موصى به لك

الأقسام

الأفضل شهريًا

    الأعلى تقييمًا

      أرض مصر المدفونة

      أرض مصر المدفونة

      2025, أحمد هشام

      مغامرات تاريخية

      مجانا

      في عمق صحراء مصر، هنتر برايس وزوجته تيانا، عالمان آثار شغوفان، بيكتشفوا أسرار قديمة ليها علاقة بمدينة شامبالا الغامضة والأهرامات المصرية. بعد فترة حب سريعة، بيوصلوا لموقع حفر مهم في الصحراء المصرية. هناك، بيبدأوا عملية حفر خطيرة باستخدام آلة ضخمة، على أمل إنهم يلاقوا اكتشاف تاريخي يثبت نظرياتهم. لكن بدل ما يلاقوا اللي بيتوقعوه، بيواجهوا مفاجأة غير متوقعة تماماً بتغير كل حاجة.

      هنتر برايس

      عالم آثار شاب، يؤمن بأن ملوك شامبالا هم من بنوا أهرامات مصر. يسعى جاهدًا لإثبات نظرياته ويقوده شغفه الكبير نحو الاكتشافات التاريخية. طاقته وحماسه يدفعانه نحو الشهرة، حتى خارج الأوساط الأكاديمية.

      تيانا

      زوجة هنتر وزميلته في العمل، وهي عالمة كيمياء ومهندسة عبقرية حاصلة على درجة الدكتوراه. تتميز بدقتها وحرصها الشديد على التفاصيل، وتُعتبر العقل المدبر وراء الكثير من العمليات الفنية والتقنية في البعثة. دائمًا ما تُسعى للتحقق والتأكد من كل شيء قبل البدء في أي عمل

      هونجو

      قائد فريق العمل الميداني في موقع الحفر. رجل قوي وحازم، يتحدث السواحلية ويعمل بجد مع طاقمه المصري والتنزاني. يثق به هنتر وتيانا لقيادة عمليات الحفر بفضل خبرته وقدرته على إدارة الفريق.
      تم نسخ الرابط
      أرض مصر المدفونة

      هنتر برايس كان بيعتقد إن ملوك شامبالا هما اللي بنوا أهرامات مصر. الشغف ده، عشان يربط بين المدينة المخفية في جبال الهيمالايا والآثار المصرية القديمة، هو اللي كان بيغذي عمله.
      
      صورته المبتسمة ظهرت على غلاف مجلة "أركيولوجي توداي" (الآثار اليوم) تلات مرات في آخر سنتين. ومجلة "كارنت" (الحالية) عملت معاه حوارات كتير قبل ما تختار جعفر آدم عبد القادر "مبتكر العام 2025". عبد القادر ده كان له دور كبير في توحيد الدول العربية تحت راية "الاتحاد العربي" اللي لسه متشكل جديد، واللي كان راية شعبوية وثورية وديمقراطية.
      
      علماء الآثار في كل حتة في العالم كانوا بيغلوا من الحسد مع زيادة شهرة هنتر، حتى برا الأوساط الأكاديمية. شباب هنتر وطاقته والناس اللي بتدعمه بفلوس كتير، كل ده خلاه مشهور. إنجازات هنتر بقت تتنشر في الإعلام العادي.
      
      بعد ما شغله وصل لطريق مسدود، هنتر قرر يروح بنفسه للمعمل اللي كان بيعمل كل تحاليل الكربون المشع بتاعته. حجز طيارة في آخر لحظة لألمانيا. هنتر قضى الطريق للمعمل وهو بيفكر إزاي يربط بين رسومات وادي السند والبنايات الحجرية الجديدة من آخر حفر. كان يأمل إن تواريخ التحاليل تدعم النظرية اللي كتب عنها في آخر مقال له في "جورنال الآثار العالمي".
      
      واحدة من طالباته القدامى في الدراسات العليا كانت بتبعت له رسايل من غير توقف. كانوا خرجوا مرتين. هنتر كان بيحس إنه في بيته وهو بيشتغل، لكن في أي مكان تاني، خاصة معاها، كان بيحس إنه متلخبط. كان المفروض تبقى عظيمة. ما كانش عنده وقت يفكر في الموضوع ده؛ لازم يركز. هنتر قفل موبايله وهو داخل لموقف العربيات بتاع أكاديمية هايدلبرغ للعلوم.
      
      "ده رائع!" صرخ هنتر بابتسامة واسعة وعينين مبرقة.
      
      الست اللي ورا الميكروسكوب كانت عبقرية. كان عندها كل الإجابات الصح على وابل أسئلة هنتر الغاضبة. كانت بتجاوب على كل سؤال بسرعة وبوضوح. إجاباتها كانت دقيقة وفي الصميم. ما كانتش بتقف أبدًا. كانت بتتوقع أسئلته قبل ما يسألها. وكمان، أدت له تقريبًا نفس التواريخ اللي كان بيتمناها. فرحة هنتر بقت معدية. الست وقفت في نص كلامها وابتسمت.
      
      "تعرف، معظم الناس ما بتجيش هنا بنفسها عشان تاخد نتايجها." قالت وهي بتضحك.
      
      هنتر ضحك بصوت عالي. "أنا مش زي معظم الناس. قولي لي تاني إزاي بتظبطوا الجهاز."
      
      الطلب ده صدم تيانا. معظم الناس ما بتهتمش إزاي جهاز التحليل بيشتغل، هما بس عايزين الإجابة.
      
      "أحب أوريك حاجة." قالت بابتسامة ماكرة.
      
      قادته لجوه، لورا، حيث كانت الرفوف مليانة صناديق عليها أسماء متراصة حوالين آلة كبيرة شكلها معقد. جوه الآلة، هنتر شاف جذع شجرة.
      
      "دي شجرة صنوبر بريستلكون. لما ماتت، كانت من أقدم الكائنات الحية المعروفة في العالم." مرت صوابعها ببطء على الحلقات في نص الجذع.
      
      "صح، بتعد الحلقات عشان تعرف العمر، وبعدين بتقارنه بمعدل تحلل الكربون الثابت. دي كان عمرها قد إيه؟" سأل هنتر. وهو بيسأل، بص على الجذع القديم ومرر صوابعه على الحلقات.
      
      تيانا بصت لهنتر وكأنها بتهمس، "قديمة يا هنتر برايس. قديمة جدًا. أكتر من أربع آلاف سنة."
      
      بينما كانت صوابع هنتر بتتحرك على الحلقات، لمست صوابع تيانا. كان المفروض يسحب إيده، لكنه ما عملش كده. بعد بضع أجزاء من الثانية من تواصل العينين اللي حس إنها ساعات، ميل رأس هنتر لقدام. باسوا بسرعة مرة، وبعدين مرة تانية. وبعدين، كان فيه صمت محرج.
      
      "يلا نتكلم عن الموضوع ده أكتر." قال هنتر.
      
      "أنا أوافق." ردت تيانا.
      
      بعد ست شهور، وبعد قصة حب سريعة، هنتر وتيانا اتجوزوا. في شهر العسل بتاعهم، كانوا بيجدفوا بقارب مليان مؤن ومعدات في مجرى مائي مليان طحالب، في غابة حارة ورطبة.
      
      "ده مثير أوي." قال هنتر.
      
      "أنت بجد بتعرف تكسب قلب البنت." ردت تيانا وهي بتمسح العرق من حواجبها.
      
      دراعها كان بيوجعها من التجديف. ومع ذلك، ما كانتش تقدر تستنى لحد ما توصل للبحيرة المعزولة. كانت بتتوقع تلاقي هناك رواسب مياه عذبة مبهرة هتكون مهمة جدًا لأبحاثها.
      
      "أنتِ مش أي بنت." قال هنتر وهو مبتسم.
      
      "يلا ناخد استراحة." قالت تيانا. "دراعاي بتوجعني."
      
      بعد دقايق من استمتاعهم بأصوات ومشاهد وروائح الغابة الاستوائية، تيانا اتكلمت بحزن، "هنتر، إزاي هنخلي الموضوع ده يمشي؟"
      
      "قصدك إيه؟" رد هو.
      
      "قصدي، أنت دايماً رايح في مكان ما. إحنا دايماً بنعمل حاجات. إزاي هنقدر نحافظ على كل ده متماسك؟"
      
      بعد صمت، رد هنتر، "فين ما أروح، وأي حاجة ألاقيها؛ هفضل أحبك دايماً."
      
      "ده ما جاوبش على سؤالي." فكرت تيانا في نفسها. لكنها حست بدفا، وما قالتش أي حاجة.
      
      مع تقدم حياتهم، هنتر وتيانا بقوا فريق قوي. كانوا بيكملوا جمل بعض لما بيفكروا مع بعض. وبعدين في يوم من الأيام، فضولهم العلمي وداهم لأسرار لا يمكن تخيلها. هيتمنوا إنهم يقدروا يدفنوا الأسرار دي تاني في المقابر المظلمة اللي طلعت منها.
      
      
      
      
      
      
      انكسر ظلام وهدوء الليل المصري، زي ما كان بيحصل كل يوم من سنين طويلة. أول ما ظهرت نقط الضوء البرتقالي والأصفر اللامع على الكثبان الرملية المتعرجة في الصحراء اللي مالهاش نهاية، صحي هنتر برايس.
      
      دلوقتي، عيلة برايس كانوا عايشين في خيمة عسكرية متطورة جداً في موقع الحفر، عشان يكونوا قريبين من الشغل. الخيمة بتاعتهم كان فيها كل وسائل الراحة العصرية التقليدية زي الماية الجارية والكهربا.
      
