24 ساعة في باريس | رواية رومانسية

24 ساعة في باريس

2025, سلمى إمام

رومانسية

مجانا

تسافر في رحلة عمل إلى باريس بحثًا عن متنفس. هناك، تجد نفسها مضطرة للتعامل مع زميلها الصاخب، جيك، الذي يختلف معها في كل شيء تقريبًا. تتصاعد الأحداث بمجموعة من المواقف الكوميدية والمحرجة، بدءًا من عشاء عمل فوضوي وصولًا إلى محاولات جيك الفاشلة للتقرب من النادلة. وفي النهاية، يواجه الثنائي سلسلة من المشاكل في رحلة العودة، مما يضعهما في مواقف غير متوقعة ويكشف عن جوانب جديدة في شخصياتهما.

ميرا

خبيرة في مجال العلامات التجارية، في أواخر الثلاثينات من عمرها. تمر بمرحلة صعبة بعد إلغاء خطوبتها وتحاول الهروب من مشاعرها من خلال رحلة العمل إلى باريس. تبدو لديها قائمة بأمنيات تريد تحقيقها في باريس لكنها تواجه صعوبة في ذلك بسبب طبيعة الرحلة.

جيك

يعمل في قسم المبيعات، شخص واثق من نفسه لحد الغرور، اجتماعي، وربما سطحي بعض الشيء. يبدو ناجحًا في عمله كمندوب مبيعات لكنه قد يكون مزعجًا أو غير مراعٍ للآخرين في بعض الأحيان.
تم نسخ الرابط
24 ساعة في باريس

الليلة اللي فاتت

ميرا كانت دايماً مؤمنة إن الضحك بيعدي. عنده قوة تنتشر من وش مبسوط للتاني، بس هنا، في ركن البيسترو الشيك ده في باريس، والضحك الأمريكي العالي محاوطها بموجات، عرفت تفضل محصنة.

ضمت شفايفها جامد، دي كانت حركة دفاعية عشان متتضمش لفوضى اللي قاعدين معاها على الترابيزة. ميرا كانت ببساطة مختلفة عن الصورة النمطية للسائح الدوش اللي غالباً بتطلع صح في عربيات القطر، والكافيهات، والشوارع المرصوفة في باريس. كانت مختلفة عنهم، يا خراشي، وكل واحد في البيسترو ده كان لازم يعرف.

العمال باين عليهم مش متضايقين من الصوت العالي ده، بس وإيه الغريب في كده؟ كل جولة ضحك وراها جولة مشروبات تانية: شامبانيا أكتر، ونبيذ أحمر قديم وغالي أكتر.

الزوج والزوجة أصحاب المكان بدلوا نظرة كلها فهم وهما بيطلعوا كام قزازة كمان من القبو. وبما إنهم كانوا مالكين مطعم قُبالة شارع مونتين - وهو شارع مشهور في الدايرة التامنة ومكان فندق بلازا أتيني المشهور - ميرا مقدرتش غير إنها تفترض إنهم متعودين كويس على الناس اللي بتدفع بالبطاقات البلاتينية. أوائل الصيف كانت فترة مشغولة بشكل خاص، مع نزول أسراب من المسافرين الأغنياء على باريس، بالذات في ليلة زي دي، لما كان أسبوع الموضة الهاي كوتور البهرج لسه بيبتدي.

مش معنى كده إن ميرا والشلة بتاعتها كان ليهم أي علاقة بالموضة. دول كانوا مجرد مجموعة أمريكان تانيين دوش من أصحاب الياقات البيضاء اللي صادف إنهم كانوا في باريس عشان شغل. شغل ترويج أحدث حاجة في المشروبات الفوارة، بالظبط كده.

أصحاب المكان دلوقتي راحوا ناحية فرانك على طول، مدير ميرا اللي في الخمسينات، اللي كان قاعد على راس الترابيزة الخشب الطويلة. حتى في الضوء الخافت بتاع الشموع، بدلته المتفصلة وحضوره اللي بيطغى خلاها واضحة إنه هو المسؤول. في مكتبهم في نيويورك، ده كان معناه رفض فكرة بهزة راس بسيطة. إنما في البيسترو ده، ده كان معناه إنه المسؤول عن تقييم النبيذ، وده اللي كان بيعمله دلوقتي بعناية وهو بيفحص الملصقات.

"اختيار مش بطال،" اعترف بيها، ولهجته كانت زي ذكرى باهتة لطفولة قضاها وهو بيكبر في كوينز. "هناخد الاتنين."

أصحاب المكان حولوا تركيزهم عشان يملوا كاسات الكل. ابتدوا من ناحية الترابيزة بالراحة، بدأوا بالمديرين التنفيذيين اللي في سن متوسط ولابسين شيك، وبعدين راحوا للموظفين الأصغر والأكثر اهتماماً بالموضة.

ميرا، اللي كانت قاعدة في آخر الترابيزة من ناحية الأصغر، حست إن براعم التذوق عندها مستنية جرعة نبيذ جديدة، بس قبل ما الكاس بتاعها ياخد أي اهتمام، كان الراجل اللي في التلاتينات اللي شعره بني فاتح وعينيه زرقاء باهتة هو اللي كاسه اتملى الأول. ابتسم بوقاحة وكل أونصة بتنزل في الكاس، بنظرة فيها تملق بتعبر عن حبه للملء المجاني اللي الشركة متكفلة بيه. التملق ده كان ماشي مع جل الشعر اللي كان لامم شعره الكثيف في قبة دهنية شبه قبة البياعين. من غير كل المستحضرات دي، كان ممكن يكون واحد من الرجالة الوسيمة جداً اللي شعرهم منكوش اللي بتشوفهم وهما بيقروا كتب في المترو، الرجالة اللي ميرا كانت معروفة إنها بتعجب بيهم وهي رايحة الشغل في مترو الخط إيه. بس بدل كده، الجل الدهني ده ختم مصيره (وشعره) في نظرها.

بغض النظر عن شعره، كان طويل وعريض الكتفين ويمكن كان كابتن فريق التجديف في الكلية (وكان غالباً بيعرف كويس إزاي يتأكد إن الكل عارف كده). لاحظت إنه فك أول زرارين في قميصه، ودي كانت علامة إنه غالباً كان شارب كام كاس.

"الجو حر هنا،" قالها، قبل ما يرفع كاس النبيذ الجديد بتاعه للضوء. "بس مش مشكلة؛ أنا من النوع اللي بيقول نص الكوباية المليان." ضحك بخبث على نكتته البايخة، متجاهلاً صوت ميرا اللي اتنحنحت على طول. بعد ما شرب شوية نبيذ، ضرب زميله اللي قاعد على شماله بالكوع. "إحنا الرجالة بنعرف نشرب كويس، مش كده ولا إيه؟"

"ده مش خمرة، ده نبيذ،" ميرا تمتمت بيها، وعينيها البنيين ضيقوا في عدم رضا. راحت حاطة كام خصلة من شعرها الأسود الطويل ورا ودنها، مكشرة في وجود الواد الرخم ده. كانت دايماً تسمع إن التكشير طريق خطر للتجاعيد العميقة، بس لحد دلوقتي جيناتها اللي من جنوب آسيا كانت كويسة معاها، وغالباً كانوا لسه بيفتكروها في العشرينات من عمرها، بالرغم إن فاضل كام أسبوع وتتم خمسة وتلاتين. الغلطة الكتابية دي اللي بتدي ثقة في النفس لسه محصلتش في رحلة العمل دي، بس في الوقت الحالي كان في مشاكل تانية مهمة في دماغها. بالإضافة لنحنتها الأخيرة دي، كانت عملت لفتين عين، وتلات ابتسامات ساخرة، وعدة رفعات حاجب في الساعات اللي فاتت من أول ما السهرة ابتدت، وكل ده بسبب الواد الرخم اللي عامل فيها طفل واللي قاعد قُبالتها.

