موصى به لك

الأقسام

الأعلى تقييمًا

    أعمال أصلية (RO)

      الأفضل شهريًا

        نسيم إيطالي - رواية اجتماعية

        نسيم إيطالي

        2025,

        اجتماعية

        مجانا

        بتسافر مع أهلها وأختها الصغيرة "نانسي" لإيطاليا في آخر إجازة صيف قبل ما تدخل الجامعة. بيوصلوا فيرناتزا عند خالتها وخالها اللي بيكتشفوا إنهم حوامل، وده بيفرح هايدي أوي. بعد ما بيوصلوا البيت وبيكتشفوا إنه مليان تراب، بيضطروا ينضفوه كلهم. في الآخر، هايدي بتقرر تخرج تتعشى لوحدها في البلد عشان تستمتع بالجو، وهناك بتقابل شاب وسيم في المطعم.

        هايدي

        شابة على وشك دخول الجامعة. بتحب السفر والاستكشاف، ومتحمسة للإجازة في إيطاليا بالرغم من قلقها من أمها. بتحب الموسيقى والقراءة، وبتظهر عليها علامات الاستقلالية.

        نانسي

        أخت هايدي الصغيرة، طفلة بريئة ومتحمسة، بتحب الشيبسي وبتظهر عليها علامات الفرحة بالرحلة والطيارة.

        ميشيل

        أم هايدي ونانسي، منظمة جداً ومهووسة بالتخطيط لكل تفصيلة في الرحلة. قلقة على بنتها هايدي اللي هتروح الجامعة، وعايزة تقضي معاها أكبر وقت ممكن.
        تم نسخ الرابط
        نسيم إيطالي

        عمال أقلّب في تليفوني من غير هدف، مستني الإعلان عن ميعاد ركوب الطيارة. أختي الصغيرة، نانسي، قاعدة قصادي - إيديها غاطسة جوه كيس شيبسي. بتطلع قبضة كبيرة، وبشوفها وهي بتحشرهم في بقها ومبوزة. عيني بتروح على طول على الفتافيت اللي مالية بلوفرها البينك الفاتح وصوابعها التخينة اللي متغطية بطبقة تخينة من بودرة الجبنة.
        
        يا لهوي على المنظر ده على الصبح بدري.
        
        أمي قاعدة جنبها، عمالة تراجع الجدول بتاعها أكتر من مرة، بالرغم إننا جايين بدري كذا ساعة. أبويا، على الناحية التانية، نايم نوم عميق. النضارة الغامقة اللي على طرف مناخيره بتقول كل حاجة.
        
        دي إجازة الصيف قبل ما أدخل الجامعة وأهلي قالوا مفيش أحسن من إننا نختم السنة بإجازة عائلية أخيرة... في إيطاليا. الفكرة كانت مغرية في الأول، بس أنا وصلت لنتيجة إني مش طايقة إني هقعد ماشية جنب أمي على طراطيف صوابعي طول الوقت.
        
        خالي تيرون وخالتي فيينا عندهم بيت صغير في فيرناتزا، تشينكوي تيري، بقاله سنين طويلة محدش سكنه. اتفقنا نتقابل هناك ونقضي تلات أسابيع سوا.
        
        "هايدي، لو فضلتي باصة في التليفون ده، هيجيلك صداع،" أمي بتقول، وعيني بتيجي في عينيها. "قربنا نركب؛ عايزة تدخلي الحمام؟" بتسأل وكأني طفلة ومش قادرة أتصرف وألاقي حمام لو احتاجت.
        
        "لأ يا أمي، مش عايزة أدخل الحمام وأنا متأكدة إن دماغي هتبقى كويسة." ابتسمت لها ابتسامة خفيفة.
        
        نظرتها راحت بسرعة من عندي قبل ما ترجع تستقر على نانسي. كرمشت كيس الشيبسي قبل ما تقوم من الكرسي بتاعها وتتمشى ناحية الباسكت. "الرحلة قد إيه يا ماما؟" صوتها الصغير بيسأل نفس السؤال اللي كررته نص ساعة اللي فاتت.
        
        "حوالي ساعتين، إن شاء الله مفيش تأخيرات تاني،" أمي بتقول وهي بتراجع خط سير الرحلة، تاني. "نضفي نفسك، وقعتي شيبسي على هدومك أكتر ما أكلتي،" بتقول كده وفجأة أبويا بيشخر.
        
        أمي بتخبطه على دراعه بالورق اللي في إيدها وهو بيفوق بسرعة. "إيه ده كان ليه؟" بيرمي دراعاته في الهوا، مصدوم من إنه مكنش مستعد لتصرفات أمي.
        
        "سيباستيان! إحنا في مطار، وأنت بتشخر كأن حياتك متوقفة على كده. اصحى، مش عايزين نتأخر،" صوتها بيعلى والناس كلها بتبص ناحيتنا. عايزة الأرض تتشق وتبلعني، فبغطس أكتر في الكرسي بتاعي.
        
        "يا حبيبتي، أنا آسف-" صوت ست في السماعة قطع كلام أبويا.
        
        "ده إعلان الصعود المبكر للرحلة B172 المتجهة إلى بيزا، إيطاليا. بننصح دلوقتي المسافرين اللي معاهم أطفال صغيرين، وأي مسافرين محتاجين مساعدة خاصة، بالبدء في الصعود. يرجى تجهيز تذكرة الصعود والهوية. الصعود العادي هيبدأ خلال عشر دقايق تقريباً. شكراً."
        
        أول ما صوت الست بيظهر، بقوم من الكرسي وبلم شنطي بسرعة. عمري ما كنت شاكرة لأختي اللي عندها ست سنين أكتر من كده. كل ما نركب الطيارة بدري، كل ما أقدر أحس بالنسيم الدافي لإيطاليا على خدي بدري. مجرد الفكرة بتخلي رجلي تمشي أسرع على السجادة المتهالكة.
        
        الأبواب الزجاجية بتتفتح والزحمة بتتحرك ناحية البوابات بجنون. بنورّي الباسبورات بتاعتنا، وبحس بالراحة لما بيدونا إذن إننا نركب الطيارة أخيراً. في خلال أربع ساعات بالظبط، هقدر أخيراً أسترخي في شمس إيطاليا. أفكاري بتخليني أحس بدوخة وإحنا ماشيين بره، الهوا الساقع بيثلج الدفا اللي في عروقي، ورايحين ناحية السلم اللي بيوصل للطيارة.
        
        "ماما، شوفي! شوفي الطيارة كبيرة قد إيه!" نانسي بتصرخ من قدامنا وهي بتنطط ولأول مرة الصبح ده، أمي بتتبسم. بتبتسم ابتسامة عريضة باينة فيها أسنانها. مقدرش أنكر إن المنظر ده بيخليني ابتسم ابتسامة صغيرة أنا كمان.
        
        الشمس طالعة بألوان بنفسجي وبمبي تحفة ورا جسم الطيارة، وكنت هفضل باصة عليها لحظة كمان لولا أمي اللي بتزقنا طول الوقت.
        
