حين يذوب الجليد - روايه اسطوره الملك الأسود
حين يذوب الجليد
2025, سما أحمد
رومانسية
مجانا
في قاعة تجمع ملوك الممالك الأربعة، تدخل تيريزا الساحرة الأقوى، محذرة من مستقبل قاتم ينتظرهم. تتنبأ بولادة الملك الأسود أسكاي، الهجين الذي سيحمل قوة لا تُقهر، ويهدد بانقراض السلالة الملكية. كلماتها تترك الجميع في صمت مشحون بالخوف والتردد أمام المصير المحتوم.
......
......
قبله لا فكاك منها في مكان بعيد عن أنظار الجميع، كان ضوء القمر الخافت يرسم ظلالًا طويلة على الأرض. الهواء البارد ينساب بهدوء، محمّلًا بصمت الليل. كانت ليان تحاول تحرير يدها من قبضة جيفان، لكن قبضته كانت قوية وثابتة. خطواتها المتعثرة تكشف عن محاولاتها المستميتة للتوقف، لكن جيفان لم يلتفت. واصل جرّها خلفه حتى توقفا أمام عربة داكنة اللون، بدت كأنها جزء من العتمة نفسها. التفت إليها أخيرًا، نظراته غامضة، صوته منخفض لكنه نافذ: "اصعدي." لم يكن طلبًا، بل أمرًا. تراجعت ليان خطوة للخلف، نظراتها متوترة وهي تحدق في جيفان. "إلى أين تأخذني؟" سألت بصوت مرتجف، تحاول السيطرة على قلقها. اقترب منها جيفان، عينيه لا تحملان أي تردد. "مكان آمن... بعيدًا عن كل هذا الصخب." شد قبضته على يدها بلطف لكنه لم يمنحها فرصة للاعتراض. دفعها برفق نحو العربة، فتح الباب، وانتظر دون أن ينطق بكلمة. كانت ليان تشعر بأن الأمور خرجت عن سيطرتها. نظرت للخلف، إلى قصر الاحتفال الذي لا تزال أصداء الموسيقى والضحكات تنبعث منه، ثم عادت لتنظر إلى جيفان. كان بإمكانها الرفض، لكن في أعماقها، شعرت أن هذه اللحظة ستغير كل شيء. ببطء، صعدت إلى العربة. أغلق جيفان الباب خلفها وجلس مقابلها، عيناه تراقبانها بصمت وهي تحاول استيعاب ما يحدث. تحركت العربة بثبات على الطريق المظلم، تتمايل قليلًا مع اهتزاز العجلات فوق الأرض غير المستوية. كانت الأجواء باردة، لكن التوتر داخل العربة أشد برودة من أي ريح ليلية. جلست ليان مقابلة لجيفان، عيناها تضيقان بغضب مكبوت، وصوتها يحمل ارتجافة لم تكن بسبب الطقس. "لماذا تفعل هذا؟ لماذا؟" أدار جيفان وجهه نحوها، عيناه حادتان، لكن في أعماقهما صراع لا يظهره بسهولة. رد بصوت هادئ، لكنه قاطع، كأنه يلقي حكمًا لا مجال لنقضه: "لأنني لا أريدك أن تتزوجي الملك الأسود. إنه مجرم، ليس في قلبه رحمة." اقترب منها قليلًا، مسندًا كوعه إلى فخذه، وصوته يزداد برودًا. "ولن أصدق أبدًا أنك تحبينه، أو أنه يحبك." ضحك بسخرية قصيرة، ثم أضاف، ناظرًا إليها بنظرة تحدٍّ: "إن حاولتِ إقناعي بأن الملك الأسود يحبك، فكأنك تحاولين إقناعي بأن الثور يمكنه أن يُنجب." لم تستطع ليان منع نفسها من التحديق فيه، كلماتها عالقة في حلقها. هل كان يسخر منها؟ أم أنه كان يخشى شيئًا آخر؟ نظرت ليان مباشرة إلى عينيه، تراقب ملامحه المتجمدة، ثم قالت بصوت هادئ لكنه يحمل شيئًا من التحدي: "هل أنت خائف عليّ منه؟" ظل جيفان صامتًا لوهلة، كأن السؤال باغته بطريقة لم يتوقعها. نظراته لم تتغير، لكنها أصبحت أكثر عمقًا، وكأنه يحاول قراءة ما وراء كلماتها. ابتسمت ليان بخفة وأضافت بثقة: "لا تقلق... هو لن يؤذيني." ارتسمت على شفتيه ابتسامة باهتة، لكنها لم تكن تحمل أي سخرية هذه المرة، بل كان فيها شيء من المرارة، شيء لم تستطع تفسيره بسهولة. ثم قال بصوت منخفض، لكنه حاد: "هذا ما تخالينه." شدّ جيفان قبضته على يديها كأنه يحاول إيقاظها من وهم تراه حقيقة، ثم قال بلهجة ممتزجة بالغضب واليأس: "إنه لا يحبكِ يا ليان، عزيزتي... إنه وحش! كيف تتزوجين أحدًا مثله؟! سوف نهرب، أنا وأنتِ، بعيدًا عن هذا الجنون!" توسعت عيناها من الصدمة، ثم سحبت يدها بقوة من قبضته وهي ترد بحدة: "هل جننت؟! وماذا عن العائلة؟! ماذا ستكون ردة فعلهم؟!" أخذ نفسًا عميقًا، كأنه يكافح للحفاظ على هدوئه، ثم قال بصوت منخفض لكنه لا يزال يحمل بعض الحدة: "هل تظنين أن أحدًا منهم يهتم حقًا بمشاعركِ؟ كل هذا مجرد لعبة سياسية، وأنتِ مجرد ورقة فيها!" ارتجفت أنفاسها، لكن عينيها لم تهتزّا وهي ترد: "حتى لو كان ذلك صحيحًا... لن أهرب." "حسنا لماذا تساعدني؟ هل تحبني يا جيفان؟ ولماذا تفعل هذا معي؟" نظر إليها، تجمدت ملامحه للحظة وكأن الكلمات عجزت عن الخروج. همس بصوت منخفض، "ماذا؟ أنا... أنا..." ولكن قبل أن يتمكن من إكمال كلامه، توقفت العربة نظرا الاثنين من النافذة، وكانت المفاجأة... أدركت أنه الملك الأسود. قالت في نفسها: "كيف؟ كيف أتى إلى هنا؟ كيف فعل ذلك؟ وكيف عرف مكاننا؟" بدأ قلبها ينبض بسرعة، عيناها كانت متسعة بالصدمة، أنفاسها متقطعة، لم تستطع تصديق ما تراه أمامها. الذئب الضخم الذي يحدق بها لم يكن مجرد وحش، كان هو. فلاش باك قبل أن تتلاشى تريزا من أمامه، ظهرت لورين فجأة. "ابنتي! أين الملك؟" نظر إليها سكاي بثبات وقال: "أنا الملك، سيدة لورين. لقد عدنا إلى أجسادنا." اتسعت عيناها بفرح، لمعت دموع الراحة في عينيها: "حقًا؟ لقد عدتم؟! إذن، أين هي ابنتي؟" تجمد للحظة قبل أن يجيبها، كأنه يدرك الآن فقط غياب ليان. نظر حوله سريعًا، لم تكن هناك. سألته لورين بقلق متزايد: "ألم تكن معكم؟ أين ذهبت؟" شعر بشيء لم يفهمه، توتر غريب في صدره، لكنه حاول أن يظل هادئًا. نظر إليها وقال: "لا أعلم، سأتحقق مما إذا كانت مع والدها..." انصرفت لورين من أمام سكاي، لكن قبل أن يتحرك، ظهرت تيريزا أمامه بسرعة، نظرتها مليئة بالخبث. قالت بابتسامة ماكرة: "أيها الملك، هل تنوي البحث عنها؟ هل تريد معرفة مكانها حتى بعد أن عدتم إلى أجسادكم؟" رمقها سكاي بنظرة باردة، ثم قال بصوت ثابت: "ما هذا الهراء؟ بالطبع لا أريدها، ولا يهمني أين ذهبت." لكن، رغم كلماته الحادة، كان هناك شيء ما بداخله يضطرب. قبل أن ترد تيريزا، قاطعهم صوت خطوات سريعة. تقدم ليو نحو سكاي، عيناه مليئتان بالفضول، لكن تعابيره هادئة كعادته. انحنى قليلًا بطريقة متصنعة، ثم قال بسخرية خفية: "أيتها الفتاة، أين الملك؟" ابتسمت تيريزا ببرود، ثم أجابته: "إنه أمامك، لقد عادا إلى أجسادهما." رفع سكاي حاجبه ببرود وهو ينظر إلى ليو، الذي كان يلهث قليلًا بسبب الجري. "حقًا، جلالتك؟ مبارك لك، ولكن كيف حدث هذا؟" قال سكاي بصوت هادئ لكن حازم: "إنها قصة طويلة… ولكن قل لي، لماذا كنت تجري؟ ماذا كنت تريد أن تخبرني؟" تردد ليو للحظة، ثم قال بسرعة: "آه، ليان… لقد اختفت! عائلتها تبحث عنها وعن جيفان، ولا أحد يعلم أين هما." تيريزا وضعت يدها على فمها وكأنها مصدومة، لكنها سرعان ما ردت بنبرة مصطنعة: "أوه، كم هذا… مأساوي! يبدو أن جيفان قد خطفها ليمنعها من الزواج بك." ثم، دون أن يلاحظ أحد، ضربت ليو بمرفقها بخفة، تلميحًا له ليجاريها في التمثيل. نظر إليها ليو بطرف عينه، ثم تمتم وهو يتنهد وكأنه اقتنع: "نعم… هذا منطقي جدًا." تضيق عينا سكاي قليلًا، لكن ملامحه ظلت جامدة. قال ليو، مستمرًا في التمثيل: "جلالتك، ألم تلاحظ كيف كانت ردة فعل ذلك الطفل حين طلبت يدها؟ وكأنه يحبها ويريد الزواج منها! هل ستسمح له بأن يخطف زوجتك؟" تيريزا، بابتسامة خفيفة، أكملت بسرعة: "صحيح، جلالتك… هل ستسمح للملوك والممالك الأخرى أن تهمس في مجالسها بأن عروس الملك الأسود هربت قبل موعد زفافها؟ هل ستدعهم يقولون إنك ضعيف، لأنك لم تستطع إحضار زوجتك؟" تقدم ليو خطوة، نبرته تحمل شيئًا من التحدي المحسوب: "هل ستدع ذلك الطفل يجعلك أضحوكة في نظر شعبك؟ هل ستدع سمعتك، التي بنيتها بقرون من القوة، تتحطم؟ هل ستسمح لأعدائك بالشماتة فيك؟" ظل سكاي صامتًا لوهلة، ثم رفع عينيه الباردتين نحوهم، وقال بصوت منخفض لكنه مشحون بالغضب: "أين هي؟" ابتسمت تيريزا بخبث وهي تلتفت إلى ليو قائلة: "أنا أعلم مكانها، فلنسرع قبل أن يفوت الأوان." تحرك سكاي دون تردد، خطواته كانت حازمة وكأنها تحمل تهديدًا صامتًا، بينما تيريزا تبعته بسرعة. لكن قبل أن يتحرك ليو، أوقفت تيريزا يده وهمست له: "إن لم نساعده الآن، وإن لم نجعله يلين قلبه، فسيدمر العالم ونفسه معه. ساعدني في جعل هذين الاثنين يقعان في الحب." نظر ليو إليها للحظات، عينيه تبحثان عن جدية نواياها، ثم تنهد ببطء وقال بصوت خافت: "أنتِ تلعبين بالنار، تيريزا... لكن لا بأس، سأساعدك." ابتسمت تيريزا بمكر: "رائع، إذاً فلنتحرك قبل أن يدمر شيئًا في طريقه." على بعد مسافة، كان سكاي يسير بخطوات ثابتة لكنها تحمل توترًا مخيفًا. عيناه المتقدتان كالجمر تحت ضوء القمر لم تعكسا سوى الغضب، لكن شيئًا آخر كان يشتعل داخله، شيء لم يكن يريد الاعتراف به. فجأة، توقفت خطواته، وانخفض جسده قليلًا إلى الأمام، ثم في لحظة خاطفة، انطلقت هالة ضخمة من حوله، وتحولت ملامحه البشرية إلى هيئة ذئب عملاق قاتم الفراء، عيناه تشتعلان كوهج النار. بمجرد اكتمال تحوله، انطلق كالسهم، يركض بسرعة هائلة مخلفًا دوامات من الغبار خلفه. الأرض تهتز تحت قوته، والهواء يندفع بقوة كلما زاد من سرعته. صرخت تيريزا وهي تحاول اللحاق به: "اللعنة! لقد تحول! ليو، علينا الإسراع!" لكن ليو نظر إليها بوجه شاحب ثم إلى أحصنتهم التي بدت وكأنها لن تصمد أمام هذه السرعة، وقال بسخرية يائسة: "إذا كنتِ تعتقدين أننا سنلحق به، فأنتِ تحلمين." وبدون خيار آخر، قفزا إلى