كانت هي ميرا أتوال.
وكان هو جيك لويس.
وبالرغم من إنهم بيشتغلوا في نفس الشركة، أوجه التشابه انتهت عند كده.

"أنا عارف إن الخمرة مش نبيذ،" جيك قالها في الآخر. "وهو كمان عارف." وشاور على زميله. "والكل." وشاور في الهوا. "وعشان كده لما بتقوليها، بتبقى زي بعض بالظبط." هز راسه كأنه بيحاول يقنع نفسه إن كلامه الهجايص ده مظبوط.

"شكراً على التوضيح."

عيني ميرا كانوا ثابتين في جبين جيك، وهي بتتساءل عن حجم المخ اللي عمال بيخبط جوه الجمجمة الكبيرة دي.

ميرا كانت بتشتغل في قسم العلامات التجارية.
جيك كان بيشتغل في قسم المبيعات.
وبعيد عن رحلة العمل اللي مدتها خمس أيام دي، عمرهم ما اتعاملوا كزملاء شغل ولا مرة واحدة.

طبعاً، ده مش معناه إنها عمرها ما لاحظته قبل كده في الشغل. وكمان مش معناه إنها عمرها ما فكرت فيه، ساعات حتى ساعة ولا ساعتين، بعد المرات النادرة دي لما كانوا بيركبوا الأسانسير مع بعض وكانت بتلاقي نفسها بتبص على شكل فكه، أو، على حسب مكانه، على شكل مؤخرته. بس هل كانت مضطرة تعترف بأي من دول وهو بيتصرف بالشكل السكران والمهمل ده؟ أكيد لأ.

بصت في وشه. "ده عصير محار على دقنك؟"

جيك، اللي شكله كان محرج شوية، مسك منديل ومسحه.

بعيد عن شوية وقت قضته وهي بتدرس صفاته الجسدية، ميرا مكنتش تعرف جيك غير من الشخصية المتغطرسة اللي كان بيظهرها في اجتماعاتهم في الأيام اللي فاتت. مكنتش معجبة بكل الاستعراض ده، وده اللي خلى إحراجه في العشا ده حاجة مرضية. هل ده خلاها شخص وحش؟ يمكن. أو يمكن بس عشان قبة شعره الدهنية الكبيرة دي محتاجة تنزل كام درجة (أو اتنين).

لخيبة أمل ميرا، إحراجه كان قصير جداً، وثقته رجعت تاني أول ما شاف النادلة الحلوة اللي كان بيبص عليها طول الليل. في تقدير ميرا، النادلة كانت عاملة شغل كويس جداً؛ بتشيل الأطباق في وقت كويس وبتبدل كل إزازة قبل ما المية تقل قوي - كانت نجمة. برضه، ميرا كان عندها إحساس إن جيك مش مهتم بخدمة العملاء بتاعتها.

"رجعتي،" لاحظ بيها، وعينيه متوجهين ناحية الهدف.

رد النادلة الوحيد كان نظرة فيها خجل.

وميرا بتتساءل عن إيه هي جملة الإعجاب اللي هيختارها من مجموعة جمل البياعين المتملقين المبتدئين، شافته وهو بيحط إيده في شنطة شغله الجلد البني وحست بفضول فجأة. اتساءلت لو كان في وردة طويلة الساق جوه الشنطة دي. كان ممكن يكون منديل وكانت هتبقى مبسوطة بنفس القدر، عشان كانت جعانة للترفيه من أول ما عشاءات الشركة دي ابتدت.

ليلة ورا ليلة، كانت مجرد متفرجة زهقانة على زمايلها وهما بياكلوا فوا جرا ده وأرانب مطبوخة ده، وكل ده وهما بيسكروا على الترابيزات الخشب الطويلة دي - ودايماً في مطاعم حتى مكنتش في قائمة أمنياتها في باريس. حاولت تشغل خيالهم، بس مفيش ولا واحد باين عليه موافق على فكرتها عن خروجة في جناين لوكسمبورج، ولا مشوار على ضفاف النهر ومعاهم كريب في إيدهم وبرج إيفل المتلألئ في الخلفية.

عشان كده هي هنا، في آخر ليلة ليهم، وحكاية جيك والنادلة هي بس وسيلة الترفيه الوحيدة بتاعتها.

إيد جيك طلعت من الشنطة، وصوابعه ماسكة في علبة موف فاتح لمية فوارة بنكهة اسمها بلوم. جيك كان أكبر بياع في بلوم، بس في الوقت ده كان أقرب لفانا وايت وهو بيعرض بفخر النكهة الجديدة في مجموعة الشركة من المشروبات الفوارة اللي أساسها نباتي وخالية من السعرات الحرارية. "دلوقتي يا كلوي..." ابتدى يقول.
 
 
 
 
 
 
ميرا لاحظت على طول تكشيرة بسيطة على وش النادلة، بس باين إن جيك مكنش فاهم أي حاجة بسبب نظرته اللي كلها إغراء.

"اسمي كوليت."

هو متفاجئش أبداً.

"أيوة طبعاً، كوليت. دلوقتي قوليلي: مستعدة تكوني في المقدمة بتاعة أحدث وأهم حاجة في الكوكتيلات؟" وشاور على البار. "خلينا نطلب من البارمان يعمل لنا حاجة بسيطة بالسحر اللافندر ده."

كوليت باين عليها مترددة.

"هخليه يستاهل تعبه."

لسبب ما مش مفهوم، النادلة ابتدت تضحك، وملامحها المحايدة اتحولت لشويه إثارة.

في الأول ميرا مكنتش مصدقة، بس بعد لحظة أدركت بغيظ ليه جيك هو أكبر بياع في بلوم.

النادلة لعبت في شعرها، ودي كانت علامة واضحة إن طقوس التودد ابتدت.

"ممكن أتكلم مع البارمان."

جيك وطي صوته في الجزء اللي جاي ده: "أنا كمان هخليكي تستاهلي تعبك."

وهي دي بقى. الجملة التقليدية اللي بيستخدمها أغلبية الشباب التافه في كل حتة في العالم.

من غير ما تفكر، ميرا مدت إيدها وطبطبت على دراع جيك. أكيد ده كان بسبب النبيذ. "شكلك عطشان شوية."

بصلها بوش كله براءة مصطنعة. "أنا كنت بتكلم عن إني هديلها بقشيش."

من غير كلمة تانية، قام نط من الكرسي وراح ورا كوليت ناحية البار.

ميرا هزت كتفها وشربت بق من النبيذ، وسيلة الترفيه الوحيدة بتاعتها دلوقتي بقت بعيدة عن السمع. اللي فاضل كانوا زمايلها اللي على يمينها بيتكلموا عن اختيارات معسكرات الصيف للأطفال، وزميلة على شمالها بتصور فيديو لنفسها أكيد هينتهي بيه المطاف في قصصها على إنستجرام، والواد اللي كان جنب جيك، اللي دلوقتي ماسك موبايله بيكتب رسايل بغضب شديد.

