اسطوره الملك الأسود - اللحظة التي غيرت كل شى
اللحظة التي غيرت كل شى
2025, سما أحمد
رومانسية
مجانا
في قاعة تجمع ملوك الممالك الأربعة، تدخل تيريزا الساحرة الأقوى، محذرة من مستقبل قاتم ينتظرهم. تتنبأ بولادة الملك الأسود أسكاي، الهجين الذي سيحمل قوة لا تُقهر، ويهدد بانقراض السلالة الملكية. كلماتها تترك الجميع في صمت مشحون بالخوف والتردد أمام المصير المحتوم.
......
......
"لماذا كنتِ تتحدثين مع سموه بذلك الأسلوب الجاف؟ سوف أجن! ما الذي يحدث؟!" تبادل الحاضرون النظرات في دهشة، بينما ساد الصمت للحظات. تقدمت لورين بخطوات ثابتة وقالت بصوت هادئ: "عزيزي، أنا فقط أوصي جلالة الملك على ليان. لقد انفعلت قليلًا، و... احتضنتها بدافع القلق." نظر إليها للحظات قبل أن يقول: "حسنًا، لكن اعتذري إلى جلالته على انفعالك، وأنتِ كذلك، ليان." استدارت لورين إلى الملك وانحنت قليلًا: "أعتذر، جلالتك، لم أقصد التحدث بذلك الشكل." لحقتها ليان قائلة بنبرة خافتة: "أعتذر أيضًا، لم يكن من المفترض أن أرد بتلك الطريقة." أومأ الملك ببطء، أمسك بيد لورين وأخذها بعيدًا، تاركًا ليان وحدها مع أسكاي. التفتت ليان إلى أسكاي، وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تهمس بابتسامة خفيفة: "أشعر براحة شديدة..." قبل أن تكمل جملتها، تحرك أسكاي بسرعة خاطفة، وضع إصبعه على شفتيها، وهمس بصوت منخفض لكن حازم: "هشش... لا تنطقي بكلمة." كان ضوء الشمس يتسلل بين أوراق الأشجار، والحديقة من حولهما تنبض بالحياة، لكن أسكاي كان متوترًا. عيناه لم تفارقا نقطة معينة بين الأشجار، كأنه استشعر حركة غريبة. نظر أسكاي إلى الشجرة التي أمامه، كانت عيناه متركزة على أغصانها، يراقبها بحدة. شيء ما لم يكن طبيعيًا. وسط تراقص أوراق الشجرة بفعل النسيم، رأى حركة غريبة، كأن الأغصان نفسها تنحني بطريقة غير طبيعية، أو كأن هناك ظلًا لم يكن موجودًا قبل لحظات. عينيه تضيقان بتركيز. لم يكن مجرد طائر أو نسمة هواء. كان هناك شيء... أو شخص يراقبهما من بين الأغصان. وجد أسكاي طائرًا أسود اللون يقف على إحدى الأغصان، عيناه واسعتان بشكل غير طبيعي، نظراته حادة وثابتة كأنها تخترق الأعماق. لم يكن غرابًا، ولم يكن بومة، بل مزيجًا غريبًا بين الاثنين، كأنه كائن لا ينتمي لهذا العالم. ريشه كان قاتمًا كليل بلا نجوم، وأطراف جناحيه بدت وكأنها تمتد أكثر مما ينبغي. وقف دون أن يصدر أي صوت، يحدق في أسكاي وليان بتركيز مريب. شعر أسكاي بشيء غريب في الهواء، إحساس بعدم الارتياح بدأ يتسلل إلى جسده، كأن هذا الطائر لم يكن مجرد مخلوق عادي، بل رسالة… أو نذير لشيء قادم. في مكان بعيد، وسط أعماق الغابة حيث الأشجار الكثيفة تخفي ضوء الشمس، كان هناك كوخ قديم مهترئ، تحيط به هالة من الغموض. بدا كأنه منسيًّا عبر الزمن، لكن داخله كان ينبض بالسحر. جلست الساحرة تيريزا وسط الظلال، ظهرها مستقيم وعيناها مغمضتان، لكنها لم تكن بحاجة إلى نافذة سحرية أو بلورة كغيرها من الساحرات. لم تكن بحاجة إلى أي أداة لرؤية ما يجري. كانت ترى كل شيء من خلال عيني ذلك الطائر الغريب، كأنهما عيناها اللتان تجولان في العالم الخارجي. ما يراه الطائر، تراه هي. ما يحدق به، تشعر به كأنه أمامها مباشرة. راقبت