روايه ملك الذئاب
ملك الذئاب
2025, سهى كريم
فانتازيا
مجانا
تدور أحداث الرواية في عالم خيالي حيث تتعايش البشر والذئاب، وتتبع قصة ميرا، الخياطة البشرية التي تجد نفسها مجبرة على العمل لدى اللورد ناثانيل، حاكم الذئاب الغامض. تتصاعد الأحداث مع تطور علاقتهما المعقدة، وسط صراع بين عالمين مختلفين.
ميرا
خياطة بشرية موهوبة تجد نفسها في عالم الذئاب.ناثانيل
لورد الذئاب الغامض والقوي.ليو
رئيس حرس اللورد ناثانيل.
يااااه، السوق كان دايما زحمة، ناس بتخبط في ناس، كل واحد بيجري من بسطة للتانية عشان يدور على أحسن سعر. أنا شخصيًا اتدبست واتخبطت كام مرة من التجار وهما بيحركوا بضاعتهم، أو من ذئب ماشي مش شايف قدامه. مش إن أنا كنت هقدر أعمل حاجة يعني، حتى لو الغلط عليهم. الذئاب كانوا أقوى مننا؛ كائنات طويلة وعريضة، ممكن تسكت إنسان بزمجرة واحدة. كانوا أجمل من البشر كمان، الإناث رفيعة وطويلة، والذكور عضلات وقوة، يخلوا الرجالة البشر يبانوا ضعاف قصادهم. واحد منهم كان واقف جنب بسطة قماش أندر، الذكر كان أطول من الباقيين، عينيه بتراقب الزحمة بحذر، بس كل شوية عينه كانت بترجع للأنثى اللي كانت بتاخد وقتها في تقليب القماش. دول كانوا متجوزين. عرفت من العضة اللي في رقبتها، مكان ما فكين قويين طبقوا على جلدها. فكرة الموضوع ده خلتني أترعش، قشعريرة مشيت في ضهري. مش متخيلة مصير أسوأ من إنك تكوني مرتبطة بواحد من المخلوقات دي، خاصة وإنهم مش بيشوفوا البشر كويسين غير لما نكون متجوزينهم. والباقي مننا مجرد حشرات مستحملينها بالعافية. "عندك حاجة تبيعيها النهاردة يا ميرا؟" صوت جاك خطف انتباهي، إيديه مليانة بكيس قمح، وضغط على كرشه الطري. "مبادلة،" دورت في شنطتي، وطلعت الجوانتيين اللي خلصتهم بالليل، "مقابل دقيق؟ عارف إن جوانتي سيرين اتقطعوا الأسبوع اللي فات." بنت جاك بتشتغل في حقول القمح، كفوف إيديها دايما مليانة قشور وكدمات. "كان ممكن تبيعيهم بحاجة أحسن، دول تحفة." جاك بص على الجوانتيين، وشه كان باين عليه الحيرة. دول كانوا كويسين، على قد جودة الخامات اللي كانت متاحة، بس مهاراتي اللي أمي علمتها لي كخياطة كانت لسه باينة مهما كان اللي بشتغل بيه. "مش محتاجة حاجة أحسن،" مشيت ورا جاك لورا البسطة، الجوانتيين ممدودين، "محتاجة دقيق، وسيرين محتاجة تحمي إيديها. هتبيع إزاي لو مفيش حد يحصدلك؟" جاك نزل كيس القمح بتنهيدة. "نص رطل؟" "تلات أرباع." "ماشي يا ستي،" ابتسمت، وماسكة الجوانتيين جامد، "هعبي لك كيس." بطني كانت بتصوصو من شوقها للعيش الطازة. كنت هاكل أي حاجة في اللحظة دي، آخر حاجة عندي خلصت إمبارح ومأكلتش حاجة طول اليوم. مع الظروف الصعبة، شغل الخياطة بقى في آخر قائمة الحاجات الضرورية يوم بعد يوم. الناس مبقتش قادرة تشتري لبس جديد، واتعلمت تصلحه بنفسها. أما اللي يقدروا يوظفوا خياطة، محدش فيهم هيجيلي شقتي الصغيرة فوق بار. الذئاب هيلاقوا حد أحسن في مكان تاني، واتسبت من غير شغل. لو الأمور ساءت أكتر، ممكن أنا كمان أروح أشتغل