موصى به لك

الأقسام

الأفضل شهرياً

    رواية يعشقون الكراهية - الفصل الثاني

    غريبة في إنجلترا

    2025, أدهم محمد

    اجتماعية

    مجانا

    في الهند، تُجبر ناليني على الزواج رغمًا عنها بعد وفاة والديها. تهرب وتتمنى تغيير مصيرها عند بئر أماني، لتجد نفسها فجأة في إنجلترا غريبة. تُتهم بأنها عبدة وتطارَد، وتجد نفسها في عالم لم تره من قبل، مليء بالخطر والغموض، بينما تحاول فهم ما حدث والنجاة، لكنها تجد نفسها محاصرة بواقع مرير وقرارات مصيرية.

    ناليني

    فتاة هندية تجد نفسها فجأة في إنجلترا بطريقة غامضة بعد تمني أمنية. تواجه صعوبات وتحديات في عالم غريب عنها وتحاول فهم ما حدث لها.

    جد ناليني

    شخصية سلطوية قام بترتيب زواج ناليني دون موافقتها بعد وفاة والديها. يمثل التقاليد والقسوة.

    عمة مانجو

    عمة ناليني التي تلجأ إليها للحصول على نصائح تتعلق بالجمال. تبدو شخصية داعمة ولطيفة.

    إيشا

    صديقة مقربة لناليني، قدمت لها خاتمًا ذا قيمة عاطفية كبيرة. تمثل الصداقة والدعم.
    تم نسخ الرابط
    رواية يعشقون الكراهية

    رواية يعشقون الكراهية
    عدى أسبوع من ساعتها، وجدها كان خلاص رتب جوازها من ماهيش. مكنش قالها ولا اتكلم معاها في الموضوع ده أصلاً.
    
    هي اللي عرفت من واحدة من خالاتها - الوحيدة في قرايبها اللي مكنتش بتلوم ناليني على موت أهلها. الجواز كان بكرة، وهي طول الفترة دي مابتسمتش ولا حتى طلعت من أوضتها خالص.
    
    طلعت تنهيدة وبصت على الصليب اللي كان على سريرها. أهلها كانوا دايماً عايزينلها الأحسن...
    
    يا ترى كانوا هيبقوا موافقين على ده؟
    
    ناليني اتنهدت وهزت راسها. مكنش فيه أي فايدة من التفكير في الجواز تاني - كده كده هيحصل.
    
    محدش من قرايبها القريبين اتعزم عشان معظم ولاد عمها وخالها عايشين بره. وعشان معظمهم كانوا بيكرهوها وبيلوموها على نفس السبب اللي جدها بيلومها عليه. عشان كده، جزء منها كان مبسوط أصلاً إنهم مش موجودين.
    
    ناليني قامت ولبست عشان تخرج. فتحت الباب بالراحة وطلعت راسها تشوف لو فيه حد واقف قريب من بابها.
    
    لحسن حظها، الدنيا كانت فاضية، وبعد ما بصت بسرعة على جدها اللي كان باصص على الزينة اللي بتتعلق، ناليني اتسحبت وخرجت من البيت.
    
    كتفها نزلت وهي ماشية في طريق ضيق. بصراحة، هي كانت دايماً متخيلة جوازها المتدبر ده هيكون مليان حماس وفرحة... بس الموضوع كان العكس تماماً.
    
    لفت شمال ومشيت ناحية بيت عمة مانجو. طبعاً، هي مكنتش عمتها بجد - هي كانت بتقولها كده احتراماً، بس هي كانت بتروح لعمّة مانجو عشان أي حاجة ليها علاقة بتريكات التجميل، من زمان أوي ما تفتكر.
    
    بتنهيدة كبيرة، زقت الباب ودخلت بالعافية عشان تستقبلها الهوا الساقع اللي متعودة عليه.
    
    "آه، يا ناليني يا حبيبتي! أظن الطلب المعتاد؟" عمة مانجو سألت بابتسامة كبيرة أوي مرسومة على وشها.
    
    هزت راسها بالراحة رد، ومكنش فيه أي أثر لابتسامة على وشها.
    
    الأحسن إني أبقى شكلي كويس لبكرة.
    
    على ما ناليني طلعت، الشمس كانت بتغرب. هي كانت بعتت رسالة لجدها تعرفه مكانها، بس كانت شاكة إنه مهتم. كده ولا كده، هي كانت عايزة تتأكد إنها قالت لحد عشان يعرفوا.
    
    وهي ماشية راجعة البيت، عينيها كانت متثبتة على الأرض.
    
    يا ريت ربنا يعرف يتكلم.
    
    ناليني كانت عايزة تسأله أسئلة كتير أوي. كانت عايزة تعرف ليه قدرها كده وليه هي منحوسة. ليه متخدش شوية سعادة؟
    
    عدت على بيت كانت دايماً بتشوفه، بس عادةً بتكون مع إيشا.
    
    كان بيت دايماً بيجيب قشعريرة في جسمها عشان كان شكله مختلف عن كل البيوت التانية - واجهة البيت كانت متدهنة أزرق سماوي، الحيطان كانت مقشرة، وأكتر حاجة مرعبة فيه إن مكنش فيه سقف مظبوط تقريباً. الباب الصاج الصدئ كان بيتأرجح على مفصلات بايظة، و جوا البيت كان شكله ضلمة موحشة.
    
    ناليني وقفت مكانها وقطبت حواجبها وهي بتبص جوه. مكنش فيه غير ضلمة، بس ده كان كفاية إنه يخوفها.
    
    بلعت ريقها بالعافية وحاولت تلف وتمشي، بس وهي بتاخد كام خطوة لقدام، صرخة وصوت مكتوم مخنوق لفتوا انتباهها.
    
    "الحقوني!" صوت ضعيف صرخ. "أنا... أنا مش بعرف أعوم!"
    
    لفت راسها بسرعة تشوف الصوت جاي منين، وعينيها وقعت على بئر مية كبير أوي. الغريب إن حتى من هنا، ناليني كانت قادرة تعرف إن الورد والبئر مكنوش باين عليهم إنهم مبلولين خالص.
    
    اللافتة اللي عليها حروف باهتة "بئر الأماني" كانت محطوطة تحت.
    
    بئر الأماني؟ ناليني قطبت حواجبها. كده فهمت ليه مكنش مبلول، بس مفهمتش إيه اللي بيعمله بئر أماني في وسط حتة سكنية.
    
    شكله مكنش لايق على المكان خالص. بئر المية كان متدهن أبيض وفيه طوب بني نحاسي، وكان فيه ورد على الأرض حواليه.
    
    جريت ناحيته لما الصرخة رنت تاني، وفهمت إن البنت الصغيرة كانت جوه البئر. عينيها وسعت وبصت لتحت على البنت الصغيرة اللي كانت بتخبط بإيديها ورجليها في المية بخوف ورعب.
    
    "يا بنتي الصغيرة! متخافيش، تمام؟ أنا هساعدك!" نادت عليها. البنت رفعت راسها، عينيها كبيرة ومليانة براءة، وقلبها دق جامد من كتر ما كانت كيوت.
    
    كان غريب - إزاي وقعت جوه أصلاً؟
    
    ناليني هزت راسها وبصت حواليها. لحسن حظها - ويمكن صدفة كبيرة أوي - كان فيه حبل كبير قريب من البيت اللي بيقع، مربوط في إيد جردل صاج قديم مصدي.
    
    الأمور كانت بتزداد غرابة. محدش عاش في البيت ده سنين، وهي مفهمتش ليه البيت فيه جردل وحبل مرميين كده من غير استخدام.
    
    بئر الأماني أكيد مش محتاج كده - مش زي أي بئر عادي.
    
    لما البنت بدأت تشرق، ناليني طردت شكوكها بهزة راس سريعة وجريت بسرعة على الحاجة دي. فكت العقدة بسرعة وزقت الجردل بعيد قبل ما ترمي الحبل بس لتحت.
    
    "بتعرفي تتسلقي؟" سألتها، وكانت بتأمل إنها تعرف. البنت كانت متجمدة من الخوف بس هزت راسها بسيط أوي. بإيدين مرتعشة، مدت إيديها ومسكت الحبل، واستخدمت حيطة البئر عشان تتسلق لفوق زي ما بيتسلقوا الجبال.
    
    عشان تشتتها ومتبصش لتحت وتهدي خوفها، ناليني سألت أسئلة.
    
    "إيه اللي وداكي جوه ده يا حبيبتي؟"
    
    اتضايقت - كان المفروض تشتتها مش تفكرها بالسبب اللي وداها المصيبة دي أصلاً.
    
    البنت مبانش إنها متضايقة، مع إنها ارتعشت شوية.
    
    "أنا وأخويا الصغير كنا بنلعب بالكورة وهو شاطها جامد أوي فطارت فوق السور ونزلت هنا،" وقفت وكلامها بيقطع.
    
    لما وصلت لفوق، ناليني مسكت وسطها قبل ما تسيب الحبل وشدتها لفوق على الأرض.
    
    جسمها كله كان بيرتعش من الخوف أو البرد - ناليني مكنتش عارفة.
    
    "كان المفروض تقولي لأهلك،" قالت بالراحة وهي بتحاول تدفيها بإيديها.
    
    البنت هزت راسها. "كانوا هيزعلوا. عشان كده حاولت أجيبها لوحدي."
    
    ناليني اتنهدت. "طيب، خليكي هنا، تمام؟ أنا هجيبلك الكورة."
    
    مسكت الجردل وربطته في آخر الحبل ونزلته لتحت. حاولت تحرك الكورة لحد الطرف عشان تعرف تدخلها جوه الجردل، ووطت شوية.
    
    لما الكورة وقعت في الجردل، فرحت فرحة صامتة وسحبت الجردل لفوق. مدت إيديها جوه ومسكت الكورة وهزتها جامد عشان تنزل المية الزيادة، ومخدتش بالها خالص من الخاتم المميز اللي اتفك واتزحلق من صباعها ونزل في الجردل.
    
    سمعت صوت خفيف بس تجاهلته عشان صوت نقط المية اللي كانت بتخبط في الجردل، وحطت الكورة بالراحة في إيد البنت اللي كانت بترتعش بابتسامة كبيرة.
    
    وش البنت الشاحب نور فجأة بسبب الابتسامة الكبيرة وجريت حضنتها جامد.
    
    ناليني ضحكت وحضنتها بنفس القوة. وبعدين البنت نطت ومشيت بسرعة وهي بتزعق "شكراً" بصوت عالي وهي بتجري.
    
    هزت ناليني راسها على الطفلة ولفت تاني. أدركت حقيقة حياتها المملة وإيه اللي هيحصل لما ترجع البيت، وده أثر فيها جامد وقاومت رغبتها في إنها تتنهد، وكانت متضايقة أوي.
    
    ناليني بصت لتحت على البئر، واللافتة "بئر الأماني" كانت تقريباً بتصرخ في وشها. طلعت تنهيدة يائسة وعضت شفايفها وهي بتلف راسها يمين وشمال. بعد ما اتأكدت إن مفيش حد، مسكت شنطتها جامد وهي بتفكر هتعمل إيه.
    
    هي مكنتش بتؤمن بآبار الأماني ولا بالسحر - ده كله كان للعب والتسلية.
    
