موصى به لك

الأقسام

الأفضل شهريًا

    الأعلى تقييمًا

      قرية المنسيين - روايه فانتازيا

      قرية المنسيين

      2025, Adham

      فانتازيا

      مجانا

      250 جنبيه

      500 جنبيه

      بنت بتعيش في قرية لوكفيو المتدينة والمحافظة، واللي أهلها تبنوها. بيني مختلفة عن أهل القريه، بتحب كل حاجة سودة وروايات الرعب، وده بيخليها منبوذة، خصوصًا من كورتني كاول المتنمرة. الأحداث بتتصاعد في الفصل الدراسي، وبيني بتكتشف إن فيه عالم تاني بره قريتها، وبتحس إن أهلها خانوها لما أخفوا عنها ده. القصة بتسلط الضوء على تناقض القيم بين بيني ومجتمعها، وبتكشف عن أسرار مظلمة ممكن تكون ورا المظاهر الدينية للقرية وقائدها الغامض.

      بيني سلوان

      مختلفة عن مجتمعها المتدين في قرية لوكفيو. تحب اللون الأسود وروايات الرعب، وتشعر بالانعزال. تكتشف عالمًا خارج قريتها وتشعر بالخيانة من أهلها لعدم إخبارهم إياها. تعمل في متجر أسطوانات وهي فخورة باستقلاليتها.

      كورتني كاول

      متنمرة الفصل والخصم الرئيسي لبيني. فتاة قوية البنية وشريرة، تستمتع بمضايقة بيني. لديها مشكلة في التحكم في غضبها، وهذا السر تعرفه بيني.

      القسيس جوزيف

      قائد كنيسة لوكفيو ورئيس القرية. شخصية محترمة ومهابة في القرية، ولكن بيني تراه مخيفًا وتشعر بأنه يخفي سرًا مرعبًا بسبب مظهره الشاحب وعينيه الغامضتين.

      ريتشارد وكارولين

      والدا بيني بالتبني. شخصيتان متدينتان ومحافظتان، يحاولان تغيير بيني لتناسب قيم القرية ويصليان من أجلها.
      تم نسخ الرابط
      قرية المنسيين - روايه فانتازيا

      الإنسان بيشوف اللي عايز يشوفه. في كل حي، قرية ومدينة، فيه حوادث كان ممكن تتمنع لو حد تاني كان منتبه، بس العين اللي ممكن تفيد بتكون غايبة في الوقت المناسب. لما الأستاذ كولين بوكيت، المطور العقاري الغني، اتسرقت جائزة الجولف الغالية بتاعته من جنينته، الجيران ما شافوش الحرامي، بالرغم إن الجريمة حصلت في عز النهار. بس كلهم كانوا يعرفوا مين الأستاذ بوكيت، لأنه بنى فندق في نفس مكان قاعة الشباب.
      ولما شيلا كودمور وقعت من بلكونة شقتها في مايفير على الإسفلت تحت، الشهود القليلين، بعد ناس كتير عدت من جنب جسمها الملفوف في الشارع ومفتكراه كومة هدوم قديمة، ما شافوش الأيادي المعقودة اللي زقتها. الموت ده كان صدمة لكل اللي في المنطقة، لأنهم كلهم كانوا يعرفوا شيلا والطريقة اللي جابت بيها ثروتها.
      فيه حاجات تانية، حاجات أكبر، الناس ما بتاخدش بالها منها. زي مساعد رئيس الوزراء، اللي طلع ساحر، ومجموعة الساحرات اللي يمتلكوا معظم المحلات في شارع أكسفورد. أو إيه رأيك في حفلة مصاصي الدماء اللي بتتعمل في بال مول كل سنة في شهر ديسمبر؟ هما ما يعرفوش بوجود السحرة، الأشباح، العفاريت، المستذئبين والهياكل العظمية اللي بتتكلم، أو الشاران والبهلوانات والسحرة الكبار. منين بتيجي كل المخلوقات دي؟ من نفق صغير في جسر لندن، ومع ذلك البشر ما يعرفوش حاجة. شخص واحد بس كل أربع سنين بيتعرف السر ده – عمدة لندن – وحتى هو بيكون متردد يشوف الحاجات دي. بس دي طريقة تفكير العقل البشري.
      وكانت الدنيا بتمطر جامد في جسر لندن في عصر يوم من أيام أبريل. اللي حاولوا يتوقعوا الجو البريطاني اللي ما يتوقعش، دفعوا الثمن وهم واقفين في محطات الأتوبيسات بشورتات، تنانير قصيرة وشباشب. زوجان أفريقيان بشعر مجعد، ملفوفين في معاطف خندق طويلة وغامقة، عدوا من جنب ناس كتير لابسة خفيف وهم رايحين لباب عربية القطر بتاعتهم، نزلوا من الأبواب أول ما وصلوا للرصيف رقم تلاتة عشر، ومشوا لحد بوابات التذاكر.
      