      هنتر بص على مراته تيانا وهي نايمة كام لحظة قبل ما ينزل من السرير، ولبس بنطلون كاكي يتحول لشورت، ولف قميص قطن أبيض بأزرار على كتافه. اتمايل وخرج في أول وهج لضوء الصبح، وشينودة جاب له قهوة وتوست.
      
      المصريين ما كانش عندهم ألقاب عائلية زي الأمريكان. كانوا بيستخدموا اسم أبوهم كاسم تاني، وساعات اسم جد أبوهم كاسم تالت. الاسم الأخير ده كان بيبقى لقبهم العائلي فعلياً، مع إن عامل المطبخ، شينودة، كان اسمه "شينودة" وبس.
      
      شرب قهوة سودة محمصة بعناية وحرص، وقضم من عيش طازة لسه مخبوز الصبح في مطبخ موقع الحفر، وهو بيفكر إزاي وصلوا للنقطة دي وإيه اللي هيلاقوه تاني يوم، بعد الحفر الكبير.
      
      في صباح يوم الحفر الكبير، هنتر فضل صاحي على الأقل ساعة قبل ما يقرر إنه مش قادر يكتم حماسه أكتر من كده. نط من السرير، وحرفياً رمى الملايات من عليه. الساعة 4:48 صباحاً، صحى مراته تيانا بهدوء لكن بحزم.
      
      "صباح الخير ليكي، ليكي، ليكي،" غنى هنتر بهدوء وبصوت مش حلو.
      
      "أووووف يا هنتر." قالت تيانا بصوت مبحوح.
      
      استمر في هزها والغنى، بس النغمات بقت أقل حيوية وأضعف.
      
      "ماشي، ماشي، أنا صحيت. هي الساعة كام أصلاً؟" تمتمت تيانا.
      
      "4:48، أنا عارف إن المنبه بيرن على خمسة، بس ما قدرتش أستنى، لازم نبدأ. النهاردة ممكن يكون اليوم الكبير." قال هنتر وهو بيشدد على كلمة "الكبير".
      
      بدأت تيانا تتكلم بلطف في الأول، وبعدين بشكل عملي أكتر، "يا حبيبي، ده لطيف أوي، بس أنت عارف إننا لسه بنبدأ النهاردة. إحنا ما نعرفش الصخر ده هيكون قد إيه. ممكن ما يكونش فيه حاجة خالص، مجرد تكونات جيولوجية غريبة أو أساسات قديمة لهرم أو مصطبة ما اتبنتش. على أي حال، الأنفاق اللي تحت كلها انهارت، ولو كانت بتوصل لمكان ما، أشك إننا هنلاقيها في أول يوم استخدام لآلة حفر الأنفاق. وكمان، على فكرة، لسه مش متأخر إننا نعمل تحقيق جيوتقني شامل تاني من الناس اللي نصح بيهم جرابينبوهلر. أنا بس بقول..."
      
      ميل هنتر راسه على الجنب وهو بيقاطعها، "أنا افتكرت إن ما عندناش ميزانية لكل ده. أنت عارفة، إحنا خرجنا عن المألوف هنا بالفعل. أعتقد إننا تجاوزنا موضوع الطبقات والمراحل، على الأقل في الوقت الحالي. الأنفاق اللي استكشفناها، إحنا بالفعل فحصنا كل شبر فيها بدقة شديدة. إحنا عندنا دفعة قوية ماشية هنا مع الاكتشاف وكل حاجة. لازم نستغل الدفعة دي. مين عارف هيفضلوا مخلينا نستعير آلة حفر الأنفاق لحد إمتى. ده غير، إحنا مشينا على مبدأ 'لو في شك، إكسرها' قبل كده، وأنا أقول إن ده نفعنا كويس أوي."
      
      ابتسمت تيانا ونهضت من السرير بغنج وهي بترد، "أيوة، أيوة، أنت عارف إنك بتوعظ اللي متفق معاك. بس لازم يكون فيه حد بيلعب دور محامي الشيطان هنا. لازم، أنت عارف، نراجع نفسنا من وقت للتاني. نخلي الحوار مفتوح. نتأكد إننا ما نسبقش الأحداث."
      
      قربت منه وحطت إيديها حوالين وسطه.
      
      "أنتِ بس فضلي اسألي أسئلتك واعملي اللي بتعمليه. لو كان الأمر بإيدي، الموقع ده كله كان زمانه اتصفى واتغربل لعمق خمسة أميال دلوقتي، والاكتشاف كان زمانه اتدمر أو ضاع في الخلبطة." قال هنتر وهو بيحاوطها بدراعيه وقبلها بخفة على شفايفها وبعدين ببطء حوالين رقبتها.
      
      "أنا بحبك يا حبيبي وأتمنى إننا نلاقي اللي أنت عايزه النهاردة. أنا رايحة آخد دش." قالت تيانا وهي بتفك حضنهم بلطف.
      
      
      
      
      
      
      
      أطلق هونجو أوتشوكا الأوامر على الطاقم. تسابق الرجال لوضع الأدوات في مكانها وإنهاء التجهيزات الأخيرة في النفق، آلة الحفر، والمعدات.
      
      اقترب هنتر وتيانا من هونجو مع انتهاء التجهيزات.
      
      سلم هنتر بتحرج بسيط: "أخبار الصباح يا هونجو، أنت صاحي بدري النهاردة يا سيدي."
      
      رد هونجو بابتسامة ساخرة: "بخير أوي، وأنت إيه أخبارك؟"
      
      "آااه، مش فاهم، مش فاهم، آسف يا هونجو، بس ده أقصى حاجة أقدر أتكلمها باللغة السواحلية للأسف." رد هنتر بكتفيه مرفوعة.
      
      طمأنه هونجو: "مفيش قلق يا سيد برايس. النهاردة مفيش حاجة هتحصل غلط. أنا هتأكد من كده. إحنا جاهزين نحط حلقات الدعم، الآلة اتجربت، اتدربنا كويس، وإحنا أقويا وجاهزين."
      
      "تمام يا هونجو، إحنا عندنا ثقة كبيرة فيك وفي طاقمك. بينما كلكم بتركبوا، أنا عايز أعمل كام فحص سريع على الحفار هنا." قالت تيانا.
      
      كانت هي اللي بتدير كل حاجة تقريباً في المشروع، بغض النظر عن الألقاب الرسمية أو تفويضات المسؤولية المفترضة.
      
      هنتر وهونجو وطاقم العمل المكون من ست أفراد قعدوا متزاحمين في المساحة الضيقة داخل جدران آلة الحفر. الطاقم كان بيتكون من أربع رجال مصريين مجتهدين ساعدوا عائلة برايس في العثور على الاكتشاف، بالإضافة إلى اتنين من الرجال اللي جابهم هونجو معاه من تنزانيا. كانوا بيتكلموا كلام بسيط وهم مستنيين تيانا تخلص قائمة فحص السلامة بتاعتها وتشغل الحفار الكبير. تيانا، اللي معاها دكتوراه في الهندسة الكيميائية من الجامعة الأسترالية الوطنية، تلقت تدريب مكثف من عملاء "جرابينبوهلر" قبل ما يسلفوا الآلة للبعثة. تيانا كانت أستاذة في مجالها. عمرها ما قابلت مشكلة تقنية ما قدرتش تحلها. هونجو انضم ليها في كتير من التدريب، ورغم إن ولا واحد فيهم كان حفر نفق قبل كده، إلا إنهم حسوا إنهم قد المهمة.
      
      "حسناً، أعتقد إننا جاهزين على قد ما هنقدر نكون." قالت تيانا وهي بتتسلق جوه الآلة مع الباقيين.
      
      أمسك هونجو اللاسلكي وطلب من المشغلين يشغلوا المحرك. ارتفع ضجيج يصم الآذان حواليهم مع دندنة محرك الديزل بقوة أربعة آلاف حصان. الصخور اللينة تراجعت ببطء لكن بسهولة تحت قوة هيدروليكية هائلة. هنتر وتيانا شافوا قطع صغيرة من الصخور بتمر جنبهم على سير ناقل لظهر الآلة. هناك، الطاقم الثابت كان بيفرغ الصخور وينقلها خارج نظام النفق تحت الأرض. تيانا كانت بتراقب مجموعة كبيرة من العدادات والمقاييس، وبتعمل تعديلات هنا وهناك عشان تتأكد إن الآلة بتلتزم بمسارها المحدد مسبقاً. طول الوقت، هونجو وطاقمه كانوا بيشتغلوا على وضع حلقات دعم فولاذية في النفق، متأكدين إن الفتحة اللي حفروها حديثاً هتستحمل الحمل الميت وتمنع الانهيار.
      
      هنتر، اللي كان هيتجنن من قلة الشغل المهم اللي يعمله، اتسحب جنب تيانا وصرخ فوق هدير المعدات: "الصخر ضعيف! إحنا بنحقق تقدم كويس! أعتقد إننا هنتجاوز مية قدم النهاردة!"
      
      "أيوة! ممكن!" صرخت تيانا فوق هدير الحفار اللي بيصم الآذان. حست فوراً باحتكاك في حلقها. لو المحادثة استمرت كتير، هتصحى الصبح تلاقي صوتها أجش جداً.
      