    "مش مصدقة إني بعمل كده،" همست لنفسها، مع إنها وهي بتقول الكلام اللي جاي ده وقلبها بيدق بسرعة، كانت عايزة أوي أوي إنه يتحقق.
    
    "أنا... أتمنى أعيش في مكان تاني. مكان أقدر أبدأ فيه حياة جديدة بقدر مختلف وممكن كمان أحب،" همست من قلبها.
    
    الأمنية بتغيير القدر كانت هتعني إنها مش هتبقى حفيدة جدها. مع إن الأمنية كانت قاسية ومتهورة، مقدرتش تمنع نفسها من إنها تتنهد تنهيدة صغيرة مرتاحة.
    
    ده بالظبط اللي كانت محتاجة تقوله عشان تشيل الحمل اللي في قلبها، مع إنها عارفة إن ده عمره ما هيحصل.
    
    ومقدرتش تمنع نفسها من الأمل، ناليني وقفت كام ثانية، وقلبها وجعها من كتر ما كانت عايزة الكلام ده يتحقق، بغض النظر عن مدى قسوته.
    
    
    
    
    
    لما محصلش حاجة، ضحكت على نفسها ضحكة مكتومة، قسوة الحياة المريرة بتتراكم عليها زي طوبة فوق طوبة.
    
    هزت راسها على أفكارها وأمانيها السخيفة، اتنهدت وفركت إيديها في بعض لما اتجمدت مكانها. ناليني بصت على إيديها.
    
    الخاتم اختفى.
    
    شهقت ووطت تدور على الأرض بهلع وفوضى.
    
    الخاتم ده كان غالي عليها أوي؛ إيشا هي اللي ادتهولها لما أهل ناليني ماتوا عشان تحس بالراحة. وحقيقة إنه كان هدية إيشا خدتها من أمها قبل ما تموت كانت كفاية عشان تبين قد إيه هو مهم وغالي.
    
    حاجة غالية وعزيزة كده اتهدت ليها عشان إيشا وثقت فيها، ودلوقتي... راحت ضيعته زي الهبلة. الغلط منها هي طبعاً - الخاتم كان دايماً واسع بس هي مكنتش عايزة ترجعه لإيشا. مكنش معاها حتى فلوس تصلحه.
    
    ناليني كانت مرعوبة دلوقتي وهي بتبص حواليها - ده كان الحاجة الوحيدة اللي كانت بتخليها تحس بالهدوء، ولو ضاع هتحس بالذنب طول عمرها.
    
    اللي مكنتش واخده بالها منه، إن الحبل اللي ماسك الجردل كان بدأ يتزحلق وينزل تاني في البئر بسبب سطحه الزالق.
    
    أنا كان معايا الخاتم وأنا بجيب الكورة بالجردل... يبقى أكيد ضاع مني بعد ما رجعت الكورة للبنت؟ هو ده الصوت اللي سمعته... استني كده، لو مش على الأرض يبقى -
    
    أول ما ناليني استوعبت اللي حصل في دماغها، وبشكل تلقائي مدت إيديها عشان تمسكه بس محسبتش عواقب القرار ده، الحبل شدها جامد كأن حد بيشد من الناحية التانية ورجليها اتزحلقت.
    
    الثواني اللي بعد كده عدت بسرعة البرق، وبطريقة قاسية وغريبة من القدر، ناليني لقت نفسها بتقع في البئر، وقلبها بيدق جامد في ضلوعها وهي بتقع لقدام.
    
    سمعت صرختها المرعبة اللي هزت الدنيا بتردد في حيطان البئر وهي بتقع في المية اللي كانت تلج. وجسمها بيغرق، ناليني حست بخدر كأنها مش قادرة تتحرك خالص.
    
    كانت بتفقد وعيها بالتدريج بس كانت لسه حاسة بدقات قلبها السريعة اللي بتحارب تحت صدرها، بتحاول تبعتلها إشارات عشان تحارب، تتحرك، تعمل أي حاجة.
    
    بس هي مكنتش قادرة.
    
    كل اللي كانت قادرة عليه إنها تشوف الضلمة وهي بتغطي فتحة البئر بالتدريج، وشعاع نور واحد نازل على جسمها كأن السما اتفتحت وبتتكلم معاها.
    
    مكنش عندها وقت تفكر إيه الغرابة في كده وفي ظروف اليوم ده كله عشان كانت قلقانة أوي إنها مش هتلحق تقول لإيشا ولكل الناس مع السلامة للمرة الأخيرة، وقلبها بدأ يبطأ والسواد غطى رؤيتها.
    
    ...دي هتبقى النهاية.
    
    ومكنش فيه أي اختيار تاني، استقبلت الضلمة اللي سيطرت على جسمها وحواسها.
    
    ناليني شهقت عشان تاخد نفسها وهي بتطلع من البئر، كانت بتنهج وبتكح وبتطلع مية.
    
    إيه اللي حصل ده؟!
    
    مكنتش متأكدة بالظبط إيه الوضع؛ كل اللي كانت قادرة تفكر فيه هو دقات قلبها اللي بتخبط في ودانها.
    
    كانت بتتنفس بصعوبة ومسحت إيديها على وشها عشان تشيل المية اللي بتنزل. بصت حواليها، لقت نفسها جوه البئر - بس كان مختلف.
    
    حواجبها اتقطبت وهي بتدرسه. بدل ما كان أبيض بطوب نحاسي زي ما كانت متخيلة، البئر كان أسود ومبطن بالطوب الأحمر.
    
    ناليني هزت راسها بالراحة. مكنش فيه أي تفسير تاني غير خيالها. أكيد كانت شايفة البئر لون تاني طول الوقت.
    
    أو يمكن كانت بتحلم.
    
    أكيد، ده كان الحاجة الوحيدة اللي منطقية. إيه تاني ممكن يكون سبب إن لون البئر يتغير بسرعة كده؟
    
    رفعت راسها لفوق، فتحة البئر كانت أقرب بكتير ما كانت متخيلة، وده معناه إنه مكنش عميق خالص. طبيعي، طلعت تنهيدة راحة عميقة، ورمشت كام مرة، رؤيتها كانت لسه مش واضحة أوي.
    
    موضوع بئر الأماني ده كله كان غالباً مجرد خيال - في الآخر، البئر مكنش عميق أوي كده!
    
    ضحكت ضحكة قصيرة على سخافتها ومسكت جامد في طرف البئر، وكان فيه خوف في قلبها إنها هتغرق زي الأول، مع إنه مكنش عميق خالص.
    
    الأول، لازم تتأكد إن ده مش حلم. رفعت إيديها، صوابعها المجعدة كانت بتدل على إنها كانت في المية فترة مش قليلة.
    
    قبل ما تعمل أي حاجة، عينيها ضاقت على الخاتم اللي كان متثبت حوالين صباعها الكبير. دلوقتي، كانت متلخبطة أكتر.
    
    كانت متأكدة إنه وقع، وإن آخر مرة بصت على إيديها مكنش فيه خاتم.
    
    يا ترى كنت بتخيل حاجات؟
    
    غالباً كان مجرد حلم، بس إزاي وصلت للبئر في الأول لو ده كان اللي حصل، ده كان فوق استيعابها في الوقت ده.
    
    عشان تختبر نظريتها، قرصت دراعها. ناليني صرخت صرخة مكتومة، والصوت اتردد شوية وغطت بقها.
    
    كانت عايشة ومش بتحلم!
    
    الفكرة دي خلتها تطلع نص شهقة ونص ضحكة وهي بتبتسم لنفسها.
    
    شكراً يا رب!
    
    ابتسامتها اختفت بسرعة لما فكرت إن ده عملياً قضى على نظريتها إنها كانت بتحلم.
    
    حقيقة إن الخاتم كان في صباعها دلوقتي مكنتش منطقية بالنسبة لها. حتى مكنتش فاكرة إنها لاقيته.
    
    ناليني هزت راسها - كانت مبسوطة بس إن الخاتم اتلاقى دلوقتي. بالإضافة لكده، كانت خايفة أكتر من جدها لما يعرف إنها مرجعتش البيت في الوقت.
    
    هو مكنش بيهتم بس كان مصمم أوي على جوازها، ولو هربت، هيعرفها أكيد وهيبعت عصابته المتوحشة القديمة أو ماهيش ورجالته عشان يدوروا عليها.
    
    أو كل ده مع بعض.
    
    بسرعة، حاولت تتسلق تاني، بس فقدت قبضتها ووقعت في المية تاني.
    
    واضح إن التسلق مش هينفع. لازم تعتمد على صوتها وتأمل إن الناس تكون ماشية في الوقت ده.
    
    ناليني اتنهدت بإحباط ونضفت زورها وهي بتجهز صوتها.
    
    "الحقوني!" صرخت. "مفيش حد هنا؟! حد يقدر يساعدني أطلع؟"
    
    سمعت خطوات سريعة من فوق وبصت لفوق شافت واحدة أجنبية، شهقت. ده خلاها ترفع حواجبها باستغراب، ونسيت للحظة إنها محتاجة مساعدة.
    
    إيه... اللي بيعمل واحدة أجنبية هنا في الحتة دي؟
    
    الست مكنتش شبه السياح الأجانب اللي بييجوا الهند برضه. شعرها بني غامق ومفرود من النص وفيه حلقات على جنب راسها، وكانت لابسة بونيه كبير، وشريط بنفسجي مثبته تحت دقنها.
    
    ناليني مكنتش عايزة تسأل عن طريقة لبسها - كانت مبسوطة بس إن فيه حد موجود يساعدها.
    
    "لو سمحتي ساعديني! أنا لازم أطلع، لو سمحتي!" زعقتلها لفوق، وسمعت صوتها بيرتد من البئر الضلمة.
    
    الست بصت عليها بعيون خضرا واسعة.
    
    "متقلقيش، أنا... أنا هرجع بسرعة!" لفت واختفى شكلها.
    
    ناليني حست إن كتفها نزلت براحة، وهي بتستنى مقدرتش متفكرش في الست دي. كانت بتتكلم بلهجة مختلفة أوي وكمان بتتكلم... بطريقة غريبة.
    
    كان غريب؛ الإنجليزي عمره ما كان صوته كده بالنسبة لها. أو يمكن عمرها ما سمعت إنجليزي مظبوط قبل كده؟ مكنتش عارفة تفكر في إيه.
    
    في الوقت ده بالظبط، الست رجعت ومعاها راجل كبير فحص ناليني وهي عايمة فوق المية. هي كانت بس عايزة تطلع من البئر وترجع البيت - الوشوش الجديدة دي خوفتها.
    
    ناليني مكنتش قادرة تبطل ترتعش من البرد وكانت بتكره إحساس صوابعها المجعدة ووشها الناشف.
    
    بصت لفوق تاني وشافت الست والراجل بيبعدوا، وقدرت تسمع همساتهم الخافتة، حتى من مكانها.
    
    
    
    
    
    هما ليه أصلاً محتاجين يناقشوا حاجة زي دي؟
    
    كل اللي كانت عايزة تعمله إنها تطلع من البئر وتكون على أرض أمان. قبل ما تعرف إيه اللي بيحصل، اتخبطت على راسها بحاجة جامدة، بس مش مؤلمة.
    
