جندي عائد من حرب العراق، يعاني من صدمة ما بعد الحرب وجروح جسدية ونفسية عميقة. يلتقي بفتاة عمياء في مقهى، وتنشأ بينهما علاقة صداقة غير متوقعة. يجد الجندي في هذه الفتاة شخصًا يفهمه ويتقبله كما هو، بينما تجد هي فيه رفيقًا يقدرها ويحترمها. تتناول الرواية مواضيع الحرب والصدمة والعلاقات الإنسانية والتحديات التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة.

    كونور رايت

    جندي سابق يعاني من صدمة ما بعد الحرب، ويحاول التأقلم مع حياته الجديدة بعد الإصابات التي تعرض لها. يمثل كونور الجانب المظلم من الحرب وتأثيرها المدمر على الأفراد.

    أوليفيا هاريس

    فتاة عمياء تتمتع بشخصية قوية ومستقلة، وتسعى لتحقيق ذاتها رغم التحديات التي تواجهها. تمثل أوليفيا جانب الأمل والتحدي في مواجهة الصعاب.
    تم نسخ الرابط
    صدمة ما بعد الحرب

     
    إهداء:
    لِكِلّ مين حَسّ حالو ضايع، لِكِلّ مين بعدو عم يدوّر.
    
    اقتباس:
    "إنك تحبّ أو تكون حبيت، هيدا بيكفي. ما في لؤلؤة تانية تنوجد بتعريجات الحياة المعتمة."
    — فيكتور هوغو، البؤساء
    
    من ستّ شهور، كونور رايت اندعس تحت أطنان من الركام والرماد، رياتو مخنوقين بالدخان، أطرافو مكسّرين، متفجّرين للعدم.
    اليوم، كلّ شي بيحسّو كأنو حلم مكسّر بس واضح. قاعد على كرسي صغير ومقطّع بغرفة ضوّا صفرا بتزعّج وريحتها معقّمات بايخة، مقابيلو وصفة دوا تانية ما بتفيد لابسة بالطو أبيض.
    "كيف عم تحسّ حالك اليوم؟"
    "متل الأسبوع الماضي، يمكن."
    وصفة الدوا بتشخبط شي على ورقة.
    قائمة الأسئلة المعتادة بتكمل. نوم، مزاج، شهية. وجع على مقياس من 1 لـ 10 قبل الدوا، كم حبة باليوم، كم مرة؟
    كونور ما عندو طاقة يكذب هالمرة. "ستّة أو سبعة من عشرة، يمكن. مبارح، أخدت شي خمس حبوب."
    جبين وصفة الدوا بيعقد بقلّة راحة مخبّاية بشكل سيء.
    "حسب فحصك الأخير يا كونور، جروحك شفيت منيح." عيونو نازلين على المكتب، بيتجنّبوا وش كونور. "الوجع اللي عم تحسّ فيه على الأغلب نفسي. بدي اقترح عليك كم خيار جديد لنبلّش نخففلك الأفيون. أنا قلقان إنو ما عاد عم يعمل مفعولو منيح."
    ركبتو عم تهزّ؛ لمحة انزعاج. كان عارف إنو هيدا جاي؛ كان متوقّع. "مش براسي. ما فيك تعطيني حبوب زيادة يا دكتور؟"
    الدكتور، اللي فجأة قرر يصير أكتر من مجرد وصفة دوا، ابتسم ابتسامة ساخرة. "مش ممكن على المدى الطويل يا كونور. جسمك عم يصير عندو تحمّل للهيدروكودون. فينا نجرب خيارات تانية لتخفيف الوجع، متل المساج أو العلاج الكهربائي." هزّ راسو لحالو، مبسوط على ما يبدو بهالفكرة. "الزولوفت منيح، ما رح نقرّب عليه. وبما إنك قلتلي إنو ما لقيتو مفيد المرة الماضية، بدي منك ترجع تشوف أخصائي نفسي ليساعدك تتأقلم مع—"
    "أنا منيح. أنا منيح غير الوجع. الدوا عم يساعد."
    الدكتور مش مقتنع. "طيب، خلينا نعمل اتفاق. بخلي البنات بالاستقبال يرتّبولك موعد مع أخصائي نفسي. بتشوفهن مرة بالأسبوع، وأنا بوقف تخفيف وصفة الفيكودين تبعك مؤقتًا."
    "دكتور نفسي؟"
    "أخصائي نفسي. نفس المبنى، حتى. كم طابق لتحت. يمكن يعطوك موعد قبل هيدا، بتوفّر مشوارين."
    أخصائي نفسي. يا سلام. دكتور بلا وصفة دوا.
