روايه مادي

مادي

2025, هاني ماري

درامية تاريخية

مجانا

في هذا الفصل، نشهد مدى عزلة مادي عن عائلتها، حيث يُفرض عليها الابتعاد عن أشقائها، خاصة أختها الأقرب فيولا. رغم رغبتها في حضور الحفلة، تُمنع بسبب تقاليد العائلة، وتزداد حيرتها عندما تلاحظ نظرات مريبة بين فيولا وسادي. مع إحساسها المتزايد بالقيود، تتجه مادي إلى درس الموسيقى الذي تكرهه، شاعرة بالضيق والتمرد المكبوت.

مادي

عميلة شابة في الالبطلة، فتاة متمردة تشعر بالعزلة وسط عائلتها الصارمة.

فيولا

أخت مادي المقربة، لكنها تخفي شيئًا عنها.

سادي

الخادمة المسؤولة عن مادي، صارمة ولا تُظهر تعاطفًا معها.

الأب

شخصية سلطوية تتحكم في مصير مادي وتفرض عليها العزلة.
تم نسخ الرابط
روايه مادي

 
 "Perfect." شهقت براحة وأنا بارجع لورا علشان أتأمل آخر رسمة رسمتها. كانت صورة القط اللي بسميه "بيتشز"، اللي عايش في الإسطبلات. البورتريه بتاعه طلع أحسن حتى من اللي كنت متخيلاه في دماغي.

ليه بقيت حياتي مش ماشية بنفس السهولة؟

حياتي ما كانتش وحشة، أظن. كان عندي أكل كفاية وحاجات كتير ناس غيري ما عندهمش. بس أكيد الحياة مش مجرد كده، صح؟

بس أنا بصراحة مش عارفة. أنا لسه عندي عشر سنين، بس كان صعب عليّ ما آخدش بالي إن الخدم – اللي مقارنة بعيلتي ما كانوش عندهم أي حاجة تقريبًا – كانوا أسعد مني بكتير.

يمكن لو أمي كانت عايشة، كان الوضع هيبقى مختلف. كنت دايمًا بتساءل يا ترى كانت عاملة إزاي؟ ويا ترى المفروض أفتقدها؟ لو ما كانتش هتحبني أكتر من بابا، فمش عايزة أضيع وقتي ولا طاقتي في التفكير فيها، بس يمكن كانت مختلفة. كنت عارفة إني شبهها على الأقل. اتقال لي كده مليون مرة. عندي نفس الشعر الغامق المموج، نفس البشرة الفاتحة، نفس العيون الواسعة الزرقا الصافية، ونفس الجسم الصغير. بس ده ما خلاّش بابا يهتم بيا. كل اللي كان يهمه إني أعمل اللي المفروض أعمله وخلاص.

قطّبت وأنا بفكر في الكلام ده، وبصيت تاني على رسمي علشان أدور على أي غلطات ممكن أصلحها. مش عايزة أفكر في بابا.

بدأت ألمّس على الصورة وأصلّح فيها، ويبدو إني سرحت في الموضوع. ما حسّتش بالوقت غير لما سمعت مربيتي، "سادي"، وهي داخلة الإسطبلات بصوت عالي. أول ما حركت رقبتي، حسيت بوجع فيها، وده كان دليل إنها فترة طويلة وأنا مركزة في الورقة من غير ما أرفع عيني عنها.



"مادلين!" نادت عليّ بصوت عالي تاني قبل ما تشوفني في الركن البعيد.

نفخت بضيق وخدت كام خطوة ناحيتي. "أهو إنتي هنا، يا بنتي. أنا بدوّر عليكي في كل حتة!" وبّختني بنبرة غاضبة. "كان لازم أعرف إني هلاقيكي هنا. المفروض تكوني شغالة على شُغلك بالإبرة."

"أنا بكره الشغل بالإبرة!" اشتكيت وأنا متضايقة. "مش فاهمة ليه لازم أعمله!"

"علشان أبوكي مُصر. وإياكي تخليه يشوفك بالكتاب ده، وإلا هيبقى مصيره زي اللي قبله."

