رقصة تحت ضوء القمر
رقصة تحت ضوء القمر
2025, مينا مسعود
روايه حب تاريخيه
مجانا
قصة رومانسية اجتماعية تدور أحداثها في العصر الفيكتوري، حيث تخضع الفتيات لقيود المجتمع وقواعده الصارمة بشأن الزواج والمظهر اللائق. وسط هذا العالم المليء بالقيود، تعيش البطلة كريسي مارتن، فتاة شابة تتمتع بروح حرة وفضول لا حدود له، لكنها تجد نفسها عالقة بين رغباتها الشخصية وتوقعات والدتها المتسلطة.
كريسي مارتن
فتاة في السادسة عشرة من عمرها، ذكية وحادة الملاحظة لكنها تعاني من قيود المجتمع الراقي. تحب السباحة وتشعر أنها محاصرة بين توقعات والدتها ورغباتها الحقيقية.جيم دينهام:
شاب غامض ذو روح مرحة لكنه متوتر في المواقف الاجتماعية. رغم كونه من عائلة نبيلة، إلا أنه يبدو مختلفًا عن الآخرين، مما يجذب كريسي إليه بشكل غير متوقع.السيدة مارتن
والدة كريسي، امرأة طموحة تسعى لتزويج ابنتها لرجل مناسب وفقًا لمعايير المجتمع، مما يجعلها تضغط على كريسي في اختيار شركاء الرقص والحديث خلال المناسبات
0:00
0:00
في نوفمبر 1811 كرسيدا مارتن ماكانتش فاكرة حاجات كتير عن حياتها قبل ما والدها يسافر فرنسا. كانت ساعات بتحب تتخيل إنه ساب البيت عشان سبب نبيل، زي الرجالة التانية اللي بيحاربوا عشان الملك والبلد. كانت بتحب تتخيل نفسها هي ووالدتها مستنيين رجوعه بانتصار، وهم محافظين على البيت بكل إخلاص. لكن الحقيقة إنه عمره ما رجع. ولا كان هيرجع أبدًا. والدتها، مدام آن مارتن، كانت عارفة ده كويس. كانت بتتصرف قدام الناس كأنها تمام، مبتورّيش ضعفها لأي حد. هي كرهت فكرة إنها تبقى الست اللي جوزها سابها، وفضلت تعيش في دور الأرملة. الناس كانوا عارفين الحقيقة، عارفين إن مستر مارتن كان راجل لعوب وسابهم، لكن محدش كان بيجرؤ يجيب سيرته قدامها من باب الذوق. كرسي كانت راقدة في سريرها بتبص على والدتها وهي بتحط بودرة على وشها، بودرة من خلطة هي اللي عملتها بنفسها. زمان كان عندها عطور ومساحيق تجميل، لكن من زمان وهي خلصت، فاضطرت تلاقي طرق أرخص عشان تحافظ على جمالها الطبيعي. مدام مارتن كانت في شبابها من أجمل البنات، ولسه محتفظة بجمالها اللي كان بيخلي الخطاب يدقوا بابها زمان. — "القَسِّيس طمّنّي إننا هنتعرف على الدوق والدوقة النهارده، كريسي"، قالتها والدتها بحماس متوتر وهي بتقرص خدودها عشان تديها لون قبل ما تقوم من على التسريحة الصغيرة. مشيت ناحية السرير ووقفت قدام كريسي، بتبص لها بنظرة ناقدة وحواجب مرفوعة وعيونها الرمادي المائل للأخضر ديقة. — "تقصدين إن القَسِّيس بيحاول يروّج لي عند الدوق والدوقة الليلة؟" ردّت كريسي بتهكم قبل ما تعض لسانها. والدتها رفعت حواجبها باستنكار: — "طلّعي كل التعليقات اللي عندك دلوقتي، عشان مش عايزة أسمع منك ولا كلمة النهارده إلا لو كانت ناعمة، جذابة أو لطيفة!" كريسي تنهدت بملل ورمت راسها على السرير، لكن أمها زعقت فيها على طول عشان كانت