رواية ظل الفارس

ظل الفارس

2025, أدهم محمد

تاريخية

مجانا

تدور الرواية حول فارس، رجل قسى عليه الزمن وأشعلته المعارك، حتى صار قائدًا لا يهاب الموت. بين معارك لا تنتهي وأشباح ماضيه التي تطارده، يجد نفسه في مواجهة مع الظلم، لا لينتصر فقط، بل ليجد ذاته التي ضاعت بين أوجاع الطفولة وسيوف الحرب. رواية عن القوة، الفقد، والبحث عن الخلاص في عالم يملأه الصراع والظلم.

فارس

رجل قاسي الملامح قوي الشكيمة، نشأ في بيت مليء بالعنف والقسوة، حتى أصبح قائدًا عسكريًا عظيمًا يُعرف بعدله وقوته.

روبي

فتاة شجاعة من إحدى القرى المظلومة، تحمل بداخلها ألم الفقد والخوف، لكنها تملك روحًا لا تعرف الاستسلام.

ليلى

حب فارس الأول، فتاة غامضة اختفت في ظروف قاسية وتركت جرحًا عميقًا في قلبه، لتبقى صورتها تطارده في كل معاركه.
تم نسخ الرابط
ظل الفارس

 أنا الفارس... مش لقب اتولد معايا، ولا اسم اتقال لي كنوع من الفخر. ده اسم أخدته بعد ما الألم صهرني، وبعد ما الضرب خلّى جسمي يحفظ وجع كل سوط وكل كلمة قاسية. اتعلمت إن السلاح مش دايمًا بيكون في إيدك، ساعات بيبقى في قلبك، في صبرك، في قدرتك على الوقوف تاني حتى بعد ما تقع مليون مرة.

كنت عيل صغير، ضعيف، عايش في بيت كله ظلمة. بيت كل جدرانه شاهدة على وجعي. لما كانت إيدي الصغيرة بتترفع عشان تدافع عن نفسي، كانت بتتهز من الخوف. لما كنت بصرخ، ماكنش فيه حد بيسمع. كانوا دايمًا شايفيني حمل تقيل، كأن وجودي لوحده خطيئة.

بس في ليلة... ليلة كان القمر فيها شاهد عليا، وأنا واقف قدام النهر، ببص في الميّة الساكنة، وقلبي مليان عاصفة. كنت ببص لنفسي، للندبات اللي على جلدي، للجرح اللي في روحي. وقررت. قررت إني مش هكون ضحية. إني هكون فارس، حتى لو العالم كله شايفني ضعيف.

من يومها، وأنا بحارب. بحارب عشان أكون، عشان أعيش، عشان أطلع من الظلمة اللي حبستني فيها سنين. مش سهل... كل يوم هو معركة، وكل ليلة هي حرب. بس أنا لسه واقف. لسه عايش.

كل جرح بقى وسام، كل دمعة بقت سيف، وكل مرة وقعت فيها، كانت خطوة أقوى لقدام.


دخلت الجيش وأنا لسه مراهق، كنت باين قدامهم شاب ضعيف، بس جوايا كان في نار مش بتطفي. نار السنين اللي فاتت، نار القهر، نار الذل. مكنتش بدور على المجد، ولا كنت بحلم بالبطولة. كنت بدور على مكان أدفن فيه ضعفي القديم، وأولد من جديد.

في أول معركة، حسيت إن قلبي هيقف من الخوف، بس كنت عارف إن اللي خايف يموت، وأنا مش كنت مستعد أموت قبل ما أعيش. صوت السيوف كان زي طنين النحل، ريحة الدم كانت بتلسع أنفي، وصراخ الرجالة كان بيشق السما. كنت بضرب عشان أنقذ نفسي، وعشان أثبت إني مش ضعيف زي ما كانوا فاكرين.

ومرة ورا مرة، سيفي اتلطخ بالدم، وقلبي اتلطخ بالندم. بس كان لازم أكمل. بقيت الفارس اللي يخاف منه الكل، بس الحقيقة؟ أنا اللي كنت بخاف من نفسي. بخاف من الوحش اللي كبر جوايا، من الحزن اللي بيجري في دمي.