      العملية مشيت من غير أي مشاكل طول الصبح. شينودة جاب الغدا من مقر الموقع حوالي الظهر. بطّأوا الشغل بس ما وقفوش. كانوا بيتناوبوا على وضع الدعامات وبيأكلوا وهما شغالين. في وقت متأخر من بعد الظهر، طاقم المطبخ جاب قدر كبير، وصل سخان كهربائي صناعي، وعملوا شاي ساخن للكل. هنتر كافح عشان ما يحرقش شفايفه من السائل الساخن أوي وهو بيحس إن معدته طلعت لقفصه الصدري.
      
      بعد كده، كلهم افتكروا بالظبط إيه اللي كانوا بيعملوه لما الجاذبية اختفت. تيانا كانت بتفحص مقاييس الضغط، وبتتأكد إن الهيدروليكيات لسه شغالة بالكامل. هونجو كان بيراقب حلقة دعم فولاذية بتدخل مكانها، ومستنيها تعدي العلامة اللي هيحتاجوا يبدأوا يوجهوها عندها. شينودة كان بيجيب كوباية شاي ساخن أوي لواحد من رجال هونجو.
      
      اخدوا كل الاحتياطات اللازمة، بس ما حدش كان يعرف إن النفق اللي قضوا اليوم كله في حفره كان على بعد أمتار قليلة بس فوق غرفة هائلة مليانة هوا. الغرفة دي، اللي اتبنت من حوالي ست آلاف سنة، كانت بتجيب الهوا من سطح الأرض وتنزله من خلال الصخور الضعيفة والمسامية لداخل متاهة ضخمة. على عكس الأهرامات المبهرجة، مبدع الغرفة الضخمة دي قفلها وأخفاها بقصد إزالتها من تاريخ البشرية.
      
      أفراد البعثة اتخبطوا بعنف لما فقدوا كل إحساس بالاتجاه. الصخور والأدوات وقطع الآلات هاجمتهم في سقوط حر عنيف. نزلوا في فوضى.
       
      

      العوالم الأربعه - روايه فانتازيا

      العوالم الأربعة

      2025, هاني ماري

      فانتازيا

      مجانا

      في عوالم "إيثيس" الأربعة، تجبر الحروب الدائرة بين الممالك الشابة "فارا"، الأميرة المخلوعة من "أزورا"، على رحلة مؤلمة كعبدة. تتكشف القصة من خلال عيني "فارا" التي تشهد سقوط مملكتها ومقتل زوجها، لتتحول من أميرة مدللة إلى ناجية تسعى للانتقام، متشبثة بأمل النجاة والتخطيط لإسقاط أعدائها. إنها قصة عن الحب والخسارة والبقاء، وكيف يمكن للألم أن يزرع بذور القوة والرغبة في الثأر.

      فارا

      الأميرة المخلوعة من أزورا، وزوجة الأمير جالين. تتحول من أميرة مدللة إلى ناجية تسعى للانتقام بعد سقوط مملكتها ومقتل زوجها. تتميز بالقوة الداخلية والعزيمة على البخطيط والثأر.

      جالين

      أمير أزورا، زوج فارا ووريث الملك سيلفان. يظهر بشخصية شجاعة ومخلصة لشعبه ووطنه، ويفضل الموت دفاعًا عن أزورا على الهرب.

      الملك سيلفان

      ملك أزورا المحبوب، والد جالين. يحاول حماية مملكته وشعبه من الغزو.

      الملك توريك

      ملك زيبار المسن. يبدأ الحرب على أزورا بدافع الكبرياء والغضب بعد فسخ خطبة ابنته.
      تم نسخ الرابط
      العوالم الأربعه - روايه فانتازيا

      مرحبًا بك في العوالم الأربعة
      
      إيثيس: أرض عظيمة واسعة، فيها أربع ممالك مختلفة في الأعراق والجغرافيا والطبيعة. بعد سنين من الحروب الأهلية والنزاعات الداخلية، قام الإله إيثيس، في محاولة لإجبار السلام، بتقسيم مملكته إلى أربعة أقسام. أعطى كل واحد من أولاده مملكته الخاصة وسمى كل واحدة على اسم حاكمها الجديد. وهكذا تكونت العوالم الأربعة: أزورا، كالات، زيبار، وليوث.
      
      أزورا: أغنى الممالك الأربعة. مقاطعة مسالمة تقع على الساحل الجنوبي لإيثيس. يحكمها الملك سيلفان المحبوب كثيرًا، وزوجته أرييل، وطفله الوحيد ووريثه الوحيد - جالين.
      
      كالات: مملكة مجاورة لأزورا. جبلية وأكبر حجمًا، ولكن أراضيها أقل إنتاجية. بعد الوفاة المفاجئة لملكهم المسن، يحكم كالات الآن ابنه، الملك فالدير المعذب.
      
      زيبار: مملكة صحراوية مترامية الأطراف عبر بحر الرماد يحكمها الملك الطاعن في السن توريك. هاجم أزورا بعد أن تم فسخ خطبة ابنته الصغرى من الأمير جالين من أزورا دون سابق إنذار. شعر الملك توريك بالغضب والإهانة عندما تزوج الأمير أميرة من كالات بدلاً من ذلك، فأعلن الحرب على أزورا.
      
      ليوث: مملكة جزيرة في منتصف بحر الرماد، تقع في أقصى شمال إيثيس. يسكنها شعب الليوثين. لا يعترف الليوثيون بعائلة ملكية، بل يحكمهم مجموعة من المحاربين الأشداء والعقول الحادة في شكل مجلس حاكم. يخشاهم بقية إيثيس، فالليوثيون جنس مهاب يمتلك قوة استثنائية ومهارات قتالية. أراضيهم غنية أيضًا بتعدين الحديد وإنتاج الفولاذ. الليوثيون أقوى عندما يكونون في أراضيهم ويضعفون عندما يبتعدون عنها لفترة طويلة. يُعتقد أن هذا لأنهم يتلقون قوة متجددة من هواء وجو ليث، فقوة حياتهم مرتبطة بجوهرها.
      
      
       
      ترجمات مصطلحات الليوثيين
      
      فارفيه: وحش يشبه الحصان موطنه ليث. بعض أنواع هذا الكائن يمكنها الطيران، وبعضها يسبح، ولكن معظمها تستخدم الأرض. هم مخلصون فقط لأسيادهم الليوثيين، وتحسدهم الممالك الأخرى كأسلحة حرب.
      فالكا: فن الحرب كما يُعلّم لرجال ونساء ليث عندما يبلغون سن الرشد.
      فيزير: هؤلاء الموهوبون بمهارة "الرؤية الكلية". القدرة على الرؤية في الماضي والحاضر والمستقبل. محظورة في معظم الممالك باستثناء ليث حيث لا يزالون يحظون باحترام كبير.
      مينوديس: الحراس المقدسون لمحكمة القمر. يتم اختيارهم من بين الأكثر مهارة في فالكا. يُطلب منهم أداء قسم الصمت. يخدم المينوديس أيضًا الاثنا عشر كمحظيات.
      لوميا: تترجم تقريبًا إلى "الملكي". مصطلح للتحبب.
      لاكاري: معالج.
      فيليوس: أخ.
      إسدار: قائد مجلس ليث.
      الفيزير الأعلى: رمز "الواحد المظلم" وأحيانًا رسوله في العالم البشري. على الرغم من أن مجلس ليث يحكم في الجرائم ويصدر القوانين، يعتبر الفيزير الأعلى صوت "الشعب والإله" وهو أعلى سلطة في المملكة.
      الاثنا عشر: اثنتا عشرة أنثى يختارهن الفيزير الأعلى كمجلسها المقرب. من هذه المجموعة يتم اختيار "المُتوجة" لتخلف الفيزير الأعلى بعد "حكم الألف قمر" الخاص بها. جميع الاثنا عشر يمتلكن موهبة الرؤية الكلية. مواهبهن غير محددة تمامًا ولكنهن يمتلكن أيضًا القدرة على تغيير عقول الآخرين.
      المُتوجة: الأنثى المختارة فوق كل الأخريات لتخلف الفيزير الأعلى بعد "حكم الألف قمر".
      ملاحظة: ستحتوي هذه القصة على لغة الليوثين - وهي إبداع كامل يعتمد على عدد قليل من اللغات المختلفة (بشكل أساسي اللغات الاسكندنافية بالإضافة إلى بعض الغيلية لإضفاء لمسة جيدة). لن أترجم هذه اللغة بأكملها في المسرد لأن ذلك سيكون جنونيًا، لكنني سأحاول، حيث يسمح السرد، ترجمتها داخل العالم.
      
      ___________
      
      "وهكذا كُتب، أن الممالك الأربعة لإيثيس، التي خلقت من أجل السلام، ستدمر للمرة الأخيرة بالحرب. ستسقط المدن، وستُراق الدماء، وستمتد الجثث لأميال عبر أرض مكسورة مرة أخرى. فماذا يستطيع الكائنات أن يفعلوا غير الحرب؟" سألت الإلهة.
      
      "الحب يا أمي،" أجاب الصوت الصغير. "إنهم قادرون على الحب."
      
      التفتت الإلهة وابتسمت لابنتها، تفاجأت مرة أخرى بالبراءة والحكمة التي أشرقت منها. لم تتذكر الإلهة وقتًا كانت فيه هي نفسها مليئة بمثل هذه البراءة. بدا وكأن الحرب والموت كانا حاضرين دائمًا في العالم الذي تعرفه. لكن ربما كانت الحرب فقط تمحو كل شيء آخر: الذكريات. الآمال. الأرواح. الحب.
      
      كانت الحرب أقوى قوة عرفتها الإلهة على الإطلاق. لفترة، كان الحب.
      
