موصى به لك

الأقسام

الأعلى تقييمًا

    أعمال أصلية (RO)

      الأفضل شهريًا

        حين يذوب الجليد - روايه اسطوره الملك الأسود

        حين يذوب الجليد

        2025, سما أحمد

        رومانسية

        مجانا

        في قاعة تجمع ملوك الممالك الأربعة، تدخل تيريزا الساحرة الأقوى، محذرة من مستقبل قاتم ينتظرهم. تتنبأ بولادة الملك الأسود أسكاي، الهجين الذي سيحمل قوة لا تُقهر، ويهدد بانقراض السلالة الملكية. كلماتها تترك الجميع في صمت مشحون بالخوف والتردد أمام المصير المحتوم.

        ......

        ......
        تم نسخ الرابط
        اسطورة الملك الاسود

        قبله لا فكاك منها
        
        في مكان بعيد عن أنظار الجميع، كان ضوء القمر الخافت يرسم ظلالًا طويلة على الأرض. الهواء البارد ينساب بهدوء، محمّلًا بصمت الليل.
        
        كانت ليان تحاول تحرير يدها من قبضة جيفان، لكن قبضته كانت قوية وثابتة. خطواتها المتعثرة تكشف عن محاولاتها المستميتة للتوقف، لكن جيفان لم يلتفت.
        
        واصل جرّها خلفه حتى توقفا أمام عربة داكنة اللون، بدت كأنها جزء من العتمة نفسها. التفت إليها أخيرًا، نظراته غامضة، صوته منخفض لكنه نافذ:
        
        "اصعدي."
        
        لم يكن طلبًا، بل أمرًا.
        
        تراجعت ليان خطوة للخلف، نظراتها متوترة وهي تحدق في جيفان.
        
        "إلى أين تأخذني؟" سألت بصوت مرتجف، تحاول السيطرة على قلقها.
        
        اقترب منها جيفان، عينيه لا تحملان أي تردد. "مكان آمن... بعيدًا عن كل هذا الصخب."
        
        شد قبضته على يدها بلطف لكنه لم يمنحها فرصة للاعتراض. دفعها برفق نحو العربة، فتح الباب، وانتظر دون أن ينطق بكلمة.
        
        كانت ليان تشعر بأن الأمور خرجت عن سيطرتها. نظرت للخلف، إلى قصر الاحتفال الذي لا تزال أصداء الموسيقى والضحكات تنبعث منه، ثم عادت لتنظر إلى جيفان.
        
        كان بإمكانها الرفض، لكن في أعماقها، شعرت أن هذه اللحظة ستغير كل شيء.
        
        ببطء، صعدت إلى العربة.
        
        أغلق جيفان الباب خلفها وجلس مقابلها، عيناه تراقبانها بصمت وهي تحاول استيعاب ما يحدث.
        
        تحركت العربة بثبات على الطريق المظلم، تتمايل قليلًا مع اهتزاز العجلات فوق الأرض غير المستوية. كانت الأجواء باردة، لكن التوتر داخل العربة أشد برودة من أي ريح ليلية.
        
        جلست ليان مقابلة لجيفان، عيناها تضيقان بغضب مكبوت، وصوتها يحمل ارتجافة لم تكن بسبب الطقس.
        
        "لماذا تفعل هذا؟ لماذا؟"
        
        أدار جيفان وجهه نحوها، عيناه حادتان، لكن في أعماقهما صراع لا يظهره بسهولة. رد بصوت هادئ، لكنه قاطع، كأنه يلقي حكمًا لا مجال لنقضه:
        
        "لأنني لا أريدك أن تتزوجي الملك الأسود. إنه مجرم، ليس في قلبه رحمة."
        
        اقترب منها قليلًا، مسندًا كوعه إلى فخذه، وصوته يزداد برودًا.
        
        "ولن أصدق أبدًا أنك تحبينه، أو أنه يحبك."
        
        ضحك بسخرية قصيرة، ثم أضاف، ناظرًا إليها بنظرة تحدٍّ:
        
        "إن حاولتِ إقناعي بأن الملك الأسود يحبك، فكأنك تحاولين إقناعي بأن الثور يمكنه أن يُنجب."
        
        لم تستطع ليان منع نفسها من التحديق فيه، كلماتها عالقة في حلقها. هل كان يسخر منها؟ أم أنه كان يخشى شيئًا آخر؟
        
        نظرت ليان مباشرة إلى عينيه، تراقب ملامحه المتجمدة، ثم قالت بصوت هادئ لكنه يحمل شيئًا من التحدي:
        
        "هل أنت خائف عليّ منه؟"
        
        ظل جيفان صامتًا لوهلة، كأن السؤال باغته بطريقة لم يتوقعها. نظراته لم تتغير، لكنها أصبحت أكثر عمقًا، وكأنه يحاول قراءة ما وراء كلماتها.
        
        ابتسمت ليان بخفة وأضافت بثقة:
        
        "لا تقلق... هو لن يؤذيني."
        
        ارتسمت على شفتيه ابتسامة باهتة، لكنها لم تكن تحمل أي سخرية هذه المرة، بل كان فيها شيء من المرارة، شيء لم تستطع تفسيره بسهولة. ثم قال بصوت منخفض، لكنه حاد:
        
        "هذا ما تخالينه."
        
        شدّ جيفان قبضته على يديها كأنه يحاول إيقاظها من وهم تراه حقيقة، ثم قال بلهجة ممتزجة بالغضب واليأس:
        
        "إنه لا يحبكِ يا ليان، عزيزتي... إنه وحش! كيف تتزوجين أحدًا مثله؟! سوف نهرب، أنا وأنتِ، بعيدًا عن هذا الجنون!"
        
        توسعت عيناها من الصدمة، ثم سحبت يدها بقوة من قبضته وهي ترد بحدة:
        
        "هل جننت؟! وماذا عن العائلة؟! ماذا ستكون ردة فعلهم؟!"
        
        أخذ نفسًا عميقًا، كأنه يكافح للحفاظ على هدوئه، ثم قال بصوت منخفض لكنه لا يزال يحمل بعض الحدة:
        
        "هل تظنين أن أحدًا منهم يهتم حقًا بمشاعركِ؟ كل هذا مجرد لعبة سياسية، وأنتِ مجرد ورقة فيها!"
        
        ارتجفت أنفاسها، لكن عينيها لم تهتزّا وهي ترد:
        
        "حتى لو كان ذلك صحيحًا... لن أهرب."
        
        "حسنا لماذا تساعدني؟ هل تحبني يا جيفان؟ ولماذا تفعل هذا معي؟"
        
        نظر إليها، تجمدت ملامحه للحظة وكأن الكلمات عجزت عن الخروج. همس بصوت منخفض، "ماذا؟ أنا... أنا..."
        
        ولكن قبل أن يتمكن من إكمال كلامه، توقفت العربة
        
        نظرا الاثنين من النافذة، وكانت المفاجأة...
        أدركت أنه الملك الأسود.
        
        قالت في نفسها: "كيف؟ كيف أتى إلى هنا؟ كيف فعل ذلك؟ وكيف عرف مكاننا؟"
        
        بدأ قلبها ينبض بسرعة، عيناها كانت متسعة بالصدمة، أنفاسها متقطعة، لم تستطع تصديق ما تراه أمامها. الذئب الضخم الذي يحدق بها لم يكن مجرد وحش، كان هو.
        
        فلاش باك
        
        قبل أن تتلاشى تريزا من أمامه، ظهرت لورين فجأة.
        
        "ابنتي! أين الملك؟"
        
        نظر إليها سكاي بثبات وقال: "أنا الملك، سيدة لورين. لقد عدنا إلى أجسادنا."
        
        اتسعت عيناها بفرح، لمعت دموع الراحة في عينيها: "حقًا؟ لقد عدتم؟! إذن، أين هي ابنتي؟"
        
        تجمد للحظة قبل أن يجيبها، كأنه يدرك الآن فقط غياب ليان. نظر حوله سريعًا، لم تكن هناك.
        
        سألته لورين بقلق متزايد: "ألم تكن معكم؟ أين ذهبت؟"
        
        شعر بشيء لم يفهمه، توتر غريب في صدره، لكنه حاول أن يظل هادئًا. نظر إليها وقال: "لا أعلم، سأتحقق مما إذا كانت مع والدها..."
        
        انصرفت لورين من أمام سكاي، لكن قبل أن يتحرك، ظهرت تيريزا أمامه بسرعة، نظرتها مليئة بالخبث.
        
        قالت بابتسامة ماكرة: "أيها الملك، هل تنوي البحث عنها؟ هل تريد معرفة مكانها حتى بعد أن عدتم إلى أجسادكم؟"
        
        رمقها سكاي بنظرة باردة، ثم قال بصوت ثابت: "ما هذا الهراء؟ بالطبع لا أريدها، ولا يهمني أين ذهبت."
        
        لكن، رغم كلماته الحادة، كان هناك شيء ما بداخله يضطرب.
        
        قبل أن ترد تيريزا، قاطعهم صوت خطوات سريعة.
        
        تقدم ليو نحو سكاي، عيناه مليئتان بالفضول، لكن تعابيره هادئة كعادته. انحنى قليلًا بطريقة متصنعة، ثم قال بسخرية خفية: "أيتها الفتاة، أين الملك؟"
        
        ابتسمت تيريزا ببرود، ثم أجابته: "إنه أمامك، لقد عادا إلى أجسادهما."
        
        رفع سكاي حاجبه ببرود وهو ينظر إلى ليو، الذي كان يلهث قليلًا بسبب الجري.
        
        "حقًا، جلالتك؟ مبارك لك، ولكن كيف حدث هذا؟"
        
        قال سكاي بصوت هادئ لكن حازم: "إنها قصة طويلة… ولكن قل لي، لماذا كنت تجري؟ ماذا كنت تريد أن تخبرني؟"
        
        تردد ليو للحظة، ثم قال بسرعة: "آه، ليان… لقد اختفت! عائلتها تبحث عنها وعن جيفان، ولا أحد يعلم أين هما."
        