        "قريب جداً رجلينا هتكون على أرض إيطالية! مش عارف إزاي مش فرحانين ومبسوطين كلكم. دي النهاية الكبيرة بتاعتنا قبل ما هايدي الصغيرة تروح الجامعة،" أبويا بيرجع يتكلم بحنية تاني. "يا دوبك حاسس إن مبارح بس كنا رايحين المستشفى عشان نستقبلك في الدنيا."
        
        "فهمنا يا بابا،" طلعت ضحكة صغيرة على تصرفاته. "وبعدين هتكمل الجزء اللي بتحذرني فيه من حمل المراهقات وبتنصحني أبعد كل الولاد عني لحد ما يبقى عندي خمسين سنة."
        
        صمت بيمتد بينا قبل ما أبويا يرد، وهو بيبتسم لي ابتسامة خجولة. "ده هيكون صح... بس، هايدي، إحنا كنا فاكرين إننا شباب ومرحين وقتها. أنا مش ندمان عليكي، ولا ذرة، بس لو أقدر أديكي أي نصيحة... ابعدي الأولاد عن الموضوع،" أبويا بيكمل كلامه الكتير.
        
        "كفاية يا سيب. هايدي كبيرة كفاية عشان تفهم إن الحم-" قطعتها قبل ما تكمل كلامها. مش متأكدة إذا كانوا عارفين ولا لأ بس إحنا حوالينا ناس كتير جداً، وهنقعد معاهم في نفس المكان الضيق ده لمدة ساعتين جايين، عشان نتكلم في الموضوع ده.
        
        
        
        
        
        
        
        "يلا بينا،" بقول من بين سناني والصف بيبدأ يتفرّق وناس أكتر تركب الطيارة.
        
        على متن الطيارة
        
        ماسك البوردينج باس بتاعي، بتوقع لحظة إني أدخل الطيارة وأرمي نفسي على الكراسي اللي مش مريحة أبداً دي. هم ساعتين بس، بس الساعتين دول ممكن يبقوا عمر بحاله لما يبقى فيه عيال بتعيط أو حد عمال يرزع في ضهر الكرسي بتاعك. كل اللي محتاجه عشان أعدي الرحلة دي هو ال playlist اللي عاملها بعناية، وفرحة إني قاعد جنب الشباك.
        
        بدأنا نطلع السلالم، رجلينا بتخبط في المعدن الخشن، وتوقعي بيزيد. أول ما بورّي البوردينج باس بتاعي والمضيفة بتدينا إشارة إننا نعدي، بسيب حماسي يفرّحني. نانسي بتصرخ جنبي وإحنا ماشيين في الممر، بنحاول ندور على أماكنا.
        
        "هنا،" أبويا بيشاور، وبقعد في الكرسي اللي جنب الشباك. أبويا بيقعد جنبي، وبعدين نانسي جنبه، وبعدين أمي بتقعد على الممر عشان هي الوحيدة اللي بتحتاج الحمام كل خمس دقايق. "حزام الأمان يا جماعة،" بيقول، وضحكة بتطلع مني من حماسه.
        
        لحظة الإقلاع
        
        أول ما الكل استقر، الإجراءات الروتينية للسلامة بتبدأ - المضيفين بيشاوروا على مخارج الطوارئ والحركات بتظهر على الشاشات اللي قصادنا. أول ما بتخلص، بطلع سماعاتي من جيبي وبحطها – بحاول أغرق نفسي عن اللي حواليا والمحادثات المملة اللي دايرة جنبي.
        
        لما الطيارة بتبدأ تتحرك، بتفرج بانبهار وهي بتسرع قبل ما الأرض تبعد عننا. دايماً كنت بحب الطيران، بس دايماً بيكون عندي قلق خفي منه. فكرة إن حياتنا في إيد قطعة المعدن التقيلة الطايرة دي اللي بتودينا للمكان اللي عايزينه، والطيارين اللي بيسوقوا المعدن التقيل ده، مش بتريحني. قلق بيتمتم في معدتي.
        
        باخد نفس عميق.
        
        بتفرج والسحاب بيغطي المنظر قبل ما ينزل تحتنا. والمزيكا شغالة في وداني، بركز على التلات أسابيع اللي جايين. اللي يا إما هيبقوا جحيم بعينه يا إما جنة زي ما بتمنى.
        
        الهبوط في إيطاليا
        
        حاجة بتخبط على كتفي، وبصحى من غفوة مكنتش واخدة بالي إني نمتها أصلاً. بلوي راسي بسرعة، بلاقي أبويا بيبص لي بترقب. بطلع سماعة واحدة، وببصله ببصة فيها سؤال.
        
        "هنهبط كمان حوالي تلاتين دقيقة؛ عايزة تاكلي حاجة؟" بيسأل بس أنا بهز راسي بالنفي.
        
        "لأ، شكراً." أنا بقالي فترة مقللة سناكس وشوكولاتة عشان السفرية دي. ملوش لازمة أوقف دلوقتي. بيهز راسه قبل ما يرجع لأمي وأنا برجع السماعة وببص من الشباك.
        
        قبل ما أحس، المحيط بيظهر، والطيارة بتبدأ تهبط. حماسي بيزيد لما مدينة بيزا بتبان. أنا مبهورة بالكامل وأنا بتفرج على الاقتراب منها، عيني لازقة في العالم اللي بره الشباك.
        
        خبطة تانية على كتفي. "لازم ناخد شنطنا بأسرع ما يمكن، الأتوبيس بتاعنا بيمشي بعد وقت قليل من هبوط الطيارة،" أمي بتقول بصوت أعلى من صوت المزيكا الخافت بتاعي، وهي بتكرر جدولها. رحلة الأتوبيس ساعتين كمان لحد ما نقدر نرتاح، والحقيقة دي بتخليني أطلع تنهيدة جوه مني.
        
        بطلع السماعات بتاعتي، وبحطها في جيبي وإحنا بنستعد للهبوط. "اقعدي يا نانسي،" أمي بتقول، وأنا بركز على المدينة اللي بتقرب.
        
        الوصول إلى فيرناتزا
        
        في النهاية، عجلات الطيارة بتلمس الأرض والطيارة بتتهز. نانسي بتطلع صوت كده بين الصرخة والعياط مخلي أهلي الاتنين يلفوا ويطمنوها. دي تاني مرة نانسي تركب طيارة، بس هي مش فاكرة أول مرة. دي تعتبر كلها حاجة جديدة بالنسبة لها.
        
        "فرحانة قد إيه يا نانسي؟" أمي بتقول والكل بيجهز عشان يسيب الطيارة. أنا تعبانة جداً من إننا صحينا بدري الصبح، بس عارفة إني ممكن أضيع وقت بالنوم في الأتوبيس اللي هيودينا فيرناتزا.
        
        "فرحانة أوووي،" صوتها الصغير بيطول كلمة "أووي" وأنا ببتسم لها.
        
        الوقت كان بيعدي ببطء شديد وإحنا بناخد شنطنا ورايحين على مكان الأتوبيس. طبعاً، حصلت تأخيرات، واستنينا وقت أطول بكتير مما كنا متوقعين. أمي كانت عايزة تتحرك، وجدولها بقى متأخر ساعات. حسيت بالشفقة عليها، هي بقالها شهور بتخطط، بس هوسها بتخطيط كل حاجة بالثانية مش ممكن يكون صحي.
        