أسكاي وليان بصمت، ابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتيها. عرفت أن اللحظة الحاسمة تقترب، وأن القدر الذي حاكته بيديها بدأ يتحقق. "أوتش... لقد اكتشفني الملك الأسود!" تمتمت تيريزا وهي تشد قبضتها. نظراتها ظلت معلقة على الصورة التي تراها من خلال عيني الطائر. همست لنفسها باندهاش: "يا إلهي... حتى وأنت في جسد تلك الفتاة، لا يزال لديك القدرة على فعل كل شيء، أسكاي." أخذت نفسًا عميقًا، وأغلقت عينيها للحظة. لم تكن تتوقع أن يلاحظ وجودها بهذه السرعة، لكنه لم يكن ملكًا عاديًا. كان شيئًا يتجاوز التوقعات، يتجاوز حتى قوانين هذا العالم. ابتسمت بخبث، وهي تراقب كيف سيتصرف بعد أن أدرك أنه تحت المراقبة. عضت تيريزا على شفتيها بغيظ، تراجعت في مقعدها، نظراتها لا تزال ثابتة على المشهد الذي تراه عبر عيني الطائر. تمتمت بغضب: "من المفترض أنا من يراقب، لكن انعكست الآية… إنه من يراقبني الآن." شعرت بقشعريرة تسري في جسدها. لم يكن مجرد ملك، لم يكن حتى بشريًا بالكامل. كان شيئًا يتجاوز كل الحدود، شيئًا أقرب للشيطان. لكنها لم تلُمَه، بل ألقت اللوم على أولئك الملوك الحمقى، الذين رفضوا الاستماع إليها. عبست ملامحها، ضحكة خافتة خرجت منها وهي تهمس: "العيب ليس عليه… بل عليهم، الأغبياء، الأوغاد... لم يسمعوا تحذيراتي، والآن، تحقق ما تنبأت به. لقد قُتلوا على يد ذلك الشيطان." أغمضت عينيها للحظة، كأنها تستمتع بالانتصار، ثم فتحتها مجددًا، وابتسامة خطيرة ارتسمت على شفتيها. "لكن رغم كل شيء… أنا سعيدة. النهاية التي توقعتها تحققت تمامًا." ابتسمت تيريزا بهدوء، نظراتها غامضة، وكأنها تحمل في قلبها كل الخير لذلك الملك الذي لم تكرهه يومًا. همست بصوت ناعم، كأنها تحدث نفسها: "إذاً، أيها الملك الأسود... سأجهز لك هدية الزفاف سريعًا." كان في عينيها بريق غريب، مزيج من الرضا والتحدي. لم تكن تخطط للانتقام، ولم تكن تحمل الكراهية. على العكس، كانت تحترمه، وربما... تؤمن بأنه الوحيد الذي يستحق البقاء. فرقعت تيريزا أصابعها، فانطلق الطائر بعيدًا، تاركًا السماء خلفه كأن شيئًا لم يكن. في ذلك القصر، وبالتحديد في الحديقة حيث كانت ليان وأسكاي، كانت الأجواء متوترة. نظرت ليان إلى أسكاي بامتعاض، وأبعدت يده عنها بضيق قائلة: "ابعد يدك عني! لماذا تسكتني؟ ماذا يحصل؟" ظل أسكاي صامتًا للحظة، ثم قال بصوت هادئ لكن حذر: "كنا مُراقَبين." اتسعت عينا ليان، وقالت بسرعة: "مِن؟! من يراقبنا؟" لم يبعد أسكاي نظره عن الشجرة التي كان يراقبها منذ قليل، وأجاب بصوت منخفض: "لا أعلم… يمكن أن تكون ساحرة." زفرت ليان بضيق، ووضعت يديها على خصرها قائلة: "هل لي بسؤال؟ ما علاقة الساحرات بكل شيء يحصل معنا؟!" نظر إليها أسكاي بسخرية باردة، وقال بصوت منخفض لكنه ممتلئ بالثقة: "وهل تعتقدين أني صدقت تلك الخرافة التي أخبرتِني بها؟! قرية تحولت إلى أحجار؟ خسوف قمر؟ أي خسوف وأي كسوف تتحدثين عنه؟!" اقترب خطوة منها، عينيه تلمعان بحدة أشبه بجمرات مشتعلة، ثم أكمل بصوت هادئ لكنه يحمل نبرة تهديد: "هل تعلمين كم عشتُ لأصدق مثل هذه الخرافات؟! أنا أكبر من جد جدك، يا ليان." تراجعت ليان خطوة إلى الخلف، نظراتها مترددة بين الغضب والذهول. "ماذا؟ ولكن..." لم يمهلها أسكاي الفرصة لإكمال حديثها، رفع يده بإشارة سريعة وقال بنبرة آمرة: "يجب أن تذهبي، أشعر بصداع منكِ… ليو، خذها من هنا." اتسعت عينا ليان بصدمة، استدارت بسرعة ونظرت نحو ليو الذي كان يقف خلفها بهدوء تام. لم تشعر بوجوده حتى هذه اللحظة. "ماذا؟! ليو هنا؟! منذ متى؟!" ثبت ليو عينيه عليها، وجهه بلا تعبير، ثم قال بصوت هادئ لكنه حازم: "لم أغادر مكاني." نظرت ليان إليهما بذهول، رفعت يديها مستسلمة وقالت بانفعال: "أنتم حقًا مجانين!" أمسك أسكاي رأسه بأصابعه، أغمض عينيه قليلاً وهو يشعر بصداع شديد، ثم تمتم بحدة: "أقسم لكِ يا ليان، لا أحد مجنون هنا… إلا عائلتكِ." أشار أسكاي إلى ليو بإيماءة سريعة، أمره بلا كلمات أن يأخذ ليان بعيدًا. ثم استدار وغادر متجهًا إلى غرفته، تاركًا ليان خلفه، مصدومة من كلماته القاسية التي ألقاها بلا تردد. شد ليو يدها بهدوء، سحبها معه دون أن يمنحها فرصة للاعتراض. كانت عيناها معلقتين بالمكان الذي اختفى فيه أسكاي، لكن جسدها تحرك بلا إرادة. قبل أن تغادر، استدارت بسرعة نحو عائلتها، ودعتهم بنظرات مختلطة بين الحزن والتردد، ثم استقلت العربة المتجهة إلى القصر، حيث ينتظرها مصير مجهول. بعد اربعة ايام انتشر خبر زواج الملك الأسود كالنار في الهشيم. في كل أرجاء المملكة، لم يكن هناك حديث سوى عن العروس الغامضة التي ستصبح زوجة الملك، وعن الحفل الأسطوري الذي يُشاع أنه سيكون الأعظم في تاريخ الممالك. البشر، المستذئبون، مصاصو الدماء، وحتى التنانين، جميعهم تحدثوا عن الحدث القادم. البعض رأى فيه بداية عهد جديد، والبعض الآخر اعتبره خطرًا يهدد التوازن. لكن وسط كل هذه الضجة، كان هناك من يراقب بصمت… ومن يخطط لشيء آخر تمامًا. وسط غرفة مضاءة بنور الشموع الخافت، جلست تيريزا تتمتم بكلمات قديمة، عيناها تتابعان ألسنة اللهب التي ترسم ظلالًا غامضة على الجدران. لم يكن أحد يعلم ما تخطط له، ولم تكن تريد أن يعرف أحد. كانت هديتها للزفاف جاهزة، لكنها لم تكن متأكدة مما سيحدث عندما يحين الوقت. في مكان آخر، كان جيفان يراقب بصمت، ملامحه لم تكشف عن شيء. لم يعترض علنًا، ولم يظهر مشاعره، لكنه لم يكن مستعدًا للوقوف متفرجًا. خططه كانت تسير في الخفاء، كل خطوة محسوبة، كل تفصيل مدروس. لم يكن أمامه سوى فرصة واحدة، ولن يدعها تضيع. بينما كانت المملكة منشغلة بالتحضيرات، كانت هناك قوى تتحرك بصمت، تنتظر اللحظة المناسبة لتكشف عن نواياها. ذهبت عائلة ليان إلى القصر الملكي للاستعداد لمراسم الاتحاد الملكي،كانت القاعة الكبرى مزينة بأفخم الزخارف، وأضيئت الشموع الضخمة التي عكست أضواءها الذهبية على الجدران المزخرفة. في هذه الليلة، اجتمعت مختلف الأعراق من البشر، المستذئبين، مصاصي الدماء، والتنانين للاحتفال بهذا الحدث العظيم. كان هذا الاحتفال تقليداً ملكياً، حيث تُقدم الهدايا للعروسين، وتُقام عروض موسيقية ورقصات تعبّر عن ثقافات الممالك المختلفة. بدأت المراسم عندما تقدم ممثلو كل مملكة حاملين هداياهم الفاخرة. قدمت مملكة التنانين درعاً من حراشف التنين الأزرق، رمزاً للحماية والقوة. أما مملكة مصاصي الدماء فقدمت قلادة نادرة تحتوي على ياقوتة مظلمة، يقال إنها تمنح مرتديها الحكمة والبصيرة. مملكة المستذئبين قدمت خنجراً