        تيريزا وضعت يدها على فمها وكأنها مصدومة، لكنها سرعان ما ردت بنبرة مصطنعة: "أوه، كم هذا… مأساوي! يبدو أن جيفان قد خطفها ليمنعها من الزواج بك."
        
        ثم، دون أن يلاحظ أحد، ضربت ليو بمرفقها بخفة، تلميحًا له ليجاريها في التمثيل.
        
        نظر إليها ليو بطرف عينه، ثم تمتم وهو يتنهد وكأنه اقتنع: "نعم… هذا منطقي جدًا."
        
        تضيق عينا سكاي قليلًا، لكن ملامحه ظلت جامدة.
        
        قال ليو، مستمرًا في التمثيل: "جلالتك، ألم تلاحظ كيف كانت ردة فعل ذلك الطفل حين طلبت يدها؟ وكأنه يحبها ويريد الزواج منها! هل ستسمح له بأن يخطف زوجتك؟"
        
        تيريزا، بابتسامة خفيفة، أكملت بسرعة: "صحيح، جلالتك… هل ستسمح للملوك والممالك الأخرى أن تهمس في مجالسها بأن عروس الملك الأسود هربت قبل موعد زفافها؟ هل ستدعهم يقولون إنك ضعيف، لأنك لم تستطع إحضار زوجتك؟"
        
        تقدم ليو خطوة، نبرته تحمل شيئًا من التحدي المحسوب: "هل ستدع ذلك الطفل يجعلك أضحوكة في نظر شعبك؟ هل ستدع سمعتك، التي بنيتها بقرون من القوة، تتحطم؟ هل ستسمح لأعدائك بالشماتة فيك؟"
        
        ظل سكاي صامتًا لوهلة، ثم رفع عينيه الباردتين نحوهم، وقال بصوت منخفض لكنه مشحون بالغضب: "أين هي؟"
        
        ابتسمت تيريزا بخبث وهي تلتفت إلى ليو قائلة:
        
        "أنا أعلم مكانها، فلنسرع قبل أن يفوت الأوان."
        
        تحرك سكاي دون تردد، خطواته كانت حازمة وكأنها تحمل تهديدًا صامتًا، بينما تيريزا تبعته بسرعة. لكن قبل أن يتحرك ليو، أوقفت تيريزا يده وهمست له:
        
        "إن لم نساعده الآن، وإن لم نجعله يلين قلبه، فسيدمر العالم ونفسه معه. ساعدني في جعل هذين الاثنين يقعان في الحب."
        
        نظر ليو إليها للحظات، عينيه تبحثان عن جدية نواياها، ثم تنهد ببطء وقال بصوت خافت:
        
        "أنتِ تلعبين بالنار، تيريزا... لكن لا بأس، سأساعدك."
        
        ابتسمت تيريزا بمكر:
        
        "رائع، إذاً فلنتحرك قبل أن يدمر شيئًا في طريقه."
        
        على بعد مسافة، كان سكاي يسير بخطوات ثابتة لكنها تحمل توترًا مخيفًا. عيناه المتقدتان كالجمر تحت ضوء القمر لم تعكسا سوى الغضب، لكن شيئًا آخر كان يشتعل داخله، شيء لم يكن يريد الاعتراف به.
        
        فجأة، توقفت خطواته، وانخفض جسده قليلًا إلى الأمام، ثم في لحظة خاطفة، انطلقت هالة ضخمة من حوله، وتحولت ملامحه البشرية إلى هيئة ذئب عملاق قاتم الفراء، عيناه تشتعلان كوهج النار.
        
        بمجرد اكتمال تحوله، انطلق كالسهم، يركض بسرعة هائلة مخلفًا دوامات من الغبار خلفه. الأرض تهتز تحت قوته، والهواء يندفع بقوة كلما زاد من سرعته.
        
        صرخت تيريزا وهي تحاول اللحاق به:
        
        "اللعنة! لقد تحول! ليو، علينا الإسراع!"
        
        لكن ليو نظر إليها بوجه شاحب ثم إلى أحصنتهم التي بدت وكأنها لن تصمد أمام هذه السرعة، وقال بسخرية يائسة:
        
        "إذا كنتِ تعتقدين أننا سنلحق به، فأنتِ تحلمين."
        
        وبدون خيار آخر، قفزا إلى ظهر الخيول وانطلقا بأقصى سرعة، لكن الفرق كان واضحًا. سكاي كان يقترب من العربة، بينما هم بالكاد يستطيعون رؤية ظله في الأفق.
        
        توقف سكاي أمام العربة، جسده العملاق بدأ يتوهج للحظات قبل أن يتراجع فراءه الأسود تدريجيًا، عظامه تعيد تشكيل نفسها حتى عاد إلى هيئته البشرية. كان واقفًا هناك، طويل القامة، مهيبًا كما كان دائمًا، لكن نظراته هذه المرة كانت أشرس من أي وقت مضى.
        
        داخل العربة، لم تكن ليان قادرة على التنفس بشكل طبيعي. كيف وصل بهذه السرعة؟ كيف عرف مكانها؟ قلبها كان يخفق بجنون، يداها متشنجتان فوق ركبتيها، لكنها لم تجرؤ على التحرك.
        
        بصوت هادئ لكنه حاد كالشفرة، قال سكاي: "انزلي."
        
        بقيت متجمدة في مكانها، غير قادرة على الرد.
        
        وفي تلك اللحظة، وصل ليو وتيريزا أخيرًا، يلهثان من شدة الإرهاق، بعدما تخلفا عن سكاي بسبب سرعته التي تجاوزت سرعة خيولهما بكثير. قفزا من على الأحصنة، واندفعا نحو العربة.
        
        صرخ ليو، محاولًا كسر التوتر: "سكاي! على الأقل دعها تلتقط أنفاسها!"
        
        لكن سكاي لم يرد، لم ينظر إليهم حتى. كان تركيزه منصبًا بالكامل على ليان، وعلى حقيقة أنها ما زالت جالسة داخل العربة، تتجنبه بعينيها المرتجفتين.
        
        "قلتُ انزلي."
        
        كان صوته أكثر عمقًا هذه المرة، وكأن صبره بدأ ينفد.
        
        نزلت ليان بسرعة، جسدها يرتجف، عيناها متسعتان من الرعب أمام هالته التي تكاد تخنق الهواء من حولها. لم تكد تخطو خطوة حتى أمسك سكاي بمعصمها بقوة، سحبها خلفه دون كلمة واحدة.
        
        لكن فجأة، أوقفه شيء.
        
        يد جيفان أمسكت بيد ليان الأخرى، شدّها نحوه وكأنه يحاول انتزاعها من قبضة الملك الأسود. عينيه كانتا مليئتين بالتحدي، لكن يده كانت ترتجف قليلًا. لم يكن أحمق، كان يعرف من يواجه.
        
        قال جيفان بصوت ثابت لكنه مليء بالتوتر: "لن تأخذها."
        
        لم يتغير تعبير سكاي، لم يُظهر غضبًا أو استياءً. فقط رفع عينيه الباردتين نحو جيفان، وفي جزء من الثانية، شد ليان نحوه بقوة كادت تقتلعها من مكانها.
        
        "أنا لا أطلب الإذن."
        
        بضربة واحدة، انفصلت يد جيفان عنها، ليجد نفسه مدفوعًا بعنف إلى الخلف، بينما سقطت ليان داخل صدر سكاي، جسدها ارتطم بعضلاته القوية، أنفاسها تعلقت في حلقها.
        
        حرارة جسده كانت مرتفعة، شديدة كما لو كان يحترق من الداخل. قلبها بدأ ينبض بجنون، لم تستطع رفع رأسها، لكن رغماً عنها، وجدت نفسها ترفع عينيها ببطء.
        
        كان وجهه قريبًا جدًا، ملامحه القاسية، عينيه التي لم تتغير، باردة كالجليد لكنها مليئة بشيء آخر... شيء جعلها تشعر بأن أي كلمة أو مقاومة ستكون بلا فائدة.
        
        اختنق صوتها في حلقها، شعرت برغبة في البكاء، لكن الدموع لم تخرج. كانت محاصرة بين خوفها منه... وبين إحساس غريب لم تستطع فهمه.
        
        أمسك سكاي بيد ليان وسلمها إلى تيريزا، ثم نظر إليها بعينين متوهجتين، وهالة الظلام تحيط بجسده، وقال بصوت منخفض لكنه محمل بالتهديد:
        
        "لا تدَعيها تهرب، وإلا ستكونين التالية."
        
        أومأت تيريزا برأسها بسرعة، تدرك جيدًا أنه لا يمزح.
        
        استدار سكاي نحو جيفان، الذي كان يحدق به بعناد، لكن قبل أن يتمكن من قول أي شيء، بدأت ملامح سكاي تتغير. جلده شحب أكثر، أنيابه امتدت، وعيناه تحولتا إلى اللون الأحمر القاتم. انتشرت هالته المرعبة كالعاصفة، وانخفضت درجة الحرارة من حوله.
        
        في لحظة، اختفى سكاي من مكانه وظهر أمام جيفان، وأطبق على معصمه بقبضة حديدية. لم يُمنح جيفان حتى فرصة لاستيعاب ما يحدث، إذ شعر بريح عاصفة تضربه، وفي غمضة عين، انتقل مع سكاي بسرعة مرعبة، تاركين الجميع خلفهم.
        
        عندما توقفا، وجدا نفسيهما في منطقة نائية، حيث لا أثر للحراس أو أي شخص آخر. وقف جيفان مذهولًا، يحاول استعادة توازنه بعد الانتقال المفاجئ.
        
        أفلت سكاي يده ودفعه للخلف قليلًا، ثم نظر إليه بازدراء وسأله بصوت بارد:
        
        "إذن، أيها الطفل، لماذا أخذت زوجتي؟"
        
        حدّق به جيفان بغضب، ورغم خوفه، ردّ دون تردد:
        
        "لن أسمح لها بالزواج منك، أيها الوحش!"
        
        ضاقت عينا سكاي، لكن جيفان تابع بصوت ثابت:
        
        "ليان فتاة لطيفة، ولن أدعها تقع في يديك."
        