        "معلش، إحنا تقريباً وصلنا خلاص وعملنا كل اللي خططتي له... متأخرين بس كام ساعة عن اللي كنتي عايزاه." بحط إيدي على إيد أمي والأتوبيس بيقرب من بلدة فيرناتزا الصغيرة.
        
        "أنا بس عايزة ده يكون مثالي... أنتي عارفة أنا وباباكي إزاي. إحنا مش مستعدين نسيبك تمشي، عايزن نقضي أكبر وقت ممكن معاكي قبل ما تروحي مغامراتك لوحدك مع كالي." ذكر كالي بيفكرني إني أبعت لها رسالة.
        
        أنا وأهل كالي كنا أصحاب سنين طويلة قبل ما إحنا نتولد، وده اللي خلى أنا وكالي نمشي على خطاهم – ماعدا جزء حمل المراهقات.
        
        "أنا عارفة وهيبقى مثالي. ومجرد إني رايحة الجامعة مش معناه إني هختفي من وش الدنيا، ومش هتتشاف تاني. أنا لسه هبقى هنا، وهعمل وقت لكم كلكم على قد ما أقدر. أنا مش رايحة في أي حتة." عيون أمي بتلمع تحت أنوار الأتوبيس الساطعة.
        
        "أنتي عارفة... لما أنا وماندي كنا أصغر، جينا المكان ده بالذات. وده اللي خلى تيرون يحبه هنا وإزاي في النهاية قابل فيينا. كانت دي سنين عمرنا – لما مكنش عندنا أي هم في الدنيا. أتمنى إنك تلاقي نفس الحب لفيرناتزا،" بتقول.
        
        "أتمنى ده أنا كمان،" برد عليها والأتوبيس بيقف.
        
        
        
        
        
        
        
        
        
        فيرناتزا: جمال لم يسبق له مثيل
        
        فيرناتزا ولا زي أي حاجة شفتها في حياتي. وأنا باصة من التل، البلدة الهادية دي مليانة مباني متلونة بألوان باستيل كتير – أصفر، أخضر، برتقالي، بينك. شط رملي صغير على آخر البلد، بيوصل لمحيط أزرق على طول ومقدرش أشيل عيني من عليه. الشمس الساطعة بتنور البحر اللي بيلمع، فبيبقى شكله كأن الأمواج مليانة بريق. حرارة نار بتيجي على خدي والبلدة اللي تحت بتضج بالحياة. أصوات ضحك ومواتير موتوسيكلات خافتة بتملى حواسي، عاملة دوشة غريبة.
        
        أنا مبهورة تماماً ومقدرش أنكر ده.
        
        لم شمل العائلة
        
        "هايدي، كبرتي خالص!" صوت بيقطع أفكاري. راسي بتتلوى ناحية الصوت وعيني بتيجي في عيون عمتو فيينا البني الدافية. قبل ما أقدر حتى أخطو خطوة ناحيتها، بتحاوطني في حضن قوي.
        
        "فيينا!" بصرخ وصوتي فيه ابتسامتي الواضحة. "بقالنا كتير مشوفناش بعض." بتبعد وبتمسكني من كتافي.
        
        "يا لهوي على الجمال اللي بقيتي عليه،" صوابعها بتعدي على أطراف شعري البني. عمي بييجي مكانها ويسحبني في حضن تاني. بحضنه جامد وبستمتع بإحساس لم الشمل معاهم كلهم.
        
        "إزيك؟" عمي بيقول وهو بيبعد ويقف جنب عمتي. بيبص لي بابتسامة واسعة ودراعه بيتحاوط وسط فيينا. دايماً كنت بحسد الحب اللي بينهم... حياتي العاطفية مكنتش مثمرة زي ما كنت أتمنى. آه، ماعدا أمبروز... بس دي قصة لوقت تاني.
        
        "أنا كويسة،" ببتسم. "أنتوا الاتنين؟" بسأل وهما بيبصوا لبعض. بحس إن فيه حاجة بتحصل هنا أنا مش فاهماها. ببص لهم ببصة استفهام. كل اللي حوالينا بيتبادلوا المجاملات قبل ما يردوا.
        
        "أنتي قولي لهم، أنا خايفة أعيط لو قلت أنا،" فيينا بتزق وعمي بيهز راسه. القلق بيملا قلبي. الكل بيسكت حوالينا، بالرغم من السياح التانيين اللي عمالين يتزاحموا وياخدوا شنطهم من الأتوبيس.
        
        "اتفقنا أنتي اللي هتقولي لهم يا حبيبتي،" عمي بيقول وبيشد عليها أكتر، حضنها جنبه. "ماشي، هنقول لهم سوا،" عمي بيستسلم لعناد عمتي وبيرمي لنا ابتسامة عريضة.
        
        "...إحنا حوامل!" الاتنين بيقولوا في نفس واحد، أصواتهم مليانة فرحة صافية وعمي بيبوس خدها. مقدرش أمسك الدموع اللي بتحرق في عيني وأنا بحضن فيينا حضن تاني.
        
        "مبروك!" بتبسم.
        
        "شكراً، شكراً،" فيينا بتقول، وببلع كتلة المشاعر اللي طالعة في زوري. ده خبر رائع. أنا طايرة من الفرحة عشانهم. هما الاتنين دايماً كانوا بيتكلموا قد إيه هما عايزين عيال، ودلوقتي بعد ما ده بقى حقيقة، مقدرش غير إني أكون مليانة سعادة مطلقة. "كفاية كده،" بتقول لما بتلاحظ الدموع في عيني.
        
        "الوقت مش بيستنى حد. هنوريكم البيت وتقدروا تاخدوا راحتكم. أكيد كلكم تعبانين بعد الرحلة. أنا متوقع إن ميشيل سحبتكم من السرير قبل الفجر بكتير،" عمي بيبص لأمي، وأنا بضحك.
        
        "أنا بحب أكون مستعدة وكلنا وصلنا سالمين وده لازم يقول حاجة،" أمي بتتبسم لأخوها وأنا خلاص عارفة إن الإجازة دي هتكون حاجة مميزة.
        
        "يلا بينا، اركبوا،" عمي بيشاور ناحية عربية البيك أب وعيني بتوسع. "ارموا نفسكم وشنطكم ورا، أنا وفيينا هنكون قدام،" بيضحك لما عينه بتيجي في عيني – واضح إنه لقى نكتة في تعبير وشي.
        
        قبل ما أقدر أنطق بكلمة تانية، نانسي بتشدني ناحية العربية. "يلا يا هايدي!" بتصرخ، وأمي بترفعها في الخلف. كلنا بنتزاحم جوا مع حاجتنا والموتور بيبدأ يدور. سياح كتير بيتفرجوا على العربية وهي بتبعد وإحنا بنسوق على التلال المتعرجة ورايحين ناحية البلدة.
        
