عرب في كوريا
عرب في كوريا
2025, سهى كريم
ثقافية
مجانا
في أولى خطواتهم نحو مغامرة جديدة، يتم اختيار أربعة أصدقاء عرب – سما المصرية، راندا اللبنانية، علياء الإماراتية، وأحمد المصري – ضمن بعثة دراسية إلى كوريا. بين فرحة الاكتشاف وقلق الغربة، يبدأ الأصدقاء في التحضير لرحلتهم، حيث تتداخل أحلامهم وتوقعاتهم حول تجربة قد تغير مجرى حياتهم.
سما
فتاة مصرية مرحة وعفوية، تحب توثيق اللحظات وكتابة التفاصيل، تنظر إلى الحياة بروح متفائلة ومغامرة.راندا
لبنانية مليئة بالحيوية وحب الحياة، تعشق التصوير والتألق، وتسعى دائمًا لترك بصمة خاصة بهاعلياء
إماراتية هادئة وعملية، تهتم بتعلم كل جديد وتوثيق التجارب بحكمة وتأمل.أحمد
شاب مصري، يهتم بالتكنولوجيا ويبحث عن تجربة تثري معرفته وتفتح له آفاقًا جديدة.
أنا سما، مصرية أصيلة من قلب القاهرة، والحكاية دي عنّي وعن صحابي اللي جمعتنا جامعة القاهرة، وبالتحديد كلية تجارة. إحنا أربعة: أنا، وأحمد المصري اللي دايمًا بيحب يهزر ويضحك، وعلياء الإماراتية الهادية اللي كلامها قليل بس دايمًا بيكون في مكانه، وراندا اللبنانية اللي دايمًا صوتها عالي وضحكتها مالية الدنيا. اتعرفنا على بعض من تلات سنين، أول يوم في الكلية كان مليان قلق وخوف، بس الصدفة لعبت لعبتها وجمعتنا. كان فيه محاضرة عن الاقتصاد، ولقينا نفسنا قاعدين جنب بعض. أحمد كان أول واحد يكسر الجليد، ضحك وقال: "هو إحنا جينا نتعلم ولا نتعذب؟" وضحكنا كلنا. من ساعتها، بقينا مع بعض على طول. كل يوم في الجامعة ليه حكايته. من أول قعدة على السلالم تحت شمس الظهر، لحد قعدات الكافتيريا اللي دايمًا مليانة ضحك وجدال عن المحاضرات، والدكاترة اللي ساعات بتحس إنهم جايين يعقدونا مش يعلمونا. راندا دايمًا بتحب تحكي عن لبنان، وأكلهم اللي نفسي أجربه يوم، وعلياء بتحكي عن دبي، وأبراجها اللي بتمس السما. وأنا؟ دايمًا بحكيلهم عن القاهرة، عن الزحمة اللي مبتخلصش، وعن الحنين اللي بيشدني لكل ركن فيها. أوقات كتير كنا بنخلص المحاضرات ونروح نقعد عند الكورنيش، نضحك، ونتكلم عن أحلامنا. أحمد كان دايمًا بيحلم إنه يبقى رجل أعمال كبير. علياء بتحب الفن وعايزة تبقى مصممة أزياء. راندا بتحب التصوير وعايزة تلف العالم. وأنا؟ نفسي أعيش كل لحظة بحبها، وأكتب عنها، يمكن عشان كده بحب أكتب عننا. المواقف اللي بينا كتير، من امتحانات كنا بنذاكرلها لحد الفجر، وخروجتنا اللي دايمًا كانت بتحمل مفاجآت. وفي كل مرة كنا بنكتشف إن اللي بيجمعنا أكتر من مجرد زمالة، دا صداقة بجد، صداقة بتكمل الحكاية. ودي كانت بداية حكايتنا، ولسه اللي جاي أكتر. في يوم من الأيام، كنا قاعدين في الكافيتيريا، قاعدين على الترابيزا اللي بقت مكاننا المفضل. أحمد كان قاعد يراجع شوية ملاحظات قبل المحاضرة، وأنا وراندا وعلياء كنا بنهزر ونضحك. فجأة، علياء قالت بصوت واطي: "تفتكروا لو غبنا عن المحاضرة النهارده، الدكتور هيحس؟" راندا ردت بسرعة وضحكت: "هيحس؟ ده يمكن يوزع شوكولاتة احتفالًا بغيابنا!" أنا ضحكت وقلت: "طب وهنقعد فين؟ نروح الكورنيش؟ ولا نتمشى في الحرم الجامعي زي العادة؟" أحمد رفع عينه من الورق وقال: "إنتوا بتفكروا في الغياب وإحنا عندنا امتحان قريب؟!" بصيت له وقلت: "يعم ما تقلقش، كله بيتحل قبل الامتحان بيومين، المهم نعيش النهارده." وطبعًا زي كل مرة، أحمد استسلم واتفق معانا. وفعلاً خرجنا واتمشينا حوالين الحرم. الشمس كانت دافية والجو مليان حياة. كنا بنتكلم عن كل حاجة، من أحلامنا الصغيرة لحد حاجات مالهاش لازمة زي ليه القهوة في الكافيتيريا طعمها غريب! راندا كانت بتحكي عن يوم من أيام المدرسة في بيروت، لما كانت تزوغ وتروح تاكل من عند بياع الكعك اللي في آخر الشارع. وعلياء كانت بتحكي عن المرات اللي كانت تهرب من حر دبي وتستخبى في المولات. وأنا حكيت عن ذكرياتي مع أصحابي في شوارع القاهرة، والضحك اللي بيطلع من قلب الزحمة. الحظات دي كانت بسيطة، لكن كانت بتخلق ذكريات مش ممكن تتنسي. ذكريات مليانة ضحك، صدق، وشوية تهريج. وكل مرة بنقعد ونتكلم عن حياتنا، كنت بحس إن صداقتنا دي مش بس حكاية جامعة، لأ، دي حكاية عمر. وفي يوم ماكنش عادي خالص، واحنا قاعدين في الكافيتيريا، كل واحد ماسك مشروبه، دخل علينا مشرف الكلية، وكان معاه ورقة في إيده. وجه علينا، وابتسم ابتسامة مريبة، وقال: "في خبر مهم جدًا… تم اختيار مجموعة من طلاب الكلية لبعثة دراسية إلى كوريا لمدة شهر، و... مبروك، انتوا الأربعة من ضمن الطلاب المختارين." أنا وقفت مكاني، ومبقتش مصدقة! "كوريا؟ إحنا؟!" أحمد ضحك وقال: "أكيد بيهزر، هو إحنا لسه هنصدق إن الحظ بيلعب معانا؟" راندا كانت أول واحدة تصدق، ضحكت وصرخت: "يااااي! أنا هموت وأشوف كوريا، دي أحلى حاجة حصلتلي في حياتي!" أما علياء، كانت قاعدة هادية كعادتها، بس في عينيها لمعة فرح باينة وقالت: "ده حلم! مش قادرة أصدق إننا رايحين فعلاً." أنا كنت واقفة، مش عارفة أقول إيه، مشاعر كتير داخلة في بعضها، فرحة وقلق واستغراب. قلت لهم: "يعني خلاص؟ إحنا رايحين كوريا؟ بجد؟" المشرف أكد الخبر، وقال إن البعثة فيها 19 طالب من الكلية، وإنها تجربة دراسية وثقافية، هنعيش مع طلاب كوريين، ونتعرف على ثقافتهم، وناخد كورسات هناك. خرجنا من الكافيتيريا وإحنا مشيين في الحرم الجامعي، ودماغنا كلها شغالة بخيالها. راندا كانت بتتكلم عن الأماكن اللي عايزة تزورها: "أنا عايزة أزور سيول كلها! وعايزة أجرب الأكل الكوري… الكيمتشي، والراميون، وأي حاجة تانية!" أما أحمد، فقال: "أنا أكتر حاجة عايزها، أشوف التكنولوجيا بتاعتهم… وعايز أروح عند الشركات الكبيرة زي سامسونج! عايز أشوف هما بيفكروا إزاي." علياء ابتسمت وقالت: "أنا نفسي أشوف الناس، أتعرف على ثقافتهم وأشوف إزاي حياتهم ماشية. ده غير إننا أكيد هنتعلم حاجات كتير." أما أنا؟ "أنا نفسي أمشي في شوارعهم، وأحس إننا عايشين في مسلسل كوري… نفسي أكتب عن كل حاجة هتحصل، كل تفصيلة وكل لحظة." كانت لحظة حماس مش طبيعي. طبعًا بدأنا نفكر في كل التفاصيل، هنحتاج إيه؟ هنروح فين؟ وهنعيش إزاي هناك؟ بس كان واضح إن الرحلة دي مش بس هتكون مجرد سفرية، دي كانت بداية لتجربة جديدة في حياتنا، يمكن تغير حاجات كتير جوانا. وعلى قد ما كنا فرحانين، كان فيه رهبة… هل فعلاً هنقدر نتأقلم؟ وهل صداقتنا دي هتفضل زي ما هي وإحنا في مكان جديد؟ كل ده كان جوايا، بس كنت سايبة كل حاجة تمشي لوحدها، مستنية اللحظات الجديدة اللي هتتكتب في حكايتنا. أسبوع واحد! أسبوع واحد بس وهنكون في كوريا. كانت الفرحة مسيطرة علينا بس مع شوية توتر. إحنا مش مسافرين رحلة عادية، دي بعثة دراسية هنعيش فيها وسط ناس مختلفين تمامًا عننا. وده لوحده كان كفيل يخلي دماغي مشغولة 24 ساعة. أول يوم بعد ما عرفنا الخبر، قعدنا كلنا نخطط ونفكر، وكالعادة كنا قاعدين على ترابيزتنا في الكافيتيريا. أحمد قال وهو ماسك كوباية القهوة: "أول حاجة، لازم نجهز لبس كويس. كوريا هناك برد في الوقت ده، مش زي حر القاهرة." راندا ضحكت وقالت: "وإيه يعني؟ نلبس طبقات فوق بعض، وخلصت! أهم حاجة نكون ستايلش، مش هينفع أروح كوريا وأطلع في الصور وأنا شبه المومياء!" علياء كانت بتفكر في الجانب العملي أكتر، وقالت: "لازم نعرف شوية كلمات كورية. مش معقول هنقعد هناك وإحنا مش فاهمين حاجة." أنا قلت وأنا بفكر: "أنا ناوية أوثق كل لحظة، هنكتب كل حاجة ونصور كل موقف. عايزة أفتكر الرحلة دي بكل تفاصيلها." وبدأنا فعلاً نجهز. أول خطوة كانت الشوبينج. نزلنا مع بعض وسط البلد، ودورنا على لبس تقيل، جاكيتات وكوفيات، وأحمد كان مصر يشتري شنطة سفر جديدة، وقال: "أنا شنطتي دي خلاص، معفنة من كتر السفر الداخلي، لازم أكون شيك قدام الكوريين." راندا كانت مركزة في الحاجات اللي هتخلي الصور تطلع حلوة: "أنا عايزة شنطة شكلها حلو وألوانها تبان في الصور. لازم أطلع تريند في كوريا!" أما علياء، اشترت دفتر صغير وقالت: "هسجل فيه كل حاجة هنتعلمها هناك، عايزة أرجع بأفكار جديدة." وأنا؟ اشتريت كاميرا صغيرة. كان نفسي أوثق كل حاجة بعيني. وبعد الشوبينج، رحنا قعدنا في كافيه صغير، وبدأنا نتكلم عن اللي ممكن نقابله هناك. أحمد كان قلقان من الأكل: "أنا مش عارف هعرف آكل إيه هناك! يا ترى عندهم كشري؟" راندا قالت وهي بتضحك: "كشري؟ هناك في كيمتشي وراميون! جرب واتعلم، يمكن تحب الأكل الكوري أكتر." أنا بصيت لهم وقلت: "بصراحة أنا متحمسة أجرب كل حاجة، مش عايزة أفوت ولا لحظة." في الأيام اللي بعدها، كل واحد فينا كان بيرتب حاجاته، يحضر هدومه، أوراق السفر، ويقرأ عن كوريا. كانت فيه حالة من الحماس والترقب. كل يوم كنا بنقعد مع بعض، ونخطط إحنا هنزور إيه، وهنجرب إيه أول ما نوصل. ورغم الحماس، كان فيه شوية قلق جوايا. فكرة إننا هنسافر ونعيش في بلد غريب وسط ناس مختلفة كانت غريبة ومخيفة شوية. بس وجودهم جنبي كان مخليني مطمنة. كنا دايمًا بنضحك ونقول: "مهما حصل، إحنا مع بعض، والرحلة دي هتكون أحلى حكاية." ولما قرب اليوم الموعود، اتجمعنا في بيت أحمد عشان نودع بعض ونتأكد إن كل حاجة جاهزة. راندا جابت لب وسوداني، وقالت: "عشان نفتكر طعم القاهرة قبل ما نروح هناك!" وعلياء جابت معاه شوية صور لبلدها، وقالت إنها عايزة توريهم لزمايلنا الكوريين. وأنا كنت مجهزة نوتتي والكاميرا. أسبوع عدى بسرعة، واليوم المنتظر جه، يوم السفر. كانت شنطنا جاهزة، وقلوبنا مليانة حماس وقلق. طلعنا على المطار، وكل خطوة كنا بنخطوها كانت تقربنا من بداية حكاية جديدة. ----- يتبع -----
تعليقات
إرسال تعليق