      "الناس دي ما بتتعلمش أبدًا." "احكي لي عن كده."
      الزوجان سابوا أرصفة المحطة ونزلوا درج في اتجاه الخط الشمالي. كانوا لابسين نظارات شمس بالرغم من غياب الضوء، وكوفيات مغطية النص التحتاني من وشوشهم. لما طلعوا بره، الست فتحت شمسيتها السودا ومسكتها فوق راسهم. الراجل ابتسم بامتنان.
      
      "إمتى هنلاقيه؟" سأل الراجل اللي اتكلم الأول. "ما اعرفش،" قالت الست. "يا إلهي، بقاله شهر واحد بس حوالينا واحنا في مشاكل كتير أوي." "ما تثقش أبدًا في ساحر."
      الراجل ابتسم ابتسامة ساخرة رغم عنه. قربوا من محل العجل ولفوا عشان يمشوا تحت النفق الطويل والمظلم لشارع ستينر.
      
      "الريس هيبقى زعلان، مش كده؟" قالت الست. الراجل وقف وبص لرفيقته وحواجبه مرفوعة. "هو عمره ما بيزعل مننا يا رايدر." "لا، أنا بتكلم عن الوفيات. هو هيزعل على الوفيات." "تفتكري هو عارف بالفعل؟" قال الراجل. "لازم يكون عارف. هو بيعرف كل حاجة."
      الست، رايدر، مررت إيدها على الحيطة الطوب. بعد لحظة، وقفت قدام أغمق طوبة وشَدِّتها. مجموعة مفصلات طلعت من فوق، مع خط فاصل، وغطا اتفتح منها، كاشفًا عن فتحة مفتاح تحتيه. رايدر طلعت مفتاح ذهبي صغير من جيبها، لفته في القفل، وباب سري اتفتح على الأرض قدامهم. كانت لسه هتنزل، لما الراجل مسكها.
      
      "آخر مرة أكلنا إمتى؟"
      "إيه؟" قالت، "إحنا أكلنا الصبح-"
      "لا..." قال بخجل. "تحبي نروح مكان؟"
      "آه."
      ما لحقتش تخلص كلامها قبل ما يسحبها عبر الشارع ويرجعها للشارع الرئيسي.
      "فورست!" صرخت.
      "إيه؟" نادى عليها وهو بيعدي الشارع. ما كانش فارق معاه إنهم بيعملوا مشهد - ساعات كانوا حذرين زيادة عن اللزوم، بالرغم إنهم كانوا شبه البشر بما يكفي. عرف إن ده تفكير سخيف؛ كانوا شبه البشر بما يكفي بمعايير الزاحفين. لما تكون واقف جنب ساحرة بوش أخضر، أو شبح، ده بيبقى حتمي إلى حد كبير. البشر ممكن يكونوا ضايقوه أحيانًا، بتباهيهم المستمر في المطر، بس ما قدرش يمنع نفسه من حسد حريتهم في إظهار جلدهم ولسه يبانوا طبيعيين.
      
      
      
      
      مشى الزوجان في هايز جاليريا، كانت زحمة زي كل أيام السبت التانية. هايز كان مكان جميل، بسوقه الداخلي وديكوراته الدهبية. كان بيمثل كل حاجة بيحبها فورست في المدينة؛ الفن اللي متعلق على العوارض المعدنية السميكة، الناس اللي واقفة بحذر جنب أكشاكهم المصنوعة يدويًا، واللي عليها معروضات من تحف غريبة ومختلفة من بلاد بعيدة. المبنى كان عامل زي ساحة سماوية، والسقف الشفاف كان بيقسم الشمس لملايكة مثلثات صغيرة في اليوم الحلو.
      عدوا من جنب نافورة على شكل قارب تجديف معدني وطلعوا سلم صغير. منظر نهر التايمز كان على شمالهم، وسكان لندن المبلولين والمليانين مية على يمينهم. المطر كان بينزل على النهر زي إبر فضية، وبيخترق السطح الصافي، ويبعت تموجات وموجات تتكسر على جدران الجاليريا.
      