وفي وسط المعارك، لقيتها... كانت واقفة هناك، زي شعاع نور في أرض كلها ظلمة. اسمها ليلى. كانت بتعالج الجرحة، وكانت ضحكتها بتطفي نار جوايا. أول مرة شفتها، كنت متأكد إن الحرب الحقيقية بدأت. مش حرب سيوف، لكن حرب قلب.

قربت منها، وبكلام بسيط حكيتلها عن نفسي. عن اللي شفته واللي عشته. مكانتش بتخاف مني، مكانتش بتبعد. كانت بتسمعني... بتسمع صوتي اللي محدش عمره سمعه. وكل مرة كنت ببص في عيونها، كنت بحس إني بني آدم تاني. مش الفارس اللي الناس بتهابه، لكن إنسان... إنسان كان نفسه يتحب، يتحس.

لكن الحب زي الحرب... مش دايمًا بينتهي بنصر. وفي يوم، اختفت. كأن الأرض بلعتها. سألت، دورت، صرخت، بس مفيش رد. كأنها كانت حلم عدى من قدامي، وسابني أرجع للظلمة تاني.

ومن وقتها، بقيت الفارس اللي فقد كل حاجة، حتى نفسه. بقيت بحارب، بس مش عشان النصر، لأ... بحارب عشان أنسى، عشان أهرب من الذكرى اللي بتطاردني كل ليلة. عشان أنسى ليلى، وعشان أنسى إني بني آدم ممكن يحب ويتحب.

أنا الفارس... والظل اللي بيطاردني، مش ظل العدو، لكن ظل الحب اللي خسرته، والوجع اللي عمره ما هيفارقني.


كانت الحرب هي ملجأي، الساحة اللي فيها كل وجعي بيتحول لقوة، وكل لحظة ضعف بتختفي ورا لمعان السيف. كنت بدخل المعركة وقلبي حجر، وملامحي مافيهاش أي أثر للخوف. لما السيوف بتتصادم، ولما الدم بيغرق الأرض، كنت بحس إني عايش... عايش بجد. كنت بدور على الموت، بس كل مرة الموت كان بيهرب مني، وبيسيبني أعيش يوم جديد في جحيم أكتر من اللي قبله.

أيام المعارك كانت طويلة، ولياليها أطول. كنا بنقضي الليل وسط الخيام، والنار بتولع، والدخان بيخنق صدورنا. الرجالة حواليَّ كانوا بيحكوا قصص عن نساء وأطفال، عن بيوتهم اللي بعدوا عنها. وأنا؟ كنت ساكت. ماليش حكايات أقولها. كان عندي حكاية واحدة، ومش قادر أتكلم عنها. ليلى كانت الحكاية اللي لو اتفتحت، هتقطع قلبي نصين.

أوقات كنت بقعد لوحدي، بعيد عن الكل. ببص للسيف اللي بقى جزء من إيدي، وأفكر... كام مرة قتل؟ كام مرة أنقذني؟ وكام مرة خدمني وأنا بدور على أي حاجة تهربني من روحي؟

وفي ليلة من الليالي، وإحنا في قلب الصحراء، كان القمر مداري ورا سحابة سودا، والهواء مليان ريحة دم. سمعت صوت خُطا، خُطا هادية، بس مليانة خوف. لما قرب الصوت، رفعت سيفي مستعد لأي خيانة، لكن اللي شوفته كان غير متوقع. كانت بنت صغيرة، عيونها مليانة رعب، ووشها عليه تراب السنين.

قالت بصوت متهدج: "أنت اللي بيقولوا عليه... فارس الظل؟"

مكنتش عايز أرد، لكن سكتها ما طالتش. قالت: "أخويا اتاخد، والظلم بقى ساكن أرضنا. مافيش حد يقدر يواجههم غيرك."

ساعتها حسيت بوجع غير وجع الحرب. وجع الحكايات اللي بتموت قبل ما تبدأ، وجع الناس اللي بيستغيثوا ومفيش حد بيسمعهم. سألتها عن اسمها، قالت: "رُبى."

قعدت أسمع حكايتها، حكاية ظلم وجوع، حكاية ناس ماتت قبل ما تموت. ووسط الكلام، حسيت بشعلة قديمة بتشتعل جوايا. يمكن الحرب علمتني أقتل، بس ليلى علمتني إن فيه حاجات تانية تستاهل القتال. وعدتها إني هساعدها، مش علشان الشرف، ولا علشان البطولة. بس علشان يمكن في كل مرة بننقذ فيها روح، بننقذ جزء من روحنا اللي ضاع.