        نظر سكاي إلى جيفان ببرود، عيناه تضيقان وكأنه يقيّمه. وقف أمامه بثبات، بينما كان جيفان يحاول السيطرة على أنفاسه بعد الرحلة العنيفة.
        
        "هل تحبها؟ هل تريد الزواج منها؟"
        
        تصلب جسد جيفان، لكنه لم يتراجع. قبضته كانت مشدودة، لكنه رفع رأسه بتحدٍّ وقال بصوت قاطع:
        
        "نعم، أحبها. لن أدعها تقع بين يديك."
        
        ظل سكاي صامتًا للحظات. نظراته كانت هادئة، غير متأثرة بالكلمات التي خرجت من فم جيفان. ثم، بخطوة واحدة، اقترب حتى أصبح الفارق بينهما شبه معدوم، مما جعل جيفان يشعر بضغط هائل على جسده، كأن الهواء المحيط به قد اختفى.
        
        "أنت تتحداني، إذن؟"
        
        ابتلع جيفان ريقه، لكنه لم يحدّق بعيدًا. قال بصوت أكثر هدوءًا، لكنه لا يزال يحمل عنادًا:
        
        "ليان ليست شيئًا لتأخذه بالقوة. هي تملك الحق في اختيار من تكون معه."
        
        ضحك سكاي، ضحكة قصيرة بلا أي دفء.
        
        "وهل تظن أنها ستختارك؟"
        
        لم يمنح جيفان وقتًا للرد، بل تابع بصوت منخفض لكنه ممتلئ بالقوة:
        
        "ليان تخصني. سواء أحبّت ذلك أم لا، سواء أحببت ذلك أنت أم لا. الفرق بيني وبينك... أنني لا أطلب إذنًا."
        
        مد يده بسرعة، قبض على عنق جيفان بقوة كافية لتثبيته، لكن ليس لقتله. انحنى قليلًا، حتى باتت أعينهم على مستوى واحد، ثم همس:
        
        "سأريك من هو الوحش الحقيقي."
        
        إذن، هل ستقتلني؟ هل تظن أن بفعلك هذا ستجعل ليان تحبك؟ هل ستسامحك العائلة؟ هل سيسامحك الشعب؟ ماذا سيقولون عنك؟ هل فكرت في ذلك؟"
        
        ظل سكاي يحدق به للحظات، ثم انفجر ضاحكًا. كانت ضحكته باردة، خالية من أي مشاعر. توقف فجأة، وعيناه المتوهجتان تلمعان بخطورة.
        
        "هل تعتقد أنني سأقتلك؟ هل أنت غبي إلى هذا الحد؟" قالها بصوت ساخر، ثم اقترب أكثر حتى كاد أن يلتصق به.
        
        "على العكس، لن أقتلك. الموت بالنسبة لك سيكون راحة، وأنا لا أمنح أحدًا الراحة."
        
        مال برأسه قليلًا، نظراته كالسكاكين تخترق جيفان.
        
        "أنت حالة استثنائية، ولن أعذبك جسديًا، بل سأحطمك نفسيًا، أيها الطفل الأحمق."
        
        ابتسم بسخرية، ثم أكمل بصوت خافت لكنه حمل تهديدًا واضحًا:
        
        "سأجعلك تتمنى الموت، لكنك لن تحصل عليه."
        
        أمسك سكاي جيفان بقوة، وعيناه تومضان بوهج دموي. في لحظة، اختفى كلاهما وسط دوامة من الظلال، وعادوا بسرعة البرق إلى حيث كانت تيريزا، ليو، وليان.
        
        بمجرد وصولهم، ألقى سكاي بجيفان جانبًا بلا اكتراث، وكأنه لا شيء. ترنح الأخير قليلًا، يحاول استعادة توازنه، لكن سكاي لم يُعره أي اهتمام.
        
        تقدم بخطوات ثابتة نحو ليان، عينيه مثبتتين عليها، نظراته تحمل مزيجًا من الغضب والامتلاك. لم يمنحها فرصة للهرب أو حتى التفكير، بل شدّها إليه بقوة، ليصطدم جسدها بصدره الصلب.
        
        تسارعت أنفاسها، حاولت التراجع، لكنه كان أكثر حزمًا، قبضته حول معصمها كانت قوية، لا تسمح لها بأي مقاومة.
        
        اقترب سكاي أكثر، عيناه الرماديتان تلتهمان تفاصيل وجهها المصدوم. كانت أنفاس ليان متقطعة، قلبها ينبض بجنون، عقلها يصرخ بأنها يجب أن تتراجع، لكن جسدها لم يتحرك.
        
        كانت يد سكاي على خصرها مشتعلة، وكأنها تحرقها بلهيب غير مرئي، لكنها لم تستطع مقاومته. أصابعه التي مررها على خدها جعلت قشعريرة تسري في جسدها، لم يكن لمسته خشنة، بل كانت ناعمة بشكل غير متوقع، كأنه يتعامل مع كنز يخشى أن يتحطم بين يديه.
        
        وحين همس في أذنها، تجمدت أنفاسها. صوته كان منخفضًا، لكنه حمل معه وعدًا مظلمًا وخطيرًا.
        
        "ليان... جريني في جنوني، وإلا سأقتل ذلك الطفل وأمزق عائلتك أمام عينيك."
        
        ارتعش جسدها. لم تكن كلماته تهديدًا فارغًا، كانت تعرف أنه يعني كل حرف قاله. لكنه لم يمنحها فرصة للرد، فقد عاد إلى وضعه المستقيم، لكن قبضته عليها لم تتراخَ.
        
        اقترب وجهه من وجهها، حتى كادت أنفاسه الساخنة تلامس شفتيها. نظر إليها بعمق، عيناه كانتا أشبه بتعويذة سحرية، وكأنهما تغرقانها في دوامة لا مهرب منها. شعرت أن ساقيها أصبحتا واهنتين، وكأن قوتها كلها تلاشت أمامه.
        
        ثم... فعلها.
        
        اختفى الفراغ بينهما، وغطاها دفء شفتيه، ساحرًا ومجنونًا في الوقت ذاته. لم يكن مجرد لمسة عابرة، بل كان امتلاكًا، سيطرة، وانجذابًا لا يمكن الفرار منه. كانت أنفاسها قد انقطعت تمامًا، عقلها توقف عن العمل، كل شيء من حولها تلاشى، ولم يتبقَ سوى إحساسها به.
        
        جسدها تجمد للحظة، ثم ارتعش بخفة، لم تكن تعرف ما يجب أن تفعله، لكن يده التي كانت تشدها إليه لم تمنحها خيارًا سوى الاستسلام. لم يكن الأمر مجرد قبلة، بل كان إعلانًا، وعدًا، وربما تهديدًا.
        
        أما من حولهم، فقد وقفوا مذهولين.
        
        تيريزا غطت فمها بيدها، عيناها متسعتان بصدمة غير مصدقة لما تراه.
        
        ليو كان يحدق بهما، حاجباه مرفوعان بدهشة نادرة، وكأنه لم يكن يتوقع أن سكاي قد يفعل شيئًا كهذا.
        
        أما جيفان، فقد كان يرتجف من الغضب، قبضتيه مشدودتان بقوة حتى كادت عروقه تنفجر، لكنه لم يستطع فعل شيء.
        
        لم يكن هذا مجرد مشهد عادي، بل كان لحظة غيرت كل شيء.
        
        بعد لحظات، ابتعد سكاي قليلًا، لكنه لم يتركها، ظل ممسكًا بها كأنها قد تهرب في أي لحظة. نظر في عينيها المرتبكتين، ثم ابتسم بخفوت وقال بصوت منخفض:
        
        "الآن... أنتِ لي، ولن يستطيع أحد أخذك مني."
        
        كانت تلك الجملة كافية ليشعر الجميع بثقلها، وكأنها ختم لا يمكن كسره.
        
        وحد الله ♥
        The end ♥
         
         

        اسطوره الملك الأسود - اللحظة التي غيرت كل شى

        اللحظة التي غيرت كل شى

        2025, سما أحمد

        رومانسية

        مجانا

        في قاعة تجمع ملوك الممالك الأربعة، تدخل تيريزا الساحرة الأقوى، محذرة من مستقبل قاتم ينتظرهم. تتنبأ بولادة الملك الأسود أسكاي، الهجين الذي سيحمل قوة لا تُقهر، ويهدد بانقراض السلالة الملكية. كلماتها تترك الجميع في صمت مشحون بالخوف والتردد أمام المصير المحتوم.

        ......

        ......
        تم نسخ الرابط
        اسطورة الملك الاسود

        "لماذا كنتِ تتحدثين مع سموه بذلك الأسلوب الجاف؟ سوف أجن! ما الذي يحدث؟!"
        
        تبادل الحاضرون النظرات في دهشة، بينما ساد الصمت للحظات.
        
        تقدمت لورين بخطوات ثابتة وقالت بصوت هادئ: "عزيزي، أنا فقط أوصي جلالة الملك على ليان. لقد انفعلت قليلًا، و... احتضنتها بدافع القلق."
        
        نظر إليها للحظات قبل أن يقول: "حسنًا، لكن اعتذري إلى جلالته على انفعالك، وأنتِ كذلك، ليان."
        
        استدارت لورين إلى الملك وانحنت قليلًا: "أعتذر، جلالتك، لم أقصد التحدث بذلك الشكل."
        
        لحقتها ليان قائلة بنبرة خافتة: "أعتذر أيضًا، لم يكن من المفترض أن أرد بتلك الطريقة."
        
        أومأ الملك ببطء، أمسك بيد لورين وأخذها بعيدًا، تاركًا ليان وحدها مع أسكاي.
        
        التفتت ليان إلى أسكاي، وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تهمس بابتسامة خفيفة:
        
        "أشعر براحة شديدة..."
        
        قبل أن تكمل جملتها، تحرك أسكاي بسرعة خاطفة، وضع إصبعه على شفتيها، وهمس بصوت منخفض لكن حازم:
        
        "هشش... لا تنطقي بكلمة."
        
