موصى به لك

الأقسام

الأفضل شهريًا

    الأعلى تقييمًا

      سيدة الليل - روايه رعب

      سيدة الليل

      2025, مينا مسعود

      رعب

      مجانا

      الأمنية الوحيدة اللي نفسها فيها هي إن صاحبتها الانتيم، أليسون، تكون معاها، مع إن فيفيان عارفة إن أليسون ماتت من تلات سنين في مدينة مانا الغامضة. فيفيان بتحاول تفهم سر موت أليسون من خلال رسايل مشفرة كانت بتوصلها منها، وده بيخليها تشك في كل حاجة حواليها، خاصةً لما يجيها استدعاء مفاجئ من مدينة مانا، وده بيقلب حياتها وخططها لعيد ميلادها راسًا على عقب.

      فيفيان

      بنت في سن المراهقة، عيد ميلادها التمنتاشر قرب، بتحب تقضي وقتها في المكتبة، وبتتميز بشعرها الأسود وعيونها الزرقا الصارخة. فيفيان بتحس إنها مختلفة عن باقي البنات، وعندها شكوك حول جمال وسحر مدينة مانا، وده بيخليها دايماً تبحث عن الحقيقة ورا الأحداث الغامضة اللي بتحصل حواليها.

      أليسون

      الصديقة المقربة لفيفيان، اختفت في ظروف غامضة من تلات سنين في مدينة مانا. على عكس فيفيان، أليسون كانت جريئة وواثقة من نفسها، بشعرها الأحمر الناري وخدودها اللي زي التفاح. في الظاهر،

      العمة سالي

      خياطة العيلة، بتحب شغلها وبتحاول تظهر فيفيان في أحسن صورة، لكن ذوقها ممكن يكون غريب شوية.
      تم نسخ الرابط
      سيدة الليل

      الفصل الأول
      
      لو فيفيان كانت تقدر تتمنى أي حاجة في الدنيا، كان هيبقى إن صاحبتها الانتيم تكون معاها في حفلة عيد ميلادها التمنتاشر. بس أقرب صاحبة ليها، أليسون، اللي فيفيان كانت بتحكيلها كل أسرارها - ما كانتش هتيجي.
      
      فيفيان كانت بس بتتخيل أليسون ممكن تقول إيه لو كانت قدرت تيجي. كانت هتعوز تعرف ليه فيفيان ما قالتش لحد السبب الحقيقي ورا اختفاء أليسون في مدينة مانا. كل الناس التانيين كانوا فاكرين إن أليسون بتتبسط على آخرها كحبيبة لورد أرستقراطي غني. عيلة أليسون لسه كانت بتوصلها فلوس شهرية مبعوتة من بنتهم الحبيبة.
      
      بس فيفيان كانت عارفة الحقيقة؛ أليسون ماتت. كانت ميتة بقالها حوالي تلات سنين.
      
      فيفيان ما بطلتش تسأل إيه اللي حصل بجد. قبل ما تختفي، أليسون بعتت لفيفيان إيميلات مكتوبة بالرمز السري بتاعهم بتاع زمان. في الرسايل، كانت خايفة. كان فيه حد بيطاردها. فيفيان عمرها ما عرفت مين، بالرغم من إن أليسون لمحت إنها ست. كانت ست رهيبة أليسون كانت بتشاور ليها بس باسم "سيدة الليل".
      
      خبط عالي ومستمر جه على بابها.
      
      "فيفيان! لازم تروحي بيت عمتك سالي النهاردة. نسيتي ولا إيه؟"
      
      "لأ، جانون،" ردت فيفيان وهي بتلف عينيها. أختها الكبيرة المثالية دايماً كانت بتفترض إن فيفيان مش كفء لدرجة إنها مش هتعرف تقفل زراير قمصانها. فيفيان شجعت نفسها تقوم من السرير ورمت أول طقم هدوم نضيف لقته في دولابها. عمتها ما كانتش هتوافق على لبسها مهما كانت لابسة. عمتها سالي كانت خياطة، وكانت هتاخد مقاس فيفيان عشان فستان عيد ميلادها.
      
      في لويزفيل - المكان اللي عمر ما بيحصل فيه حاجة - عيد ميلاد البنت التمنتاشر كان مهم أوي. ده كان السن اللي بتعتبر فيه مؤهلة للجواز. السبب ورا كده كان إنه كمان السن اللي الأوجارد ما يقدرش يستدعي فيه بنت لمدينة مانا. مش إن ده كان خوف بالنسبة لفيفيان أصلاً. من ساعة ما كملت خمستاشر سنة، كانت مؤهلة إنها تستدعى لمدينة مانا، بس الورقة الصغيرة دي عمرها ما جت. لا في البريد، ولا في الشارع، ولا في المدرسة. الأوجارد اللي قابلتهم كانوا بيبصوا من خلالها كأنها مش موجودة.
      
      في الأول، كانت غيرانة إن أليسون اتقبلت وهي لأ. بعد كل ده، هما الاتنين كانوا حلوين بطرقهم الخاصة. أليسون كان شعرها أحمر نار وخدودها زي التفاح. فيفيان كانت جميلة سمرا. شعرها أسود وعينيها كانت زرقا شفافة وحادة. أبوها كان دايماً بيقولها إنها بنظرة واحدة تقدر تخترق قلب أي ولد.
      
      للأسف، مفيش ولد من النوع ده ظهر لسه. فيفيان كانت بتتساءل إذا كانت سمعة أبوها كراجل عجوز سكران مجنون ليها علاقة بالموضوع ده. زمان لما جانون كانت في السن، أبوها حاول يبيعها للأوجاردات بيأس عشان يمكن يكون عندها فرصة لحياة أفضل في مدينة مانا. جانون دايماً كانت الأحلى بعينيها البني الدافية، وخدودها الوردية، وابتسامتها الطبيعية اللي فيها غمازات. بس الأوجاردات اللي أبوها كان بيضايقهم ما كانوش بيعرفوا يجروا بسرعة كفاية.
      
      "فيفيان؟" صرخت جانون. "دي آخر مرة أفكرك! إحنا في يونيو. الأتوبيسات ما بتمشيش كتير في الصيف، فاكرة؟ يا ريت تتحركي!"
      
      "أنا نازلة!" همست فيفيان ردت عليها. "يا ساتر يا رب، جانون، ده مجرد فستان!"
      
      "هياخد طول اليوم. لازم تلفتي نظر ابن واحد بنك عشان يسدد كل ديون القمار بتاعة بابا."
      
      تنهدت فيفيان. كانت بتأمل إن مرابين الفلوس ما يكونوش بيهددوا يخطفوا واحد من حيوانات العيلة تاني. فيفيان رمت شنطتها على كتف واحد وجريت من الباب قبل ما مامتها تزعقلها عشان فوتت الفطار.
      
      يا دوب لحقت الأتوبيس بالعافية. كان فيه أوجارد قاعد في الكرسي اللي قدام بيقلب في جرايد الصبح. لما ما كانوش بيصطادوا بنات صغيرين عشان ياخدوهم مدينة مانا، كان الأوجارد بيشتغلوا مع مسؤولي البلدة، بيتأكدوا إن القوانين اللي بتتعمل جوه المدينة بتتنَفّذ.
      
      العنوان الرئيسي في الجرايد كان بيقول: "جرين، المتحدث الرسمي للملك وين، يأمر بإعدام اللورد مورجان بتهمة الخيانة". ما كانش العنوان الرئيسي هو اللي لفت نظر فيفيان. كانت صورة بنت في خلفية لقطة اللورد مورجان المسكين. البنت ما كانتش باينة عليها إنها بتعيط على اللي كان بيصرف عليها، قد ما كانت مرعوبة أوي. غالباً هتتغصب تنضم ليه في القبر.
      
      "فيفيان! هنا!" كانت سالين، صاحبة فيفيان من المدرسة. طبطبت على كرسي فاضي جنبها. "إيه الأخبار، يومك الكبير قرب، مش كده؟"
      
      "أيوة، بكرة. أنا بس عايزة أخلصه."
      
      "عازمة حد مميز؟ زي ولد مثلاً؟"
      
      "سالين!" صرخت فيفيان. "إنتي عارفة إني لأ!"
      
      "هتعزمي دانيال؟" سألت سالين بضحكة مكتومة. دانيال كان ولد من المدرسة دايماً بيعزم فيفيان على حاجات. البنات التانيين كانوا بيحبوا يرغوا إنه معجب بيها، بس فيفيان كانت شايفه إن ده كلام فارغ. دانيال كان مجرد واحد كويس. كانت سمعته إنه بيساعد. أكيد كان بيشفق عليها عشان هي البنت الوحيدة اللي بتقضي كل وقتها في المكتبة. الإشاعة كانت بتقول إنه كان معجب بأليسون في الحضانة.
      
      دلوقتي بعد ما اختفت، دانيال بدأ يهتم بفيفيان بشكل خاص. فيفيان عمرها ما حست إنها كافية تماماً. دايماً كانت بتحس في قلبها إن ابتسامة دانيال كانت أحلى، وضحكته أعمق لما كانت أليسون موجودة. كان فيه أوقات فيفيان كانت بتتمنى لو تقدر تعمل نفسها أليسون عشانه، بس بالرغم من إنها ما كانش عندها أي خبرة مع الأولاد، كانت عارفة - الحب ما بيمشيش كده. يا إما موجود، يا إما لأ.
      