ميرا، اللي استلهمت من طريقة تجاهل اللي بيكتب الرسايل بعصبية ليهم كلهم، طلعت موبايلها على أمل إنها تلاقي حاجة كويسة تشتت انتباهها.

عينيها نوروا لما شافت سيل الإشعارات، بس اللمعان المتحمس ده خفت في ثواني، لما أدركت إن كل الرسايل من جروب شات بلوم.

مقر الشركة الرئيسي في مدينة نيويورك كان واضح إنهم سمعوا عن العرض التقديمي الممتاز بتاعهم لأكبر موزع مشروبات في باريس، وكان رد الفعل العام عبارة عن اختلافات من "برافو!" و "مبروك!"

الفوز الكبير بتاع النهارده كان أحدث نقطة عالية في نجاح بلوم الصاروخي، اللي دلوقتي بيشمل التوسع في الأسواق الدولية.

شهرة العلامة التجارية زادت جزئياً بسبب شراكات مع مؤثرين على إنستجرام، ودي كانت خطوة استراتيجية اقترحتها ميرا - بالرغم من إنها كانت متضايقة من الملابس والمكياج الأنيق اللي كان مفضل عند مجموعة المؤثرين. نجوم السوشيال ميديا عملوا شغل عالي في عرض الخط الفني والألوان الهادية والجذابة لكل علبة في تشكيلة النكهات، ساعات بسيلفيات جابت إعجابات ملهاش آخر، ومرات تانية بصور منظمة لنزهات مش عادية خالص - كانت فيها الأطباق الفضية هي القاعدة ومش هتلاقي ولا شعرة واحدة مش متسرحة.

مع ارتباط المؤثرين بعقود طويلة الأجل، التوسع في أوروبا بقى هو الهدف الكبير اللي جاي، ومعاه ليالي طويلة واستعدادات استراتيجية كتير وصلت لذروتها في الرحلة المهمة دي. الفكرة الأولانية كانت إنهم ياخدوا شوية رفوف في محلات السوبر ماركت الأوروبية، بس في العرض التقديمي للموزع في وقت سابق من اليوم، جيك ذكر الإمكانية للتكامل بين مشهد البارات السرية وبلوم - وده اللي هينجح بالذات في باريس، اللي دلوقتي فيها بارات كوكتيل بنفس عدد بارات لندن.

بمجموعة نكهات زي زهرة البيلسان، صريمة الجدي، واللافندر اللي لسه نازل جديد، جيك كان عنده حق لما حدد السوق البكر ده - بالرغم من إنه استخدم كلمة تكامل في العرض التقديمي بتاعه، وده مصطلح تجاري مكروه في نظر ميرا، زيها زي كلمة تحويل وتأجيل.

وميرا بتقلب في شات الشركة، حاولت بكل قوتها تحس بشوية فخر، وليه لأ؟ ألوان وشعار العلامة التجارية اللي المؤثرين كانوا مهووسين بيها، ميرا هي اللي اختارتها كلها بإيديها. وهي كمان اللي أقنعت رئيس قسم التسويق إنه يركز قوي على الجانب الزهري، لما شرحت له إزاي الناس باين عليها بتنجذب للهبل النباتي بتاع الهيبيز ده. بالرغم من كل ده، مقدرتش تولد المشاعر العادية اللي عادةً بتيجي مش بس مع تقييم أداء مذهل، لكن كمان مع أحسن سنة ليها لحد دلوقتي كرئيسة قسم العلامات التجارية.

ميرا قررت إن رد فعلها الهادي ده مقبول، بالنظر للحدث اللي حصل في حياتها قريب. والمضحك إن كلمة حدث دي برضه بتتقال على اليوم المشؤوم لما كويكب ضخم خبط في الأرض من ملايين السنين. الحدث الكبير ده قتل الديناصورات وجاب عصر جليدي غير وجه الكوكب، وبالرغم من إن حدثها الشخصي مسببش موت فصيلة كاملة، بس كان، بطريقته الخاصة، كارثي بنفس القدر.

وده كان السبب اللي خلى ميرا مش قادرة تحس بأي حماس في شات الشركة، والسبب اللي خلاها استغلت فرصة مرافقة الفريق في رحلة العمل لباريس. في الليلة اللي قبل السفر، ميرا قضت ساعات بتراجع قائمة أمنياتها في باريس بطريقة وسواسية، وهي قائمة كانت بتجمعها على فترات متقطعة لمدة تقريباً عقدين. القائمة دي كانت طوق النجاة ليها خلال تربيتها الهندية الصارمة اللي حددت سنين مراهقتها، وبعدين إحراج ضغط الجواز في السنين اللي جت بعد كده. مؤخراً، مع نجاح ميرا المتزايد في عالم الشركات، كانت فيه فرص كتير لزيارة باريس، بس بطريقة ما كل التراكم ده خلى فكرة الذهاب فعلاً تبدو مخيفة قوي.

بس بعدين رحلة عمل بلوم لباريس ظهرت قدامها: فرصة مثالية للهروب من الحدث ده، سواء كان التراكم مخيف ولا لأ.

بس هي أهي، في آخر ليلة ليها في باريس ومحققتش ولا بند واحد من قائمة أمنياتها. من أول ما وصلت هنا، كانت اجتماعات فريق الصبح بدري على فطار مستعجل، وعروض تقديمية بين غداءات وعشاءات الشغل، وبعدين تقع على سريرها في آخر اليوم، تعبانة لدرجة إنها مش قادرة حتى تفكر إنها تخرج لوحدها. حتى الفندق، وهو مكان جميل متخبي في شارع جانبي هادي في الدايرة الأولى، كان أقرب للمعالم السياحية الواسعة اللي ملحقتش تروحها - زي اللوفر - مقارنة بأي حاجة ممكن تدخلها بسرعة.

وميرا بتشرب بق من النبيذ، مقدرتش تهرب من حقيقة إن رحلة عمل مش هي السيناريو المناسب أبداً لمتعة قائمة الأمنيات المتحررة دي. كان المفروض يكون واضح من الأول، بس دي كانت مشكلة الأحداث الشخصية الكارثية - ليها طريقة تخلي الواحد مش عارف يحكم كويس.

بق النبيذ اللي بعد كده كان أكتر إلحاحاً من اللي فات، والسائل متخالط بعسل حلو بتاع محاولة النسيان.

لاحظت جيك وهو بيرجع من البار، وده لحسن الحظ شتت انتباهها عن إنها تشرب باقي الكاس كله دفعة واحدة. بصت عليه وهو بيقدم كوكتيل مجاني للزبائن اللي على الترابيزة الأقرب. بطريقته بتاعت البياعين، ألح على كل واحد فيهم إنه يدوق بق. الكل كان عنده فضول كفاية عشان يوافق، وبعدين، واحد ورا التاني، كل وش نور.

جيك رجع بسرعة على ترابيزة الشركة وفتش في شنطته عشان يلاقي علب بلوم أكتر. "كوكتيلات!" صاح بيها، وعينه جت على المدير. "أنا كنت صح ولا كنت صح؟"

فرانك هز راسه وضحك بخفوت. "أنت اتولدت عشان تكون بياع."

ميرا مكنش عندها أي اهتمام إنها تدخل في حفلة حب لجيك، عشان كده حولت انتباهها تاني لموبايلها. لاحظت نور إشعار الإيميل، وهي بتقرا محتواه، كل عضلة في جبينها اتشدت وعملت زي عقد كتير.







