رواية ملحمة الفالهالا - فايكينج

ملحمة الفالهالا

2025, هاني ماري

تاريخية

مجانا

عالم أسطوري حيث يتعايش البشر مع "الأولفهدنار"، وهم محاربون منحدرون من نسل أودين، قادرون على التحول إلى ذئاب. تركز القصة على "إيونا"، امرأة شابة تُباع لزعيم قبيلة قاسٍ، وتكتشف لاحقًا أنها ابنة أحد الأولفهدنار. يسعى والدها لإنقاذها من حياتها البائسة، بينما تكافح هي لاكتشاف هويتها الحقيقية وقواها الخفية.

إيونا

امرأة شابة تعيش حياة بائسة مع زوجها القاسي، وتكتشف لاحقًا أنها ابنة أحد الأولفهدنار.

فيجو

والد إيونا، وهو أحد الأولفهدنار، يسعى لإنقاذ ابنته من حياتها البائسة.

الألفا

قائد قطيع الأولفهدنار، يساعد فيجو في سعيه لإنقاذ إيونا.
تم نسخ الرابط
رواية ملحمة الفالهالا

 
كانت الحكايات القديمة بتحكي عن رجالة، متغطيين بفروة حيوان، مسلوخة من ديب. كانوا بيقولوا عليهم محاربين أودين، كبير الآلهة. الحكايات كانت بتقول إن الرجالة دول كانوا مجانين زي الكلاب، ومفيش حاجة تكسرهم. ولا نار ولا حديد يقدر يأذيهم.

لكن الحكايات دي كانت غلط. الرجالة ما كانوش بيلبسوا فروة الدياب، هما كانوا الدياب نفسهم.

أول "الأولفهدنار" كانوا مجرد رجالة، بس أودين، أبو الآلهة، اداهم هدية، يقدروا بيها يتحولوا لديك. الديب بقى جزء من روحهم، عقلهم، جسمهم.

جلدهم اتقطع ووقع من على عضلاتهم، والفروة خدت مكانها في جسمهم. بقهم ومناخيرهم طولوا وبقوا زي الخطم، سنانهم كبرت والأنياب بقت أوضح.

الديب والإنسان بقوا واحد.

المسيحيين كانوا بيقولوا عليهم ملعونين؛

"حتى الإنسان اللي قلبه نقي وبيصلي بالليل، ممكن يتحول لديب لما نبتة الديب تتفتح وقمر الخريف يكون منور."

بس ده ما كانش حقيقي. الأولفهدنار ما كانوش ملعونين، كانوا مباركين. أودين اختار أول واحد فيهم، عشان يحارب جنبه ويجيب العدل للي يستاهله.

وكمان أدّى الهدية دي لعيالهم، لأنه شاف إن أي حد من نسل محاربينه يستاهل الهدية دي.

عشان الوحش اللي جواهم، تصرفاتهم بقت شبه الدياب. بقوا يجروا في مجموعات، والقوي فيهم هو اللي يقود، زي ألفا. حواسهم بقت أقوى، وبقوا يقدروا يكتشفوا نصهم التاني (توأم الروح) بنجاح أكبر من البني آدمين.

البني آدمين ما عندهمش نعمة حاسة الشم، النظر، أو السمع القوية، عشان كده إنهم يلاقوا نصهم التاني كان نادر. الأولفهدنار كانوا محظوظين، وإنك تلاقي نصك التاني بقى عندهم زي طقوس.

نصهم التاني بقى مقدس عند الدياب، وادوله اسم عادي؛ "ماني"، القمر.

"ماني" كان حاجة كل ديب بيعتز بيها وبيحبها. كان نورهم في الضلمة، سببهم الوحيد عشان يرجعوا من المعركة، السبب اللي بيخليهم يحاربوا بشراسة.

بفضل أودين، بقوا أكتر من مجرد رجالة. بقوا يعجزوا أبطأ من أي إنسان عايش، والبعض منهم حتى اتوهب الخلود لو أثبتوا جدارتهم.

