روايه عرب في كوريا
عرب في كوريا
2025, سهى كريم
اجتماعية
مجانا
في الفصل الثاني، يستعد الأصدقاء الأربعة لسفرهم إلى كوريا بعد اختيارهم ضمن بعثة جامعية. اجتمعوا في الجامعة لتوديع ذكرياتهم، ثم توجهوا إلى مطار القاهرة حيث سيبدأ فصل جديد من حياتهم. ومع أول لحظات الرحلة، غلبهم التعب وناموا في الطائرة، حاملين معهم أحلامهم وتوقعاتهم للمغامرة القادمة.
راندا
لبنانية مليئة بالحيوية وحب الحياة، تعشق التصوير والتألق، وتسعى دائمًا لترك بصمة خاصة بهاسما
فتاة مصرية مرحة وعفوية، تحب توثيق اللحظات وكتابة التفاصيل، تنظر إلى الحياة بروح متفائلة ومغامرة.أحمد
شاب مصري، يهتم بالتكنولوجيا ويبحث عن تجربة تثري معرفته وتفتح له آفاقًا جديدة.
الأسبوع اللي قبل السفر كان كله شغل وتحضيرات، بس ما خلاش من خروجات وضحك وذكريات عمرها ما هتتنسي. كنا عايزين نستغل كل لحظة قبل ما نسافر، نحس بطعم بلدنا ونشبع من صحبة بعض. أول يوم، اتفقنا نروح ناكل مع بعض في مكان شعبى، وقلنا لازم نختمها بأكلة مصرية أصيلة. اخترنا نروح الحسين، وفعلاً قعدنا هناك على القهوة نشرب شاي بالنعناع ونتكلم عن السفر. أحمد قال وهو ماسك الكوباية: "تفتكروا هنلاقي شاي بالنعناع في كوريا؟" راندا ضحكت وقالت: "يا عم إحنا مش رايحين عند خالتي، إحنا رايحين كوريا! هناك هيبقى فيه شاي بس أكيد مش بطعم مصر." علياء كانت هادية كعادتها وقالت: "المهم نعيش التجربة ونجرب كل حاجة، حتى لو الشاي هناك مش زي هنا." أنا كنت قاعدة ببص حواليا، حسيت إن المكان كله ليه طابع مختلف كده، كأنه بيودعنا على طريقته. قلت لهم وأنا ببتسم: "الذكريات هنا هتفضل جوانا مهما سافرنا، بس لازم نخلق ذكريات جديدة هناك." وفي يوم تاني، قررنا نروح السينما. كنا عايزين نشوف فيلم مصري ونضحك ونعيش الأجواء اللي بنحبها. قعدنا في السينما وطلبنا فشار وكولا، وأول ما الفيلم بدأ، كان الضحك مالي المكان، مش بس من الفيلم، لكن من تعليقات أحمد اللي كانت دايمًا في الصميم. "يا جدعان، ده لو راح كوريا هيتحبس، إزاي بيتصرف كده؟" قالها أحمد بصوت منخفض بس كفاية تخلينا نضحك ونلفت أنظار الناس حوالينا. بعد الفيلم، وقفنا عند عربية بطاطا، ودي كانت أهم محطة. راندا قالت وهي مسكة البطاطا السخنة: "دي أحلى حاجة في الدنيا، يا ريت نقدر ناخد معانا بطاطا لكوريا." أنا ضحكت وقلت: "خلاص، لو مقدرناش نلاقي بطاطا هناك، هنعمل جروب بطاطا عربي في كوريا!" وفي اليوم اللي بعده، رحنا على كورنيش النيل. قعدنا على السور بنتأمل المية وبنفكر في اللي جاي. كأن كل واحد فينا كان بيحاول يحفظ المشهد ده جوا قلبه. علياء قالت: "تفتكروا، هنتغير لما نرجع؟" أنا قلت: "أكيد هنتغير، كل تجربة بتغير فينا حاجة. بس