بصيت لأسفل في كراستي بعبوس، ولسه فاكرة المشهد بوضوح... لما بابا مسك الكراسة اللي قبلها ورماها في المدفأة. يومها كان شافني برسم في أوضتي، ووقتها جن جنونه. الرسم ما كانش حاجة "لائقة بالسيدات"، وهو ما كانش هيسمح بده أبدًا. مش عارفة ليه أصلاً كان فارق معاه أكون "لائقة" ولا لأ، هو حتى ما كانش بيخرجني معاه في أي حتة، ولا بيتكلم معايا أصلًا. يمكن كان خايف حد يعرف إن بنته مش مؤدبة بالشكل اللي هو شايفه مناسب.

"مش عارفة بتجيبيهم منين أصلًا!" هزت سادي راسها باستغراب.

وأنا أكيد ما كنتش هقول لها. كنت بشتري كراساتي وأقلامي من واحد من الولاد اللي بيشتغلوا في الإسطبلات، مقابل شوية حاجات تافهة بلا قيمة كنت بلاقيها في البيت، وعارفة إن محدش هياخد باله من اختفائها. حتى لو سادي ما كانش قصدها تودّيني في داهية، فهي كانت خايفة من بابا كفاية علشان تقول له أي حاجة تعرفها، خصوصًا لو عرفت إني باخد حاجات من البيت من غير إذن.

فضلت ساكتة وباصصلها من غير ما أتكلم، فتنهدت وقالت بسخرية: "وأهو كمان ناقص تقوليلي إنك عايزة تكتبي كتب بعد كده!"


يا ريت أقدر! كان في دماغي مية حكاية نفسي أكتبها. بس للأسف، القراية والكتابة كانوا ممنوعين أكتر من الرسم.

يبدو إن سادي شافت حاجة في وشي، لأن عنيها ضاقت وهي بتبصلي بحذر. "إياكي حتى تفكري في كده، آنسة صغيرة! لو تجرأتي بالدرجة دي، أبوكي مش هيكتفي بحرق كتبك وبس."

كنت عايزة أصرخ وأفكرها إني أصلاً ما بعرفش أقرا ولا أكتب – محدش سمح لي أتعلمهم في حياتي. بس هي مالهاش ذنب، وكلامي ما كانش هيغير حاجة. وبعدين، كانت ممكن تعاقبني لمجرد إني رفعت صوتي.


   "يلا بينا." قالتها سادي وهي بتحاول تسحبني بعيد. "أنتي هربتي من شُغلك كفاية النهارده، وبعدين أكيد بهدلتِ الفستان بالقعدة في الطين كده."

لو ما كنتش خايفة من العقاب، كنت هرفض أتحرك. أو، والأحسن من كده، كنت هجري وأستخبى في أي حتة تانية. بس سادي ما كانتش بتتردد في ضربي لما تحس إني استاهل، ولو كنت اتجرأت عليها فعلاً، كانت هتقول لبابا، وساعتها العقاب هيبقى أسوأ بكتير.

يوم من الأيام... فكرت وأنا بقفل كراستي بقوة وبقوم وراها. يوم من الأيام، لازم أهرب من المكان ده. لو كنت عارفة أروح فين أو إزاي أوصل، كنت هجري دلوقتي. بس رغم كل اللي ما كنتش عارفاه عن الدنيا، كنت متأكدة إنها مرعبة برا جدران بيت بابا، خصوصًا لبنت لوحدها. لكن يوم من الأيام، هكبر... وهبقى عارفة أتصرف. يوم من الأيام، هبقى حرة.

لكن مع مرور السنين، الأمل في "اليوم ده" كان بيقل. كل ما كنت بكبر، كل ما كنت باخد بالي إن سنين طفولتي اللي كنت بكرهها كانت غالبًا أكتر وقت كنت فيه حرة. كل ما كنت أكبر، كان الجدول بتاعي بيبقى أصعب وأدق، ولما وصلت لخمستاشر سنة، تقريبًا كل دقيقة في يومي كانت محسوبة.

ما بقاش في وقت إني أهرب للإسطبلات أو لأي مكان تاني. تقريبًا الوقت الوحيد اللي كنت بقدر أرسم فيه، كان لما المفروض أكون نايمة، وده كان مخاطرة كبيرة. لو حد مسكني، كنت هتعاقب، وأكيد بابا مش هيرحمني. كان متحكم في كل حاجة... وهيفضل متحكم لحد ما يقرر هتجوز مين وإمتى. والأغلب إن الجوازة هتكون بواحد زيه، أو أسوأ منه.