في الوقت اللي البني آدمين ممكن يموتوا من الجروح، الأولفهدنار كانوا بيستحملوا أكتر بكتير. كانوا بيخفوا بسرعة شوية بس، لكن كانوا بيستحملوا السهام في الصدر، والسكاكين في البطن، أحسن بكتير وما يموتوش.

على الأقل ده اللي كان في الحكايات. النار والحديد ما كانوش بيجيبوا ليهم ضربات مميتة.

الأولفهدنار كانوا أكتر من مجرد أسطورة، مكتوبة في الحكايات عشان تتنقل لعيالكم. كانوا حقيقيين جدًا، وأخطر بكتير من أي حد يتخيل.
 
------------------------------------------




مركب طويل، متزين بأحلى الألوان والنقوش، كان فيه جثة.

الجثة دي كانت ست، أم، زوجة. دلوقتي، كانت متجهزة لرحلتها الأخيرة، والمركب كان مليان دهب، قمح، درعها وقوسها مع السهام جنبهم. الناس ملوا المركب بكل حاجة كانوا فاكرين إنها هتحتاجها لما توصل للقاعة اللي المحاربين بس بياكلوا فيها.

المركب الطويل اتدفع للمية، والمركب والست بدأوا رحلتهم في المضيق البحري.

"ماتعيطيش يا بنتي. الليلة، هي بتشرب مع الآلهة في فالهالا،" قالت الست العجوزة. رغم إن كلامها كان عشان تواسيني، أنا عيطت أكتر.

وأنا بشوف أمي بتبعد بالمركب، وعيني بتدمع، حسيت إيد بتلمس ضهري. ده كان جوزي، يارل جونارسون، ومقدرتش أمنع نفسي من إني أتنفضت من لمسته. "ماتقلقيش يا مراتي. ممكن ماتكونش موجودة وقت ولادة ابننا، بس هتفضل في قلبك."

لما فكرت في طفلي اللي لسه ماتولدش، حطيت إيدي على بطني اللي لسه مسطحة. لسه عارفين خبر حملي من فترة قصيرة. كنت عارفة واجبي كزوجة، بس مكنتش عايزة أي حاجة من ده. كنت عايزة طفل، في يوم من الأيام، بس مش منه، مش كده.

مسحت دموعي بضهر إيدي، ونضفت حلقي عشان أتكلم. "شكراً يا جوزي. أنت لطيف أوي." اتكلمت بكذب، مفيش حاجة فيه بقت لطيفة بالنسبالي.

ادينا الإشارة، وسهم واحد مولع اتطلق على المركب. مخدش وقت طويل عشان المركب الطويل يتملي بالشرر اللي بيرقص، ومع ده، ناس تانيين من بلدنا بدأوا يروحوا لقاعة البلد، عشان يحتفلوا بحياة اللي ماتت.

أنا بقى، مقدرتش. عيني كانت ثابتة على المركب الطويل اللي بياخد أمي بعيد عني. بيسرقها، بيسيبني لوحدي. هي كانت الوحيدة اللي فاضلالي، ودلوقتي راحت.

حاجة على الناحية التانية من المضيق البحري لفتت انتباهي. حفيف الشجر ولمعان الحيوانات اللي بتجري حواليه. واحد منهم أكيد هيوصل على طاولتنا وبطوننا في وقت ما.

بصيت على إيدي الشمال، وبصيت على خاتمي، اللي بيربطني بهال جونارسون. القرف اللي كنت حاسة بيه دلوقتي، كان مخفي من وشي، بس كان بيحرق جوايا بنار أكبر من نار المخيم.

كان عندي ستة عشر سنة، يادوب لسه ما نزلتش عليا الدورة الشهرية. بس مكنش عندي اختيار، مكنش ليا رأي في الموضوع. أمي باعتني ليارل جونارسون، عشان أبقى مراته. كنا فقرا، يادوب عندنا أكل، بس هال جونارسون عجبته وعرض عليها صفقة. هيديها كمية كبيرة من الدهب، وهيوفرلها كمية معينة من الأكل والفرو كل سنة.