"أنت أكيد بتهزر معايا."

"في إيه؟" سأل زميل.

"الخطوط الجوية غيرت معاد طيارتي." كشرت. "بقت متأخرة دلوقتي وحطوني في الكرسي اللي في النص." بصت حواليها على الباقيين. "حد تاني وصل له تنبيه بتغيير معاد الطيارة؟"

زمايل ميرا بصوا في موبايلاتهم، كلهم ما عدا جيك، اللي كان لسه مشغول بعلب بلوم الغالية بتاعته. واحد ورا التاني، أكدوا إن تفاصيل طيارتهم زي ما هي.

"ليه أنا بس؟" زمجرت، وقررت في ساعتها إن دي عنصرية ضد أصحاب الياقات البيضاء.

"شيرلي كانت ذكرت حاجة زي كده النهاردة الصبح،" فرانك وضح. "وصل لها تنبيه إن الطيارة محجوزة بالكامل وقالت إنها هتتصرف." ابتسم. "أظن إنها اتصرفت."

بالرغم من إن ميرا مكنتش مانعة فكرة إنها تقضي كام ساعة زيادة في باريس، مقدرتش متتحسش إنهم رموها في جزيرة المسوقين المنبوذين.

جيك لاحظ إن ميرا لسه مكشرة في موبايلها. "إيه اللي حصل؟" بص بسرعة حوالين الترابيزة. "فاتني حاجة؟"

ميرا كانت عايزة تتجاهله، بس جزء منها كان عنده فضول مريض. "وصلك إيميل من شيرلي؟"

طلع موبايله من جيبه وهز راسه. "أيوة." فتحه وبان عليه إنه متلخبط. "ليه فيه رقم حجز تاني؟ مش وصلني الإيميل ده قبل كده؟" بص لميرا بعيون يائسة. "ممكن بس تلخصيلي اللي مكتوب؟ أنا لازم أرجع للبار."

ميرا فكرت تكذب وتقول له إن طيارته اتأخرت أربعة وعشرين ساعة، بس لحسن حظه، مكنتش شريرة لدرجة دي. على الأقل مش دلوقتي. "أنا وأنت اتحطينا على طيارة تانية؛ متأخرة تلات ساعات." بصت على شاشة موبايله. "يعني... أنا بفترض إنك على الطيارة دي. أنت لازم تتأكد."

بص في الإيميل وهز راسه. "أيوة، متأخرة تلات ساعات - زي الفل!"

جيك اتمشى براحة ورجع للبار، وساب ميرا وزمايلها يرجعوا لمتعتهم. أو في حالة ميرا، شرب النبيذ، وتجنب الرغي اللي يجيب الغثيان، ومحاولة إنها تهتم بمكاسب الشركة.

بعد ما آخر الأطباق اتشالت، ميرا طلعت من الحمام واكتشفت إن كل زمايلها مشيوا. كلهم ما عدا جيك، اللي كان بيتغازل مع النادلة جنب البار.

هما سابوني لوحدي، ميرا قالت لنفسها.

الست اللي كانت شريكة في ملكية المطعم لاحظت ميرا واقفة متجمدة مكانها.

"يا آنسة؟" قالت بهدوء. ميرا لفت وبصت لها بهزة راس، ووشها كان مصدوم شوية. "زمايلك قالوا إنهم لازم يمشوا عشان عندهم طيارة الصبح بدري."

"أوه."

"كل حاجة مدفوعة، ممكن حضرتك تكملي السهرة مع زميلك."

الست شورت على جيك، بس من شكل وشها، كانت عارفة زي ميرا بالظبط إن مفيش متعة كتير ممكن تحصل في عالم الإحراج بتاع الطرف التالت.

"شكراً،" قالت ميرا، "بس أنا كمان لازم أمشي." ظبطت البليزر بتاعها. "ورايا بكرة صبح كبير."

وميرا ماشية ناحية الباب، عينها جت بالصدفة في عين البارمان الجامد، اللي شعره أسود منكوش وبشرته سمرا. شكله كان ينفع يكون على شاطئ في سان تروبيه، ونتيجة لكده ابتدت تتخيله من غير قميص. ويمكن من غير بنطلون كمان.

البارمان رد عليها بنظرة حارة زي اللي كانت بتقرا عنها بس في الكتب أو بتشوفها في الأفلام. "تحبي تنضمي لينا عشان آخر طلب؟" عرض عليها، وصوته كان النسخة الصوتية من الفوندو الحريري.

ميرا بصت من وش البارمان الحلو لجيك، اللي كان مشغول بيلفت نظر النادلة. بعد ما عملت حسبة سريعة في دماغها، استنتجت إن الفايدة اللي بتديها ثقة في النفس من إن بارمان فرنسي جامد يعجب بيها متتفوقش على تكلفة إنها تتضايق من قوة الحياة اللي اسمها جيك.

هزت راسها بلطف ومشيت من المطعم.

أول ما طلعت برا، ميرا خدت لحظة تستمتع بهوا الصيف الدافي. والهوا بتاع الليل بيرقص على وشها، أدركت حاجة مهمة بنفس درجة أهمية حسبتها بتاعة التكلفة مقابل الفايدة: هل هي أصلاً في الحالة المزاجية المناسبة عشان تغازل راجل دلوقتي؟

أبداً مش قريبة.

في وقت متأخر من الليل، وهي راجعة أوضة الفندق الهادية بتاعتها، ميرا فردت كام لبس عشان تختار منهم لبكرة الصبح.

كانت ناوية تستغل الساعات الزيادة اللي هتقضيها في باريس عشان تصحى بدري، وتتمشى مشوار ملهم جنب النهر، وبعدين تفطر في مكان من الأماكن اللي في قائمة أمنياتها. حست بوخزة عصبية لما فكرت إنها هتفتح القائمة دي رسمياً. كل نقطة فيها كانت مليانة توقعات عالية، بس يا إما ده، يا إما تصحى متأخر وتطلب أكل من خدمة الأوض، وده كان باين غلط في مدينة جميلة زي باريس.

حاولت تهدي الإحساس العصبي ده بالتركيز على لبسها؛ الجزء بتاع المشي الصبح كان معناه إن العملية هي الأساس، بس المنطقة اللي فيها مكان الفطار كانت محتاجة حاجة أرقى شوية. زقت الحاجات العملية بتاعتها على جنب وركزت على أي حاجة قريبة من الموضة.

في الآخر استقرت على واحد من البليزرات بتوع الشغل مع تي-شيرت، وسلسلة بدلاية، وبنطلون جينز، والجزمه بتاعتها البيضا اللامعة اللي فيها روز جولد. مكنتش بنفس مستوى مؤثرين إنستجرام، بس بالنسبة لميرا، كانت أكتر من كفاية.

أول ما استريحت في السرير، مسكت موبايلها، وظبطت المنبه، وفتحت تطبيق الخطوط الجوية. "يا رب تشتغل المرة دي،" تمتمت بيها، وصوتها كان خليط بين تهديد وعصبية. كام ضغطة وتنهيدة طويلة بعديها، اتنهدت بإحباط.

تسجيل الدخول المريح عبر الإنترنت ببساطة مش هيحصل.

وهي عارفة إنها هتحتاج وقت زيادة عشان تسجل دخولها في المطار، عدلت المنبه بتاعها عشان تعمل حساب وقت إضافي مهم، قبل ما تحط موبايلها على الكومودينو وتطفي الأباجورة.