      هي ما كانتش توأم روح دانيال - ده أكيد.
      
      "مامتي بعتت كمية دعوات كبيرة أوي،" قالت فيفيان وهي بتكشر. "يا رب بس ما تكونش عزمت المديرة!" لفت فيفيان عينيها، وبعدين بصلت للجرنال اللي الأوجارد كان بيقراه وبيعمل صوت. "فيه شخص واحد أتمنى لو كان يقدر يجي - أليسون. هي دايماً كانت بتحب الحفلات."
      
      "هي غالباً بتحتفل في مدينة مانا دلوقتي واحنا بنتكلم،" قالت سالين. "ممكن في يوم من الأيام نزورها في القصور الفخمة اللي هناك. أليسون دايماً كانت بتعرف إزاي تشق طريقها لفوق بالملاطفة." ده كان حقيقي. أليسون كان عندها ثقة قوية ما بتهتزش وابتسامة مبهرة تناسبها. أليسون كانت كل حاجة فيفيان ما كانتش فيها. دلوقتي بعد ما اختفت، فيفيان حست كأن جزء منها اختفى في ظلام مدينة مانا معاها.
      
      "مش شايفه غريب إننا ما سمعناش عنها بقالنا سنين؟"
      
      لوحت سالين بمخاوف فيفيان بعيد. "أه بطلي يا فيفيان. أنا متأكدة إنها كويسة. يا ريت واحد من الأوجاردات يختارني أكون واحدة من الأورلين بتوعهم. أهلي لسه بيتمنوا." سالين بصت للأوجارد باشتياق. "الوقت بيخلص. عيد ميلادي التمنتاشر بعد شهرين."
      
      فيفيان كانت بتتساءل إذا كانت هي الوحيدة اللي عمرها ما حلمت إنها تبقى أورلين. هي افترضت إن دي طريقة فاخرة لإيجاد مرافقين للعائلة المالكة في مدينة مانا. بالنسبة لبنت في لويزفيل، إنها تكون أورلين يعني هدوم حلوة، حفلات خرافية، ومجد لعيلتها. لقلة مختارة، كانت بتعني قوة كمان. الأورلين بيختلطوا مع أرقى أعضاء مدينة مانا. كان بيتقال إن حتى الملك وين نفسه بيستشير أورلين قبل كل قرار كبير.
      
      فيفيان لسه فاكرة اليوم اللي أليسون جالها دعوتها. ده كان بعد يوم واحد بس من عيد ميلاد أليسون الخمستاشر. جات المدرسة في يوم من الأيام وما بطلتش تبتسم. اتضح إن أوجارد كان مستنيها عند باب المدرسة. أليسون كانت اتختارت تبقى أورلين. عمرها ما كانت هتحتاج تروح المدرسة تاني. في اليوم ده المدرسين حضنوا أليسون كأنها كسبت اليانصيب.
      
      كل الناس كانوا عارفين إن الناس المميزين بجد كانوا بيتختاروا بعد ما يبقوا مؤهلين على طول بعد عيد ميلادهم الأربعتاشر. كان فيه كام قصة لناس اتختاروا قبل ما يكملوا ستاشر سنة بشهرين. أما اللي قربوا يكملوا تمنتاشر سنة، فرصة اختيارهم كانت شبه مستحيلة.
      
      "يا ترى ليه هما محتاجين أورلين أصلاً؟" سألت فيفيان. "يعني إيه لما بيقولوا إنهم بيدوروا على اللي اتولدوا مميزين؟ لو الشروط صارمة كده، ليه ما يقولولناش بالظبط إيه اللي بيخلي حد أورلين؟"
      
      "أنا أعتقد إنهم بيدوروا على أحلى وأطيب الناس،" ردت سالين. "الأورلين عندهم قوة كبيرة؛ هتعوزي حد يعمل اللي فيه مصلحة لباقينا."
      
      
      
      
      
      
      فيفيان ما عجبهاش الكلام ده. كانت بتتساءل إذا كان شكها ده جه نتيجة إنها عاشت في مدينة مانا زمان أوي، قبل ما أبوها يبقى قمارجي سكران. كانت عارفة إن مش كل حاجة في مدينة مانا كانت واضحة زي النوافير الكتير اللي بتلمع وبتجري فيها. كل الناس كانوا بيتكلموا عن مدينة مانا كأن الهوا هناك مليان دهب متطاير والمواطنين بيتزحلقوا على أجنحة ملايكة.
      
      "مش عارفة ليه ما اختاروكِيش يا فيفيان." كملت سالين. "فاكرة القطة التايهة اللي لقيناها ومدعوسة بالعربية؟ إنتي أنقذتيها من الشارع وفضلتي ماسكاها في حضنك لحد ما ماتت. إحنا كلنا كنا خايفين نقرب منها. كان فيه دم في كل مكان، وكانت قذرة أوي. إنتي كنتي شجاعة جداً."
      
      شجاعة ما كانتش الكلمة المناسبة للي حصل مع القطة. كان فيه حاجة في الدم والأحشاء ليها تأثير عكسي على فيفيان عن اللي بيحصل لمعظم الناس. كانت بتهديها، وتنضف عقلها، وفي بعض الحالات كانت تقريباً بتثيرها. فيفيان عمرها ما حبت القطط بس القطة اللي كانت بتعاني في الشارع، في اللحظة دي بالظبط وهي بتموت، كانت تقريباً حاجة فيفيان ممكن تحبها. فيفيان كانت بتتساءل إذا كان ده بيخليها ملتوية أو غريبة. يمكن ده السبب إن الأوجارد دايماً كانوا بيلفوا نظرهم ويبعدوا لما يشوفوا عينيها الباهتة اللي زي التلج. كانوا بيبصوا في روحها، وكانوا عارفين – البنت دي مش هي اللي بيدوروا عليها.
      
      "دي محطتي!" قالت فيفيان والأتوبيس وقف عند الجزء المزدحم بتاع التجار في البلد. لوحت لسالي مع السلامة ونزلت بسرعة من الأتوبيس. وهي خارجة، خبطت بالصدفة في الأوجارد اللي كان قايم. وقع كومة على الأرض. كان بيشتمها. apparently كان معاه عكاز كان بيستخدمه عشان يثبت نفسه قبل ما هي توقعوله من إيده. قبل ما فيفيان تقدر تعرض عليه تساعده يقوم، سالين كانت نطت من كرسها وبقت جنب الأوجارد. لما شافت إن مفيش كتير تقدر تعمله عشان تساعده، فيفيان رجعت بخجل ناحية المخرج.
      
      "آسفة!" تمتمت فيفيان قبل ما تهرب من الأتوبيس.
      
      الفستان كان كتلة وردي منفوشة ضخمة. كان باين عليه كأنه اتسرق من دولاب ماري أنطوانيت وبعدين اتمسك في إعصار من الترتر. عمتها سالي كانت فرحانة أوي بفكرة إنها تشوف اختراعها ده على بنت أختها. فيفيان سمحت لنفسها على مضض إنها تتحشر في بحر التل والساتان. وهي واقفة قدام المراية الطويلة في محل فساتين عمتها، حست إنها زي الكب كيك البشري.
      
      "إنتي بتتممي التمنتاشر مرة واحدة بس في العمر،" قالت عمتها. "يا ريت بس ألاقي شريطة لايقة لشعرك. هتكوني زي العروسة الصيني."
      
      فيفيان عمرها ما تخيلت نفسها عروسة. عمرها حتى ما لعبت بالعرائس وهي طفلة إلا عشان تفكر في طرق مختلفة لتقطيعهم وتتخيل ابتساماتهم المرسومة بتختفي وهم بيواجهوا موت مؤلم.
      
      "يا لهوي، الأولاد هيتجننوا!" عمتها سالي قالت بحماس وهي بتطلع كرة ضخمة من الشرايط المتشابكة بكل الألوان الباستيل الممكنة. ناضلت عشان تسحب واحدة بلون الكناري من فوق بس كل اللي نجحت فيه إنها شدّت العقدة اللي في نص كرة الخيط أكتر. صوابعها الكبيرة المعقدة شدت من غير فايدة العقدة الميتة. "خليني أروح أجيب لوري تساعدني."
      
      عمتها مشيت عشان تلاقي البنت المتدربة في المحل، وفيفيان سقطت على كنبة مخمل أحمر مهترئة. فيفيان قضت كام دقيقة عينيها مقفولة، بتدعي إنها هتنام وتصحى لما يكون المقاس خلص، والأيام اللي جاية خلصت. مفيش حظ من النوع ده. في الحقيقة، عمتها غابت فترة طويلة أوي، والفستان ما كانش مريح في القعدة. فيفيان قلقت إنها هتكرمش حاجة وعمتها هتضطر تخليها وقت أطول عشان تكوي الحاجة دي. عشان كده، فيفيان قررت إن الأحسن إنها تقلعه. أول ما اتحررت منه، ما كانتش متأكدة إذا كانت هتقدر تقاوم إغراء إنها تتسلل من الباب الخلفي. هتقول لمامتها إن عمتها سالي نسيت الموضوع كله وممكن مامتها تخليها تلبس جينز في الحفلة.
      