مصنوعاً من الفضة والسحر القديم، دلالة على الولاء والتضحية. تلى ذلك العروض الاحتفالية، حيث عزف أمهر الموسيقيين ألحاناً ملكية، وأدت فرق راقصة من جميع الممالك لوحات مبهرة تعكس تراثهم وثقافتهم. كانت الأجواء مليئة بالحماس، والموسيقى تعزف بألحان تخترق القلوب، فيما تصاعدت أصوات الضحك والتهاني بين الحاضرين. وسط الحفلات الصاخبة والضجيج المتصاعد، وبين أنغام المعازف التي تملأ القاعة الكبرى بالحماس، كان المدعوون والزوار والنبلاء يحيطون بالمسرح الملكي، يحتفلون بالاتحاد المرتقب. الأضواء تتراقص مع إيقاع الطبول، وأصوات الغناء تمتزج مع تصفيق الحضور، لكن وسط كل هذا، كانت تيريزا تقف في زاوية معزولة، تراقب المشهد بعينين يملؤهما الحذر والترقب. لم تكن الحفلة بالنسبة لها مجرد احتفال، بل كانت لحظة حاسمة، نقطة تحول يجب أن تتم فيها خطتها. أصابعها لامست الحجر السحري الذي تحمله، وتشابكت نظراتها مع الطائر الغريب الذي استقر على إحدى العوارض الخشبية، يراقب القاعة مثل عين ثالثة لها. كانت تعرف أن الوقت يقترب، وأن لحظة إعادة الأرواح التي سُلبت سابقًا قد حانت. لكن في نفس اللحظة، وسط الضجيج، كانت هناك عيون أخرى تراقب بصمت، عيون تخفي نوايا مختلفة تمامًا المشهد يبدأ وسط الاحتفال الكبير، حيث امتلأت القاعة بالمدعوين من جميع الممالك. كانت الموسيقى تعزف، والأضواء تتلألأ، والجو يعج بالبهجة. النبلاء يقدمون الهدايا، والراقصات يتحركن بانسجام، والعازفون يعزفون ألحانًا ملكية. وسط هذا الضجيج، وقفت تيريزا بعيدًا، لا تشارك في الاحتفال، لكن عينيها ظلّتا مثبتتين على ليان وسكاي. بدأ الجو يتغير ببطء، حيث هبّت نسمة باردة غير محسوسة في البداية، ثم بدأ الهواء يتحرك على نحو غريب. لم يلاحظ الحاضرون ذلك، لكن في زاوية القاعة، رفعت تيريزا يدها ببطء. "حان الوقت..." نطقت بصوت خافت، لكنه حمل في طياته قوة مخيفة. شعرت ليان بقشعريرة تسري في جسدها، فيما تجمد سكاي في مكانه، كأنه استشعر أمرًا غير طبيعي. أصبح الهواء في القاعة أثقل، كأن شيئًا غير مرئي يتحرك في الأجواء. اهتزت الشعلات التي تنير القاعة، وكأنها تصارع ريحًا غير محسوسة. لم تتوقف الموسيقى، لكنها بدت بعيدة ومشوشة. نطقت تيريزا بكلمات غامضة، غير مفهومة لأي شخص، وفجأة، اجتاحت القاعة موجة من الرياح العاصفة، فتطايرت الأقمشة وخفتت الأضواء للحظة. بدأ الحاضرون يشعرون بشيء غريب، واتجهت أنظارهم نحو تيريزا، لكن قبل أن يدركوا ما يحدث، عاد كل شيء إلى طبيعته وكأن شيئًا لم يكن. ارتجفت ليان، وأخذت نفسًا عميقًا، كأنها عادت من حلم غريب. أما سكاي، فقد بدا للحظة متجمدًا، لكنه سرعان ما استعاد سيطرته على نفسه. أنزلت تيريزا يديها، ونظرت إليهما بنظرة غامضة، قبل أن ترتسم على شفتيها ابتسامة خفيفة. "تم الأمر." لكن لم يكن أحد يعلم حقًا ما الذي تم قبل أن تتمكن ليان من استيعاب ما حدث أو التعبير عن فرحتها بعودتها إلى جسدها، شعرت بيد قوية تمسك بمعصمها. التفتت بسرعة، لتجد جيفان أمامها، نظراته كانت حادة وعازمة. لم يمنحها فرصة للكلام، سحبها خلفه بقوة، مخترقًا الحشود التي كانت لا تزال منشغلة بالاحتفال. وسط الضجيج والمعازف، لم يلحظ أحد اختفاءها. الأضواء، الضحكات، الموسيقى الصاخبة—كل شيء