كان راجل كويس، راجل لطيف لما ميكونش شارب قرون مليانة بيرة. قضيت معظم الخمس سنين جواز بتوعنا من غير أذى، بس ساعات كان بيقدملي خدود متكدمة وشفايف مشقوقة.

كان راجل طيب، لحد ما مابقاش كده. من كام شهر بس عمل فعلة ماتتغفرش. ------------------------------ الوليمة خلصت من زمان، بس ناس كتير لسه بيشربوا، بيتكلموا وبيعملوا علاقات في قاعة البلد. رجعت أوضتنا بدري، وبس اتكلمت مع خادمتي، ست شابة اسمها جيداء. بعتبرها صاحبتي، يمكن حتى صاحبتي الوحيدة. كنا بنضفر شعر بعض ونتكلم عن الرجالة في بلدنا. كنت بتمنى إنها تلاقي عريس محترم لنفسها. "إيونا!" ضحكنا اتقطع بصوت جوزي. الصوت ده كنت عارفاه، كان سكران. كان عايز ينام معايا الليلة، وزي كل ليلة مشابهة لده، كنت هرفض. هيزعل ويحاول ياخدني بالقوة، بس كنت ههرب وهييجي يعتذر الصبح. بصيت لجيداء، وبصيت في عينها مباشرة وأمرتها بابتسامة قوية. كنا عارفين إنها مش هتسمح لها تقعد. "روحي، ماترجعيش غير الفجر. قولي لأمك تيجي تقابلني تاني قريب، تمام؟" وبتنهيدة مترددة، مشيت. أمها ساعدت أمي تولدني، وصداقتهم جمعتني أنا وجيداء. أول ما الستاير اللي بتفصل مكان نومنا عن بقية أوضتنا اتفتحت، لفيت عشان أواجه جوزي. "هال، عايز إيه يا جوزي؟" سألت، وإيدي متدارية ورا ضهري زي الزوجة المطيعة. حاولت أخفي غضبي من صوتي، لأنه مش هيفيدني لو عرف قد إيه بكره تصرفاته وهو سكران. "دفى بين رجليكي، وولد. حاسس إن أودين هيباركنا الليلة،" تمتم وهو بياخد خطوات صغيرة مترنحة ناحيتي. كان بدأ يقلع هدومه وبقى عريان تقريباً. حط إيديه على وسطي وحاول يشدني ليه. "يا جوزي، أنت سكران. أنا تعبانة، أرجوك. مش نستنى لبكرة؟" حاولت أتفاهم معاه، حتى لو كنت عارفة إن ده ملوش فايدة. عمره ما هيسمع للعقل، غير قبضاتي، اللي أكيد هتلاقي طريقها لوشه قريب. محبط من عدم حماسي، زقني على الأرض بالقوة. بدأ يقطع فستاني، وأنا بحاول أتوسل ليه يوقف. اتكلم بكلام ما فهمتوش، وكشف ضهري وبدأ يرفع فستاني عشان يكشف مؤخرتي ليه. "هال، أرجوك. وقف، أنت بتوجعني!" تاني حاولت أتفاهم معاه. زق ضهري على الأرض بإيده التانية، وإيده التانية كانت بتحاول تجهز عضوه. لما إيدي بقت حرة، استغليت الفرصة وحاولت أزقه عني. ده خلاني أخد صفعة وقبضة على خدي. مصدومة، اتجمدت. ده كان مختلف عن المرات اللي فاتت. مكنش فيه تفاهم معاه، قتالي كان ملوش فايدة وحتى وهو سكران، كان قادر ياخد اللي هو عايزه. --------------------------- قدر يخليني أحمل في الليلة دي. كنت عارفة إن واجبي كزوجة إني أجيبله عياله، بس مكنتش جاهزة لده لسه. هال بقى، شكله مستعجل، أكيد عشان سنه. أكتر من عشرين سنة بتفصلنا، بس مراته الأولى ماتت في معركة من سنين طويلة، وسابته أرمل ومن غير وريث. أنا مش بحب جوزي، ولا حتى بطيقه. اتعودت على وجوده، بس دلوقتي مرعوبة منه. عملت اللي المفروض الزوجة تعمله، سمحتله ينام معايا، سمحتله بلمستي، راحتي وشركتي كل ما كان عايز يشرب قرون مليانة بيرة وياكل مخزوننا من اللحمة، وده كان جزائي؟ عقلي رجع للحظة اللي أنا فيها بصوت عواء. فتحت عيني ولقيت نفسي ببص من خلال نار مركب أمي الطويل، وشفت ديب. ديب رمادي بيبص عليا مباشرة. رجع راسه لورا، وطلع عواء تاني، بس العواء ده عرفت أميزه. متهيألي إني عمري ما سمعت عواء مليان حزن كده، مكسور كده. العواء وصل لقلبي وكسره. العواء جابلي مشاعر مش عارفة أحددها، بس كسرة القلب كانت واضحة. كأن موت أمي مش بس وجعني أنا، ده وجع الديب اللي بيعوي كمان. "إيونا، هتيجي؟" سأل جوزي، فجأني. بتنهيدة، لفيت ومشيت بعيد عن الرصيف والديب، اللي بيشاركني وجعي. الديب ما قدرش ما يروحش. كان لازم يروح، عشان يودع اللي بيحبها. حتى لو اختارت طريق تاني وأخدت قطع منه معاها، كان لسه بيحبها. كان بيحبهم هما الاتنين. كان بيبص على بنته بنظرة حزينة. كان عارف إنها مش مبسوطة، وكان عايز يساعدها. للأسف، ما قدرش يقتحم وينقذ الموقف زي ما كان بيتمنى، لأ. كان لازم يطلب مساعدة، وبعدين هياخد بنته بعيد عن الناس اللي بتعاملها وحش. حول نظره من المركب الطويل اللي بيشتعل، وبدأ رحلته لفوق التل. طول الوقت، بيفكر في حياته. في حياتها هي. كان المفروض تبقى مع القطيع، مع أهلها. كان المفروض تقدر تطلع ديبها للسطح، بس أمها اتأكدت إنها مش هتعمل كده. بعد كل ده، أمها ما كانتش عايزة حياة ديب ليهم هما الاتنين. قابل أمها، نص روحه، من سنين. في الأول حياتهم كانت سعيدة، مليانة حب وعطف. كانت حامل، بعد فترة قصيرة. طفلهم، إيونا. مش متأكد بالظبط إيه اللي حصل، لأنها بدأت تختفي لساعات طويلة، ساعات أيام. كانت دايماً بتقول إنها في جولة. قرب يوم الولادة، شخصيتها اتغيرت. بقت عدائية تجاه الكل، مش بتسمح لحد يلمس بطنها الحامل، حتى أبو الطفل. يوم ولادة إيونا كان أسعد وأحزن يوم في حياته. أخيراً سمحوله يشيل جروه، بنته، إيونا. دموع الفرح بتنزل على خدوده، شكر حبيبته، وراح عشان يبوسها. الطفل اللي كان بيحبه بالفعل اتخطف من إيديه بسرعة، ونص روحه وقفت وزمت. "الطفل ده هيعرف حياة أحسن من القطيع. هتعيش حياة ملكة، محاربة، إنسانة. طول ما بتنفس، مش هتعرف نوعنا أبداً!" وبالكلمات المؤذية دي، جريت واختفت من حياته، لسنين. وقف سيل الذكريات السيئة، وشم الهوا عشان يتأكد إنه ماشي في الطريق الصح. شم ريحة خفيفة للقطيع، وكمل طريقه. بعد سنين، لما كان بيزور مدينة بشرية، شم ريحة نص روحه. تبع الريحة اللي كان فاكر إنه مش هيشمها تاني، وقف مكانه لما بص على بنته. عرف إنها بنته، من غير أي شك. لون شعرها زي لون شعر أمها، أحمر. لون عينيها الأزرق كان متطابق، بس كمان شاف نفسه فيها. طريقة عظام خدودها البارزة، وفكها الحاد. ورثته من أبوها. الفخر انتفخ في قلبه لما فكر كده. الطفلة مابقتش طفلة، بقت ست، بس لسه صغيرة. كان فيه شرارة في عينيها، لمعة