      فيفيان زحفت من الفستان وعلقته في دولاب عمتها. دخل في مكان بين روب مندرين أخضر وكاب أبيض مبطن بالفرو. دلوقتي، خطة هروبها كانت معاقة بس بسبب إنها ما قدرتش تلاقي الهدوم اللي جات بيها. فين عمتها خدت هدومها؟ فيفيان دورت في الدولاب وكشرت من باقي البضاعة. كان فيه فستان بنفسجي فاتح عليه ريش نعام نيون طالع من الكتاف. كان فيه فستان أحمر بقشرة بومبة بغطاء رأس معمول من راس بايثون. وهي بتبعد عن الدولاب، على الرف، كان فيه قطعة قماش دانتيل لفتت نظرها. سحبتها من تحت كومة شيلان. كان فستان أسود طويل بياقة دانتيل. فيفيان عمرها ما حبت الفساتين، بس لو هتلبس فستان، مش هتكره لبس ده خالص.
      
      قررت إن القماش الناعم اللي زي السايل ده كان مغري أوي إنها متجربوش ولو لثانية. فيفيان سحبته فوق راسها، ونزل تماماً على صدرها المتواضع وكتافها الصغيرة. ربطت الشريطة السودا من ورا، واتسعت من عند وسطها. طرفه نزل لحد ركبتها وكان بيتحرك مع كل خطوة ليها.
      
      تليفونها بدأ يرن. كانت جانون.
      
      "فيفيان! كويسة؟"
      
      "أيوة، أنا عند عمتي سالي،" ردت فيفيان. فكرة ساخرة فضلت على شفايفها إذا كان أي حد بيتعرض لاهتمام عمتها ممكن يكون "كويس"، بس حاجة في نبرة صوت جانون خلتها تبطل تهزر. "إيه المشكلة؟"
      
      "يا لهوي، فيه حد اقتحم البيت. هددوا ماما! قالوا لو بابا ما دفعش ليهم عشر آلاف دولار الليلة، هيخلوا واحد فينا يختفي. ماما هتموت من الرعب." جانون كانت بتتكلم بسرعة وهي بتاخد نفسها بصعوبة وبعدين نزلت في شهقات بكاء. جانون ما كانتش من النوع اللي بيعيط. أكيد الموضوع ده خطير.
      
      "أنا جاية البيت دلوقتي،" قالت فيفيان ودخلت رجليها في أحذيتها السودا.
      
      الأتوبيس كان زحمة بسبب زحمة ساعة الذروة. فيفيان انتهى بيها المطاف واقفة في المقدمة ورجليها حوالين شنطة بقالة ست كبيرة في السن. الفستان الأسود كان بيرفرف مع كل هزة زي موجات محيط ليلي. فيفيان بصت للشباك. كان الجو مغيم ومظلم بره. ممكن تمطر قريب. شافت انعكاسها في الإزاز. بنت جدية أوي بعيون باهتة ومحدقة كانت بتبص تاني. الفستان الغامق كان عامل تباين حاد مع بشرتها الباهتة.
      
      هي ما كانتش دايماً بنت حزينة كده. أبوها كان راجل كويس زمان. لما كان عندها تسع سنين، حتى جاب وظيفة تدريس مربحة جداً، كان بيدرس لأطفال النخبة في مدينة مانا. حتى إنهم عاشوا في منطقة ريفر واي لفترة بين بيوت كبيرة أوي لدرجة إن ممكن فرقة سيرك كاملة تدخل جواها. فيفيان ما كانتش فاكرة كتير من الطلاب اللي أبوها درس ليهم على مر السنين، واحد بس منهم هو اللي فضل في بالها. بليك ثورن، هو اللي أنهى مسيرة أبوها المهنية. هو كمان كان أقرب أصحابها.
      
      بليك ثورن، الولد اللي كان بيصدق في مصاصي الدماء، لو بس ما كانش راح واتقتل على إيد واحد تحت رعاية أبوها، يمكن أبوها كان لسه عنده وظيفة تدريس في مدينة مانا. فيفيان ناضلت عشان ما تلومش بليك على موته. بعد كل ده، هو ما كانش يقدر يعمل حاجة.
      
      فيفيان بصت في انعكاسها. شعرها الأسود اللي كان دايماً مفرود، واللي عمتها سالي كانت مثبتّاه ورا ودنها، نزل كيرلي. كانت باينة أكبر، أنثوية أكتر كأنها ممكن تكون حبيبة حد. كانت بتتساءل إيه الإحساس ده. الولد الوحيد اللي قضت معاه وقت لوحدها كان بليك من عيلة ثورن الغنية والسرية جداً. كان عنده اتناشر سنة وقتها، وهي كان عندها تسعة. لما كانوا مع بعض، كانوا بيحفروا عشان يلاقوا آثار في أرض ترابية قديمة مهجورة على حافة ريفر واي. هو كان بيصدق إنها كانت ساحة بحجم استاد كان الناس بتجبر فيها على قتال مصاصي الدماء. مرة، لقى ناب مصاص دماء.
      
      فيفيان حاولت تتخيل بليك وهو عنده واحد وعشرين سنة. كان لسه هيفضل مهووس بلبس القمصان الرسمية والأحذية الفاخرة. يمكن لسه هيلبس رباط العنق الأخضر اللي كان لابسه يوم ما مات، واللي كان بلون عينيه. تخيلت ولد طويل، نحيف لكن جسمه متناسق، وشعره أشقر مجعد وعيون زمردية هادية. هيلبس رباط العنق ده مع دبوس عيلة ثورن الدهبي في العقدة بتاعته. خصلة شقراء مجعدة هتقع على عينيه. كانت تقريباً تقدر تشوف انعكاسه الشبح في المراية وهو بيقولها، "فيف، إنتي وعدتيني ما تخافيش. هما مجرد مصاصي دماء ميتين في الآخر. الموتى ما يقدروش يؤذوكي."
      
      آه يا بليك، فكرت فيفيان. كنت غلطان أوي.
      
      "إحم،" قالت الست اللي فيفيان كانت واقفة على شنطة الكرفس والعيش الفرنساوي بتاعها بشكل خطير. فيفيان كانت غرقانة في أحلام اليقظة بتاعتها لدرجة إنها ما خدتش بالها إنها هرست معظم بقالة الست.
      
      "أنا آسفة أوي،" فيفيان قالت بسرعة. "كنت بحلم."
      
      "تمام،" الست الكبيرة في السن قالت بلطف. "إنتي حلوة لما بتضحكي. المفروض تعملي كده أكتر."
      
      فيفيان كانت مكسوفة أكتر من أي وقت مضى إنها كانت بتبتسم لنفسها وهي بتبص في شباك أتوبيس وسخ. أكيد شكلها كان زي المجنونة. الست الكبيرة ابتسمت بحرارة؛ هي غالباً كانت فاكرة فيفيان لطيفة جداً.
      
      "رايحة مكان مميز بالفستان الحلو ده؟"
      
      "عيد ميلادي التمنتاشر بعد بكرة،" ردت فيفيان. "عمتي عملت الفستان ده."
      
      "آه. فيه ولد مميز جاي الحفلة؟"
      
      "لأ،" ضحكت فيفيان. "مفيش خالص."
      
      "مفيش؟ حتى في أحلام اليقظة بتاعتك؟"
      
      فيفيان وشها احمر. الأتوبيس وقف في الشارع الرئيسي. الست الكبيرة وقفت وجمعت بقالتها. وهي معدية من جنب فيفيان، مالت عليها واديتها ورقة. الست كانت بتضحك أكتر من أي وقت مضى؛ ده بدأ يخوف فيفيان بجد. الست كان شكلها زي القطة الجعانة اللي أخيراً لمحت فأر في مصيدة.
      
      "يا حبيبتي، حكايتك الخرافية على وشك تتحقق."
      
      "إيه؟" سألت فيفيان.
      
      بالإيد اللي ماسكة الورقة الصغيرة، الست شدت فيفيان قريبة وهمست في ودنها.
      "إنتي شبهها - ليديا."
      
      قبل ما فيفيان تقدر تفهم أي حاجة من رسالة الست العجوزة، الست بعتت لفيفيان بوسة واختفت في الضلمة. فيفيان قلبت الورقة.
      
      "بموجب هذا، يتم استدعائك لأمر برج اللؤلؤ. يرجى التوجه إلى محطة النور الساعة 8 صباحاً غداً.
        
      

      الفصل المسكون - روايه رعب

      الفصل المسكون

      2025, سهى كريم

      رعب

      مجانا

      مجموعة من البنات صحاب محبوسين في فصل مهجور في مدرستهم، اكتشفوا إنه مسكون. بتبدأ الأحداث بقصة مرعبة عن بنت ماتت في نفس الفصل، وده بيخليهم يعيشوا لحظات رعب وخوف متواصل. البنات بيحاولوا يهربوا وبيواجهوا ظواهر غريبة بتأكد لهم وجود الجن، وكل واحدة فيهم بتفتكر لحظات مهمة في حياتها وهما بيواجهوا مصيرهم المجهول.

      إيما

      بنت ما بتصدقش أي كلام بتسمعه ومغامرة جدًا، بس بتلاقي نفسها في موقف صعب بيختبر كل قناعاتها.

      إيفا

      نت تخينة وودودة، لكنها جبانة جداً وبتخاف من أقل حاجة، وده بيخليها دايمًا مصدر للتوتر في المجموعة.

      بيثاني

      عارفة أسرار المدرسة كلها وحكاياتها، وهي اللي بتكشف للبنات قصة الفصل المسكون، وده بيزود الرعب والخوف عندهم.