      فقد عرفت الإلهة الحب. ذات مرة. حبًا قويًا، شاملًا، إلهيًا ومجيدًا. حبًا غير معلن. حبًا مزق العوالم وأحدث حربًا ستستمر ألف عام.
      
      "أنتِ محقة يا حبيبتي، الكائنات يمكنها أن تحب،" مررت يدها على شعر ابنتها، خصلات ذهبية تتلألأ في الشمس وتبدو كاللهب عندما تضربها شعاع الشمس بتلك الطريقة. "ولكن أحيانًا، يمكن للحب أن يجلب الحرب معه. أحيانًا يمكن للحب نفسه أن يكون سبب الحرب. وأحيانًا، في قلب أشد الحروب دموية، يكمن أنقى وأكثر أنواع الحب هشاشة."
      
      "لا أفهم يا أمي..."
      
      "أعرف يا طفلتي، لكنك ستفهمين. ذات يوم ستفهمين. لأنك ذات يوم ستكونين الأكثر حبًا من بين الجميع؛ الأجمل والأعدل، الألطف والأكثر إنصافًا، الأجدر والأكثر امتلاءً بالنعمة." شرحت الإلهة. "ذات يوم سيقتل الرجال من أجل شرفك ويضحون بكل شيء من أجلك." عرفت الإلهة هذا لأنه كان مكتوبًا. كما كُتب كل شيء آخر. كان متنبأ به في حبات الرمل وفي جزيئات غبار النجوم. كان دليلًا عليه في أعماق المحيطات وفي ملح الأرض.
      
      لقد كان ببساطة.
      
      لم يتلون وجه الطفل بالبهجة أو السعادة بكلمات أمها. بدلاً من ذلك، غابت عنه السعادة وملأه الألم والخوف، وتراجعت البراءة الواسعة العينين خلف قزحيات ذات لون جمشت. فهذا لم يكن ما أراده الطفل. أرادت أن تُحب بالطبع، لكنها لم ترد أن يكون القتل والتضحية علامة على ذلك.
      
      ابتسمت الإلهة ببساطة ومررت يدًا مهدئة على خد ابنتها الشاحب. لم يفهم الطفل بعد كيف أن بعض الأشياء تكون ببساطة. القلق بشأن هذه الأمور لا يجدي نفعًا، لأنه لا يمكن تغييرها أو منعها. فقط إرادة الآلهة يمكنها تغيير هذه الأمور. ولا إله يمتلك مثل هذه الإرادة. ليس بعد الآن.
      
      لكن الطفل سيفهم مثل هذه الأمور مع مرور الوقت. قريبًا ستفهم كل شيء. ما كان. ما هو. ما سيكون.
      
      "أريد أن أروي لك قصة مختلفة الآن، قصة حب في زمن بعيد جدًا، بعد آلاف من شروق القمر من الآن،" بدأت الإلهة.
      
      انزلقت تحت الغطاء بجانب ابنتها وجذبت الطفل إليها، لتشعر بالدفء الذي ينبعث منها. شعور ضروري جدًا، فكرت الإلهة. حياة ابنتها في جسدها. إنها حية. إنها موجودة. عبر الحرب والموت والدماء، عاشت.
      
      "كم شروق قمر يا أمي؟" أجاب الطفل. كانت مفتونة بمرور الوقت. بتاريخ عالمها وعوالمها القادمة.
      
      "ألف ألف، ربما أكثر."
      
      اتسعت عينا الطفل. "هذا كثير."
      
      "نعم، إنه كذلك."
      
      "هل هي قصة سعيدة؟" استفسر الطفل، ولا يزال متأثرًا بكلمات أمها قبل لحظات، والخوف الذي أحدثته في قلبها الصغير البريء.
      
      "عليكِ الانتظار حتى النهاية لتعرفي،" قالت أمها، وصوتها ناعم كالحرير.
      
      على الرغم من أن الكلمات حملت بعض الشؤم للطفل، إلا أن هذه الأمور كانت دائمًا أسهل تحملًا مع وجود أمها بالقرب منها. ستظل أمها تحافظ عليها آمنة دائمًا. من كل شيء. هذه مجرد قصص. والقصص لا يمكن أن تؤذيك.
      
      "حسنًا إذًا،" قال الطفل. "أنا مستعدة. أخبريني القصة يا أمي..."
      
      "في يوم من الأيام، كانت هناك مدينة من الذهب. غنية بكل الطرق التي يمكن أن تكون بها المدينة غنية؛ أراضيها أثمرت، وشعبها عاش في هدوء وسلام، وعبدوا حكامهم كألطف وأعدل الممالك الأربعة."
      
      "أزورا يا أمي!" صاح الطفل، متحمسًا.
      
      كانت أزورا هي مملكتها المفضلة، أمراؤها كانوا الأكثر وسامة وأميراتها الأكثر جمالًا، وفي أي قصة عن أي حرب، كانت دائمًا تصرخ لأزورا كمنتصرة. هذا كان دائمًا يجعل الإلهة تبتسم. ابتسامة معرفة سرية مليئة بصدى حزن لم يفهمها الطفل أبدًا، ولكن ذات يوم مثل كل شيء آخر ستأتي لتفهمها.
      
      "دعونا ننتظر ونرى، أليس كذلك؟" غمزت أمها بمرح. أومأت ابنتها بحماس واستقرت مرة أخرى على صدر أمها، وبدأت الفرحة ترفرف في قلبها الصغير. "حسنًا، في يوم من الأيام تعرضت مدينة الذهب لهجوم من جيش من الجنود دون سبب سوى كبرياء رجل عجوز،" جذبت ابنتها إليها وشعرت بقبضتها تشتد. "هذا الجيش كان يقوده قوة من الجنود الهمجيين المظلمين، يقودهم المحارب الأكثر رعبًا في جميع الممالك الأربعة..."
      
      تشبث الطفل بأمه بقوة أكبر، فقد عرفت هؤلاء المحاربين المظلمين، وعطشهم للدماء والدمار. لكنها كانت مجرد قصص، والقصص لا يمكن أن تؤذيها.
      
      تحول صوت أمها إلى غليظ بالعاطفة وهي تبدأ في سرد قصة اليوم الذي سقطت فيه مدينة الذهب...
      
      
      
      
      "تحركي! استمري في المشي وإلا ستشعرين بالسوط مرة أخرى!" زأر الحارس خلفها.
      
      كان يريد أن يجلدهم، كادت تشم رغبته. لقد فعلها حتى لأقل المخالفات في الأيام التي تلت إخراجهم من المدينة: نظرة خلفهم، كلمة لرفيق أزوري، الرد عليه. أي من هذه كانت كافية لينزل سوطه الجلدي الساخن على أرجلهم، ظهورهم، وأي بشرة مكشوفة وضعيفة أخرى.
      
      صدى صوت السوط يتردد على مؤخرة ساقيها من الذاكرة وهي تتقدم، جسدها المتعب الجاف يتحرك بدافع البقاء فقط. تساءلت لماذا بقيت الرغبة في البقاء عندما فقد كل شيء آخر. كل شيء ذهب. منزلها. حبها. اسمها. كل ذلك ذهب.
      
      كل ذلك بسببك.
      
      المرأة العجوز على يسارها كانت تبكي بصمت وتراجعت خطوة. امتدت ذراع فارا لتلتقطها من مرفقها العظمي وجرتها معها. المرأة العجوز لن تنجو من ضربة سوط أخرى.
      
      "استمري. نحن على وشك الوصول،" شجعت فارا بهدوء، مخاطرة بجلدها بدلاً من ذلك. "أستطيع رؤية النيران. هل تشمين رائحتها؟ المخيم ليس بعيدًا. أعدك."
      
      ردت المرأة العجوز ببكاء خافت آخر، لم تتشجع كثيرًا بكلمات فارا أو بصوت اللطف البشري. لكنها أسرعت خطوتها واستمرت في التحرك.
      
      من حولهم كانت الضوضاء ضوضاء الإرهاق والخوف، اليأس الكثيف واللاذع في الهواء. كله نساء. الرجال ذُبحوا في الحصار أو ساروا غربًا إلى مخيم آخر، جاهزين للشحن كعبيد عمال لكهوف الصلب في ليوث أو مناجم الفحم في زيبار. كانت قد فكرت، بأمل أناني، أنهم قد يقتلون النساء أيضًا. لكنها كانت مخطئة في الأمل. لأن في الحرب النساء غنائم الرجال. لقد قُيدت بالسلاسل مع نساء أزورا وأجبرت على المسير، يومين وليلتين، إلى معسكر منتصرهم المترامي الأطراف قرب البحر.
      
      عندما داروا حول التل رأتها. رأت ما رأته من جدران القلعة في ذلك اليوم، ما رآه والدها بالزواج، ما كان يجب أن يحول عقله إلى الاستسلام.
      
      رأت النهاية.
      
      رأت قوة لا تُقهر هنا لتدمير كل شيء في طريقها.
      
      ألف سفينة أو أكثر ترقد في المياه المفتوحة، مخيم كبير بما يكفي لإيواء مائة ألف رجل أو أكثر منتشر على الرمال الذهبية. أكواخ وخيام ونيران جميعها تظهر أن هذا الجيش الزيباري بقيادة الليوثين لا يخطط للذهاب إلى أي مكان. هؤلاء الوحوش اللصوص المغتصبون كانوا هنا لتقطيع الغابات الخضراء وثروات أزورا التي لا نهاية لها لأنفسهم. ربما لن يعودوا إلى ديارهم أبدًا.
      
      هذا أخافها أكثر من أي شيء آخر.
      