    برنامج تخفيف الوجع بالطابق السادس بمستشفى راولينغز للتأهيل. نهار خميس مشمس، نص أيار. كونور بيترك عيادة الدكتور ومعو وصفة جديدة مطوية بجيبتو الخلفي. رعشة بتحكي بتزحف على الجانب الأيسر من جسمو؛ الظاهر إنو آخر جرعة قبل الغدا بلّشت تروح مفعولها.
    
                الناس بيبحلقوا فيه كم ثانية زيادة وهو عم يمشي. بيحس بصدمتن، بانزعاجن، حتى لو فاقوا من حالن وتظاهروا إنو كل شي تمام.
    خمسة شهور ونص من وقت ما ترك العناية المركزة، تلات شهور من وقت ما انتقل من بيت أمو لشقة جديدة، شهرين ونص من وقت ما بلّش يجبر حالو يطلع على العالم. بالسوبرماركت، بالبنك، بالليجيون، مكتب شؤون المحاربين القدامى. حتى وهو عم يمشي بالشارع اللعين، الناس بيحوّلوا نظراتن وبيبعدوا عن طريقو. كأنو فضائي، كأنو وحش.
    خمسة وعشرين سنة، عزّ شبابو، مشلّح ومرفوض وواجعو. وغضبان. دايماً، بغضب مرهق.
    بيطلع الدرج ليحرق شوية طاقة، ليذكّر حالو إنو على الأقل عندو رجلين شغّالين. حتى لو عضلة ساقو اليسرى بتحب تتشنّج عليه أحيانًا، حتى لو أصابع إيدو اليسرى بيرجفوا شوي وهو عم يمشي.
    بأسفل الدرج، صدمة خدر مفاجئة برجلو اليسرى بتخلّيه يوقف لحظة بائسة، ماسك بالدرابزين.
    جسم بيخبط فيه بلا مبالاة، والإحباط بيشتعل بحلقو. "يا زلمة، ما بتشوف وين عم تمشي؟"
    لما عيونو بيستوعبوا، الغضب بيتحوّل لخجل. عصا بيضا رفيعة بتدقّ على البلاط. البنت بتزمّ شفايفها وبتصرّخ: "آسفة. أنا عميا." بيتهيّألو إنو سمعها عم تتمتم بمرارة تحت أنفها، كأنو مش واضح.
    آخ، يا خرا.
    

    "يا خرا. آسف. عن جد، ما كنت—" هي أصلاً بلشت تمشي بعيد عنو، أصابعها عم تمدّ لتتحسّس مقبض الباب، وعم تدفشو لقدام لتفتحو. لمح لمعة عيونها الزرقاء الكريستالية، واضحة وحادة. لولا العصا، ما كان عرف. رجلو المتقلّبة المزاج اللي نسيها بالكامل، بلّش يمشي وراها بسرعة، عم يحاول يلحقها. هي سريعة بشكل ملحوظ. "يا بنت" نادى عليها وهو عم يمشي جنبها. المبنى الضخم المصنوع من الطوب البرتقالي والإسمنت عم يختفي وراهم. "يا إلهي، آسف. ما كان لازم—" "عادي." نفضتو ببرود، عصاها عم تضرب على الإسمنت، خطواتها سلسة وسريعة. شكلها بتعرف وين رايحة. راسها مرفوع، فمها خط مستقيم. شعرها بني، وعم يلمع بالشمس. "لأ، مش عادي" اعترف، عم يخبص بشعرو الأسود القصير من ورا راسو. وقفت قدام موقف الباص وتحسّست ذراع المقعد قبل ما تقعد. قعد جنبها. خدودها بعدهن حمر من الغضب، وبمكان ما براسو المخربط، لاحظ إنها حلوة. معصبة، بس حلوة. ما حتى التفتت عليه. "المرة الجاية بس تذكّر، ما بعرف. شوف قبل ما تحكي." آخ. عبّس. أو نص وشّو اليمين عبّس، على كل حال. "إيه، هيدا... نصيحة منيحة." بسرعة حركة من إيديها، طبقت عصاها وحطتها بشنطتها الكتان الزرقاء الغامقة. أم ماسكة ولد صغير بإيدو. الثنائي عم يركضوا على الرصيف قدامهم، عم يمرّوا بموقف الباص. "ماما، شو صار بوش هيدا الزلمة—" "شش، اسكت" همست، عم تشدّو وراها بسرعة. "ما تكون قليل ذوق." تجاهل الموضوع، أو حاول على الأقل. وحش، هيدا اللي بيشوفوه لما بيتطلعوا عليه. والظاهر إنو عم يتحول لواحد. "شوفي، أنا—" عم يمسح إيديه على جينزاتو، عم يحاول يلاقي شي يحكيه. المحادثة المتحضّرة قليلة هالأيام؛ ما عاد متعود. "فيني عوضك بشي أو شي متل هيك؟ عن جد. عزمك على قهوة، أو..." عم تدور بشنطتها على موبايلها، عم تفكّ سماعاتها. عند اقتراحو، وقفت، وتعابير وجها خفّت شوي. "لازم ألحق الباص تبعي..." "سيارتي بعدا واقفة ورا، ورا مركز التأهيل." يا سلام عليك يا زلمة. "يعني. أو يمكن مرة تانية، أو..." بالرغم من إنو زلمة وقح وأهبل، لمحة ابتسامة ظهرت على ملامحها الرقيقة. عم يتفرج عليها وهي عم تحط السماعة بإذنها وعم تكبس على موبايلها. صوت آلي مكتوم عم يقول شي من السماعة. هزّت كتفها النحيل وفاجأتو لما وافقت: "يمكن عندي شوية وقت." "امم. منيح." المقهى الوحيد اللي بيعرفو هو اللي جنب شقتو، وهيدا على الطرف التاني من راولينغز، بس يمكن فيو بس— "في كافيه، كم بلوك من هنيك." أشرت على يمينها وقامت من المقعد. "حلو. امم... أنا كونور، على فكرة." "أوليفيا." سحبت نظارات شمسية أنيقة من شنطتها وحطتهم. بيكره لما الناس بيبحلقوا، بس هلأ عم يذكّر حالو ما يعمل نفس الشي. شكلها طبيعية كتير. وكفوءة. ومن الواضح إنو سخافة إنو افترض غير هيك تلقائياً، بس... "فيني أمسك إيدك؟" "آه، إيه. إيه، أكيد." "شكراً. أنا بكره العصا شوي، لهيك..." مدّت إيدها ولمست ساعدو بحذر. لما حسّت بمكانو بالضبط، مسكت ذراعو اليمين بلطف، فوق الكوع مباشرةً. أصابعها باردة لما مسكت بجلدو، وانتبه برجفة إنو صارلو وقت طويل من وقت ما حدا لمسو لسبب غير طبي. "أنا، امم..." "فيك تمشي عادي" شرحت. "بس مش بسرعة كتير." هزّ راسو بس تذكّر إنها ما بتشوفو. بلشوا يمشوا. الشارع اللي جنبهم بعدو هادي نسبياً بهالظهرية الباكرة. صوت السيارات البطيء، حكّة الإطارات على الطريق. "ليش بتكرهيها؟ عصاتك، يعني." "بالأغلب لأنو اشتقت لكلبي." في لمحة حنين بصوتها. "لولا. كانت عندي من وقت ما كان عمري خمسطعش. ماتت من شهر." "آسف." "كان عندها سرطان، لهيك كانت عم تعاني شوي بالأخير. كان وقتها، يمكن. بس اشتقتلها." "شو نوع كلب كانت؟" "لابرادور ريتريفر." بعد صمت، أضافت بنبرة أخف: "آه، كمان ما بحب أستخدم العصا لأنها بتخوّف الناس شوي." ضحك شوي. إيه، بعرف الشعور. الجو معتدل، الربيع عم يتحوّل لصيف بالهوا النقي. العشب أخضر، والسما زرقاء. أصص زهور ملونة معلقة على أعمدة الإنارة على الرصيف. دفء الشمس على وش كونور فاتر، مش متل حرارة الصحراء العراقية اللي تعوّد عليها بالكم سنة الماضية. "طيب" سألت بشكل عفوي، "عندك عادة تصرخ على الناس المعاقين، ولا بس عم تقضي نهار زفت؟" حكّ قفا رقبتو بإيدو الحرة. الحقيقة هي إنو كل يوم هو نهار زفت. "إيه، أنا، امم. ما كان أحسن لحظاتي." وصلوا لتقاطع طرق. "ميلنر، صح؟" كونور طلع على إشارة الشارع. "إيه." "لازم نلف يمين." لثانية، تساءل إذا عن جد ما بتشوف شي، لأنو شكلها بتشوف. أنت غبي. مشوا بصمت. ما عندو فكرة شو يقول. يمكن لأنها عميا، يمكن لأنها غريبة، يمكن لأنها بنت. أو يمكن لأنها إنسان وما عم يعمل علاقات اجتماعية كتير مؤخراً.