رعشة بردت جسمي لمجرد التفكير في اليوم ده. على قد ما كنت بكرهه وعايزة أهرب منه، المجهول كان مخيف أكتر.



أنا كنت قاعدة على سريرها، بتفرج عليها وهي بتجهز لحضور الحفلة، وحسيت بغصة صغيرة وأنا بقول:
"نفسي أروح معاكي."

فيولا ابتسمتلي بسرعة، بس رجعت تركّز على الخادمة اللي كانت بتلمّ شعرها الغامق بدقة. ما كانتش باين عليها الحماس، وده خلاني أفكر لو كنت هحس بنفس الشعور لو كنت مكانها.

أنا ما كنتش عارفة حاجات كتير عن الحفلات، محدش كان بيحكيلي عنها حاجة، لكن كنت نفسي أعرف بتبقى عاملة إزاي. على الأقل كنت هعمل حاجة مختلفة شوية عن الأيام العادية. وكمان، كنت هلبس حاجات جميلة. هدومي مش وحشة، بس كانت عادية جدًا، وألوانها كئيبة وغامقة. كنت متأكدة إنه لما ييجي الوقت اللي تتفصل لي فيه فساتين للحفلات، هختار ألوان زاهية وجميلة، أكتر ألوان جذابة أقدر ألاقيها.

لكن لحد ما ييجي اليوم بتاعي، ما كانش مسموحلي أحضر أي حفلات، حتى لو كان المفروض عادي. أغلب الناس كانت بتعتبره مش لائق، وطبعًا ده كان كفاية عشان بابا يمنعه تمامًا.

"هتساعديني لما ييجي وقت الحفلة بتاعتي؟" سألتها. ما كنتش متحمسة أوي، بس وأنا بشوف أخواتي بيتجهزوا لحفلاتهم وبياخدوا كل الاهتمام ده، الموضوع كان مغري شوية. ما كنتش بسيب نفسي أتعلق بالأحلام، لأني عارفة اللي بييجي بعد كل ده، بس كنت عايزة الحفلة بتاعتي تيجي بسرعة.

فيولا بدت متوترة شوية، وما ردتش على طول. نظرت لي تاني وابتسمت، بس ابتسامتها كان فيها حاجة مش طبيعية، كأنها متصنعة.

"ليه بتفكري في الموضوع ده من دلوقتي؟" قالت بصوت هادي، وكأنها بتحاول تخبي حاجة. "مفيش حاجة تستاهل الحماس ده."



أنا كذبت وقلت: "مش متحمسة." كنت بحاول أخفي إحساسي الحقيقي. "كنت بس بفكر..."

فيولا بصتلي بنظرة غريبة وقالت بهدوء: "استمتعي بطفولتك، يا ماديلين. مش هتدوم."

كشّرت وأنا بقول في سري: زي إن الطفولة في البيت ده حاجة ممتعة أصلًا. "حلو. مش عايزة أفضل كده للأبد. وبعدين، مش باقي كتير. إنتي كنتِ لسه مخلصة ستاشر، وجوسلين وإليز وداليا كلهم كانوا في السن ده برضه. ليه أنا محصلش عندي حفل التعارف في نفس السن؟" عيد ميلادي ممكن يكون بعيد، بس تجهيز الحفلة ممكن ياخد شهور.

قبل ما ترد، سمعنا صوت خطوات سريعة، ودخلت سادي من الباب المفتوح بلهجة حازمة: "لما يبقى عندِك ستاشر، أختك هتكون مشغولة جدًا بتدير بيتها عشان تقدر تهتم بحاجة تانية."

بصيت لفيولا، ولاحظت وشها بقى شاحب شوية، كأن الكلام دخل قلبها بخوف. وأنا طبعًا ما قدرتش أمنع نفسي من العبوس وأنا ببُص لسادي. وقتي مع أي واحدة من إخواتي نادر، ودلوقتي هي جاية تاخدني تاني.

مكنتش فاهمة السبب، بس بابا كان دايمًا بيحاول يخليني بعيدة عن أي حد. عندي أربع أخوات كبار وأخ، بس الحقيقة، معرفهمش كويس. فيولا كانت الأقرب ليا، بس ده بس عشان فرق السن بينّا كان صغير. وإحنا صغيرين، كنا ساعات بنهرب مع بعض نلعب بعيد، بس حتى علاقتنا ما كانتش زي الأخوات الحقيقيين. كنا مجرد ناس تعرف بعض أكتر من غيرها، مش أكتر.