      لم يفعل أخوها شيئًا عندما طُلب منه المساعدة. كان الملك سيلفان قد أرسل مبعوثين عند أول رؤية للسفن في الأفق، نداء من عائلتها الجديدة إلى العائلة التي وُلدت فيها للمساعدة. طلب لرجال وسيوف للتوجه نحو الساحل للمساعدة في الدفاع عن مدينة الذهب. لكن شعب فارا لم يكن معروفًا بحبهم للحرب. الخلاف لم يكن مع كالات، ولذلك لن يقنع أخاها شيء بالمجيء لمساعدة عائلتها الجديدة. عاد المبعوثون معتذرين وخاليي الوفاض. في اللحظة التي كانت فيها وحدها، بكت من الشعور بالذنب والخوف متسائلة عما إذا كانت كلماتها أو يدها قد أثرت على عقل أخيها المكسور لو حاولت. لو كانت قد قدمت وعدًا، أي وعد. لكن روحها كانت مسمومة بما فيه الكفاية كما هي، ولذلك لم تفعل شيئًا.
      
      على انفراد، وصلها خبر من أخيها أنه سيرسل حراسة لإخراجها من أزورا إلى بر الأمان. عائدة إلى المنزل. كان عليها أن تتخلى عن منزلها الجديد وزوجها (ووالده الأحمق) وتعود إلى كالات حيث سيحميها أخوها من يد الزيباريين.
      
      تعالي إلى المنزل يا فارا. حماية كالات حقك بالولادة وأنتِ تعلمين أنني سأضمن لكِ ذلك دائمًا. سأحاول بكل قلبي أن أسامحكِ.
      
      تعلمين كم أتوق لرؤيتكِ مستعادة بجانبي. تعالي إلى المنزل يا أختي الحبيبة. من فضلك تعالي إلى المنزل إليّ.
      
      ~ف~
      
      كانت الرسالة بخط فالدر نفسه قد أقشعرّت عظامها، لكنها فكرت فيها. ذهبت إلى جالين وتوسلت إليه أن ينصت إلى الاقتراح. يجب عليهما الذهاب إلى كالات. إخلاء المدينة فورًا. الحفاظ على وريث أزورا. إذا سقطت المدينة، فعلى الأقل سيبقى الابن الوحيد الحي لسيلفان ليحمل الاسم. سيلجأون إلى كالات لبعض الوقت ثم سيقنعون عائلتها معًا بحمل السلاح لاستعادة أزورا من زيبار.
      
      رفض جالين. كما كانت تعرف أنه سيفعل. لن يترك والده أو والدته أو شعبه. أخبرها أنه لن يتخلى عن أزورا طالما بقيت روحه في جسده. ولد هنا تحت عين إيثيس وسيموت هنا.
      
      وقد مات بالفعل.
      
      شاهدت ذلك يحدث. حلقه مقطوع من الأذن إلى الأذن بمخلب قائد ليوثين الحاد. تلك المخالب السوداء والعيون السوداء ستطاردها طوال حياتها. يمكنها أن تعيش ألف عام ولن تنسى أبدًا النظرة في عيني ذلك الوحش وهو يسكب دم زوجها في نفس الغرفة التي قطعت له فيها وعدها قبل أربعة وستين قمرًا فقط.
      
      وبينما كانت تشتت أفكارها، سقطت المرأة العجوز فجأة على ركبتيها، وخرجت شهقة مخنوقة من الهزيمة من حلقها. توقفت النساء من حولها للحظة فقط، الخوف واليأس مرسومين على وجوههن المتأثرة بالطقس بينما عدلن مسيرتهن للالتفاف حول كومة الأطراف الساقطة في التراب. أبطأت فارا خطوتها، انحنت، وأمسكت بيد المرأة النحيفة المتجعدة لترفعها على قدميها مرة أخرى.
      
      "اتركوني،" تمتمت المرأة، حلقها جاف متصدع من الهزيمة. "دعوني وشأني."
      
      "لا أستطيع فعل ذلك،" همست فارا. "من فضلك انهضي. البحر ليس بعيدًا، وسيطعموننا عندما نصل إلى المخيم. من فضلك." تساءلت فارا ما إذا كانت ستأمرها بصفتها أميرة أزورا، هل سيحدث ذلك فرقًا للمرأة. لم تكن فارا معروفة جيدًا للناس، ليس بصورتها. لقد استعرضت في المدينة في يوم زواجها من جالين، ومرات قليلة بعد ذلك، ولكن النصف السفلي من وجهها كان مغطى كما كان العرف. كانت تنكرها كفتاة عبدة لا تزال قائمة، وعلى الرغم من أن الأمر قد ينجح مع هذه المرأة، إلا أن المخاطرة لن تكون مجدية. كان يُعتقد أن العائلة الملكية قد ماتت. ذبحت في القلعة أثناء الغارة. أي أميرة لأزورا ستُعذب أو تُدمر بلا رحمة كما حدث للملكة عندما استولوا على القصر. كان عليها أن تبقى مختبئة. كان عليها أن تنجو.
      
      وعلى الرغم من أن هذه الرغبة الجديدة في البقاء فاجأتها، إلا أنها عرفت من أين جاءت. لقد نبتت من بذرة إلى جذر، إلى زهرة كاملة. كانت الآن في أوجها - رغبتها في الانتقام. ستزحف في التراب وتتوسل من أجل حياتها إذا لزم الأمر، وبذلك فقط ستنتصر. ثم ستعبد على مذبح الآلهة وتُسلط كل قوة انتقامها على وحوش ليوث هذه وكلابها الزيبارية. سيدفعون ثمن ما فعلوه بالمدينة التي أنقذتها.
      
      صرخت من الصدمة والألم بينما حرق السوط ظهر ساقيها، شق من الحرارة البيضاء النقية كانت متأكدة من أنه يسلخ جلدها عن عظامها. أسقطها على ركبتيها لكنها لم تصرخ مرة أخرى. بدلاً من ذلك، ألقت فارا جسدها فوق المرأة العجوز، تحميها من أي ضربات أخرى من سوط زيبار. تحتها صرخت المرأة بيأس، شهقات مكتومة هزت جسدها المسن.
      
      
      
      
      
      
      "انهضي!" زأر الزيباري. "انهضي يا حثالة أزورا عديمة القيمة."
      
      شدت فارا جسدها ورفعت رأسها، أدارته في اتجاه الزئير الغاضب. "هذه السيدة تحتاج إلى الماء، ستموت بدونه،" قالت له فارا.
      
      كان الزيباري ضخم العظام، سميك الجلد، متوحشًا، يرتدي اللباس المعتاد الذي يفضله أنذال زيبار. أحزمة جلدية تعبر صدره الكبير تحمل الشفرات التي يحبون أن يشقوا بها الأحشاء. استخدموا ضخامتهم وخشونتهم للسيطرة. كان الليوثيون قتلة أكثر رشاقة بكثير؛ طوال القامة ورشيقون، ذوو بشرة فاتحة ولكن بعيون ومخالب سوداء حادة مثل أجود أنواع الفولاذ. فولاذ صنع في حفر ليث النارية.
      
      تلألأ جلد الزيباري الزيتوني من حرارة الشمس وهو يسير نحوها. عند كلمات فارا، ابتسم، مظهرًا لها أسنانًا أفتح بضع درجات من لون بشرته.
      
      "هل تظنين أن موتها يهمني؟ انهضي وإلا ستشعرين بالسوط مرة أخرى أيتها العاهرة الصغيرة."
      
      "اتركوني وشأني... اتركوني وشأني... اتركوني وشأني..." بدأت المرأة تردد تحت أنفاسها، ترتجف كحقيبة عظام بين ذراعي فارا.
      
      ضيقت فارا عينيها وأحدت لسانها. "أنت وحش مثلهم تمامًا،" بصقت، ترمي نظرتها على الليوثيين الذين يتجولون في المحيط الخارجي لمسيرة العبيد. لم ترَ مرة أخرى من ذبح جالين، ربما كان لا يزال يمزق لحم الأبرياء في جميع أنحاء المدينة. ربما انتقل إلى البلدة التالية. ربما كان لا يزال يبحث عنها. لعبة المريض التي سمح لها بالهرب لم تكن لعبة ينوي أن يخسرها. لو فقط عرف عن متاهة طرق الهروب المدفونة عميقًا في جدران القلعة. على أي حال، لن يكون هنا يلوث يديه برعاية النساء الباكيات إلى حتفهن. "يا إيثيس، ستشهد الآلهة أنكم جميعًا ستعاقبون على هذا،" أضافت فارا تحت أنفاسها. ولكن ليس بعمق لدرجة أنها لم تُسمع.
      
      ابتسم الزيباري على نطاع أوسع وقلل المسافة بينهما، جثم ليكون في مستواها، لكي ترى بياض عينيه وتشم رائحة جسده الضخم النتنة. على الرغم من نفسها، انكمشت فارا، تغطي المرأة العجوز أكثر.
      
      "لا توجد آلهة هنا،" قال، يرمي نظرة حولهما على المشهد. ارتجفت فارا وهي تدرك أنه كان على حق. أين كانوا؟ أين؟ أعاد عينيه إليها ووصل يده وأمسك بقبضة من شعرها من أعلى رأسها ورفعها عن المرأة. "الآن سيري!" دفعها إلى الأمام وسار خلفها، سادًا رؤيتها للمرأة العجوز التي سرعان ما اختفت خلف حشد من الأزوريين السائرين.
      