في لحظات بسيطة، عصبية ميرا اتحولت لتوقع متحمس.

بكرة هيكون يوم تحفة.








الصبح اللي بعده

الشمس كانت طالعة جامدة في السما الزرقاء الصافية، وأشعتها القوية مخليّة نهر السين بيلمع.

ميرا كانت ساندة على سور كوبري بونت ديزار، الكوبري اللي قُبالة متحف اللوفر واللي فيه مناظر طبيعية تحفة من كل ناحية. المنظر اللي كانت واقفة فيه دلوقتي كان المنظر الأيقوني، وبرج إيفل باين في المسافة. مكنتش قريبة كفاية عشان تقدر جمال التركيبة الحديدية المشهورة المعقدة، بس ده كان أوضح منظر شافته من ساعة ما وصلت، وكانت عايزة تستمتع بيه لأطول فترة ممكنة.

تنهيدة طويلة طلعت من شفايف ميرا. كانت لحظة مليانة أول شعور حقيقي بالفرحة حسته من ساعة ما رحلة الشغل ابتدت، ومعاها ساعتين كاملين باقيين، كانت بتأمل إن ده ميكونش آخر إحساس. بطنها قرقرت من الجوع، وكانت مركزة على التوست الفرنساوي المشهور اللي جاي.

بالرغم من إن صوت بطنها كان عامل زي شريط كاسيت بيعزف سمفونية الجوع، مقدرتش تسيب الكوبري من غير ما تصور الصورة اللي بتتباع على الكروت البريدية. صورت صورة وبصت عليها على طول. "ليه شكلها أصغر بكثير كده؟" اتنحتت. استخدمت خاصية الزوم وحاولت تاني، بس الكشرة كانت هي المكافأة الوحيدة. "ليه شكلها مشوش كده؟"

كان لسه الصبح بدري في باريس، والمكان اللي ميرا كانت فيه دلوقتي كان باين عليه كده، حركة المرور قليلة في الطرق، وشوية صغيرين بس من السكان المحليين والسياح اللي بيصحوا بدري ماشيين على رجليهم.

ميرا عدت الطريق بخطوات سريعة، وهي ماشية عدت على تراس كافيه بيقدم قهوة لأول سياح النهار ده. طريقها وداها على طول الواجهة الخارجية لمتحف اللوفر وبعدين دخلت في الشوارع الجانبية الأصغر، وده كان أحسن طريق لأي حد أجنبي عايز يستمتع بجو باريس.

في دقايق بسيطة، شارع سان أونوريه بقى شارع فوبورغ سان أونوريه، وبالرغم من إن عرض الشارع متغيّرش أبداً، كان فيه اختلاف ملحوظ في اللي بيتقدم فيه. الكافيهات والمحلات الصغيرة اللي بتبيع حلويات اتحولت لمحلات جوتشي وكارتييه وهيرميس وكل محلات الهدوم الغالية التانية اللي كانت بعيدة جداً عن متناول إمكانياتها المالية.

خطوات ميرا هدّت وهي بتقرب من واجهة محل جذابة بتعرض كل منتجات شانيل. أحدث موديل لبدلة شانيل الصوف كانت معروضة بشكل واضح ورا الإزاز، شكل كلاسيكي مبيبوظش أبداً مهما كان الفصل. مجموعة ملابس البحر للصيف كانت هي الجاذب الرئيسي التاني، مع مايوه قطعة واحدة بحزام عليه شعار الماركة المشهور.

بس دي مكنتش الحاجات اللي لفتت نظر ميرا. لقت نفسها بتنجذب لحاجة كان ممكن تتوه بسهولة؛ محفظة جلد كبيرة بغطاء كامل معروضة على ترابيزة فضة. كانت شبه المحفظة اللي حماتها المستقبلية ادتها ليها بالظبط في حفل خطوبتها.

فهم ميرا لحفلات الخطوبة اللي بتتعمل في معابد السيخ في شمال ولاية نيويورك كان قليل جداً في أحسن الأحوال، بس كانت عارفة إن بعد ساعة من القعدة متربعة على سجادة مش مريحة، ممكن دايماً تعتمد على مجموعة هدايا وشوية فلوس. بعد سنين من وهي بتشوف بنت عمها ورا التانية وهما بيجمعوا فلوس وجوايز حفلات خطوبتهم، جه دور ميرا أخيراً في يوم نوفمبر البارد ده. فستانها كان لونه وردي وفيه شغل فضي، كان مبهر بمعايير الغرب، بس كان هادي مقارنة بتغييرات فستان ليهينجا الكتير اللي هتمر بيها في يوم فرحها. أكتر حاجة فاكراها عن اليوم ده كانت ابتسامتها المتصنعة، وإزاي بقت متوترة مع كل صورة زيادة. في اللحظة دي، كانت افتكرت إن ده مجرد تعب بسيط، بس لما بصت لورا، كانت دي إشارة تحذير مبكرة. وهي مفهمتهاش.

الماضي والحاضر باين عليهم عالمين مختلفين، والمحفظة الجلد الكبيرة بغطاء كامل هي الحاجة الوحيدة اللي رابطة بينهم. كانت مجرد حاجة تانية هترجعها، في حين إن كل ذكرى لازقة فيها زي الغرا.

ميرا بعدت عن واجهة المحل، وكانت مستعجلة تهرب من المزاج الكئيب ده بالجري بعيد عن مشاكلها - أو في الحالة دي، بالجري السريع كام بلوك اللي فاضلين لحد المطعم.

قبل ما يمر وقت طويل، أفكار ميرا السوداء اختفت في مناظر وأصوات تراس مبهج - وريحة أحسن توست فرنساوي في التاريخ.

كان اسمه بان بيردو أو الخبز الضايع، وكان طبق بسيط غالباً بيتعمل في البيت بآخر قطع عيش باجيت بايتة. بالرغم من طبيعته المتواضعة، النسخة بتاعة الطبق اللي نزلت على ترابيزة ميرا مكانش ليها أي علاقة بالتواضع. اللي كان محطوط في طبق ميرا كان نسخة فرنساوي معدلة، حاجة خلت مدوني الأكل يتكلموا عنها. من برا، التوست الفرنساوي كان شكله زي برجين منفوشين من الجمال. كل برج توست كان لونه أصفر من كل ناحية، متحمر شوية من فوق، ومحاوط بشراب القيقب والتوت الأزرق الطازج. كان شكله أحلى من إنه يتاكل. تقريباً.

لما ميرا استخدمت شوكتها اللامعة عشان تقطع أول برج، مقدرتش غير إنها تنهد. ورا الشكل الخارجي كان فيه نوع من السحر الخفيف والمنفوش اللي عمرها ما كانت هتقدر تعمله، لا في دماغها ولا في مطبخها الضيق في مانهاتن.

لو أول قطمة بالشوكة كانت حلوة، يبقى أول قضمة رسمية كانت فرحة سماوية. طعم البيض الرقيق وحلاوة الشراب حضنوا براعم التذوق بتاعت ميرا بحضن دافي، وده على طول أكد إن وضع البان بيردو المتجدد ده في قائمة أمنياتها كان قرار صح.