اللي بينا أقوى من أي تغيير." أحمد قال وهو بيرمي حجر في المية: "المهم نرجع وكل واحد فينا معاه حكاية يحكيها." وفي آخر يوم قبل السفر، قررنا نروح نزور أماكننا المفضلة في الجامعة. لفينا في الحرم، وقفنا عند الكافيتيريا اللي كنا دايمًا نقعد فيها، وقفنا عند المدرج اللي شهد على تعبنا وضحكنا. كل مكان كان ليه ذكرى، وكل ذكرى كانت غالية. راندا قالت وهي بتبص حواليا: "المكان ده بقى زي بيتنا، هنفتقده." أنا قلت: "بس لما نرجع، هيكون معانا حكايات جديدة نحكيها لكل حتة هنا." وفي الآخر، قعدنا مع بعض وسكتنا شوية. كان في رهبة وحماس، شوية خوف وشوية شوق. كأننا كلنا بنودع مكان وأيام هنفتقدها. بس كنا عارفين إن اللي جاي أحلى، وإن الرحلة دي هتكون بداية جديدة لحكاية مختلفة. وفي الليلة الأخيرة، كل واحد فينا رجع بيته وجهز شنطته وهو بيفكر: بكرة هنبدأ أول صفحة في مغامرة جديدة. ------------- صحينا بدري جدًا، يمكن الساعة كانت حوالي 2 بعد نص الليل، وكل واحد فينا كان بيحارب النوم وهو بيحضر نفسه. شنطنا كانت جاهزة من اليوم اللي قبله، بس الإحساس إنك خلاص مسافر بجد، ده إحساس تاني خالص. اتفقنا كلنا نتقابل في الجامعة قبل ما نروح على المطار، كنوع من العادة، كأن الجامعة كانت نقطة البداية لكل حاجة في حياتنا، ولازم تكون كمان نقطة الانطلاق لرحلتنا الجديدة. وصلت أول واحدة، واقفة قدام بوابة الجامعة، وبصيت على المكان اللي عاش جوانا سنين. حسيت إن قلبي بيتشد بين حنين لمكان قضيت فيه أجمل لحظات شبابي، وبين شوق لرحلة يمكن تغيّر حياتي كلها. وبعد شوية، شفت أحمد جاي من بعيد، شنطته على ضهره، وابتسامته اللي متعودين عليها. "ها يا بنت مصر، جاهزة للمغامرة؟" قالها وهو بيضحك. ضحكت وقلت: "جاهزين يا فارس العرب، بس قلبي واجعني على المكان." ما لحقناش نكمل كلام، لقيت علياء وراندا وصلوا، شكلهم كان فيه خلط بين الحماس والرهبة. راندا قالت وهي بتتنفس بعمق: "دي آخر مرة هنشوف فيها الجامعة قبل السفر... إحساس غريب." علياء ابتسمت وقالت بهدوءها المعتاد: "بس كل حاجة هنا هتفضل جوانا، حتى لو مشينا." وقفنا لدقايق في صمت، كأن كل واحد فينا عايز يطبع المشهد ده في دماغه. بعدها أحمد قال: "يلا بينا، المطار مستنينا." ركبنا العربية اللي هتوصلنا على مطار القاهرة. الطريق كان هادي، والشوارع فاضية إلا من لمبة الشارع اللي بتنور الطريق زي خيوط ذهبية. كل واحد فينا كان سرحان، وكل واحد بيفكر في حكاية جوة قلبه. وأنا كنت ببص من الشباك وبقول لنفسي: كل خطوة دلوقتي بتقربنا من بداية مختلفة، من قصة هنعيشها بعيد عن بلدنا، بس قريبة من قلوبنا. أول ما وصلنا المطار، الإحساس اختلف، كله كان حقيقي أكتر. شايفين