موصى به لك

الأقسام

الأفضل شهريًا

    الأعلى تقييمًا

      حين يلتقي الحب بالقسوة (الفصل الخامس)

      حين يلتقي الحب بالقسوة 5

      2025, ريم محمد

      رومانسية فانتازيا

      مجانا

      في هذا الفصل، تُستدعى سيرافينا لعشاء خاص مع الماركيز فالين، لتجد نفسها وسط أجواء تجمع بين الغموض والرقة. بينما تساعدها مربيتها أميليا في التجهيز، تنكشف مشاعر خفية من ولي العهد تشارلز، ما يثير ارتباكها. لقاء فالين يتحوّل من مناسبة رسمية إلى لحظة حميمية، تحمل إشارات عن ارتباط قدري بينهما. وتختتم الليلة بطلب بسيط يكشف رغبة سيرافينا في استكشاف أسرار القصر، وبداية رحلة لا تعرف إلى أين ستقودها.

      سيرافينا

      تم نقلها للعيش في قصر غامض لسببٍ لا تفهمه بعد، وتشعر دومًا بأن هناك سرًا كبيرًا يحيط بها. رغم غموض ماضيها، إلا أن بداخلها قوة لم تكتشفها بعد، وقلب مليء بالفضول والمشاعر المتضاربة.

      أميليا

      تحمل في قلبها حبًا صادقًا لسيرافينا، وتراها كابنتها. ليست مجرد خادمة، بل مرآة للماضي، وتحمل أسرارًا كثيرة قد تكون مفتاحًا لحقيقة سيرافينا.

      الماركيز فالين دراكونيا

      مالك القصر الذي دُعيت سيرافينا للعشاء معه. يتميز بحضور آسر وهيبة نادرة، يبدو كمن يحمل ألف سر خلف كل كلمة وكل نظرة. اهتمامه بسيرافينا غير متوقع، وكأنها تعني له أكثر مما يظهر.
      تم نسخ الرابط
      حين يلتقي الحب بالقسوة

       
      طرقات خفيفة على الباب قطعت أفكاري الهائمة، نادتني أميليا، مربّيتي التي لطالما شعرت أنها أكثر من خادمة؛ كانت ملاذي الوحيد في هذا القصر الغريب.
      
      "سيدتي، هل يمكنني الدخول؟"
      صوتها الرقيق كان ينم عن توتر غريب.
      
      "ادخلي، أميليا. ماذا هناك؟"
      كان لدي إحساس غامض أن شيئًا ما يحدث. جلست أترقب بينما خطت خطواتها الواثقة نحوي، لكنها لم تخفِ قلقها.
      
      "سيدتي... الماركيز دراكونيا يدعوكِ لتناول العشاء معه."
      "العشاء؟" تمتمتُ بتردد وأنا أراقب تعابير وجهها بحثًا عن إجابة غير منطوقة.
      ابتسمت ابتسامة مطمئنة وأردفت: "نعم، سيدتي. يبدو أنه يريد التحدث إليك شخصيًا."
      
      شعرت بفضول لا يُقاوَم. "حسنًا، أعتقد أن العشاء معه فكرة جيدة. ربما أكتشف شيئًا عن سيرافينا في هذا القصر، أو... عن تلك القوة المقدسة التي تحدث عنها الكاهن الأعلى. إن كان ما يقولونه صحيحًا، ربما اكتشف لماذا هي مرشحة للزواج من إحدى العائلات الخمس."
      
      نهضت ببطء وقلت بحزم: "أميليا، قومي بتجهيزي."
      "أمرك، آنستي."
      
      بينما كانت أميليا تمشط شعري الذهبي الطويل، أخذت أراقب انعكاسي في المرآة. في البداية، لم أهتم بمظهر سيرافينا، ولكن كلما دققت النظر، أدركت كم كانت فاتنة. شعرها الذهبي الطويل ينساب كشلال من الحرير، وعيناها بلون الزمرد كانت تبرق وكأنها كنز لا يقدر بثمن.
      
      "سيدتي، أعتقد أن هذا الحلق سيتناسب تمامًا مع لون عينيك."
      تناولت الحلق بحذر وهمست: "إنه جميل... 
      
      ابتسمت أميليا، وقالت بخفة: "أنتِ رائعة الجمال، سيدتي. أي شخص سيراكِ الليلة لن يستطيع صرف نظره عنك."
      
      بينما كانت أميليا تفتح الصناديق وتبحث عن المجوهرات المناسبة، قالت: "سيدتي، هذه كلها هدايا من ولي العهد. عندما علم أنك ستذهبين إلى منزل الماركيز، طلب مني وضعها في العربة."
      
      "ولي العهد؟ تشارلز فعل هذا؟" شعرت بدهشة غمرتني، ولم أستطع إخفاء احمرار وجنتي.
      "نعم، سيدتي. لقد كان حريصًا جدًا في اختيار الهدايا. سمعت من الخادمات أنه أمضى صباحه في البحث عن المجوهرات المناسبة بنفسه."
      
      تخيلت تشارلز وسط المتاجر، مترددًا بين القطع، وعيناه تلمعان بشغف غريب. وجهي احمرّ أكثر، وابتسامة صغيرة تشكلت دون إرادتي.
      
      اللقاء مع الماركيز
      بعد أن أصبحت جاهزة، وقفت أمام المرآة. هذه هي سيرافينا، أو بالأحرى... هذه أنا الآن.
      
      قادنا الخادم عبر الممرات الطويلة في قصر الماركيز حتى وصلنا إلى باب كبير ومهيب. كان يعكس عظمة المكان وصاحبه.
      
      فتح الباب، وظهر الماركيز فالين يجلس بكل وقار على كرسيه الكبير. ما إن رأى وجودي، حتى نهض بخفة، ابتسامة ناعمة تزين ملامحه الجذابة.
      
      "آنستي، يشرفني وجودك هنا."
      مد يده بخفة، وأمسك بيدي ليقودني إلى الكرسي المجاور له. جلست وأنا أشعر بخجل طاغٍ، عينيه لم تفارقانني، وكأنهما تدرسان كل تفصيلة في وجهي.
      
      "أتمنى أن تكون هذه الأمسية مميزة كما تستحقين."
      صوته كان هادئًا، لكن وقع كلماته جعلني أشعر وكأنني في دوامة من المشاعر.
      
      هذا المساء... قد يحمل أكثر مما توقعت.
      
      بينما جلست على الكرسي بجانب الماركيز فالين، شعرت بنظراته تخترقني برقة، وكأنها تحمل في طياتها أكثر مما يظهر على السطح. حاولت التظاهر بالهدوء، لكن قلبي كان ينبض بعنف تحت تأثير حضوره المهيب.
      
      "هل استمتعتِ بجولتك في القصر، آنستي؟" سألني بصوت عميق.
      "نعم، المكان مذهل. يبدو أن كل زاوية فيه تخبر قصة."
      
      ابتسم ابتسامة غامضة، وقال: "لو سمحتِ لي، سأروي لكِ قصة أخرى... لكنها تخصني."
      فاجأتني كلماته، ونظرت إليه بفضول. "قصة تخصك؟"
      
      "نعم. منذ أن سمعت عنك لأول مرة، كنت أشعر بشيء غريب... وكأنه قدر يربطني بك. الآن، وأنا أجلس بجانبك، أدركت أن ذلك الإحساس لم يكن خطأً."
      
      كلماته جعلت وجنتاي تحمرّان بشدة، وخفضت بصري لأتجنب نظراته الحادة. لكن قبل أن أستطيع الرد، وقف فجأة واقترب مني، مما جعل المسافة بيننا تنعدم تقريبًا.
      
      "فالين؟" همست بصوت مرتجف.
      
      لم يجبني، بل انحنى ببطء، وعيناه مثبتتان على عينيّ، وكأنه يبحث عن إذن صامت. شعرت بأنفاسه الدافئة تلامس وجهي، وقبل أن أستوعب ما يحدث، طبع قبلة خفيفة على جبيني.
      
      كانت القبلة مفاجئة، لكن لم تكن باردة أو جريئة، بل كانت مليئة بالدفء والحنان. شعرت بدفء غريب يسري في جسدي، وكأن شيئًا داخليًا كان ينتظر تلك اللحظة ليتحرر.
      
