التوحد - رواية فلسفية

التوحد

2025, كاترينا يوسف

نفسية اجتماعية

مجانا

فتاة تعاني من التوحد تحاول مواجهة العالم الذي يبدو مختلفًا تمامًا من وجهة نظرها. تسلط الأحداث الضوء على تحدياتها اليومية، علاقاتها بأهلها ومدرسيها، والنوبات التي تواجهها في محاولة لفهم حياتها. من خلال الكتابة، تجد البطلة صوتًا يعبر عن مشاعرها الداخلية وتبدأ في بناء عالم خاص بها يفهم تعقيدات عقلها. القصة تقدم رسالة إنسانية عميقة تدعو إلى قبول الآخر كما هو وفهم تجربته.

ليلى

البطلة التي تعاني من التوحد، ذكية وحساسة للغاية. تجد صعوبة في التعبير عن مشاعرها شفهيًا لكنها تلجأ للكتابة للتواصل مع العالم.

الأم

شخصية محبة ولكنها تجد صعوبة في فهم احتياجات ليلى. تحاول جهدها أن تكون داعمة.

المعلم

أحد الشخصيات التي ترى موهبة ليلى في الكتابة لكنها تستغل ذلك أحيانًا دون أن تفهم حساسيتها.
تم نسخ الرابط
التوحد

 اللي لازم تعرفه إني في الحقيقة مشاعري زي طفل عنده سنتين وعقلي زي مراهق عنده 13 سنة. مابتصرفش على سني أغلب الوقت، لكن عندي أسبابي. مخي متبرمج بطريقة مختلفة، يعني الحاجات اللي ممكن تبقى بسيطة جدًا ليك، بتبقى دايمًا معقدة ومهمة بالنسبالي.

لو حد زعقلي في الحقيقة، غالبًا هبكي وممكن كمان أغطّي وداني عشان الصوت بيخوفني. ده مش لأنك بتعاقبني، لكن عشان أنا ببقى خايف، وأوقات مش فاهم اللي بيحصل، أو مش عارف أفكر في رد فعل مناسب.

في أوقات لازم أعرف حاجات زي الوقت اللي هستناه لحد ما يحصل حاجة، إمتى الحاجة دي هتحصل وازاي وليه هتحصل. لازم أبقى محضر نفسي عشان ما أنهارش لما تحصل مفاجآت. مخي بيشتغل على جدول زمني، كل حاجة لازم تكون منظمة. لما الدنيا تتلخبط واحتاج أتوقع اللي هيحصل لوحدي، الدنيا بتسوء أكتر.

طيب إيه اللي بيحصل لما أحاول أتوقع لوحدي؟ ببقى منهار وبدخل في حالة هلع. ده عشان من غير ما حد يقول لي إيه اللي متوقع، ببقى بلخبط أسرع. الموضوع مش إني عايز الدنيا تمشي زي ما أنا عايز أو يبقى كل حاجة متخططة. أنا فاهم إن الدنيا مش هتمشي على مزاجي، لكن مخي مختلف عن مخك.

في حاجات كتير بخاف منها، حاجات الناس ممكن تعتبرها مش منطقية أو نادرة الحدوث. عارف ليه لسه بخاف منها؟ عشان في عيني، الدنيا لسه مجهولة ومخيفة بالنسبالي. في حاجات لازم أعرفها وأتوقعها بس مابعرفش.

مش متوقع إن الناس تحاول تجمللي الحياة، زي ما برضه الناس مش متوقعين مني النوبات أو ردود الفعل اللي عندي. أنا ماعنديش فكرة إزاي أتحكم فيها لأنها ما بتحصلش بنفس الطريقة اللي بتحصل بيها عند ناس تانية.


لما بدخل في نوبة انهيار، مش عشان الدنيا تمشي على مزاجي، لكن عشان ببقى محمل فوق طاقتي ومخي مش قادر يستوعب كل الضغوط اللي حواليا. فيه حاجات كتير مش فاهمها، وبواجه صعوبة في التركيز وفهم اللي بيحصل حواليا.