هتبوظ التسريحة اللي قعدت ساعة تثبتها فيها. ضحكت مدام مارتن بسخرية وقالت: — "كأنها فاكرة إننا عندنا فلوس تكفينا عشان تفضل تلعب زي العيال شوية كمان." كانت بتتكلم كأنها بتقول الكلام لنفسها، لكن كريسي عرفت كويس إن الجملة دي مقصودة عشان تحسسها بالذنب. هي أصلًا عارفة حالهم المالي السيئ من وهي طفلة. بس الصراحة، هي لسه حاسة إنها طفلة، لسه مش مكملة السبعة عشر، وده مش هيحصل غير في أبريل الجاي. كريسي بقالها كتير ماحستش إن في حاجة ثابتة في حياتها. بالكاد تفتكر الإحساس ده، زي ما بالكاد تفتكر الوقت اللي أهلها كانوا عايشين فيه مع بعض كزوج وزوجة. اتعودت على فكرة إنها تشيل نفسها في أي لحظة وتسافر بحقيبة واحدة فيها كل اللي تملكه. هي ووالدتها كانوا بيعتمدوا على كرم الأصدقاء والجيران والقرايب القليلين اللي لسه عايشين. في الشتا، كانوا بيقعدوا في لندن في شقة تبع واحد من قرايب مدام مارتن. كريسي كانت بتكره لندن في الشتا، بس عمرها ما اشتكت. أما الصيف، فكان بيتقسم ما بين أبرشية بريملي وسيابريدج. بريملي كانت أبرشية صغيرة في ديربيشاير، قريبة من الضيعة اللي كريسي اتولدت فيها وعاشت فيها طفولتها الأولى. القَسِّيس هناك كان لسه بيعامل مدام مارتن كويس وساعدها تأجر كوخ صغير كان أصحابه سابوه وسافروا اسكتلندا. وفي سيابريدج، والدتها كان عندها نفس الترتيبات تقريبًا. أو على الأقل، ده كان زمان. السنة اللي فاتت كانت أصعب سنة عليهم على الإطلاق. يمكن من بعد السنة اللي مستر مارتن سافر فيها لفرنسا بطريقة أبعد ما تكون عن الشرف. القَسِّيس اللي كان بيساعدهم مات، وغيابه كان مؤلم جدًا لكريسي ومدام مارتن. بس الألم ماكانش المشكلة الوحيدة، لأنهم كمان بقوا مش عارفين هيعملوا إيه لحد ما يجي الشتاء ويقدروا يروحوا لندن. أشفود كان مجرد صدفة. مدام مارتن شافت إعلان عن كوخ للإيجار في الأبرشية بسعر معقول. مدة الإيجار كانت قصيرة، ولما وصلوا هناك، فهموا ليه السعر كان بالشكل ده—المكان صغير وحالته مش قد كده. — "كريسي..." قالت مدام مارتن اسم بنتها بزفرة مليانة تعاطف، قبل ما تقعد جنبها على السرير وتسحبها بلطف. كريسي سمعت الكلام واستسلمت، مالت برأسها على كتف والدتها، ومدام مارتن حاوطتها بإيديها بحنان. — "محدش بيحاول يروّج لحد"، قالتها مدام مارتن بصوت هادي. "إحنا بس عندنا الليلة دي عشان نتعرف على الدوق والدوقة، ونكسب رضاهم، عشان نقدر نستفيد من العلاقة دي السنة الجاية في الموسم. فكّري في الناس اللي يعرفوهم، في الرجالة اللي ممكن يساعدونا. كل اللي محتاجينه هو صديق يوقف جنبك في أول ظهور ليكي، وساعتها كل مشاكلنا هتتحل." كريسي سمعت الكلام ده ألف مرة قبل كده. كانت عارفة هي المفروض تعمل إيه. كانت فاهمة كل واجباتها والتزاماتها. والدتها كانت شاطرة جدًا في إنها تحسسها بالذنب وتاخد اللي عايزاه منها. وكريسي هتعمل اللي أمها طلبته منها، مفيش شك في كده... بس ده مش