رواية لست ساقطة - الفصل الثالث
لست ساقطة 3
2025, كاترينا يوسف
اجتماعية نفسيه
مجانا
تأخذ تريزا أول خطوة نحو استعادة إحساسها بالحياة بعيدًا عن آدم، فتقرر النزول وحدها لأول مرة منذ فترة طويلة. وسط زحام الشوارع، تجد نفسها في مكان هادئ تستمتع فيه بلحظات من الحرية والاستجمام، غير مدركة أن الوقت يمر سريعًا. في المقابل، يشعر آدم بغيابها لأول مرة، ويبدأ القلق يتسلل إليه عندما يعود للمنزل ليجدها غير موجودة، محاولًا الاتصال بها بلا فائدة.
تريزا
ما زالت في صراع بين مشاعرها المتناقضة تجاه آدمآدم
ابتعد عن تريزا وجعل حدود في التعامل
طلعت الشقة بسرعة، رجلي كانت تقيلة، والموقف لسه بيلف في دماغي. أول مرة أشوفه بالطريقة دي… أول مرة يحسسني إنه مش بس راجل بيقضي وقت معايا… لكن برضه، أول مرة أحس إن في حاجة غلط، حاجة مش مفهومة. دخلت أوضتي وقفلت الباب ورايا، فضلت واقفة للحظات، حاسة بأنفاسي سريعة، وقلبي مش منتظم. كنت عايزة أفهم، عايزة أستوعب… بس كنت تعبانة أوي. سمعت صوته من بره، كان هادي، بس فيه نبرة حاسمة، كأنه بياخد قرار نهائي: — "اعتبري اللي حصل النهارده ماحصلش. لا الاجتماع، ولا الشدّة اللي حصلت، ولا اللي كان في العربية… كله مش موجود." سكت لحظة، وبعدها زاد على كلامه: — "وإحنا… مش هنلمس بعض تاني." حسيت بكلمته زي ضربة في صدري، رغم إني مش فاهمة ليه. مش ده اللي كان المفروض يحصل من الأول؟ مش كان لازم من البداية نفضل بعيد عن بعض؟ بس ليه وأنا واقفة دلوقتي، حاسة إن الكلام ده مش مريح؟ مش زي ما كنت متخيلة؟ سمعت خطواته بتبعد، وبعدها باب أوضته بيتقفل. ساعتها حسيت إني لوحدي… بجد. اتمددت على السرير، وبصيت للسقف، عينيا كانت مفتوحة بس دماغي فاضية. آدم قرر… وأنا مش من حقي أرفض أو أوافق. بس ليه حاسة إن اللي بينّا مش حاجة ينفع تتنسي بكلمة؟ "مش هنلمس بعض تاني." ازاي؟ ازاي بعد كل اللي حصل بينّا، بعد كل ليلة قضيناها مع بعض، بعد كل لمسة وكل نظرة، يبقى الموضوع خلص بكلمة؟ حسيت حاجة تقيلة على صدري، إحساس بالخوف لأول مرة بجد… مش من آدم، ولا من اللي عملناه، لكن من حاجة أكبر، حاجة ممكن تقلب حياتي كلها. إيدي راحت على بطني غصب عني، عقلي كان بيسأل السؤال اللي ماكنتش عايزة أفكر فيه… "طب لو كنت حبلى؟" قلبي دق بسرعة، أسرع من أي مرة قبل كده. مش ممكن، صح؟ مستحيل أكون… بس لو حصل؟ لو بقى جوايا جزء منه؟ جزء من اللي حاول يمحيه بكلمتين؟ بلعت ريقي، والقلق كان بيزيد كل ثانية. مش عارفة أنام، مش عارفة أفكر حتى. كل اللي عارفة إني لازم أعرف… ولازم أعرف بسرعة. --------------- النوم أخدني غصب عني… كنت مرهقة، دماغي تعبانة، وقلبي مليان خوف وأسئلة مش لاقية لها إجابة. لما صحيت، كان الصبح دخل من الشباك، والشقة كلها ساكتة. قمت بسرعة، غسلت وشي، وربطت شعري، وبدأت أروّق المكان. كنت محتاجة أشغل نفسي بأي حاجة، أي حاجة تبعد دماغي عن التفكير اللي هيقتلني. نضفت الأوضة، ومسحت الأرض، وريّحت الصالة، وبعدها دخلت المطبخ وحضّرت الفطار… قهوة، بيض، وعيش محمص، وحطيت الأكل على الترابيزة. كنت خلاص بخلص لما سمعت صوت باب أوضته بيتفتح. رفع عينه فيّا، وأنا وقفت مكاني، مش عارفة أقول إيه. كان شكله هادي، بس في نظرات غريبة بينّا… نظرات كأننا بنحاول نعدّي على اللي حصل، بس مش عارفين نتجاهله. قعد على الطربيزة، وأنا قعدت قصاده، وكل واحد فينا بياكل بهدوء… لكن عنينا بتتحرك، تبص، تهرب، ترجع تبص تاني. كل حاجة كانت متغيرة، كأننا بقينا أغراب بعد ما كنا أقرب من أي حد. بعد ما خلص، شرب آخر رشفة من القهوة، وقف وهو بيعدل كمه، وقال بصوته الهادي المعتاد: — "أنا نازل الشغل." هزيت راسي بس، وهو مشي، وسابني قاعدة لوحدي… وساب معايا مليون إحساس متلخبط. أول ما نزل وقفل الباب وراه، فضلت واقفة مكاني، حاسة بأنفاسي هادية بس دماغي مش مرتاحة كل يوم كان نفس الروتين، نفس القعدة في الشقة، نفس التفكير اللي مش بيروح… بس النهارده كان مختلف. لقيت نفسي أول مرة أفكر في النزول، في إنّي أخرج لوحدي… من غيره. قومت بسرعة، لبست حاجة بسيطة، بنطلون جينز وتيشيرت واسع، وحطيت طرحة خفيفة على كتافي، وخدت معايا شوية فلوس كنت موفرّاهم. نزلت من العمارة، وقفت قدامها للحظات، كنت حاسة كأني أول مرة أخرج لوحدي من سنين. الدنيا كانت زحمة، الناس رايحة جاية، وأنا كنت تايهة وسطهم… بس كنت حرة، ولو للحظة. مشيت في الشارع، لحد ما لقيت مكان هادي شكله جميل، كافيه على النيل، دخلت وقعدت في ركن بعيد، طلبت أكلة حلوة وعصير، وقعدت أستمتع بالهدوء، بالهواء الطري، بالإحساس اللي فقدته من زمان… الإحساس إنّي إنسانة عادية، مش حاجة مستخبية في شقة. الوقت سرقني، قعدت كتير، نسيت نفسي، نسيت كل حاجة… حتى الموبايل اللي كان على الصامت. لكن آدم ما نسيش. رجع البيت، فتح الباب، ولأول مرة، ملقانيش. الشقة كانت فاضية، هادية… بس مش هدوء الراحة، كان هدوء الوحدة. مسك موبايله بسرعة، وبدأ يتصل بيا، مرة، واتنين، وعشرة… بس أنا ماكنتش سامعة.