        كان ضوء الشمس يتسلل بين أوراق الأشجار، والحديقة من حولهما تنبض بالحياة، لكن أسكاي كان متوترًا. عيناه لم تفارقا نقطة معينة بين الأشجار، كأنه استشعر حركة غريبة.
        
        نظر أسكاي إلى الشجرة التي أمامه، كانت عيناه متركزة على أغصانها، يراقبها بحدة. شيء ما لم يكن طبيعيًا.
        
        وسط تراقص أوراق الشجرة بفعل النسيم، رأى حركة غريبة، كأن الأغصان نفسها تنحني بطريقة غير طبيعية، أو كأن هناك ظلًا لم يكن موجودًا قبل لحظات.
        
        عينيه تضيقان بتركيز. لم يكن مجرد طائر أو نسمة هواء. كان هناك شيء... أو شخص يراقبهما من بين الأغصان.
        
        وجد أسكاي طائرًا أسود اللون يقف على إحدى الأغصان، عيناه واسعتان بشكل غير طبيعي، نظراته حادة وثابتة كأنها تخترق الأعماق. لم يكن غرابًا، ولم يكن بومة، بل مزيجًا غريبًا بين الاثنين، كأنه كائن لا ينتمي لهذا العالم.
        
        ريشه كان قاتمًا كليل بلا نجوم، وأطراف جناحيه بدت وكأنها تمتد أكثر مما ينبغي. وقف دون أن يصدر أي صوت، يحدق في أسكاي وليان بتركيز مريب.
        
        شعر أسكاي بشيء غريب في الهواء، إحساس بعدم الارتياح بدأ يتسلل إلى جسده، كأن هذا الطائر لم يكن مجرد مخلوق عادي، بل رسالة… أو نذير لشيء قادم.
        
        في مكان بعيد، وسط أعماق الغابة حيث الأشجار الكثيفة تخفي ضوء الشمس، كان هناك كوخ قديم مهترئ، تحيط به هالة من الغموض. بدا كأنه منسيًّا عبر الزمن، لكن داخله كان ينبض بالسحر.
        
        جلست الساحرة تيريزا وسط الظلال، ظهرها مستقيم وعيناها مغمضتان، لكنها لم تكن بحاجة إلى نافذة سحرية أو بلورة كغيرها من الساحرات. لم تكن بحاجة إلى أي أداة لرؤية ما يجري.
        
        كانت ترى كل شيء من خلال عيني ذلك الطائر الغريب، كأنهما عيناها اللتان تجولان في العالم الخارجي. ما يراه الطائر، تراه هي. ما يحدق به، تشعر به كأنه أمامها مباشرة.
        
        راقبت أسكاي وليان بصمت، ابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتيها. عرفت أن اللحظة الحاسمة تقترب، وأن القدر الذي حاكته بيديها بدأ يتحقق.
        
        "أوتش... لقد اكتشفني الملك الأسود!" تمتمت تيريزا وهي تشد قبضتها. نظراتها ظلت معلقة على الصورة التي تراها من خلال عيني الطائر.
        
        همست لنفسها باندهاش: "يا إلهي... حتى وأنت في جسد تلك الفتاة، لا يزال لديك القدرة على فعل كل شيء، أسكاي."
        
        أخذت نفسًا عميقًا، وأغلقت عينيها للحظة. لم تكن تتوقع أن يلاحظ وجودها بهذه السرعة، لكنه لم يكن ملكًا عاديًا. كان شيئًا يتجاوز التوقعات، يتجاوز حتى قوانين هذا العالم.
        
        ابتسمت بخبث، وهي تراقب كيف سيتصرف بعد أن أدرك أنه تحت المراقبة.
        
        عضت تيريزا على شفتيها بغيظ، تراجعت في مقعدها، نظراتها لا تزال ثابتة على المشهد الذي تراه عبر عيني الطائر.
        
        تمتمت بغضب: "من المفترض أنا من يراقب، لكن انعكست الآية… إنه من يراقبني الآن."
        
        شعرت بقشعريرة تسري في جسدها. لم يكن مجرد ملك، لم يكن حتى بشريًا بالكامل. كان شيئًا يتجاوز كل الحدود، شيئًا أقرب للشيطان.
        
        لكنها لم تلُمَه، بل ألقت اللوم على أولئك الملوك الحمقى، الذين رفضوا الاستماع إليها. عبست ملامحها، ضحكة خافتة خرجت منها وهي تهمس:
        
        "العيب ليس عليه… بل عليهم، الأغبياء، الأوغاد... لم يسمعوا تحذيراتي، والآن، تحقق ما تنبأت به. لقد قُتلوا على يد ذلك الشيطان."
        
        أغمضت عينيها للحظة، كأنها تستمتع بالانتصار، ثم فتحتها مجددًا، وابتسامة خطيرة ارتسمت على شفتيها.
        
        "لكن رغم كل شيء… أنا سعيدة. النهاية التي توقعتها تحققت تمامًا."
        ابتسمت تيريزا بهدوء، نظراتها غامضة، وكأنها تحمل في قلبها كل الخير لذلك الملك الذي لم تكرهه يومًا.
        
        همست بصوت ناعم، كأنها تحدث نفسها: "إذاً، أيها الملك الأسود... سأجهز لك هدية الزفاف سريعًا."
        
        كان في عينيها بريق غريب، مزيج من الرضا والتحدي. لم تكن تخطط للانتقام، ولم تكن تحمل الكراهية. على العكس، كانت تحترمه، وربما... تؤمن بأنه الوحيد الذي يستحق البقاء.
        
        فرقعت تيريزا أصابعها، فانطلق الطائر بعيدًا، تاركًا السماء خلفه كأن شيئًا لم يكن.
        
        في ذلك القصر، وبالتحديد في الحديقة حيث كانت ليان وأسكاي، كانت الأجواء متوترة.
        
        نظرت ليان إلى أسكاي بامتعاض، وأبعدت يده عنها بضيق قائلة: "ابعد يدك عني! لماذا تسكتني؟ ماذا يحصل؟"
        
        ظل أسكاي صامتًا للحظة، ثم قال بصوت هادئ لكن حذر: "كنا مُراقَبين."
        
        اتسعت عينا ليان، وقالت بسرعة: "مِن؟! من يراقبنا؟"
        
        لم يبعد أسكاي نظره عن الشجرة التي كان يراقبها منذ قليل، وأجاب بصوت منخفض: "لا أعلم… يمكن أن تكون ساحرة."
        
        زفرت ليان بضيق، ووضعت يديها على خصرها قائلة: "هل لي بسؤال؟ ما علاقة الساحرات بكل شيء يحصل معنا؟!"
        
        نظر إليها أسكاي بسخرية باردة، وقال بصوت منخفض لكنه ممتلئ بالثقة:
        
        "وهل تعتقدين أني صدقت تلك الخرافة التي أخبرتِني بها؟! قرية تحولت إلى أحجار؟ خسوف قمر؟ أي خسوف وأي كسوف تتحدثين عنه؟!"
        
        اقترب خطوة منها، عينيه تلمعان بحدة أشبه بجمرات مشتعلة، ثم أكمل بصوت هادئ لكنه يحمل نبرة تهديد:
        
        "هل تعلمين كم عشتُ لأصدق مثل هذه الخرافات؟! أنا أكبر من جد جدك، يا ليان."
        
        تراجعت ليان خطوة إلى الخلف، نظراتها مترددة بين الغضب والذهول.
        
        "ماذا؟ ولكن..."
        
        لم يمهلها أسكاي الفرصة لإكمال حديثها، رفع يده بإشارة سريعة وقال بنبرة آمرة:
        
        "يجب أن تذهبي، أشعر بصداع منكِ… ليو، خذها من هنا."
        
        اتسعت عينا ليان بصدمة، استدارت بسرعة ونظرت نحو ليو الذي كان يقف خلفها بهدوء تام. لم تشعر بوجوده حتى هذه اللحظة.
        
        "ماذا؟! ليو هنا؟! منذ متى؟!"
        
        ثبت ليو عينيه عليها، وجهه بلا تعبير، ثم قال بصوت هادئ لكنه حازم:
        
        "لم أغادر مكاني."
        
        نظرت ليان إليهما بذهول، رفعت يديها مستسلمة وقالت بانفعال:
        
        "أنتم حقًا مجانين!"
        
        أمسك أسكاي رأسه بأصابعه، أغمض عينيه قليلاً وهو يشعر بصداع شديد، ثم تمتم بحدة:
        
        "أقسم لكِ يا ليان، لا أحد مجنون هنا… إلا عائلتكِ."
        
        أشار أسكاي إلى ليو بإيماءة سريعة، أمره بلا كلمات أن يأخذ ليان بعيدًا. ثم استدار وغادر متجهًا إلى غرفته، تاركًا ليان خلفه، مصدومة من كلماته القاسية التي ألقاها بلا تردد.
        
        شد ليو يدها بهدوء، سحبها معه دون أن يمنحها فرصة للاعتراض. كانت عيناها معلقتين بالمكان الذي اختفى فيه أسكاي، لكن جسدها تحرك بلا إرادة.
        
        قبل أن تغادر، استدارت بسرعة نحو عائلتها، ودعتهم بنظرات مختلطة بين الحزن والتردد، ثم استقلت العربة المتجهة إلى القصر، حيث ينتظرها مصير مجهول.
        
        بعد اربعة ايام
        
        انتشر خبر زواج الملك الأسود كالنار في الهشيم.
        
        في كل أرجاء المملكة، لم يكن هناك حديث سوى عن العروس الغامضة التي ستصبح زوجة الملك، وعن الحفل الأسطوري الذي يُشاع أنه سيكون الأعظم في تاريخ الممالك.
        
        البشر، المستذئبون، مصاصو الدماء، وحتى التنانين، جميعهم تحدثوا عن الحدث القادم. البعض رأى فيه بداية عهد جديد، والبعض الآخر اعتبره خطرًا يهدد التوازن.
        
        لكن وسط كل هذه الضجة، كان هناك من يراقب بصمت… ومن يخطط لشيء آخر تمامًا.
        