    بصت لتحت، شافت حبل تخين وقوي في المية قدامها. عينيها رفعت وشافت الراجل بيشاور عليه وماسك طرف الحبل التاني في إيده التانية.
    
    "امسكي الحبل!" زعق، ونبرة صوته كانت... مقززة. إحساس مش مريح لف جواها من نبرة صوته الكريهة.
    
    مكنتش بتحب تحس إنها عبء على الناس ووعدت نفسها إنها هتعتذر له بعد ما يطلعوها بأمان.
    
    كان فيه شدة قوية في الحبل، وعلى طول حطت رجليها الاتنين على جنب البئر، وبدأت تطلع كأنها بتتسلق حيطة صخرية، وهما بيشدوا.
    
    لما وصلت لسطح البئر، سابت الحبل عشان تمسك الحافة، والست خطت لقدام ومسكت دراعاتها وجرتها لبره.
    
    "أ... أنا آسفة،" قالت بصعوبة، وصدرها كان بيعلى ويوطى كأنها هي اللي كانت بتشد.
    
    ناليني وقعت على الأرض وقفلت عينيها. الأرض الناشفة كانت زي الجنة بالنسبة لها في اللحظة دي.
    
    مكنتش مصدقة إنها لسه عايشة وطلعت ضحكة مكتومة.
    
    يا إلهي، كل حاجة تمام!
    
    لما فتحت عينيها وزقت نفسها عشان تقعد، عينها جت في عين الراجل وشافته وهو بيرجع لورا ووشه مكشر باشمئزاز.
    
    التعبير اللي كان على وشه، مع إنها حتى مكنتش تعرف الراجل، لسه وجعها، بس مقالتش حاجة. يا ريت مكنتش حساسة وخايفة من الأجانب كده، كانت هترد عليه في ساعتها.
    
    كتفها اتفردت شوية بس كان صعب عشان كانت بترتعش من الهوا البارد اللي كان بيخبط في جسمها المبلول.
    
    "أنتي كويسة؟" الست سألت بقلق. سؤالها الهادي وصل لناليني، بس كأنها مسمعتش.
    
    أفكارها كانت في مكان تاني - زي إنها لسه عايشة وبخير ودلوقتي لازم ترجع بيت جدها وهي مبلولة كلها.
    
    فجأة، قامت وقفت. "يا إلهي، لازم أرجع البيت!"
    
    "البيت؟" الست كررت الكلام وهي معقدة حواجبها. "يعني عايزة تقولي إنك عايشة هنا كمان؟"
    
    ناليني اتفاجئت من كده. إيه اللي كانت تقصده بكده - يا ترى الست الأجنبية دي عايشة في الحتة بتاعتها؟ لو كده، إزاي عمرها ما شافتها قبل كده؟
    
    لما لفت راسها عشان تبص حواليها لأول مرة، لقت نفسها في مكان غريب.
    
    حواجبها اللي كانت مرفوعة نزلت بالتدريج وبقت مكشرة وهي بتدرس المكان. كانت سامعة صوت صرير العربيات وصوت لجام الخيل، بس كمان صدى بعيد لصوت دقات القطر المنتظمة.
    
    المكان اللي حواليها مكنش شكله زي الهند خالص.
    
    الهوا كان ساقع ومنعش بس كان بيقرص جلدها اللي لسه مبلول.
    
    كيرالا كانت حر ورطوبة، مش برد. إيديها كانت بتعرق وقلبها بدأ يدق بسرعة كأنه بينذرها بحاجة مجهولة.
    
    الغريب كان الريحة - مع إنها كانت منعشة ومبسوطة، كان فيه كمان ريحة غريبة خفيفة؛ كانت ريحة الخيل اللي بتجر العربيات، زي ما خمنت.
    
    بس لما بصت حواليها، استنتجت إن المكان ده أكيد مش الهند ولا الحتة بتاعتها.
    
    لفت على جنب، كان فيه جنينة خضرا فيها تماثيل ونافورة سودة كبيرة أوي في النص بالظبط، بترش كميات كبيرة من المية في كل مكان.
    
    الناس اللي كانوا ماشيين كانوا كلهم لابسين كويس ولابسين لبس عمرها ما شافته في حياتها التلاتة وعشرين سنة.
    
    كان شبه اللبس اللي كانت لابساه الست اللي قدامها، اللي قربت منها بحذر، كانت لابسة فستان مكشوف الكتف بنقشة ورد، ومبين بشرتها المنورة، والراجل كمان كان لابس لبس غريب؛ كان لابس معطف طويل بينتهي عند نص ساقه وقبعة كبيرة.
    
    عين ناليني وسعت من ده. يا ترى دي حفلة تنكرية؟ كانت فكرة سخيفة طبعاً، عشان نادراً ما كان فيه حفلات تنكرية في المكان اللي هي منه، وحتى لو كان فيه، كانت شاكة إن هيكون فيه أجانب أكتر من الهنود.
    
    كانت عايزة تسألهم عن الموضوع ده بس مكنتش عايزة تبان سخيفة بسؤالها.
    
    يعني، مستحيل تكون سافرت مكان تاني بمجرد إنها وقعت في بئر أماني!
    
    ...صح؟
    
    ناليني مبقتش متأكدة من الإجابة، وفجأة، إحساس بالخوف اتجمع في بطنها.
    
    يمكن كانت الأمنية اللي اتمتها بغباء ونطقتها. عضت شفايفها وهي بتفكر. الأمنية اللي قالتها للبئر من قلبها - يمكن فعلاً اتحققت.
    
    متكونيش سخيفة؛ دي مجرد أسطورة للأطفال!
    
    ناليني هزت راسها على سخافتها. حاجة زي دي عمرها ما بتحصل في الحياة الحقيقية.
    
    حياتها مش فيلم. ده كله مجرد حلم.
    
    لازم يكون كده. ده التفسير المنطقي الوحيد لكل ده.
    
    بلعت ريقها وبصت على الست اللي كانت مستنية بصبر، والقلق باين على ملامحها. الراجل مبانش إنه مهتم.
    
    في اللحظة دي ناليني لاحظت بجد العربة الضخمة اللي وراهم هما الاتنين؛ شاب ماسك اللجام وقاعد فوقها، وحصانين سمر بينهقوا وكمان مستنيين بصبر.
    
    السواق بص عليها بصه جانبية بلامبالاة وبعدين حول عينيه بسرعة. ناليني كانت تقريباً حاسة بالتوتر في الجو، من رد الفعل البسيط ده ليها.
    
    "أنتي حاسة إنك كويسة؟ شكلك مجهدة!" الست صرخت، وصوتها قطع أفكارها.
    
    ناليني هزت راسها بالراحة، والحركة دي سببت ألم طلع في راسها. اتألمت بس قدرت ترسم ابتسامة صغيرة. الحمد لله إنهم كانوا هما الاتنين موجودين عشان ينقذوها، مين عارف كانت هتبقى لسه في البئر لو مكنوش ظهروا.
    
    "أنا كويسة دلوقتي، بس... إزاي سمعتوني وأنتوا كنتوا في عربية؟" سألت بفضول حقيقي. عين الست لمعت باستيعاب وابتسمت بلطف.
    
    "كان مجرد حظ محض، أقدر أقول كده،" قالت بتنهيدة ارتياح، "واحد من الحصنة مكنش كويس وبينما كانوا بيهتموا بيه، أنا نزلت أشم شوية هوا نقي. مش قصدي أتباهى، بس لو مكنتش نزلت، أكيد مكنتوش هتلاقوني. أنا عارفة إن مش ناس كتير بتمشي هنا."
    
    ناليني طلعت نفس عميق براحة والدموع اتجمعت في عينيها. شكرت ربنا إنه جاب الست دي ليها في اللحظة دي بالظبط.
    
    مجرد فكرة إنها مكنتش هتبقى عايشة لو الست دي مكنتش موجودة... جابتلها قشعريرة، ومكنتش عشان كانت بردانة برضه.
    
    وقفت على رجلين مهزوزة، ناليني ضمت كفوف إيديها، وابتسامتها كانت مهزوزة.
    
    "شكراً جزيلاً،" قالت. الست ردت ابتسامتها بابتسامة منورة.
    
    "مش محتاجة تشكريني،" قالت بالراحة وهي بترفع إيديها الرقيقة بإشارة استخفاف. "أنا بس عملت اللي أي حد كان هيعمله."
    
    "بس برضه،" بدأت ناليني وهي بتحاول متضحكش على الموقف الغريب أوي اللي لقت نفسها فيه، "مش عارفة كنت هعمل إيه لو مكنتوش موجودين."
    
    
    
    
    
    
    كل عضلات جسمها المشدودة بدأت ترتخي، بس راسها لسه وجعاها. يا ترى اتخبطت في راسها؟ حتى مش فاكرة... كل حاجة كانت مشوشة، بس هيكون منطقي لو وقعت على راسها الأول.
    
    بس مش المفروض الخبطة دي كانت تقتلها ساعتها؟
    
    كانت متلخبطة أوي من اللي بيحصل. مكنش فيه أي منطق.
    
    كان فيه صمت قبل ما الست قطعته.
    
    "هل لي أن أكون فضولية وأسأل... من أين أنتِ؟ لا تبدين أو تتحدثين وكأنكِ من هنا،" الست سألت بأدب، والحلقات اللي في شعرها بتتحرك بسيط وهي بتميل راسها. ناليني بلعت ريقها تاني، مش عارفة ترد ولا تقول إيه.
    
    "إيه... إيه المكان ده؟" قالت، وجاوبت على سؤالها بسؤال تاني. اتضايقت من إن ده ممكن يكون قلة أدب، بس سكتت، مستنية رد بدلًا من كده.
    
    الست كشرت؛ شكله مكنش طبيعي على وشها الأبيض الخالي من العيوب.
    
    "أليس لديكِ أي ذكرى عن مكانكِ؟" لما ناليني هزت راسها بالراحة، الست ردت، "هذه إنجلترا."
    
    بدت قلقانة على ناليني تقريبًا، مع إنها كانت غريبة تمامًا. بس لما كلماتها وصلت لدماغها، قلبها وقف ونفسها انقطع.
    
    لأ.
    
    ممكنش تكون في إنجلترا. أكيد كانت في مكان تاني، بس إنجلترا؟ إزاي ده ممكن يكون؟
    
    عينيها بصت لفوق للسما وبصت على الغيوم البيضاء المنتفخة. أنا عارفة إنك فوق يا رب، أرجوك قلي إيه اللي بيحصل؟!
    
    بصت تاني على الست، اترددت.
    
    "إزاي ده ممكن يكون إنجلترا؟ أنا من... الهند."
    
    عين الست وسعت وبصت بسرعة على الراجل اللي كان واقف بعيد عنهم شوية، وعينيه ضيقة وهي بتقابل عين ناليني. الست لفت تاني، وعينيها دلوقتي فيها رعب، وبدأت تحللها.
    
    "الهند؟" همست. "ده يفسر طريقتكِ الغريبة في الكلام،" تمتمت لنفسها قبل ما عينيها ترجع بسرعة لعين ناليني. "إذن، لابد أنكِ أمة."
    
    عينها وسعت، وبقها اتفتح. "إيـ..."
    
    "حسنًا، يجب ألا تذكري من أين أتيتِ لأي شخص! الكثيرون لا يحبون الملونين وسوف يقومون إما بشحنكِ بعيدًا أو استخدامكِ كعبدة غير قانونية."
    