مع سيرين في الحقول، أشتغل طول اليوم مقابل كام قرش تعبانين. بس كام قرش أحسن من مفيش، فكرت وأنا شايفة جاك بيوزن الدقيق بعناية. "متشكرة على التعامل،" قلت بابتسامة، وبدلت الجوانتيين بكيس الدقيق، "سلملي على سيرين." "يوصل." لفيت طرف الكيس جامد، وربطته بخيط فضفاض، وحطيته في شنطتي. مش عايزة أخاطر إنه يتدلق، ده غالي عليا أوي. سبت جاك في بسطته، ورجعت أمشي مع تيار السوق، ورا الناس اللي ماشية ناحية نص الميدان، حيث البسطات متزاحمة أكتر. صياح طلع من نص البسطات، الناس اتجمعت وعملت دايرة. أنا مش قصيرة أوي، بس مش طويلة يعني، خاصة لما أقارن نفسي بالذئاب اللي كانوا وسط الزحمة، ورؤوسهم كانت بتحجب مصدر الضجة. جريت من الجنب، وطلعت على صندوق مقلوب، وبصيت أشوف إيه اللي بيحصل. راجل بشري كان قاعد على الأرض، بيتدارى تحت ذئب. "مفيش حاجة تقولها عن نفسك يا حرامي؟" الذئب زمجر، وعينيه لمعت بالأسود، والراجل رفع إيديه باستسلام. "إيه اللي بيحصل هنا؟" انتباه الناس راح ناحية رئيس حرس اللورد وهو بيشق طريقه وسط الزحمة. كان طويل، حتى بالنسبة لذئب، كتفه عريض ووشه فيه ندوب، بس قوته ولا حاجة قصاد الراجل اللي ماشي وراه. لا، مش راجل، لازم أفكر نفسي. اللورد مش راجل. عمري ما شوفته شخصيًا، سمعت بس قصص عن الذئب اللي بيحكم إقليمنا بقبضة من حديد وقوة لا تلين. اللورد كان ضخم حتى بالنسبة لذئب، جسمه بيشع قوة وسيطرة. شعر ناعم بلون خشب السنديان كان بيتلف حوالين رقبته، ومحدد خطوط فكه المربعة. عينيه، بركتين زمردتين ثاقبتين، مسحت الزحمة، وامتصت الضجة قبل ما تستقر على مصدر الصوت. لقيت نفسي بميل لقدام من غير ما أحس، فيه جاذبية غريبة ليه. كان جميل، مزيج من ملامح وسيمة ورجولة طاغية خلت قشعريرة تمشي في جلدي. ده ذئب برضه، فكرت نفسي، ورجعت لوعيي. "إيه المشكلة بالظبط؟" صوت اللورد كان عميق وغني، صدى في الهوا وسكت الزحمة. "البشري ده كان غبي لدرجة إنه حاول يسرق من محفظتي." الراجل وطى راسه أكتر لما انتباه اللورد راح ناحيته. "ده صحيح؟" "أيوه، بس أنا–" "ده صحيح؟" اللورد كرر سؤاله، وصوته نزل أكتر. "كام قرش بس يا سيدي،" الراجل همس، "أنا آسف جداً." "ليو، خده." اللورد أومأ لرئيس حرسه، اللي فيه ندبة طول وشه. "هيتحبس شهر في الأقفاص كتعويض." لفيت وشي، جمال اللورد بقى مقزز مع كل كلمة. الأقفاص كانت سجن؛ وسخ ومليان فئران، وشهر هناك مش عقاب عادل لسرقة كام قرش ميشكلوش غير جزء صغير من ثروة ذئب. نزلت من على صندوق التفاح، كنت شفت كفاية. مهما كان اللورد وسيم، هو ذئب، وهما دايما هيختاروا جنسهم علينا. ظبطت شنطتي، ولفيت وشي عن الزحمة، ومشيت ناحية البيت. بيوت متراصة على حافة السوق، معظمها مدسوسة فوق وبين حانات ومحلات بتطل على الشارع المرصوف بالحصى المتسخ. انسلّيت في واحد من الأزقة، وباخد طريق مختصر لشقتي. مش أنضف حتة في البلد، ولا أأمنها، بس ده اللي أقدر عليه، ولسه فيه ريحة أمي. الميه بتطرطش تحت رجلي وأنا ماشية، شوية كلام بيتسرب من فتحات الزقاق. طريق