        وسط غرفة مضاءة بنور الشموع الخافت، جلست تيريزا تتمتم بكلمات قديمة، عيناها تتابعان ألسنة اللهب التي ترسم ظلالًا غامضة على الجدران. لم يكن أحد يعلم ما تخطط له، ولم تكن تريد أن يعرف أحد. كانت هديتها للزفاف جاهزة، لكنها لم تكن متأكدة مما سيحدث عندما يحين الوقت.
        
        في مكان آخر، كان جيفان يراقب بصمت، ملامحه لم تكشف عن شيء. لم يعترض علنًا، ولم يظهر مشاعره، لكنه لم يكن مستعدًا للوقوف متفرجًا. خططه كانت تسير في الخفاء، كل خطوة محسوبة، كل تفصيل مدروس. لم يكن أمامه سوى فرصة واحدة، ولن يدعها تضيع.
        
        بينما كانت المملكة منشغلة بالتحضيرات، كانت هناك قوى تتحرك بصمت، تنتظر اللحظة المناسبة لتكشف عن نواياها.
        
        ذهبت عائلة ليان إلى القصر الملكي للاستعداد لمراسم الاتحاد الملكي،كانت القاعة الكبرى مزينة بأفخم الزخارف، وأضيئت الشموع الضخمة التي عكست أضواءها الذهبية على الجدران المزخرفة.
        
        في هذه الليلة، اجتمعت مختلف الأعراق من البشر، المستذئبين، مصاصي الدماء، والتنانين للاحتفال بهذا الحدث العظيم. كان هذا الاحتفال تقليداً ملكياً، حيث تُقدم الهدايا للعروسين، وتُقام عروض موسيقية ورقصات تعبّر عن ثقافات الممالك المختلفة.
        
        بدأت المراسم عندما تقدم ممثلو كل مملكة حاملين هداياهم الفاخرة. قدمت مملكة التنانين درعاً من حراشف التنين الأزرق، رمزاً للحماية والقوة. أما مملكة مصاصي الدماء فقدمت قلادة نادرة تحتوي على ياقوتة مظلمة، يقال إنها تمنح مرتديها الحكمة والبصيرة. مملكة المستذئبين قدمت خنجراً مصنوعاً من الفضة والسحر القديم، دلالة على الولاء والتضحية.
        
        تلى ذلك العروض الاحتفالية، حيث عزف أمهر الموسيقيين ألحاناً ملكية، وأدت فرق راقصة من جميع الممالك لوحات مبهرة تعكس تراثهم وثقافتهم. كانت الأجواء مليئة بالحماس، والموسيقى تعزف بألحان تخترق القلوب، فيما تصاعدت أصوات الضحك والتهاني بين الحاضرين.
        
        وسط الحفلات الصاخبة والضجيج المتصاعد، وبين أنغام المعازف التي تملأ القاعة الكبرى بالحماس، كان المدعوون والزوار والنبلاء يحيطون بالمسرح الملكي، يحتفلون بالاتحاد المرتقب. الأضواء تتراقص مع إيقاع الطبول، وأصوات الغناء تمتزج مع تصفيق الحضور، لكن وسط كل هذا، كانت تيريزا تقف في زاوية معزولة، تراقب المشهد بعينين يملؤهما الحذر والترقب.
        
        لم تكن الحفلة بالنسبة لها مجرد احتفال، بل كانت لحظة حاسمة، نقطة تحول يجب أن تتم فيها خطتها. أصابعها لامست الحجر السحري الذي تحمله، وتشابكت نظراتها مع الطائر الغريب الذي استقر على إحدى العوارض الخشبية، يراقب القاعة مثل عين ثالثة لها. كانت تعرف أن الوقت يقترب، وأن لحظة إعادة الأرواح التي سُلبت سابقًا قد حانت.
        
        لكن في نفس اللحظة، وسط الضجيج، كانت هناك عيون أخرى تراقب بصمت، عيون تخفي نوايا مختلفة تمامًا
        المشهد يبدأ وسط الاحتفال الكبير، حيث امتلأت القاعة بالمدعوين من جميع الممالك. كانت الموسيقى تعزف، والأضواء تتلألأ، والجو يعج بالبهجة. النبلاء يقدمون الهدايا، والراقصات يتحركن بانسجام، والعازفون يعزفون ألحانًا ملكية.
        
        وسط هذا الضجيج، وقفت تيريزا بعيدًا، لا تشارك في الاحتفال، لكن عينيها ظلّتا مثبتتين على ليان وسكاي. بدأ الجو يتغير ببطء، حيث هبّت نسمة باردة غير محسوسة في البداية، ثم بدأ الهواء يتحرك على نحو غريب. لم يلاحظ الحاضرون ذلك، لكن في زاوية القاعة، رفعت تيريزا يدها ببطء.
        
        "حان الوقت..." نطقت بصوت خافت، لكنه حمل في طياته قوة مخيفة.
        
        شعرت ليان بقشعريرة تسري في جسدها، فيما تجمد سكاي في مكانه، كأنه استشعر أمرًا غير طبيعي. أصبح الهواء في القاعة أثقل، كأن شيئًا غير مرئي يتحرك في الأجواء. اهتزت الشعلات التي تنير القاعة، وكأنها تصارع ريحًا غير محسوسة. لم تتوقف الموسيقى، لكنها بدت بعيدة ومشوشة.
        
        نطقت تيريزا بكلمات غامضة، غير مفهومة لأي شخص، وفجأة، اجتاحت القاعة موجة من الرياح العاصفة، فتطايرت الأقمشة وخفتت الأضواء للحظة. بدأ الحاضرون يشعرون بشيء غريب، واتجهت أنظارهم نحو تيريزا، لكن قبل أن يدركوا ما يحدث، عاد كل شيء إلى طبيعته وكأن شيئًا لم يكن.
        
        ارتجفت ليان، وأخذت نفسًا عميقًا، كأنها عادت من حلم غريب. أما سكاي، فقد بدا للحظة متجمدًا، لكنه سرعان ما استعاد سيطرته على نفسه. أنزلت تيريزا يديها، ونظرت إليهما بنظرة غامضة، قبل أن ترتسم على شفتيها ابتسامة خفيفة.
        
        "تم الأمر."
        
        لكن لم يكن أحد يعلم حقًا ما الذي تم
        
        قبل أن تتمكن ليان من استيعاب ما حدث أو التعبير عن فرحتها بعودتها إلى جسدها، شعرت بيد قوية تمسك بمعصمها. التفتت بسرعة، لتجد جيفان أمامها، نظراته كانت حادة وعازمة. لم يمنحها فرصة للكلام، سحبها خلفه بقوة، مخترقًا الحشود التي كانت لا تزال منشغلة بالاحتفال.
        
        وسط الضجيج والمعازف، لم يلحظ أحد اختفاءها. الأضواء، الضحكات، الموسيقى الصاخبة—كل شيء استمر كما هو، كأن شيئًا لم يحدث. جيفان تحرك بسرعة، ينسل بين الممرات الخفية، يبتعد بها بعيدًا جدًا، بعيدًا عن أنظار المدعوين، بعيدًا عن القصر، بعيدًا عن أي شخص قد يمنعه مما ينوي فعله.
        
        ذهبت تيريزا إلى قاعة المدعوين، تشق طريقها بين الحشود والنبلاء، لكن هذه المرة بجسدها الحقيقي. لم تكن تلك العجوز المنحنية التي عرفها الجميع، بل كانت فتاة شابة، ساحرة الجمال، ذات حضور آسر لا يمكن تجاهله.
        
        عيون المدعوين التفتت نحوها، الدهشة مرسومة على وجوههم. البعض تراجع خطوة، غير مصدق لما يراه، والبعض الآخر لم يستطع أن يشيح بنظره عنها. ثوبها الأسود الطويل انسدل على الأرض بخفة، وشعرها الفضي اللامع انعكس مع أضواء القاعة، كأنه يشع بنوره الخاص.
        
        تحركت تريزا برشاقة، خطواتها كانت محسوبة بدقة، كأنها ترقص وسط بحر من النبلاء والمدعوين. لم تكن تلك العجوز الغامضة التي عرفها البعض، بل شابة فاتنة يشع منها سحر خاص.
        
        وصلت أمام العرش الملكي، انحنت برقة، وابتسامتها تحمل مزيجًا من اللطف والغموض. عيناها، رغم هدوئهما، حملتا سرًا دفينًا.
        
        قالت بصوت ناعم، ينساب كالموسيقى، لكنه رغم رقته، حمل قوة مخفية جعلت البعض يشعر بقشعريرة خفيفة:
        
        "مولاي الملك... هل لي بشرف الحديث معك؟"
        
        سكاي لم يغيّر تعبيره. رد بنظرة باردة، محايدة، لكنه في داخله كان يحاول تحليل كل تفصيلة في حضورها المفاجئ. هل ظهورها بهذا الشكل مجرد صدفة؟ أم أن لها يدًا في كل ما حدث؟
        
        بصوت هادئ، لكنه يحمل نبرة حادة لا تخطئها الأذن، قال:
        
        "هل لكِ دخل في هذا الأمر؟ هل لكِ علاقة بما حدث بيني وبين ليان؟"
        
        التوتر في الجو كان محسوسًا. المدعوون استمروا في احتفالهم، غير مدركين للحوار المشتعل بين الملك وتلك المرأة التي لم تكن كما تبدو.
        
        تريزا لم ترد فورًا. نظرت إلى سكاي بعينيها العميقتين، ثم ارتسمت على شفتيها ابتسامة بطيئة تحولت إلى ضحكة ناعمة، خافتة، لكنها كانت تحمل شيئًا غريبًا، شيئًا لا يُطمئن.
        
        رفعت يدها برفق، لمست شفتيها كأنها تحاول كتم ضحكتها، ثم همست بصوت بالكاد يُسمع:
        
        "أوه، مولاي... أيعقل أنك لا تزال تشك؟"
        
        ضحكتها لم تكن مجرد سخرية، بل كأنها تراقصت مع الهواء من حولها، كأنها كانت جزءًا من اللغز الذي لم يُحل بعد.
        