      "أعتذر... لم أستطع مقاومة ذلك." همس بهدوء، وكأن صوته كان مزيجًا من الخجل والجرأة.
      
      نظرت إليه، محاولًة استيعاب ما حدث، لكنني لم أجد الكلمات المناسبة للرد. كل ما استطعت فعله هو الابتسام بخجل.
      
      "لن أجبرك على شيء، آنستي. لكنني أردت أن أخبرك بطريقة مختلفة... كم أنكِ مميزة بالنسبة لي."
      
      "تلك اللحظة تركتني في حالة من الارتباك"
      
      جلس الماركيز فالين على رأس المائدة، محاطًا بجو من الهيبة والرقي. أمامه، كانت الأطباق مرتبة بعناية تعكس الفخامة، لكنني كنت أشعر وكأنني أواجه اختبارًا لا أعرف قواعده.
      
      "تفضلي، آنستي. لا تدعي الطعام يبرد." قال فالين بصوته الهادئ، لكن نظراته كانت تراقبني باهتمام.
      
      شعرت بيدي ترتجف قليلاً بينما أمسك بالشوكة. الكونتيسة أدلين، التي كانت مسؤولة عن تعليمي آداب المائدة، لم تنهِ دروسي بعد. أمام هذا الكم من الأدوات، لم أكن أعرف من أين أبدأ.
      
      أخذت نفسًا عميقًا وحاولت أن أبدو طبيعية، لكن توتري كان واضحًا. لم أكن أتوقع أن يلاحظ، لكن ابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتيه وهو ينهض فجأة من مكانه.
      
      "يبدو أن لديكِ بعض القلق، آنستي." قال بهدوء وهو يتقدم نحوي.
      
      قبل أن أتمكن من الرد، سحب الكرسي بجانبي وجلس بالقرب مني، مما جعلني أشعر بالحرج أكثر. "لا تقلقي، لن أسمح لهذا الموقف بإرباكك."
      
      أخذ الشوكة من يدي بلطف وبدأ يشرح، صوته منخفض وكأن كل كلمة كانت موجهة لي وحدي: "انظري، نبدأ دائمًا بالأدوات من الخارج إلى الداخل. الشوكة الصغيرة للسلطة، الكبيرة للطبق الرئيسي، وهكذا."
      
      بينما كان يشرح، شعرت بحرارة كفه تلامس يدي للحظة عندما أرشدني إلى الطريقة الصحيحة للإمساك بالشوكة. نظرت إليه بخجل، لكن عينيه كانتا هادئتين، وكأنهما تخبراني أن كل شيء بخير.
      
      "هكذا، ليس بالأمر الصعب، أليس كذلك؟" قال بابتسامة خفيفة.
      
      تمتمت: "شكراً... أنا فقط... لم أتعلم هذه الأشياء من قبل."
      
      "هذا لا بأس به. الجمال الحقيقي ليس في إتقان آداب المائدة، بل في الحضور الذي يترك أثرًا. وأعتقد أنكِ تتقنين ذلك ببراعة."
      
      كلماته جعلت وجهي يحمرّ بشدة، ولم أستطع منع نفسي من خفض بصري. لكنه لم يتوقف، بل أكمل بنبرة مرحة: "وأظن أن خجلكِ الآن أكثر جمالًا من أي شيء آخر على هذه المائدة."
      
      ضحكت بخفة رغم توتري، وشعرت أن الموقف تحول من إحراج إلى لحظة خاصة جدًا بيننا.
      
      عندما انتهيت من تناول أول قضمة بطريقة صحيحة، قال بابتسامة مشجعة: "رائع، أعتقد أنني أستحق مكافأة على تدريسي الجيد، أليس كذلك؟"
      
      "وما نوع المكافأة التي تريدها؟" سألته بتردد.
      
      "لا شيء كبير. ربما فقط... أن تبتسمي لي هكذا مرة أخرى."
      
      كانت ابتسامته خفيفة، لكنها حملت دفئًا جعل قلبي ينبض بعنف. شعرت أن العشاء تحول إلى درس ليس فقط في آداب المائدة، بل في بداية شيء أعمق.
      
      بعد أن انتهينا من تناول الطعام، شعرت أن الهواء في قاعة العشاء أصبح ثقيلًا بسبب الحوارات والنظرات التي تبادلناها. كان هناك الكثير من التساؤلات تدور في رأسي، ولكن أكثر ما أزعجني هو شعوري المستمر بالغرابة تجاه هذا الجسد الذي أعيش فيه.
      
      نظرت إلى الماركيز فالين الذي بدا مشغولاً بالتفكير، ثم قلت بخفوت: "سيد فالين، هل لي أن أطلب الإذن للذهاب إلى مكتبتك؟ أود أن أستعير بعض الكتب."
      
      رفع حاجبه قليلاً قبل أن يبتسم ابتسامة خفيفة: "بالطبع، آنستي. المكتبة مفتوحة لكِ في أي وقت. الحارس بالخارج سيرشدك إليها."
      
      شعرت بالامتنان، وانحنيت برقة قبل أن أتبع الحارس عبر الممرات الطويلة للقصر. كانت الجدران مزينة بلوحات زيتية قديمة، وأضواء الشموع تضفي على المكان جوًا غامضًا ومهيبًا.
      
      "المكتبة هنا، سيدتي." قال الحارس بلطف، وفتح بابًا ضخمًا ببطء.
      
      دخلت إلى الغرفة المهيبة، حيث رفوف الكتب امتدت إلى السقف، وتلال من المعارف تنتظر من يستكشفها.
      
      لكن فجأة، وقبل أن أغلق الباب خلفي، دخل أحد الحراس بسرعة وهمس بشيء في أذن الماركيز فالين، الذي لحق بنا فجأة.
      
      "يبدو أن شيئًا يحتاج انتباهي، آنستي." قال بصوت اعتذاري وهو ينظر إلي. "خذي وقتكِ في المكتبة. أنا أثق أنكِ ستجدين شيئًا مثيرًا للاهتمام."
      
      بقيت وحدي وسط الرفوف، أتصفح الكتب بحذر. كان كل كتاب يروي قصة أو يحمل معلومة قديمة، لكن شيئًا ما جذبني فجأة.
      
      على أحد الرفوف العلوية، كان هناك كتاب مغبر يحمل عنوانًا غريبًا: "القوة المحرمة".
      
      مددت يدي بسحب الكتاب، وشعرت وكأن شيئًا ما في الداخل يهمس باسمي. فتحته ببطء، وصفحاته القديمة كانت مكتوبة بخط يدوي دقيق، لكنها حملت طاقة غريبة كأنها تنبض بالحياة.
      
      بينما كنت أقلب الصفحات، وقعت عيناي على رسم غريب لرمز يشبه القمر محاطًا بنجوم متشابكة. أسفل الرسم، كانت هناك عبارة مكتوبة:
      "القوة المحرمة هي لعنة وبركة، وهي تختار من يستحقها فقط."
      
      تسارعت نبضات قلبي. هل يتعلق هذا الجسد الذي أعيش فيه بهذه القوة؟ هل يمكن أن يكون ذلك سر سيرافينا؟
      
      وضعت يدي على الكتاب، وأخذت نفسًا عميقًا. كنت أعلم أنني على وشك اكتشاف شيء قد يغير كل شيء.
      
      بينما كنت غارقة في قراءة الكتاب الغامض "القوة المحرمة"، شعرت بوجود غريب خلفي، كأن الهواء في المكتبة أصبح أكثر برودة وثقلاً. رفعت عيني عن الصفحات بحذر، وتحركت ببطء لأستدير.
      
      هناك، عند مدخل المكتبة، كان يقف شاب طويل القامة، بشعر أسود كالليل يتلألأ كأنه مرصّع بالنجوم. كانت عيناه الحمراء تتوهج تحت الضوء الخافت كجمرة ملتهبة، تحمل برودًا يخترق الروح. كان يرتدي معطفًا أسود طويلًا، تطوقه زخارف فضية تعكس مكانته النبيلة.
      
      "هل لي أن أسأل، ماذا تفعلين هنا، آنستي؟" قال بصوت عميق وهادئ، لكن نبرته كانت تحمل شيئًا يصعب تفسيره؛ مزيج من الفضول والاحتقار الخفيف.
      