      لم يجلدها مرة أخرى لكن فارا دُفعت نحو الشاطئ بدفعة عرضية من ركبته أو يده أو طرف سوطه. سرعان ما شعرت به يقلل المسافة حتى أصبح نفسه على عنقها بينما تضرب يده مؤخرتها.
      
      "الليوثيون يحصلون على الاختيار الأول من الغنائم، لكنني أحببت مؤخرتك الرقيقة كثيرًا،" قال في أذنها مزمجرًا، مستمتعًا. "أعتقد أنها ستناسب ذكري الجائع تمامًا." صفعة أخرى على مؤخرتها، قبل أن يمسكها بيده القذرة. حرق لمسه من خلال قميص العبيد الكتاني وهو يدفع نفسه ضدها، يندفع بحركة موحية ضدها.
      
      يا إيثيس، أتوسل إليك، من فضلك أنقذنا. أرسل لنا بطلك. أنقذنا من هذا الجحيم. أقدم جسدي ودمي طواعية لفضلك، أنقذنا من هذا الجحيم، من فضلك أنقذنا. أقدم جسدي ودمي طواعية...
      
      رددت فارا هذا مرارًا وتكرارًا بينما كان جسدها يُشد ويُمسك بأيدٍ خشنة كبيرة جعلت الصفراء تسد مؤخرة حلقها. كان يجب أن تقطع حلقها كما خططت. كادت تفعل ذلك. رفعت السكين ووضعتها بإحكام على عنقها، وقررت أنه سيكون أفضل بكثير أن تنهي حياتها بدلًا من أن تُؤسر وتُتخذ عبدة. نظرت في عيني العدو السوداوين الخاليتين من الروح وتوقعت أن ترى الموت. لكنها لم تفعل. رأت شيئًا آخر.
      
      ثم فكرت في جالين.
      
      تضحيته. حبه. كان زوجها شجاعًا. حمل السلاح وحارب من أجل شعبه وواجه موته بشرف وشجاعة. مات زوجها وهو يحاول حمايتها، فكيف يمكنها أن تنهي حياتها بيدها الجبانة؟ ستموت وهي تقاتل هذا الوحش أمامها تمامًا كما فعل جالين.
      
      لكن بعد ذلك أنزل الليوث ذو العينين السوداوين سيفيه. فتح ذراعيه مستسلمًا. سمح لها بالدوران والفرار من غرفة العرش دون مطاردة.
      
      ستعيش.
      
      ستنجو. ستخطط. ستنتقم.
      
      هذه الأفكار غرسَت فيها دفقة من القوة تمامًا كما ابتعد الكلب الزيباري، فقد سُرق انتباهه من مجموعة من النساء المتقاتلات بالقرب من مقدمة المسيرة. أبقت فارا رأسها منخفضًا وأفكارها حقيقية.
      
      انجُ. خطط. انتقم.
      انجُ. خطط. انتقم.
      انجُ. خطط. انتقم.
      
      

      روايه البلدة الخفية

      البلدة الخفية

      2025, أدهم محمد

      تاريخية

      مجانا

      بلد مستخبية تحت الأرض، الفصول الأربعة فيها مش معناها صيف وشتا، دي معناها حروب على المكانة والجواز. وسط الدسائس والفضيحة، عيلة "إيفرارد" الغنية بتواجه تحدي كبير: بناتهم لسه متجوزوش. وفجأة، الأخ الكبير "بينديكت"، اللي الكل شايفه غامض وجاد، بيعلن إنه هيتجوز، الخبر ده بيقلب الدنيا في العيلة كلها، وخصوصًا عند المربية "أجاثا" اللي بيثير فضولها دايماً.

      أجاثا

      هي مدرسة. ليست من طبقة النبلاء ولكنها متعلمة جيدًا. تعمل لدى عائلة "إيفرارد" وتحب القراءة والعلوم ولكن توائم "إيفرارد" يفضلون القصص الرومانسية. تتميز بذكائها وهدوئها، ويبدو أنها تكن فضولًا خاصًا تجاه "بينديكت إيفرارد".

      إيما

      واحدة من أصغر بنات "إيفرارد"، وتُعتبر توأمًا لإيزابيلا رغم الفارق البسيط في السن. مرحة ومغامرة، وتبدو متمردة على فكرة الزواج والقيود الاجتماعية، وتفضل الحرية.

      ليدي

      والدة الأبناء الثمانية، سيدة قلقة على مستقبل أبنائها، خصوصًا بناتها اللاتي لم يتزوجن بعد. تحاول جاهدة تزويج بناتها وتصف تصرفاتهن بالطفولية أحيانًا.
      تم نسخ الرابط
      روايه البلدة الخفية

      في بلد مش بعيد، كان فيه مكان عايش في الماضي. المؤسسين سموه "البلدة".
      اسم غريب لمكان، ومكانه خلاه أغرب.
      تحت الأرض، البلدة كانت مستخبية، أسرارها متلمستش.
      تحت صخور عالية ضخمة، المكان اللي جمال الطبيعة قابل شطارة البشر، كهوف واسعة اتقلبِت لمدن مليانة حياة.
      
      هنا، الأرض اتشكّلت لقرى صغيرة وطرق متعرجة، وفوق الرؤوس، الفتحات الضخمة اللي سموها "خروم" 
      
      كانت بتخلي شمس وهوا نضيف ينزلوا لتحت.
      وسط المتاهة اللي تحت الأرض دي، أهل البلدة – نبلاء وتجار وعمال زي بعض – كلهم كان ليهم هدف واحد: يعرفوا يتعاملوا مع الفصول الأربعة ويستمروا في الحياة.
      
      
      فصول البلدة مكنتش تعني دفء الشمس اللطيف أو صوت المطر الهادي، ولا حفيف ورق الشجر اللي وقع أو سكون التلج. لأ، خالص. العناصر اللي فوق الأرض كانت بتبعد عن الدورات الخطيرة في البلدة، عشان هنا، الفصول الأربعة كانت معناها حرب.
      كل ربع سنة كان ساحة معركة مليانة دسائس وطموح. معركة يائسة على المكانة والجواز. الجنود؟ أمهات بتعرف تتلاعب، بنات لسه طالعة ومستعجلة، ورجالة مش عايزة. أسلحتهم، ممكن تسأل؟ دهب العروسة بيتشال زي السيف، الفساتين زي الدروع (أو عدم وجودها كمناورة ذكية)، فن الإغراء كخنجر متخبي في دانتيل ومحادثات مثيرة، والأقوى من كل دول: الفضيحة. حلوة ومخيفة، مستعدة تدمر السمعة والعلاقات على حد سواء.
      فصل "الشيلز" كان بين يوليو وسبتمبر. وبالرغم من سمعته عن الحفلات الباهتة والترفيه الممل، الفصل ده كان بيوعد برومانسية ملهاش مثيل.
      الفصل اللي فات ده كان مجرد مشي بطيء لأقل فصول إثارة على الإطلاق. فصل "جرانفيل" اللي كان بيتعمل في أكتر بلدة متدينة، كان أكتر فصل فيه قيود. الفساتين متكنش ينفع تكون تحت عضم الرقبة، ولا ست واحدة تمشي في قاعة الرقص من غير جوانتي، والأدب الاجتماعي كان بيطلب مسافة متقلش عن خمسة قدم – أي مخالفة للقاعدة دي كانت بتنتهي بالجواز تحت أنف رجل ورع مدين. بس الأجرأ والأيأس هم اللي كانوا بيستجرأوا يتحدوا الفصل ده، ويا رب أرواحهم الشجاعة ترتاح في سلام لحد اللعنة الأبدية. آمين.
      الأمل كان بيرجع تاني مع بداية يناير في فصل "ويلوفير". لما البرلمان بيكون في جلسة، الأمهات وبناتهم كانوا بيفرحوا لما بيقلعوا فساتينهم المرعبة. النفوس الشجاعة دي، البطلات الحقيقيات لساحة المعركة الاجتماعية، كانوا بيخططوا للجوازات والخطوبات بتفاصيل موجعة، من المجوهرات اللي بتلمع اللي بتزين شعرهم لحد الحرير حوالين رجليهم الرقيقة (نعال قوية للرقص المستمر أفضل بكتير). للي بيعتبروا نفسهم يستاهلوا، فصل "ويلوفير" كان بيوعد بسحر لو الواحد عرف يعمل الخلطة الصح من الشقاوة والأدب.
      بس مفيش حد يقدر يختلف إن أكتر الفصول المنتظرة والفاضحة على الإطلاق كان فصل "ويكهيرست". كان أكتر بكتير في التبذير من باقي الفصول، ودي كانت مناسبة السحر الشقي.
      الست مكنش ينفع أبداً تحضر فصل "ويكهيرست" وهي لابسة أقل من منافساتها. الجوانتيات، اللي يا دوب أرق من الهمس، كانت بتضمن إن مفيش راجل يقدر ينكر الدفء الرقيق للمسة البنت. الفساتين كانت خفيفة على قد ما مصممين الأزياء يقدروا يعملوها، عشان لو الراجل كان غبي لدرجة إنه مياخدش باله من اللمسة الرقيقة، أكيد مكنش هيكون أعمى لدرجة إنه مياخدش باله من جاذبية جسم الست.
      ده كان فصل أحلام كتير من البنات اللي لسه طالعة. وبالنسبة لكتير من الرجالة، كان مكان صيد لمهر أكبر (الجوانتيات الخفيفة والفساتين الخفيفة مكنتش دايماً أحسن أسلحة للي ميعرفوش يستخدموها كويس).
      وفي الوقت اللي قادة البلدة كانوا بيتقابلوا مع المجلسين للجولة التانية من اللعبة السياسية للسنة، باقي المجتمع الراقي كان لابس دروعه الأنيقة، خبيثين بشكل مستخبي زي ما المفروض يكونوا.
      الجوازات الفاضحة، المليانة شغف وغضب خلال فصل "ويكهيرست" مكنتش حاجة غريبة.
      وده كان صح، عشان الربع التاني من السنة كان أحسن تسلية. بعد كل ده، مين مش عايز يشوف فضيحة حلوة؟ والأكتر من كده لو الفضيحة دي كانت فيها حد من عيلة "إيفرارد"؟
      
      
      
      
      
      
      أي حد هيتفق إن الشغل عند أغنى عيلة في "ويكهيرست" كان فرصة الكل بيتمناها، وبالأخص لو العيلة دي كانت عيلة "إيفرارد".
      