        تريزا لم تتوقف عن الابتسام، بل ازدادت نظراتها عمقًا وهي تراقب تعابير سكاي المتوترة. تقدمت خطوة أخرى، انحنت قليلًا وكأنها تهمس بسر لا يجب أن يسمعه أحد غيره.
        
        "بل تأكد، يا عزيزي الملك..."
        
        رفعت عينيها إليه مباشرة، نظرة واثقة، ثابتة، تحمل في طياتها الكثير من الغموض.
        
        "أنا السبب في هذا."
        
        سكنت القاعة للحظة، كأن الهواء ذاته توقف عن الحركة. الموسيقى استمرت، لكن بدا وكأنها آتية من مكان بعيد جدًا، كأن كل شيء حولهما قد تلاشى.
        
        سكاي لم يرد فورًا. عيناه تضيقان قليلًا، يحاول أن يستوعب كلماتها. هل كانت تتلاعب به؟ أم أنها تقول الحقيقة؟
        
        لكن قبل أن يتمكن من طرح سؤاله التالي، كانت تريزا قد ابتعدت قليلًا، رفعت ذراعها بانسيابية، وكأنها تُلقي بتحية مسرحية، ثم أضافت بهدوء، وكأن الأمر كله مجرد لعبة ممتعة:
        
        "سأترك لك الوقت، لتدرك كيف فعلت ذلك..."
        
        ثم استدارت برشاقة، متجهة بين الحشود، تاركة الملك مع أسئلته التي لم يجد لها إجابة بعد.
        
        وحد الله ♥
        the end ♥
        
          

        طلب الزواج - اسطوره الملك الأسود

        طلب الزواج

        2025, سما أحمد

        رومانسية

        مجانا

        في قاعة تجمع ملوك الممالك الأربعة، تدخل تيريزا الساحرة الأقوى، محذرة من مستقبل قاتم ينتظرهم. تتنبأ بولادة الملك الأسود أسكاي، الهجين الذي سيحمل قوة لا تُقهر، ويهدد بانقراض السلالة الملكية. كلماتها تترك الجميع في صمت مشحون بالخوف والتردد أمام المصير المحتوم.

        ......

        ......
        تم نسخ الرابط
        اسطورة الملك الاسود

         بعد اسبوع
        
        داخل القصر الملكي
        
        وقف ليو أمام باب الغرفة الملكية التي تنام فيها ليان. طرق الباب مرة، لم يسمع ردًا. طرق مجددًا، لكن نفس الصمت كان جوابه. زفر بضيق، لم يكن يملك الوقت لهذا. فتح الباب ودخل إلى الغرفة.
        
        ليان كانت نائمة بعمق، وكأنها في عالم آخر.
        
        تحرك ليو بسرعة نحو الخزانة الملكية، أخرج رداءً ملكيًا مناسبًا للمناسبة المهمة التي جاء من أجلها. جهز الحمام بسرعة، ولم ينسَ تحضير كل شيء لتكون جاهزة في أسرع وقت. رغم كل الضوضاء التي أحدثها، لم تتحرك ليان من مكانها ولو قليلًا.
        
        أخيرًا، اقترب منها، انحنى قليلًا وربت على كتفها بلطف لكنه تحدث بصوت جاد:
        
        — "ليان، استيقظي بسرعة! جلالة الملك بانتظارنا."
        
        تنهدت ليان بكسل وهي تتمدد قليلًا، فتحت عينيها بتثاقل، لتجد وجه ليو أمامها مباشرة.
        
        صرخت بأعلى صوتها، لكن المفاجأة لم تكن في الصرخة نفسها، بل في الصوت الذي خرج منها… كان صوت اسكاي!
        
        ليو أغلق أذنيه فورًا، وكأنه كان يتوقع هذا، وقال بملل:
        
        — "هذا يحدث كل صباح…"
        
        ثم دون أن ينتظر أي كلمة أخرى، أمسك اللحاف وسحبه عنها:
        
        — "هل انتهيتِ؟ لا تنسي أنكِ في جسد الملك."
        
        نظرت له ليان بارتباك وقالت بهدوء:
        
        — "أعلم، لكن لم أعتد على الأمر بعد."
        
        لوّح ليو بيده بلامبالاة:
        
        — "ستعتادين، لا تقلقي. والآن كفانا كلامًا! إلى الحمام فورًا، لدينا أمر مهم جدًا."
        
        نظرت له ليان بارتباك وسألت:
        
        — "ما هو؟!"
        
        قال ليو بجديّة:
        
        — "ستعرفين حين تنتهين من التجهيز، لا وقت لنضيعه، تحرّكي!"
        
        بعد مرور بعض الوقت، كانت ليان قد انتهت من ارتداء الزي الملكي واستعدت بالكامل. خرجت من القصر متجهة نحو العربة الملكية، حيث كان الحراس يحيطون بها من كل جانب.
        
        قبل أن تصعد، توقفت فجأة والتفتت نحو ليو، عاقدة حاجبيها بفضول:
        
        — "الآن، هل ستخبرني أخيرًا إلى أين نحن ذاهبون؟"
        
        ابتسم ليو بخفة وقال:
        
        — "اركبي العربة أولًا، ثم سنتحدّث."
        
        جلست ليان داخل العربة الملكية، تحاول استيعاب ما ستفعله. ستتقدم بطلب يد نفسها، لكن بجسد اسكاي! شعرت أن الأمر كله مزحة سيئة، لكنها لم تكن تملك خيارًا آخر.
        
        أخذت نفسًا عميقًا ونظرت إلى ليو، الذي جلس أمامها، يبدو أكثر هدوءًا مما ينبغي.
        
        — "إذن، سأطلب يد نفسي، والملك سيوافق بجسدي… هل تدرك مدى جنون هذا؟"
        
        رفع ليو حاجبًا ساخرًا:
        
        — "الحقيقة أنني أجد الأمر ممتعًا بعض الشيء."
        
        زفرت ليان بضيق وأشاحت بوجهها إلى النافذة، تراقب الممرات الملكية التي تعبرها العربة. كان الحراس يحيطون بها من كل الجهات، كأنها في طريقها لخوض حرب، وليس لطلب الزواج.
        
        بعد دقائق، توقفت العربة أمام بوابة القصر عائله ليان. ارتفع صوت الأبواق، وأعلن أحد الحراس بصوت رسمي:
        
        — "وصول جلالة الملك اسكاي!"
        
        أخذت ليان لحظة لاستجماع نفسها. لا مجال للأخطاء، الجميع يرونها كملك الآن. تنفست بعمق، رفعت رأسها، ونزلت من العربة بخطوات واثقة، كما لو كانت تسيطر على الوضع بالكامل.
        
        لكن الحقيقة؟
        
        لم تشعر يومًا بأنها أقل سيطرة على حياتها مما تشعر به الآن.
        
        نزلت ليان من العربة، وعينيها تتأملان المشهد أمامها. رأت عائلة واقفة أمام القصر، يبتسمون جميعًا باعتبارها الملك الأسود، لكن أمها، التي كانت تعرف الحقيقة، كانت تبتسم من قلبها. لم يكن أحد يعلم بسرها.
        
        وقفت ليان بشموخ، وأخذت خطوات ثابتة نحو عائلتها، محاطة بهالة من القوة، ثم ارتدت وجهًا باردًا لا يظهر أي مشاعر. كان جدها أول من قابلها، وانحنى احترامًا وقال:
        
        — "أهلاً بجلالتك، شرفت قصري المتواضع. لكن ما سبب مجيئك إلى هنا؟ كنت قد أرسلت أحد الحراس كي نأتي إليك."
        
        نظرت ليان إليه بثبات وقالت:
        
        — "أهلاً بك... لقد جئت خصيصًا لأن هذا الموضوع يستدعي أن أكون هنا بنفسي."
        
        تملك التوتر الجميع، لكن الجد، الذي كان يعرف كيف يتعامل مع مثل هذه المواقف، تحدث بسرعة قائلاً:
        
        — "تفضل جلالتك، إلى الداخل."
        
        دخلت ليان مع عائلتها وأغلقت خلفهم الأبواب الضخمة للقصر، حيث كان الجو مفعمًا بالترقب والسرية.
        
        وصلوا إلى القاعة، وأشار الجد إلى الكرسي الأوسط قائلاً:
        
        — "جلالتك، تفضل بالجلوس هنا."
        
        لكن ليان نظرت إلى الكرسي لفترة ثم ردت بهدوء:
        
        — "لا، هذا الموضوع لا يستدعي أن أجلس هناك، سأجلس هنا."
        
        جلست ليان بجانب ليو، بينما جلس الجد في الوسط، والعائلة جلسوا بجانب بعضهم في الاتجاه الآخر.
        
        بدأت ليان تبحث بعينيها عن اسكاي، لكن ما لفت انتباهها هو جيفان الذي كانت يده مكسورة. لم تجد اسكاي في أي مكان، مما أثار ملامح الاستغراب على وجهها.
        
        لاحظ الجد نظرها، فتكلم قائلاً:
        
        — "جلالتك، هل تبحث عن أحد؟"
        
        ردت ليان ببرود، دون أن تبدل تعبير وجهها:
        
        — "نعم، أنا أبحث عن تلك التي أنا بسببها هنا."
        
        قال أودين، والدها، مبتسمًا:
        
        — "من ابنتي ليان."
        
        هزت ليان رأسها بالإيجاب، مؤكدة كلامه.
        
        نظرت العائلة إلى بعضها البعض في حالة استغراب، وكان التوتر يملأ وجوههم.
        
        لكن أوغست، أحد أفراد العائلة، قطع لحظة التوتر وقال للخادمة:
        
        — "اذهبي وأحضري ليان هنا بسرعة."
        
        ركضت الخادمة بسرعة لتلبية طلبه، بينما نظر أودين إلى الملك، وسأله:
        
        — "هل فعلت ليان شيئًا خاطئًا؟"
        
        — "أجل، لقد سرقت قلبي من النظرة الأولى."
        
        نظر ليو إليها بسرعة، وملامح الصدمة والدهشة كانت أكثر وضوحًا في وجهه من جميع أفراد عائلة ليان. كان ليو على وشك أن يصاب بسكتة قلبية من الجملة التي خرجت من فمها.
        