في دقايق بسيطة، الحاجة الوحيدة اللي فضلت في طبق ميرا كانت توتة زرقاء واحدة شاردة هتحوشها لآخر الأكلة. في الوقت ده، كانت بتشرب قهوتها وبتشوف وهي ماشية ست باريسية شيك من وقت للتاني. ثانية بثانية، فطارها الخفيف ده اختفى من دماغها، وحل محله شريط ذكريات لتفصيل فساتين هندية، وتذوق كيك، وتكاليف باهظة، ورعب بيزيد مع كل صفحة بتقلب في النتيجة... كل ده كان بيرجع يطفو على السطح. اتساءلت إيه اللي ممكن يخليها تبطل تتعرض للموجات دي من المشاعر. هل مفيش راحة هتيجي لحد ما تواجه مشاكلها؟ لو كده، يبقى ده كلام فارغ - بالذات عشان هي كانت כבר اتعاملت مع أكبر مشكلة ليها على الإطلاق.

من كام أسبوع بس، كانت بصت بعجز وهي شايفة مستقبلها كله بيتجه بسرعة ناحية جوازة من راجل كويس شكلاً، بس هي مكنتش بتحبه بجد. بس بعدين، وقفت ده، زي سواق داس فرامل جامدة قبل ثواني من تصادم وجهاً لوجه.

معظم الناس اللي في موقف ميرا كانوا هيكملوا ببساطة، وهيختاروا مستقبل مريح مفيهوش مخاطرة كبيرة - قبل ما يقنعوا نفسهم في الآخر إن ده كل اللي كانوا عايزينه من الأول. جزء من ميرا عجبها فكرة المستقبل اللي مفيهوش مخاطرة، بس في النهاية، كانت مش قادرة تاخد الطريق ده. كانت عايزة حاجة أكتر، حتى لو مكنتش عارفة إيه هي الحاجة دي بالظبط. ودلوقتي، بعد ما بوظت حياتها كلها، هي حرة تماماً إنها تروح تدور عليها.

العيب الوحيد في الخطة كان إن لحد دلوقتي، الحرية كانت عاملة زي الزفت. خاطرت بكل حاجة، بس السلام الداخلي كان بيهرب منها. أظهرت شجاعة، بس مكنش باين فيه مكافأة. ومساعدش إن كلمة شجاعة دي عمرها ما اتقالت في حوارات مع عيلتها الهندية. حتى وهي طفلة وهي بتتفرج على ساحر أوز مع أهلها، عمرهم ما فهموا إيه اللي كان ناقص الأسد الجبان. لا قلب ولا عقل، دي كانت مشاكل بتغير الحياة. بس مفيش شجاعة؟ ده مكنش باين إنها مشكلة أصلاً.

عشان كده ميرا أهي، ومعاها شجاعة في جيبها مش بس ملهاش لازمة لعيلتها، لكن الأسوأ من كده، كانوا شايفينها أنانية. كانت أنانية عشان أهلها كانوا כבר بعتوا الدعوات، كانت أنانية عشان خلتهم يمروا بكابوس كل الضغط ده، وكانت أنانية عشان مسبتهمش يجوزوا بنتهم قبل الميعاد اللي المجتمع الهندي حاطه عشان البنات ميبقوش عوانس.

ميرا أكلت آخر توتة زرقاء، وهي بتتفرج على أم ماشية بعربية أطفال. "كان ممكن أكون أنا كده السنة الجاية،" همست بيها، قبل ما تبص على صباعها اللي مفيش فيه خاتم. "رجعت لنقطة الصفر."

سواء اختيارات ميرا كانت أنانية ولا لأ، هي فعلاً عملت كل اللي تقدر عليه عشان تلغي الجوازة في وقت معقول. في الحقيقة، كانت ادت إنذار بشهرين تقريباً لكل الأطراف المعنية، في سلسلة من المحادثات المحرجة والجحيمية كانت بتأمل إنها عمرها ما تعيشها تاني. ورغم كل ده، مكنتش غابت ولا يوم واحد عن الشغل. كان المفروض تكون دي علامة شرف، بس كانت بتتعلم بالطريقة الصعبة إن تحقيق كل المواعيد النهائية وعمل شغل ممتاز في التسويق مكنش بالضبط العلاج اللي بيملأ الفراغ.

الحاجة الوحيدة اللي ميرا كانت متأكدة منها، إنها رسمياً نجت من أسوأ تجربة في حياتها. كانت راحة بسيطة، بس كانت حاجة. وعلى جانب أقل راحة، ظهرت حقيقة تانية وهي قاعدة تحت دفء شمس الصيف: هي محتاجة أكتر بكتير من وجبة فخمة واحدة عشان تحس بالسعادة تاني.

وميرا مدركة تماماً للطريق الصعب اللي قدامها، اختارت تقضي كام دقيقة كمان في التفرج على الناس، وده لو مكنش فيه أي حاجة تانية، كان فيه شوية تسلية بتشتت الانتباه.

بعد ما دفعت تمن الأكل، اتمشت تاني على طول طريق الطوب المصمم، ومعاها شوية شجاعة وأمل عميق جواها إن الزمن هيشفي كل حاجة.

قبل ما يمر وقت طويل، ميرا كانت رجعت لوبي الفندق، بالظبط في الميعاد عشان تاخد حاجتها وتروح المطار. مكنتش مستنية ترجع بيتها وتواجه أنقاض حياتها اللي اتهدت، بس دايماً هيكون عندها باريس - شوية وقت الصبح، على الأقل.

ميرا شكرت عامل الاستقبال وهو بيجيب شنطة السفر بتاعتها اللي بتطلع الطيارة.

"إلى اللقاء، نهارك سعيد،" قالها، وهو بيشاور على الأبواب الدوارة.

ده كان غريب. "والعربية؟"

نظرته كانت طويلة وعينيه خاليتين من أي مشاعر. "عربية؟"

"الجدول بتاعي بيقول إن شركتنا استأجرت عربيات عشان توصلنا للمطار."

"آه أيوه،" قالها، وهو أخيراً فهم. "كان فيه تلات عربيات، وكان زمايلك راكبينهم عشان مشيوا بدري."

اتخضت. "هما محجزوليش عربية؟" قعدت تفكر مين ممكن يكون مسؤول عن الغلطة الفظيعة دي. فرانك؟ شيرلي؟

حد هيموت بسبب ده.

قبل ما ميرا تقدر تخطط أول جريمة قتل في حياتها، جيك خرج ببطء من الأسانسير وراح ناحيتها. كانت تقريباً نسيت إنه جزء من المعادلة دي، وبصراحة، كانت نوعاً ما بتأمل إنها مش هتشوفه خالص. بالذات دلوقتي، وهو شكله عرقان ومتبهدل. كان شكله زي راجل قضى الليل كله بيمتص كل نقطة كحول في المنطقة.

جيك بص من عامل الاستقبال لميرا. "العربية جاهزة؟"

"هما عاملين ميزانية لتلات عربيات بس،" قالت، "وزمايلنا 이미 استخدموها."

وميرا معندهاش وقت تستنى رد فعله، طلعت موبايلها وفتحت تطبيق مشاركة الركوب. عينيها وسعت لما بصت على التفاصيل. "مية وعشرين يورو عشان أروح المطار بس؟" بصت لعامل الاستقبال عشان تاخد إجابات. "مش ده يبان سخيف؟"

عامل الاستقبال هز كتفه. "الأسعار بتزيد في الويك إند عادي؛ حضرتك عارف... الكل رايح المطار عشان أجازاتهم الصغيرة في لشبونة ولا بياريتز." آخر جزء من جملته كان فيه استخفاف واضح.

"بس ده صباح الجمعة؛ مش المفروض الناس تكون بتشتغل؟"

عامل الاستقبال ضحك بس مقالش حاجة.