    "إنت... بالجامعة؟ بتشتغل؟" هيدا سؤال طبيعي، صح؟ "تخرجت جديد. عملت بكالوريوس من جامعة راولينغز." هيك بتصير شي 21 سنة، 22؟ "شو درستِ؟" "تاريخ مع مرتبة الشرف. وإنت؟" بلع ريقو. تمو ناشف. قاعد بالبيت أغلب الوقت، عايش على معونة العجز. "امم. أنا ملازم بالقوات المسلحة الكندية." "آه، حلو. ما بعرف شي عن الجيش، إذا بدي كون صريح. إنت يعني... بإجازة، أو...؟" "طلعت من الخدمة الفعلية. تسريح طبي." لحسن الحظ، ظهرت مظلة قدامهم—عذر مناسب ليوقف هالمحادثة هون. "ذا ديلي غرايند. وصلنا، على ما أظن." "بحب هالمكان" قالت لما فتح الباب. "بيعملوا قراص قرفة كتير طيبين." "آه، مرحبا أوليفيا!" نادت وحدة من اللي بيشتغلوا على البار باتجاههم. "متل العادة؟" "مرحبا كارلا. إيه، لو سمحتي." قالت لكونور: "في طاولة على اليسار، على الحيط، تحت لوحة." حدد مكان اللوحة، قطعة فنية تجريدية مخططة بالذهبي والأزرق المخضر، واتجهوا مع بعض باتجاه طاولتها المفضلة. أطراف أصابعها لمست سطح الطاولة، عم تدور على ظهر كرسي. قعدت على كرسيها بسهولة، واعترف لحالو إنو بيلاقيها بتجنن لما بيتفرج عليها. "امم، لحظة؟ رح روح أطلب." الغرفة متوسطة الحجم بس دافئة. شبابيك كبيرة داخل منها الضو، طاولات بكل الأحجام، واجهة زجاجية مليانة مخبوزات. وقت غدا الزحمة خلص، لهيك الكافيه فاضي تقريباً، وحس حالو أقل وعي بذاتو. "مرحبا" قالت كارلا الشقرا، اللي بتشتغل على البار. "أوليفيا بدها لاتيه وسط وقرص قرفة، مدفى. شو فيني جيبلك؟" "بدي نفس الشي، لو سمحتي." "اختيار ممتاز." طلع ورقة عشرين خضرا مجعلكة من محفظتو. "قراص القرفة من عنا" ابتسمت. "يعني بصير تمنهم تمانية وأربعين." بنت عميا وخسران مشوه— حالة خيرية. هيدا الشي بيزعجو، متل أغلب الأشياء هالأيام، بس حاول يذكّر حالو إنو نيتها منيحة. "شكراً." "رح وصلهن لعندكم بعد شوي." لما قعد مقابل أوليفيا على الطاولة، انتبه إنو نظاراتها الشمسية حطتهم على جنب. طفت موبايلها وحطتو مقلوب على سطح الطاولة الخشبي. ما قدر يمنع حالو يتفرج عليها. نمشات على جوانب أنفها. وجها رقيق بس حاد. شوية روج زهري خفيف بيخلي عيونها تلمع أكتر. سأل حالو كيف بتحط مكياجها إذا ما بتشوف حالها بالمراية، أو كيف بتعرف شو لون تيابها أو إذا شعرها مسشور صح، أو... "كنت عم تقول شي عن... تسريح طبي، صح؟ إنت منيح؟ شو صار؟" الظاهر إنو رح يفوتوا بالموضوع دغري. ماشي. "قصة طويلة." هزت راسها. "خاص؟ آسفة." ضحكت على حالها بصوت واطي. "أنا فاشلة بقراءة تعابير الوش، طبعاً، لهيك..." آه، يعني بتضحك. عضّ على باطن خدّو، عم يفكر. حكى نفس القصة كتير مرات، لأطباء نفسيين وعيلتو ومراسلين. تعب منها. قعدت عم تستنى. ما تطلعت عليه بغرابة. ما تطلعت على الجلد المتندب والمتجعد اللي مغطي نص وشو كأنو شي مخلوق غريب، شي حيوان نادر بدل ما يكون إنسان. "كنت متمركز بالعراق، بمهمة إنسانية. وحدتي كلها انحصرت بتفجير بالموصل." إذا غمض عيونو، رح يشم ريحة البنزين واللحم المتفحم، رح يسمع صوت الانفجار المدوي مرة تانية. خلّى عيونو مفتوحين منيح. "هيدا الشي فظيع. آسفة." اللي بتشتغل على البار حطت صينية، نزلت كوبين قهوة رغوية وقرصين قرفة ضخمين ذهبيين، مغرقين بصوص كريمي ومرشوشين بالجوز. "شكراً كارلا." "استمتعوا!" أصابعها تحركت لقدام لتلف حول مقبض الكوب. "مررلي سكر أسمر، لو سمحت؟" إيدو نطت دغري باتجاه مجموعة الأكياس الصغيرة الموجودة بحاوية على الحيط. "وحدة بس؟" "إيه، شكراً." مدت كفها، وحط الكيس الورقي الصغير بإيدها. تفرج عليها باهتمام وهي عم تفتحو وتستخدم أصابعها لتحدد مكان معلقتها. "لحظة. الموصل. هيدا كان... بداية كانون الأول؟ بتذكر سمعت عنو بالأخبار." "إيه." الكل سمع عنو. الكل تظاهر إنو مهتم. نص دستة جنود ماتوا، وواحد بس طلع عايش. مأساة. خسارة للوطن. بس بيمروا جنبو بالشارع، ووجودو إهانة لراحة بالهم، لطبيعيتهم، لوضعهم الحالي. دولسي إت ديكوروم إست برو باتريا موري. يا لها من كمية هراء كاملة. أوليفيا هاريس بتحب تفكر إنها منيحة بقراءة الناس. يعني، بكل الأحوال. الزلمة اللي قاعد مقابلها، مثلاً، عندو صوت واطي وخشن شوي. انطباعها الأول (بعد الانطباع الأول اللي كان فيه وقح) كان إنو صوتو طويل. وهيدا الشي تأكد لما مسكت ذراعو—صلب وعضلي، خلّونا نلاحظ—وسمعت هالصوت الواطي والخشن طالع من فوق. كمان هادي، أو محرج، أو يمكن الاتنين. أو يمكن، أكتر من يمكن، ما قابل شخص أعمى قبل وما بيعرف كيف يتصرف. نموذجي. كانت محتاجة لهالدفعة من الكافيين بعد ما حضرت جلسة دعم جماعي تانية بتجنن بمستشفى التأهيل. عم تحضر هالجلسات (بالإجبار) من شي سبع سنين. بصراحة، تعبت من سماع أشخاص معاقين تانيين عم يتذمروا من صعوبة كونهم أشخاص معاقين (آسفة، أشخاص ذوي إعاقة)، بس طبعاً أهلها بيصروا، لأنو "دعم الأقران قيّم بشكل لا يصدق!" تفو. على كل حال. العراق. انفجار. ما بيبدو إنو بدو يحكي عن الموضوع. فهمت. "إنت من راولينغز؟" "إيه، تربيت هون. وإنتِ؟" "نفس الشي." على يمينها، بتسمع صوت طاحونة القهوة. الباب عم ينفتح، صوت خطوات تقيلة، صوت ست كبيرة على البار. "أي مدرسة ثانوية رحت؟ أنا رحت مدرسة راولينغز الثانوية، لهيك إذا بتقول فيرفيلد للأسف ما رح نكون أصحاب..." راولينغز، ألبرتا. جنوب غرب كالجاري، عدد سكانها 100 ألف. في خمس مدارس ثانوية، بس مدرسة راولينغز الثانوية وفيرفيلد هن الأكبر، وعداوتهم مشهورة. طلع منو ضحكة صغيرة، واطية، خشنة. متل ملمس ورق الصنفرة الخشن بس ناعم، بنفس الوقت. ورق صنفرة وكريمة. واطي وخشن. يا إلهي، جابت سيرة هيدا الشي؟ "رحت كلوفرديل. قسم فرنسي." عم يحكي مع حالو، نفخ: "يا إلهي، صار وقت طويل." "كم عمرك؟ استنى، خليني خمن." جودة الصوت، العضلات. "نص أو أواخر العشرينات." خفة على طرف صوتو، كأنو عم يبتسم، حتى لو شوي صغيرة. "خمسة وعشرين. إنتِ... كم، اتنين وعشرين؟" "صح. بس إنت فيك تشوفني، لهيك عندك ميزة غير عادلة." لقت شوكتها على يمين الصحن وعلى يسار الكوب. كارلا والتانيين دايماً بيحرصوا يتركوا الأشياء بنفس المكان كل مرة. "بس عموماً أنا منيحة بالتخمين، لهيك..." عم تحاول تكون مهذبة قدر الإمكان، بلشت تقطع قطع من المعجنات الدافئة واللزجة وترفع لقمة لتذوب بتمها. "إيه؟ شو فيك تخمني عني كمان؟" في صوت رنة معدنية لسكاكين على سيراميك، لهيك بتعرف إنو عم ياكل قرص القرفة تبعو كمان. استعد لتنبهر. "إنت طويل. على الأقل ست أقدام." "ستة قدم وواحد إنش." همهمة إعجاب. "مش سيء." يعني عندو حس فكاهة شوي. يا ريت. امم، ريحة القهوة المحمصة من مفضلاتها. ريحة الأفران، السكر المكرمل، تدفق ضوء الشمس اللي عم يتسرب من الشبابيك على جلدها. "وإنت... مش ولد وحيد." "صح كمان." صوت حك خفيف مكتوم، أطراف أصابعو عم تلمس شوية لحية. "مش متأكد كيف عرفتِ هيدا الشي، بس..." "لأ، هيدا كان تخمين. أنا ولد وحيد، بس مش كتير ناس هيك." أوليفيا متأكدة إنو ابتسامتو صارت أعرض شوي. يمكن. "عندي أخت أصغر مني" قال. "عمرها... تسعتاعش؟ عم تدرس تاريخ فنون بجامعة كالجاري." "يا إلهي. أخدت حصة تاريخ فنون مرة. كانت غلطة أكيد. ما كان عندي فكرة شو عم يحكوا." ما في ضحك. يا زلمة. الناس بيتضايقوا كتير لما بتعمل نكت عن العمى، حتى لو النكت بتجنن. "طيب، سؤال. يا خرا، إذا هيدا وقح، قلي اسكت، بس... إنت... بتشوف شي؟ ولا شي بالمرة؟ كيف بتشتغل؟" "بتختلف من شخص للتاني. عندي تشوه خلقي بالعصب البصري، لهيك ما بشوف شي وما شفت شي بحياتي. صفر إدراك للضوء." سحبت منديل اللي تحت الصحن، عم تمسح الكريمة اللزجة من أطراف أصابعها. "بس بعرف ناس فقدوا بصرهم تدريجياً. وفي ناس بعد بيقدروا يميزوا، متل، تغييرات بالضوء وهيك." في صمت أطول من العادة. شمخت. "إنت عم تهز راسك أو شي متل هيك، لأنو بتعرف ما عندي طريقة أعرف، لهيك..." سعلة مكتومة بمنديل أو بإيدو. بتراهن إذا مدت إيدها عبر الطاولة، رح تحس بحرارة خدودو من الإحراج. كيوت. "آسف، عن جد. عادة." "عم بمزح معك، مش قصة كبيرة. الناس بيعملوا هيك دايماً." "بس أكيد هالشي بيزعج. بيزعجك لما الناس..." بيبدو إنو عم يكافح ليلخص اللي بيقصدو بكلمات، بس فهمت شو عم يقصد. مرت بهالمرحلة، لما الناس اللي بيشوفوا كانوا بيزعجوا أمها. هالأيام، بتحاول تكون أهدى بالموضوع. "ما بعرف. الناس... ناس. غالباً مش مراعيين كتير، بس بفهم شوي. كلنا بنوقع بعاداتنا، صح؟" هزت كتفها. "مستحيل نفهم شو عم يمرق شخص تاني. فينا نحاول، يمكن، بس يعني..." "لازم نحاول." صوتو حاسم. "أكتر شي بيعصبني إنو الناس... ما بعرف. ما بيحاولوا. ما بيتعبوا حالهم." آه إيه، عندو قصة. وهي فضولية بطبيعتها؛ العجلات عم تدور بسرعة. عرج خفيف لما مشي، شي الو علاقة بمستشفى التأهيل، هالانفجار المجنون بالعراق اللي تصدر العناوين لأسابيع، قصة التسريح الطبي كلها. "كونور، فيني أسأل؟ قديش كان الوضع سيء؟" صمت تاني، بس هالمرة بتعرف مش لأنو عم يهز راسو أو عم يصافح أو عم يوقع بلغة الإشارة الأميركية، أو وحدة من مليارات الإيماءات الجسدية اللي ما بتقدر تكتشفها. هيدا نوع الصمت اللي بتقدر تحسو، النوع اللي أثقل وأقسى، متل لما بتشد رباط مطاطي كتير لدرجة إنو على وشك ينقطع. حفيف قماش، عم يغير وضعيتو على الكرسي. صوت ريق عم يبلع. "سيء. أسوأ من سيء." صوت أخشن وأغلظ. حاولت تبتسم ابتسامة متعاطفة وحستها عم تشد طرف فمها. "آسفة." سمعتو عم يمضغ قرص القرفة تبعو ببطء. "كيف عم تمشي أمورك؟" ترك السؤال معلق بالهوا قبل ما يعطي جواب مقتضب. "منيحة." ها. "بصدقك كتير." همهم بصوت واطي، متل العابس، وتتساءل إذا عم تبالغ، إذا زادتها شوي. الرجوع للوراء صعب لما ما بتقدر تشوف كيف الناس عم يتفاعلوا باللحظة. إذا بدها تكون صريحة مع حالها، هيدا أكتر شي بتخجل منو، أكتر شي بتقلق منو. عم تبعد الناس. لما بعدو ما حكى شي، قالت بهدوء: "عادي ما تكون منيح. مش لازم... تقول هيك بس لأنو هالشي بيمنع الناس يتضايقوا." صوت أنفاسو مسموع، منتظم وثابت. "يمكن بعدني... عم حاول أفهم شو يعني طبيعي. ما في شي بيحس... صح. ما بعرف كيف أشرح هالشي حتى." شي بصوتو بيخلي صدرها يضيق بشعور. حاولت تمشي بحذر أكتر هالمرة وحاولت تختار كلماتها بعناية أكتر. "طبعاً مش نفس الشي، بس. بفهم هالشعور... بعدم الانتماء. أو الشعور بالانفصال عن باقي العالم، بطريقة ما."