      العيلة دي مجاتش من أصل بسيط. هما اتولدوا في عز، أو بالأصح، ورثوه. تاريخ عيلتهم المحير بيقول إنهم كانوا من أوائل الناس اللي جم مع المؤسسين عشان يبنوا البلدة من قرون فاتوا.
      
      بجانب ألقاب وعقارات لا تعد ولا تحصى، عيلة "إيفرارد" كانت بتملك كمان المناجم اللي بره "ويكهيرست"، وخط المجوهرات الفاخر بتاعهم كان بيزين كتير من صفوة البلدة. ثروتهم ومكانتهم كانت حق مكتسب متوارث بعناية لقرون. اسمهم كان بيجيب حلم الثراء والفخامة. كل الناس كانت عايزة تبقى صاحبتهم وكل الناس كانت عايزة تبقى سلف لورثتهم.
      
      بس نسل "إيفرارد" الحالي كان على وشك الموت البطيء. الأطفال، كلهم تمنية، مكنوش مستعجلين إنهم يجيبوا لأمهم الحية، السيدة "أليس إيفرارد"، حفيد. والأسوأ من كده، إن الأطفال كانوا بيعتقدوا إن مستقبل المربية أهم بكتير من إنهم يلاقوا مستقبل ليهم هما.
      
      "أنتوا الاتنين هتظهروا في الموسم ده. مش هتحتاجوا أجاثا تاني"، قالت السيدة "أليس".
      
      أصغر طفلين من عيلة "إيفرارد"، إيما و إيزابيلا، بصوا لأمهم بسرعة، وعنيهم كانت مفتوحة على آخرها من الرعب. "بس يا ماما!" قالوا في نفس واحد. "أجاثا بقى لها معانا سنة وسبع شهور بس!" صرخت إيما.
      
      "يا دوب علمتنا أي حاجة لحد دلوقتي!" إيزابيلا ضافت.
      
      "أنتوا اتعلمتوا كفاية من السنين الكتير والمربيات الكتير اللي جم ومشيوا. أنتوا الاتنين هتعملوا كويس لو بطلتوا تتصرفوا زي الأطفال،" قالت أمهم بهدوء وسهولة، وكأن أحدث مشاغبة لبناتها الاتنين مكلفتهاش عربية وعجلتها وحصان ضايع.
      
      أجاثا فضلت ساكتة في ركن، شفايفها بترسم ابتسامة مستخبية. هي مكنتش عايزة حد يقول عليها مربية. المربيات عادة كانوا ستات من طبقة النبلاء الصغار اللي بيلاقوا نفسهم محتاجين يكسبوا فلوس. أجاثا كانت محتاجة فلوس، بس هي مكنتش من النبلاء. هي كانت مجرد خادمة لحد ما معلمتها السابقة، ماري هافرستون، علمتها القراءة ووفّرت لها مدرسين عشان تكمل تعليمها العالي.
      
      هي كانت بتفضل إنهم يقولوا عليها مدرسة بدل مربية، وهي كانت عارفة إن عيلة "إيفرارد" عارفين ده كويس جداً. هي نادراً ما كانت بتدي تلامذتها دروس عن الأتيكيت الصح أو الأدب، عشان لو ركزوا فيه، كانوا أحسن منها. خبرتها كانت في الحساب والعلوم، بس التوأم، بالرغم من إمكانياتهم الكبيرة، مكنوش بيبينوا اهتمام كبير بالمواد دي. في الحقيقة، هما كانوا بيحبوا القصص أكتر – الرومانسية بالذات.
      
      إيما و إيزابيلا إيفرارد مكنوش توأم بجد. هما اتولدوا بفارق تسع شهور بس، وإيما كانت الأصغر فيهم. اتولدت بدري، وكل الناس كانت فاكرة إنها مش هتعيش. لكن، إيما المغامرة والذكية جداً كبرت وبدأت تعمل مشاكل جنب أختها الكبيرة، إيزابيلا.
      
      كل الناس كانت بتقول عليهم توأم، وهما مكنوش بيعترضوا. الاتنين كان شعرهم أسود وعنيهم خضرا زي كل أطفال عيلة "إيفرارد"، بس إيما كان وشها أنحف شوية بينما إيزابيلا كان وشها مليان من الأطراف.
      
      "أنتوا الاتنين لازم تلاقوا عريس قبل الموسم الثاني أو الثالث ليكم،" صوت السيدة "أليس" كان بيقول، وده رجع انتباه أجاثا تاني جوه صالون عيلة "إيفرارد" الكبير.
      
      "هي لازم تلاقي عريس الأول،" قالت إيزابيلا وهي بتشاور على أختهم الكبيرة، مارجريت، اللي كانت قاعدة بهدوء على كرسي وكتاب في إيدها.
      
      مارجريت، زي أجاثا، كانت عدت سن الجواز وهي عندها سبعة وعشرين سنة. أجاثا كانت دايماً بتتساءل ليه الست دي مفيش عندها أي اهتمام بالجواز. مش عشان مكنش عندها عرسان، بالعكس أخت "إيفرارد" الخامسة كانت من أكتر الناس اللي بيتمناها في "ويكهيرست". مع شكل عيلة "إيفرارد" المميز من الشعر الأسود والعينين الخضرا، أنفها الرقيق وبشرتها المشرقة ضافوا لمسة من الكمال لجمالها. بس عقلها الذكي هو اللي كان بيدهش أجاثا أكتر حاجة. مارجريت كان ممكن تتجوز أي حد تتمناه.
      
      "أنا مش فاكرة إني—" بدأت مارجريت، بس إيما قاطعتها وقالت، "مش لازم نتجوز بجد،" وهي بتقلب عينيها. "لو جبنا أطفال، مش هياخدوا اسم "إيفرارد". فليه نتعب نفسنا بجد؟ عندنا الإخوة اللي يجيبوا ورثة كتير للألقاب اللي عمرنا ما هنورثها."
      
      "طب، أنا عكسك أنتي وماجي، أنا ناوية أتجوز. بس أتفق إن دلوقتي مش الوقت المناسب،" إيزابيلا قالت لإيما، وهي بتقوم من مكانها. "عشان كده لسه فيه حاجة لأجاثا."
      
      "ممكن تبقى رفيقتي،" اقترحت مارجريت، وعينيها نورت فجأة من الحماس. "أجاثا، تحبي تكوني رفيقتي؟"
      
      "هتبقى رفيقتنا لو اختارت إنها تبقى رفيقة يا ماجي،" إيما اعترضت.
      
      أجاثا كحت عشان تكسر صمتها. "أنا بتفق إن خدماتي كمربية مبقتش ضرورية لأي واحدة فيكم،" قالت للتوأم.
      
      التوأم بدأوا يعترضوا، بس أجاثا كملت بهدوء وقالت، "أنتوا الاتنين عندكم سبعة عشر سنة وهتظهروا لأول مرة في موسم "جرانفيل" ده."
      
      "هموت في الموسم ده، أقسم بالله،" إيما قالت، وهي بتقلب عينيها. "لو مش من الملل الشديد، يبقى أكيد من الياقات العالية السخيفة."
      
      "أجاثا هتكون الرفيقة المثالية للموسم الأول لينا،" إيزابيلا قاطعت.
      
      "أنا مش شايفه إن فيه دور ليا هنا—"
      
      "زي ما قلت، ممكن تكوني رفيقتي،" مارجريت أصرت.
      
      "أنتِ عملياً فاتك سن الجواز يا ماجي،" إيما قالت بملل. "مش محتاجة رفيقة."
      
      السيدة "أليس" تنهدت تنهيدة طويلة. "إحنا خرجنا خالص عن موضوعنا الأول. كنا بنتكلم عن العرسان المناسبين في "ويكهيرست" قبل ما الاتنين دول يحرفوا مسارنا عمداً." ضيقت عينيها على التوأم. "وأنتوا الاتنين محتاجين عريس."
      
      "عريس؟ لينا إحنا الاتنين؟ وهنشاركه؟ يا ماما، أكيد فيه رجالة كفاية في البلدة!" إيزابيلا صرخت برعب مصطنع.
      
      "ده مش اللي قصدته!" صوت السيدة "أليس" الحاد خلى الكل يتألموا وهي بتهوي على نفسها بإيدها. "أنتوا يا عيال بتموتوني."
      
      "أنا أعتقد إن القتل أقل أولوياتنا—"
      
      "إيما،" حذرت أجاثا، وهي بتهز راسها. البنت قفلت بقها واتأففت. "أنا آمل ألاقي شغل جديد قبل ما الموسم ده يخلص."
      
      "أجاثا وأنا بالفعل ناقشنا خططها،" قالت السيدة "أليس" فوق أنينهم. "مفيش حاجة تقدروا تعملوها."
      
