روايه رحلتي مع القدر 32
رحلتي مع القدر 32
2025, خضراء سعيد
اجتماعية
مجانا
خارجة من العمليات شاحبة كالملاك الجريح، يارا ترقد تحت تأثير البنج، بينما عائلتها يحيط بها ككابوس يقظ. الأم ترتجف ودموعها تفضح قلبها المكسور، والأب صامت بعيون تصرخ بالقهر. ابنتهم الصغيرة دفعت ثمن قسوة زوج لم يرَ فيها إلا أداة، لتخرج محطمة الجسد والروح، وحلم الأمومة يتبخر.
يارا
فتاة في السابعة عشرة من عمرها، عانت من تجربة زواج مؤلمة وقاسية تركتها محطمة جسديًا ونفسيًا وفقدت حملها. تظهر في بداية الفصل ضعيفة ومتعبة بعد العملية، لكن في النهاية يلمع في عينيها بصيص أمل وإصرار على التعافي.والد يارا
أب موجوع وصامت، يشعر بالذنب والعجز لأنه لم يستطع حماية ابنته من هذه التجربة القاسية. نظراته المليئة بالحزن والقهر تعبر عن عمق ألمه.
يارا كانت خارجة من أوضة العمليات، ممددة على السرير، ووشها شاحب كإنه ورقة بيضا، عينيها نص مفتوحة ومش واغدة بالها من اللي حواليها. لسه تحت تأثير البنج، بس اللي حواليها كانوا صاحيين على كابوس. أمها كانت واقفة بتترعش، ماسكة إيدها عشان متنهارش، بس دموعها فضحتها. حياتي . وتاني يوم رجعت يارا من المستشفى حضنتها أمها وقالتلها:نور البيت يا بنتي، رجعتيلي يا روحي... يارا دخلت، نفس ريحة البيت... ياسمين، وبخور، وضحكة أمها. راحت قعدت على الكنبة القديمة، حست إنها رجعت طفلة، لسه بتحلم وماخدتش من الدنيا كفايتها. وفي نفس اللحظة، كانت روعة، بنت خالتها، واقفة في البلكونة بتبص ع البحر، وقلبها مشغول. من يوم ما عرفت إن فيه عريس جاي يشوفها، وهي مش مرتاحة، بس في حاجة في صوت أمها خلاها توافق تشوفه. أما فهد، ابن الجيران، فكان واقف على الناصية، بيشرب قهوته من الكشك الصغير، وبعينه بيدوّر على سلمى، اللى بتمشي الساعة دي كل يوم. كان عارف إنها مش بتشوفه، بس هو شايفها وبس. كان يوم جديد في إسكندرية، والجو ناعم كأنه بيهمس بحكايات زمان. إياد، الشاب الهادئ واللي قلبه مليان أمل رغم تعب الأيام، كان ماشي على كورنيش البحر وهو بيحلم برحلة حب جديدة. كان لابس جلابية بسيطة وقبعته محطوطة على راسه، وكأنه بيحاول يلاقي شوية دفء وسط نسمة البحر الباردة. على نفس الممر، كانت روعة واقفة على البلكونة الصغيرة في البيت القديم، بتتفرج في البحر وكأنها بتعدي دقايق من عمرها. كانوا حواليها ورود البرتقال ورشة رياح بتنعش المكان. فجأة، شافها إياد من بعيد، وقلبه وقف لحظة. حس إن عينيها الواسعة بتلمع كأنها نجوم بتدعي للدنيا تصحى. اتقرب إياد بخطوات محسوبة، وكل خطوة كانت بتحكي إنه من يوم ما شاف عيون روعة وهو حاسس بوجود حاجة غريبة جواه. وصل قدام البيت، ولما فتحت له روعة الباب، حس إنه دخل عالم تاني، عالم كله هدوء وجمال. صباح الخير قالها بصوت فيه خجل وحماس متداخلين، صباح النور ردت روعة بابتسامة خفيفة، وعيونها كانت بتقول إن في حكاية حقيقية بتبدأ. في اللحظة دي، البحر كان بيرفرف ونسمة الهوا كانت بتداعب الوش، وكأنهم بيشهدوا أول نظرة بين قلبين كانوا محتاجين لبعض رغم العواصف اللي مروا بيها. كان صوت نوارس البحر بيحيي المهرجان الساحر اللي كان بيجمع الماضي والحاضر في مكان واحد. إياد حس إنه مش قادر يشيل عينه من على روعة، وبدأ قلبه ينطق بصمت بكلمة إن شاء الله، نكون مع بعض. لكن جمال الإسكندرية كان بيدّي قوة، وحس إن البحر وصدى حكاياته معاهم في كل خطوة. كانت روعة قاعدة قدّام إياد، بتسمعه وهو بيحكي عن نفسه، شغله، واهتماماته، بس عقلها كان بيروح لمكان تاني… كل كلمة كان بيقولها كانت بتفتّح جواها أبواب كانت مقفولة. افتكرت أيام زمان، أيام ما كانت بتحلم بحب صافي، حد يحبها عشان هي، مش عشان شكلها أو وضعها. افتكرت خيبات الأمل، الضحكات اللي اتقالت وبعدها اختفوا، ووعود ما اتحققتش. سرحت، وعينيها بقت فيها لمعة حزن، لحد ما سألها إياد: – "انتي معايا؟" – "آه… آسفة، كنت بفكر." – "في إيه؟" – "في اللي فات… بس يمكن اللي جاي أحلى." ابتسم إياد، وقال: – "إن شاء الله، وخصوصًا لما نبدأه مع ناس صادقة." وفي ناحية تانية من الإسكندرية، في شارع جانبي هادي، كانت شمس – البنت الجدعة اللي بتحب الحرية والرسم – داخلة من محل ورد، وفجأة اتخانقت مع شاب كان واقف قدام الباب. – "إنت مش شايف؟ ده مش شارعك لوحدك!" – "وانتي داخلة زي الرصاصة، كأنك لوحدك في الكون!" سكتوا لحظة، وبصّوا لبعض، وبالرغم من العصبية… كان فيه حاجة اتبدلت. عيونه لمعت، وابتسامتها اتسللت من بين غضبها، وهو قال: أنا مازن نادر درويش، وانتي؟ شمس، بس مش بتشرق بسهولة أنت أبن عمي! ضحك وقال: انت بنت عمي كمال يبقى عندي تحدي جميل! وفي مكان تاني، في برج إداري كبير في سموحة، كان علي، مهندس معماري ناجح، قاعد على مكتبه وسط خطط ومخططات، وتليفونه مش بيبطل رن. لكن فجأة دخلت عليه سيدة أنيقة، لابسة فستان بسيط بس شيك، وشعرها مرفوع بدقة، وعطرها هادي بس باين. أنا جايه عشان استشارة لمشروع بيت عائلي على البحر. بص لها، وقلبه دق. مش بس عشان جمالها، لكن عشان وقفتها، ورزانتها. أكيد، اتفضلي… نحط أول حجر أساس مع بعض. وهو بيشاور على الكرسي، حس إن فيه فصل جديد بيتكتب، مش بس في شغله… في قلبه كمان.
تعليقات
إرسال تعليق