    التحذير اللي في صوتها، سبب ذعر لناليني. "بس مش هيقدروا يعرفوا إني ملونة بمجرد النظر إليّ؟"
    
    الست عضت شفتها التحتانية وهزت راسها.
    
    "هذا صحيح، ولكن إذا لم تذكري ذلك، فلن يكون لديهم أي دليل، ولن يكون عليهم أي واجب في اتهامكِ. سيعتقدون أنكِ ولدتِ وترعرعتِ هنا."
    
    ناليني بلعت ريقها. ده بدا وكأنه مهمة مستحيلة! هي بوضوح مش بيضا، وكمان مش أحسن كذابة. فكرة إنهم يشحنوها تاني مبقتش تبدو سيئة أوي دلوقتي، بس المشكلة الوحيدة هي إنها مش عارفة هيشحنوها فين.
    
    وإنها تكون عبدة لحد دي مكنتش فكرتها عن المتعة. لو ده هيكون قدرها، كان الأفضل تتجوز ماهيش وخلاص.
    
    إزاي ده بيحصل في الدنيا؟ الحلم ده بدأ يخرج عن السيطرة، وهي مش عارفة تصحى.
    
    بدأ يخوفها.
    
    ناليني حست بعيون حد عليها، ولما لفت، قابلت عيون الراجل الحادة المليانة كراهية، وده خلى عينيها توسع.
    
    خطت خطوة بسيطة على جنب، وخبّت رؤيته ليها بالست اللي قدامها. دلوقتي وهو مش شايفها، ارتاحت كفاية إنها تتنفس. مع إن جلدها كان بيقشعر من إحساس عيونه عليها، حاولت تتجاهل ده بالتفكير في وضعها الحالي.
    
    من الواضح إنه حلم بتحلمه. غالباً كانت فاقدة الوعي وموجودة على الأرض في الهند.
    
    بس كل حاجة بدت حقيقية أوي.
    
    "على أي حال،" صوت الست قطع أفكارها، "ماذا كنتِ تفعلين في بئر الأماني هذا بحق السماء؟!" عينيها الخضرا زي لون الغابة كانت واسعة من الحيرة.
    
    ناليني طلعت نفس طويل من بقها، وحست أخيراً بالإرهاق من الموقف كله بيغمرها.
    
    "دي قصة طويلة أوي. كنت بساعد بنت صغيرة وقعت في البئر وبعد ما مشيت بوقت قصير، ضيعت حاجة وبدل ما امشي عملت قرار غبي ووقعت،" قالت وهي حاسة بالغباء بس مش فارق معاها أوي عشان جسمها كان تعبان وموجوع.
    
    تعمدت إنها محكتش الجزء اللي حصل في الهند.
    
    الست غالباً هتشوفها مجنونة.
    
    إيد رقيقة طلعت غطت بقها وهي شهقت. "لا أستطيع تخيل حدوث مثل هذا الظرف لي. حقًا، أنتِ بطلة!"
    
    ناليني هزت راسها بسرعة برفض. "لـ لا، أبداً! لو اعتبار محاولة إنقاذ حبل وجردل بطولة يبقى أعتقد إني بطلة،" هزرت رغم الوضع المأساوي.
    
    شفايف الست اتفردت في ابتسامة واسعة، مع إن عينيها اتصلبت شوية بس ده اختفى بسرعة لما الراجل نضف زوره بضيق من وراهم.
    
    الست عضت شفتها، وعينيها بتتحرك من جنب لجنب.
    
    ناليني فتحت بقها عشان تسألها لو كانت كويسة وليه شكلها متوتر كده بس سكتت لما الست فردت ضهرها ولفت، وكلمت الراجل اللي كان واقف قريب منهم وبيراقبهم.
    
    "يمكنك الذهاب الآن يا غابرييل،" قالت بنعومة. "أنا ممتنة للغاية لأنك جئت لمساعدتها."
    
    الراجل اتردد وعينيه ثبتت عليا، بتدرس وشي.
    
    "يا سيدة آينسورث، بالتأكيد تعلمين أن هذه المرأة ليست من هنا؟ وتبدو مريبة للغاية. لا يوجد تفسير لوجودها في بئر." غابرييل لف على كعبه. "سأحضر الحـ-"
    
    السيدة آينسورث دي رفعت إيديها ووقفته.
    
    "لن تفعل مثل هذا الشيء!" صاحت فيه. "يجب ألا تسألني يا غابرييل، لأني أعلم أن هذه المرأة ليست خطرًا علينا على الإطلاق."
    
    كان هيبدو تهديدًا، لولا الابتسامة اللطيفة اللي مزينة وشها.
    
    غابرييل جز على أسنانه، ووشه احمر زي الطماطم في ثواني. النقاش ده كله كان بيخلي ناليني تحس بالذنب.
    
    كانوا بيتخانقوا بسببها، بس ده كمان خلاها تتغاظ. إيه الحق اللي عند غابرييل إنه يقول عليها "مريبة"؟ مكنش فيه أي حاجة فيها مريبة!
    
    على الأقل، هي مكنتش فاكرة إن فيه. كل اللي حصل إنها وقعت في بئر - إيه اللي مريب في كده؟ اتساءلت لو كان المفروض اتكلمت عن الموضوع ده، بس فضلت ساكتة لما غابرييل فضل يتكلم بغضب.
    
    
    
    
    
    "يجب شحنها إلى حيث أتت..." تلعثم لما الست بصت له بحدة.
    
    بمجرد النظر للاثنين، ناليني قدرت تعرف إن السيدة آينسورث شخصية ليها نفوذ كبير، مقارنة بالراجل، وحتى اسمها بدا رسمي وراقي.
    
    كان عندها وش لطيف بيضاوي، وتصرفاتها كانت رسمية ورشيقة - بس هي والموقف ده كله قدروا يجيبولها قشعريرة في ضهرها.
    
    من غير ما تقول أي حاجة تانية، الراجل حنى راسه وبعدين مشي. السواق لسه قاعد مكانه، ثابت زي التمثال، وناليني اتساءلت لو كان بيتحرك أصلاً.
    
    أفكارها الشاردة اتقطعت لما السيدة آينسورث لفت ورجعتلها، فستانها اللي على شكل جرس بيتهز وعينيها الخضرا زي لون الغابة فيها ضيق.
    
    "أنا آسفة بشأن غابرييل؛ يجب ألا تأخذي الأمر على محمل الجد،" بدأت بلطف، وعينيها بتلين، "لأنه جاهل بهذه الأمور. هو وكثيرون غيره يحتقرون الملونين، ولو تركته يفعل ما يريد، سيقوم بحملك على متن سفينة وشحنك إلى حيث أتيتِ. أنا متأكدة تمامًا أنكِ لا تريدين ذلك،" همست. "لذا أنا أحثكِ، يجب أن ترحلي وتجدي مأوى قبل أن يتم العثور عليكِ."
    
    ناليني رمشت بالراحة، بتحاول تستوعب اللي بتقوله وهي بتنصت بانتباه. مكنش عندها أي مأوى، بس مقدرتش تقول للست كده.
    
    الست دي كانت طيبة أوي، وناليني كانت متأكدة إنها هتعرض المساعدة، بس هي مكنتش عايزة ده. مكنتش بتحب تثقل على الناس خالص.
    
    كل يوم في حياتها مع جدها، مكنتش بتقدر تبطل تحس بالذنب لأنها كانت عارفة إنها عبء عليه. ده كان واحد من الأسباب اللي خلتها متقدرش تفضل زعلانة منه؛ رغم تصرفاته المسيئة ليها، كان لسه بيهتم بيها.
    
    طبعاً، الحلم ده مكنش زي واقعها خالص. مكنتش عبء دلوقتي، بس كانت غريبة. مكنش فيه شك في ده؛ كانت بارزة زي الإصبع الموجوع، خاصةً إنها كانت لسه لابسة الشروال المبلول أوي وكانت هندية.
    
    الفكرة دي خلتها تعض على شفتها بقلق. آخر حاجة كانت عايزاها، إن الناس يحكموا عليها في بلد غريب وهي أصلاً محكوم عليها في بلدها على حاجة معملتهاش.
    
    بس لحسن الحظ، ده كان لسه حلم. وده معناه إن أي حاجة عملتها أو قولتها، مش مهمة أوي.
    
    صح؟
    
    هزت راسها عشان تبعد الأفكار دي. مكنش ده الوقت المناسب للتفكير في كده عشان ده لازم يكون حلم! ناليني سمحت لعينيها تبص حواليها، وفي اللحظة دي أدركت إن كل الناس كانوا بيض. اتساءلت إزاي ده ممكن يكون حتى في القرن الواحد والعشرين في إنجلترا، كان فيه ناس ملونة، خاصة الهنود.
    
    كان فيه هنود كتير هناك، كانت عارفة. صداع بدأ يدق في دماغها بعشوائية وهي بتفكر بجدية. رفعت إيديها ودلكت راسها، مكنتش عايزة تفكر في معضلتها الغريبة دي كتير.
    
    فجأة رؤيتها بدأت تغبش وترنحت على رجلها، بس تماسكت بلمسة دافئة من الست اللي قدامها. السيدة آينسورث بصت في عينيها بقلق.
    
    "يا إلهي، أنتِ سخنة!"
    
    ناليني هزت راسها. "لأ، أنا كويسة يا سيدة آينسورث!" قالت بسرعة أوي.
    
    "لأ، لأ، أرجوكِ لا تناديني هكذا!" صاحت برعب وناليني اتضايقت وابتسمت باعتذار. "يجب أن تناديني تشاستيتي،" قالت بابتسامة جميلة.
    
    ناليني حست بإحراج وغرابة - كل حاجة بدت مش حقيقية أوي، بس من غير ما تسأل عن حلمها، مشيت مع التيار بدلًا من كده.
    
    وطت صوتها وقالت، "حـ حسنًا. أنا بس محتاجة أرتاح شوية... يا تشاستيتي."
    
    ناليني حاولت تطلع ضحكة بالعافية من شفايفها الناشفة ومن نظرة تشاستيتي، قدرت تعرف إنها مكنتش مصدقة خالص.
    
    "حسنًا، تم الأمر!" صاحت تشاستيتي بابتسامة منورة وعينيها وسعت. تم؟ إيه اللي تم؟
    
    "يجب أن تأتي معي ويمكنكِ أن تستريحي قدر ما تشائين حيث أعيش،" أصرت بابتسامة صغيرة وهي ماسكة إيد ناليني جامد.
    
    كانت عايزة تضحك على إن تخمينها إن الست دي طيبة أوي وهتعرض المساعدة كان صح، بس امتنعت عن كده عشان مكنتش متأكدة لو ده مناسب ولا لأ. ناليني فتحت بقها عشان ترفض عرضها الطيب في نفس الوقت اللي عينيها راحت فوق كتف تشاستيتي.
    
    المنظر اللي قدامها خلى شهقة صغيرة تطلع من شفايفها.
    
    كان فيه غابرييل، ماشي بغضب ناحيتهم وراه، ماشي كام حارس، بيبصولها. الهوا اللي طلع من شفايف ناليني خلى تشاستيتي تلف هي كمان وتطلع شهقة صغيرة.
    