      سيا

      أم المجموعة، عاقلة وبتفكر بشكل منطقي، لكنها بتواجه صعوبة في السيطرة على البنات في أوقات الذعر.
      تم نسخ الرابط
      الفصل المسكون - روايه رعب

      الشخصيات
      إيما: ما بتصدقش أي حاجة حد بيقولها ومغامرة جدًا.
      إيفا: تخينة ومدملجة وطبيعتها ودودة ومرحة. خايفة جدًا.
      فِيزي: فكاهية ومغامرة. بتهزر في أي وقت.
      ليزا: ثرثارة جدًا ونشيطة. عندها طاقة كده.
      آشلي: بتحب تقعد لوحدها وهادية جدًا.
      ساشا: خايفة من الحياة. ساكتة ودايمًا مكتئبة.
      سيا: أم المجموعة. بتتكلم عن الذكاء ومزاجية جدًا.
      بيثاني: بقالها في المدرسة من زمان جدًا وعارفة كل الأسرار.
      كاتي: ساكتة. ما بتتكلمش كتير. صديقة قديمة ومقربة لسيا.
      الفصل الأول
      كان يوم أربعاء شتوي بعد الضهر، الهوا كان ساقعة وقارصة. السما كانت غامقة وكأنها ممكن تمطر في أي لحظة. سبع بنات صحاب قوي، يضحوا بحياتهم عشان بعض، خرجوا من قاعة الامتحانات ومشوا ضد الهوا الساقع اللي كان بيخبط في وشوشهم. سيا مسكت جاكتها بتحاول تدفي نفسها وهما كلهم رايحين كافتيريا المدرسة.
      
      "الجو جميل قوي." قالت ليزا وهي بتبص للسما وبعدين اتنهدت لما سمعت كلام إيفا.
      
      "يا خسارة، عندنا حصص تقوية زيادة في الرياضة." كشرت مناخيرها وهي بتاكل دوريتوس. كانوا لازم ياخدوا حصص رياضة عشان كانوا وحشين قوي في الرياضة. بس كانت مالهاش لازمة ومملة، يذاكروا نفس الفصول والحاجات دي تاني وتالت ومع ذلك ما يفهموش كلمة واحدة.
      
      "بس الجو جميل قوي، مش حاسة إني عايزة أروح الحصة." قالت إيما وكلهم هزوا راسهم بالموافقة. مين ممكن يفكر يروح الحصة والسما بترعد والهوا ساقعة لدرجة تجمد العضم. بس ما حدش كان هيسمح لهم يطنشوا حصصهم الزيادة.
      
      "ممكن نروح نستخبى في مكاننا السري." قالت آشلي وكلهم بصوا لها. الفكرة كانت كأنها بتنور في دماغهم.
      
      "اتمسكنا هناك كذا مرة." اتنهدت إيفا.
      
      "إيه رأيكم في المخبا اللي تحت السلالم دي؟" اقترحت آشلي.
      
      "اتمسكنا هناك برضه." إيفا لوحت بإيدها وهي بتلعب بخصلة من شعرها. كان شيء محبط، كل مرة بيحاولوا يطنشوا حصصهم، تلميذ شاطر يجي وراهم عشان يلاقيهم ويرجعهم الفصل.
      
      "لازم نلاقي مكان جديد نستخبى فيه." أضافت ساشا وكلهم وافقوا. الهوا الساقع حضنهم وهما بيقاوموه وبيبحثوا عن مكان جديد يستخبوا فيه. نقطة نزلت على مناخير فيزي وبصت للسما. كانت بتمطر فعلاً والسما عمرها ما كانت بالجمال ده. رفعت كمها ومدت إيدها عشان تاخد نقط أكتر.
      
      "بتمطر." قالت بسعادة. كان ده صحيح، ما مطرتش بقالها شهرين. الجو كان ساقع والسما غامقة. جروا عشان يلاقوا ملجأ وجروا لأقرب مكان، فقفوا تحت ضل شجرة كبيرة. الشجرة ما وفرتش لهم حماية كبيرة من المطر بس كانت كفاية عشان تساعدهم ما يتغرقوش خالص.
      
      "ده ما ينفعش." اتنهدت بيثاني وهي بتبص على معطفها المبلول. المطر كان لسه مش كويس لهم. بعد شوية، طالبة من الفصل عدت. مدرسة الرياضة بتاعتهم كانت بتبعت طلاب عشان يلاقوا البنات اللي مش بيحضروا الحصص ومستخبيين.
      
      "يا إلهي. هما هنا." قالت ليزا ورجعت لورا عشان تحاول تستخبى وكانت في أخر واحدة فيهم. ضهرها خبط في الشجرة وهي ساندة عليها وبعدين غمضت عينيها ورفعت راسها. صباع ساقع وعضمي مشي على خط فكها وأجبرها تفتح عينيها. جمد راسها، اللمسة كانت شبه غير آدمية، الجلد الساقع. بصت هنا وهناك بس البنات التانيين كانوا لسه واقفين في نفس المكان بالظبط. ليزا طنشت الموضوع، على أساس إنها مجرد تخيل.
      
      بس ما كانش تخيل.
      
      "أنا عارفة مكان. جناح السينيور، سنة تانية ما بيحضروش حصص الأيام دي ففصولهم فاضية تقريباً. ممكن نستخبى هناك." اقترحت بيثاني وكلهم هزوا راسهم. المطر كان شديد قوي وكان صعب يجروا في الملعب المبلول بالطين ده كله لحد آخر المدرسة بس ما كانش عندهم خيارات كتير فاضطروا.
      
      "عند العد تلاتة. 1....2...3....انطلقوا." عدت بيثاني وطاروا. جروا في الملعب وهم بيرشوا وينطوا في الطين لحد ما وصلوا للسلالم. طلعوا ووصلوا لزاوية ضلمة. ما كانش فيه لمبة ولا نور هناك. فتحوا الباب ورموا نفسهم جوه، بيقطروا ومبلولين من راسهم لرجولهم، جمعوا كام كرسي وقعدوا في دايرة، بيحاولوا ياخدوا نفسهم.
      
      "هدومي وشعري ريحتهم وحشة." قالت إيما بقرف وهي بتبص على جسمها المبلول.
      
      "جزمتي وشراباتي كلهم مبلولين." اتنهدت إيفا وهي بتقلع جزمها. مسكتهم وحطتهم جنب الشباك وبعدين رجعت مكانها.
      
      "بصوا، مش عايزين نتمسك، فاتكلموا بهدوء شديد. شخص واحد يتكلم في كل مرة." أوصت سيا. الفصل كان صغير وكل كلمة، آهة، ونفس بيطلعوه هيتردد صداه. أي صوت خفيف هيعملوه هيتردد صداه.
      
      "إيه اللي ممكن نتكلم عنه؟" سيا سألت.
      
      "أشباح؟ الجو شكله مثالي عشان نتكلم عن حاجات زي دي." إيما ابتسمت. ضمت رجليها وقعدت. حاجات الرعب دايماً كانت بتشد إيما بالرغم إنها ما بتصدقش في كل الكلام ده.
      
      "حد شاف واحد؟" ساشا سألت.
      
      "عندي قصة..."
      
      
      
      
      
      "عندي قصة." قالت كاتي وكلهم لفوا وشوشهم ناحيتها وبدأت تتكلم. كاتي كانت دايماً شاطرة في حكي القصص وعمرها ما فشلت إنها تسلي أصحابها بحكاياتها.
      
      "مرة، رحنا مزرعة جدي في الجبل. كان صيف والجو حر. المزرعة كانت كبيرة قوي وما حدش عايش جنبنا. رحت هناك كام يوم مع أهلي وبنت عمتي. ناس قليلة يونسوا، والحياة كانت مملة جدًا.
      
      كانت الدنيا ليل والجو مغرب. كنا بنسمع صوت الغربان. جدي خد أهلي عشان يوريهم الزرع ويقابلوا الناس القليلين اللي عايشين جنبنا. أنا وبنت عمتي فضلنا لوحدنا في المزرعة. هي كانت أكبر مني بسنة أو سنتين وما كانش عندنا حاجة نعملها عشان ما كانش مسموح لنا نطلع بره البيت. ما كانش عندنا حاجة نعملها فطلعت اللابتوب بتاعها. كنا بنتفرج على أفلام لما حصل قفلة والبيت كله بقى ضلمة. الكهربا قطعت. خفنا شوية وكملنا نتفرج على الأفلام على اللابتوب بتاعنا.
      
      كانت الدنيا ضلمة وهادية جدًا وبصراحة، كنت خايفة موت. بنت عمتي كانت عايزة تدخل الحمام فاستخدمت كشاف موبايلها عشان تروح الحمام وأنا قعدت ساكتة بتفرج على الأفلام. كنت غرقانة في الفيلم لدرجة إني ما اهتمتش بأي حاجة. بعد شوية سمعتها بتصرخ، افتحي الباب! كاتي افتحي الباب! مش بهزر، افتحي.
      
      كنت مصدومة بجد. الباب كان مقفول من بره. ما كانش عندي فكرة مين قفله من بره عشان إحنا كنا الوحيدين في البيت وهي ما كانتش ممكن تقفل الباب لوحدها. فتحت الباب وبنت عمتي خرجت، وشها أصفر. ما نمتش طول الليل لأني كنت لسه عايزة أعرف مين اللي قفل الباب. ما كانش فيه حد في البيت خالص."
      