بحاول بكل طاقتي أفهم وأكون شخص ملتزم ومهذب، لكن برضه مش معناه إني سيء السلوك. مخي متبرمج بطريقة مختلفة. لما الأمور تبقى مش منظمة أو حاجات مكانها غلط، عقلي بيحاول يرتبها زي ما بيركب قطع البازل.

بس المشكلة إن بعض القطع في دماغي ضايعة، مكسورة أو مضغوطة في أماكن مش مكانها. القطع مش مرتبة زي ما المفروض تكون. بيقولوا إن التوحد زي البازل عشان صعب تفهمه. وده فعلاً حقيقي، لأن الشخص اللي عنده توحد بيلاقي إن قطع البازل اللي بتجمع دماغه مش موجودة أو مضغوطة في أماكن غلط.

عشان كده لما بتحصل حاجات، مخي مش بيبقى فيه القطع الصح في الأماكن الصح عشان يعرف يتصرف. وقتها كل حاجة بتخرج عن السيطرة وبتبقى الأمور خارجة عن الترتيب تمامًا.

بس اللي ما عندوش توحد ممكن يسأل نفسه ليه بنت عندها 23 سنة بتتصرف زي طفلة عندها سنتين. محدش فاهم البازل اللي دماغي ركبته بطريقة غلط. ومع القطع المفقودة أو اللي مكانها غلط أو حتى المكسورة، كل حاجة بالنسبة لي هتفضل مختلفة عن الطبيعي.


أنا عمري ما طلبت إن ده يحصل، وماكانش عندي أي سيطرة عليه. محدش، حتى أنا، يعرف إيه اللي حصل للقطع الضايعة والمفقودة لما كبرت. يمكن أصلاً ماكانتش موجودة من البداية، أو يمكن ضاعت وأنا بنضج. بصراحة، ماعنديش إجابة للأسئلة دي وممكن عمري ما هعرفها.

كل اللي أقدر أقوله إن لما تشوفني، بلاش تزعل أو تعلي صوتك عليّ، وما تقولش إني ببالغ. لأن وقتها مخي بيدخل في حالة ضغط جامد وكل حاجة بتنهار. بتمنى لو أقدر أرجّع القطع دي لمكانها الصح، لكن لما القطع تبقى ضايعة ومفقودة، اللي فاضل بيبقى جزء من البازل المشوّش اللي بيكوّن دماغي.

أنا بحاول دايمًا أفهم الناس وأخليهم يفهموني كمان، بس الأمور هتفضل دايمًا تحدي بالنسبالي. كل اللي محتاجه هو تطمين إن الأمور هتبقى كويسة وصبر وقبول للطريقة اللي بتسير بيها حياتي.


في ناس عمرهم ما هيقدروا يفهموا الوضع اللي أنا فيه، وأهلي من الناس دي. آه، ده حقيقي. مع إنهم أهل طبيعيين وبيحبوني، لكن معرفتهم عن التوحد قليلة جدًا. عارف إنه مش سهل عليهم.

كل اللي بتمنّاه إن الناس تفهم الوضع بدل ما يبصوا لي كأني حالة عقلية عايزة تجذب الانتباه. أنا أصلاً مش بحب الانتباه لأنه بيضغطني جدًا. الحقيقة إن أي حاجة ممكن تبقى سبب لانزعاجي وأنت حتى مش هتبقى واخد بالك.

كل يوم بالنسبة لي معركة عشان أفهم الدنيا لوحدي. مش عايز شفقة، ولما بطلب قبول، معناه إني عايزك تفهم إن عقلي بيشتغل بطريقة مختلفة عن عقلك. الحاجات اللي شايفها بسيطة بالنسبة لي بتبقى قضية كبيرة.