المسافرين، والشنط، والنداءات اللي بتنادي على الرحلات. بجد إحساس إنك على وشك تسيب كل حاجة وتبدأ من جديد. أحمد قال وهو بيبص حوالين المطار: "حد مصدق إننا بعد ساعات هنكون في كوريا؟" راندا ضحكت وقالت: "أنا مش مستوعبة غير لما أشوف نفسي هناك وأطلب أكل كوري مش فاهمة فيه حاجة!" علياء قالت بهدوء: "أنا متحمسة أجرب كل جديد، بس أكتر حاجة هتوحشني هو الأكل العربي." وأنا ضحكت وقلت: "ماتقلقوش، أنا معايا شوية بهارات مصرية في الشنطة، عشان لو الأكل هناك صعب علينا." دخلنا المطار وعدينا كل الإجراءات، وكل واحد فينا كان قلبه بيدق بسرعة. يمكن من الحماس، ويمكن من شوية خوف طبيعي لأي حد مسافر لأول مرة لبلد بعيد. لما قربت ساعة الإقلاع، قعدنا جنب بعض وبصينا لبعض كأننا بنشوف ملامح الأمان في وشوش بعض. إحنا مش بس صحاب، إحنا بقينا عيلة، وعيلتنا دلوقتي داخلة على مغامرة عمرها. راندا قالت: "متخيلين إن بكرة، الشمس اللي هتشرق علينا هتكون من كوريا؟" أحمد قال وهو بيعدل شنطته: "وبداية يوم جديد... وبداية حكايتنا هناك." أما أنا، فكنت ببص على طيارتنا اللي واقفة قدامنا، وقلبي كان بيقول: دي مش مجرد طيارة، دي سفينة هتاخدنا لعالم تاني، لذكريات جديدة، وتجربة مش هتتكرر. ومع أول نداء للرحلة، وقفنا، وكل واحد فينا أخد نفس عميق. أحمد قال: "يلا بينا يا أبطال... مغامرتنا بدأت!" وبخطوة واحدة، عبرنا بوابة المطار، وبخطوة تانية دخلنا عالم جديد، مستنيين نشوف إيه اللي هيحصل هناك... ركبنا الطيارة، وكل واحد فينا كان باين عليه علامات التعب والإرهاق من التحضيرات والسهر. الجو كان هادي، وأصوات الركاب حواليّ كانت واطية كأن الكل مستعد يسيب الدنيا ويريّح شوية. قعدت في مكاني جنب الشباك، وبصيت على القاهرة من فوق، الأنوار متوزعة زي خيوط ذهبية، وكأنها بتودعنا بحنية. قلبت في أفكاري شوية، لكن التعب كان أقوى من أي تفكير. بصيت على أحمد اللي كان قاعد جنبي، عيونه كانت نص مفتوحة، بيحاول يقاوم النوم، لكن جسمه كان مستسلم. علياء كانت لاففة شال خفيف حوالين رقبتها، مغمضة عيونها وساكنة كأنها بتحلم بكوريا من قبل ما نوصل. وراندا، كانت حاطة سماعاتها، وأول ما سمعت صوت الأغنية، عيونها غفلت بهدوء. أما أنا، فكنت بحاول أقاوم شوية، لكن التعب كان مسيطر. غمضت عيوني وأنا بقول لنفسي: يلا نرتاح شوية، علشان أول ما نوصل نكون جاهزين نكتشف الدنيا الجديدة اللي مستنيانا. ومعرفش إزاي، ولا إمتى، لكن النوم أخدني بسرعة. حلمت بضحكتنا في الجامعة، وبأيامنا في شوارع القاهرة، وباللي مستنينا هناك في كوريا. ولأول مرة من زمان، النوم كان طعمه مريح، كأنه بيحضّرنا لرحلة طويلة... رحلة مش بس لبلد جديد، لكن يمكن لحياة جديدة كمان. ----- يتبع -----