      تلعثمت قليلاً قبل أن أقول: "كنت أبحث عن كتاب... وأنت، من تكون؟"
      
      اقترب بخطوات واثقة، وصوت حذائه يُحدث صدى خافتًا في المكتبة. ثم انحنى قليلاً، وكأن حركته محسوبة بدقة لإظهار احترام زائف.
      
      "آسف على وقاحتي. دعيني أقدم نفسي. أنا ديميتريوس رافينسكار، دوق عائلة رافينسكار، و... أحد المرشحين للزواج منكِ، آنسة سيرافينا."
      
      تجمدت في مكاني، واحتبست أنفاسي للحظة. لم يكن مجرد شكله مثيرًا للرهبة، بل طريقته في الحديث، كأن كل كلمة محسوبة ليبقيك في حالة من التوتر.
      
      "زواج؟" همست بدهشة، ولم أستطع منع وجهي من الاحمرار.
      
      ابتسم ابتسامة باهتة، لكنها لم تصل إلى عينيه الحمراء التي ظلت تراقبني بحدة، كأنها تحاول اختراق أفكاري. "نعم. لم تسمعي؟ نحن من العائلات الخمس. مصيركِ... أو بالأحرى، مصير تلك القوة المقدسة التي تمتلكينها، هو أن ترتبطي بأحدنا."
      
      شعرت برغبة في الرد، لكن لساني انعقد، فيما كان يتقدم أكثر، حتى أصبح على بعد خطوات قليلة مني.
      
      "لكن يبدو أنكِ مندهشة. هل كنتِ تظنين أن الماركيز فالين هو الوحيد الذي يراقبك؟"
      
      ارتبكت أكثر، وتراجعت خطوة للخلف حتى اصطدمت بالرفوف. ضحك بخفة، لكن صوته كان يخلو من الدفء. "لا تقلقي. لست هنا لإرهابك... على الأقل، ليس الليلة."
      
      نظر إلى الكتاب الذي كنت أمسك به وسأل بهدوء: "القوة المحرمة؟ مثير للاهتمام أنكِ اخترتِ هذا الكتاب تحديدًا. هل تعتقدين أنه يمكن أن يساعدكِ؟"
      
      رفعت رأسي بشجاعة وقلت: "لماذا تهتم بما أقرأ؟"
      
      اقترب أكثر، حتى شعرت بأنفاسه الباردة، وهمس: "لأنني أريد أن أعرف إن كنتِ بالفعل تستحقين تلك القوة... وتستحقين أن تكوني دوقة رافينسكار."
      
      كان صوته أشبه بوعد مغمور بالغموض. قبل أن يبتعد، استدار فجأة وكأنه يتذكر شيئًا، ثم قال بابتسامة غامضة: "آه، بالمناسبة، أعجبتني الطريقة التي ارتبكتِ بها عندما رأيتني. إنها لطيفة."
      
      ترك المكتبة بخطوات هادئة، لكن حضوره ظل كظلال باردة تملأ المكان. وقفت في مكاني، أتنفس بصعوبة، وعيني ما زالتا متعلقتين بالباب الذي خرج منه.
      
      من هو هذا الرجل حقًا؟ ولماذا أشعر أن لقاءنا الأول لن يكون الأخير؟
      
      فجأة، شعرت بألم حاد في رأسي. ضغطتُ بيدي على جبيني، ثم انهارت الصور أمام عينيّ، كأن بابًا غامضًا انفتح فجأة.
      
      وجدت نفسي في مكان مألوف وغريب في الوقت ذاته. كانت هناك فتاة صغيرة، ترتدي فستانًا أبيض ناصعًا، تجلس وحيدة في حديقة مليئة بالأزهار المضيئة. تلك الفتاة... كانت أنا، لكني لم أكن أنا.
      
      سمعتُ صوت امرأة، صوتها كان يشبه اللحن:
      "عليك أن تتذكري، يا سيرافينا. أنتِ لستِ كغيركِ من البشر. قوتكِ ليست بركة فقط، بل لعنة أيضًا. هذه القوة ستجعل الجميع يسعون لامتلاككِ، ولكن..."
      
      قاطعتها فتاة أخرى، صغيرة الحجم، لكنها ترتدي ثيابًا كأنها كاهنة:
      "إن لم تُصبحِ عروسًا لأحد من العائلات الخمس الكبرى، فإن هذه القوة ستخرج عن السيطرة، وستكونين خطرًا على الإمبراطورية كلها!"
      
      ارتبكتُ في الذكرى، كأن الكلمات كانت تحمل وزناً أكبر من أن أستوعبه. لماذا عليّ أن أتزوج؟ لماذا أنا؟
      
      عدتُ إلى الواقع، أنفاسي متسارعة ويدي ترتجفان. أدركت الآن أن حياتي ليست مجرد صدفة أو قدر عادي.
      
      "القوة المقدسة..." تمتمتُ بصوت منخفض.
      
      لم يكن لدي وقت طويل للتفكير. فجأة، ظهر وميض في الغرفة، وأحاط بي نور ساطع. شعرت بالحرارة تشتعل داخلي، وكأن شيئًا كان يحاول الخروج.
      
      بدأت النوافذ تهتز، والكتب تتطاير من رفوفها. كنتُ عاجزة عن الحركة، لكن داخلي كان يغلي بالطاقة. نظرتُ إلى يدي، فرأيت نورًا أبيض يشع منهما، كما لو أن النجوم نفسها اجتمعت بداخلي.
      
      "سيرافينا!" كان صوت تشارلز يقترب بسرعة، لكنني لم أستطع الرد. كل ما شعرت به هو أنني سأنفجر.
      
      ثم فجأة، ظهر فالين. وقف أمامي، عينيه الفضيتين تتوهجان بشيء من الحدة والدهشة.
      "أنتِ..." قال بصوت منخفض، كأنه اكتشف سرًا عظيمًا.
      
      مد يده نحوي، وكأنه يحاول السيطرة على الطاقة المنبعثة مني. "ركزي، سيرافينا! لا تدعيها تسيطر عليكِ!"
      
      مع كلماته، شعرت بشيء داخلي يهدأ تدريجيًا. الطاقة التي كانت تخرج مني عادت لتستقر في أعماقي
      
      جلستُ على الأرض، أنفاسي متقطعة وعيناي لا تزالان تدمعان من شدة الإرهاق. نظر إليّ تشارلز وفالين بوجوه تحمل مزيجًا من القلق والدهشة.
      
      "ألم تخبرينا أنكِ تملكين هذه القوة؟" سأل تشارلز بصوت غاضب.
      
      "لم أكن أعرف..." تمتمتُ، نظري يحدق في الأرض.
      
      فالين، ، بدا أكثر جدية من أي وقت مضى. "القوة التي تملكينها ليست عادية، سيرافينا. إذا كان المعبد يصفها بالمقدسة، فهناك سبب لذلك. لكنني
      أعتقد أنهم يخشونها أكثر مما يقدسونها."
      
      

      حين يلتقي الحب بالقسوة - الفصل الرابع

      حين يلتقي الحب بالقسوة

      2025, ريم محمد

      فانتازيا

      مجانا

      تستيقظ إيون في مكان غريب بعد فقدان الذاكرة، لتواجه رجلًا غامضًا يدعوها "العروس الجديدة". تتصاعد الأحداث مع محاولتها فهم هويتها ومكانها، بينما يثير هذا الرجل بتصرفاته الساخرة تساؤلات مقلقة. الرواية تمزج بين الغموض والرومانسية المظلمة، وتعد القارئ برحلة مليئة بالمفاجآت والصراعات العاطفية.

      ولي العهد

      شخصية ملكية ذات جاذبية وسحر، يبدو مهتمًا بسيرافينا ويحاول التقرب منها بطريقة رومانسية. يظهر كشخص ودود ومريح، لكن يظل هناك إحساس بأنه جزء من هذه الأحداث المعقدة..

      الكونتيسة أذلين

      معلمة أو وصية على سيرافينا. تبدو أنها تنفذ تعليمات أخرى وتترك سيرافينا في مواقف غير متوقعة.