    "يا إلهي،" تمتمت تشاستيتي. بصت لناليني بنظرة مرعوبة. "يجب أن تهربي! من يدري ماذا قال غابرييل لهؤلاء الرجال؟!"
    
    مش عارفة أهرب فين! كانت عايزة تقول كده بس منعتها. الجري من غير هدف كان الحاجة الوحيدة اللي ممكن تعملها في الوقت ده، ومبانش إنها فكرة وحشة برضه.
    
    راس ناليني كانت بتلف وتدور وتشاستيتي خطت لقدام بسرعة عشان تشتت انتباه الرجالة.
    
    "تفضلوا من فضلكم، يا سيدة آينسورث. ما شأن الزنجي بالتسكع هنا؟!" زمجر غابرييل.
    
    عين ناليني وسعت.
    
    زنجي؟
    
    كان فيه أسئلة كتير أوي عايزة تسألها، بس مقدرتش.
    
    "لابد أنها أتت بطريقة غير قانونية، وسوف نتأكد من إعادتها على الفور. إما ذلك، أو يمكنها أن تأتي لتعيش معنا وتنظف من ورائنا. يمكنها أن تختار بكل سرور،" أضاف واحد من الحراس.
    
    أول ما سمعت صوت تشاستيتي وهي بترد، استغلت انشغالهم وجريت بأسرع ما يمكن.
    
    لما انطلقت، الرجالة زعقوا لها عشان تقف ورجليهم اللي لابسة جزمة كانت بتخبط في الرصيف وراها. كانت بتتلوى بين الناس، زي الأفلام الأكشن، بس في الحلم ده، مكنش فيه أي متعة.
    
    جريت في البلد الغريبة، بمباني قديمة ليها نهايات مدببة وزخارف فوق الشبابيك محاوطاها، مكنش عندها وقت تبص لفوق وتعجب، حتى في حلمها.
    
    رجليها كانت بتقولها تقف، بس دماغها كانت بتقول عكس كده. كأنها مش قادرة تقف، حتى لو عضلاتها كانت بتصرخ من الألم.
    
    طبعاً، موقفتش؛ حتى لما كادت تصطدم بعربة متحركة. واضح إنها مكنتش في وعيها، اعتذرت للحصان بدل السواق، بس طلعت ابتسامة خجولة لما السواق ابتسم بمتعة.
    
    مكنتش في كامل وعيها، ده كان أكيد!
    
    الحاجة الوحيدة اللي كانت قادرة تفكر فيها وهي بتجري زي المجنونة، هي ليه بتحلم الحلم ده ويا ترى البنت الصغيرة كانت آمنة ولا لأ. مكنش عندها وقت تفكر في أي حاجة تانية بسبب الرجالة اللي بيطاردوها.
    
    كل اللي كانت عايزة تعمله إنها ترتاح وتصحى تاني. لو ده كان حلم، فده كان حلم غريب عمرها ما كانت عايزة تشوفه تاني.
    
    

    رواية يعشقون الكراهية

    يعشقون الكراهية

    2025, أدهم محمد

    اجتماعية

    مجانا

    تجد ناليني الشابة نفسها أسيرة كراهية جدها القاسية وتحكماته، محمّلة بذنب لم ترتكبه. يُجبرها على الزواج من رجل وقح وكبير في السن يُدعى ماهيش للتخلص منها. تتصارع ناليني بين واجبها تجاه جدها ورغبتها في الحرية والتعليم، وتواجه قسوة وظلمًا يجعلها تتمنى حياة أخرى، لكنها تجد نفسها محاصرة بواقع مرير وقرارات مصيرية.

    ناليني

    تبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عامًا، تعيش تحت قسوة جدها الذي يحملها مسؤولية وفاة والديها. تجد نفسها مجبرة على الزواج من رجل لا ترغب به، وتتوق إلى الحرية واستكمال تعليمها.

    ماهيش

    يختاره جد ناليني ليكون زوجها. يظهر سلوكًا غير لائق وتصريحات مبتذلة، وناليني تشعر بالاشمئزاز من فكرة الزواج به.

    إيشا

    صديقة ناليني المقربة من الكلية، تحاول دعم ناليني وتقدم لها النصح، وتغضب بشدة عندما تعلم بخطط زواجها من ماهيش.
    تم نسخ الرابط
    رواية يعشقون الكراهية

    ملاحظة: زي كل حكاياتي، الأحداث هتبدأ بالراحة شوية، معلش بس والله الدنيا هتحلو لقدام! :D استمتعوا!
    -----
    ناليني ما كانتش بنت قوية. طول عمرها حساسة، حتى لو كانت بتحاول ما تبينش ده. بتحاول، ودي الكلمة المهمة. عمرها ما عرفت تعملها صح، دايماً كانت بتتصرف زي الأطفال. ده كان عيب فيها عمرها ما عرفت تخلص منه.
    
    عيبها الأسود ده بان قوي في اللحظة دي وهي بتبص على جدها والدموع نازلة على خدها شلال.
    
    في السنين اللي كانوا "بيراعوا" فيها بعض، دي كانت أول مرة يغمى عليه، وهي ما قدرتش غير إنها تقلق عليه قوي لما شافته عامل إزاي، وشه مخطوف كأنه ميت. ومهما ورته حبها ووقفت جنبه، هو برضه كان بيكرهها وبيحملها ذنب موت أهلها.
    
    ناليني كانت عارفة إن اللي حصل زمان ده ما كانش غلطها، بس هو عمره ما اداها فرصة تدافع عن نفسها.
    
    كان بيبين كرهه بالإهانة؛ عمره ما لمسها بصباعه، بس ما كانش فيه يوم بيعدي من غير ما يبهدلها بالكلام. من جسمها لوشها لحياتها ومستقبلها—كل ده كان بيتريق عليه.
    
    ساعات، لما كانت بتتعصب قوي وترد عليه، كان ممكن يوصل إنه يطردها بره البيت وما ياكلهاش طول اليوم.
    
    لحد قريب بس، الإهانة دي وقفت، لسبب غريب. كانت خايفة شوية إنه يكون بيدبر لحاجة، بس ما كانتش فاكرة إن جدها ممكن يكون شرير للدرجة دي.
    
    عينيها رجعت بصت عليه تاني لما بدأ يتحرك. ولما فتح عينيه وبص في وشها، وشه اللي كان مرتاح اتشنج وعينيه ضاقت.
    
    حاولت تتجاهل النظرة الحادة اللي كان بيبصها بيها واتكلمت.
    
    "إنت عامل إيه دلوقتي يا جدو؟"
    
    طنشها وراح زاقق نفسه عشان يقعد على سرير المستشفى.
    
    هي جريت بسرعة لقدام عشان تساعده يقعد، بس هو شد إيده منها ولف بجسمه الناحية التانية كأن وجودها مقرفه. رد الفعل ده وجع قلبها قوي وسحبت إيديها بالراحة وعينيها بتوجعها.
    
    ناليني قعدت تبص في وشه وهو باصص على حجره وإيده بتترعش. كان شكله وحش قوي؛ كان عنده هالات سودة تحت عينيه وجسمه أرفع من العود. وشه كان لونه رمادي مريض.
    
    "يا جدو؟" سألته بصوت مهزوز فيه شك.
    
    "ما تقوليش كده،" الصوت اللي طلع منه كان مبحوح ومر. "أنا بطلت أبقى جدك من اللحظة اللي قتلتيهم فيها، يا بت يا غبية."
    
    ناليني طنشت كلامه ده. قاومت الرغبة إنها تمد إيدها وتمسك إيد جدها جامد. مع إنه كان بيهينها بالكلام وبيطنشها كتير، ما كانتش عايزة تخسر العيلة الوحيدة اللي باقية لها في حياتها.
    
    الباب بتاع الأوضة اتفتح ودخلت ممرضة صغيرة. ناليني بصت عليها على طول، كانت بتمنى تسمع منها أي خبر كويس عن حالة جدها. عيون الممرضة الهادية بصت في عينيها.
    
    "ما تقلقيش يا حبيبتي،" قالت وهي بتشوف ناليني عمالة تلعب في صوابعها بتوتر، "هو كويس خالص وممكن يروح البيت دلوقتي حالا."
    
    كتفها نزلت براحة وطلعت نفس طويل، عضلاتها اللي كانت مشدودة ارتخت في ساعتها تقريباً. كانت متأكدة تقريباً إن الممرضة هتقول عكس اللي قالته بالظبط.
    
    بس الكلام اللي طلع من بقها ريحها قوي، عشان لو كان حصل له حاجة، ما كانتش هتعرف تعمل إيه—كانت هتفضل لوحدها في البيت الضلمة ده، أو حتى ممكن يرموها في الشارع عشان تدبر نفسها.
    
    هي كانت بتهتم بيه، بس بصراحة كانت بتحب جدها جزء صغير قوي منه بس. مش معنى كده إنها بتكره وجوده كله أو أي حاجة؛ دي الحاجات اللي كان بيقولها وبيعملها هي اللي عملت مسافة بينهم. ما كانتش عايزة تكره جدها خالص. بس حتى كرهه كان صعب، عشان كانت بتحس بالذنب على طول بعد كده عشان حاسة الإحساس ده. عشان كده، كانت دايماً بتعمل اللي عليها عشان ما تزعقش أو ترد عليه لما كان بيتعصب. وده كان بيحصل كل يوم تقريباً.
    
    ناليني فاقت من شرودها لما الممرضة قالت لها تطلع بره شوية. مشيتها البطيئة وعينيها اللي كانت تقيلة بانوا في دماغها أخيراً. ما كانتش حاسة بالتعب ده كله غير ساعتها.
    
    كانت جريت على المستشفى على طول بعد ما خلصت محاضراتها، واستنت حوالي ساعة عشان تعرف حالة جدها، وده كان بيغيظ قوي.
    
    ناليني عضت على شفتها اللي تحت وهي بترمي نفسها على الكرسي اللي بره أوضته. التعب غلبها خالص وسندت راسها على الحيطة.
    
    بعد شوية، الممرضة فتحت الباب وجدها خرج بيعرج، كان مغير لبس المستشفى ولابس قميصه القطن البني ولونجيه بتاعه زي العادة.
    
    رفض حتى يبصلها.
    
    فضل برضه رافض يبصلها حتى لما ناليني قامت بسرعة من الكرسي ومسكت دراعه. هو اتنفض لما لمسته، بس ما قالش حاجة.
    
    بعد ما اتكلمت مع الممرضة ومضت على ورقة في حافظة، ناليني مشيت بجدها بالراحة برا المستشفى. أول ما خرجت، الهوا الساقع اللي كان مغطيهم جوه المستشفى اختفى وحل محله الحر والرطوبة المعتادة بتاعة كيرالا.
    
    كأنه كان بيتلوى حوالين جسمها وماسك في جلدها، مخليها مش مرتاحة. مع إنها عاشت هنا طول عمرها، عمرها ما اتعودت على الجو ده، وغالباً عمرها ما هتتعود.
    
    مع إنها لازم تعترف بحاجة: ما كانتش بتعرق زي السياح اللي كانوا بييجوا يزوروا—كانوا بيبقوا غرقانين عرق وهي دايماً كانت بتقاوم الرغبة إنها تضحك، وكانت بتحس بالذنب شوية عشانهم.
    