الأمور مش بتتعالج في دماغي بنفس الطريقة، وأحيانًا ما بتتعالجش خالص. ولو حصل واتعالجت، غالبًا بتبقى بطيئة أو غلط، وده اللي بيخلي النوبات تحصل. أنا بعاني عشان أعبر عن نفسي، وده فعلاً أصعب حاجة. عشان كده الكتابة بالنسبة لي أحيانًا أسهل من التعبير بالكلام أو المشاعر.

مش دايمًا بعرف أقول الكلام الصح، فبيطلع مني غلط. الناس ساعات بتفسر كلامي على إني وقح وأنا في الحقيقة مش عارف إزاي أعبر أو إيه المفروض أقول. فيه صراعات يومية كتير بالنسبالي.

مش بلوم أهلي إنهم مش فاهميني. مين ممكن يفهم بنت معقدة ومش مفهومة زيي؟ كل اللي عايزاه إنهم يسمعوني بدل ما دايمًا يحكموا عليّ ويقولوا إني أنا الغلطانة. هما حتى ما يعرفوش شكل الحياة من وجهة نظري عامل إزاي.



في سؤال متأكد إن ناس كتير عايزة تسأله لي أو حتى تقوله، وهو إني ما باينش عليّ إني عندي توحد. وده لأن الصورة اللي في دماغ معظم الناس عن التوحد هي ناس بتصرخ وتخبط راسها في الحيط. لكن لأ، التوحد مش كده.

من وجهة نظري، التوحد بيأثر على طريقتي في التعبير عن نفسي. اتكلمت كتير عن النوبات اللي بتجيلي وصعوبة التعبير عن مشاعري. كمان شرحت شوية عن إحساسي بكوني متوحد. فيه ناس على مقياس التوحد بيكونوا حالاتهم بسيطة وناس حالاتهم أشد. أنا مش عارف مكاني في المقياس ده، لكن عارف قد إيه الوضع بيختلف من شخص للتاني.

اللي عندهم توحد بيبقوا فعلاً أذكياء جدًا، لكن بيعانوا في طرق معينة للتعبير عن نفسهم أو التعامل مع حاجات كتير مش فاهمينها. على فكرة، فيه ناس بتقول إن مشاهير زي أينشتاين وآيزاك نيوتن كان عندهم توحد. صعب تصدق، مش كده؟ بس دي الحقيقة.

المشكلة إن ناس زيّنا بيتعرضوا للاستغلال. لما نظهر ذكاءنا وقدرتنا على التعامل، الناس اللي مش عندهم توحد بيستغلوا ده ويفكروا ليه إحنا محتاجين مساعدة أصلاً. وده واحد من الحاجات اللي تسببت في صدمتي.

المدرسين عندي اكتشفوا مهاراتي في الكتابة وحاجات تانية، فاستغلوا ده جدًا. الموضوع وصل لدرجة إني كنت بعاني لدرجة إني ماكنتش عايز أروح المدرسة خالص. أمي كانت تضطر تصحيني بالعافية وتجرني على المدرسة رغم التوسلات والنوبات اللي كنت بدخل فيها.


كنت حتى أعيّط وأنهار في عيادة المدرسة وأكلم أمي في التليفون أترجاها تيجي تاخدني. وده لسه غير البرنامج بتاع مهارات الحياة اللي كنت فيه، وما تخلينيش أبدأ الكلام عنه أصلاً.

لكل أب أو أم ممكن يكونوا بيقروا الكلام ده وعندهم طفل متوحد، عايزكم تعرفوا إنكم لازم تحبوا ابنكم زي ما هو، لأنه شخص مميز، والموضوع ما بينتهيش عند الطفولة. الأمور ممكن تبقى أصعب لما الطفل يكبر ويبقى بالغ.

الناس محتاجة تدرك إن العالم في عنينا مختلف تمامًا. مش عارف أوضح ده دلوقتي، لكن هحاول أشرح الموضوع بطريقة تانية بعدين.

تعليقات

إرسال تعليق

authorX

مؤلفون تلقائي

نظام شراء