        كانت العائلة تنظر إلى بعضها البعض، وأفواههم مفتوحة من الصدمة، وكانت ملامحهم تعكس دهشتهم التامة.
        
        نظرت ليان إليهم، مشوشة ولا تفهم ما يحدث. ثم، وبتردد، أدارت وجهها نحو ليو وهمست له:
        
        — "ليو، ليو، ما بك؟ هل قلت شيئًا خاطئًا لهم؟"
        
        رد ليو بغضب، وهو يهمس لها:
        
        — "ما تلك الجملة المبتذلة الغبية؟ ما الحب وما النظرةشذذذ ذشذش الأولى؟ ما هذا الهراء؟ ما هذا الكلام الفارغ؟ هل تعلمين لماذا هم في تلك الحالة؟ لأنهم يعرفون أن الملك الذي لا يعرف الرحمة لا يمكن أن يقع في الحب! لقد عاش آلاف السنين ولم يحب أبدًا، وأنتِ تقولين إنه أحبك من النظرة الأولى؟ هل أنتِ حمقاء؟"
        
        كان الغضب في صوت ليو واضحًا، وكان على وشك الانفجار من شدة ما شعر به من المفاجأة.
        
        قبل أن يتكلم أحد، دخل اسكاي في جسد ليان، وكان في كامل زينته. نظر ليو إلى اسكاي، الذي كان في جسد ليان، ولكنه نسى تمامًا أن هذا الشخص هو الملك الذي يتحدث عنه.
        
        همس ليو إلى ليان، التي كانت تجلس بجانبه، قائلاً:
        
        — "ليان، أعتقد أنني وقعت في حبك من النظرة الثانية. ما رأيك أن أتزوجك؟"
        
        نظرت ليان إليه، معالم الفخر تملأ وجهها، ثم ردت قائلة:
        
        — "ما رأيك؟ ألا تراني جميلة؟"
        
        قال ليو بابتسامة:
        
        — "أنتِ جميلة جدًا."
        
        في هذه اللحظة، جلس اسكاي بجانب أمها، ورأسه منخفض في وضع من التواضع والاحترام.
        
        ثم تكلمت ليان وقالت:
        
        — "إذاً، لقد أتت ليان. إذاً لنبدأ في الموضوع."
        
        ثم التفتت إلى الحضور وقالت:
        
        — "سيد هارولد، سيد أودين، وسيد أوغست. أنا هنا لأطلب يد ابنتكم، ليان، لتكون قرينتي وملكتِ."
        
        كان الجو مليئًا بالتوتر والترقب، وكان كلام ليان يُشعر الجميع بالجدية والاحترام في آنٍ واحد.
        
        فجأة، غمرت العائلة حالة من الفرح والدهشة الشديدة. سيد هارولد كان أول من تراجع عن صمته، وهو يبتسم بدهشة وقال:
        
        — "هل تقول الحقيقة؟ هل يطلب الملك يد ابنتنا؟ هذا شيء لم نتوقعه!"
        
        سيد أودين كانت عيناه تلمعان بالدهشة، ثم ابتسم وهو يضع يده على صدره قائلاً:
        
        — "لم أتوقع هذا، ولكن إذا كان هذا ما ترغب فيه، فسنرحب بذلك. هذا شرف كبير لنا."
        
        قالت ليان بهدوء: "إذاً، هل أنتم موافقون على هذا الطلب؟"
        
        رد هارولد بسرعة: "بطبع نحن موافقون، لكن قبل أن نرد عليك، يجب أن نأخذ رأي ليان... ليان، ما رأيك؟ هل أنتِ موافقة؟"
        
        أجاب اسكاى بثقة: "لا يوجد رد بعدك يا جدي."
        
        كان الجميع يبدو سعيدًا وموافقًا على هذا الاقتراح، إلا أن جيفان انفجر بغضب، غير مدرك تمامًا لمن يتحدث. قال بصوت مرتفع: "لا، أنا لست موافقًا. أنا أعترض على هذا! هذه العلاقة لن أسمح بها، لن أدع ليان تتزوجك أيها الملك الأسود!"
        
        ثم استمر جيفان في حديثه بغضب، مشيرًا إلى الملك دون أن يدرك أنه يتحدث مع الملك الأسود ذاته. "لن أدع ابنة عمي تتزوج من شخص مثلك، أنت مجرم! ليس لديك رحمة ولا رأفة. كيف أسمح لـ ليان، الصغيرة اللطيفة المحبة للناس، أن تُدفن في هذا؟ حتى إذا وافقت ليان أو وافقت العائلة، فكلهم خائفون منك فقط! لكن ليان لا تخاف، هي فقط خائفة من رد فعل عمي. أما أنا، فلا أخاف من أحد أيها الوحش!"
        
        في تلك اللحظة، كانت الأجواء مشحونة بالدهشة والقلق. الجميع في القاعة صمتوا فجأة بعد كلمات جيفان الغاضبة. نظروا إليه بصدمة، لا يعرفون كيف سيتصرف إسكاي في هذا الموقف.
        
        إسكاي الذي كان في جسد ليان، بقي هادئًا، لكن عينيه كانت تحمل نارًا خفية. رفع رأسه بهدوء، ونظر إلى جيفان بنظرة مليئة بالقوة والتهديد دون أن ينطق بكلمة واحدة.
        
        وفجأة ، أخرج ليو سيفه بسرعة ووجهه نحو جيفان ، وكان سيقطع رأسه في لحظة ، لولا أن اسكاي نظر إليه نظرة حادة وأشار له أن يضع سيفه.
        قالت ليان بحزم: "ليو ، اجلس الآن".
        عاد ليو وأعاد سيفه إلى مكانه ، وجلس على الفور.
        قالت ليان بصوت ثابت: "جيفان ، أنا أحب ليان ، ولن أؤذيها أبداً".
        ضحك جيفان بسخرية وقال: "الملك الأسود يعرف الحب؟! الملك الأسود يعرف كيف يحب؟! هذا أمر جديد! أنت شيطان لا يعرف شيئاً عن الحب".
        نظرت ليان إليه بصدمة ، وكل العائلة كانت متفاجئة ، غير قادرة على تصديق ما سمعته.
        نظر اسكاي إلى ليو بنظرة غضب شديدة ، وكأن نظرته تقول:
        "تصرف ، قبل أن أقتله".
        
        ارتعب ليو من نظرة الملك له، وكان أوغست على وشك التحدث، لكن ليو أسرع بالكلام وقال بصوت حازم:
        
        "اسمع أيها الطفل الغبي الذي تتحدث عنه هو الملك الأسود، أيها الأحمق لو كان لا يعرف الحب كما تقول، لما تقدم لطلب يد ليان كان سيصدر أمرًا بزواجها فورًا دون الرجوع إليكم حبه لها هو الذي جعله يتقدم لها. وعندما تقول العائلة أو الكبار 'موافقون'، لا يحق لك التدخل، أيها الطفل. وبما أن صاحبة الشأن موافقة، فهذا يعني أنه لا دخل لك في هذا! وعندما يتكلم الكبار، يجب أن يصمت الصغار، أيها الطفل الرضيع."
        
        قال هارولد بسرعة: "يلزمك الاعتذار الآن، جيفان! كيف تتحدث هكذا؟ اعتذر الآن!" انتهى كلامه بصراخ شديد.
        
        نظر جيفان إلى الجميع بغضب، ثم غادر القاعة وهو يطرق بقدميه.
        
        نظر اسكاى إلى جيفان مغتاظًا، وقال في نفسه: "أقسم لك، أيها الرضيع، لن أجعلك تعيش يومًا سعيدًا. سأخرب حياتك، سأقلبها رأسًا على عقب. ستندم على اليوم الذي ولدت فيه."
        
        قال أوغست: "أعتذر منك، يا جلالتك، على قلة أدبه."
        
        قالت ليان بحزم: "حسنًا، نعود إلى موضوعنا. سنحدد موعد الزواج بعد أسبوع من الآن."
        
        قال أودين بدهشة: "بتلك السرعة؟"
        
        أجابت ليان بثقة: "أجل، هل لديك مانع، سيد أودين؟"
        
        أجاب أودين: "لا، جلالتك، لكن لم تتعرفوا على بعض بعد."
        
        قالت ليان مبتسمة: "حسنًا، دعونا نتعرف الآن."
        
        قال هارولد بحماس: "حسنًا، ليان، ما رأيك أن تأخذي جلالته لكي يرى القصر؟"
        
        قال اسكاى مبتسمًا: "حسنًا، جدي، هيا جلالتك، لنذهب."
        
        تحرك أسكاي بعيدًا مع ليان وليو، تاركين العائلة خلفهم. ما إن أصبحوا وحدهم حتى اندفع ليو ليحتضن أسكاي بقوة، قائلاً بحماس:
        
        "جلالتك، اشتقت لك كثيرًا! أرجوك، أوجد حلًا لهذه المشكلة بسرعة."
        
        لكن ليان لم تكن لتسمح بذلك، فأبعدته عن أسكاي بعنف قبل أن تضع يديها على صدره وتقول بسخرية:
        
        "لا تحضنه أيها الوغد! أنا من يجب أن يحتضن هذا الجسد، لقد اشتقت له أكثر منك!"
        
        ثم ارتمت في أحضان أسكاي، متظاهرة بالبكاء، وهي تهمس بمبالغة:
        
        "كم اشتقت لك، يا عزيزي… جسدي العزيز!"
        
        أبعدها أسكاي عنه بسرعة وهو يرمقها ببرود.
        
        "ما هذه الدراما السخيفة؟ كفاكِ عبثًا. سنجهز للزفاف قريبًا."
        
        ردت ليان بلا مبالاة:
        
        "حسنًا…"
        
        لكن فجأة، لمعت في ذهنها صورة يد جيفان، فتغيرت ملامحها وهي تسأل بقلق:
        
        "سيد أسكاي… ماذا حدث لجيفان؟ ماذا حلّ بيده؟"
        
        أجاب أسكاي ببرود:
        
        "كسرتها له."
        