استمر كما هو، كأن شيئًا لم يحدث. جيفان تحرك بسرعة، ينسل بين الممرات الخفية، يبتعد بها بعيدًا جدًا، بعيدًا عن أنظار المدعوين، بعيدًا عن القصر، بعيدًا عن أي شخص قد يمنعه مما ينوي فعله. ذهبت تيريزا إلى قاعة المدعوين، تشق طريقها بين الحشود والنبلاء، لكن هذه المرة بجسدها الحقيقي. لم تكن تلك العجوز المنحنية التي عرفها الجميع، بل كانت فتاة شابة، ساحرة الجمال، ذات حضور آسر لا يمكن تجاهله. عيون المدعوين التفتت نحوها، الدهشة مرسومة على وجوههم. البعض تراجع خطوة، غير مصدق لما يراه، والبعض الآخر لم يستطع أن يشيح بنظره عنها. ثوبها الأسود الطويل انسدل على الأرض بخفة، وشعرها الفضي اللامع انعكس مع أضواء القاعة، كأنه يشع بنوره الخاص. تحركت تريزا برشاقة، خطواتها كانت محسوبة بدقة، كأنها ترقص وسط بحر من النبلاء والمدعوين. لم تكن تلك العجوز الغامضة التي عرفها البعض، بل شابة فاتنة يشع منها سحر خاص. وصلت أمام العرش الملكي، انحنت برقة، وابتسامتها تحمل مزيجًا من اللطف والغموض. عيناها، رغم هدوئهما، حملتا سرًا دفينًا. قالت بصوت ناعم، ينساب كالموسيقى، لكنه رغم رقته، حمل قوة مخفية جعلت البعض يشعر بقشعريرة خفيفة: "مولاي الملك... هل لي بشرف الحديث معك؟" سكاي لم يغيّر تعبيره. رد بنظرة باردة، محايدة، لكنه في داخله كان يحاول تحليل كل تفصيلة في حضورها المفاجئ. هل ظهورها بهذا الشكل مجرد صدفة؟ أم أن لها يدًا في كل ما حدث؟ بصوت هادئ، لكنه يحمل نبرة حادة لا تخطئها الأذن، قال: "هل لكِ دخل في هذا الأمر؟ هل لكِ علاقة بما حدث بيني وبين ليان؟" التوتر في الجو كان محسوسًا. المدعوون استمروا في احتفالهم، غير مدركين للحوار المشتعل بين الملك وتلك المرأة التي لم تكن كما تبدو. تريزا لم ترد فورًا. نظرت إلى سكاي بعينيها العميقتين، ثم ارتسمت على شفتيها ابتسامة بطيئة تحولت إلى ضحكة ناعمة، خافتة، لكنها كانت تحمل شيئًا غريبًا، شيئًا لا يُطمئن. رفعت يدها برفق، لمست شفتيها كأنها تحاول كتم ضحكتها، ثم همست بصوت بالكاد يُسمع: "أوه، مولاي... أيعقل أنك لا تزال تشك؟" ضحكتها لم تكن مجرد سخرية، بل كأنها تراقصت مع الهواء من حولها، كأنها كانت جزءًا من اللغز الذي لم يُحل بعد. تريزا لم تتوقف عن الابتسام، بل ازدادت نظراتها عمقًا وهي تراقب تعابير سكاي المتوترة. تقدمت خطوة أخرى، انحنت قليلًا وكأنها تهمس بسر لا يجب أن يسمعه أحد غيره. "بل تأكد، يا عزيزي الملك..." رفعت عينيها إليه مباشرة، نظرة واثقة، ثابتة، تحمل في طياتها الكثير من الغموض. "أنا السبب في هذا." سكنت القاعة للحظة، كأن الهواء ذاته توقف عن الحركة. الموسيقى استمرت، لكن بدا وكأنها آتية من مكان بعيد جدًا، كأن كل شيء حولهما قد تلاشى. سكاي لم يرد فورًا. عيناه تضيقان قليلًا، يحاول أن يستوعب كلماتها. هل كانت تتلاعب به؟ أم أنها تقول الحقيقة؟ لكن قبل أن يتمكن من طرح سؤاله التالي، كانت تريزا قد ابتعدت قليلًا، رفعت ذراعها بانسيابية، وكأنها تُلقي بتحية مسرحية، ثم أضافت بهدوء، وكأن الأمر كله مجرد لعبة ممتعة: "سأترك لك الوقت، لتدرك كيف فعلت ذلك..." ثم استدارت برشاقة، متجهة بين الحشود، تاركة الملك مع أسئلته التي لم يجد لها إجابة بعد. وحد الله ♥ the end ♥
تعليقات
إرسال تعليق