روايات رعب هلا بالعوالم الخفية - الفصل الاول
هلا بالعوالم الخفية
2025,
روايات رعب
مجانا

ـ "هلا! دي مش جلسة… دي غرفة خياطة!" هلا ضيّقت عينيها، ومدّت إيدها على صدر نادية، وهمست: ـ "أنا مش هقتلك… أنا هخلي صوت الناس اللي خيطتيهم… يكونوا الإبرة اللي تفكك." وفجأة… صرخة عالية خرجت من نادية، والمكان نور، والمرايات كلها اتكسرت. نادية وقعت على الأرض… وأول دمعة نزلت من عينها من سنين، وقالت بصوت واطي: ـ "أنا… كنت بحاول أحميهم من ضعفهم…" هلا بصّت لها وقالت: "بس نسيتِ… إن الإنسان لازم يتكلم علشان يخف، مش علشان يتهزّ." نادية سقطت، مش كعدو… لكن كضحية قديمة هي كمان. وآدم؟ أول مرة بكى فيها بصدق… كان بعدها بساعات. والخيط اللي على رقبته؟ اختفى… مكانه وردة صغيرة هلا كانت نايمة، بس نايمه مش مريحة. من أول ما خرجت من مكتب د. نادية، وهي بتحس بدوخة غريبة، كأن دماغها بتتزحلق. وفجأة، لقت نفسها في نفس الحديقة السودا اللي كانت فيها مع ميسان… لكن المرة دي، الأشجار كلها مربوطة بخيوط، وفي نص المكان، واقف هو. الخياط. لكن مش صورته اللي شافته قبل كده. ده شكله الحقيقي. طول ملوكي، وشه مافيهوش ملامح… بس كل ما تبص، تشوف حاجة مختلفة: مرّة بيبان وش أبوها، مرّة آسر، مرّة هي وهي صغيرة. صوته جه كأنه بيطلع من الأرض: "فكيتي التانية… بسرعة غير متوقعة." هلا واقفة، بتحاول تبين إنها ثابتة، وقالت: ـ "أنا هفكهم كلهم. حتى لو كنت آخر غرزة أنت نفسك." ضحك… ضحكة باردة، وقال: "كل غرزة بتتفك، بتسحب حاجة منك يا هلا. لحد ما تبقى خالية… زيّهم." وفجأة، ظهرت صورة آسر قدامها… لكن شكله كان مُتعِب، عينيه مطفية، وبطنه ملفوف بخيط أسود كثيف. صوت الخياط قال: "بتفتكري إنك بتحريره؟ ده كل ما تفكي غرزة… هو بيضعف." هلا حاولت تمد إيدها له، لكن الأرض نفسها بعدته. والخياط قرب منها جدًا، وقال بهمس: "أنا مش هقتلك… بس هخلي كل اللي حواليكي… يشكّوا فيكي." وفجأة، حلمت هلا بمنى — صاحبتها الوحيدة — وهي بتصرخ في وشها: "إنتي السبب… من ساعة ما بدأتي، وحياتي بتتلخبط!" وبعدين رهيب… وهو بيبعد عنها: "إنتي بتنزفي من جوا… بس مش واخدة بالك." هلا وقعت على ركبتها، وقالت بصوت عالي: "كفاية!!!" الخياط ابتسم أخيرًا، وقال: "ده بس بداية اللعب يا هلامثب١. لو انتي بتفكي الغرز… فأنا هفكك إنتي." واختفى. وساب جملة معلقة في الهوا: "غرزة رقم ٣… أقرب مما تتخيلي." هلا صحيت من النوم، بتنهج، وعينها فيها دمعة… لكن مش دمعة خوف. دي دمعة عارفة إن اللي جاي… أشرس. رهيب (ياسين) كان جنبها، حسّ باللي حصل. بصّ لها وقال: ـ "شافك؟" هلا أومأت برأسها، وقالت: ـ "شافني… ولمسني. الخياط دخل في روحي." وسكتت لحظة… وبصّت من الشباك: ـ "بس أنا كمان… دخلت في لعبته. والمرة دي… مش هرحم." دخلت هلا الكافية، وشافتها حنان قاعدة جنب الشباك، بتقلّب في الموبايل بعصبية. منى كانت أول من وقفت جنبها لما بدأت "تشوف حاجات غريبة"، بس دلوقتي… وشها مش مطمّن، فيه حاجة متغيرة. هلا قالت وهي بتضحك بخفة: ـ "إنتي طلبتي القهوة قبلي كالعادة؟ ولا سيبتيلي حق الاختيار؟" منى رفعت عينها، بس النظرة ما كانتش دافية. قالت بصوت باين عليه تعب: "هلا… إحنا محتاجين نتكلم بجد." قلب هلا اتقبض. ـ "خير؟" منى تنهدت وقالت: "أنا مش قادرة أستوعب اللي بيحصل حوالينا. كل حاجة بقت غريبة. نادية اللي كانت قدوة… بقت مريضة نفسية؟ الطلبة بيتكلموا عنك كأنك ساحرة؟ وأنا؟ بقيت مش عارفة أنتي مين!" هلا بصّت في عينيها، وشافت الخيط… رفيع، بس موجود. علامة من علامات الخياط… خيط من الشك، ملفوف حوالين الكلام اللي مش متقال. قالت لها بهدوء: ـ "إنتي خايفة مني؟" هلا بصّت في الأرض: ـ "أنا خايفة عليكي. بس كمان… في صوت جوايا بيقول لي: ابعدي. مش صوتي… بس كأنه بيتكرر كل ما أكون معاكي." هلا بلعت ريقها… وقالت بصوت مكسور: ـ "الخياط بدأ فيكِ." منى رفعت عينيها بسرعة: ـ "إيه؟! إنتي بتقولي إني…؟" هلا لأ، مش غرزة. بس هو عارف إنك نقطة ضعفي، فبدأ يخيط في قلبك. بالخوف، والريبة، بالصوت اللي مش صوتك." منى دمعت عينيها وقالت: ـ "أنا مش فاهمة حاجة يا هلا… بس أنا بحبك. حتى وأنا مش قادرة أفهمك." هلا قامت، ووقفت جنبها، ومدّت إيدها، ولمسِت بإصبعين جبهة منى، وغمضت عينيها. لحظة… وفي داخل عقل حنان، سمعت صوت الخياط يقول: "هسيبك دلوقتي… بس المرة الجاية، هخيطها بخيط من دمعك." هلا صرخت: ـ "أخرج منها!" وفتحِت عيونها… ومنى وقعت في حضنها، بتنهج، زي واحدة كانت غرقانة. وقالت وهي بتعيط: ـ "أنا كنت بضعف… كل يوم، وأنا مش حاسة. شكرًا إنك لسه هنا." هلا حضنتها بقوة وقالت: ـ "أنا مش بس بحارب علشان آسر… أنا بحارب علشانك إنتي كمان. علشان محدّش يسكّتك… لا بخيط، ولا بخوف." منى مازالت في صف هلا، لكن الخياط عرف نقطة ضعفها… ودلوقتي هلا عارفة: أي شخص قريب منها… ممكن يكون هدف. في عالم الخيوط السوداء آسر قاعد لوحده في حجرة مالهاش أبواب. الحيطان عبارة عن نسيج من خيوط سودة، بتتحرك بهدوء كأنها بتتنفّس… كل خيط ماسك في جلده، وفي كل مرة بيتنفس، الخيط يشدّ أكتر. أسر بتفكير مستمر : "أنا لسه عايش؟ ولا ده شكل الموت؟ ولا دي زنزانة الحُب… اللي ماتقالش في وقته؟" هو مش شايف الزمن، بس كل شوية، "الذكريات" بتجي له على هيئة ظلال، مشاهد باهتة: هلا بتضحك في المطر أول مرة سمع صوتها وهي بتغلط في نطق اسمه ميسان… وهي بتجري ناحيته تصرخ من وجعها، قبل ما تقع ثم آخر حاجة… هلا وهي تصرخ: "أنا مش هسيبك!" بس دلوقتي؟ مفيش صوت. مفيش أمل. آسر حاول يقوم. رجليه مربوطين بخيطين شبه شرايين. شد نفسه… وجتله صدمة كهربا. وقع. ظهر صوت جديد… مش صوت الخياط، صوت شبه هلا… لكن مش هي. "لو حاولت تفك نفسك… هتنسى كل اللي بتحبه." آسر صرخ: ـ "انسيهم؟! أنا مليان بيهم!" ورد الصوت: "عشان كده لازم تفضل مربوط." آسر حسّ بيها… كأنها نبض رجع له: "فيه حد… لسه بيحارب عشاني."