      إيميليا

      خادمة سيرافينا المخلصة، تظهر كشخصية طيبة القلب وقلقة على سيدتها. تحاول دعم سيرافينا ورفع معنوياتها، وتضيف لمسة من الفكاهة في المواقف الصعبة.
      تم نسخ الرابط
      حين يلتقي الحب بالقسوة

       هذا لا يصدق!
      لم أستطع النوم. أحداث الأمس كانت كالشبح الذي يطاردني، تطوف في ذهني بلا توقف. اجتماعي مع ولي العهد تشارلز إيفرمور، ثم ظهور الماركيز فالين لوكراس دراكونيا بشكل مفاجئ، جعل كل شيء يبدو وكأنه جزء من لعبة غامضة لا أفهمها.
      
      بعد انتهاء اللقاء، غادرت الكونتيسة أذلين فجأة، ولم تترك لي سوى تعليمات مقتضبة:
      
      "سنكمل الدروس غدًا... في قصر الماركيز فالين لوكراس دراكونيا!"
      
      شعرت بصدمة تعصف بي. لماذا في قصره؟ لماذا الآن؟
      تساؤلات كثيرة أرهقت رأسي، وكل محاولة لفهم ما يحدث زادت من شعوري بالعجز.
      
      في مكان آخر، في أحد القصور المهيبة:
      
      وقف الماركيز فالين لوكراس دراكونيا أمام نافذة ضخمة تطل على حدائق قصره المترامية الأطراف. ضوء القمر انعكس على عينيه الفضيتين، ليمنحهما بريقًا غامضًا. بدا مستغرقًا في التفكير، لكن ملامحه لم تكن تخلو من المرح الخفي، وكأنه يلعب دورًا في مسرحية يتقنها جيدًا.
      
      "سيدي،" قال أحد الحراس المخلصين بصوت خافت، مما قطع أفكار فالين.
      "لقد بحثتُ في الأمر. يبدو أن للإمبراطور يدًا في هذا الترتيب."
      
      ارتسمت على شفتي فالين ابتسامة جانبية مريبة، تتناقض تمامًا مع الضحكة الخفيفة التي صدرت منه فجأة.
      "كما توقعت..." قال بهدوء، نبرته تحمل مزيجًا من الرضا والتحدي.
      
      "ما الذي تريده مني الآن؟" سأل الحارس بتردد.
      
      استدار فالين ببطء، عينيه الثاقبتين تخترقان الرجل أمامه، ثم قال بصوت منخفض يحمل نغمة آمرة:
      "راقب الأميرة الجديدة. لا تدع شيئًا يفوتك... خاصة عندما تكون في قصري.
      
      'في مكان آخر !.
      كانت الحديقة الملكية مضاءة بهدوء تحت ضوء القمر الفضي. الزهور المتفتحة تنشر عبيرها، والهواء البارد يلف المكان " كنت أجلس على مقعد حجري بالقرب من النافورة، محاولة استجماع أفكاري، عندما سمعت صوت خطوات خفيفة خلفي.
      
      "لا أعتقد أن الجلوس هنا وحدكِ فكرة جيدة، خاصةً في هذا الوقت من الليل."
      
      عرفت الصوت على الفور. التفتُّ ببطء، ووجدت ولي العهد، تشارلز ألكسندر إيفرمور، يقف هناك. عينيه البنيتان تلمعان بانعكاس ضوء القمر، وشعره الأسود ينسدل بنعومة على جبينه، يمنحه مظهرًا ملكيًا ومألوفًا في آن واحد.
      
      "وهل أنت هنا لتتأكد أنني لن أتعرض لأي مكروه؟" سألته بابتسامة خفيفة، لكن قلبي كان يخفق بقوة.
      
      "ربما، أو ربما أردت فقط أن أستمتع برفقتك بعيدًا عن أعين الجميع." اقترب ببطء، ومد يده نحوي. "هل تسمحين لي برقصة؟"
      
      "رقصة؟ هنا؟" قلت بدهشة، نظري يتنقل بين يده الممدودة والأرض المغطاة بالعشب.
      
      "هل تخافين أن تُجرحي من العشب؟" سأل بابتسامة ساخرة، ثم أردف بصوت أكثر دفئًا، "سيرافينا، في هذه اللحظة، لا أحد يرانا، لا توجد قواعد. فقط أنا وأنت."
      
      ترددت للحظة، ثم وضعت يدي بيده. كانت دافئة، ثابتة. قادني بخطوات هادئة إلى وسط الحديقة، تحت شجرة الكرز المزهرة.
      
      بدأ يحرك يدي بلطف، وكأننا نرقص على موسيقى خفية لا يسمعها سوى نحن. الهواء البارد أحاط بنا، لكن قربه مني جعلني أنسى كل شيء آخر.
      
      "أتعلمين، هناك شيء يثير فضولي بشأنكِ، سيرافينا." قال وهو ينظر إلى عينيّ.
      
      "وما هو؟" سألته بصوت يكاد يخرج همسًا.
      
      "كيف يمكن لشخص أن يبدو قوياً وهشاً في آنٍ واحد؟" 
      قال بابتسامة، بينما حركني بحركة دوران صغيرة جعلت ثوبي يتطاير حولي كزهرة متفتحة.
      
      شعرت أنني لا أستطيع الرد. الكلمات علقت في حلقي، لكن قلبي كان يتحدث بدلاً مني.
      
      "أنتِ غامضة، مثل كتاب أريد قراءته مرارًا وتكرارًا، ولا أكتفي." أضاف بصوت منخفض، يكاد يكون اعترافًا.
      
      "وربما لن تجد كل الإجابات التي تبحث عنها." قلت، محاولًة أن أبدو واثقة، رغم أنني شعرت بأنني قد أفقد توازني، ليس بسبب الرقصة، بل بسبب نظراته التي تحمل أكثر مما يُقال.
      
      توقف فجأة، نظر إليّ بعمق، ثم همس: "قد لا أحتاج إلى إجابات، إذا كان وجودكِ يكفي."
      
      في تلك اللحظة، شعرت وكأننا وحدنا في العالم. لكن إحساسًا خفيًا جعلني ألتفت بسرعة نحو الجهه الاخرئ". كان هناك شخص يراقبنا.
      
      شعرت بنظراته دون أن أتمكن من رؤية وجهه. كيان غامض وقف بين الأشجار، يختبئ خلف الظلام، وكأنه شبح يُراقب بصمت. نظرت إلى تشارلز، لكن ملامحه بقيت هادئة، وكأنه لم يلاحظ شيئًا.
      
      "هل شعرتِ بشيء؟" سألني بنبرة قلقة، لكنه لم يترك يدي.
      
      "لا... ربما خيال فقط." قلت بصوت متردد، محاولًة أن أبدو طبيعية. لكن داخلي كان يعج بالتساؤلات.
      
      ٱه أعتقد اني تاخرت ستقلق أميليا الان !...
      "لم أستطع ألأنجرار أكثر بينما لا زلت خايفه من نفسي ومن حقيقتي ...! 
      أبعدت يدي منه بسرعه بينما ابتعدت عنه قدر ألأمكان ....!؟
      
      كانت خطواتي ثقيلة وأنا أسير مبتعدة عن الحديقة. تركت خلفي شجرة الكرز التي شهدت لحظة لم أكن أتصور أن أعيشها يومًا. ضوء القمر كان يرافقني، لكنني شعرت وكأن ظلاً آخر يتبعني.
      
      كنت أحاول تهدئة نبضات قلبي بعد تلك الرقصة مع تشارلز. كلماته، دفء يديه، نظراته... كل شيء كان أشبه بعاصفة اجتاحت كياني وتركتني مشوشة.
      
      عندما اقتربت من بوابة الحديقة المؤدية إلى الممر الطويل، توقفت للحظة، وألقيت نظرة أخيرة إلى الوراء. كان يقف هناك، في المكان الذي تركته، ينظر إليّ بصمت. لم أستطع قراءة تعابيره، لكنها حملت شيئًا جعلني أشعر أن هذا ليس وداعًا عاديًا.
      
      بابتسامة خفيفة، أومأت برأسي، ثم استدرت وتابعت طريقي.
      
      عند وصولي إلى الممر المظلم المؤدي إلى القصر، كان كل شيء صامتًا. حتى صوت الرياح اختفى، وكأن الطبيعة نفسها تنتظر.
      