        رحلة في الشاحنة
        
        بطلع تليفوني عشان أشتت نفسي عن القلق الشديد اللي بيملى جسمي وأنا في ضهر عربية نقل من غير أي أمان، وبقرر أبعت رسالة لكالي.
        
        هايدي: "هاي يا صاحبتي! لسه واصلة فيرناتزا والمكان تحفة. وحشتيني أوي. مش مصدقة إنك مقدرتيش تيجي؛ قلبي مكسور. بس فيه خبر جامد، فيينا وتيرون حوامل. يا حلاوة!"
        
        بركز في البيوت اللي بنعدي عليها وأنا مستنية رد، بس قبل ما أقدر حتى ألاحظ إحنا فين، تليفوني بيهتز في جيبي.
        
        كالي: "يا لهوي، حاجة تفرح، أنا مبسوطة أوي عشانهم! لازم تبعتي لي صور للمكان. قولي لي لو فيه أي رجالة إيطاليين حلوين. لازم توقعي كام واحد ولا أنا هزعل منك أوي. وحشتيني أنا كمان. بكره الدراسة اللي بتبوظ خططي. اعملي لي فيس تايم لما تفضي."
        
        هايدي: "هبقى أراقب لك لينا إحنا الاتنين، ممكن أدي كام واحد منهم رقمك ;) هكلمك قريب."
        
        بضحك لنفسي قبل ما أحط تليفوني تاني في جيبي وأحس بالشمس بتدفي جلدي. دي حاجة ممكن أتعود عليها. إحساس السعادة المطلقة والرياح بتمرر صوابعها في شعري، وبتشبك نفسها بين الخصلات، وأنا مغمضة عيني. أصوات عيلتي بتختفي وببقى عالقة في أرض مافيهاش غير شمس ودفى. المكان الوحيد اللي محتاجاه عشان أعيش هو ده.
        
        الوصول إلى البيت
        
        في النهاية، العربية بتقف، وبفتح عيني على البيت الأزرق القديم اللي قدامنا. شبابيكه متقفلة بشيش قديم وكرسي وحيد قاعد على البلكونة. ببص على اليمين، بلاقي مجموعة سلالم مخصصة للطريق اللي باين إنها بتودي مباشرة لقلب فيرناتزا. دي هتبقى مفيدة جداً.
        
        المكان ببساطة جميل.
        
        عيني بتروح ناحية السواق وعمي بيرزع باب العربية وبيفتحلنا الباب الخلفي عشان ننزل - وبياخد كام شنطة عشان يساعد. تقريباً وقعت من العربية، وبمشي ناحية البيت وبتفرج على عمتي وهي بتفتح الباب، وبتفتحه بصوت صرير عالي.
        
        بمشي وراها جوا، بلاحظ طبقة التراب السميكة اللي مغطية المكان. أوضة معيشة مريحة على شمالنا، والمطبخ على اليمين. سلم منحني بيوصل للدور التاني، ومقدرش أتخيل قد إيه المكان ده كان فاضي. ألوان البحر بتملى المكان بألوان مختلطة من الأزرق والأبيض. مش مصدقة إنهم سابوا بيت جميل زي ده مش متسكن كل المدة دي.
        
        "المكان هنا تحفة. بقالكم قد إيه مجتوش هنا آخر مرة؟" بسأل وعمتي بتقلب في الدولاب وباقي عيلتي بتدخل من الباب الأمامي. نانسي بتعطس لما شوية تراب بيطلعوا في الهوا.
        
        "سنين أكتر بكتير مما كان المفروض. إحنا عمرنا ما لقينا وقت نرجع مع شغل تيرون وكل ده. هو كان مشغول جداً. خسارة نشوف بيتنا اللي بنحبه بالمنظر ده،" فيينا بتقول وهي بتطلع أدوات تنظيف من الدولاب. "انسوا تعبكم كلكم... أول شغلانة هي تنظيف البيت!"
        
        بجعر وشي بس باخد منها ممسحة برضه. "طب يلا بينا، لو عايزين نخلص قبل ما الإجازة تخلص،" بهزر وأبويا بيضحك من جنبي، وهو بياخد ممسحة لنفسه.
        
        "أنا مصدوم، فيينا. عمري ما كنت أتخيل إنك تسيبى بيتك يتوسخ كده،" أبويا بيقول بهزار وفيينا بتبص له نظرة تحذير. "بمزح... نوعاً ما،" بيضحك، وبسمع ضحكة خفيفة من نانسي.
        
        بالرغم من البداية الغريبة للإجازة، الكل بيجتمع وينظف المكان. أقدر أقول بيقين تام إني مكنتش متوقعة إن التنظيف هيكون أول حاجة أعملها في إيطاليا، بس إحنا هنا. تيرون قدر يصلح التكييف في نص عملية التنظيف، وده أنقذ الكل من الإغماء في نص المطبخ. غسلنا الأرضيات، مسحنا التراب من كل سطح باين، غسلنا ملايات السرير، رتبنا السراير ونظفنا لحد ما مبقناش قادرين نتحرك تاني.
        
        
        
        
        
        البيت بيلمع من النضافة
        
        بمسح العرق اللي على جبيني بضهر إيدي، وبطلع نفس عميق. "المنظر بقى أحسن بكتير من الأول،" بقول للكل وإحنا واقفين جنب الباب وبنطل على المكان. بصراحة، بقى شكله مختلف تماماً.
        
        "ده خد مننا معظم الليل وشغل يكسر الضهر،" عمي تيرون بيتنهد وبيرمي نفسه على الكنبة. الكل بيشاركوا في أوضة المعيشة، وأنا بستمتع بالكنبة المريحة اللي بتشيل وزني. بطني بتكركب وهنا أدركت قد إيه أنا جعانة.
        
        الظاهر إن الكل حس بده كمان.
        
        "هنطلب أكل من بره من واحد من المحلات اللي في البلد، أنا تعبانة أوي ومش قادرة أخرج،" فيينا بتقول والكل بيتمتم موافقين، واضح إنهم حاسين بنفس الإحساس. مقدرتش أمسك خيبة الأمل. أنا تعبانة بس مش لدرجة إني أفوت لحظة واحدة في فيرناتزا.
        
        "أنا هنزل أتمشى في البلد وأكل هناك لو مفيش مانع،" بقول وببص لأمي، متوقعة إن عدم الموافقة هتكون باينة في عينيها. بس لقيت حاجة مختلفة فيهم.
        
        "آه، تمام. خلي تليفونك قريب وابعثي لي رسالة لما تلاقي مكان تاكلي فيه... أنتي متأكدة إنك عايزة تروحي لوحدك؟" بتسأل، وأنا بهز راسي. أحب أبص حواليا قبل ما الشمس تغيب. "ماشي، خلي بالك من نفسك."
        
        "شكراً،" بغني وبجري على السلالم، الحماس هو اللي بيحركني. آه، أنا قانونياً بالغة، بس مقدرش أنكر إني لسه بفرح زي العيال الصغيرين يوم الكريسماس لما بكون متحمسة.
        