"خلينا ناخدها ونحسبها على الشركة،" جيك اقترح.

اتنفخت. "أنت فاكر إن شيرلي هتخلي نموذج المصروفات ده يوصل لمكتب فرانك؟" كان معروف بين موظفين بلوم إن شيرلي المتسلطة/مديرة المكتب بتاكل رحلات السلطة على الفطار، لدرجة إنها ممكن ترفض مصروفات بتكون أساسية في أي شركة تانية. فرانك، بصفته نائب رئيس التسويق والمبيعات، كان دايماً بيعرف يتجنب إنه يتورط، وده خلى ميرا متأكدة تقريباً إن فيه ابتزاز في الموضوع.

بغض النظر عن الديناميكية الغريبة بين فرانك وشيرلي، الأسعار المتزايدة مكنتش هي حل مشاكل ميرا. لفت ومشيت ناحية الأبواب الدوارة.

"رايحة فين؟" جيك سأل.

لفت تاني. "هاخد قطر الإر إيه إر."

جيك شكله كان متلخبط.






"ده قطر بيروح المطار. فيه منهم كمان سريع." جدولها دلوقتي فيه تأخير بسيط بسبب إنها هتروح المطار بالمواصلات العامة، بس مكنتش هتخلي ده يوترها. لاحظت إن جيك متحركش. "بالتوفيق مع الأسعار المتزايدة."

"أنا هاجي معاكي!"

"ليه؟"

راح ناحية الأبواب. "أنا كمان مش بثق في شيرلي."

محطة المترو كانت زحمة، ودي حقيقة وتّرت ميرا في ساعتها. وهي وجيك بيتزاحموا عشان يدخلوا القطر، فكرت نفسها إنها مجرد محطة مترو واحدة أقل من دقيقة، وبعدها هيوصلوا لمحطة شاتليه، المحطة اللي مش بس متوصلة بكذا خط مترو، لكن كمان بقطارات بتسافر بره باريس. قطر الإر إيه إر بي كان بيعدي على المحطة كتير، وده هيوصلهم لمطار شارل ديجول في وقت كويس. مسكت أقرب عمود حديد وهزت راسها لنفسها تأكيداً.

"إيه اللي خلاكي تهزي راسك لنفسك؟" جيك سأل.

"مكنتش."

"كنتي أكيد. أكيد كانت فيه حوار جامد في دماغك."

"أنت مش طويل قوي لما شعرك بيكون منكوش،" قالت، وهي بتخبّي إنها شايفة إن شعره وهو منكوش شكله حلو.

تعليق ميرا لخبطه، زي ما كانت قاصدة بالظبط. مرر صوابعه في شعره المنكوش. "مش وحش للدرجة دي."

القطر فرمل فجأة، وده دفع جسم جيك ناحية ميرا. آخر مرة كانت قريبة من راجل كده كانت من أسبوعين، لما راجل بيتزحلق بالعجلات في ريفرسايد بارك اتعثر في صخرة وخبط فيها. في الحالة دي، وجود جيك القريب خلا ضربات قلبها تزيد بسرعة على طول.

"آسف،" قال وهو بيرجع لورا، بس بيبص على وشها كأنه بيدور على فرصة عشان يغازلها.

لسوء حظ جيك، المغازلة مكنتش في جدول أعمال ميرا. المهم كان الوصول للمطار. "أظن إنك ملحقتش تاخد شاور الصبح، صح؟"

وشه احمر. "يعني... أنت عارف بقى."

"عارف إيه؟"

القطر كمل رحلته بهدير، وفي الكام ثانية دول، إحراجه اتحول لجو التملق بتاعه المعتاد. "أنا موصلتش الفندق غير الصبح، لو فهمت قصدي."

"أيوة، أنا على دراية بمفهوم الوقت."

بان عليه إنه متضايق إنها مش بتدي له خمسة عالية على إنجازه مع النادلة، بس هل كان مستغرب بجد؟ ميرا مكنتش من صحابه أصلاً. "كويس إنك حاطط برفان،" أضافت. "ماشي كويس مع ريحة العرق اللي فيه فودكا اللي بتطلع من مسامك."

قبل ما يقدر يستوعب ثقل إهانتها، القطر صرخ وهو بيدخل المحطة.

وهما خارجين، ميرا حولت تركيزها لوضع التوجيه، بتقرا كل لوحة فوقيها بعناية عشان متغلطش الطريق. جيك كان ماشي وراها بمستوى من الالتزام يوازي ولد خايف يضيع أمه في المول. اتساءلت لو كان دايماً كده، ولا ده مجرد نتيجة إنه في مدينة أجنبية. في الحالتين، مكنتش متضايقة، عشان التحكم في الموقف كان حاجة محتاجاها في حياتها.

بعد ما اشتروا التذاكر وتبعوا اللافتات اللي بتشاور على السلم الكهربائي، ميرا لاحظت الزحمة. مكنش فيه اختيار غير إنهم يندمجوا في وسط الناس المتزاحمة، وعلى طول ميرا فقدت إحساسها بالاتجاهات. لحسن الحظ، جيك اتدخل واتحول من تابع لقائد، استخدم طوله وذراعه الطويل عشان يفتح طريق صغير لميرا. وحتى بص وراه كل كام ثانية عشان يتأكد إنه لسه فاكر مكانها. كانت لفتة صغيرة، بس لطيفة.

طلعوا السلم الكهربائي من غير أي مشاكل، بس أول ما وصلوا الرصيف، كل حاجة اتغيرت للأسوأ.

عامل الاستقبال كان قال إن يوم الجمعة بيكون زحمة عشان اللي مسافرين أجازات، بس في كل المدونات اللي قرتها عن التخطيط لرحلة لباريس، فاتها النصيحة عن أحسن طريقة تتعامل بيها مع حشود الناس المحبطة اللي حواليها. جبهات عرقانة، أكواع عدوانية، نفس ريحته وحشة... كانوا في كل حتة، وحست إن مفيش مهرب.

وهي بتحاول تحافظ على أعصابها، ميرا بصت على لوحة المعلومات الرقمية. القطر اللي جاي هيوصل بعد أربع دقايق، واللي بعده بعد حداشر دقيقة.

"تمام،" قالت، وجسمها دلوقتي محشور بين ستين في سن متوسط. "ده يبدو عادي."

بعد ثانية سمعت صوت تذمر جماعي.

"هما بيعملوا كده ليه؟" جيك سأل، وهو واقف على بعد كام قدم، ومش متأثر بأي شكل بالراجل العجوز اللي ساند على جسمه.

ميرا خدت كام ثانية عشان تلاقي سبب غضب الكل؛ القطر اللي جاي دلوقتي هيوصل بعد سبعة عشر دقيقة لعينة.

"لأ!" صرخت.

ثانية بثانية، الزحمة ابتدت تخف.

"يلا ناخد عربية،" جيك اقترح.

"بس الأسعار المتزايدة."

"هنتقسمها." صوته كان بحر من الهدوء في الموقف اللي بيزداد توتراً.

لوحة المعلومات قدمت تحديث تاني قريب؛ القطر اللي جاي دلوقتي هيوصل بعد تمان دقايق بس.

"بص،" قالت، "هيجي قريب. خلينا نستنى بس."