      لكن إحساسًا غريبًا كان يراودني، إحساس بأنني لست وحدي. التفتت سريعًا، ولم أرَ سوى ظلال الأشجار تتراقص تحت ضوء القمر.
      
      "مجرد أوهام..." همست لنفسي، محاولًة طمأنة قلبي المتسارع.
      
      عندما اقتربت من باب القصر الخلفي، فتح الباب فجأة. وقفت إيميليا هناك، عيناها مليئتان بالقلق.
      
      "سيدتي! كنت أبحث عنكِ في كل مكان. لماذا خرجتِ وحدكِ؟"
      
      "كنت بحاجة إلى بعض الهواء النقي." قلت بصوت هادئ، لكنني شعرت أن نبرتي لم تكن مقنعة.
      
      نظرت إليّ مطولًا، ثم قالت بنبرة حذرة: "حسنًا... سيدتي، أرجوكِ لا تفعلي هذا مجددًا. الليل ليس وقتًا آمنًا للتجول."
      
      هززت رأسي موافقة، لكن قلبي كان مثقلًا بالتساؤلات. شعرت وكأنني خرجت من حلم غريب، حلم ترك في داخلي أثرًا لا أستطيع تفسيره.
      
      بينما أغلقت إيميليا الباب خلفي، شعرت بعيون أخرى تراقبني من نفس ألمكان لم ألتفت، لكن الإحساس ظل يرافقني حتى دخلت غرفتي وأغلقت بابها.
      
      
      "أليوم ألاخر "
      
      "في قصر الماركيز ...!"
      
      في غرفة سيرافينا:
      
      جلست على سريري المرتب بدقة، أراقب انعكاسي في المرآة. رغم أنني كنت هنا منذ فترة قصيرة فقط، شعرت وكأنني عالقة بين عالمين. لماذا أرسلوني إلى قصر الماركيز؟ ولماذا شعرت وكأن كل من حولي يلعبون لعبة لا أفقه قواعدها؟
      
      أمسكت فستاني الطويل، وشددت عليه بتوتر.
      "هل أصبحت مجرد قطعة شطرنج في لعبة لا أفهمها؟" تمتمت بصوت منخفض.
      
      رغم كل الأسئلة التي تحاصرني، كان هناك شيء واحد أعرفه يقينًا:
      هذه ليست مجرد صدفة.
      
      
      قبيل المغادره إلا القصر ...."
      السماء رمادية تتساقط منها قطرات مطر خفيفة، تداعب نوافذ العربة المتأرجحة التي تحملني بعيدًا عن كل ما أعرفه. أنا سيرافينا، أو هكذا يدعونني، لكن حتى الآن، لم أفهم ما الذي يجعلني مهمة جدًا في هذا العالم الغريب الذي زُجّ بي إليه. كل يوم يمر، أشعر وكأنني مجرد لعبة تُحركها خيوط خفية، تدريب لا ينتهي، أسئلة بلا إجابات، وكأن الجنون يقترب مني بخطى ثابتة.
      
      "سيدتي؟"
      صوت إيميليا الناعم، خادمتي المخلصة، أيقظني من دوامة أفكاري. نظرت إليها، وشعرت بالذنب لأنها لاحظت شرودي مرة أخرى.
      
      "سيدتي، هل العربة غير مريحة؟ لقد أُرسلت خصيصًا من قِبل منزل الماركيز دراكونيا."
      
      نظرت إلى داخل العربة المزخرفة بنقوش ذهبية، لكنها بدت كقيد أكثر مما هي وسيلة للنقل. شعرت بالانزعاج من كل شيء، حتى من النعومة المخملية التي تكسو مقاعدها.
      
      "لا يهمني أمر العربة." قلت بصوت خافت، لكنني كنت أعلم أن كلماتي لا تعكس ما أشعر به حقًا.
      الألم الجسدي الذي سببه التأرجح لم يكن شيئًا مقارنة بالثقل الذي يجثم على روحي.
      
      ما يقلقني حقًا هو أنني لا أملك القوة لقول "لا".
      هذا الشعور بالعجز، وكأنني ورقة تسير مع الريح، تُقاد إلى حيث لا أريد الذهاب، هو ما يجعل صدري يضيق أكثر فأكثر.
      
      أخفضت إيميليا رأسها باحترام، لكنها لم تُخفِ قلقها. "سيدتي، مهما كان يثقل كاهلك، اعلمي أنني هنا لأقف بجانبك. حتى لو لم تجدي القوة الآن، فإنكِ تملكين شيئًا لا يملكه الآخرون... قلبًا لم يُلوثه الجشع."
      
      كلماتها، رغم بساطتها، لامست شيئًا عميقًا في داخلي. لكنني تساءلت: هل يمكن للقلب وحده أن يكفي في عالم يُقاد بالقوة والحيلة؟
      
      العربة استمرت بالسير وسط الغابة التي تُغطيها طبقة خفيفة من الضباب، وكأنها تأخذني إلى مصيري الذي لا أملك سوى مواجهته. هل سأجد الإجابة عن من أكون؟ أم أنني سأظل تائهة بين قوى تحيط بي من كل جانب، تبحث عن "سيرافينا" التي لا أعرفها؟
      
      بينما كنت غارقة في أفكاري، شعرت بحركة غير طبيعية في العربة، ثم فجأة انزلقت إحدى الوسائد الحريرية من مقعدي واصطدمت بالأرض.
      
      "سيدتي! انتبهي!" صاحت إيميليا وهي تحاول أن تثبت الوسادة مجددًا، لكن حركاتها المتسرعة جعلتها تفقد توازنها وتجلس على الوسادة بدلاً من أن تعيدها إلى مكانها.
      
      "إيميليا، ما الذي تفعلينه؟" قلت بينما أضع يدي على فمي في محاولة يائسة لكتم ضحكتي.
      
      "أنا؟ لا شيء!" قالت بسرعة، لكنها كانت تحاول الوقوف بشكل محرج، مما جعلها تتعثر مرة أخرى.
      
      "أوه، يبدو أن الوسادة قررت أن تكون أكثر راحة مني!" قالت وهي تعبس بطريقة طفولية.
      
      لم أستطع منع نفسي هذه المرة، انفجرت بالضحك. ضحكت بعمق لدرجة أنني شعرت ببعض الدموع تتجمع في عيني.
      
      "أخيرًا!" قالت إيميليا بابتسامة واسعة وهي تمسح الغبار عن تنورتها. "كنت أعلم أن هناك طريقة لإضحاكك، حتى لو تطلب الأمر التضحية بكرامتي أمامك!"
      
      ضحكت مرة أخرى، هذه المرة كان الضحك خفيفًا لكنه دافئ. لأول مرة منذ أسابيع، شعرت بشيء يشبه الراحة وسط كل هذا العبث !
      
      داخل العربة، بينما كنت أحدق من النافذة إلى الضباب الذي يغلف الطريق، قررت إيميليا كسر الصمت المطبق.
      
      "سيدتي، هل سمعتِ عن الكاهن الأعلى ريالوا؟"
      
      رفعت حاجبي قليلًا وقلت ببرود، "هل يفعل أحد شيئًا غير الحديث عنه؟"
      
      ابتسمت إيميليا ابتسامة خفيفة، لكنها كانت مليئة بالمكر. "سمعت أنه يستطيع رؤية المستقبل. يقولون إنه يعرف مصير كل شخص قبل أن يُولد."
      
      "وهل أخبرك بمصيركِ؟" قلت بسخرية، محاولة إخفاء نفاد صبري من كثرة ذكره.
      
      "ليس بعد، لكنه يمكنه أن يفعل ذلك إذا أردتِ. كل ما علينا فعله هو تقديم قربان صغير..." قالت وهي تخفض صوتها لتبدو أكثر إثارة.
      
      "قربان صغير؟ ماذا تعنين؟"
      
      "لا شيء كبير، ربما مجرد دجاجة أو..." توقفت لتبتسم بخبث، "علبة من الحلوى التي تخبئينها في درجكِ!"
      
      أطلقت ضحكة مفاجئة رغمًا عني. "إيميليا، أنتِ تعرفين أن تلك الحلوى ليست قربانًا. إنها كنز!"
      