ضيق انفتح بين محلّين، بصيت بينهم لما سمعت صوتين رجاليين عميقين، نفسي اتقطع لما لمحت اللورد. "مش شايف إن ده كان ضروري." رئيس حرسه تنهد، اللي سماه ليو، شفايفه مضمومة في خط مستقيم. "أولريك مش بيخاف يستخدم العنف في أمور تافهة، بس لما يعدي شهر، هينسى الإساءة وينتقل لحاجة تانية. ده لحماية الراجل نفسه." اللورد كان ضامم إيديه جامد على صدره، عضلاته بارزة من تحت التونيك بتاعه، وخطفوا انتباهي كله مرة واحدة. "أوه!" بقي مفتوح قبل ما أقدر أمنع نفسي، رجلي خبطت في واحدة من الحصى المفكوكة ووقعت على ضهري. كرامتي اتجرحت أكتر من أي حاجة تانية، بس قبل ما أقدر أقوم، دراع قوي لف حوالين وسطي، ورفعني. "أنتي كويسة؟" اللورد سأل، وحسيت فجأة إني مش قادرة أتنفس. كان أجمل راجل شفته في حياتي، والمكان اللي إيده لمسته في وسطي خلى جلدي يكهرب من تحت هدومي. ريحته كانت قرفة وقرنفل، حلوة لدرجة إن بقي جاب ميه، واضطريت أمنع نفسي إني ألزق فيه عشان أشم الريحة دي أكتر. "أنا كويسة،" قلت، ووشي بيحمر من الإحراج لما أدركت قد إيه كنا قريبين، "ماتأذيتش." اللورد سابني أخرج من قبضته، صوابعه بتتحرك وأنا ببعد، والدفء اللي انتشر في جسمي لما لمسني اتحول لبرد وغير مريح تقريبًا. "إيه اسمك يا أنثى؟" صوت اللورد كان هادي ومنخفض، زي قطعة مخمل ناعمة بتنزلق على جلدي. "ميرا، يا مولاي،" قلت، وصوتي طلع أوطى من اللي كنت عايزاه. نضفت حلقي، واتكلمت بصوت أعلى، "اسمي ميرا." "ميرا." اللورد كرر الاسم، بتقديس تقريبًا، ونبرة صوته بعتت قشعريرة في إيدي، والدفء ده اتجمع تاني في بطني من طريقته اللي بيبصلي بيها. مش بيبصلي. بيحدق فيا. اللورد كان بيحدق فيا، عينيه الخضراوتين الثاقبتين كانوا مبهرين أكتر من قريب. حدة نظراته خلتني عايزة أتحرك وأنا في مكاني. كأنه كان شايف جوايا، مخلي قلبي يدق بسرعة لدرجة إن صدري وجعني. الوجع ده خلاني عايزة أروح ناحيته، خلاني عايزة أرمي نفسي في حضنه وأخبي وشي في صدره. خد خطوة لورا، كأنه حس برغبتي، والفكرة دي خلت وشي يحمر أكتر. إيه اللي حصلي؟ إزاي أنا، من بين كل الناس، يطلع عندي إعجاب باللورد؟ "أنتي لوحدك؟" اللورد بص حواليه، بيمتص الزقاق بعينيه، "الجزء ده من البلد مش آمن للبشر." اضطريت أبلع لساني عشان ما أقولش اللي كنت عايزة أقوله، وهو إن مفيش مكان في البلد آمن لينا، ومين السبب؟ بس ده ذئب، مش هيفهم، وذكرى طلبه للعقاب من شوية مرت في دماغي. مجرد إن اللورد بيتصرف بلطف معايا، مش معناه إنه لطيف. "أنا عايشة هنا،" اتكلمت ببطء، وبشاور لتحت في الزقاق، "تحت الثعلب المحظوظ. كنت رايحة بيتي، مكنتش بدور على مشاكل." "أكيد لأ، أنا بس–" اللورد ضم عينيه جامد، ولما فتحهم تاني، لقيت نفسي ببص في بحر من الهدوء. مكنش فيه غير يقين وثقة. نظرة ذكر مسيطر بالكامل، وأنا بخجل أعترف إن قوة تركيزه عليا خلت ركبي تكاد ترتعش، ومش من الخوف. "لو أنتي لوحدك، أنا هوصلك." "ده مش ضروري خالص." بدأت أقول، بس اللورد تجاهلني وأومأ لليو، اللي رمش، والدهشة