        استعداداتي للمشي
        
        دخلت اللي هسميه أوضة نومي لمدة التلات أسابيع الجايين، وبتحرك ناحية الدولاب اللي بقى فيه هدومي متلخبطة. بقلب في أكوام الهدوم، وبطلع فستان صيفي أبيض وصندل أبيض ماشي معاه. بحط مكياج خفيف وبعمل كام لفة في شعري، وبستعجل عشان أخرج قبل غروب الشمس.
        
        بمسك شنطتي، وبنزل السلم تاني وبشوف الكل لسه في نفس المكان اللي كانوا فيه من عشر دقايق. "هرجع كمان كام ساعة،" بنادي من عند الباب، وهما كلهم بيصرخوا "مع السلامة" قبل ما أخرج وأخطو تاني في الشمس.
        
        مغامرة في فيرناتزا
        
        بطلع تليفوني من شنطتي، وببحث بسرعة على أقرب مطاعم عشان مابقاش ماشية على الفاضي بالساعات بحاول ألاقي مكان آكل فيه. وأنا ماشية ناحية السلم، أول خيار بيطلع لي هو مكان اسمه إيميليانو. لقيت المراجعات كويسة، بحطه في الخرايط وبمشي ورا الطريق.
        
        كل ما بقرب من قلب فيرناتزا، الأصوات بتعلى، والحياة بتبقى أحلى. فوانيس مالية الحيطان، وبتبدأ تنور بالراحة والشمس بتبدأ تتجه ناحية الأفق. بتبع الطريق، وبوصل عند مفترق طرق وكنت هخطو لقدام بس وقفت فجأة لما موتوسيكل قطع طريقي في عجلة. قلبي فاته نبضة قبل ما أقدر أستعيد هدوئي وأكمل.
        
        البلد مليانة حياة، ومقدرتش أمسك قلبي وهو بيكبر من كتر ما بشوف ابتسامات مشرقة كتير. رجلي بتخبط على الرصيف مش المتساوي وبحاول أمشي لازقة في المباني تحسباً لو موتوسيكل تاني حاول يدوسني.
        
        بلاحظ مكتبة على يميني وبحس إني عايزة أدخلها بس بفكر نفسي إن قدامي وقت كتير وإن لازم أهدى. عشا، لازم أروح أتعشى. دي أولويتي. بخزن المكتبة في آخر دماغي وبدخل في الزقاق الضيق، وبكمل في مجموعة سلالم تانية.
        
        العشاء في إيميليانو
        
        أول ما المطعم بيبان، بمشي لناحية راجل تخين واقف عند المدخل. "أقدر أساعدك إزاي؟" لهجته قوية، وبلاحظ إن المكان مليان ناس.
        
        "عندك أي ترابيزات فاضية؟" بسأل، والشك بيقطر من كلماتي. بتفرج عليه وهو بياخد دفتر من ترابيزة جنبه وبيبدأ يقلب فيه. شكي بيتضاعف في كل ثانية وهو بيرجع الدفتر مكانه.
        
        "حظك حلو... فيه ترابيزة واحدة. ترابيزة ستة وعشرين، أحسن مكان في المطعم. تعالى ورايا يا مدام،" بيقول وبيبدأ يتلوى بين الترابيزات، بيوديني لأبعد نقطة في المطعم. "اتفضلي."
        
        "شكراً،" ببتسم وأنا بقعد، وهو بيحط قائمة الطعام قدامي قبل ما يمشي بسرعة. المنظر مش عادي. الأمواج بتتكسر في البعيد، وبستمتع بريحة البحر المالحة. فوانيس صغيرة بتزين المكان، والشمس بتبدأ تغيب بسرعة، تاركة السما بلون نار.
        
        ببص في قائمة الطعام، بلاقي صعوبة في الاختيار بما إن كل حاجة شكلها أحلى من اللي بعدها. أخيراً بستقر على طبق جنوكي سورينتينا، وبتأكد إني أبعت رسالة لأمي قبل ما تتجنن خالص وتقلب البلد كلها عليّ.
        
        هايدي: "هاي، لقيت مكان آكل فيه. قاعدة في أحسن مكان في المطعم على ما يبدو. المنظر تحفة. كل حاجة تمام."
        
        بترد في ثواني تقريباً.
        
        الأم: "ده عظيم. ابعتي لي رسالة لما تكوني راجعة أو لو احتجتي أي حاجة."
        
        "بوناسيرا (مساء الخير بالإيطالي)،" صوت تخين بيظهر، وببص بسرعة، نظرتي بتقابل نظرة زرقا غامقة شبه المحيط نفسه. بتفاجئ بشعره البني الغامق، تقريباً أسود، والتاتوهات اللي باينة من تحت ياقة قميصه.
        
        على أمل إن الإيطالي بتاعي ميكونش صدأ، برد بكلمة بسيطة، "تشاو (أهلاً)."
         
        

        روايات نور ابو عبدون

        الأعمال

        الاَراء

        روايات وأعمال اميرة الورد

        الأعمال

        الاَراء

        آن في جرين جابلز

        آن في جرين جابلز

        2025,

        كلاسيكية

        مجانا

        تكتشف أن جيرانها "ماثيو وماريلا كاثبرت"، وهما شخصيتان منعزلتان، قررا تبني صبي يتيم من نوفا سكوشيا لمساعدتهما في أعمال المزرعة. تعبر السيدة راشيل عن شكوكها ومخاوفها الشديدة من هذا القرار غير المتوقع، محذرة من المخاطر المحتملة لتبني طفل غريب. ومع ذلك، تصر ماريلا على المضي قدمًا في الخطة، مبررة ذلك بحاجة ماثيو للمساعدة ورغبتها في منحه فرصة. ينتهي المشهد بوصول الصبي المنتظر إلى المحطة، بينما لا تزال السيدة راشيل تتساءل عن مصير هذا التبني الغريب.

        السيدة راشيل ليند

        ماثيو

        تقدم في السن ويعاني من مشاكل صحية، مما يجعله بحاجة إلى المساعدة في المزرعة. قراره بتبني صبي يعكس رغبته في الحصول على رفيق وعون.

        السيدة ألكسندر

        صديقة ماريلا، وهي التي اقترحت فكرة تبني الأطفال من الملجأ. تقوم بتبني فتاة لنفسها، وتساعد عائلة كاثبرت في اختيار صبي
        تم نسخ الرابط
        آن في جرين جابلز

        عاشت السيدة راشيل ليند تمامًا حيث ينخفض طريق أفونليا الرئيسي إلى وادٍ صغير، تحيط به أشجار الحور و"أقراط السيدات" ويشقّه جدول ينبع من غابات مكان كاثبرت القديم؛ كان يُشاع أنه جدول متعرج ومندفع في مساره الأول عبر تلك الغابات، يحمل أسرارًا مظلمة من البرك والشلالات؛ ولكن بحلول الوقت الذي وصل فيه إلى وادي ليند، كان تيارًا صغيرًا هادئًا ومهذبًا، لأنه حتى الجدول لم يكن ليستطيع المرور بجوار باب السيدة راشيل ليند دون مراعاة اللياقة والاحتشام؛ ربما كان يدرك أن السيدة راشيل كانت تجلس عند نافذتها، تراقب عن كثب كل ما يمر، من الجداول والأطفال فما فوق، وأنها إذا لاحظت أي شيء غريب أو غير مألوف، فلن ترتاح حتى تكتشف الأسباب والخفايا وراء ذلك.
        
