روايه عظام الدم

عظام الدم 2

2025, أدهم محمد

رعب

مجانا

في ليلة هادئة، يجتمع أربعة أصدقاء عند أطراف غابة مظلمة حيث يكتشفون أوراقًا غامضة تحمل رسائل مخيفة تحذرهم من خطر مجهول. مع تصاعد التوتر والخوف، يقرر الأصدقاء التقدم داخل الغابة، مدفوعين بفضولهم وشعورهم بالشجاعة الزائفة. ومع كل خطوة، يتزايد الغموض والخطر الذي يحيط بهم، مما ينذر بأن شيئًا مظلمًا يترصدهم في الظل.

مات

شاب متوتر ويعاني من مخاوف كثيرة، خاصة من الظلام، لكنه يحاول إخفاء ذلك بالسخرية.

غراي

الأكثر هدوءًا وتركيزًا، فضولي بطبعه، ويبحث دائمًا عن تفسير منطقي للأمور.

فيليكس

مرح وساخر، يحاول تخفيف الأجواء بالتعليقات الساخرة لكنه يخفي قلقه
تم نسخ الرابط
روايه رعب

          مفيش أي طريقة للنوم بعد اللي حصل. من أول ما صحيت في نص الليل لحد شروق الشمس، كنت قاعد على سريري والنور مولع. حتى ما خدتش بالي إن النهار دخل الأوضة مع الفجر. عمري ما كنت من الناس اللي بتدور على معاني عميقة في الأحلام، بس الحلم ده مكنش طبيعي. كان غريب جدًا. مش غريب بمعنى خيالي، لكن غريب بمعنى تجربة مش مفهومة.

الكابوس كان... حقيقي بشكل مرعب. لسه حاسس بحرارة الأجسام الطرية المبللة بالدم. وفي خلفية عقلي، العيون الميتة دي لسه بتراقبني. وبرغم كل الخوف اللي كنت فيه، مقدرتش أمنع نفسي من الإحساس بالانبهار من التجربة.

بطني بتفكرني بقد إيه فضلت صاحي لما بدأت تصرخ من الجوع. روحت الحمام، غسلت وشي ونضفت سناني، وقعدت أبص في إيدي عشان أتأكد إن مفيش دم عليها.
"اهدَ يا ابن الإيه..." تمتمت للكلام اللي في المراية، ورشيت مية ساقعة على وشي تاني.

نزلت تحت ملقتش حد. البيت فاضي. أهلي خرجوا، وسابولي مسؤولية البيت لأني "كبرت وبقيت قد المسؤولية". هل كانوا غلطانين؟ يمكن. البيت نضيف، بس مفيش حاجة تانية بعملها. حتى باب البيت مش بقفله، أصل هنا مفيش حاجة بتحصل. أسوأ حاجة حصلت إن بيت حد اتخرب شوية، ومفيش أكتر من كده.

عملت لنفسي الفطار اللي متعود عليه، وقعدت أبص من الشباك. الشمس طلعِة، لكن الغابة اللي ورا البيت شكلها كأن الليل عمره ما خلص فيها. محبوسة في نفس اللحظة، سقف الغابة مش سايب أي شعاع شمس يوصل للأرض. وطول حياتي، المكان ده عمره ما كان طبيعي بالنسبالي، مع إني طول عمري ببص جوه ضلمته.



الموبايل رن في جيبي، وقلبي كان هيقف من الرعب. رسالة من صاحبي بتقول:
"عايز تقابلني النهارده؟ كنت بفكر نتمشى في الحي مع الولاد ونتكلم."

رحت باعتله، "لسه محتاج أخلص البرزنتيشن بتاع ميس فيشر. كنت فاكرك هتقترح وقت."

اختفى شوية، وبعدها رد بسرعة:
"الساعة 11 بالليل. سمعت إن فيه شهب هتعدي في الوقت ده، ممكن نتفرج عليها."

ابتسمت لنفسي، وكتبت بسرعة:
"تمام، هعدي من المكان اللي متعودين نقابل فيه. هخلص الواجب قبلها."

الكلام مع صحابي دايمًا كان طريقتي للهروب من المسؤوليات والمهام اللي بتخنقني. همّا زي المخدرات بالنسبة لي، الناس اللي بتساعدني أهدى وأرتاح.