      البنات سمعوا قصتها بعناية وإيفا خافت. اتكومت على نفسها وكلهم بصوا عليها وهي بتضحك. القصة كانت حقيقية وكان غريب إنها تتكلم بثقة كده.
      
      "أنا اللي هاحكي القصة اللي بعد كده." بدأت بيثاني. "يلا نبدأ من هنا." قالت وهي بتصفي حلقها، "تعرفوا الشجرة اللي عند زاوية بوابة مدرستنا القديمة؟"
      
      كلهم هزوا راسهم بالموافقة.
      
      "طيب، أنا سمعت ناس كتير بيقولوا إنهم سمعوا أصوات طالعة من الشجرة دي. مش أي أصوات، لكن أصوات غريبة أكيد مش بشرية." وضحت بيثاني.
      
      "أصوات؟" سيا سألت.
      
      "الشجرة دي عمرها حوالي 400 سنة وما حدش بيروحلها ولا بيقف عندها." وضحت ساشا.
      
      "إيه نوع الأصوات؟" سيا سألت.
      
      "بكاء. الناس في مدرستنا سمعوا أصوات بكاء من هناك. بيقولوا إن الجن والأشباح عايشين هناك." بيثاني اتكلمت بنبرة مخيفة.
      
      "هاه! أنا ما بصدقش الهبل ده." إيما هزت راسها وهي بتبص في اتجاه تاني. صباع إيفا كان في بقها وفيزي بصت لها باهتمام شديد. القصة دي كانت تبدو مش حقيقية، إيما عمرها ما سمعت أي حاجة من هناك عشان هي بتقضي نص وقتها بتطنش الحصص تحت الشجرة دي.
      
      "أنا سمعت عن الموضوع ده برضه." فيزي اتكلمت. فجأة سمعوا رعد عالي والبنات اتجمعوا جنب الشباك وبصوا بره. كانت بتنزل برد. نقط بيضا صغيرة شبه الحجارة كانت بتنزل. إيما بفضول فتحت الشباك ومدت إيدها وجمعت شوية. واحدة مضغوطة وصلبة نزلت على إيدها، وده عمل خط أحمر ودم سال منه.
      
      "إيه ده؟" صرخت بألم. بصت على إيدها باستغراب ويأس ومسحت الدم بإيدها التانية وعضت شفايفها.
      
      "مش المفروض توجع للدرجة دي." ليزا اتكلمت وإيما بصت لها. طبعاً، هي مجرد قطرة مياه متجمدة، ما تقدرش تعمل جرح أو دم يسيل.
      
      "دخلي إيدك جوه." قالت بيثاني وإيما أطاعت. "قفلي الشباك كمان." كلهم رجعوا قعدوا في أماكنهم. كان صوت المطر والبرد مسموع والرعد بيرعد في السما الضلمة. كان فيه صمت محرج تاني في الأوضة والمطر بينزل من الشباك.
      
      "هل صحيح إن لما نتكلم عن الجن والأشباح، بيسمعونا وبيجوا؟" آشلي سألت.
      
      "آه. آه صحيح." ساشا ردت وهي بتطبطب على دقنها.
      
      "هما ممكن يكونوا بيسمعونا دلوقتي بس إحنا مش بنشوفهم." سيا ردت.
      
      "لازم نطلع. أنا خايفة قوي." قالت إيفا وهي بتقوم وبتروح بسرعة ناحية الباب. مدت إيدها ولفت مقبض الباب. ما فتحش. حاولت تاني وتالت بس كان باين إن الباب مقفول. بدأت تهز الباب. إيفا بصت ناحية البنات، وشها كان مصفر وشفايفها بترتعش.
      
      "مش بيفتح." صرخت إيفا وده لفت انتباه الكل. كلهم قاموا من أماكنهم وبدأوا يصرخوا. حاولوا يكسروا الباب، خبطوا فيه، دقوا عليه بعنف بس كان مالهوش لازمة.
      
      "إحنا محبوسين." اتنهدت آشلي وهي بتسند على الباب وبتنزل على الأرض. إيفا شممت خفيف وحبست دموعها. الباقيين كلهم كانوا بيصرخوا من الخوف. لكن سرعان ما الكل استوعب الحقيقة المرة ووقفوا هناك في صمت وهم بيبصوا على بعض بوشوش صفرا.
      
      "بس ما حدش بيجي الفصل ده والجزء ده من المدرسة. ممكن نسمي المنطقة دي... إيه... مهجورة." ساشا رفعت إيديها في الهوا. مهما صرخوا أو صرخوا بصوت عالي، ما حدش هيقدر يسمع أي حاجة.
      
      "مين اللي قفل علينا؟" ليزا سألت.
      
      "أنا قلت لكم. هيجوا. الجن، الكلام عنهم، كانت فكرة غلط. دلوقتي هم حبسونا." ساشا صرخت وهي بتسند على الحيطة. خبطوا ودقوا على الباب بس كان مالهوش لازمة. كان فيه كتير من الشم والشهقات مسموعة. كانوا خايفين عشان مش عارفين يطلعوا من الفصل. إيفا ساندت على الباب وهي مستسلمة بعد آخر خبطة ليها على الباب وبدأت تعيط بحرارة.
      
      "خلوني أحكي لكم قصة. هتقول لكم ليه إحنا محبوسين هنا." قالت بيثاني وكلهم اتجمعوا حواليها.
      
      
      
      
      
      "خلوني أحكي لكم قصة." قالت بيثاني وكلهم اتجمعوا حواليها على الأرض.
      
      "من 6 سنين، كانت فيه بنت اسمها أميليا جيبسون بتدرس هنا. كانت بنت هادية وخجولة، وما كانش عندها أصحاب كتير. ما حدش كان بيكلمها وكانت تبدو حزينة بجد. في يوم مش متوقع، بقت مجنونة. رمت مكتبها بعيد وصوتها بقى تخين. بدأت تشد شعرها وتصرخ. كانت بتقول كلمات زي،
      
      'هي هنا عشان تجيبني! هي هنا!'
      
      عمرنا ما عرفنا مين هي بس كانت بتفضل تصرخ. كانت بتتصرف بشكل غريب. بعدين اتقال لنا إنها كانت تحت لعنة جن. الكل خاف وقطع كل أنواع التواصل معاها. ما حدش كان بيكلمها ولا بيقرب منها. دخلت في اكتئاب وفي يوم دخلت فصل مهجور وشنقت نفسها في المروحة." بيثاني خلصت قصتها. كلهم كانوا بيبصوا لها بخوف في عينيهم، دي كانت قصة حقيقية حصلت في مدرستهم بالذات.
      
      "الله! دي كانت قصة وحشة بجد." فيزي صرخت.
      
      "بس مش بس كده، الفصل اللي قتلت نفسها فيه بيتقال إنه مسكون. الناس بتقول إنهم بيسمعوا أصوات من الفصل ده. ما حدش بيجي الجزء ده من المدرسة للأسباب دي." بيثاني أضافت.
      
      "أ-أنهي فصل ده؟" ليزا تهتهت. كانت بتعض ضوافرها، والخوف واضح في عينيها.
      
      "الفصل ده. اللي إحنا محبوسين فيه." بيثاني اتنهدت وهي باصة لتحت. إيفا هي اللي اتجننت. خبطت إيدها على بق بيثاني بتحاول تسكتها. إيفا بتخاف بسهولة، كانت هتصدق أي كدبة بسيطة.
      
      "ا-اخرسي. ماشي؟" إيفا صرخت، "ده مش حقيقي. ده كله كدب. بتحاولي تخوفينا." وقفت وهي بتنهج.
      
      "آه صحيح؟ طيب إيه اللي حبسنا في فصل مهجور؟" قالت بيثاني وهي بتقوم وتصرخ في وش إيفا. أول ما خلصت الكلام، النور بدأ يقطع بس بعد شوية طفى خالص. الدنيا ضلمت وسقعت بشكل غريب فجأة.
      
      "الدنيا ضلمت." ليزا صرخت، وهي بتمد إيديها عشان تلاقي حد تتكلم معاه.
      
      "ساعدوا. أنتوا فين يا جماعة؟" كاتي صرخت، ما كانوش شايفين وشوش بعض أصلاً، كانت ضلمة سودا. النور رجع بسرعة وكلهم أخدوا نفس الصعداء. بس كان فيه حاجة غلط. كلهم بصوا على السبورة اللي كان مكتوب عليها بالطباشير الأبيض:
      
      شبح هنا. ما تجوش هنا.
      
      كلهم حولوا انتباههم للسبورة ودخلوا في حالة من الهلع. صريخ وصياح وبكاء. "مين اللي كتب ده؟" فيزي سألت وهي غاضبة.
      
      "دي نوع من المزاح المقرف أو مقلب واحدة فيكم بتعمله فينا. لو كده، فده مش مضحك خالص." إيما قالت وهي بترمي إيديها في الهوا.
      
      "ولا واحدة فينا كتبته." آشلي أضافت وهي بتبلع ريقها وبصوت هامس. بيثاني ضحكت ضحكة غريبة. "ده جنون. نتحبس في فصل مهجور والنور يقطع. ودلوقتي ولا واحدة فيكم كتبت الهبل ده على السبورة. حاجة واحدة أكيدة. إحنا هنموت النهارده." بيثاني بدأت تضحك زي المجنونة كأنها فقدت عقلها وإيفا ضربتها جامد على وشها.
      