    أول ما اختفوا من النظر تقريباً، جدها نفض إيديها من عليه ومشي لقدام، وده خلى ناليني تتنهد.
    
    شورت لتوكتوك وركبت، وكانت مستمتعة بالهوا اللي كان بيخبط في وشها ويبردها بسبب سرعة التوكتوك.
    
    لفت راسها ولاحظت إن جدها سرحان خالص ومش واخد باله إنه عرقان جامد. عدلت قعدتها وحاولت تشاور له إنه ممكن ياخد مكانها.
    
    "أنا مش عايز شفقتك،" قالها بحدة.
    
    "يا جدو، أنا ما كنتش—"
    
    "لو قلت لي كده تاني، هخليكي تنامي بره." بص لها بغضب شديد. "عايزة اللي حصل إمبارح بالليل يتكرر؟"
    
    ناليني طبقت على سنانها جامد، بتحاول ما تعيطش أو ترد عليه بأي كلمة. بدل كده، هزت راسها بالراحة ولعبت بالخاتم الواسع اللي في صباعها. هو اتنهد ودلك جبهته بإيده اللي كانت بتترعش.
    
    عضت على لسانها، بتحاول ما تدافعش عن نفسها. كانت عارفة إنه راجل كلمته سيف ومش مجرد تهديد.
    
    الهوا كان تقيل ومليان توتر قبل ما صوته يقطعه.
     
     
     
     "إيه رأيك في الجواز؟"
    السؤال المفاجئ ده فزعها. حواجبها اتقطبوا وعملوا كسرة باينة بينهم. ما كانش بيبص عليها. بالعكس، كان باصص على المنظر اللي بره وهما ماشيين.
    
    "جواز؟" كررتها وهي حاسة إن صدرها بيتخنق عند الفكرة. الكلمة لوحدها شايلة مسؤوليات أكبر من أي حاجة عرفتها. "أنا شايفة إن الجواز حاجة عظيمة ومقدسة. ليه بتسأل؟"
    كام ثانية سكوت عدوا.
    "أنا بفكر في الموضوع ده بقالي شوية ووصلت لقرار." لف وبصلها بعيون غامقة. "إنتي عندك تلاتة وعشرين سنة. أنا مش عايز أراعيكي أكتر من كده، كل شوية أتفكر بموت أهلك من سنين طويلة. أنا شايف إن وقت جوازك جه؛ تبقي مشكلتهم هما من دلوقتي."
    عينين ناليني وسعت وشهقة مكتومة طلعت من شفايفها. ما كانتش مصدقة إنه قال كده، مع إنها عارفة إنها ما ينفعش تستغرب قوي.
    ده كان كلام ممكن جدًا يطلع من جد، بس برضه وجعها أكتر. ده غير إنها ما كانتش عايزة تتجوز دلوقتي—لسه بتدرس وكان حلم أمها إنها تخلص الكلية وتاخد شهادة.
    كمان ما كانتش عايزة تسيب جدها لوحده؛ كان بيعاملها وحش، بس للأسف كان برضه جدها وكبير في السن.
    "بس لو اتجوزت، هتبقى لوحدك خالص،" قالت وهي مكشرة وباصة على إيديها اللي بتترعش. مجرد فكرة جوازها فجأة خلت قشعريرة ساقعة تمشي في ضهرها.
    زمجر وهو مطنش سواق التوكتوك اللي كان بيبص عليهم من المرايات الجانبية.
    "يا هبلة، فاكرة إني محتاجلك؟ هبقى كويس لوحدي،" قال قبل ما يضيف، "وكنت كويس قبل ما تيجي أصلاً."
    عينيها اتملت دموع ما نزلتش. قلبها كان بيحرقها نار ما عرفتش تطفيها. كانت بتاكل فيها وبتنخر فيها، وهي عارفة إنها عمرها ما هتبقى كويسة كفاية بالنسباله.
    التوكتوك هدي لحد ما وقف، وبعد ما دفعت للسواق الفلوس المضبوطة، مشيت ببطء بجدها لحد بيتهم، وساعدته يقعد على الكرسي الهزاز اللي جنب الباب.
    ناليني كانت هتمشي لما مسك رسغها جامد. بصت عليه بعيون واسعة وهي بتحاول تفلت رسغها، والخوف في قلبها إنه هيشتمها ويوجعها تاني.
    الخاتم اللي في صباعها انزلق وهي بتحاول تفلت من مسكته. بس هو ما اهتمش وبص على الجنينة وهو سرحان.
    "هتتجوزي يا ناليني. مش عايز أسمع كلمة لأ." عينيه الغضبانة لفت وبصت عليها. "فاهمة؟"
    الخوف بدأ يسيطر عليها من جواها وخدت خطوة مذعورة ناحية جدها، بتحاول تخليه يفكر بعقلانية. ليه دلوقتي؟ كانت عايزة تعرف إيه اللي وصله لكده.
    "إيه...إيه لو اشتغلت يا جدو؟ أنا...أنا ممكن أصرف علينا إحنا الاتنين."
    هز راسه بغضب شديد. "فاكرة إن الموضوع موضوع فلوس؟ يا بت يا عبيطة. الموضوع موضوع إني أخلص منك،" قالها من غير أي ندم.
    وجع جديد سيطر على حواسها واليأس غلبها وهي بتبص على جدها بعجز. عينيه الغامقة كانت شايلة كره وهي بتبص في عينيها.
    "أنا—"
    "سمعت إن ماهيش بيدور على عروسة." بص على ناليني اللي اتجمدت في مكانها. "هو أكبر منك بكتير، بس هينفع. ما أظنش إن حد تاني ممكن يعوزك." ولما لف وشه عنها بسخرية قاسية، عرفت إن الكلام كده خلص.
    ماهيش؟
    الراجل ده دايماً كان بيلف حوالين حرم الكلية بتاعتها كل ما هي وإيشا يخلصوا محاضراتهم. مش عارفة إزاي كان بيعرف المحاضرات اللي بتحضرها وكان دايماً واقف قريب من المدخل مستنيها تطلع.
    ناليني اترعشت من فكرة إنها تبقى مراته. ما كانتش مستوعبة الموقف الغريب ده. حصل فجأة كده، ومن غير أي إنذار كمان. الجواز حاجة مقدسة وعظيمة—موضوع ما ينفعش يتكلموا فيه باستخفاف أو يستعجلوا فيه كده.
    
    بصت على جدها بعيون واسعة وبق مفتوح. حست بالدموع بتتجمع في عينيها لما استوعبت إن الموضوع بجد.
    "بـ...بس يا جدو، ليه بتقول كل ده؟ أنا...أنا عايزة أكمل دراستي، أرجوك ما تخلينيش أ—"
    "ما تناقشينيش." لف ناحيتها وعينيه كانت باردة زي التلج. "قراري نهائي."
    جسمها كله حس كأنه كان في مية ساقعة تلج ولسه طالعة منها. كانت متخدرة دلوقتي. من غير ولا كلمة، وطت ومسكت الخاتم اللي كان مفاجئ زي حياتها دلوقتي بالظبط.
    لفت ومشيت على أوضتها زي الزومبي اللي ما بيتحركش، وأول ما قعدت على سريرها، شهقات مكتومة وضعيفة هزت جسمها كله، مش بس زورها.
    كانت لسه عندها تلاتة وعشرين سنة يا ناس وماهيش عنده سبعة وأربعين! جدها كان بيجبرها تتجوز راجل أكبر منها بكتير، ومن غير أي ندم. مستحيل حد يكره لحمه ودمه كده. بس هو عملها.
    كمان ما كانتش فاهمة ليه اختار ماهيش بالذات من بين كل الناس.
    ماهيش كمان كان قليل الأدب، أقل ما يوصف بيه. كان بيقول تعليقات سوقية، بالذات عن الستات، وكان بيتريق على لبس الناس، وعلى دينها، وكان دايماً بيعرق جامد، لدرجة إن قميصه كان بيبقى غرقان كأنه واخد دش بعرقه.
    في الحقيقة، كان أي حاجة غير راجل كويس. ما كانش حد لطيف الواحد يقعد معاه خالص، ودلوقتي، جدها عايزها تقضي بقية حياتها مع واحد زيه.
    الفكرة دي خلت شهقات أكتر تطلع منها وبصعوبة كانت بتطلع من جسمها بعنف. الدموع كانت بتنزل على بقها ورا بعض. مسحت وشها بغضب وشمّت.
    ما كانش فيه فايدة من العياط، كده كده هتضطر تتجوز في الآخر. الفكرة دي بالذات خلت موجة تالتة من الشهقات تطلع منها.
    خدت نفس عميق، داخل وطالع، وتنهدت وغطت وشها بإيديها اللي بتترعش. كان لازم تعمل كده. ما كانتش شجاعة كفاية عشان تهرب، وحتى لو هربت، كانت هتضطر تعيش في الشارع عشان ما كانش ليها حد تاني.
    ما كانش عندها اختيار. هو ده اللي حصل.
    
    "إنت تعرف ناليني، صح يا ماهيش؟"
    
    
    