    في نبرة صوتو شي متل المي، خشنة أكتر. "إيه، هيك بحس." لحظات عاطفية مؤثرة مع غرباء عمليين هي الفرصة المثالية للكون ليعترض. موبايل أوليفيا بلش يهز على الطاولة. يا إلهي. نغمة رنين أمها؛ كانت بتعرف إنو لازم تتصل عليها بوقت ما. شعور بالانزعاج اجتاحها، خطفت الجهاز، كبست إصبعها على أسفل اليمين من الشاشة. بجفاء، جاوبت: "مرحبا ماما. شو في؟" "بس عم أتطمن عليكي يا حبيبتي. الجلسة خلصت من شي ساعة تقريباً، صح؟ كل شي تمام؟" أوليفيا نفخت الهوا. أمها لطيفة. بتقلق. نيتها منيحة. وأوليفيا بتعرف هالشي، بس هالشي بيجننها. "بالحقيقة" قالت بحسم، "تم اختطافي. لهيك ما رجعت عالبيت لهلأ." بعدت الموبايل عن إذنها وقالت: "آه، هيدا هو. الخاطف تبعي بدو يحكي معك عن الفدية." دفعت موبايلها لقدام ليتهدل بمكان ما بوسط الطاولة، باتجاه كونور. في صوت أجش، كأنو عم يختنق بشي. يا إلهي، كانت بتحب تشوف تعابير وشو بهاللحظة... "امم..." هزت الموبايل باتجاهو لحتى أخدو منها بتردد. زمّت شفايفها لتمنع حالها من الضحك، عم تسمعو وهو عم يتخبط: "امم. بوعدك ما خطفتها يا سيدتي." تلعثم، عم يدور على شي يحكيه، قبل ما يكمل: "بس... عم نشرب قهوة." بعدين، مجموعة أصابع عم تسحب معصمها بلطف، عم ترجع الموبايل بإيدها كأنو شي حارق ومؤذي. ضحكت ورفعتو لأذنها. "رح أرجع عالبيت قبل العشا، بوعدك." صوت أمها متردد بس فضولي. عم تهمس: "هيدا... شب؟" "لازم-روح-بشوفك-بحبك" قالت بسرعة بنفس واحد قبل ما تتخبط لتسكر الموبايل. إيه، إيه، عم تحمر، بتحس بهالشي. من الفرحة، من المرح، مش لأنو في فراشات عم تدغدغ بمعدتها، مش لأنو معصمها بعدو عم يرتجف من أثر لمستو الخشنة. بعد ما أخدت ثانية لتلملم حالها، اعتذرت: "آسفة. أمي بس... محمية زيادة عن اللزوم. مهما طلبت منها تخفف، ما بتقدر، كأنو هالشي ضد طبيعتها أو شي هيك." "امم. إيه، عن جد ما كنت متوقع هيك." بس بعدين عم يضحك، بخشونة، تحت أنفاسو، وهي عم تضحك كمان. ماسكة الكوب بإيديها التنين، أخدت رشفة طويلة، بس ما خففت كتير من حرارة خدودها. قالت بثقة: "رح بلش دراسات عليا بالخريف، وعم حاول أقنع أهلي يخلوني انقل لسكن الطلاب. يكون عندي مكان خاص فيني، بتعرف." بيفكروا إنها فكرة بشعة. "بجامعة راولينغز؟" "إيه. يعني، مش إنو ما فينا ندفع. وحدة من مزايا كوني عميا هي إني بحصل على منح دراسية ومنح من الحكومة وهيك." يمكن هالشي وعناق كلب مرشد هن الميزات الوحيدة، بس بتعرف. "بفكر رح يكون ممتع أخيراً أكون لحالي." أهلها عن جد ما بيفهموا. ما بيفهموا إنها بدها تكون مستقلة، لمرة وحدة. بتقدر تعملها، بتعرف إنها بتقدر، بس بعدن عم يدللوها. الانتقال هو على رأس قائمتها لـ "أخيراً كون شخص بالغ"، متعادل مع ممارسة الجنس وكونها بعلاقة. بصراحة، بهالوقت، الانتقال بيبدو الخيار الأقرب للتحقيق بالنسبة إلها. بس، امم، هيدا نقاش لوقت تاني. لاحظت إنو بياخد وقت ليجاوب لما بتقول شي، كأنو بيكافح ليلاقي شو يقول. "عم تفكري تنتقلي مع صديقة، أو لحالك، أو...؟" "صديقتي المقربة زوي بتقول يمكن بدها تلاقي مكان سوا. بس هي برا البلد هلأ. برحلة تبادل لفرنسا." هالشي بيساهم بإنو أوليفيا عم تحس... بالوحدة مؤخراً. لولا راحت، زوي بالطرف التاني من العالم. خلينا نقول إنو لعب سكرابل برايل مع أهلها بيفقد سحرو بعد فترة. أوليفيا شربت آخر قطرات القهوة والرغوة وجمعت بقايا الحلوى السكرية. لتشوف الوقت، كبست على ساعتها وسمعت صوت رجل آلي (اللي سمته كرونوس—كرو-كرو أو ببساطة كرو لأسباب واضحة) عم يخبرها إنو الساعة تلاتة بعد الظهر. مقابلها، كونور نظف حلقو. "امم، عندك شي، امم، على..." يا إلهي. هو من النوع اللي بيقول شي فعلاً بدل ما يخليها تمشي بقية النهار وهي ما عندها فكرة. (خبر عاجل يا ناس، ما بتقدر تتفقد حالها بالمراية.) "على وشي؟" مسكت منديل، قربتو على فمها، ومسحت زوايا شفايفها. "لأ، امم، فوق... امم..." عم يحرك حالو. "هون..." حست بالملمس الورقي الناعم للمنديل، لمسة صغيرة لجلد عم تلامس يسار أنفها. حمرت أكتر. تفو، يا جلد فاتح. "امم، شكراً." "أكيد."