معناه إنها لازم تكون مبسوطة بيه. كريسي سحبت دراعها من تحت إيد والدتها ووقفت، عدّت الأوضة الصغيرة بخطوات سريعة ووقفت عند الشباك الصغير اللي كان مفتوح على الهوى البارد بتاع الليل. أوضة السطح كانت بتبقى خانقة جدًا، فكان لازم يتهوّى كل شوية. — "بس برضه حاسه إنه تسويق، يا ماما"، قالتها كريسي بجفاف. "أنا مش مستعدة أصلًا للجواز." مستحيل كانت تجرؤ تقولها بصوت عالي، بس جواها كانت متأكدة إن والدتها بتحاول تكرر حياتها فيها. مدام مارتن اتجوزت من تمنتاشر سنة في موسم لندن. كانت بنت صالحة للزواج، ومستربمارتن كان واحد من المعجبين بيها. والنتيجة؟ دلوقتي مدام مارتن بقت ست فقيرة بتمثل دور الأرملة، ومستربمارتن عايش في جنوب فرنسا مع واحدة أكبر من كريسي بسنتين ومعاهم طفل رضيع. حاليًا يعني، بس مدام مارتن عندها طرقها لمعرفة أخباره، وبتتصرف كأن كريسي مش عارفة أي حاجة عن الموضوع. الحقيقة إن مستربمارتن كان بيحب الستات الصغيرين، وعنده على الأقل ست عيال غير شرعيين وعشيقات سايبهم في فرنسا. التصرفات دي ما كانتش مشجعة خالص لكريسي إنها تفكر في أي "جنتلمان" تاني. — "يا كريسي يا حبيبتي، إحنا هنلاقي لك شخص ساحر، وهتبقي سعيدة"، قالتها مدام مارتن بنبرة مشجعة. "أنا واثقة من ده. ومتأكدة إن علاقتنا بالدوق والدوقة، وكمان الدوقة الأرملة، هتفيدنا جدًا. أنا بشوفهم في الكنيسة، وباين عليهم إنهم ناس متدينين جدًا." كريسي كانت عارفة إن والدتها نيتها كويسة، بس في أعماق قلبها، كانت متأكدة إن ده مش هيكون له أي فرق في النهاية. أمها هتشتغل أكتر من أي حد مع بداية الموسم، وفي الآخر هتتجوز أغنى راجل يقدروا يلاقوه، واحد ما يهموش إنها ما عندهاش مهر. الفكرة نفسها كانت بتقرفها، وعارفة إنها هتفضل تحارب عشان تخرجها من دماغها طول الليل. حفلة الشتاء كانت الحدث الأكبر في الموسم الاجتماعي لأشفود، وكل حد تقريبًا شافته كريسي من يوم ما وصلت كان موجود، بيضحك، بيرقص، وبيتصرف بحرية تامة. أما مدام مارتن، فمكانتش جاية عشان تضحك. أول ما عيلة بيريسفورد تم الإعلان عن وصولهم للقاعة، مسكت كريسي من دراعها وسحبتها ناحيتهم بكل إصرار. كريسي حاولت تبطّئ خطواتها وهي بتحاول تقاوم، بس أمها كانت مصممة وهي بتشدها وسط الطابور اللي كان متجمع بالفعل عشان يتعرّف على عيلة بيريسفورد اللي لسه واصلة. كانت حاسة بخجل وضيق، وكأنها، أكتر من أي وقت فات، معروضة للبيع. بصعوبة قدرت تلمح أي بنت تانية في سنها في الأوضة. غالبًا لسه قاعدين في البيت بفساتينهم القصيرة اللي أطرافها فوق الكاحل، مش لابسين زي السيدات الكبار زيها. سألت نفسها، لو كانت ظروفهم المادية أحسن، يا ترى كانت أمها هتصمم إنها تخرج للمجتمع وهي لسه صغيرة كده؟ حبت تصدق إن الإجابة كانت هتكون "لأ". أول ما مدام مارتن وكريسي وصلوا لأول الطابور، همست في ودن بنتها بحدة، "بسم الله، ابتسمي بقى!" "أصحاب السمو، اسمحوا لي أقدّم لكم مدام مارتن، وبنتها الآنسة كريسيدا مارتن. مدام مارتن، آنسة مارتن، أعرّفكم بأصحاب السمو، دوق ودوقة أشفود، ودوقة أشفود الأرملة." الكاهن نطق بالكلمات رسميًا، وكريسي وأمها انحنوا باحترام. كريسي حاولت تطيع أمها وقدرت تطلع ابتسامة، رغم إنها مش متأكدة كانت عاملة إزاي مع التوتر اللي حاساه. رغم إنها مكرهة على فكرة "التسويق" اللي أمها بتعمله لها، بس الوقوف قدام دوق ودوقتين كان مرعب بصراحة. الدوقة الكبيرة كان شكلها فخم جدًا، لدرجة إن كريسي حسّت إنها مش قادرة تبصّ في عينيها. أما الدوق فكان باين عليه دفء أكتر، بينما الدوقة كانت ملامحها مليانة رُقي وطيبة. عنيها الزرقا كانت مليانة لطف واضح. "لنا الشرف الكبير إننا نقابلكم، أصحاب السمو." قالتها مدام مارتن بحماس، وكريسي سمعت الصدق في كل كلمة من كلام أمها. بعد كده، زقت كريسي لقدام، حاطاها مباشرةً قدام الثلاثة نبلاء. كريسي حسّت خدودها بتحمر وهي بتحاول تلاقي أي كلمة تقولها، وطلعت منها بتهتهة محرجة، "نعم، أنا أوافق أمي… أنا م-مسرو..رة جدًا." مدام مارتن عمرها ما نسيت إزاي تتصرف في قاعات الحفلات. طريقتها الواثقة في الكلام مع عيلة بيريسفورد كانت تخلي أي حد يفتكر إنها واحدة منهم. وهي بتوزّع المجاملات وبتتكلم عن الاحتفالات، فجأة، الدوقة اتقدمت وخدت كريسي من دراعها بلُطف. كريسي كانت متفاجئة جدًا لدرجة إنها مش عارفة ترد تقول إيه! قالت الدوقة بصوت ناعم وهي بتبدأ تمشي جنب كريسي، "إنتِ جميلة جدًا الليلة، آنسة مارتن." كريسي مشيت معاها وهي بتاخدها ناحية اتنين رجالة وست واقفين مع بعض. كانت شافت الرجالة دول قبل كده، لكن ماكانتش تعرفهم، ونفس الشيء بالنسبة للست. الأكبر فيهم كان راجل طويل ووسيم، جسمه ممشوق ومتناسق. عنيه الزرقا كانت متناسقة مع شعره الغامق، وبشرته كانت ناعمة وفاتحة. كان واقف بثقة جنب الست، اللي واضح إنها كانت شريكته. كريسي كانت عارفة بوجود شابة سمراء في قرية أشفود، زي ما كانت سامعة عن الراجل اللي بقى زوج الليدي سوزانا بيريسفورد. الإشاعات دايمًا بتلف، وكريسي ماكانتش تقدر تتجنبها حتى لو حاولت. كانت عارفة إن القيل والقال بيستهدف الناس البريئة أكتر من أي حد تاني. هي وأمها كانوا موضوع للإشاعات أكتر من مرة في برملي، فبقت فاهمة اللعبة دي كويس. لكن بغض النظر عن اللي ممكن الناس محدودي التفكير يقولوه عن بشرتها، كريسي كانت شايفة إنها جميلة بشكل مبهر. يمكن ما شافتش في حياتها ست بالجاذبية دي. دلوقتي، بقت فاهمة ليه الراجل الأكبر واقف بفخر جنبها. كانت لافتة جدًا للنظر، وحركتها فيها وقار وثقة. بشرتها كانت ملساء زي الحرير، لكن أكتر حاجة شدت انتباه كريسي كانت عنيها الذهبية اللامعة. عمرها ما شافت لون زي ده قبل كده. بينما الرجل والسيدة كانوا واقفين في هدوء مستنيين الدوقة تقول حاجة، الراجل الأصغر اللي معاهم كان باين عليه التوتر وعدم الارتياح. الشاب الأصغر كان عنده ملامح