    
    بعد يومين، جدها كان وشه كله ابتسامة فخر وناليني ماسكة صينية فناجين القهوة وبتقدمها لماهيش وعيلته. كلهم كانوا مبتسمين ابتسامة بلهاء وهي جاية ناحيتهم—ماهيش بالذات.
    ماهيش هز راسه وعينيه لمعت بلمعة شيطانية خلت الخوف يدب فيها. عينيها وسعت وهو بيبص عليها من فوق لتحت ولعق شفايفه بطريقة مغرية—بس هي حست كأنه بيبص عليها وبيقيّمها كأنها وجبة فاخرة. حاولت تكتم إحساس الاشمئزاز ده على طول وحولت نظرها.
    بإيد بتترعش، ماهيش مسك القهوة وقربها من شفايفه. ناليني مدت الصينية لأمه اللي كانت قاعدة جنبه، ودست بالغلط على رجله.
    "أوه! أنا آسـ..."
    فجأة اتنفض بخضة وبصق القهوة على الساري الأبيض بتاعها، وبقعة بني عملت شكل وحش.
    صرخت وقفزت لورا، وحست بحرارة القهوة بتتسرب من القماش لجلدها.
    "إيه اللي بتعمليه ده يا ست مش مركزة؟!" ماهيش شتم وهو بيبص لناليني بغضب. "كان لازم تستني لما أخلص قبل ما تعملي أي حاجة تانية، يا أداة غبية! إنتي ما بتعرفيش تعملي أي حاجة؟" زعق وهو مكشر بوشه المدور.
    كلامه وجع ناليني قوي وخلاها تتنفض. ما كانش ممكن يكون بيتكلم بجد. دي كانت غلطة وهو بيهاجمها، وكل الناس ساكتة كمان.
    ما كانتش مصدقة إنه ممكن يقول كلام زي ده! عضت على شفايفها عشان ما تتكلمش من غير دور وحاولت تشغل نفسها بأنها مسكت منديل وقعدت تدعك مكان الحرق، وهي غضبانة وزعلانة.
    بصت على جدها بسرعة عشان تشوف هيقول حاجة ولا لأ، بس...ما قالش. حتى ما اهتمش خالص بقلة أدب ماهيش، وبالعكس، ابتسم لهم ابتسامة اعتذار.
    بص لها نظرة تهديد، وبكل قوتها قدرت ما تكشرش أو تبص له بغضب هي كمان. أهل ماهيش ما قالوش حاجة هما كمان وبصوا لها بعيون بتلوم كأن اللي حصل ده غلطها هي.
    بصت حواليها وحست بالخزي وهي بتنكمش، وكل اللي كانوا موجودين بيبصوا لها كأنها حيوان متوحش.
    النظرات اللي كانت بتتبص لها كانت أكتر من طاقتها؛ حست إنها مش عارفة تتنفس. على طول، حطت الصينية وجريت على أوضتها، والدموع بتهدد بالنزول.
    ما كانتش عايزة تنهار دلوقتي. ده قدرها. ما فيش حاجة ممكن تعملها، والفكرة دي بس خلت صدرها يتخنق أكتر.
    بس كان فيه إحساس متزايد إنها ترجع تاني وتشتِم كل اللي كانوا موجودين عشان بيقللوا منها كأنها ولا حاجة، لمجرد إنها ست.
    ماهيش كان وضح كل ما كانت بترجع من الكلية إنه ما بيحبش الستات اللي بتدرس بعد الجواز، وده كان دايماً بيخلي دمها يغلي. كانت عايزة تكمل وتخلص شهادتها، عشان نفسها وعشان أمها.
    ما فيش راجل هياخد ده منها.
    الموضوع خرج عن السيطرة دلوقتي. عمرها ما تخيلت إن جدها ممكن يوصل لدرجة إنه يجوزها لواحد كبير في السن وقليل الأدب زي ماهيش، عشان بس يخلص منها—ومن غير ما يهتم بمشاعرها هي كمان.
    ما فيش حاجة كانت منطقية. رمت نفسها على السرير على بطنها وتنهدت—كأنها بتزمجر—في المخدة.
    ده ما كانش عدل.
    الجوازات المدبرة بتحصل، بس الجوازات المدبرة بالإجبار دي أكيد ما بتحصلش.
    أو على الأقل، ما كانش المفروض تحصل.
    كانت لسه سامعة صوت تذمر ماهيش الخفيف من بره وهو بيعاتب جدها، بس فضلت مستخبية في أوضتها حتى بعد ما الشمس غربت. والضلمة بدأت تغطي أوضتها وتخفي أي نور باقي، بصت على الصليب اللي كان متعلق فوق سريرها.
    دموع قليلة نزلت على خدها وشفايفها اللي تحت اترعشت وهي بتبص على يسوع على الصليب. لو يسوع مات عشان الكل، حتى الناس اللي في الوقت ده ما كانوش بيحبوه، يبقى هي لازم تقدر تعمل ده عشان جدها، اللي ما بيحبهاش.
    مع إنها ما كانتش عايزة تعمل له أي حاجة، ما كانش فيه حاجة تانية ممكن تعملها. دي كانت خطة ربنا ليها، وهي هتتقبلها، مهما كانت بتكرهها.
    
    
    
    
    
    الساعات عدت وناليني فضلت قافلة على نفسها أوضتها، بتلعب بالخاتم اللي في صباع إبهامها وده كان بيهديها شوية.
    
    اتخضت شوية لما باب أوضتها فتح بصوت التزييق. خطوات جدها اللي مش متساوية بسبب عرجته كانت بتخبط في الأرض. قرب من جسمها المتصلب.
    
    "يا ناليني."
    
    صوته كان قاسي وبعيد. ناليني حاولت تسكت، عشان تبين له قد إيه هي زعلانة منه، بس الإحساس بالذنب سيطر عليها بسرعة وكتفها نزلت بيأس.
    
    شفايفه كانت متنية لتحت بغضب وهو بيدرس وش ناليني.
    
    "الموضوع ده مفاجئ ليكي قوي، بس ماهيش كان عايز يتجوزك من ساعة ما بدأ يدور على عروسة من سنتين."
    
    لما سمعت اسم ماهيش والجواز، أي ذرة سعادة أو أمل اختفت وحست إنها اتنفخت. حولت نظرها عن جدها بس سمحت له يكمل كلامه، حتى وهي قربت تعيط عياط مرير.
    
    "فاللي أنا بقوله، ما تعمليش أي حاجة تخليه يفقد اهتمامه بيكي،" طلب منها. "وباللي حصل قبل كده—أنا بقترح تتعلمي تبقي ست أحسن، عشان ماهيش. ما تكرريش اللي عملتيه تاني."
    
    عينيها وسعت وخدت نفس حاد. ما كانتش مصدقة اللي بتسمعه. هو كان بيدعم ماهيش مع إن الغلط كان واضح إنه منه؟ ناليني عضت على لسانها، بتقاوم الرغبة إنها تقول أي كلمة تتخطى الحدود.
    
    لو قالت أي حاجة تغضب جدها، كان هيعاقبها بأنها تنام بره بالليل أو يحبسها في الأوضة.
    
    بصراحة كانت فاكرة إنه هيطردها بره وما يديلهاش عشا بسبب اللي حصل مع ماهيش، بس ما عملش كده، وده كان من حسن حظها.
    
    جدها كان قاسي لأقصى درجة، بس كلام أمها كان دايماً بيرن في ودانها كل ما كانت عايزة تزعق له.
    
    "ده راجل عجوز—هيقول ويعمل حاجات هتضايقك بس لازم تبقي الأحسن والأكبر وتسامحيه. ده اللي ربنا عايزه."
    
    وهي ما كانتش ممكن تتفق أكتر مع الكلام ده، بس ساعات، كان صعب قوي تنفيذه.
    
    صوت تنحنح خلاها تبص لفوق. جدها كان بيبص عليها بجمود. "هتتجوزيه."
    
    "أنا عايزة أدرس،" قالت وهي بتحاول تتفاهم للمرة الأخيرة. كانت عايزاه يهدي؛ مع إنها ما كانتش عايزة ده، كانت هتعمله. جزء منها كان عايز يتجوز عشان تهرب منه، بس جزء تاني ما كانش عايز خالص.
    
    جزء كبير منها ما كانش عايز.
    
    هز راسه وحواجبه اتقطبوا وعينيه ضاقت في نظرة حادة حرقتها.
    
    "هتتجوزي يا ناليني. مش عايز أسمع عن أحلامك الفارغة دي ولا أي حاجة من دي."
    
    اتكلم كأنها عبء وحست بإيديها بتترعش. مستقبلها كان بيتقرر بشكل جذري من جدها عشان بيكرهها.
    
    ما كانتش عايزة الأمور تمشي زي ما ماشية كده.
    
    "يا جدو،" همست بوجع وصوتها بيتكسر، "أنا...فاهمة."
    
    أنا مش فاهمة أي حاجة خالص.
    
    "تمام،" قال براحة فيها ارتياح. وبعدين ضحك ضحكة خفيفة، صوتها كان أجش ومخنوق منه، وده خلى عينيها تلف ناحيته بصدمة.
    
    نادراً ما كان بيضحك، وبالذات وهي موجودة. "يا ريتك بس كنتي زي معظم شباب اليومين دول ولقيتي حب—كان ده هيسهل عليا الأمور."
    
    شباب اليومين دول؟ بصراحة، ناليني كانت لازم تتفق مع جدها في النقطة دي. ما كانتش زي معظم الشباب دلوقتي.
    كانت بتلبس لبس تقليدي وما بتحبش أي حاجة بتعتبرها وحشة زي الشرب والسجاير والشتايم وحتى الحفلات. ناليني كانوا دايماً بيقولوا لها إنها كان المفروض تعيش من خمسين سنة فاتوا، وده تعليق كانت بتتفق معاه جداً.
    العيشة في الماضي كانت دايماً بتعجبها. كانت دايماً بتحس إنها غريبة شوية وكأنها قطعة بسكوت مختلفة وسط الكل، حتى إيشا.
    ناليني هزت راسها بابتسامة مريرة على وشها. "يا ريتني كنت أتجوز أمير، كنا ممكن نعيش كلنا سوا ونجيب الممرضة الملكية تعالجك وتساعدك تخف،" همست لنفسها بحماقة.
    جدها بص لها كأنها طلعت لها راسين، وشفايفه كانت متنية في خط رفيع وغضبان. "كان ده هيسهل عليا الأمور عشان كنت هقدر أجبر حبيبك ده إنه ياخد باله منك وده معناه إني أخلص منك أسرع."
    الكلام وإدراكها لمعناه الحقيقي وجعها قوي في بطنها. ليه ده بيحصل لها، ما كانتش عارفة. بتنهيدة يائسة، هزت راسها.
    "تمام كده،" تمتمت بصوت واطي، ودمعة نزلت على خدها. حاولت تخفي إنها بتعيط، لفت وشها الناحية التانية وطلعت ضحكة مصطنعة.
    ما كانش فيه فايدة من العياط، كانت عارفة كده. طب ليه ما كانتش قادرة تبطل؟ ده سؤال كان بيرن في دماغها، حتى وجدها بيتجاهلها وخرج من الأوضة وقفل الباب، والضلمة غرقتها جوه الأوضة الصغيرة.
    تنهيدة صغيرة طلعت من شفايفها. يا ترى قد إيه كانت عايزة تهرب أو تقول لحد.
    قد إيه كانت عايزة تزعق له.
    بس ما كانش ليها حد غيره. كان ليها أصحاب، بس ما كانوش الناس اللي ممكن تشارك معاهم حاجات شخصية بجد.
    راحت عشان تنام تاني لما موبايلها عمل صوت رنة، صدى في السكون. بصت على شاشتها اللي منورة قوي وكأنها بتنور في الضلمة ومسكتها وقرت الرسالة.
    بالحديث عن الأصحاب، كانت من إيشا—صاحبتها من الكلية.
    "لازم أقولك على حاجة، أرجوكي قولي إنك هتيجي تقابليني في الكافيه بتاعنا بتاع زمان!"
    ناليني تنهدت وعضت على شفايفها وهي مستغربة. ما كانش ليها نفس تعمل أي حاجة النهاردة، بس دي إيشا وهي محتاجة مساعدة.
    
    
    
    
    
    طلعت تنهيدة صغيرة فيها ضيق، وقامت بكسل ومشيت ناحية الباب وهي بتعدل شال الكورتا الأسود بتاعها. ما كانتش محتاجة تستأذن جدها عشان تخرج لأنه ما كانش بيهتم بعملت إيه. دي كانت النقطة الإيجابية الوحيدة في كرهه ليها؛ كانت ممكن تروح أي مكان وهو ما يهموش.
    بعزيمة، خرجت من أوضتها ومن باب البيت، بتحاول تتجاهل وجود جدها اللي قاعد على الكرسي الهزاز. بسرعة شورت لتوكتوك عشان يوصلها للكافيه اللي هي وإيشا متعودين يتقابلوا فيه.
    طول الطريق، ما قدرتش تبطل تفكر إيشا عايزة تقول إيه وفضولها كان بيحك في دماغها بشكل مزعج.
    يا رب ما يكونش خبر وحش؛ ناليني ما بتعرفش تتعامل كويس مع الأخبار الوحشة...بالذات مش بعد الخبر اللي لسه واخدته من جدها.
    
    "أرجيت سابني!"
    ناليني رمشت، وهي مذهولة تماماً من الخبر. ده اللي كانت عايزة تقوله؟ ضيعت وقتها وهي مستنية خبر فظيع وفي الحقيقة، ما كانش فظيع قوي.
    