      "إنت واخدني للمكان اللي أنا فاكرة إنك واخدني ليه؟" سألت رايدر وهي بتلهث وبتحاول تواكب خطوات فورست الطويلة والسهلة. "أيوة،" قال فورست. "بقالنا كتير. كتير أوي."
      عدوا من ميدان تاور بريدج، وعدوا على جزارين، مخابز، ومحلات خمور. الناس بصت على الزوجين وهما معديين. رايدر ما فهمتش ليه؛ أكيد كانوا لابسين تقيل أوي، بس ما كانوش لابسين بشكل غير لائق.
      فورست وقف أخيرًا عند باب أخضر مدمج في حيطة حجرية. كان فيه شباك زجاج ملون ومقبض باب مرصع بالجواهر. بعد تلات خبطات، استقبلهم في مقهى صغير للزاحفين. كان دافئ ومريح، فيه ترابيزات خشب بلوط مستديرة وبار طويل مزين بزجاجات سائل وردي، أزرق وأخضر. مرايات صغيرة كانت ماشية على الحيطان الطوبية وباب أخضر تاني كان في الضهر.
      
      "أهلًا بيكم يا جماعة،" قال راجل نحيف لابس مريلة. سلم على إيد فورست، وباس خد رايدر، ودفعهم لترابيزة في ضل الأوضة. كان فيه بس زوجين تانيين في المقهى وما بصوش وهم بيعدوا فورست ورايدر.
      رايدر قلعت نظاراتها الشمسية، وكذلك فورست، وبصت في عينيه القرمزيتين. كانت بتشوف نفسها منعكسة فيهم، حتى كانت بتشوف دمه بيتحرك ورا قزحية عينيه زي البحر اللي بيتكسر على الشباك الدائري لسفينة قديمة.
      
      "مش هبوظ اللحظة ولا حاجة،" قالت بابتسامة، وورّت أسنانها الحادة المدببة. "بس أنا متأكدة إن الرئيس مستنينا في البيت." "ممكن يستنى." قال فورست. ضيق بوقه وهو بيستوعب قد إيه الكلام ده كان متمرد، وقلب في القايمة بتوتر. "يعني، لو عايز يستنى." "إنت غبي،" قالت رايدر. "وعلى أي حال، الرئيس غالبًا زهق وراح الملاهي أو حاجة." "هو بيحب الملاهي." وافق فورست. سرق نظرة لرايدر، فتح بوقه عشان يقول حاجة، بس اتقطع كلامه بصراخ مزعج للأذن من بره.
      نطوا، مسكوا نظاراتهم وجريوا بره المقهى، بس كان فات الأوان. سحابة دخان بنفسجية كانت غلفت الممر كله، وكان فيه بشر مذعورين بيجروا فيها يدوروا على مخرج.
      
      "خلي بالك يا رايدر." قال فورست وهما بيعدوا من السحابة. ست كانت على الأرض وكان فيه دم بينزل من ودنها. ولد مراهق كان بيلف حوالين نفسه بتوهان. "فورست، شايفه؟" "لا، هو مش موجود هنا أصلًا."
      فورست مسك الست، وبعدين الولد، وجرى بيهم تاني للمقهى. رايدر دخلت بعدها بثانية، بتجر وراها ست تانية شابة.
      
      "هما كويسين؟" قال صاحب المقهى. ساعد يسند الضحايا على الحيطة البعيدة. الزوجان التانيين من قبلها كانوا متجمعين حواليهم بمناشف ومراوح.
      
      "ده من عمله؟" سأل قزم، أصلع بأذنين مدببتين. "آه،" قالت رايدر. "وإحنا جينا متأخر."
      الضحايا التلاتة كانوا بيتهزوا على الحيطة. عينيهم كانت متغطية بفيلم أزرق أبيض، بيبصوا على مكان هما بس اللي شايفينه. بشرتهم الشاحبة كانت بتشد، وجروح جديدة كانت بتفتح على دراعاتهم. ماتوا بعد لحظة.
      