      "قلت لك اخرسي." إيفا زمجرت، وعينيها كانت بتخترق عينيها وهي بتوقعها على الأرض، كانت فوقيها بتخنقها من رقبتها.
      
      "بطلوا تتخانقوا. لازم نطلع من هنا." كاتي اتكلمت.
      
      "وإزاي ده؟" سيا سألت.
      
      "إحنا- إحنا آآآه... ننط من الشباك؟" كاتي قدرت تقولها اللي طلعت كأنها سؤال أكتر. كلهم بصوا لها والاستغراب مرسوم على وشوشهم. كاتي أكيد مجنونة. هما هيتعاقبوا من المدرسة عشان كسروا الشباك وما حدش هيصدق كلمة واحدة يقولوها. ده غير إن الشباك كان مصنوع من زجاج قوي، ممكن يحصل انفجار هنا وما يتعملش فيه خدش واحد. كلهم رموا نفسهم تاني على الأرض استسلاماً وكل واحدة فيهم بتبص على الحيطة اللي عليها تراب.
      
      "الساعة كام؟" آشلي سألت.
      
      "الساعة...." إيما بصت في ساعتها وبعدين القلق ظهر على وشها، "خمسة مساءً."
      
      "إيه؟ هنعمل إيه دلوقتي؟ أتوبيس المدرسة أكيد مشي من غيرنا." فيزي صرخت وبدأت تعيط.
      
      "وأنا جعانة موت كمان." ليزا عيطت وهي بتدفن راسها في ركبتيها. كاتي طلعت علبة الغداء من شنطتها وادتها لليزا. كانت ساندويتش نص مأكول.
      
      "شاركوا." فيزي همست وهي بتمسح دمعة من عينها. ليزا هزت راسها وقسمت الساندويتش نصين وادت نصه لفيزي. كلهم كانوا جعانين بس روح التضحية كانت فيهم فالتلاتة بس قسموا الساندويتش النص مأكول على تلاتة وبدأوا يقرضوا فيه.
      
      "عمرنا ما هنلاقي فرصة نتخرج دلوقتي. مفيش حفلات تاني، مفيش مقابلات قرايب، مفيش حد يتكلم مع قرايبنا، مفيش دوشات تاني وقبل كل ده مش هنقدر نشوف عائلتنا." بيثاني عيطت وهي نايمة على الأرض.
      
      "أنا عارفة، النهارده ماما وعدتني إنها هتعمل لي كوكيز بالشوكولاتة لما أرجع البيت. أنا عارفة إنها ممكن تكون قلقانة وهتحفظ الكوكيز لحد ما أرجع البيت. أنا وحشتني خلاص." إيما شممت وهي بتبص من الشباك والدموع بتنزل من عينيها.
      
      "تخيلوا إيه؟ النهارده اتخانقت مع أخويا الصبح. ضربته وهو عيط. قالي إنه بيكرهني وكان يتمنى إني ما رجعتش البيت. قلت له إن أمنيته هتتحقق وإني مش هرجع البيت. أكيد بيعيط دلوقتي، بيدعي ربنا إنه عايز أخته الوحيدة ترجع. أنا بس عايزة أروح البيت وأعتذر عن سلوكي الوقح." آشلي دفنت راسها في ركبتيها وسمع صوت شهقات خفيفة.
      
      "إحنا اتدمرنا." إيفا شخرت وهي بتهز راسها بتلعب برباط يونيفورمها.
      
      "وحشتيني يا ماما. بحبك." إيما همست لنفسها. ساشا قامت وراحت تحضنها وبعدها فيزي. بسرعة كل البنات كانوا محتضنين في حضن جماعي.
      
      النور قطع تاني. الدنيا كانت بتضلم بره. ما كانش فيه أي شعاع شمس خفيف ممكن يتشاف. الصوت الوحيد اللي كان مسموع كان صوت تكة الساعة. المرة دي سمعت ضحكة غريبة. ما كانتش ضحكة عادية، ما كانش فيه أي واحدة منهم ضحكتها. كانت ضحكة فضية ضبابية وهوا ساقع احتضن الأوضة في ضلمة الليل.
       
      

      رواية كابوس الخراب - (Ro)

      كابوس الخراب

      2025, مينا مسعود

      جريمة

      مجانيه

      الرواية تحكي قصة أخصائية اجتماعية تُختطف في الصباح الباكر وهي في طريقها للعمل. تجد نفسها محتجزة في شاحنة متحركة، وتعاني من آثار مخدر وتغيير في ملابسها. تعيش حالة من الخوف والارتباك، وتحاول فهم هوية خاطفيها ودوافعهم. تنتهز فرصة للهرب في الصحراء القاحلة في محاولة يائسة للحصول على حريتها. لكن محاولتها تفشل، وتصدم عندما تكتشف أن أحد خاطفيها هو شخص قابلته للتو في الليلة السابقة.

      كورين

      تعمل كأخصائية اجتماعية وتُختطف بشكل مفاجئ في الصباح. تظهر قوية ومصممة على الهروب رغم شعورها بالخوف والارتباك الشديد من الموقف.

      دان

      أحد الرجلين الموجودين في مؤخرة الشاحنة. يبدو ضخم الجثة والأكثر سيطرة بين الخاطفين الظاهرين. يتحدث بهدوء ولكنه حازم في تعامله مع كورين.

      تايلر

      الرجل الآخر مع دان في الشاحنة. يبدو أقل ضخامة من دان، ويظهر في البداية وهو يقرأ كتاباً. هو الشخص الذي تحاول كورين مهاجمته للهروب.
      تم نسخ الرابط
      رواية كابوس الخراب - (Ro)

      أسرعتُ إلى خزانتي لأرتدي كعبي العالي، في طريقي إلى المحكمة لجلسة استماع أخرى في قضية خدمات حماية الأطفال التي كنتُ أتابعها. أنا وزميلتي في السكن وصديقتي المقربة، ليزا، كان لدينا مكان واحد فقط مخصص لوقوف السيارة، وكان على الجانب الآخر من المجمع. تعثرتُ قليلاً بكعبي العالي وأنا أسير بسرعة نحو سيارتي، متمنيةً لو أنني كنتُ أرتدي حذائي الرياضي بدلاً منه. الأصوات الوحيدة التي كنتُ أسمعها هي صوت نقرات كعبي وزقزقة الطيور العرضية في الصباح الهادئ.
      
      غادرتُ مبكراً على غير عادتي، متلهفةً لتناول قهوة موكا بالحليب والشوكولاتة بحجم كبير ولقطة مضاعفة وشطيرة إفطار من ستاربكس لتوقظني من الليلة المتأخرة التي قضيتها في الليلة السابقة مع ليزا في حانة بيانو.
      
      إفطار الأبطال، كما كنتُ أقول غالباً.
      
      كنتُ على وشك الوصول إلى سيارتي عندما لمحْتُ شاحنة بيضاء متوقفة بشكل غير قانوني في منطقة حمراء على بُعد حوالي عشرة مواقف. تفاجأتُ أنها لم تُسحب، خاصة وأن مدير شقتنا كان صارماً جداً بشأن الوقوف غير القانوني. في المرة الأخيرة التي حاولتُ فيها شيئاً كهذا، خرج يصرخ قبل أن أتمكن حتى من فتح باب سيارتي.
      
      عندما وصلتُ إلى سيارتي، فزعتُ عندما اشتغل محرك الشاحنة في الصباح الهادئ. تقدمت ببطء نحو مؤخرة سيارتي. انزلق الباب الجانبي مفتوحاً، مسكتاً العالم حولي.
      
      وقفتُ مذهولةً من الضخم الواقف عند الباب الجانبي للشاحنة. بدا ضخماً وهو منحني. ولكن بمجرد أن قفز من الشاحنة، كان طوله على الأقل ستة أقدام وخمس بوصات، ووزنه مئتان وخمسون رطلاً. بدا عرضه وكأنه يغطي المدخل بأكمله للشاحنة. لكنه كان مجرد صورة ضبابية وهو يندفع نحوي. تلمست أصابعي المفاتيح بتردد.
      
      صدر صوت صراخ حاد من فمي، لكنه امتُص ببساطة في هواء نوفمبر البارد. محاصرة بين سيارتي، والسيارة المجاورة لي، والجدار الآجرّي. متعثرة، استدرتُ وحاولتُ التسلق فوق الجدار. أطلقتُ صرخة أخرى.
      
      أمسكني من وركيّ، وتطاير حذائي. قوة مغناطيسية تسحبني عن الجدار. غرستُ كعبي المتبقي في قدمه. خذها أيها الوغد! اكتفى بالهمهمة.
      
      أمسكني بقوة أكبر، واضعاً ذراعيه حول جذعي. رفعني إلى الأعلى. لهثتُ عندما تمزق جلدي عن يديّ بسبب الجدار الآجرّي. أعاد وضع ذراعيه حول جذعي، يضغط بقوة شديدة حتى كدتُ لا أستطيع التنفس. بينما استدار بنا كجسد واحد، وضع يده على فمي بقطعة قماش.
      
      على بعد أمتار قليلة فقط من الباب الجانبي للشاحنة، حاولتُ تثبيت قدمي على السيارات، أي شيء لأمنع نفسي من الدخول.
      