لحاجة ما. حزن لما فكر إنها ما بقاش فيها نفس اللمعة في عينيها، ورجع للواقع. وصل لحدود القطيع، ورجع لإنسان. الراجل كان شكله في أوائل الأربعينيات، بس ده كان غلط. بعمر الديب، كان بيعجز بوتيرة أبطأ بكتير من الإنسان. عمره كان قرب التسعين. بشعر بني فاتح طويل ولحية قصيرة، كان شكله بيعجب كتير من إناث الدياب. عضلات بارزة كانت دليل قاطع على إنه أولفهدنار، بس كان شايلها بطريقة مافيش زيها. ندوب، اكتسبها من معارك وتحديات وخناقات على مر السنين، زينت جلده، وكمان رموز، اكتسبها ولبسها بفخر. متوشمة في جلده برماد الخشب وسكينة صغيرة. ساعات التفاصيل الصغيرة كانت بتتعمل بإبر. الرمز كان بيتخرم الأول في جلده، وبعدين الرماد كان بيتفرك فيه. عدى من الدياب اللي بيحرسوا، ومشي مباشرة لأكبر بيت في أرض القطيع؛ بيت القطيع. بيت القطيع كان ليه نفس المعنى للدياب، زي قاعة البلد للبشر. كان مكان للكل، مكان بياكلوا فيه مع بعض، يحتفلوا فيه مع بعض. بيت القطيع كان فيه كمان كام أوضة زيادة للي ماعندهمش بيت لأي سبب. أوضة منهم كانت محفوظة لقائد القطيع. الأوضة كانت الأكبر، معموله عشان تسع كل محاربينه، كل الشيوخ، وأقرب الناس ليه. الأوضة كانت مناسبة لاستشارات الحرب، اجتماعات صغيرة، أمور القطيع العامة. كانت أوضة الألفا. خبط على الباب السميك المهترئ اللي بيفصل الأوضة عن بقية بيت القطيع، وانتظر إذن بالدخول. صوت مليان سلطة، قوة ومسؤولية رد، "ادخل." بدفعة، كشف الأوضة المليانة شموع، فرو وروائح خشب مهترئ. الألفا كان قاعد على عرش من نوع ما، مع كوباية منحوتة من الخشب، مليانة شراب، من ريحتها. "فيجو، أقدر أعملك إيه؟" سأل الألفا. الألفا كان راجل مخيف، بس شاب. فاز بلقبه بتحدي وهو عنده تسعتاشر سنة، حكم قطيعه بإيد عادلة لأكتر من عشر سنين. كان محبوب ومخيف في نفس الوقت. "روحت أزور مدينة البشر، مش بعيدة من هنا. شفت حاجة، مقلقة جداً،" قال الراجل، فيجو. كان عنده حق في معنى اسمه، كان معمول للمعركة. "وإيه اللي شوفته؟" سأل الألفا، بانزعاج خفيف في صوته. ما كانش بيحب إن أعضاء قطيعه يلفوا في مدن البشر من غير علمه. مدن البشر ما كانتش ممنوعة عليهم، بس كانت برا أراضي القطيع عشان كده كان بيتمنى يعرف عنها قبلها. "بنتي، اتاخدت مني وهي طفلة، من أمها. أمها ماتت، وروحت أشوف المركب الطويل النهاردة. شفت بنتي، ولازم أخرجها من هناك،" قال فيجو، بصدق وألم واضح في صوته. الألفا ما فهمش ليه لازم ياخد البنت من بيتها. أكيد، لو البنت عاشت حياتها مع البشر، هيكون صعب عليها تتأقلم مع حياة ديب القطيع. لما سمع السؤال اللي ما اتقالش، فيجو كمل. "مش عارف ليه، بس أمها خبت جانب الديب منها. ما تحولت ولا مرة. أمها باعتها ليارل المدينة وكل فترة كنت بشوف كدمات وجروح وعلامات حمرا حوالين وشها. النهاردة، شميت ريحتها وهي حامل. من ابنه. ما عنديش شك إنها اتحملت من غير رضاها."