ظهر الخيول وانطلقا بأقصى سرعة، لكن الفرق كان واضحًا. سكاي كان يقترب من العربة، بينما هم بالكاد يستطيعون رؤية ظله في الأفق. توقف سكاي أمام العربة، جسده العملاق بدأ يتوهج للحظات قبل أن يتراجع فراءه الأسود تدريجيًا، عظامه تعيد تشكيل نفسها حتى عاد إلى هيئته البشرية. كان واقفًا هناك، طويل القامة، مهيبًا كما كان دائمًا، لكن نظراته هذه المرة كانت أشرس من أي وقت مضى. داخل العربة، لم تكن ليان قادرة على التنفس بشكل طبيعي. كيف وصل بهذه السرعة؟ كيف عرف مكانها؟ قلبها كان يخفق بجنون، يداها متشنجتان فوق ركبتيها، لكنها لم تجرؤ على التحرك. بصوت هادئ لكنه حاد كالشفرة، قال سكاي: "انزلي." بقيت متجمدة في مكانها، غير قادرة على الرد. وفي تلك اللحظة، وصل ليو وتيريزا أخيرًا، يلهثان من شدة الإرهاق، بعدما تخلفا عن سكاي بسبب سرعته التي تجاوزت سرعة خيولهما بكثير. قفزا من على الأحصنة، واندفعا نحو العربة. صرخ ليو، محاولًا كسر التوتر: "سكاي! على الأقل دعها تلتقط أنفاسها!" لكن سكاي لم يرد، لم ينظر إليهم حتى. كان تركيزه منصبًا بالكامل على ليان، وعلى حقيقة أنها ما زالت جالسة داخل العربة، تتجنبه بعينيها المرتجفتين. "قلتُ انزلي." كان صوته أكثر عمقًا هذه المرة، وكأن صبره بدأ ينفد. نزلت ليان بسرعة، جسدها يرتجف، عيناها متسعتان من الرعب أمام هالته التي تكاد تخنق الهواء من حولها. لم تكد تخطو خطوة حتى أمسك سكاي بمعصمها بقوة، سحبها خلفه دون كلمة واحدة. لكن فجأة، أوقفه شيء. يد جيفان أمسكت بيد ليان الأخرى، شدّها نحوه وكأنه يحاول انتزاعها من قبضة الملك الأسود. عينيه كانتا مليئتين بالتحدي، لكن يده كانت ترتجف قليلًا. لم يكن أحمق، كان يعرف من يواجه. قال جيفان بصوت ثابت لكنه مليء بالتوتر: "لن تأخذها." لم يتغير تعبير سكاي، لم يُظهر غضبًا أو استياءً. فقط رفع عينيه الباردتين نحو جيفان، وفي جزء من الثانية، شد ليان نحوه بقوة كادت تقتلعها من مكانها. "أنا لا أطلب الإذن." بضربة واحدة، انفصلت يد جيفان عنها، ليجد نفسه مدفوعًا بعنف إلى الخلف، بينما سقطت ليان داخل صدر سكاي، جسدها ارتطم بعضلاته القوية، أنفاسها تعلقت في حلقها. حرارة جسده كانت مرتفعة، شديدة كما لو كان يحترق من الداخل. قلبها بدأ ينبض بجنون، لم تستطع رفع رأسها، لكن رغماً عنها، وجدت نفسها ترفع عينيها ببطء. كان وجهه قريبًا جدًا، ملامحه القاسية، عينيه التي لم تتغير، باردة كالجليد لكنها مليئة بشيء آخر... شيء جعلها تشعر بأن أي كلمة أو مقاومة ستكون بلا فائدة. اختنق صوتها في حلقها، شعرت برغبة في البكاء، لكن الدموع لم تخرج. كانت محاصرة بين خوفها منه... وبين إحساس غريب لم تستطع فهمه. أمسك سكاي بيد ليان وسلمها إلى تيريزا، ثم نظر إليها بعينين متوهجتين، وهالة الظلام تحيط بجسده، وقال بصوت منخفض لكنه محمل بالتهديد: "لا تدَعيها تهرب، وإلا ستكونين التالية." أومأت تيريزا برأسها بسرعة، تدرك جيدًا أنه لا يمزح. استدار سكاي نحو جيفان، الذي كان يحدق به بعناد، لكن قبل أن يتمكن من قول أي