ومن هنا بدأت رحلة جديدة... رحلة ماكانتش مع جيش ولا ضد جيش، لكن ضد الظلم اللي بينخر في قلوب الناس. كنت بدخل القرى المهجورة، أواجه رجال الطغيان، أقطع ظلمهم زي ما بقطع السيف الحبل. كنت بلا رحمة، مش بس علشانهم، لكن علشان كل اللي اتظلموا قبلي، وكل دمعة نزلت من عين طفل زي ما كنت زمان.

ومع كل مواجهة، كان قلبي بيتقل، بس عيني كانت بتشوف أمل بسيط في كل وش بنقذوه. كإن الحرب دي، رغم سوادها، كانت الطريق الوحيد إني ألاقي جزء من نفسي اللي اتسرق.

بس كل ما كنت أمد إيدي للحرية، كانت الذكريات بتشدني ورا. كنت دايمًا فاكر ليلى... فاكر اللي اختفت وسابتني أواجه العالم لوحدي. ليه راحت؟ وليه كل مرة كنت بحس إني لقيتها، ألاقيها سراب؟

وكنت بسأل نفسي دايمًا، هل هي اللي راحت، ولا أنا اللي اتدفنت في الحرب؟



ومع مرور السنين، بدأت أسيب بصمتي في كل معركة، وكل مواجهة. بقيت معروف مش بس بسيفي، لكن بقراراتي، بحكمتي اللي طلعت من قلب الوجع. الكل بقى يشاور عليا، مش كجندي عادي، لكن كقائد. حد بيعرف يقود رجاله، حد بيدخل المعارك وهو عارف إن الخوف مش عيب، لكن الاستسلام هو العيب الحقيقي.

بدأت أوامر الجيش تجيني، وكل قرار كنت باخده كان بحساب. مش بس علشان النصر، لكن علشان الرجال اللي بتحارب معايا. كنت عارف إن كل واحد فيهم عنده حد مستنيه، حد بيصلي إنه يرجع حي. كنت بحاول أحميهم، بحاول أخليهم يشوفوا الأمل حتى وسط الموت.

ومع كل انتصار، كان اسمي بيكبر، وصوتي بيعلى. اتكرمت في المجالس، اتقال عني كلام كتير، بس أنا كنت دايمًا ساكت. جوايا كان فيه حروب أكبر من اللي بشوفها في الساحات. حروب مع نفسي، مع ذكرياتي، مع ليلى اللي عمرها ما سابتني.

وفي يوم، اتفاجئت بمرسوم رسمي... ترقية. مش بس جندي ولا قائد. لأ، بقت لي مكانة، بقى لي شأن في الجيش. بقى لي حق اتخاذ القرارات الكبيرة، وقيادة المعارك المصيرية. اللي كانوا زمان بيشوفوني عيل ضعيف، دلوقتي بقوا واقفين قدامي بينتظروا كلمتي، كأنها أمر من السماء.

لكن رغم كل المجد ده، جوايا كان فيه فراغ. فراغ عمره ما اتملأ، حتى مع كل انتصار وكل معركة. فراغ ليلى... والظل اللي ساكن قلبي.

بدأت أستخدم موقعي مش بس علشان الحرب، لكن علشان أواجه الظلم. بقيت أرسل فرساني للقرى اللي بيقهرها الطغاة، أساعد كل مظلوم، أحرر كل عبد، وأوقف الظلم قبل ما يطول أكتر. كنت عارف إن ده مش هيغير الماضي، مش هيرجع ليلى، لكنه كان الشيء الوحيد اللي بحس إنه بيخليني أعيش بجد.

وفي كل مرة كنت بمشي وسط الجنود، كنت بحس إن السيوف مش هي اللي بتحدد مصيري. لكن الماضي... الحكايات اللي لسه محفورة في قلبي.

وبرغم كل حاجة وصلت ليها، كان السؤال دايمًا بيرن في عقلي... لو ليلى شافتني دلوقتي، يا ترى هتعرفني؟ يا ترى كانت هتفتخر بيا، ولا كانت هتشوفني وحش تاني خرج من رحم الحرب؟

تعليقات

إرسال تعليق

authorX

مؤلفون تلقائي

نظام شراء