يلا بقى، أبدأ أخلص شغلي، مش عايز أتأخر عليهم وإلا هيموتوني.

"يا نهار أسود، المهمات دي هتضيع وقتي أكتر من كده؟" الساعة كانت 10:43 بالليل وأنا أخيرًا خلصت وبعت آخر جزء من الشغل للمدرسة.

أكيد دلوقتي صحابي رايحين على مكان التجمع: شجرة ضخمة في آخر الحي، دايمًا بنطلعها ونقعد فوقها. بالليل، المكان ده بيبقى ملجأ لينا؛ الهوا بيلف حوالينا وبيعدي بين الورق بصوت خفيف وإحنا باصين للسماء. لحظات زي دي... كانت نعيم.


لبست جاكيت خفيف ونزلت لمواجهة برد الدنيا بره، والهوا كان بيعدي بين البيوت زي قطيع ذئاب بيجري في المكان، بيعوي بصوت عالي. مشيت على الرصيف ناحية الجزء المظلم من الحي. اخترنا المكان المشبوه ده عشان مفيش ناس حوالينا تزعجنا، وكمان كان هادي وقريب من بيوتنا.

من بعيد شُفت صحابي واقفين تحت الشجرة. لمحة نور برتقالي ظهرت واختفت تحت ورقها. الهوا عدى بسرعة، وجالي ريحة دخان السجاير اللي مات دايمًا مش مفارقها.

جراي، أكبر واحد فينا، جري عليّا وضربني ضربة خفيفة في صدري وقال:
"اتأخرت! كنت بتعمل إيه يا (اسمك)؟ قاعد في الضلمة بتعمل حاجات مش مظبوطة؟"

زقيته بكوعي في جنبه وقلت:
"قلت لفيليكس إني كنت بخلص شغل ميس فيشر. وبعدين إنت اللي قلت الساعة 11."

فيليكس ومات خرجوا من تحت الشجرة وهما بيضحكوا على نكتة بينهم.
فيليكس قال وهو بيهزر:
"ماتخافش من الريحة، دي من مات!"

مات خد نفس من سجارته ونفخه في الهوا، وقال وهو بيبتسم نص ابتسامة:
"بص، أنا بس مقدرش أتحمل الضلمة وإحنا مش كلنا مع بعض، أوك؟ مش بإيدي إني بخاف من الضلمة!"

فيليكس رفع كتفه وقال بسخرية:
"خلص السيجارة دي بقى، ريحتها زي ريحة أختك!"

ضحكنا أنا وجراي، لكن مات مسك السيجارة وسخّنها على إيد فيليكس قبل ما يرميها على الأرض بوش مكتئب.



قلت وأنا بطبطب على دراع مات:
"مات، لازم تبطل السجاير دي. هتخلص عليك في الآخر."

ضحك بسخرية وهو بيحط إيديه في جيوبه عشان الدفا:
"الكل لازم يموت في الآخر، صح؟"

سكتنا كلنا. إحنا عارفين من زمان إنه عنده ميول انتحارية، بس عمرنا ما عرفنا نساعده إزاي. كل مرة نحاول نقرب منه أو نتكلم معاه، كان دايمًا بيزداد سوء. كل اللي كنا نقدر نعمله إننا نكون جمبه ونديله وقتنا وطاقتنا.

قطع الصمت ريحة الهوا وصوت جراي الهادي:
"يلا يا جماعة، خلونا نستمتع بالوقت اللي فاضل قبل ما نرجع ننام للمدرسة."

محدش اعترض. إحنا نادرًا ما بنتخانق، وحتى لو حصل، الخناقة بتعدي زي سحابة مطر خفيفة. هم علموني أفكر في غيري، خصوصًا مات اللي بيتأثر بأقل حاجة. ومع الوقت، الاهتمام ده خلاني أكون أكثر تفهمًا للناس. هم كمان خلوني أنسى وفاة صاحبتي في الطفولة، ماري، اللي ماتت مقتولة على إيد أمها. أمها ماتت بعد كده. كنت دايمًا بروح ألعب معاها لما أهلي يكونوا في الشغل، وكنت صغيرة جدًا ومش فاهمة إيه اللي كان بيحصل وقتها. أهلي قالولي إن ماري راحت تعيش مع أبوها في ولاية تانية، وما كانش عندي سبب أشك في الكلام ده لحد ما كبرت. وقتها، ذكرياتي معاها كانت خلاص بدأت تتلاشى.