سيطرت على ملامحه. "يا مولاي–" "إبدأ أنت المشي قدام، مش كده؟" اللورد كمل، "هقابلك بعدين يا ليو." ليو أومأ للورد، وبص علينا باستغراب قبل ما يمشي قدام في الزقاق، خطواته طويلة وسريعة. "شكرًا،" ابتسمت ابتسامة صغيرة، مش عارفة أقول إيه تاني. "يا مولاي–" "ناثانيل." قاطعني، "لازم تقوليلي ناثانيل." "مش هقدر،" قلت، وباصة على الأرض، "يا مولاي." اللورد–ناثانيل–كان شكله عايز يضغط أكتر في الموضوع، بس مكملش، فكه مرفوع وهو بيمسح الزقاق بنظراته عشان يشوف فيه خطر. مش شايفه فايدة بصراحة. الخطر الوحيد هنا هو هو. هو وليو، اللي كان مستني في آخر الزقاق. بيتي كان موجود في نص الزقاق ده، كام درجة سلم لتحت وباب جانبي صغير في حانة الثعلب المحظوظ، حيث كانت شقتي اللي عبارة عن أوضة واحدة في البدروم من وأنا طفلة. "هنا،" قلت، ووقفت قدام الدرج المتهالك، "ده المكان اللي عايشة فيه." "هنا؟" ناثانيل بص حوالين الزاوية، حيث سكارى نص النهار كانوا على وشك فقدان الوعي. "الضوضاء مش عالية أوي، لما بتتعودي عليها،" تجرأت أهزر، ورفعت كتفي ومشيت ناحية الدرج، "ممكن تكون مريحة كمان، زي مطر من الجزم." "كانت هتجنني." ناثانيل تمتم، وماشي ورايا لتحت. "طيب، متشكرة جدًا، مقدرة اهتمامك بأماني." ضحكت ضحكة محرجة، مش عارفة أقول إيه تاني ومستعجلة أبعد مسافة بيني وبين وجود ناثانيل المغري زيادة عن اللزوم. فتحت الباب، وشورت بإيدي لناثانيل قبل ما أدخل، "يومك سعيد." إيده مسكت الباب قبل ما يتقفل، وزقه أكتر بأطراف صوابعه، ونظراته وقعت على حزم القماش على منضدة الشغل في الركن البعيد. "أنتي حرفية؟" شفايف ناثانيل اتقلبت لابتسامة عابسة وهو بيبص على شقتي. كانت أوضة واحدة بس، سريري الصغير مدسوس في الركن عشان يوفر مساحة لمنضدة الشغل، اللي كانت مليانة بأنواع مختلفة من القماش، والخيوط، ونول النسيج بتاعي. "أنا خياطة،" بعدت شوية لما ناثانيل دخل الأوضة، واضطر يوطي عشان يدخل من الباب الواطي. المكان حسيت بيه أصغر لما دخل، وقرب جسمه من جسمي مكنش بيخفف الحرارة اللي سيطرت على جسمي. دلوقتي مفيش مهرب، مفيش هوا مفتوح ولا سما، الأوضة الصغيرة دي بس وهو واقف قريب مني لدرجة اللمس. كان أصعب كمان عشان سريري كان هناك، ومقدرتش أمنع الصور اللي مرت في دماغي وهو شايلني بدراعاته القوية دي، وراميني على السرير، وحاطط راسه بين– مناخير ناثانيل اتنفخت، ولف وشه عني، وماسك القماش جامد لدرجة إن مفاصل إيده بقت بيضا. هل عملت حاجة ضايقته؟ اتخضيت، وبصيت حوالين الأوضة قبل ما أقرب. "يا مولاي؟" "أنتي موهوبة جدًا،" ناثانيل ساب القماش، ولف ليا بنفس الابتسامة الهادية، كأن مفيش حاجة حصلت، "علمتي نفسك؟" "أمي علمتني،" قلت، "ماتت الصيف اللي فات." "أنا آسف جدًا لده." صوت ناثانيل كان حنون، كأنه كان قاصدها بجد. بس أكيد لأ، لازم أفكر نفسي، ليه هيقصدها؟ لما أمي مرضت، مكنش معانا فلوس نجيب دوا أو معالج، ومحدش قدر يساعدنا أو يساعدها. محدش اهتم ساعتها، ليه حد يهتم دلوقتي؟ خاصة حد مهم زيه؟ "بتشتغلي في محل في البلد؟" ناثانيل سأل. "لأ، للأسف لأ." "يبقى بتشتغلي لحساب نفسك؟" "دي طريقة كريمة لوصف الموضوع." "عندك خبرة في ملابس الرجالة؟" ناثانيل فرك فكه، وبيدرس كومة القماش. أومأت برأسي، وفردت ضهري شوية. ممكن مكنش عندي كتير، بس كان عندي ثقة في قدراتي. "أكيد. بفخر بقدرتي إني أشتغل مع أي نوع جسم." "رائع،" ابتسامة ظهرت على شفايف ناثانيل، "يبقى تيجي تشتغلي عندي." "إيه؟" قلت بتلعثم، بحاول ألملم نفسي، "أنا آسفة، قصدي–أنا مش–إيه؟" ناثانيل كان شكله مستمتع بعدم تصديقي. "لو بتقدري تشتغلي مع أي حد، يبقى مش هيكون عندك مشكلة تعملي لي هدوم." "أيوه، بس ليه؟ كان ممكن تجيب أي خياطة أو ترزي في الإقليم اللي أنت عايزه؟" "كان ممكن،" ناثانيل فكر، وبص حوالين المكان الصغير ده قبل ما عينيه ترجع لي، "بس أنا عايزك أنتِ." وشي احمر من طريقته في الكلام، الإيحاء في الكلمات دي بعت دماغي لأماكن وسخة مكنتش ناوية أخليها تطول فيها. ريحته مكنتش بتساعد، المزيج الساحر ده من القرفة والقرنفل كان بيسيطر على الأوضة، وعرفت إنه هيطول بعد ما يمشي. هقضي الليل متلفلفة بيه، مش قادرة أطلع صوره من دماغي، وتساءلت لو هو هيعمل كده برضه. طردت الفكرة دي بسرعة، سخيفة زي ما كانت، وركزت على العرض اللي قدامي. "إيه بالظبط طبيعة الشغل ده؟ محتاج هدوم جديدة، تعديل، باترونات؟" حاولت أخلي صوتي احترافي، أو على الأقل احترافي على قد ما أقدر مع الأفكار اللي مش مناسبة اللي كانت بتدور في دماغي. "كله. عايزك تكوني خياطتي الشخصية." ناثانيل خد خطوة لقدام، وتساءلت لو كان بيسمع دقات قلبي اللي بتزيد. الذئاب عندهم حواس قوية، واحدة من الصفات اللي خلتهم مفترسين مخيفين زي ما هما. "هتاخدي فلوس كويسة مقابل شغلك، اطمني." ده خلاني أفكر. تقلة الدقيق في شنطتي كانت تذكير مادي قد إيه أنا محتاجة الفلوس دي. مش هتكون فلوس بس، صح؟ هيكون مرتب، وبالتالي هيشيل عبء الشغل من مشروع لمشروع ومن عميل لعميل. مجرد فكرة إن مش هضطر أتعامل مع قلق زي ده خلت عبء يختفي من صدري، عبء مكنتش عارفة إني كنت شايلاه. ده بس دليل على مستوى الضغط اللي كنت بتعامل معاه من ساعة ما أمي ماتت. "كام؟" سألت بتردد، بحاول مابينش حماسي أوي. "خمسة عشر قطعة فضية في الأسبوع مناسب؟" "خمسة عشر؟" قلت، مش متأكدة إني سمعت صح. "عشرين هيكونوا مقبولين أكتر؟" ناثانيل قال الرقم بتلقائية، كأنه مش نفس الرقم اللي كنت بكسبه في سنة. ده كان مبلغ سخيف من الفلوس–شغل سنة بس، وهيكون عندي كفاية عشان أبدأ محلي الخاص لو حبيت. يا لها من فكرة، يكون عندي حرية أصمم أي حاجة تعجبني لأي حد يعجبني. كان مغري بشكل لا يصدق، كنت ممكن أنسى تقريبًا إن اللي بيعرض العرض ده ذئب. ممكن يكون يستاهل، صح؟ كنت أعرف بشر بيشتغلوا بأقل من كده بكتير، عند ذئاب مكنش عندهم نفس اللطف اللي عند لورد الذئاب. أكيد، اللطف ده ممكن يكون قناع، وممكن يكون مختلف تمامًا لما أشتغل عنده. كانت صفقة خطيرة، بس مكنش عندي رفاهية الرفض. الخطر مكنش جديد، بعد كل ده، عرفت الخطر طول حياتي. مع إني عمري ما عرفت خطر وسيم كده، ورجولي بشكل لذيذ زي الخطر اللي واقف قدامي دلوقتي. "عشرين هيكونوا مقبولين جدًا،" حاولت أخلي صوتي ثابت، بحاول أكبح دهشتي من إن الرقم ده طالع من شفايفي. لو ناثانيل حس بحاجة، مابينش، وأومأ بالموافقة، والرضا بيلمع في عينيه. "ممتاز. مش هتقدري تكملي هنا، على أي حال،" ناثانيل ضيق عينيه وهو بيبص حوالين المكان المتواضع، "مش هقدر أخلي خياطتي تشتغل في مكان زي ده–" تردد، وتوتر لما صوت خبط عالي طلع من الحانة فوقنا، "-مكان غير لائق." "اشتغلت من هنا سنين، أظن هقدر أتدبر." قلت، بدافع عن نفسي شوية. أكيد مكنش قصر لورد، بس اشتغلت بجد عشان أخليه نضيف ومرتب، وعمري ما اتأخرت في الدفع رغم ظروفي. "هقدر أجهز لك مكان أحسن؛ مساحة أكبر، نور أكتر." ناثانيل ابتسم لي ابتسامة واثقة، نفس النوع اللي كنت بتعلم إنه معناه إنه وصل لقرار هيكون صعب جدًا إني أثنيه عنه. "وظفت ترزي في بيتي كام صيف فات، وأظن إنه شاف مكان الشغل مقبول جدًا." "عايزني أشتغل في قصرك؟" كان منطقي بطريقة ما، لو كان جاد بجد إني أشتغل عنده. بعد كل ده، اللورد مش هيتوقع منه إنه يمشي في أزقة البلد عشان يقيس هدوم فاخرة. "هيكون عندك سكن وإعاشة كمان،" ناثانيل فرد ضهره، وصوته نزل، بس النبرة كانت ألطف من عدوانية، كأنه كان بيحاول يهديني بكلامه، "زي ما قلت يا ميرا، الجزء ده من البلد مش آمن للبشر." "مفيش مكان آمن للبشر بالكامل،" مقدرتش أمسك لساني المرة دي، مع المزيج الغريب من المشاعر اللي كانت بتتحرك جوايا بوجوده، "معظم الذئاب مش بيشوفونا متساويين، مينفعش تنكر إن ده حقيقي." "مش بنكر ده،" فك ناثانيل كان مشدود، كأنه كان بيكبح جدال، "جنسكم أضعف من جنسنا، ورغبتنا في السيطرة ممكن ساعات تشوش حكمنا العادل." "بـ'تشوش حكمنا العادل' تقصد تؤدي لأعمال عنف بلا معنى؟" ضمت إيدي على صدري. مكنش المفروض أكلمه كده، بحرية وبلا أي اعتبار لمكانته، بس عنادي سيطر على عقلي. "أيوه. إحنا مش بشر يا ميرا، لازم تفتكري ده دايما،" ناثانيل خد خطوة لقدام، وبيطول فوقي وبيحدق فيا بحدة مفترس بيراقب فريسته، "ده سبب أكتر عشان تنتقلي لمكان أمانك فيه مضمون." "مضمون من مين بالظبط؟" "مني." "ليه بتهتم؟" خدت خطوة لورا على قد ما أقدر وهو بيقرب، ورجلي خبطت في طرف السرير، "هتجاوبني على ده يا مولاي؟" شبح ابتسامة ظهرت على شفايف ناثانيل، وبص على السرير ورايا قبل ما عينيه ترجع لوشي. الصور من شوية رجعت لدماغي، كل الحاجات اللي كان ممكن يعملها فيا وأنا مضغوطة على المرتبة، وخدي احمروا غصب عني. ابتسامة ناثانيل وسعت، بس مجاوبنيش. لف وشه، وفتح الباب ووطى تحت الإطار الواطي. "هستناكِ في بيتي بكرة الصبح. خدي أي متعلقات هتحتاجيها للأيام الجاية، وهخلي حد يجمع الباقي." نظرة ناثانيل مسحت الأوضة آخر مرة، العزم استقر على ملامحه، "مش متخيل إن هيكون فيه حاجات كتير تتعبى." بالكلمات دي، الباب اتقفل، واللورد ناثانيل اختفى.
تعليقات
إرسال تعليق