      "كنز؟" قالت بمرح، ثم عادت للجلوس مستقيمة وهي تحاول أن تبدو جادة. "لكن بصراحة، سيدتي، ألا تعتقدين أن الكاهن ريالوا... مخيف قليلاً؟"
      
      صمتُّ لوهلة، وقلت بنبرة أكثر جدية، "أكثر من مخيف. إنه يتحكم بكل شيء في حياتي، وكأنني مجرد قطعة شطرنج على لوح كبير."
      
      "أوه، بالتأكيد، لكنه ربما يتحكم حتى في متى سنشرب الشاي!" قالت بصوت مضحك وهي تشير بيدها كأنها تؤدي طقوسًا.
      
      ضحكت مرة أخرى، لكن خلف الضحك كان هناك شعور بالضيق. ريالوا لم يكن مجرد رجل عادي. كان أقرب إلى ظل يطاردني أينما ذهبت، وكل ما أفعله 
      ""كان بمباركته أو بأمره.""
      
      "ومع ذالك انا لا أكرهه بالعكس هناك شئ فيه يجدبني أليه !."
      
      كان المعبد الذهبي شامخًا وسط جبال هائلة، يعكس ضوء الشمس على جدرانه المكسوة بأوراق الذهب وكأنه وميض من عالم آخر. في الداخل، كان الجو مهيبًا، والهواء مشبعًا برائحة البخور الذي يملأ الأروقة الواسعة. أصوات الترانيم القديمة ترددت بصدى عميق، وكأن الجدران نفسها تشارك في الدعاء.
      
      وسط كل هذا العظمة، كان الكاهن الأعلى ريالوا جالسًا على عرشه المزخرف بالذهب والأحجار الكريمة، محاطًا بالمخطوطات القديمة والشموع المشتعلة. وجهه كان هادئًا، لكن عينيه الداكنتين حملتا ثقلًا من الأسرار والمعرفة التي لا يجرؤ أحد على سؤاله عنها.
      
      بينما كان يمسك بمخطوطة قديمة، مزينة بحروف محفورة بعناية، دخل مساعده الشخصي بانحناءة سريعة.
      
      "مولاي ريالوا، وصلت التقارير من الحدود الغربية."
      
      لم يرفع ريالوا نظره، بل استمر في قراءة النصوص بهدوء. كان هدوؤه مخيفًا لمن لا يعرفه، ولكنه في الوقت ذاته مهيب لمن اعتاد على وجوده.
      
      "ضعها هناك." أشار بيده دون أن ينطق بكلمة أخرى.
      
      وضع المساعد الرقعة بجانب المخطوطات، ثم قال بتردد: "مولاي، بشأن الفتاة..."
      
      توقفت يد ريالوا عن الحركة، وأخيرًا رفع نظره. كان صوته عميقًا ومليئًا بالثقة: "سيرافينا ليست مجرد فتاة. إنها المفتاح، وهي أيضًا اللغز. ما زال الوقت مبكرًا لتحديد أي مصير ستختار."
      
      تراجع المساعد خطوة إلى الخلف، متجنبًا نظراته القوية.
      
      "استمروا في مراقبتها. لا أريد أي خطأ." قال ريالوا وهو يغلق المخطوطة ويضعها جانبًا. "المسألة ليست فقط في اختيارها، بل في كيفية تعامل العالم معها."
      
      ثم نهض من مكانه، ووقف أمام النافذة الكبيرة المطلة على الجبال. المشهد كان ساحرًا، لكنه كان يراه بعين مختلفة.
      
      "الظلال تتحرك أسرع مما توقعت. لن أسمح للعالم بأن ينحني أمام الفوضى مجددًا. ليس بعد كل هذا الوقت."
      
      صمت للحظة، ثم أضاف بهدوء أشد خطورة: "تأكد أن الجميع يعلم أن من يخالفني... لن يجد مكانًا تحت نور المعبد الذهبي."
      
      غادر المساعد بسرعة، تاركًا الكاهن الأعلى وحيدًا في عزلته المعتادة. لكن في عيني ريالوا، كان هناك يقين. يقين بأن اللعبة بدأت، وأنه اللاعب الوحيد الذي يعرف قواعدها بالكامل
      
      ✓^^""""""""نهاية الفصل """"""""^^✓
      
      

      حين يلتقي الحب بالقسوة - الفصل الثالث

      حين يلتقي الحب بالقسوة 2

      2025, ريم محمد

      فانتازيا رومانسية

      مجانا

      تستعد سيرافينا لحياة النبلاء تحت إشراف المربية أميليا الصارمة. بين ضيق المشد وفخامة الفستان، تتفاجأ سيرافينا بوصول الكونتيسة أدلين، التي تبدأ دروسها القاسية بتأكيد على قوة العروس المستقبلية. في حديقة مزهرة، يتصاعد التوتر بوصول ولي العهد تشارلز، ثم يتبعه ظهور فالين دراكونيا الغامض، الذي يلقي بظلال من الشك والتحذير على مستقبل سيرافينا.

      سيرافينا

      نراها تنتقل فجأة إلى عالم النبلاء والفخامة، وهي تشعر بالدهشة والارتباك إزاء هذه الحياة الجديدة. تبدو فتاة ذات روح مرحة (كما يظهر في ردودها على ولي العهد) ولكنها تجد صعوبة في التكيف مع البروتوكولات والقيود المفروضة عليها كعروس مستقبلية.

      المربية أميليا

      شخصية ذات حضور ساحر وقوة واضحة. يرتدي ملابس كهنوتية فاخرة ويتمتع بنظرة ثاقبة تجعل سيرافينا تشعر بأنه يعرف عنها الكثير. يبدو مسؤولًا عن سيرافينا ويشرح لها وضعها الجديد في الإمبراطورية. يتمتع بحستبدو ملتزمة بواجبها في الاعتناء بسيرافينا وتجهيزها. على الرغم من صرامتها الظاهرة، إلا أنها تظهر لمحات من اللطف والتشجيع.

      الكونتيسة أدلين

      تولى مهمة تعليم سيرافينا آداب النبلاء وما يلزم لتكون عروسًا لائقة. تبدو جادة وحازمة، وتؤمن بأن القوة هي الأساس في هذا العالم. تحمل على عاتقها مسؤولية كبيرة تجاه عائلة إيفيرمور والإمبراطورية.
      تم نسخ الرابط
      حين يلتقي الحب بالقسوة

      	في أحد الغرف المضيئة بأشعة الشمس الفاتنة التي تتسلل عبر الستائر الحريرية، كانت المربية أميليا تعتني بي بحرص بالغ.
      منذ أن دخلت هذه الغرفة، وأنا مذهولة من كل شيء حولي. هل هذه هي حياة النبلاء حقًا؟
      أنا التي نشأت في عالم بعيد تمامًا عن هذه الفخامة والترف، لا أستطيع إلا أن أتمتم:
      "يا إلهي، هذا الحمام الدافئ... والروائح العطرة التي تملأ الجو."
      
      لكن بينما أستمتع بتلك اللحظات النادرة، كانت أميليا تعتني بشعري، تعطيه الاهتمام واللمسات الدقيقة.
      "لا تتحركي الآن، سيرافينا. أريد أن أجهزكِ كما ينبغي للعروس المستقبلية."
      
      كانت مشددة للغاية، مع ذلك لا أستطيع أن أنكر أنها كانت محترفة في عملها. ومع كل لمسة كانت تدور في عقلي أفكار جديدة.
      لكن هذا المشد... يخنقني! وهذا الفستان؟! كل طبقة فيه تجعلني أبدو مثل بالون عملاق!
      
      "أميليا، أعتقد أنني قد أختنق إذا استمريتي في شد هذا الفستان أكثر!"
      صرخت، لكن أميليا لم تبدُ متأثرة كثيرًا.
      "هذا من أجل جمالكِ يا آنستي، لا تقلقي. ستعتادين على ذلك."
      
      أغمضت عيني قليلاً، وأنا أحاول التعود على هذه المعاملة الجديدة.
      لكن في تلك اللحظة، قرعت الخادمة الباب وقالت:
      "الكونتيسة أدلين وصلت."
      
      الكونتيسة أدلين!
      قلبي قفز من مكانه. هل سيكون لقاؤنا بهذا الشكل؟
      
      دخلت الكونتيسة أدلين بخطى ثابتة، وكانت ملامحها لا تخلو من الصرامة.
      لقد كانت امرأة طويلة القامة، ملامح وجهها حادة ولكنها تملك جمالًا طبيعيًا لا يمكن تجاهله. كان شعرها الأشقر مرسلاً بشكل أنيق على ظهرها، وترتدي فستانًا فاخرًا مصنوعًا من الأقمشة اللامعة التي لا يمكن لأي شخص آخر تحمله.
      