    "إنتي ناديتيني هنا...عشان كده؟" سألت ناليني وهي بتهز راسها للبنت اللي مكشرة قدامها.
    إيشا هزت راسها، وغضب مرسوم على شفايفها وهي بتبص بغيظ على نقطة في الترابيزة. "ده بني آدم غبي ومتخلف! سابني بعد ما قال لي إني 'مملة' زيادة عن اللزوم—إزاي أنا مملة؟!"
    ناليني تنهدت وبصت على صاحبتها اللي بتعيط، وحست فجأة بوخزة ذنب. زعلت عليها. ما كانتش مملة ولا ناقصها أي حاجة. إيشا كانت جميلة؛ بشرتها فاتحة ورقيقة، عشان كده ناليني اتفاجئت تماماً إن أرجيت سابها.
    "إنتي مش مملة يا إيشا." ناليني مدت إيدها من على الترابيزة وحطت إيدها على إيدها. "أرجيت عبيط عشان سابك. إنتي أطرف وأكتر بنت مثيرة أعرفها وأنا بحبك عشان كده. هو ما يستاهلكيش،" قالت وهي بتتكلم بصدق.
    الكلام اللي طلع من بق ناليني ما كانش غير من قلبها. كانت بس بتمنى إن إيشا تصدق ده زي ما هي مصدقاه بالظبط.
    إيشا لحسن الحظ بطلت عياط ومسحت خدودها بإيديها الصغيرة. ابتسامة صغيرة انتشرت على وشها وبينت أسنانها البيضا المستوية.
    "واو، ده كان كلام عميق قوي،" قالت بصوت مبحوح وبعدين بصت على إيدها بابتسامة عريضة.
    "يعني لسه لابسة الخاتم اللي جبتهولك بعد كل السنين دي. أنا مبسوطة قوي!"
    ضحكت. "إنتي بتقولي كده طول الوقت كأنك مش مصدقة. إنتي عارفة أنا بحبه قد إيه."
    شمّت ورفعت عينيها لفوق بملل، وابتسمت ابتسامة مهزوزة. "عارفة. أنا بس بحب أسمعك بتقوليها. أنا أحسن صاحبة في الدنيا، صح؟"
    كان دور ناليني ترفع عينيها لفوق بملل المرة دي بس هزت راسها، بغض النظر.
    "أيوة، إنتي 'أحسن' صاحبة في التاريخ."
    "في التاريخ كله، ها؟ ترقية—أنا متفاجئة."
    بعد ما ضحكوا على كلامهم السخيف، إيشا فجأة بقت حزينة وهادية تاني.
    "بصي، بجد، أنا آسفة قوي يا ناليني. ناديتك هنا وبدل ما نتكلم كلام زي ده، كنت بس برغي عن نفسي."
    "لا، عادي،" قالت وهي مش عايزة تتكلم عن جوازها القريب من راجل كبير في السن.
    "لا، اسكتي. أنا بحاول أبقى البني آدم الأحسن هنا." إيشا طلعت تنهيدة كبيرة. "يلا قولي! إيه اللي بيحصل في حياتك؟ بقالنا كتير ما اتكلمناش."
    ناليني حست بعدم ارتياح فوري لتغيير الموضوع. أكيد ما كانتش عايزة تتكلم عن نفسها وعن اللي بيحصل.
    مستحيل تخلي أي حد يقول كلمة وحشة عن الشخص الوحيد اللي باقي لها في حياتها. ما كانتش هتمانع طبعاً، بس ده كان هيخليها تحس بالذنب أول ما ترجع البيت.
    "أنا... هتجوز،" قالت أخيراً، وهي بتتكلم كأنها بتواجه صعوبة في شرح معادلة رياضية معقدة.
    بق إيشا اتفتح بصدمة وعينيها الواسعة وسعت أكتر. "إيه؟ إمتى؟! مين ده وإزاي عمرك ما جبتيش سيرته ليا قبل كده؟!"
    ناليني رفضت تبص على البنت الفضولية اللي قدامها. "إنتي عارفة إني طول عمري كنت عايزة جواز تقليدي، صح؟" بدأت بخجل. إيشا هزت راسها وشورت لها بإيديها عشان تكمل. "طيب، أنا هتجوز جواز تقليدي من... ماهيش."
    كانت بتمنى إن إيشا ما تكونش سمعتها كويس وتعديها، بس ده ما حصلش.
    "إيه؟!" صرخت. "ماهيش؟! الراجل الكريبي اللي بيستناكي بعد الكلية؟ جدك هيجوزك لراجل عجوز وتخين؟!" إيشا كانت غضبانة، وخدودها احمرت من الغضب.
    
    ناليني اتنفضت. رد فعلها كان زي رد فعلها من جواها، وده خلى حقيقة كل ده توجع أكتر.
    "هو مش... وحش قوي،" حاولت تقنع بصوت واطي، وهي مش مصدقة الكلام ده خالص.
    ما كانتش مصدقة إنها بتدافع عن جوزها المستقبلي.
    ده مقرف أوي.
    إيشا كشرت وحطت إيدها على وشها بتعبير يأس. "إيه الهبل ده؟ ما تقوليش إنك وافقتي."
    كام ثانية سكوت عدوا بينهم وإيشا اتأوهت كأنها استوعبت حاجة.
    "كنت مضطرة،" ناليني قالت بسرعة. "جدي..." وسكتت. إيشا ما كانتش تعرف جدها عامل إزاي وقد إيه كان قليل الأدب معاها وناليني ما قدرتش تقول لها. "...جدي تعبان وده أول طلب يطلبه مني في حياته. عايز يشوفني بتجوز حد يعرفه ويثق فيه."
    إيشا رفعت حاجبها بتشكك. "هو مش بيهتم بسعادتك؟"
    
    
    
    
    "هو عارف إني طول عمري كنت عايزة جواز تقليدي، عشان كده فاكر إني هبقى مبسوطة بعدين. هو بجد مؤمن إن ماهيش كويس من جواه ورا كل... قلة أدبه دي،" شرحت ناليني، وبطريقة ما قدرت تخترع كذبة، يا رب تكون مقنعة كفاية. عشان تشغل نفسها، نفخت في الشاي بتاعها وشربت منه، مستنية رد إيشا.
    "ده كلام فارغ!" إيشا زعقت، ولفتت انتباه ناس تانية.
    ناليني هزت إيدها لفوق وتحت عشان تسكتها، بس ما كانتش منتبهة. "أنا مش فاهمة ليه لازم تتجوزي واحد أكبر منك بعشرين سنة. إنتي تستاهلي أحسن بكتير وإنتي عارفة كده!"
    ناليني بصت عليها وعينيها اتملت دموع. "ما عنديش اختيار تاني. هو عمال يقول إنه مش هيقعد كتير وعايز يشوفني مبسوطة ومتجوزة وعندي عيال،" قالت وهي مستغربة من هدوئها وهي بتكدب.
    إيشا طلعت صوت تذمر مكتوم ومزعج ما كانش لايق يطلع منها. "ليه ما تفكريش في سعادتك إنتي؟ بجد هتبقي مبسوطة لو اتجوزتي ماهيش؟"
    لأ، طبعاً لأ!—ده اللي كانت عايزة تقوله. بس ما قالتش، وبالعكس، هزت راسها بالراحة.
    "هتعلم أحبه وهبقى مبسوطة بعد جوازنا،" همست وقلبها اتقبض جامد عند الفكرة. "ده اللي جدو عايزه. وبعدين، ما أقدرش أقول لأ. ما عنديش اختيار."
    الجزء ده كان حقيقي. جدها كان عنده علاقات كتير مع عصابات لأنه كان جزء منهم وهو صغير. كانت عارفة اللي عمله لعيال أصحابهم اللي أغضبوه أو خانوه، فما بالك باللي ممكن يعمله بحفيدته.
    ما كانتش بتشك في تهديداته إنه هيدور عليها ويقتلها عشان فضحتو، أبداً، لأنها شافته وهو بيدي أوامر بصوت عالي من وقت للتاني من وهي صغيرة.
    البنت الصغيرة اللي قدامها غطت وشها بإيديها وطلعت تأوه تاني فيه إحباط.
    "يا ست، إنتي سخيفة. الحل بسيط؛ اهربي وبوف—" استخدمت إيديها عشان تقلد صوت انفجار. "—المشكلة اتحلت!"
    أبداً! الاقتراح ده خلى ناليني تضيق عينيها وتهز راسها بغضب شديد.
    "ما أقدرش أهرب!" همست بصوت عالي شوية وهي بتقرب.
    الهروب أكيد ما كانش اختيار ممكن تعمل بيه. كانت هتبقى ميتة لو عملت كده.
    حرفياً.
    يمكن لو كان عندها بيت في الريف وجد هادي ما حدش يعرف عنه كانت ممكن تهرب بس ما كانش عندها كده. إيشا ربعت إيديها وبصت على ناليني باستياء.
    "إنتي عارفة إيه، أنا مش فاهمة ليه ما تقدريش تاخدي بالك من جدك حتى من غير ما تكوني متجوزة."
    عشان هو عايز يخلص مني.
    ناليني تنهدت بس ما اهتمتش تشرح.
    بعد كام ثانية سكوت وهما الاتنين بيشربوا قهوتهم بهدوء، إيشا فجأة قطعت الصمت.
    "طيب، هتتجوزي إمتى؟" سألت بحزن.
    "ما أعرفش،" ناليني همست بنفس النبرة وهي بتلعب بخاتم فنجانها الفاضي. "لسه ما فيش حاجة اتقررت."
    إيشا طلعت نفس طويل مبالغ فيه والابتسامة المصطنعة اللي كانت على وشها اختفت. "يا رب لك الحمد! ده معناه إنك لسه ممكن تفلتي منها،" قالت بابتسامة شيطانية.
    ناليني بصت لها نظرة عدم تصديق وهزت راسها. حاولت تفكر في طرق كتير عشان تهرب من الجوازة دي، بس تقريباً ما كانش فيه أي طريقة. حتى لو قررت تثق في إيشا، ده معناه إنها هتحملها هي وعيلتها عبء، وما كانتش ممكن تعمل كده.
    أبو إيشا كان أصلاً بيمر بظروف صعبة، لأنه كان اتفصل من شغله من شهرين وكان بيربي خمس عيال، منهم هي. مستحيل ناليني تطلب منه إنه ياخد باله منها هي كمان.
    بتنهيدة، مسكت رسغ إيشا ولفتها عشان تبص على الساعة. أول ما شافت الوقت، عينيها وسعت وقامت بسرعة من الكرسي.
    "يا إلهي، لازم أمشي،" قالت بلهفة وهي بتحط نص الفاتورة على الترابيزة. "هكلمك بعدين."
    أول ما خدت خطوة لقدام، سمعت إيشا بتقول حاجة من وراها، ونبرة صوتها ما كانش فيها غير خيبة أمل.
    "إنتي بجد تستاهلي أحسن يا ناليني."
    الكلام ده كان كفاية يكسر قلبها. كانت عارفة إنها تستاهل أحسن هي كمان، بس ده عمره ما هيحصل.
    ده ما كانش واقعها.
    
    

    Pages

    authorX