    عم تمضغ شفتها وبتسجل ملاحظة داخلية تشتري مرطب شفاه زيادة. "امم، الباص الجاي بعد كم دقيقة. يمكن لازم روح..." "آه، إيه. إيه، منيح." لوحت بإيدها باتجاه صندوق الدفع، وخلّاها تمسك ذراعو مرة تانية. لابس تي شيرت؛ طرف الكم القطني عم يلامس إبهامها. الشعر الناعم على جلدو العاري عم يدغدغ كفها، وحستو دافي وصلب. وريحتو منيحة كمان. ذكورية، متل لمحة غامقة من الكولونيا، تراب وبهارات، لدغة ملح. وهن عم يرجعوا باتجاه المستشفى، بتعرف إنو نهار مشمس بسبب أشعة الحرارة اللي عم تغمر وشها، على طول ذراعيها، ظهر إيديها. نسيم بالهوا عم يداعب شعرها؛ الرصيف عم يحك تحت حذائها. ورق الشجر عم يخشخش على الأشجار، وحركة المرور أعلى من لما كانوا رايحين عالكافيه. ريحة العشب المقطوع الطازج الخفيفة بالكاد محسوسة بس بعدا موجودة. عم تعد عدد المنعطفات، مرور الوقت، والمسافة لحتى وصلوا لموقف الباص. لما أصابعها لقت طرف مقعدها المألوف، تركت ذراعو وطلعت عصاتها بتردد. "شكراً على القهوة." "ولا يهمك." بعدو واقف، قريب كفاية لتشم أنفاسو. هون ما في شي تخسرو. هادية وعفوية. "شو رقم تلفونك؟" سحبت موبايلها من الجيب الخلفي لجينزاتها وبلشت تكبس. صوت التعليق الصوتي السريع عم يلفظ كل تحكم وهي عم تحوم فوقو، عم ينبهها كل ما تكبس زر. "أربعة-صفر-تلاتة..." "امم؟" "ستة-خمسة-سبعة... تلاتة-تمانية-خمسة-واحد." "وصل. تمام. حلو." صوت خشونة شعر مجعد. أكيد عم يخبص فيه، عم يمرر أصابعو فيه. ما أخدت فرصة تطلب منو يوصف شكلو. يمكن المرة الجاية. ناس تانيين عم يمشوا بموقف الباص حواليهم. للمرة التالتة بعد الظهر، سمعت شخص عشوائي عم يعلق بصوت واطي على وش حدا. أول مرتين، فكرت إنو صدفة غريبة. شعور بالاستيعاب عم يدور بمعدتها، واستوعبت فجأة. آه. قبل ما تقرر إذا بدها تحكي شي عن الموضوع أو لأ، صوت خشخشة الباص اللي عم يقرب عم يدق بالشارع باتجاهها. بشكل محرج، قال: "يمكن بشوفك شي مرة؟" خبّت ابتسامة. قدامها، الباص وقف بصوت صرير، والأبواب انفتحت بصوت أزيز. "يمكن بشوفك شي مرة كمان. آه استنى، ما فيني..." قبل ما يتلبك ويصحح حالو، كانت عم تمشي لقدام، طرف العصا عم يدق بالأرض قدامها. رح تبعتلو رسالة بعد كم دقيقة، لتريحو.
    رسائل أقدم الصفحة الرئيسية

    Pages

    authorX