        اتسعت عينا ليان بصدمة، ثم صرخت غاضبة:
        
        "ماذا؟! لماذا فعلت ذلك؟!"
        
        رمقها أسكاي بملل وأجاب ببرود:
        
        "لأنه قال كلامًا مزعجًا."
        
        "وماذا قال ليجعلك تحطم يده؟!"
        
        تنهد أسكاي وهو ينقل نظراته نحوها:
        
        "قال إنه لا يعلم إن كنت قد قبلتك أم لا، وأضاف أنه حتى أرخص الجاريات عنده أجمل منكِ."
        
        ساد الصمت للحظة قبل أن تبتسم ليان بسخرية وهي تقول ببرود:
        
        "أتعلم؟ لا أحد مزعج هنا سواك، لكنك محق، لو كنت مكانك لكنت كسرت عنقه وليس يده. كيف يجرؤ على قول شيء كهذا؟ مقزز…"
        
        لم يهتم أسكاي بتعليقها، بل التفت نحو ليو وسأله بجدية:
        
        "ليو، هل حصل شيء غير عادي في القصر أثناء غيابي؟"
        
        تجمد ليو للحظة، وتذكر على الفور ذلك الموقف اللعين الذي تسببت فيه ليان مع العجوز، لكنه قرر إخفاء الأمر خوفًا من ردة فعل الملك.
        
        أخفض رأسه وقال بثبات:
        
        "لا، جلالتك. لكن الرسائل التي أمرت بإرسالها إلى الممالك تم إرسالها، وقد وصلتنا الردود."
        
        "جيد، إذًا أرسل إعلانًا إلى جميع الممالك: الملك الأسود سيتزوج بعد أسبوع."
        
        قبل أن يكمل حديثه، قاطعته ليان بسرعة:
        
        "انتظر، لدي سؤال! لماذا كل ملابسك بشعة؟ كلها سوداء ورمادية، لا يوجد أي شيء مبهج! ولماذا غرفتك ليست فاخرة بينما الحمام يبدو وكأنه قصر؟ لدي الكثير من الأسئلة لك!"
        
        رفع أسكاي حاجبه وهو ينظر إليها ببرود، بينما ليو كتم ضحكته بصعوبة.
        
        تحدث الملك الأسود ببرود حاد، عينيه تعكسان نظرة متعالية وهو ينظر إلى ليان وكأنها مجرد مصدر إزعاج:
        
        "هل أنتِ حمقاء؟ عن ماذا نتحدث؟ وما الذي تهذين به؟ لن أجيب على أي سؤال لكِ أبدًا، ولديّ سببان لذلك.
        
        أولًا، أنا الملك الأسود. كيف تتوقعين أن أرتدي ما تريدين؟ هل تظنين أنني سأرتدي ألوانًا بشعة كالأحمر والأخضر؟ هذا لن يحدث أبدًا.
        
        ثانيًا، لا شأن لكِ بغرفتي. ستبقين فيها دون أي تعليق، ولن أسمح لكِ بإبداء رأيك في شيء يخصني. هل هذا واضح؟
        
        أما عن بقية الأسئلة… فلا داعي لها. سنكون متزوجين قريبًا، وعندها لا أريد سماع صوتك المزعج أبدًا."
        
        قبضت ليان يديها، عيناها اشتعلتا بالغضب، وحدّقت فيه بجرأة قائلة:
        
        "اسمع أيها الملك! لماذا أنت وليو متشابهان إلى هذا الحد؟ نفس الغطرسة، نفس الأسلوب المزعج! هل تعتقد أنك مميز؟!"
        
        رفعت رأسها بتحدٍّ وأضافت بسخرية:
        
        "ثم عن أي صوتٍ مزعج تتحدث؟ هذا ليس صوتي، بل صوتك أنت أيها الملك المغرور!"
        
        ارتفع حاجب أسكاي قليلًا، ثم قال ببرود قاتل:
        
        "أعلم أنه صوتي، لكني أقصد ذلك الصوت الذي أضطر لاستخدامه عندما تتفوهين بشيء غبي. حينها، أضطر للرد عليكِ، فأسمع صوتك المزعج، وأنا لا أريد ذلك."
        
        ساد الصمت للحظات، لم يكن صمت هدوء، بل صمت صراع خفي بين عاصفتين، كلاهما يرفض أن ينكسر أمام الآخر.
        
        انصدمت ليان من كلماته. وقفت مذهولة، لم تستطع استيعاب ما قاله للتو. كيف يمكن لشخص أن يتحدث بهذا البرود عن شيء كهذا؟
        
        أما أسكاي، فقد تجاهل صدمتها تمامًا، ثم التفت إلى ليو وقال بصوت خالٍ من الاهتمام:
        
        "ليو، هل فعلت تلك الفتاة أي شيء غبي؟"
        
        رد ليو بهدوء:
        
        "لا، جلالتك. لم تفعل شيئًا على الإطلاق، ولم تغادر الغرفة. فقط نشرت في القصر أنك مريض."
        
        هز أسكاي رأسه ببرود، ثم قال:
        
        "حسنًا، جيد. ليو، استعد للزفاف. أريد أن يتم كل شيء على أكمل وجه."
        
        شعرت ليان بوخزة ألم في قدميها، فتألمت قليلًا قبل أن تقول:
        
        "قدماي تؤلماني… لماذا لا تجلسون؟"
        
        جلس الجميع، ثم نظرت ليان إلى أسكاي وسألته بجدية:
        
        "جلالتك، عندما نجد حلًا لهذه المشكلة… هل سأكون بالفعل زوجتك أم لا؟"
        
        ابتسم أسكاي بسخرية، ثم قال:
        
        "كنتِ تتهكمين على أنني وليو نتحدث بنفس الأسلوب، لكن يبدو أنكِ ووالدتكِ تتحدثان بنفس الطريقة أيضًا."
        
        تجمدت ليان للحظة، ثم نظرت إليه باستغراب:
        
        "أمي؟ لماذا سألتك هذا السؤال؟!"
        
        قال ببرود تام، وكأن كلماته ليست سوى حقيقة باردة:
        
        "لأنها عرفت أننى لست ابنتها. أحترمها على هذا، لكنها لم تفعل المستحيل لتتأكد. حتى لو أتى طفل ، كان سيعرف أننى لست أنتِ."
        
        اشتعل الغضب في عيني ليان، وقبل أن تتحدث، قطع صرختها صوتٌ آخر.
        
        "ليان!!"
        
        التفتت ليان بسرعة، لترى والدتها، لورين، تجري نحوها ودموعها تنهمر بحرقة. في لحظة، كانت بين ذراعيها، تحضنها بقوة وكأنها تخشى أن تختفي من بين يديها.
        
        شدّت ليان ذراعيها حول والدتها، محاوِلة تهدئتها رغم ارتجاف قلبها.
        
        لكن اللحظة لم تدم طويلًا.
        
        أسكاي تقدم إليهما بملل، ثم فصل بينهما ببرود، قائلاً:
        
        "سيدة لورين، أنتِ تحتضنين جسد الملك."
        
        تراجعت لورين فورًا، معتذرة، لكن قبل أن تتحدث، قاطعتها ليان بغضب:
        
        "سيد مفصول! لماذا فعلت ذلك؟ اشتقتُ لأمي، وأمي اشتاقت لي! لماذا تفصلنا في هذه اللحظة؟! أنت ووجهك هذا!"
        
        رفع أسكاي حاجبه بسخرية وقال بهدوء مستفز:
        
        "حقًا؟ هذا الوجه ليس وجهي، أيتها الجميلة."
        
        ردّت ليان بحدة، عيناها تضيقان بغضب:
        
        "أيها الذكي، لم أقصد وجهي، بل قصدت وجهك! هذا الوجه الكئيب! كيف يمكنك أن تعيش بلا مشاعر؟ كيف يمكنك أن تكون بهذه القسوة؟!"
        توقفت ليان للحظة، ثم تابعت بسخرية، عيناها تحدقان في أسكاي وكأنها تحاول اختراق قناعه البارد:
        
        "كيف؟ كيف لم تزرف دمعة واحدة؟ لا تقل لي: (أنا الملك الأسود، أنا لا أرحم). توقف عن هذا الهراء! أنت بشري، حتى لو كنت هجينًا، لا تزال تمتلك قلبًا!"
        
        نظر إليها أسكاي بلا أي تغيير في ملامحه، صوته خرج بارداً كعادته:
        
        "إذاً، ماذا تريدين الآن؟"
        
        خفضت ليان عينيها للحظة، ثم رفعت رأسها مجددًا وقالت بصوت هادئ لكنه يحمل تحديًا دفينًا:
        
        "لا أريد شيئًا."
        
        نظرت لورين إلى ليان بحنان، دموعها لم تجف بعد، وقالت بصوت دافئ:
        
        "ابنتي… لقد اشتقتُ إليكِ كثيرًا، يا عزيزتي."
        
        قبل أن ترد ليان، قُطع المشهد بدخول أودين المفاجئ. وقف امامهم ، ينظر إليهم جميعًا بصدمة واضحة. تجمد الجميع في أماكنهم، بينما كانت نظراته تتنقل بين ليان، لورين، وأسكاي.
        
        صوته خرج حادًا ومليئًا بالارتباك:
        
        "عزيزتي… لماذا تتحدثين مع جلالة الملك وكأنها ليان؟ كيف تقولين إنكِ اشتقتِ إليها؟ ولماذا احتضنتِ جلالته؟!"
        
        تقدم خطوة أخرى، عينيه تضيقان بشكٍّ:
        
        "ماذا يحصل هنا بالضبط؟ أريد تفسيرًا فوريًا!"
        
        نظر إلى ليان مباشرة، وكأنها المصدر الوحيد الذي يمكنه كشف هذه الفوضى، ثم قال بارتباك وغضب:
        
        "ولماذا كنتِ تتحدثين مع سموه بذلك الأسلوب الجاف؟ سوف أجن! ما الذي يحدث؟!"
        
        وحد الله ♥
        
        The end
        
        

        Pages

        authorX

        مؤلفون تلقائي

        نظام شراء