        يوجد الكثير من الناس في أفونليا وخارجها يمكنهم الاهتمام بشؤون جيرانهم عن طريق إهمال شؤونهم الخاصة؛ لكن السيدة راشيل ليند كانت من تلك الكائنات القادرة التي يمكنها إدارة شؤونها الخاصة وشؤون الآخرين أيضًا. كانت ربة منزل بارزة؛ عملها كان دائمًا منجزًا ومتقنًا؛ كانت "تدير" دائرة الخياطة، وتساعد في إدارة مدرسة الأحد، وكانت أقوى دعامة لجمعية مساعدة الكنيسة والبعثات الأجنبية. ومع كل هذا، وجدت السيدة راشيل وقتًا وفيرًا للجلوس لساعات عند نافذة مطبخها، وهي تحيك ألحفة "قطنية" - لقد حكت ستة عشر منها، كما كانت ربات بيوت أفونليا يروين بأصواتٍ مذهولة - وتراقب عن كثب الطريق الرئيسي الذي يقطع الوادي ويتعرج صعودًا إلى التل الأحمر شديد الانحدار خلفه. بما أن أفونليا احتلت شبه جزيرة صغيرة مثلثة تبرز في خليج سانت لورانس مع وجود الماء على جانبيها، فإن أي شخص يخرج منها أو يدخلها كان عليه أن يمر عبر طريق التل هذا، وهكذا يخوض اختبار العين البصيرة للسيدة راشيل.
        
        كانت تجلس هناك بعد ظهر أحد أيام أوائل يونيو. كانت الشمس تدخل من النافذة دافئة ومشرقة؛ بستان الفاكهة على المنحدر أسفل المنزل كان في حلة زفاف من أزهار وردية وبيضاء، تعجّ فوقها أسراب لا تحصى من النحل. توماس ليند - رجل صغير وديع كان سكان أفونليا يسمونه "زوج راشيل ليند" - كان يزرع بذور اللفت المتأخرة في حقل التل خلف الحظيرة؛ وكان ماثيو كاثبرت يجب أن يزرع بذوره في حقل الجدول الأحمر الكبير بعيدًا عند جرين جابلز. عرفت السيدة راشيل أنه يجب عليه ذلك لأنها سمعته يخبر بيتر موريسون في المساء السابق في متجر ويليام جيه. بلير في كارمودي أنه ينوي زرع بذور اللفت بعد ظهر اليوم التالي. لقد سأله بيتر بالطبع، لأن ماثيو كاثبرت لم يُعرف عنه أبدًا أنه يتطوع بالمعلومات عن أي شيء في حياته كلها.
        
        ومع ذلك، كان ماثيو كاثبرت، في الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر من يوم مزدحم، يقود بهدوء عبر الوادي وصعودًا إلى التل؛ علاوة على ذلك، كان يرتدي ياقة بيضاء وأفضل بذلة لديه، وهو دليل واضح على أنه كان يخرج من أفونليا؛ وكان معه العربة والفرس الكستنائي، مما يدل على أنه ذاهب لمسافة كبيرة. الآن، إلى أين كان ماثيو كاثبرت ذاهبًا ولماذا كان ذاهبًا إلى هناك؟
        
        لو كان أي رجل آخر في أفونليا، لربما خمنت السيدة راشيل، بمهارة في ربط الأمور، إجابة جيدة لكلتا السؤالين. لكن ماثيو نادرًا ما كان يغادر المنزل لدرجة أنه لا بد أن يكون شيئًا ملحًا وغير عادي هو ما يأخذه؛ كان أشد الرجال خجلًا على الإطلاق ويكره الاضطرار إلى الذهاب بين الغرباء أو إلى أي مكان قد يضطر فيه إلى التحدث. ماثيو، مرتدياً ياقة بيضاء ويقود عربة، كان شيئًا لا يحدث كثيرًا. السيدة راشيل، مهما فكرت، لم تستطع فهم الأمر وفسدت متعة بعد الظهر.
        
        "سأذهب إلى جرين جابلز بعد الشاي وأكتشف من ماريلا إلى أين ذهب ولماذا"، خلصت المرأة الفاضلة أخيرًا. "إنه لا يذهب عادة إلى المدينة في هذا الوقت من العام ولا يزور أبدًا؛ لو نفدت بذور اللفت لديه لما ارتدى ملابسه وذهب بالعربة لإحضار المزيد؛ لم يكن يقود بسرعة كافية للذهاب إلى طبيب. ومع ذلك، لا بد أن شيئًا ما قد حدث منذ الليلة الماضية ليدفعه إلى الذهاب. أنا في حيرة تامة، هذا هو الأمر، ولن أجد دقيقة واحدة من راحة البال أو الضمير حتى أعرف ما الذي أخرج ماثيو كاثبرت من أفونليا اليوم."
        
        
        
        
        
        
        
        
        وبناءً عليه، وبعد الشاي، انطلقت السيدة راشيل؛ لم يكن عليها أن تقطع مسافة طويلة؛ فمنزل عائلة كاثبرت الكبير والمترامي الأطراف، المحاط بالبستان، كان يبعد ربع ميل فقط عن وادي ليند على الطريق. بالتأكيد، الممر الطويل جعله أبعد بكثير. والد ماثيو كاثبرت، الخجول والصامت مثل ابنه من بعده، ابتعد قدر الإمكان عن بني البشر دون أن يتراجع فعليًا إلى الغابات عندما أسس منزله. بُني جرين جابلز على أقصى حافة أرضه المطهرة، وهناك بقي حتى هذا اليوم، بالكاد مرئيًا من الطريق الرئيسي الذي كانت تقع عليه جميع منازل أفونليا الأخرى بشكل اجتماعي للغاية. السيدة راشيل ليند لم تعتبر العيش في مثل هذا المكان "عيشًا" على الإطلاق.
        
        "إنه مجرد 'بقاء'، هذا هو كل ما في الأمر،" قالت وهي تسير على الممر العميق الحواف والعشبي المحاط بشجيرات الورد البري. "لا عجب أن ماثيو وماريلا غريبان بعض الشيء، يعيشان بعيدًا هنا بمفردهما. الأشجار ليست صحبة جيدة، على الرغم من أن الله يعلم أنه لو كانت كذلك لكان هناك ما يكفي منها. أفضل أن أنظر إلى الناس. بالتأكيد، يبدوان راضين بما فيه الكفاية؛ لكنني أفترض أنهما اعتادا على ذلك. يمكن للمرء أن يعتاد على أي شيء، حتى على أن يُشنق، كما قال الرجل الأيرلندي."
        