أما إخواتي التانيين، فكانوا أكبر مني بسنين، وبمجرد ما بدأت أدور على حد ألعب معاه، كانوا هم خلاص خرجوا من المرحلة دي.



ما كنتش أعرف أخويا كويس. هو في الحقيقة كان أخويا غير الشقيق. أمي ماتت وهي بتولدني، وما خلفتش لوالدي ولاد، فاضطر يدور على وريث من خلال زواج جديد. براين كان عايش مع أمه، ولما بقى عنده ست سنين، راح المدرسة زي باقي الأولاد. هو أصغر مني بسنة تقريبًا، لكن كل مرة كنت بقابله، كان بيتعامل معايا كأنه أحسن مني، وكأنه مش مهتم يعرفني أصلًا.

لكن أكتر من كل ده، كنت متأكدة إن في مجهود مقصود عشان يخليني معزولة عن الكل. زمان، وأنا صغيرة، مكنتش ملاحظة ده، كنت فاكرة إن الوحدة شيء طبيعي. بعدين، لما كبرت شوية، كنت بحس بالحزن لما ألاقي إن إخواتي مش مهتمين يعرفوني أو يقربوا مني. لكن مع الوقت، فهمت إن بابا هو اللي كان بيحرك كل حاجة.

مكنتش عارفة السبب، بس كان واضح إن الكل متفق على إن حياتي تكون كده. حتى مع الخدم، ماكنش في حد قريب من سني، ومعظم اللي كانوا بيتعاملوا معايا ماكانوش بيطولوا في البيت. سادي كانت الوحيدة اللي فضلت موجودة، بس حتى هي، صعب يتقال إنها كانت طيبة أو متفهمة. أكيد ما كانتش صاحبتي.

"مدرس الموسيقى مستنيك،" قالت سادي ببرود.

فضلت مكشرة من غير ما أرد.

"إنتي متأخرة أصلًا،" قالت بعد لحظة، بصوت فيه نبرة تحذير.

"مش مهم،" رديت وأنا بقلب وشي الناحية التانية. "مش عايزة أروح الدرس النهارده."

عيون سادي ضاقت وهي بتفكر في تهديد مناسب، لكن قبل ما تتكلم، فيولا اتدخلت بسرعة:

"روحي يا مادي. مش عايزاكي تتعاقبي من بابا."



بصّتلها بضيق. هي المفروض تكون في صفي. مكنش فارق معايا لو اتعاقبت. أو على الأقل، كنت بحاول أقنع نفسي إني مش مهتمة.

"لو عملتي اللي المفروض تعمليه دلوقتي، هاجي أحكيلك عن الحفلة بعدين."

قوّست شفايفي وأنا بفكر. "بتوعديني؟" غالبًا مش هترجع البيت غير لما أكون المفروض نايمة، يعني هتضطر تتسلل عشان تيجي عندي.

"بوعدك." هزت راسها.

كنت بتمنى تقدر تنفذ وعدها. بقالنا زمان ما قعدناش مع بعض سرًا. النهارده كان أول مرة من أسابيع أقعد معاها أكتر من دقيقتين. للأسف، بابا كان شاطر جدًا في إنه يبعدنا عن بعض معظم الوقت.

"ماشي." تنهدت وأنا بقوم من على السرير. مشيت ناحية الباب، لكن قبل ما أخرج، لمحت نظرة غريبة بين سادي وفيولا. على طول حسيت إن الموضوع له علاقة بيا، لكن مكنتش فاهمة إيه معناه.

لو كنا أقرب لبعض، كنت هسأل فيولا عنه بعدين، لكن علاقتنا ما كانتش تسمح بكده. دايمًا كلامنا كان سطحي، وأي حاجة أعمق من كده كانت بتبقى مواضيع ممنوعة.

بحيرة وضيق، مشيت في الطرقة باتجاه درس الموسيقى. عمري ما كنت بحب أعزف البيانو، بس النهارده كنت متأكدة إني هكرهه أكتر من أي يوم فات.

---- إنتهاء الفصل الأول ----

تعليقات

إرسال تعليق

authorX

مؤلفون تلقائي

نظام شراء