كنت هتكلم عن شُهب السما، لكن فجأة، سمعنا صوت حاجة بتجري في الغابة. كلنا لفينا رُقبتنا في نفس اللحظة، وشفنا قطيع من الغزلان البيضا وهي بتتنطط وتجري بين الشجر.


جراي ما حولش عينه عن الشجرة وهو بيقول بصوت واطي:
"مش متأكد... بس شكلها مش زي العلامات اللي بيحطوها على الشجر. شكلها مش طبيعي."

حاولت أضحك وأخفف الجو، "يا عم، يمكن حد رسمها ولا حاجة. إحنا في نص الليل وكل حاجة شكلها غريب."

لكن نظرة جراي فضلت متصلبة، وكأنه مش قادر يبعد عينه.
"أنا مش مرتاح. ليه العلامة على الشجرة دي بس؟ والغزلان ليه كانوا مرعوبين كده؟"

كنت هرد، لكن صوت الجدال بين مات وفيليكس كان لسه عالي. مات رفع صوته وقال:
"كفاية بقى! اسكت يا فيليكس، مش ناقصينك!"

فيليكس رجع يضحك وهو بيهز راسه:
"إنت اللي مكبر الموضوع، خليك هادي شوية."

لكن الجو كله كان متوتر. الريح زادت قوتها، وأوراق الشجر عملت أصوات غريبة كأنها همسات بتتناثر في الهوا.

وقفت جمب جراي وبصيت للشجرة مرة تانية. العلامة البيضا كانت باهتة تحت ضوء القمر، لكنها كانت... مش طبيعية. مش مجرد علامة دهان أو حاجة متآكلة. كانت كأنها محفورة في اللحاء، أو كأن الشجرة نفسها بتنزف لونها.

همست:
"طب، لو فعلاً حاجة مش طبيعية... تفتكر يعني إيه؟"

جراي هز راسه بخفة، "معرفش... بس مش حابب أكون هنا وقت ما نكتشف."



مات اتردد للحظة، لكن في الآخر سلّمه الموبايل. جراي مسك الموبايل وسلط الضوء على الورقة اللي كانت ملتصقة بجذع الشجرة.

الكل سكت، كأن الزمن وقف للحظات. الورقة كانت قديمة، صفراء اللون، وحروفها باهتة. لكن كان فيه حاجة غريبة في طريقة الكتابة، وكأنها محفورة بدل ما تكون مكتوبة.

"إيه ده؟" سألت وأنا بحاول أقرا الكلمات اللي شبه ممسوحة.

جراي قرّب الموبايل أكتر، وبدأ يقرا بصوت خافت:
"من يقترب من هذا المكان، فليعلم أن الخلاص ليس له هنا. كل من رأى العلامة... لن يعود كما كان."

سكون. حتى الرياح كأنها خمدت فجأة.

فيليكس ابتسم وهو بيحاول يضحك، بس صوته كان مهزوز:
"دي مجرد دعابة. أكيد حد من السكان عمل كده علشان يخوف الأطفال ولا حاجة."

لكن مات كان واضح عليه الخوف، صوته كان شبه همسة، "دي مش دعابة... مش شكلها كده."

جراي بصلنا واحد واحد، وقال ببطء، "العلامة... الورقة دي مرتبطة بيها. مش صدفة إنهم الاتنين هنا."

أنا حاولت أخفف الجو، بس حسيت بخوف خفي بيجري في ضهري، "طب ما نرجع؟ مفيش داعي نفضل هنا أكتر."

بس قبل ما حد يرد، صوت حاجة بتتحرك بين الأشجار شد انتباهنا. خطوات بطيئة، متقطعة، كأنها بتتربص.

مات شهق وأمسك بذراعي بقوة، همس بصوت مرتعش، "في حد هناك."
  
  
  ---- نقف لحد هنا وفتره وهنزل باقتها ----
  

تعليقات

authorX

مؤلفون تلقائي

نظام شراء