      "حسنًا، سيرافينا، حان الوقت لبدء دروسك. أعلم أنكِ غير مستعدة تمامًا لهذا، لكن لا وقت للتأجيل."
      
      كان صوتها حادًا مثل سكين يقطع الصمت في الغرفة.
      كنت أتمالك نفسي بشدة كي لا أبتسم بسبب أسلوبها القاسي الذي يشبه أسلوب المعلمات القدامى في المدارس الصارمة.
      
      لكن ثم قالت:
      "لا تظني أنني هنا لكي أكون لطيفة معك. لا شيء يُبنى بالرفق، أيتها العروس المستقبلية. العروس يجب أن تكون أكثر من مجرد وجه جميل، يجب أن تكون قوية، قادرة على حكم هذا القصر."
      
      لم أستطع أن أتمالك نفسي، فقلت بصوت منخفض، رغم أنني كنت أخشى التوبيخ:
      "هل هذا هو الدرس الأول؟ أن أكون قوية؟"
      
      أدارت الكونتيسة أدلين رأسها إليّ وقالت:
      "نعم، أيتها الفتاة. من لا يملك القوة في هذا العالم، لا مكان له."
      
      ثم، بينما كنت أحاول استيعاب كلماتها القاسية، جاء الحديث عن عائلة إيفيرمور، الإمبراطوريه ~ والتي كانت تأخذ مكانة عالية جدًا في الإمبراطورية.
      
      "عائلة إيفيرمور... في الواقع، هي العائلة التي تقف وراء قوتنا. ولكنهم لا يثقون بي، ولا أستطيع أن ألومهم." قالت الكونتيسة أدلين بنبرة هادئة، رغم تعبيرات وجهها القاسية. "هم لا يحبون التدخلات في شؤونهم، لكن على أي حال، نحن هنا... وسنكون معهم، طالما أنهم يثقون بنا."
      
      كنت أراقبها باهتمام، وأدركت أنها كانت تحمل عبئًا ثقيلًا أكثر مما يبدو.
      "هل هناك شيئًا يجب أن نفعله حيالهم؟" سألتها بصوت منخفض، وأنا أشعر بشيء من القلق يتسرب إلى قلبي.
      
      "لا تقولي ذلك. لا نملك خيارًا." أجابت الكونتيسة أدلين، ثم وقفت فجأة وقالت:
      "حان الوقت لبدء درسك الأول. ستتعلمين، لا محالة. لكن عليكِ أن تتحملي المشقة."
      
      بينما كانت تخرج، شعرت وكأن ثقل العالم قد وقع على كتفي. هل أنا مستعدة لهذا؟
      
      لكن في تلك اللحظة، أميليا جاءت نحوي وقالت بابتسامة صغيرة:
      "لا تقلقي، سيتحسن كل شيء. وأنتِ لا تبدين كالبالون، بل كأميرة."
      
      أميرة؟
      ببساطة، لا أستطيع أن أصدق هذا "
      
      في الحديقة المزهرة التي تبدو كلوحة فنية مرسومة بعناية، امتزجت ألوان الزهور مع أشعة الشمس التي انعكست على الأواني الذهبية الموضوعة أمامنا. على الطاولة، استقرت أطباق الحلوى الفاخرة وكأنها دعوة للمسّرفين في ملذات الدنيا.
      
      رغم جمال المشهد، شعرت بوخزة في داخلي. نظرات الكونتيسة أذلين كانت حادة وثابتة عليّ، وكأنها تقرأ أفكاري وتحكم على كل حركة أقوم بها.
      
      "عليكِ تمالك نفسكِ،" قالت بصوت هادئ لكنه مملوء بالسيطرة. "اجلسي باعتدال، درسنا اليوم عن آداب المائدة."
      
      كان صوتها يحمل نبرة حازمة، وكأنه يحذرني من أن أي خطأ قد يُحسب ضدي. حاولت تعديل جلستي، وأخذت نفسًا عميقًا، لكن كل ما فكرت به هو الحلوى التي أمامي، وأنا أكاد أنسى نفسي وسط هذا الإغراء.
      
      "اخترت أن يكون الدرس في الهواء الطلق، لأن البيئة تؤثر على سلوك الإنسان. المكان يعلّمنا أكثر مما نتوقع."
      
      أومأت برأسي بتردد، محاولًة فهم كلماتها. رغم أنها على حق، كنت لا أزال عالقة في ذكرياتي. حياتي السابقة كانت مختلفة تمامًا. كنتُ أعيش بنظام صارم، أمتنع عن الحلويات، وأتابع حمية قاسية فقط لأجذب اهتمام من أحب. أما الآن؟ لا أجد نفسي بحاجة لأي من ذلك.
      
      "تذكري، اجلسي مستقيمة دائمًا أثناء تناول الطعام، ولا تدعي ظهرك ينحني."
      
      صوتها أعادني من شرودي، فحاولت بكل جهد اتباع تعليماتها.
      
      "عليكِ تناول الطعام دون إصدار أي صوت. والأهم، لا تملي فمك بالطعام. تناولي كل شيء باعتدال."
      
      بينما كنت أحاول التركيز على تعليماتها، شعرت بوجود شخص يراقبنا. التفتُ بخفة لأجد ظلًا يقترب بخطوات ثابتة وواثقة. الكونتيسة وقفت بسرعة لتحيي القادم بانحناءة خفيفة.
      
      "تحياتي لشمس الإمبراطورية، ولي العهد، تشارلز ألكساندر إيفرمور."
      
      توقف الزمن بالنسبة لي. إنه هو! الرجل ذو العينين البنيتين العميقتين، الذي رأيته قبل أيام قليلة في ذلك الحلم الغريب حين استيقظت في هذا الجسد.
      
      نظراته كانت ثابتة، تحمل جاذبية باردة وهيبة لا تُقاوم. ملامحه الحادة أضفت عليه وقارًا لا يخطئه أحد، وملابسه الملكية أكملت تلك الصورة المثالية.
      
      ردّ على تحية الكونتيسة بإشارة خفيفة من يده، وكأن صوته كان رفاهية لن يمنحها لأي شخص.
      
      لكن الكونتيسة، التي عادة ما تكون صارمة معي، بدت منزعجة من وجودي، ورمقتني بنظرة تعني الكثير.
      
      شعرت بالارتباك، فنهضت بسرعة وانحنيت قليلاً، محاولًة التحدث بصوت ثابت:
      "ت... تحياتي لشمس الإمبراطورية."
      
      توقف للحظة، ثم قال بصوت بارد لكنه يحمل نوعًا من الدفء المخفي:
      "يكفي تحيات. اجلسي يا آنسة سيرا."
      
      سيرا؟ اختصر اسمي بهذه الطريقة؟ شعرت بالدهشة من أسلوبه المباشر والودي المفاجئ، لكن ابتسامته، وإن كانت بالكاد مرئية، جعلتني أبتلع أي أسئلة تدور في ذهني وأجلس بهدوء.
      
      بينما كنت أحاول الجلوس مستقيمة وفق تعليمات الكونتيسة، كانت أفكاري مشوشة بالكامل. نظرات ولي العهد الثاقبة جعلتني أشعر وكأنني طفلة ارتكبت خطأ جسيمًا. حاولت التركيز على الحلوى أمامي لأُهدّئ أعصابي.
      
      "الآنسة سيرا،" قال بصوت هادئ، لكن سلطته جعلتني أنتفض.
      رفعت رأسي إليه بسرعة، لدرجة أنني اصطدمت بالكأس أمامي، فانسكب الشاي على المفرش الحريري.
      
      "آه! آسفة! لم أقصد...!"
      
      حاولت بسرعة تنظيف الفوضى بمنديل صغير، لكن يدي المرتبكة زادت الأمر سوءًا، فتطايرت قطعة صغيرة من الحلوى مباشرة نحو وجه ولي العهد.
      