      "ما ينفعش يفضل يعمل كده،" قال صاحب المقهى بحزن. "يعني، غطائنا هينكشف. ناس بريئة هتفضل تموت."
      "قول لي حاجة ما أعرفهاش،" قال فورست. بص من باب المقهى. الدخان كان بيبدأ يصفى، وكان لسه فيه ناس كتير بتتحرك حواليه. من اللي قدر يشوفه، كتير من البشر كانوا فاكرين إنها نوع من المقالب، لو ابتساماتهم المذهولة ممكن تقول حاجة.
      
      "رجعوهم بره تاني،" قال الراجل الأصلع، اللي كان واقف ورا فورست دلوقتي. "قبل ما الدخان يصفى."
      بمساعدة صاحب المقهى، عمل كده بالظبط، مستني الصرخات المدوية اللي هتصدر في لحظة إدراك الكل إن الدخان ما كانش مقلب أبدًا.
      
      "يا إلهي!" صرخ حد، وظلال حشد مرتبك طلعت من شباك الزجاج الملون. "تفتكر ده الوقت اللي نشوف فيه الرئيس؟" سألت رايدر. فورست أومأ لها برأس حزين. "يلا بينا." تنهد.
      أومأوا لصاحب المقهى وللباقين في الأوضة، اللي نادوا بتطمين، واندفعوا من الباب الخلفي اللي بيودي للناحية التانية من الممر. جريوا فيه، بيدفعوا الناس وهما ماشيين.
      
      "هو بيهاجم كل ما بنرتاح!" صرخت رايدر. ما كلفتش نفسها تفتح شمسيتها المرة دي. "أعرف،" قال فورست. "أكتر حاجة مزعجة إنه عمره ما بيكون موجود."
      بحلول الوقت اللي عدوا فيه الشارع الرئيسي، الاتنين كانوا لاهثين. فورست عبس. يا ريته ما حاول يكون رومانسي وبس رجع البيت على طول! يومهم كله اتدمر. حسنًا، كان المفروض إنهم راحوا لزعيمهم في المقام الأول؛ على الأقل كان عندهم حاجة يقولوها له المرة دي. مرة تانية، رايدر شدت الطوبة والباب السري اتفتح. الشمس كافحت ضد الجيش الرمادي الكئيب في السما، كسبت المعركة، واخترقت فتحات دهبية من خلال أشكالهم الرمادية. الضوء ارتد من البرك على طول الطريق وأنار المجرى اللي كان في الباب السري. رايدر ثبتت نفسها، ونطت فيه وانزلقت. عادة، كانت بتصرخ كأنها في لعبة رولر كوستر، بس ما كانتش في مزاج للمرح المرة دي.
      ضوء صغير اخترق الضلمة، ولمسوا أرض بيتهم، الكهف. فورست تبعها، وهو بيفكر في رعب وخوف المجرم – تاركوينيوس بلودبين.
      في ميدان تاور بريدج، الحشد كان متجمع حوالين الجثث الميتة، بس مع مرور الوقت، الدائرة الخايفة تضاءلت وتبددت، لحد ما فضل بس عدد قليل من المتفرجين. لما الشرطة أخيرًا جت عشان تقيّم الوضع، كان فيه شاهد واحد بس، وما كانش فاكر أي حاجة حصلت ولا منين جت السحابة البنفسجية. الضباط كانوا مندهشين؛ كان فيه أحداث غريبة كتير في الشهر اللي فات، وكلهم كانوا بيتميزوا بنفس سحابة الموت البنفسجية دي. لسبب ما، محدش شاف الجاني، ومع ذلك الوفيات فضلت مستمرة. الشاهد الأخير مشي بتوتر من مكان الحادث، وساب الضباط يحكوا راسهم ويتعاملوا مع الفوضى الدموية اللي قدامهم.
      العيون اللي ممكن تفيد: غايبة تاني.
      
      
      
      
      
      فيه أساطير كتير عن تأسيس قرية لوكفيو. بعضهم بيقول إن ربنا خصص المكان ده لأتباعه الصالحين، وحطهم في اختبارات وما سمحش بالبقاء إلا للنخبة. فيه ناس تانية بتقول إن سكان لوكفيو ظهروا ببساطة، نبتوا من الأرض زي ماسورة مياه انفجرت. وعدد قليل بيحكي قصة أقرب للواقع: مجموعة من المتعبدين الصالحين لفوا البلد يدوروا على مكان يستقروا فيه. المجموعة راحت المدن الأول، بس اتفزعوا من الاحتفالات الصاخبة، فجروا للريف خوفًا وخجلًا. في النهاية حبسوا نفسهم في تلال كمبريا، وأسسوا قرية لوكفيو، وسموها كده عشان فعلهم ده في نفي الذات، وقرروا إنهم ما يخرجوش للعالم الخارجي تاني أبدًا. سكان لوكفيو في العصر الحديث حافظوا على تقواهم واتأكدوا إن علاقاتهم بالخارج تكون قليلة جدًا، مستنيين اليوم اللي هياخدوا فيه للسما.
      