      "لا تدع الجاني يأخذك إلى مكان ثانٍ"، هذا كل ما كنتُ أفكر فيه. نصيحة كنتُ قد سمعتها ذات مرة في برنامج حواري عن الخطف.
      
      وقف رجل آخر عند مدخل الشاحنة، ينتظر لاستلامي.
      
      "لا تدع الجاني يأخذك—"
      
      أمسك ساقي اللتين لم يبدُ أنهما تريدان الركل وحملني إلى داخل الشاحنة. قوة إرادتي تتلاشى ببطء نحو فقدان الوعي. ابقي مستيقظة! ابقي مستيقظة!
      
      "لا تدع الجان—"
      
      تحول كل شيء إلى سواد.
       
       
       
       
       استيقظتُ مفزوعةً وصوت صرخة عالق في حلقي. مرعوبة من أسوأ كابوس مررتُ به على الإطلاق. كان حقيقياً جداً، مرعباً جداً. يجب أن أخبر ليزا عن هذا عند الإفطار، فكرتُ. لن تُصدق مدى وضوحه.
      
      ولكن عندما ركزت عيناي، أدركتُ أن كابوسي كان حقيقة—كنتُ في شاحنة متحركة، أستلقي على ملاءة موضوعة فوق السجاد. كانت هناك وسادة تحت رأسي وبطانية فوقي. شعرتُ بدوار وسمعتُ صوت الشاحنة وهي تُصدر طنيناً. كنا نسير بسرعة كبيرة، ربما على طريق سريع.
      
      نظرتُ حولي. كان الرجلان نفساهما يستندان إلى الجدار الآخر للشاحنة. الرجل الذي أمسك بساقي كان يقرأ كتاباً.
      
      "انظروا من استيقظ،" أعلن اللعين الذي أمسك بي في موقف السيارات. شبك ساقيه بوضع القرفصاء ومال أقرب نحوي.
      
      "كيف تشعرين؟"
      
      تحركتُ ببطء إلى الوراء بقدر ما أستطيع حتى اقتربتُ من جانب الشاحنة.
      
      "استرخي. نحن لسنا هنا لإيذائك." عندما رأى الشك والخوف في عيني، أضاف: "بصراحة، لن نفعل شيئاً. كل ما عليك فعله هو التعاون."
      
      كان هذا شرطاً كبيراً.
      
      "هنا، اجلسي،" أغرى.
      
      أمسك شطيرة من المبرّد الذي كان خلف مقعد الراكب. كان شخص ما في مقعد السائق ولا أحد في مقعد الراكب. هذا يجعلهم ثلاثة حمقى. بطريقة ما، كان علي أن أتخلص من هذا الضباب وأضع خطة للهرب. كيف بحق الجحيم يمكنني محاربة ثلاثة رجال؟
      
      بقيت مستلقية، متجمدة.
      
      "اجلسي،" قال مرة أخرى، دافعاً رأسي بيده.
      
      جلستُ مطيعة، أشعر بدوار وغثيان. شعرتُ بالمهدئ وكأنه دم يتدفق إلى رأسي. تساءلتُ إن كانوا قد استخدموا الكلوروفورم عليّ. بصفتي أخصائية اجتماعية، كان لدي ذات مرة قضية استخدم فيها والدان الكلوروفورم لتهدئة طفلهما المصاب بفرط الحركة وتشتت الانتباه. وفقاً لبحثي، كنتُ أشعر بنفس الآثار الجانبية.
      
      أخرج الشطيرة من الكيس وعرضها عليّ. لكنني لم آخذها. رائحة الطعام جعلتني أرغب في القيء. قاومتُ الحاجة إلى القيء في كل مكان على أرضية السجاد، مذعورة مما سيفعلونه بي إذا تسببت في فوضى.
      
      فجأة ارتفع معدل ضربات قلبي بشكل جنوني عندما أدركتُ أن تنورتي وحذائي ليسا عليّ. نظرتُ تحت البطانية ورأيتُ أن هذه أيضاً ليست ملابسي الداخلية. كنتُ أرتدي شيئاً وردياً من الدانتيل لم أكن لأختاره بنفسي أبداً. سحبتُ الملاءة حتى صدري وتمسكت بها بقوة.
      
      يا إلهي! لابد أنهم اغتصبوني! فكرتُ.
      
      حاولتُ استشعار ما إذا كنتُ أشعر بأي اختلاف هناك. ألم. تسرب. لم ألاحظ شيئاً. كنتُ سألاحظ فرقاً. أليس كذلك؟
      
      "اسمي دان. وهذا هنا هو تايلر. لماذا لا تحاولين تناول شيء ما؟ لابد أنكِ تتضورين جوعاً." مد الشطيرة مرة أخرى. غطيتُ أنفي وفمي بيدي وهززتُ رأسي.
      
      لم أستطع التوقف عن التفكير في المنطقة الحساسة لديّ. اختلستُ نظرة خاطفة على ملابسي الداخلية مرة أخرى.
      
      "أوه، لقد لاحظتِ ملابسكِ. لا تقلقي. لقد غيرنا ملابسكِ فقط لأنكِ، اه، حدث لكِ حادث بسيط." احمر وجهه.
      
      أخذتُ الشطيرة من يده الممدودة طاعة. لم أكن جائعة فحسب، بل كنتُ خائفة من أنهم وضعوا فيها مخدرات. كان يجب أن أكون جائعة بما أنني لم آكل منذ الليلة السابقة عندما خرجتُ أنا وليزا. لكنني كنتُ أشعر بالغثيان الشديد.
      
      ليزا. تساءلتُ كم من الوقت سيستغرق الأمر قبل أن تدرك أنني اختفيت. هل سيتصل موظف المحكمة في الجلسة بشخص ما؟ إذا فعلت ذلك، ستتصل برقم هاتفي الخلوي ورقم مكتبي. لم تكن تملك رقم منزلي. فرصتي الوحيدة لاكتشاف اختفائي قريباً كانت إذا رأت ليزا سيارتي لا تزال في موقف السيارات. بأي حظ، ستلاحظ أنني لم أغادر. من هناك، كان يجب أن تتصل بالشرطة. أو بأبي. كان هذا أملي الوحيد.
      
      بصرف النظر عن النوافذ الأمامية، كان لدى الشاحنة فقط النافذتان الخلفيتان. لم يكن هناك أمل أن تراني أي سيارات أخرى في هذه القلعة المتحركة.
      "هل تريدين شيئاً لتشربيه بدلاً من ذلك؟" سأل تايلر، ينظر من فوق كتابه. "تحتاجين إلى تناول شيء ما."
      هززتُ رأسي. يا لهم من أوغاد يهتمون. كانت هذه المرة الأولى التي أنظر إليه فيها حقاً، ولم يبدُ لي قوياً إلى هذا الحد. كانت لدي فرصة أفضل بكثير للهرب ضد شخص مثل تايلر من دان.
      لم يكن تايلر وسيماً أيضاً. أشبه بشخص قد يحالفني الحظ بترتيب موعد غرامي معه. لو كانت الظروف مختلفة. كان يرتدي بنطال جينز وقميص تيشيرت قديم بأكمام طويلة لفرقة آيرون مايدن. كان شعره البني مسرّحاً إلى الخلف ليبدو وكأنه من الثمانينيات. بدا لي كشخص بسيط من الريف.
      نظرتُ خارج النوافذ الأمامية والخلفية، وبدا أن الشمس كانت فوقنا مباشرة. هذا يعني أن الوقت يجب أن يكون بين الساعة الحادية عشرة صباحاً والثانية بعد الظهر. كنتُ قد غادرتُ الشقة حوالي السابعة، لذا لابد أنني كنتُ بالخارج لأربع ساعات على الأقل. إلى أين كنا متجهين وكم قطعنا من مسافة في تلك المدة الزمنية؟
      مع مرور الدقائق، زال الضباب. لم أستطع رؤية التضاريس جيداً من النافذة الأمامية ولم أستطع رؤية سوى السماء الزرقاء من النافذة الخلفية، ولكن بدا أننا في الصحراء. بما أننا غادرنا من لوس أنجلوس، استنتجتُ أننا قد نكون في أريزونا أو نيفادا الآن.
      كنتُ أرغب في الحصول على إجابات بشدة، لكنني لم أجرؤ على سؤال أي شيء. بدا أن صوتي لا يعمل. كان عليّ أن أستعيد رباطة جأشي، أجد فرصة للهرب. والأهم من ذلك، كنتُ بحاجة إلى البقاء هادئة وبعقلٍ متزن.
      حدقتُ في مقبض الباب الخلفي، متخيلةً فتحه على عالم من الحرية. لم تكن فكرة جيدة محاولة الهرب ونحن نتحرك بهذه السرعة—كنتُ أرغب في البقاء قطعة واحدة، بعد كل شيء. ولكن أول فرصة أحصل عليها، سأهرب. هذا ما كنتُ متأكدة منه.
      "لا تفكري في ذلك حتى،" قال تايلر.
      خفضتُ عيني بسرعة وركزتُ على يديّ.
      "لماذا لا تستلقين وترتاحين يا كورين؟ لا يزال أمامنا طريق طويل جداً،" قال دان.
      
      
      
      
      
      ارجوك ابتعد عني. بعيداً، بعيداً.
      