"ده يبدو مقلق، وأوعدك يا فيجو، إننا هنبحث في الموضوع. بصفتها بنتك، هي جزء من القطيع ده، وده بيخليها مصدر قلق لينا كلنا،" قال الألفا، وخفف قلب الأب المجروح شوية. شوية بس، لأن كان فيه حاجة لسه لازم يقولها لألفاه. بس مش دلوقتي. مشى. معظم الرجالة وستات كتير من بلدنا راحوا يغيروا على مدن تانية. بشكر الآلهة إنهم ادوني الوقت ده عشان أكون حرة منه. بعد ما عرفنا إني حامل، اتغير. أعتقد إنه عرف إنه مش هيقدر يمد إيده عليا تاني، لأنه بقى يبعد حتى وهو سكران. كان بيروح لست تانية في الليالي دي، وبعدين الصبح، كان بيجي يزحف لسريرنا ويلمس بطني. الريحة الوحشة لسه لازقة فيه، كان بيحط إيده على بطني اللي لسه مسطحة، يربت عليها ويهمس كلام حلو ليها. يا له من كذاب حقير. كان مبسوط جداً بالموضوع. شربه بقى يومي أكتر، وإهاناته قلت. كان إحساس غريب إني أكون في جواز مختلف أوي عن المفروض يكون عليه. في ثقافتنا، الستات المفروض يكونوا متساويين مع الرجالة، المفروض نقدر نختار رجالتنا، ونعاقبهم لما يعاملونا بقلة احترام. يارل جونارسون خرب عاداتنا. فاكرة، وأنا طفلة، كنت بشوف راجل بيتجلد من مراته، عشان باس واحدة تانية. مراته كان مسموح لها تختار العقاب بنفسها، وحتى تعاقبه بنفسها. بس أول ما هال جونارسون تحدى يارلنا القديم، وقتله، الأمور اتغيرت. الستات اتجبروا يخضعوا. حسيت بحاجة بتتحرك جوايا، مجرد التفكير في الموضوع. حاجة جوايا كانت عايزة تكسر، تعض راسه وتعرضها لستات بلدنا بفخر. حسيت إني مختلفة. حسيت بطاقة، قوة أكتر. من ساعة ما عرفت إني حامل، بطلت أشرب المشروب اللي كانت أمي دايماً بتعملهولي. بطلت أشرب أي حاجة غير المية، خوفاً إني أخسر الطفل اللي جوزي كان عايزه أوي. من ساعتها، حسيت بآلام، بس كمان حسيت إني عايشة أكتر. كان معمول من نبات، بينمو على الجبال. بدأت تعملهولي وأنا طفلة، وقالتلي إنه هيساعدني مع "الأوجاع"، زي ما كانت بتسميها. الأوجاع دي كانت على ما يبدو حاجة كل الستات عندهم، إحساس حرقان جوا صدرنا. قلبي بيشتهي حاجات. جوعي ما كانش بيتشبع بالكامل باللحمة اللي كان بيجيبها لنا حد تاني. كنت بتوق إني أصطاد لنفسي ولطفلي، لوحدي. بتوق إني أعتني بنفسي، بنفسي. حسيت بجذب ناحية الغابة، شبه نداء. الغابة بتغنيلي وعشان كده قضيت وقت أطول بتجول فيها. جيداء كانت دايماً معايا، بتتأكد إني ما أقعش، لأن الأرض كانت مش مضمونة. النهاردة، زي كل يوم، كانت موجودة. ماشية جنبي، بتبص عليا بعين حذرة. ما اتكلمتش. كانت عارفة أحسن من إنها تنطق بكلمة لما ندخل الغابة وأنا معاها. كنت بتوق للصمت، لأن عقلي ما بقاش حاسس بالسيطرة. لسه كنت بعرف نفسي إني أنا بس، بس ما بقتش حاسة بالسيطرة على مشاعري. أم جيداء قالت إنه الحمل، بس ده كان حاسس إنه أكتر