      "مفيش حاجة تقدروا تعملوها في إيه؟" سأل صوت من مدخل الباب. كل الرؤوس لفت في نفس واحد. "إيه اللي بيحصل؟"
      
      بعينيه الخضرا الثاقبة وحاجبه المرفوع علامة استفهام، "بينديكت إيفرارد" استكشف الغرفة. نظره لمس أجاثا بسرعة قبل ما يحول انتباهه بسرعة لأمه وأخواته.
      
      
      
      
      
      
      "بينديكت!" صرخت إيزابيلا.
      "أنت لسه واصل حالا؟" سألت السيدة أليس.
      "أيوه. الظاهر ولادك سابوا شغل كتير مش خلصان قبل ما يختفوا في رحلة الصيد بتاعتهم."
      "بس أنت بتخلص كل شغلك في ديفونشاير،" قالت مارجريت وهي متلخبطة.
      "أنا كنت فاكراك مش هترجع البيت إلا بعد الأجازات؟" إيما ضافت وهي مكشرة.
      "عندي حاجات مهمة تانية لازم أتعامل معاها في ويكهيرست،" قال وهو بيتكلم بلامبالاة. "محدش رد على سؤالي."
      "مفيش حاجة. إحنا كنا بنناقش قلة المتجوزين في العيلة دي،" مارجريت كدبت بسلاسة.
      "أنا معرفش عن الباقيين، بس أنا هتجوز – أتمنى يكون قريب،" قال بنديكت، فكه المستطيل كان صلب كالعادة، والندوب البيضا اللي على وشه – اتنين طوال على اليمين، وواحدة تانية على الشمال، كانوا شبه شفافين تحت ضوء الصالون.
      
      حواجبه الكثيفة كانت مرفوعة شوية، وكأنه متوقع إن عيلته هتضحك على كلامه. بس مفيش حد عمل كده. كانوا لسه بيفكروا إذا كان بيهزر ولا لأ.
      أجاثا كانت من ضمنهم. في التسعة عشر شهر اللي قضتهم مع عيلة إيفرارد، أجاثا شافت بنديكت إيفرارد في مناسبات قليلة جداً. بما إنه كان بيقضي معظم وقته في عزبة ديفونشاير بتاعته، ومبيجيش ويكهيرست إلا كل فترة عشان يطمن على العيلة أو يتعامل مع أمور الشغل، أجاثا كانت تقدر تعد على صوابع إيد واحدة المرات اللي حاول فيها يهزر. للأسف، مفيش ولا لحظة من اللحظات دي جابت ضحك تلقائي أو تسلية.
      كأكبر أولاد إيفرارد، ورب البيت، بنديكت إيفرارد، لورد ديفونشاير، كان بيعتبره كل الناس تقريباً – بما فيهم اللي مش من العيلة، بس بالذات العيلة – ممل وجاف جداً. وشه اللي مليان ندوب، واللي دايماً كان بيبان جاد زيادة عن اللزوم، مغيرش كتير من نظرة الناس ليه، ولا هو حاول يغير آراءهم. بنديكت إيفرارد مكنش من النوع اللي بيتكلم كلام فاضي، وكان بيفضل الصمت على الكلام.
      هي كمان كانت تقدر تعد على صوابعها المرات اللي لف فيها ورمى سؤال عليها لما كانوا في نفس الأوضة. وكل الأسئلة كانت دايماً عن أخواته. ممكن الواحد يقول إنهم غرب. هو ميعرفش عنها حاجة، وهي بطريقة ما عملت انطباع إنها مش مهتمة تعرف عنه أكتر، بالرغم من إن كل حاجة عن بنديكت إيفرارد كانت بتثير فضولها.
      أولاً، مصدر ندوبه، الموضوع اللي مفيش مرة اتناقش جوه البيت، كان لغز كبير بالنسبة لها. أجاثا كمان ساعات كانت بتتساءل إزاي يقدر يمضي يوم كامل من غير ما ينطق كلمة واحدة. ساعات، زي النهاردة كده، هي مكنتش بتاخد بالها إنه رجع ويكهيرست إلا لما بيكون مشي.
      يمكن من الأسباب الكتير اللي خلت بنديكت إيفرارد ميتعتبرش أبداً ساحر هو إنه محاولش أبداً يكون كده. حضوره كان بيجذب الانتباه من غير ما يحتاج يعلي صوته؛ كلامه، لو اتكلم أصلاً، كان ممكن يكون جارح. في المرات القليلة اللي قعدت فيها في نفس الأوضة معاه، هو نادراً ما كان بيتحمل عدم الكفاءة، أو الغباء، أو الجهل، ومفيش حاجة كانت بتضايقه أكتر من لما الناس ميفهموش هو بيتكلم عن إيه.
      هو الوحيد في عيلته اللي كان بياخد الأمور بجدية تامة عشان إخواته مكنوش مختلفين عن الباقيين. هو بنديكت إيفرارد اللي عيلته كانت بتنظر له بمزيج من الاحترام والخوف، وأمه بالذات كانت كده. مجرد إشارة من إيده كانت ممكن تسكت الكل، ونظرة واحدة كانت ممكن تخلي التوأم ساكتين لساعات.
      أجاثا سمعت خادمة بتقول إنه كان لورد ديفونشاير بقاله فترة طويلة لدرجة إن ده ممكن يكون خلاه صلب زي المجوهرات اللي بيطلعوها من المناجم. هو شال كل المسئوليات لما أبوهم مات، وهو أخدها بجدية زيادة عن اللزوم. هي سمعت السيدة أليس بتشتكي من نفس الحاجة دي مرات لا تحصى.
      "إيه قصدك إنك هتتجوز؟" كانت السيدة أليس هي اللي كسرت الصمت أخيراً.
      أجاثا بصت في وشه بتركيز، وهي بتدور بيأس على أي إشارة للي بيفكر فيه أو حاسس بيه، بس مفيش فايدة. هو كان صعب إنك تفهمه.
      "طلبت إيد ليدي فرانسيس هايمور. أنا لسه مستني، بس أنا متفائل إنها هي وعيلتها هيوافقوا." الطريقة العادية اللي قال بيها الخبر هي اللي خلت الكل يصعب عليه يصدق. ومع ذلك، هو كمان الاسم اللي ذكره هو اللي خلى الكل يشهقوا من المفاجأة.
      أجاثا شافت وش بنديكت بيتشنج، إشارة خفية لابتسامة. "هما هيجوا يتعشوا معانا بعد تلات أيام من دلوقتي، وأنا متوقع مفيش غير أحسن تصرف." عينيه مسحت الأوضة، ووقفت تاني على أجاثا لثانية واحدة بس قبل ما تبعد. "بس كده،" قال للسيدات اللي كانوا فاتحين بقهم من الصدمة. قبل ما يخرج من الصالون، ضاف، "أنا هشتغل في مكتبي وأتمنى محدش يزعجني."
      بينديكت اختفى في لحظة، زي دايماً. أجاثا رمشت كذا مرة، مش متأكدة من اللي شافته، أو إذا كان هو موجود أصلاً.
      "إحنا كلنا سمعنا نفس الحاجة؟" كانت إيما هي اللي كسرت الصمت أخيراً. "إيسا، قوليلي إيه اللي سمعتيه بنديكت قاله."
      "طلب إيد ليدي فرانسيس هايمور للجواز. وهما هيتعشوا معانا."
      وبعدين قامت القيامة.
      "يا إلهي! أكيد ده حقيقي! لازم يكون حقيقي!" السيدة أليس قامت وجريت بره الباب، ووراها مارجريت وبعدين التوأم. "بينديكت!" صوت السيدة أليس اختفى وهي وبناتها بيجروا ورا بنديكت.
      لما فضلت لوحدها، أجاثا أجبرت ابتسامتها اللي متعودة عليها بينما أصوات سيدات إيفرارد الفرحانة كانت طالعة من مكان ما من فوق.
      بينديكت إيفرارد؟ هيتجوز؟ أجاثا كانت مذهولة. هو دايماً كان بيرفض الفكرة، ومحدش كان بيسترأ يفرضها عليه.
      "هايمور!" صوت السيدة أليس تردد من مكان ما.
      "بس هما شقر!" إيما أو إيزابيلا ناحت. "هي مش رفيعة زيادة عن اللزوم؟" إيما أو إيزابيلا ضافوا.
      "أنتِ متأكدة إنهم هيوافقوا؟ هما مش بيحبونا،" سألت مارجريت.
      أجاثا سمعت الشائعات اللي بتقول إن عيلة هايمور كانت من القليلين اللي مكنوش بيحبوا عيلة إيفرارد. كان بيتقال في الهمس إن في وقت من الأوقات، لورد هايمور اتهم عيلة إيفرارد إنهم بيطاردوا مناجم الياقوت بتاعته. القيل والقال كمان قال إن ليدي هايمور حذرت صاحباتها إنهم يبعدوا بناتهم عن إخوة إيفرارد الأشرار.
      "اخرسوا بقى يا تلاتة،" قالت السيدة أليس. "فرانسيس العزيزة مش زي أهلها خالص."
      أجاثا بلعت الإحساس بعدم الارتياح اللي كان بيتكون جواها. رمشت كذا مرة قبل ما تحاول تقف، بس لقت نفسها مش قادرة تتحرك.
      سخرت بعدم تصديق.
      بينديكت إيفرارد، الوحش، هيتجوز؟
       
      

      Pages

      authorX

      مؤلفون تلقائي

      نظام شراء