      ربت على الوسادة، فوضعتُ رأسي عليها مجدداً طاعةً.
      
      "كيف—كيف تعرف اسمي؟" تسارعت نبضات قلبي.
      
      "لقد عرفناكِ منذ فترة لا بأس بها،" قال دان ببرود. "ولكن حتى لو لم نعرفكِ، فلدينا حقيبتكِ."
      
      "أتعرفونني؟"
      
      صمت.
      
      "كيف تعرفونني؟"
      
      "في الوقت المناسب، كورين."
      
      "إلـ إلى أين نحن ذاهبون؟"
      
      تردد دان قبل أن يجيب ببساطة شديدة بابتسامة مطمئنة، "إلى المنزل."
      
      لم يقدم أي تفاصيل إضافية. شعرتُ بالإحباط لكوني مضطرة للانتظار إجابات قد لا تأتي أبداً. ركزتُ على صوت طنين الشاحنة، محاولةً نسيان الألغاز وترك الضجيج الأبيض يهدئني. شعرتُ وكأنني في حالة صدمة.
      
      تماسكي يا كورين، قلتُ لنفسي.
      
      "لا تنسي شطيرتكِ،" قال تايلر، مشيراً إليها.
      
      "لستُ جائعة."
      
      "كما تشائين."
      
      "ولكن . . . هل يمكنني الذهاب إلى الحمام؟ أشعر بالغثيان." كان عقلي يدور بخطط الهروب المثالي. كنتُ أحتاج فقط إلى عنصر المفاجأة. بدأت يداي تتعرقان.
      
      "مرحباً،" صرخ دان على السائق، "نحتاج إلى استراحة قريباً."
      
      "حسناً، سأخرج عند المخرج التالي،" قال السائق. تساءلتُ من هو السائق، لكنني لم أستطع رؤية سوى مؤخرة رأسه. شعره القصير البني.
      
      جلستُ مرة أخرى وحاولتُ النظر بتلقائية من النافذة الأمامية دون أن أبدو لافتة للنظر. لم أرَ أي مبانٍ، فقط صحراء، لكن ربما كانت هناك محطة استراحة أو بعض المطاعم عند المخرج التالي. على الأقل، شعرتُ بالتشجيع من كمية حركة المرور على الطريق السريع. من آخر لافتة رأيتها تمر بسرعة من النافذة الأمامية، كنا على الطريق السريع رقم 10 متجهين نحو فينيكس. كنا متجهين شرقاً.
      
      بعد بضع دقائق، شعرتُ بالشاحنة تنحرف إلى اليمين وتتباطأ—كنا نخرج. كان قلبي يدق بقوة وأنا أفكر كيف يمكنني تحقيق هذا الإنجاز الكبير—وما هي العواقب إذا لم أنجح. كان يجب أن يكون الأمر سريعاً ومفاجئاً. كان ثلاثة ضد واحد. عنصر المفاجأة كان حاسماً.
      
      استدار السائق يميناً عند علامة قف، ولم أستطع رؤية أي علامة لمبانٍ أو أشخاص في أي مكان. كيف يمكنني الركض في الصحراء؟ لم أكن أرتدي حتى حذائي. لحسن الحظ، كنتُ أمشي حافية القدمين كثيراً. لذلك، الركض في التراب لا ينبغي أن يكون صعباً جداً. فكرتُ في طلب حذائي مجدداً، لكن كل ما كان لدي هو أحذية بكعب عالٍ. سأركض أسرع حافية القدمين.
      
      قطع السائق حوالي نصف ميل على الطريق. مع كل دوران للإطارات، كانت فرصتي في الهروب تتضاءل. لقد مر وقت طويل منذ أن ركضتُ، ولكن إذا كان هذا من أجل حياتي، لم يكن لدي شك في أن لدي القدرة على التحمل للركض عائداً نحو الطريق السريع دون الانهيار من الإرهاق. في منتصف النهار، سيكون هناك ما يكفي من المركبات حولي لمساعدتي—لو فقط أستطيع الوصول إلى الطريق السريع.
      
      بعد أن توقفت الشاحنة، شممتُ بقايا شطيرة دان على أنفاسه وهو يميل نحوي، أنوفنا تكاد تتلامس. بدا وجهه ضعف حجم وجهي. كنتُ كطفل أمامه.
      
      "الآن، هكذا يسير الأمر. تايلر سيفتح الأبواب الخلفية. سنخرج أنا وأنتِ ونجد مكاناً مناسباً لتقضين حاجتكِ. بعد أن تنتهي، سنعود إلى الشاحنة. لا تفكري حتى في محاولة أي شيء، هل تفهمين؟"
      
      أومأتُ برأسي موافقة.
      
      "ماذا تريدون مني؟" سألتُ.
      
      "لن نؤذيكِ،" كان هذا كل ما قاله لي.
      
      فتح تايلر أحد الأبواب بقوة، وتحركتُ ببطء نحو مؤخرة الشاحنة والبطانية على ساقي ودان خلفي مباشرة. لم أكن أرتدي حتى بنطالاً أو تنورة.
      
      "لا تنسَ ورق الحمام،" قال تايلر لدان.
      
      "أوه، هذا صحيح."
      
      رجع دان نحو أكياس البقالة بجوار المبرّد. نافذة فرصتي.
      
      اتجهتُ بتلقائية نحو الخلف، حريصة على البقاء متغطية حتى وصلتُ إلى الباب. عرض تايلر يده لمساعدتي على الخروج. وكأنني سآخذها طواعيةً أبداً. لم أجرؤ على النظر في عينيه أبداً، خشية أن تكشفني عيناي.
      
      وقفتُ بتلقائية بجواره، مدعيةً إعادة ترتيب البطانية. ثم بأسرع ما يمكن، ركلته بركبتي في خصيتيه. خذ هذا، أيها الوغد المريض!
      
      أطلق صوتاً بشعاً، وكأنه فقد أنفاسه، وسقط على الأرض.
      
      
      
      
      انطلقتُ، أسقطتُ البطانية وركضتُ أسرع مما ركضتُ من قبل، أغلقْتُ ذهني عن أي ألم شعرتُ به من الحصى والشظايا التي كانت تنغرز في قدمي. ارتفع الألم إلى ساقيّ. لكنه سيكون ثمناً زهيداً جداً—بمجرد أن أصبح حرة.
      
      "مرحباً!" سمعتُ دان يصرخ. "إنها هاربة!"
      
      فتح باب السائق وأغلق، لكنني كنتُ قد حصلتُ على تقدم جيد حقاً. شككتُ أنهم كانوا قد توقعوا قوتي وسرعتي، خاصةً أنني كنتُ أعاني قليلاً من زيادة الوزن.
      
      انتقلتُ إلى الرصيف، أملاً أن يكون الأسفلت أسهل. لقد أعطاني أرضية أكثر صلابة لأدفع نفسي منها. شعرتُ وكأن قلبي يقفز من صدري، ولم أستطع التوقف عن البكاء.
      
      ابقي مركزة، تماسكي. وإلا فلن تصلي أبداً إلى الطريق السريع! ليس هذا وقت البكاء.
      
      ألقيتُ نظرة سريعة خلف كتفي الأيمن ورأيتُ أنهم كانوا على بُعد مئة قدم على الأقل لكنهم كانوا يتقدمون.
      
      "كورين، من الأفضل أن تتوقفي! الآن!" صرخ أحدهم.
      
      أردتُ أن أصرخ "تباً لكم"، لكنني لم أكن لأهدر أنفاسي على إظهار ازدراء لا فائدة منه.
      
      أسرع، أسرع، أسرع، توسلتُ إلى ساقي. كنتُ على بُعد حوالي نصف المسافة. كنتُ أرى الطريق السريع في المسافة. الحرية.
      
      اركضي، اركضي، اركضي!
      
      كان السائق يلهث خلفي. لم أجرؤ على إدارة رأسي، مع ذلك.
      
      كنتُ أشعر بأنفاسه على رقبتي.
      
      "توقفي—الآن!" لهث.
      
      اركضي، اركضي، اركضي! أسرع!
      
      غبّشَت الدموع رؤيتي. رمشتُ لأبعدها، لكنها استمرت في العودة. أمسكت يد كتفي، فانتزعتُها بقوة قدر استطاعتي. تعثر السائق لكنه استعاد سرعته مرة أخرى.
      
      "لن تنجحي أبداً،" تفوه بسرعة.
      
      كنا على بُعد أقل من ربع ميل الآن، أقل من لفة مضمار واحدة. الحرية كانت على بُعد لحظات.
      
      عندئذٍ شعرتُ وكأن الحياة انتهت. ألقى السائق بنفسه عليّ. كانت قبضته عليّ قوية لدرجة أننا تدحرجنا معاً. تقلبنا مرتين على الأسفلت. ارتطمت ساقاي المكشوفتان بقوة على الرصيف. كان الألم شديداً.
      
      أردتُ أن أتململ وأركل، لكن طاقتي قد نفدت. لم يتبقَ لدي سوى القليل من الأمل. في ثوانٍ لحق بنا دان، وساعد السائق على سحبي إلى وضع الوقوف.
      
      عندئذٍ رأيتُ وجه السائق بوضوح للمرة الأولى—جيمس—نفس جيمس الذي قابلته أنا وليزا في الحانة في الليلة السابقة . . .
      
      

      Pages

      authorX

      مؤلفون تلقائي

      نظام شراء