        مع هذا، خرجت السيدة راشيل من الممر إلى الفناء الخلفي لجرين جابلز. كان ذلك الفناء أخضر جدًا ومرتبًا ودقيقًا، محاطًا من جانب بأشجار صفصاف قديمة كبيرة ومن الجانب الآخر بأشجار حور لامباردي أنيقة. لم يكن هناك غصن أو حجر شارد يمكن رؤيته، لأن السيدة راشيل كانت سترى ذلك لو كان موجودًا. سراً، كانت تعتقد أن ماريلا كاثبرت كانت تكنس هذا الفناء بنفس تكرار كنسها لمنزلها. كان يمكن للمرء أن يتناول وجبة من الأرض دون أن يفيض "كوب الأوساخ" المقول.
        
        طرقت السيدة راشيل بقوة على باب المطبخ ودخلت عندما طُلب منها ذلك. كان مطبخ جرين جابلز شقة مبهجة - أو لكان مبهجًا لو لم يكن نظيفًا بشكل مؤلم لدرجة أنه يعطي انطباعًا بأنه غرفة جلوس غير مستخدمة. كانت نوافذه تطل شرقًا وغربًا؛ من النافذة الغربية، التي تطل على الفناء الخلفي، تدفقت فيض من أشعة الشمس الدافئة في يونيو؛ لكن النافذة الشرقية، التي منها يمكنك رؤية لمحة من أشجار الكرز البيضاء المزهرة في البستان الأيسر وأشجار البتولا الرقيقة المتمايلة في الوادي بجوار الجدول، كانت مغطاة بتشابك من الكروم. هنا جلست ماريلا كاثبرت، عندما كانت تجلس على الإطلاق، دائماً تشك قليلاً في أشعة الشمس، التي بدت لها شيء راقص وغير مسؤول جدًا لعالم كان من المفترض أن يؤخذ على محمل الجد؛ وهنا جلست الآن، تحيك، والطاولة خلفها كانت معدة للعشاء.
        
        السيدة راشيل، قبل أن تغلق الباب تمامًا، كانت قد أخذت ملاحظة ذهنية لكل شيء على تلك الطاولة. كانت هناك ثلاث أطباق موضوعة، مما يعني أن ماريلا يجب أن تكون تتوقع عودة شخص ما مع ماثيو لتناول الشاي؛ لكن الأطباق كانت أطباقًا يومية ولم يكن هناك سوى مربى التفاح الحامض ونوع واحد من الكعك، لذلك لم يكن الضيف المنتظر شخصية مهمة. ولكن ماذا عن ياقة ماثيو البيضاء والفرس الكستنائي؟ كانت السيدة راشيل تشعر بالدوار تمامًا من هذا الغموض غير المعتاد حول جرين جابلز الهادئ وغير الغامض.
        
        "مساء الخير، راشيل،" قالت ماريلا بنبرة حادة. "هذا مساء جميل حقًا، أليس كذلك؟ ألن تجلسي؟ كيف حال جميع أهلك؟"
        
        شيء يمكن أن يطلق عليه صداقة، لعدم وجود اسم آخر، كان موجودًا ودائمًا ما كان موجودًا بين ماريلا كاثبرت والسيدة راشيل، على الرغم من - أو ربما بسبب - اختلافهما.
        كانت ماريلا امرأة طويلة، نحيلة، ذات زوايا وبلا منحنيات؛ شعرها الداكن كان يظهر بعض الخصلات الرمادية وكان دائمًا ملفوفًا في عقدة صغيرة صلبة خلف رأسها مع دبوسين معدنيين مثبتين بقوة. بدت كامرأة ذات خبرة محدودة وضمير صارم، وهو ما كانت عليه؛ ولكن كان هناك شيء مميز في فمها، لو كان قد تطور قليلاً، لكان يمكن اعتباره مؤشراً على حس الفكاهة.
        
        "كلنا بخير إلى حد كبير،" قالت السيدة راشيل. "كنت خائفة بعض الشيء عليك، على الرغم من ذلك، عندما رأيت ماثيو ينطلق اليوم. اعتقدت ربما أنه ذاهب إلى الطبيب."
        
        تشنجت شفتا ماريلا بتفهم. كانت تتوقع قدوم السيدة راشيل؛ كانت تعلم أن رؤية ماثيو ينطلق بشكل غير متوقع سيكون أكثر من أن تحتمله فضول جارتها.
        
        "أوه، لا، أنا بخير تمامًا على الرغم من أنني عانيت من صداع سيء أمس،" قالت. "ذهب ماثيو إلى برايت ريفر. سنستقبل صبيًا صغيرًا من ملجأ للأيتام في نوفا سكوشيا، وسيأتي بالقطار الليلة."
        
        لو كانت ماريلا قد قالت إن ماثيو ذهب إلى برايت ريفر لمقابلة كنغر من أستراليا، لما كانت السيدة راشيل أكثر دهشة. لقد صُدمت حقًا ولم تستطع النطق لمدة خمس ثوانٍ. كان من المستحيل افتراض أن ماريلا كانت تسخر منها، لكن السيدة راشيل كادت أن تُجبر على الافتراض ذلك.
        
        
        
        
        
        
        
        "هل أنت جادة يا ماريلا؟" سألت عندما استعادت صوتها.
        
        "نعم، بالطبع،" قالت ماريلا، كما لو أن الحصول على صبية من ملاجئ الأيتام في نوفا سكوشيا كان جزءًا من عمل الربيع المعتاد في أي مزرعة منظمة جيدًا في أفونليا، بدلاً من كونه ابتكارًا لم يسمع به من قبل.
        
        شعرت السيدة راشيل وكأنها تلقت صدمة عقلية شديدة. كانت تفكر بعلامات تعجب. صبي! ماريلا وماثيو كاثبرت بالذات يتبنيان صبيًا! من ملجأ أيتام! حسنًا، العالم انقلب رأسًا على عقب حقًا! لن تفاجأ بأي شيء بعد هذا! لا شيء!
        
        "ما الذي أدخل مثل هذه الفكرة إلى رأسك؟" سألت باستنكار.
        
        كان هذا قد تم دون طلب نصيحتها، ويجب أن يتم استنكاره حتماً.
        