شيء، بدأت ملامح سكاي تتغير. جلده شحب أكثر، أنيابه امتدت، وعيناه تحولتا إلى اللون الأحمر القاتم. انتشرت هالته المرعبة كالعاصفة، وانخفضت درجة الحرارة من حوله. في لحظة، اختفى سكاي من مكانه وظهر أمام جيفان، وأطبق على معصمه بقبضة حديدية. لم يُمنح جيفان حتى فرصة لاستيعاب ما يحدث، إذ شعر بريح عاصفة تضربه، وفي غمضة عين، انتقل مع سكاي بسرعة مرعبة، تاركين الجميع خلفهم. عندما توقفا، وجدا نفسيهما في منطقة نائية، حيث لا أثر للحراس أو أي شخص آخر. وقف جيفان مذهولًا، يحاول استعادة توازنه بعد الانتقال المفاجئ. أفلت سكاي يده ودفعه للخلف قليلًا، ثم نظر إليه بازدراء وسأله بصوت بارد: "إذن، أيها الطفل، لماذا أخذت زوجتي؟" حدّق به جيفان بغضب، ورغم خوفه، ردّ دون تردد: "لن أسمح لها بالزواج منك، أيها الوحش!" ضاقت عينا سكاي، لكن جيفان تابع بصوت ثابت: "ليان فتاة لطيفة، ولن أدعها تقع في يديك." نظر سكاي إلى جيفان ببرود، عيناه تضيقان وكأنه يقيّمه. وقف أمامه بثبات، بينما كان جيفان يحاول السيطرة على أنفاسه بعد الرحلة العنيفة. "هل تحبها؟ هل تريد الزواج منها؟" تصلب جسد جيفان، لكنه لم يتراجع. قبضته كانت مشدودة، لكنه رفع رأسه بتحدٍّ وقال بصوت قاطع: "نعم، أحبها. لن أدعها تقع بين يديك." ظل سكاي صامتًا للحظات. نظراته كانت هادئة، غير متأثرة بالكلمات التي خرجت من فم جيفان. ثم، بخطوة واحدة، اقترب حتى أصبح الفارق بينهما شبه معدوم، مما جعل جيفان يشعر بضغط هائل على جسده، كأن الهواء المحيط به قد اختفى. "أنت تتحداني، إذن؟" ابتلع جيفان ريقه، لكنه لم يحدّق بعيدًا. قال بصوت أكثر هدوءًا، لكنه لا يزال يحمل عنادًا: "ليان ليست شيئًا لتأخذه بالقوة. هي تملك الحق في اختيار من تكون معه." ضحك سكاي، ضحكة قصيرة بلا أي دفء. "وهل تظن أنها ستختارك؟" لم يمنح جيفان وقتًا للرد، بل تابع بصوت منخفض لكنه ممتلئ بالقوة: "ليان تخصني. سواء أحبّت ذلك أم لا، سواء أحببت ذلك أنت أم لا. الفرق بيني وبينك... أنني لا أطلب إذنًا." مد يده بسرعة، قبض على عنق جيفان بقوة كافية لتثبيته، لكن ليس لقتله. انحنى قليلًا، حتى باتت أعينهم على مستوى واحد، ثم همس: "سأريك من هو الوحش الحقيقي." إذن، هل ستقتلني؟ هل تظن أن بفعلك هذا ستجعل ليان تحبك؟ هل ستسامحك العائلة؟ هل سيسامحك الشعب؟ ماذا سيقولون عنك؟ هل فكرت في ذلك؟" ظل سكاي يحدق به للحظات، ثم انفجر ضاحكًا. كانت ضحكته باردة، خالية من أي مشاعر. توقف فجأة، وعيناه المتوهجتان تلمعان بخطورة. "هل تعتقد أنني سأقتلك؟ هل أنت غبي إلى هذا الحد؟" قالها بصوت ساخر، ثم اقترب أكثر حتى كاد أن يلتصق به. "على العكس، لن أقتلك. الموت بالنسبة لك سيكون راحة، وأنا لا أمنح أحدًا الراحة." مال برأسه قليلًا، نظراته كالسكاكين تخترق جيفان. "أنت حالة استثنائية، ولن أعذبك جسديًا، بل سأحطمك نفسيًا، أيها الطفل الأحمق." ابتسم بسخرية، ثم أكمل بصوت خافت لكنه حمل تهديدًا واضحًا: "سأجعلك تتمنى الموت، لكنك لن تحصل عليه." أمسك سكاي جيفان بقوة، وعيناه تومضان