شابة بس جذابة. كريسي كانت شافته قبل كده في القرية، وكان دايمًا عنده ابتسامة لعوبة بتكشف عن سنه وروحه المرحة. بس النهارده، الابتسامة دي كانت غايبة تمامًا. كان باين عليه عدم الارتياح، كأنه حد قاله إن فيه قطع في بنطلونه من ورا! كان طويل زي أخوه، والتشابه بينهم كان واضح، مفيش شك إنهم إخوات. بس الفرق إن الأخ الأكبر كان جسمه متناسق وممشوق، في حين إن الأصغر لسه ما أخدش راحته في طوله. كان نحيف، وحركاته باينة متلخبطة، كأنه مش عارف يحط إيديه ورجليه فين. الدوقة أشارت للرجل الأكبر وقالت، "آنسة مارتن، حابة أقدملك أخويا، السيد دينهام." وبعدين لمحت ناحية السيدة، "ودي الآنسة بيل ديجاردان. صديقة عزيزة لعيلتنا، وخياطة موهوبة جدًا، يمكن تكوني قريتي عن شغلها في الجرايد وسط بقية الهري اللي بيكتبوه." كريسي لاحظت نبرة دفاعية في صوت الدوقة وهي بتقدم الآنسة بيل، وحبت لو تقدر تطمنها إن مفيش داعي للقلق. السيد دينهام قال بلطف واضح، "تشرفنا يا آنسة مارتن." فردت عليه كريسي بابتسامة، "وأنا كمان، يا سيد دينهام، ويا آنسة ديجاردان." الدوقة كملت، "وكمان حابة أعرفك بأخويا الأصغر." وبصت له بابتسامة مشجعة، "آنسة مارتن، ده السيد جيم دينهام. جيم، دي الآنسة كريسيدا مارتن." جيم بص لكريسي أخيرًا، عنيه الزرقا كان فيها توتر غريب، وفكه مشدود كأنه بيعض على سنانه. كريسي ما قدرتش تمنع نفسها من العبوس وهي بتبصله باستغراب. إيه حكايته بالضبط؟ كانت نسيت تمامًا إن أمها واقفة وراها، وفجأة قفزت من مكانها لما سمعت السيدة مارتن بتقول بصوت عالي، "أنا متأكدة إن الآنسة مارتن سعيدة جدًا بالتعرف على إخوة الدوقة!" كريسي كادت تتأوه من قلة اللباقة في اللحظة دي. أمها كانت تقريبًا بتصرخ إن الموضوع "عريس وعروسة" بطريقة فجة! لحسن الحظ، الدوقة كانت لطيفة بما يكفي إنها تقدم السيدة مارتن لإخوتها، وللآنسة ديجاردان، قبل ما السيد جيم يفاجئ الجميع بإعلان صادم. "عاوز ساندوتش!" كل العيون في المكان اتجهت له فورًا، وهو بكل بساطة لف ضهره ومشي في اتجاه قاعة الضيافة بخطوات ثابتة، كأن دي كانت أهم حاجة في الدنيا بالنسبة له دلوقتي. بعد ما خلصت التعارفات، اتسحبت كريسي بعيدًا عن عيلة بيريسفورد، واتحركت هي وأمها ناحية حافة قاعة الرقص. المكان اللي كانوا واقفين فيه كان مثالي بالنسبه لمامتها، اللي كانت ماسكة المشهد كله تحت المجهر، بتراقب الأزواج وهيا بترصد تحركات بيريسفورد بعين صقر. وهنا جالها أول طلب للرقصة. كان الرجل اللي طلبها هو السيد أندروز، صاحب البقالة. كانت تعرفه من قبل، لكن عمره كان مجهول بالنسبة لها—بس أكيد كان أكبر منها بأكتر من عشر سنين! والطريقة اللي كان بيبصلها بيها خلتها تحس بعدم ارتياح رهيب... كانت بتتمنى لو تقدر تلبس تاني التنانير الطويلة اللي بتوصل لكاحلها، خصوصًا في اللحظة دي. السيدة مارتن وافقت بسعادة على طلب السيد أندروز بالرقص مع كريسي، وفعلاً رقصت