"أنتِ متأكدة؟"

الرصيف اتملى تاني، ووجود المسافرين التانيين ادى ميرا راحة. "أنا متأكدة؛ العدد الكبير ده من الناس مينفعش يكون غلط، صح؟"

بعد تمان دقايق، مكنش فيه قطر باين، واللوحة دلوقتي قدمت تحديث مختلف تماماً:

ملغي

صوت التذمر الجماعي كان أعلى من اللي فات، وبالرغم من إن ميرا مكنتش خبيرة في اللغة الفرنسية، عرفت تترجم الكلمة اللي بتهجّي قبلة الموت.

"إزاي يقدروا يلغوه كده؟" عينها جت بالغلط في عين راجل أصلع لابس نظارة. "أنت عارف ليه ممكن يلغوه؟"

"ده إضراب،" وضح، بنبرة غير مبالية كانت مزعجة جداً.

استهزأت. "مينفعش تعملوا إضراب من غير ما تقولوا لحد."

الراجل اللي لابس النظارة فكر في كلامها. "كان فيه شوية كلام في الأخبار الأسبوع اللي فات؛ كنا بنتساءل لو كان ممكن يحصل قريب."

"شوية؟ ممكن؟" ميرا ضمّت دراعاتها. "مش دي الطريقة اللي بتمشي بيها الأمور. لازم تعلنوا رسمياً إن هيكون فيه إضراب، وبعدين لازم تحددوا ميعاده بعد نص الليل بدقيقة واحدة."

"دي فرنسا،" قالها ببساطة، قبل ما يسيبها هناك في صمت مذهول.

جيك قرب وسحبها بعيد عن الرصيف. "النت عندي مش كويس هنا؛ لازم نرجع فوق عشان نطلب العربية."

ميرا بصت على الساعة اللي على لوحة القطر. وبحسبة سريعة، الهلع بدأ يشتغل. "يا إلهي، ممكن فعلاً نلحق الطيارة دي بالعافية."






والعربية بتزحف في الزحمة للمرة الخامسة وهما طالعين من باريس، ميرا حست بقبضة باردة من الواقع.

لو ميرا فاتتها الطيارة، هتحتاج تحجز واحدة تانية لوقت لاحق من اليوم بسعر أكيد هيكون مزعج. كانت عارفة كمان إن بالرغم من إن الإضراب خارج عن إرادتها، فيه احتمال كبير إن شيرلي ترفض الأسعار المتزايدة لو حبت تكون شريرة، وده اللي عادةً بتعمله. وسواء كانت هتوافق على تكلفة الطيارة الغالية دي ولا لأ، دي قصة تانية خالص.

عادةً، ميرا مكنتش هتكون متوترة قوي بسبب التكاليف غير المتوقعة، بس بعد ما خسرت مبالغ التأمين على قاعة الأفراح والديكور والأكل بعد ما لغت الجوازة، مكنتش في وضع مالي كويس بالظبط.

"إحنا هنوصل،" جيك قالها، وكأنه بطريقة ما عرف يقرا كل أفكارها القلقة.

بصت له نظرة طويلة. "الوقت مش دايرة مسطحة؛ أنت عارف ده، صح؟"

ابتسامته كانت بتدي ثقة في النفس بطريقة ما كانت جذابة. "إحنا قدها."

ولما ميرا وجيك وصلوا المطار أخيراً، راحت ناحية ماكينات تسجيل الدخول الذاتية، ودماغها رجعت بالذاكرة لليلة اللي فاتت لما العملية على الإنترنت مكنتش اشتغلت. بس الماكينات كمان مكنتش شغالة.

"يا خراشي."

بس الغريب إن ده مكنش حتى أسوأ حاجة.

"كونتر تسجيل الدخول مقفول،" جيك قالها، وكل الثقة اللي كانت عنده من شوية اختفت من صوته.

كانوا في موقف صعب، بس ميرا مكنتش مستعدة تستسلم.

راحت بسرعة ناحية أول بني آدم لابس يونيفورم شافته. اتخانقت. اترجت. شتمت دولة فرنسا كلها. بس مفيش فايدة. الظاهر، مكنش ممكن يسجلوا ركاب جداد لما تكون الطيارة اللي بيتكلموا عنها ابتدت вже في مرحلة الصعود.

"إيه اللي تقصده بمش ممكن؟ وإيه بالنسبة لكل الناس الخسرانين اللي بييجوا في آخر لحظة واللي أسماؤهم بتعلن في الميكروفون كأنهم مهمين قوي وخاصين جداً وبالظبط زي براد بيت؟" بصت لجيك. "صح؟"

"بالظبط..." قالها، وهو بيحاول بكل قوته يدعم انفجارها المفاجئ.

الموظفة اللي على كونتر تسجيل الدخول فضلت هادية. "بما إنكم مجيتوش في الميعاد، الكراسي بتاعتكم اتعطت للركاب اللي كانوا على قائمة الانتظار. عشان كده، زي ما قلت، مش ممكن."

اتعثرت وهي بتبعد عن الكونتر. "يا لهوي."

"هيكون كله تمام،" جيك همس.

"ممكن أدور لك على طيارة تانية،" الموظفة عرضت، وهي لسه مش متأثرة بانهيار ميرا.

حست بصداع مفاجئ جاي. "أيوة. أكيد. وليه لأ."

بعد دقيقة، الموظف بان عليه مبسوط من نفسه إلى حد ما. "تمام يا آنسة، لقيت مقعدين على أقرب طيارة متاحة. هتكون بكرة الساعة تلاتة بعد الظهر."

ميرا انفجرت في الضحك. أول ما استعادت نفسها، ابتسمت زي واحدة على آخرها. "أنت اتجننت ولا إيه؟"

الموظف مكنش متأثر خالص. "عايزة الطيارة ولا لأ؟"

نظرتها الشديدة اتحولت لذعر تام. "إزاي مفيش أي حاجة للنهارده؟ المفروض يكون فيه طيارات كتير بتروح نيويورك!"

الموظف مبذلش أي مجهود عشان يخفي استياءه من حقيقة إن ميرا لسه موجودة. "مفيش كتير، فيه كام واحدة. بس مع وجود عدد كبير من الأمريكان اللي بييجوا ويروحوا خلال أسبوع الموضة الهاي كوتور، وبما إننا في موسم السياحة، دي الطيارة اللي عندنا."

"وإيه بالنسبة لمقعد واحد؟" سألت. "يعني انسى ده خالص،" أضافت بصوت واطي، "بس دور لي على واحد أنا."

"مش حلو كده،" جيك قالها، وعينيه المجروحة مكانتش مهمة لميرا.

"دي الطيارة الوحيدة،" الموظف كرر.

"وإيه بالنسبة لوقفة في النص؟" أصرت.

الموظف ابتدى يكتب. "خليني أشوف... آه أيوه، ممكن تسافروا النهارده ويكون عندكم توقف ليلة كاملة لمدة تلاتاشر ساعة في أيسلندا."

"يا خراشي،" جيك زمجر. ضرب ميرا بالكوع. "يلا بينا على طيارة بكرة."

وطت راسها باستسلام.

أسعار متزايدة... تكلفة طيارة تانية محتملة... إقامة في فندق - المصروفات غير المتوقعة كانت بتزيد بشكل كبير. "تمام. احجزها."

جيك هز راسه للموظف. "تذكرتين لطيارة بكرة لو سمحت." لف لميرا وابتسم. "جاهزة لأربعة وعشرين ساعة كمان في باريس؟"

تعليقات

إرسال تعليق

authorX

مؤلفون تلقائي

نظام شراء