بوهج دموي. في لحظة، اختفى كلاهما وسط دوامة من الظلال، وعادوا بسرعة البرق إلى حيث كانت تيريزا، ليو، وليان. بمجرد وصولهم، ألقى سكاي بجيفان جانبًا بلا اكتراث، وكأنه لا شيء. ترنح الأخير قليلًا، يحاول استعادة توازنه، لكن سكاي لم يُعره أي اهتمام. تقدم بخطوات ثابتة نحو ليان، عينيه مثبتتين عليها، نظراته تحمل مزيجًا من الغضب والامتلاك. لم يمنحها فرصة للهرب أو حتى التفكير، بل شدّها إليه بقوة، ليصطدم جسدها بصدره الصلب. تسارعت أنفاسها، حاولت التراجع، لكنه كان أكثر حزمًا، قبضته حول معصمها كانت قوية، لا تسمح لها بأي مقاومة. اقترب سكاي أكثر، عيناه الرماديتان تلتهمان تفاصيل وجهها المصدوم. كانت أنفاس ليان متقطعة، قلبها ينبض بجنون، عقلها يصرخ بأنها يجب أن تتراجع، لكن جسدها لم يتحرك. كانت يد سكاي على خصرها مشتعلة، وكأنها تحرقها بلهيب غير مرئي، لكنها لم تستطع مقاومته. أصابعه التي مررها على خدها جعلت قشعريرة تسري في جسدها، لم يكن لمسته خشنة، بل كانت ناعمة بشكل غير متوقع، كأنه يتعامل مع كنز يخشى أن يتحطم بين يديه. وحين همس في أذنها، تجمدت أنفاسها. صوته كان منخفضًا، لكنه حمل معه وعدًا مظلمًا وخطيرًا. "ليان... جريني في جنوني، وإلا سأقتل ذلك الطفل وأمزق عائلتك أمام عينيك." ارتعش جسدها. لم تكن كلماته تهديدًا فارغًا، كانت تعرف أنه يعني كل حرف قاله. لكنه لم يمنحها فرصة للرد، فقد عاد إلى وضعه المستقيم، لكن قبضته عليها لم تتراخَ. اقترب وجهه من وجهها، حتى كادت أنفاسه الساخنة تلامس شفتيها. نظر إليها بعمق، عيناه كانتا أشبه بتعويذة سحرية، وكأنهما تغرقانها في دوامة لا مهرب منها. شعرت أن ساقيها أصبحتا واهنتين، وكأن قوتها كلها تلاشت أمامه. ثم... فعلها. اختفى الفراغ بينهما، وغطاها دفء شفتيه، ساحرًا ومجنونًا في الوقت ذاته. لم يكن مجرد لمسة عابرة، بل كان امتلاكًا، سيطرة، وانجذابًا لا يمكن الفرار منه. كانت أنفاسها قد انقطعت تمامًا، عقلها توقف عن العمل، كل شيء من حولها تلاشى، ولم يتبقَ سوى إحساسها به. جسدها تجمد للحظة، ثم ارتعش بخفة، لم تكن تعرف ما يجب أن تفعله، لكن يده التي كانت تشدها إليه لم تمنحها خيارًا سوى الاستسلام. لم يكن الأمر مجرد قبلة، بل كان إعلانًا، وعدًا، وربما تهديدًا. أما من حولهم، فقد وقفوا مذهولين. تيريزا غطت فمها بيدها، عيناها متسعتان بصدمة غير مصدقة لما تراه. ليو كان يحدق بهما، حاجباه مرفوعان بدهشة نادرة، وكأنه لم يكن يتوقع أن سكاي قد يفعل شيئًا كهذا. أما جيفان، فقد كان يرتجف من الغضب، قبضتيه مشدودتان بقوة حتى كادت عروقه تنفجر، لكنه لم يستطع فعل شيء. لم يكن هذا مجرد مشهد عادي، بل كان لحظة غيرت كل شيء. بعد لحظات، ابتعد سكاي قليلًا، لكنه لم يتركها، ظل ممسكًا بها كأنها قد تهرب في أي لحظة. نظر في عينيها المرتبكتين، ثم ابتسم بخفوت وقال بصوت منخفض: "الآن... أنتِ لي، ولن يستطيع أحد أخذك مني." كانت تلك الجملة كافية ليشعر الجميع بثقلها، وكأنها ختم لا يمكن كسره. وحد الله ♥ The end ♥
تعليقات
إرسال تعليق