      توقف الزمن مرة أخرى. الكونتيسة نظرت إليّ بصدمة، وكأنها تخطط لإرسالي إلى المنفى، بينما ولي العهد ظل صامتًا، يُحدّق بالحلوى الصغيرة التي استقرت على ياقة معطفه الملكي.
      
      "همم..." قال بهدوء وهو يرفع قطعة الحلوى بيده. "لا بأس، أعتقد أنها أفضل من النشيد الملكي كتحية."
      
      كانت نبرة صوته ساخرة قليلاً، وكأنّه يختبر قدرتي على الرد. شعرت بالحرج، لكن لم أستطع كبح نفسي:
      "على الأقل... ستكون تحية شهية!"
      
      تجمدت الكونتيسة، لكنها كتمت ضحكة صغيرة، بينما ولي العهد رفع حاجبه، ثم أطلق ضحكة خفيفة غير متوقعة.
      "لديكِ أسلوب مميز، يا آنسة سيرا. لكن، أرجوكِ، لا تحاولي إطعامي بالحلوى مرة أخرى."
      
      احمر وجهي بشدة، لكنني شعرت أن هذا الموقف كسر الجليد بيننا.
      
      بينما كنت أحاول جاهدًة تقليد تعليمات الكونتيسة أذلين في تناول الطعام بهدوء وأنا تحت رحمة نظرات ولي العهد الثاقبة، حدث ما لم يكن في الحسبان. صوت خطوات وئيدة قطع صمت الحديقة الهادئة.
      
      رفعت رأسي بتردد، ورأيت شابًا يقترب منا بخطوات بطيئة وواثقة. كان طوله شاهقًا، وملابسه تُظهر أناقة راقية لا تخطئها العين. عينيه الفضيتين كانتا تتلألآن في ضوء الشمس، وشعره الأسود الطويل مربوط بعناية خلف رأسه. كان مشهدًا آسرًا لدرجة أنني لم أستطع أن أشيح بنظري عنه.
      
      "فالين لوكراس دراكونيا، وريث الماركيزية،" قال بصوت عميق وهو ينحني قليلاً أمام الكونتيسة، ثم ينقل نظراته إليّ مباشرة. "وأخيرًا، ألتقي بالآنسة التي يتحدث الجميع عنها."
      
      
      تصلّبت في مكاني، غير قادرة على الرد. نظراته كانت مثيرة للقلق، لكنها تحمل نوعًا من الدفء الغامض الذي يجعل الشخص يرغب في معرفة المزيد.
      
      قبل أن أستطيع النطق بأي كلمة، ارتفعت نبرة صوت الكونتيسة وهي تحاول كسر التوتر:
      "ماركيز دراكونيا، لم نتوقع زيارتك في هذا التوقيت."
      
      ابتسم ابتسامة جانبية، ثم قال بنبرة واثقة: "لا يمكنني تفويت فرصة لقاء السيرافينا. يبدو أنها تُحدث ضجة كبيرة في الإمبراطورية."
      
      كانت كلماتُه كافية لإشعال توتر غير مرئي في المكان. ولي العهد تشارلز، الذي ظل صامتًا طوال الوقت، رفع نظره إليه بهدوء، لكن عينيه كانتا تعكسان شيئًا أشبه بتحذير:
      
      "فالين، الحديقة ليست المكان المناسب لعروضك المسرحية."
      
      التفت فالين نحوه، وابتسم ابتسامة خفيفة، وكأنه يتحداه: "عروض مسرحية؟ لا أعتقد أن الثناء على الجمال يعد مسرحية، أليس كذلك، يا ولي العهد؟"
      
      "إذاً... عليكَ أن تعرف مكانك."
      
      لم أستطع منع نفسي من الشعور بأنني وقعت في منتصف معركة صامتة بين اثنين من الرجال الأقوياء. كلٌ منهما يملك هيبة لا تضاهى، لكن بطريقتين مختلفتين تمامًا.
      
      اقترب فالين خطوة أخرى نحوي، ثم قال بصوت منخفض يكاد يُسمع: "لكنني أعتقد أنني سأبقى لبعض الوقت، فهناك الكثير لأكتشفه هنا."
      
      كان الجو في الحديقة مشحونًا بنوع من الهدوء الثقيل، وكأن الرياح توقفت عن التحرك لتراقب المشهد. بينما كانت الكونتيسة تصحح جلستي وتعطيني تعليمات صارمة، تقدم فالين خطوة أخرى نحو الطاولة. حركته كانت هادئة، لكن كل خطوة منه بدت وكأنها تُلقي بظل ثقيل على المكان.
      
      "سيرافينا،" قال اسمي بنغمة عذبة لكنها تحمل شيئًا غريبًا، وكأنها تُختبر كل حرف فيه. "هل اعتدتِ على هذه الحياة الجديدة؟"
      
      ترددتُ للحظة. السؤال بدا بسيطًا، لكنه غريب في توقيته. لم أستطع فهم إن كان اهتمامًا حقيقيًا أم محاولة لاستفزازي. حاولتُ الرد بثقة، رغم أن يدي المرتجفة على المنديل كشفت عكس ذلك.
      
      "أنا... أحاول أن أعتاد."
      
      نظر إليّ نظرة طويلة، ثم ابتسم، ابتسامة لم تصل إلى عينيه تمامًا. "هذا جيد. التأقلم مهارة قيمة، خاصة عندما تجدين نفسكِ فجأة في قلب لعبة أكبر منك."
      
      كانت كلماته تبدو عادية، لكنها حملت معنى أعمق لم أستطع فك شيفرته.
      
      "لعبة؟" تمتمتُ لنفسي بصوت بالكاد يُسمع، لكن ولي العهد تشارلز كان أسرع في الرد.
      
      "فالين،" قال بصوت بارد، نبرته تحمل تحذيرًا غير مباشر، "ألا ترى أن مثل هذه المواضيع غير مناسبة هنا؟"
      
      "على العكس تمامًا،" قال فالين بابتسامة جانبية، وهو ينقل نظره بيني وبين تشارلز. "أعتقد أن معرفة قواعد اللعبة أهم بكثير من تناول الحلوى. أليس كذلك، آنسة سيرافينا؟"
      
      شعرتُ كأنني محاصرة بينهما. نظرات تشارلز الحادة كانت تُشعرني بالذنب، وكأنه يطلب مني عدم الانجراف مع كلمات فالين. أما الأخير، فابتسامته الهادئة كانت مليئة بالغموض، وكأنه يختبرني.
      
      "أ... أعتقد أنني بحاجة إلى المزيد من الوقت لفهم كل شيء." حاولت أن أبدو واثقة، لكن صوتي كان يحمل ترددًا واضحًا.
      
      فالين أمال رأسه قليلاً، وكأنه يقيّم ردي. "الوقت، نعم. 
      لكنه ليس دائمًا في صالحنا."
      
      شعرتُ بالضيق من كلماتهم، ورغبتُ في كسر هذا التوتر بأي طريقة. ابتسمتُ بتوتر وقلت:
      "أظن أن الحلوى هي أفضل وسيلة لفهم قواعد المائدة على الأقل!"
      
      كان ذلك خطأ.
      
      فالين ضحك بخفة، لكن ضحكته حملت سخرية خفيفة، بينما تشارلز تنهد بصوت منخفض، وكأنه يفقد صبره معي. الكونتيسة، من ناحيتها، رفعت حاجبها بإحباط واضح.
      
      "على الأقل لديكِ حس الفكاهة،" قال فالين وهو يُمد يده لقطعة حلوى صغيرة، لكنه توقف قبل أن يأخذها. "لكن لا تجعلي نفسكِ مجرد قطعة على طاولة اللعب."
      
      نظرته الأخيرة لي جعلتني أشعر بقشعريرة خفيفة. كان في كلماته تحذير، لكنني لم أستطع تحديد السبب أو المغزى.
      
      بينما كان يلتفت ليغادر، قال بصوت منخفض بالكاد يسمعه أحد: "سيكون من المؤسف أن تضيع مثل هذه الجوهرة في يد غير أمينة."
      
      تجمدتُ في مكاني. هل كان يقصدني؟ أم أن كلماته تحمل معنى أعمق لا أفهمه؟
      
      .......نهاية الفصل
      
      
      رسائل أقدم الصفحة الرئيسية

      Pages

      authorX

      مؤلفون تلقائي

      نظام شراء