معاه وهي بتتكلم معاه بأدب، من غير ما تبدي أي اهتمام حقيقي. ولما خلصت الرقصة، وطلب منها رقصة تانية، تظاهرت بالتعب بكل لطف، وده خلاه يعرض عليها إنه يجيب لها مشروب منعش. استغلت اللحظة دي فورًا وهربت... مش بعيد طبعًا، لكن بعيد كفاية عن مامتها وعن السيد أندروز. راحت للنحية التانية من قاعة الرقص، مستخبية ورا الزحمة اللي كانت بتتفرج على الراقصين. "معذرة، آنسة مارتن." تجمدت في مكانها للحظة، قلبها دق بسرعة... هل السيد أندروز لقاها؟! لكن سرعان ما أدركت إن الصوت مختلف. كان صوت شبابي أكتر، أهدى وألطف. استدارت ببطء... كان السيد جيم هو اللي واقف قدامها. واقف بفخر، إيديه وراه، والتعبير الغريب اللي كان في وشه قبل كده اختفى. لكنه لا يزال مش مرتاح تمامًا... كان متوتر. يمكن كان حاسس بنفس اللي هي حست بيه لما اضطرت تتكلم مع عيلة بيريسفورد. سنه الصغير كان بيكشف ده أكتر، وبصراحة؟ كريسي حست إن ده حاجة لطيفة جدًا. كانت طول الوقت حاسة إنها أصغر واحدة في القاعة، لكن السيد جيم... يمكن كان قريب منها في السن. لكن رغم إن توترها كان مفهوم لأي حد في القاعة، هي ماكنتش عارفة إيه اللي يخلي السيد جيم متوتر كده. في الآخر، هو قريب عيلة بيريسفورد. مش كأنه داخل مزاد أو حاجة! أما هي، فكانت حاسة إن أي رجل ممكن يجي يطلب يشوف سنانها أو يقيس طولها وكأنها حصان في مزاد لندن للموسم الاجتماعي. "مساء الخير، سيد دينهام." قالتها بابتسامة خفيفة وانحناءة صغيرة. "آه، آه، صباح الخير!" رد عليها بتلعثم، وهو يحاول يرد التحية بانحناءة سريعة. وبعد ثانية، فتح عينيه على وسعهم واتلخبط وهو بيحاول يصحح كلامه: "قصدي مساء الخير! مش الصبح، يعني... بس هيبقى الصبح كمان شوية، صح؟ بس على العموم، هل بتعتبري الساعات بعد نص الليل صباح ولا لسه مساء؟ أنا شخصيًا بشوفها لسه مساء. مش بقول لحد صباح الخير لو نمت بعد نص الليل!" كريسي عقدت حواجبها وهي مش عارفة تفهم إيه اللي بيقوله بالظبط. بدأ يرجع لنفس حالة الارتباك اللي كان فيها وقت التعارف، وبدأت تقلق... هل هي السبب؟ هو حصل منها حاجة ضايقته؟ هما أصلًا أول مرة يتقابلوا النهارده! "ممم... أظن إنه فعليًا بيكون صباح،" ردت عليه ببطء، "بس لو رايحة أنام بعد نص الليل، أكيد هقول تصبح على خير." السيد جيم ضحك ضحكة متوترة، ومد إيده على شعره يلفف شوية من خصلاته الغامقة بين صوابعه، قبل ما يفوق لنفسه ويسيب شعره فجأة كأنه لمس نار. "يا ربّي، هو في إيه؟!" قالها وهو بينفخ لنفسه. كريسي عقدت حواجبها أكتر. هو مستني منها رد على السؤال ده؟ لو بصت له كده، مفيش أي حاجة شكلها غلط فيه. يمكن غريب شوية، بس التوتر مفهوم. هي فاكرة الابتسامة الشقية اللي شافته بيها في القرية. هو مش دايمًا كده! "إنتي مش عايزة ترقصي الرقصة الجاية معايا، صح؟" السؤال خرج من السيد جيم بطريقة ملتوية جدًا، لدرجة إن كريسي ماقدرتش تفهمه في الأول. كانت طريقة غريبة لطلب رقصة… أو على الأقل ده اللي افتكرته إنه بيحاول يعمله. "أنا... مممم... مش مش عايزة…" دلوقتي، الدور عليه هو اللي يعبس ويحاول يستوعب هو قال إيه! شدّ حواجبه في إحباط وأخد نفس عميق قبل ما يحاول تاني: "أنا آسف، آنسة مارتن. أنا ببوّظ كل حاجة. هل تودين أن ترقصي الرقصة الجاية معي؟" كريسي ماقدرتش تمنع نفسها من الابتسام. حطّت إيدها المغطاة بالقفاز في إيده، وبمجرد ما عملت كده، شافت الابتسامة الصادقة اللي نورت وشه. ياااه، الابتسامة دي! زادت من لمعان عيونه الزرقا الفاتحة، وخلّته يبان أصغر وألطف. ماحستش بأي توتر وهي بتمشي مع جيم دينهام للرقص، على عكس اللي حسته مع السيد أندروز. لكن يا سلام على رقصة جيم! كان… كارثة متحركة! دراعاته ورجليه مش متعاونين خالص معاه، وكل خطوة كانت شكلها أغرب من اللي قبلها. بس كريسي ماضايقتش. بالعكس، لقيت ده لطيف جدًا. هو كان بيحاول بجد، وده كان كفاية يخليها تبتسم طول الرقصة. الـ "كوادريل" كانت رقصة سريعة، ماكانتش بتسيب فرصة كبيرة للكلام بين الشُركاء. كريسي كانت لاهثة في الآخر، وحقيقي كانت محتاجة المشروب اللي السيد أندروز راح يجيبه… بس الحمد لله، ماكانش له أثر في أي حتة! وجيم؟ خدوده كانت محمّرة، وكريسي متأكدة إن خدودها كمان بقت ورديّة. بصّوا لبعض بضحكة خفيفة، وكأن التوتر اللي كان مسيطر عليه طار فجأة. وقف بثقة أكتر، وابتسامته الجميلة بقت أدفى وأريح بكتير. "إيه الحاجة اللي بتخليكي مبسوطة، آنسة مارتن؟" كريسي رمشت بعينها في اندهاش. السؤال غريب جدًا! صحيح هي ماعندهاش خبرة كبيرة في الكُرات، ولا في الكلام مع الرجالة أصلًا، بس عمرها ماحد سألها سؤال زي ده. عادةً، التملُّق هو النظام المعتاد. لو أمها كانت جنبها، كانت هتجبرها ترد بحاجة زي: "مساعدة المحتاجين" أو "الأطفال"، أي حاجة تخليها تبان لطيفة وعروسة مثالية. لكن بصراحة…؟ "السباحة." ردّت بتفكير، "بحب السباحة جدًا." مش ده الحاجة الوحيدة اللي بتفرّحها، لكن لما فكّرت في اللحظات اللي حسّت فيها بسعادة نقية، افتكرت الأيام اللي قضتها في العوامة جوه البرك… كانت متعة خالصة. مع آخر نغمة في الرقصة، كريسي بصت لجيم لاقته واقف قدامها ببريق غريب في عينيه، مزيج من التردد والحيرة، كإنه عايز يقول حاجة بس مش عارف إزاي. "كريسي..." صوته طلع واطي، بالكاد سمعته وسط دوشة القاعة. رفعت حاجبها مستنية يكمل، بس قبل ما يقدر ينطق بكلمة، صوت أمها جالها زي السهم، "كريسي، آنستي، كفاية بقى!" اتلفتت بسرعة، قلبها بيدق، رجعت تبص لجيم... مكنش هناك. كإنه اختفى. لفت حوالين نفسها، عينيها بتجري على كل الناس، الوجوه الضاحكة، الرجال ببدلهم السوداء، الستات بفساتينهم المنفوشة، الراقصين، المتفرجين... بس هو مش موجود. مفيش أثر ليه. وكإنه... عمره ما كان هنا أصلاً. --------------------- دي الروايه كامله رأيكم ؟
روووعههه♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
ردحذف