من تأثير الطفل عليا. ما بقتش حاسة إني لوحدي. الشجر كان طويل وقوي. كان بيغطي أسفل الجبال وبياخدنا تقريباً لعالم تاني خالص، لما ندخل. كل صبح، الغابة كانت بتتغطى بالضباب، لأن الجبال كانت طويلة أوي عشان السحاب يطلع فوقيها. بالليل، الغابة كانت بتدب فيها الحياة من حيوانات كل الأنواع، بتجري، بتلعب وبتصطاد. كنا قاعدين دلوقتي على صخرة كبيرة وجيداء كانت بتغنيلي. وقفت لما سمعنا صوت صفير. لفينا وشوشنا ناحية الصوت، ولقينا نفسنا بنبص على راجل، يادوب عنده حاجة تغطيه في طقس الخريف ده. سترة كتان مهترئة مع اللي كان شكله بنطلون صوف. رجليه كانت حافية وشعره كان مضفر، متجمع في كعكة من ورا. لحيته كانت طويلة كفاية تغطي رقبته من النظر، وكانت متزينة بضفائر وخرز برموز منحوتة فيها. عينيه كانت درجة زرقاء نافذة، شعره أسود زي الليل، بس بشرته شاحبة. كان راجل نحيف، حتى مع العضلات الواضحة فيه. وشه كان فيه مظهر رقيق، بس اللحية وبرودة لون عينيه، وضحوا إنه مش هش أوي. "مرحباً، سيدات. أتمنى إني ما أكونش قاطعت حاجة؟" حَيانا. بابتسامة تجيب الفرح للكل حواليه وبإشارة من إيده، خلى نفسه يبدو غير مهدد. ما كانش بيجي لنا مسافرين كتير بلدنا، كانوا بيفضلوا المدن اللي في الجنوب. كتير ما كانوش عايزين يزوروا الشمال، كان برد أوي، رطب أوي وخشن أوي بالنسبة ليهم. الراجل ده بقى. كان شكله عايش في الشمال، زينا. نظره وقع عليا، وكان أغرب حاجة. كان شكله مألوف، شبه من العيلة حتى. كنت عارفة كويس إني عمري ما شوفته قبل كده، بس حسيت بجذب ناحيته، قرابة. كنت عارفة إني المفروض ما أثقش في الغرباء، بس معاه، حسيت إن الثقة فيه هي طبيعتي التانية. "أكيد إنتي إيونا، صح؟" سأل، وقمت بسرعة. النهوض بسرعة خلى راسي تلف، والراجل قرب مني تقريباً، بس جيداء كانت جنبي بسرعة، بتسند وزني لحد ما قدرت أقف لوحدي تاني. "عرفت إزاي أنا مين؟" سألت، وهزيت راسي عشان أتخلص من آخر دوخة. "سمعت عنك كام حاجة. أبوكي بيتكلم عنك بكل حب، وقالي إنك غالباً هتكوني هنا،" رد. اتصدمت، لأن أبويا عمره ما كان في حياتي. أنا حتى مش عارفة هو مين، أو إذا كان عايش أصلاً. "أنا ما عنديش أب." "الكل عنده أب يا إيونا. ماتكونيش سخيفة. على أي حال، السبب اللي أنا هنا عشانه، هو إني أوصلك رسالة من أبوكي،" قال. خد خطوتين، بحيث إنه كان تقريباً بيلمسني. قريب أوي، بس ما حسيتش بأي تهديد منه. مال ناحية ودني، وهمسلي بهدوء لدرجة إني كنت بكافح عشان أسمعه. "لما الديب يظهر، عوي وهو هييجي." كلامه ما كانش منطقي بالنسبالي، وده كان واضح على وشي. ما ادانيش أي تفسيرات تانية، بس لف وجري تاني. أنا وجيداء، اتصدمنا، واقفين هناك وبقنا مفتوح وعينينا واسعة. "ده حصل بجد؟"

تعليقات

authorX

مؤلفون تلقائي

نظام شراء