        "حسنًا، كنا نفكر في الأمر منذ بعض الوقت – طوال الشتاء في الواقع،" أجابت ماريلا. "كانت السيدة ألكسندر سبنسر هنا ذات يوم قبل عيد الميلاد وقالت إنها ستجلب فتاة صغيرة من الملجأ في هوبيتون في الربيع. قريبتها تعيش هناك والسيدة سبنسر زارت المكان وتعرف كل شيء عنه. لذلك تحدثت أنا وماثيو في الأمر مرارًا وتكرارًا منذ ذلك الحين. اعتقدنا أننا سنحضر صبيًا. ماثيو يتقدم في السن، كما تعلمين – عمره ستون عامًا – ولم يعد رشيقًا كما كان من قبل. قلبه يزعجه كثيرًا. وتعرفين مدى صعوبة الحصول على مساعدة مستأجرة. لا يوجد أحد على الإطلاق سوى هؤلاء الصبية الفرنسيين الصغار الأغبياء، الذين لم يبلغوا بعد؛ وبمجرد أن يتعلم أحدهم طريقتك ويُعلّم شيئًا، يغادر إلى مصانع تعليب جراد البحر أو الولايات. في البداية اقترح ماثيو إحضار صبي من الملجأ. لكنني رفضت ذلك رفضًا قاطعًا. قلت: 'قد يكونون جيدين – لا أقول إنهم ليسوا كذلك – لكن لا أريد أولاد شوارع لندن.' قلت: 'أعطني مولودًا أصليًا على الأقل. سيكون هناك خطر، بغض النظر عمن نحصل عليه. لكنني سأشعر براحة أكبر في ذهني وأنام أعمق في الليل إذا حصلنا على كندي المولد.' لذلك في النهاية قررنا أن نطلب من السيدة سبنسر أن تختار لنا واحدًا عندما تذهب لإحضار فتاتها الصغيرة. سمعنا الأسبوع الماضي أنها ستذهب، لذلك أرسلنا لها رسالة عبر أهل ريتشارد سبنسر في كارمودي لإحضار صبي ذكي ومحترم يبلغ من العمر حوالي عشرة أو أحد عشر عامًا. قررنا أن هذا سيكون أفضل عمر – كبير بما يكفي ليكون ذا فائدة في القيام بالأعمال المنزلية على الفور وصغير بما يكفي ليتدرب بشكل صحيح. ننوي أن نوفر له منزلًا جيدًا وتعليمًا. تلقينا برقية من السيدة ألكسندر سبنسر اليوم – أحضرها ساعي البريد من المحطة – تفيد بأنهم سيصلون بقطار الخامسة والنصف مساء اليوم. لذلك ذهب ماثيو إلى برايت ريفر لمقابلته. السيدة سبنسر ستنزله هناك. بالطبع هي ستواصل طريقها إلى محطة وايت ساندز بنفسها."
        
        تفاخرت السيدة راشيل بأنها تقول رأيها دائمًا؛ شرعت في قوله الآن، بعد أن عدلت موقفها العقلي تجاه هذا الخبر المذهل.
        
        "حسنًا يا ماريلا، سأقول لك بصراحة إنني أعتقد أنك تفعلين شيئًا غاية في الحماقة – شيئًا محفوفًا بالمخاطر، هذا هو الأمر. أنت لا تعرفين ما الذي تحصلين عليه. أنت تجلبين طفلاً غريبًا إلى منزلك وبيتك ولا تعرفين عنه شيئًا واحدًا، ولا تعرفين طبيعته، ولا نوع والديه، ولا كيف سيؤول أمره على الأرجح. لماذا، الأسبوع الماضي فقط قرأت في الجريدة كيف أن رجلاً وزوجته غرب الجزيرة أخذا صبيًا من ملجأ أيتام، فأشعل النار في المنزل ليلاً – أشعلها عمدًا يا ماريلا – وكاد يحرقهم حتى الموت في أسرتهم. وأعرف حالة أخرى حيث كان صبي متبنى يمص البيض – لم يتمكنوا من فطامه عن ذلك. لو كنت قد طلبت نصيحتي في هذا الأمر – وهو ما لم تفعليه يا ماريلا – لقلت لك من أجل الرحمة لا تفكري في مثل هذا الشيء، هذا هو الأمر."
        
        لم يبدُ عزاء أيوب هذا ليغضب ماريلا أو يثير قلقها. استمرت في الحياكة بثبات.
        
        "لا أنكر أن هناك شيئًا في ما تقولينه يا راشيل. لقد انتابتني بعض الشكوك بنفسي. لكن ماثيو كان مصرًا جدًا على ذلك. رأيت ذلك، لذلك استسلمت. نادرًا ما يقرر ماثيو شيئًا، وعندما يفعل ذلك، أشعر دائمًا أنه من واجبي أن أستسلم. أما بالنسبة للمخاطرة، فهناك مخاطر في كل شيء تقريبًا يفعله المرء في هذا العالم. هناك مخاطر في إنجاب الناس لأطفالهم إذا وصل الأمر إلى ذلك - فهم لا ينجحون دائمًا. ثم إن نوفا سكوشيا قريبة جدًا من الجزيرة. الأمر ليس وكأننا نحصل عليه من إنجلترا أو الولايات المتحدة. لا يمكن أن يكون مختلفًا عنا كثيرًا."
        
        "حسنًا، آمل أن يسير الأمر على ما يرام،" قالت السيدة راشيل بنبرة أوضحت شكوكها المؤلمة بوضوح. "فقط لا تقولي إني لم أحذرك إذا أحرق جرين جابلز أو وضع الستركنين في البئر – سمعت عن حالة في نيو برونزويك حيث فعل طفل من ملجأ أيتام ذلك وماتت العائلة بأكملها في آلام مروعة. لكنها كانت فتاة في تلك الحالة."
        
        "حسنًا، نحن لا نحصل على فتاة،" قالت ماريلا، وكأن تسميم الآبار إنجاز أنثوي بحت ولا يجب الخوف منه في حالة الصبي. "لم أحلم أبدًا بأخذ فتاة لتربيتها. أتساءل كيف تفعل السيدة ألكسندر سبنسر ذلك. لكنها، هي لن تتردد في تبني ملجأ أيتام بأكمله إذا خطر ذلك ببالها."
        
        كانت السيدة راشيل ترغب في البقاء حتى عودة ماثيو مع يتيمه المستورد. لكن بعد أن فكرت أنه سيمضي ساعتان جيدتان على الأقل قبل وصوله، قررت أن تصعد الطريق إلى روبرت بيل وتخبره بالخبر. سيحدث ذلك بالتأكيد ضجة لا مثيل لها، والسيدة راشيل كانت تحب إحداث ضجة كثيرًا. لذلك غادرت، مما أراح ماريلا بعض الشيء، فقد شعرت الأخيرة بشكوكها ومخاوفها تعود تحت تأثير تشاؤم السيدة راشيل.
        
        "حسنًا، من بين كل الأشياء التي كانت أو ستكون!" هتفت السيدة راشيل عندما كانت بأمان في الممر. "يبدو حقًا وكأنني أحلم. حسنًا، أنا آسفة لهذا الشاب المسكين ولا شك. ماثيو وماريلا لا يعرفان شيئًا عن الأطفال وسيتوقعان منه أن يكون أكثر حكمة وثباتًا من جده، إذا كان لديه جد على الإطلاق، وهو أمر مشكوك فيه. يبدو غريبًا التفكير في طفل في جرين جابلز بطريقة ما؛ لم يكن هناك طفل هناك قط، لأن ماثيو وماريلا كانا بالغين عندما بُني المنزل الجديد – إذا كانا طفلين على الإطلاق، وهو ما يصعب تصديقه عندما ينظر المرء إليهما. لن أكون في مكان ذلك اليتيم بأي ثمن. يا إلهي، لكنني أشفق عليه، هذا هو الأمر."
        
        هكذا قالت السيدة راشيل لشجيرات الورد البري من فيض قلبها؛ ولكن لو كانت قد رأت الطفل الذي كان ينتظر بصبر في محطة برايت ريفر في تلك اللحظة بالذات، لكان شفقتها أعمق وأكثر عمقًا.
         
        

        Pages

        authorX

        مؤلفون تلقائي

        نظام شراء