      كانت بيت القديسين. البيوت النظيفة جدًا، والجناين المرتبة، والشجيرات المقصوصة بدقة كانت دليل على المقولة القديمة "النظافة من الإيمان". كنيسة لوكفيو كانت واقفة شامخة في المركز، برجها بيعلوا فوق أسطح البيوت، بيشع زي منارة لكل الحجاج يشوفوها. حدود من أشجار البلوط - اتسمت "الحدود المقدسة" للغرباء - كانت بتحاوطها، قافلة كل الظلام والعناصر الشريرة في العالم. القرويين كانوا بيلبسوا هدوم حلوة وبسيطة، وبيمشوا على الأرض بأحذية قماش وصنادل. تسريحات الشعر كانت عادةً متظبطة ومثبتة بكذا دبوس عشان تحافظ على الخصل المرفوعة والكعك في مكانها.
      
      ما كانوش بيحبوا اللي بيمشي ضد التيار، اللي بيخالفوا العادات، المنتقدين - وده معناه إنهم ما كانوش بيحبوا بيني ديدو سلوان.
      
      كانت ماشية في الشارع المرصوف بالحصى وفي سحابة سودة وراها. بيني سلوان كانت لابسة أسود في أسود، من القبعة المخملية اللي بتغطي راسها، لأظافرها الصارخة المدببة، لبوتها الجديد "نيو روك" اللي بكعب عالي في رجليها. أوضتها كانت سودة وكل روايات الرعب بتاعتها كانت متغطية بجلد أسود. كانت مصدر إحراج لريتشارد وكارولين سلوان، اللي تبنوها وهي عندها تلات سنين وكانت عايشة في دار أيتام خربانة وشبه مهجورة في لندن، بس كانوا بيصلوا ويتمنوا إنها تتغير في يوم من الأيام.
      
      بسبب اندماجها الشديد في قراءتها العاشرة لرواية دراكولا، ما شافتش كورتني كاول إلا لما فات الأوان، وفي الوقت ده كانت قاعدة على الأرض في بركة مية، وشنطة المدرسة بتاعتها وقعت جنبها بخبطة عالية. بيني ضيقت عينيها على التهديد اللي طوله ستة أقدام ومسكت شنطتها قبل ما تقف على رجليها.
      
      "يا لهوي،" قالت كورتني. "ما شفتكيش هناك."
      
      "ولا يهمك،" قالت بيني. "ده مفهوم، بصراحة، بما إنك تخينة أوي كده."
      
      الابتسامة الساخرة زحلقت من وش كورتني زي المية.
      
      "عارفة، أنا مستغربة إنك قادرة تهزري كده. ما كنتيش شجاعة كده امبارح. أيوة، أنا شفتك،" أضافت، لما بيني كشرت، "وانت بتجري هنا من حدود الشجر، وشايلة كل كتب السحر دي."
      
      "مش كتب سحر."
      
      "متأكدة. كلنا عارفين إنك مجرد ساحرة صغيرة اتخلوا عنها. إنتِ فاشلة أوي. أنا مستغربة إن أهلك ما رجعوكيش؛ واخدوش فلوسهم تاني. أنا كنت عملت كده."
      
      دارت على كعبها ورجعت من حيث أتت، ماشية بغطرسة في الطريق نحو المدرسة الكئيبة. بيني كشرت وراها. كانت بتشتري روايات رعب أكتر من الناحية التانية من الحدود المقدسة، وكان لازم تخبيهم عشان أهلها منعوها تقراهم. ما فهمتش ليه؛ كلهم اشترتهم بفلوسها، من ساعة ما أهلها وقفوا مصروفها من سنة. هي دلوقتي بتشتغل في تي ريكس ريكوردز في البلدة وكانت فخورة جدًا باستقلاليتها.
      
      بعد ما فضلت تبص على ضهر كورتني فترة طويلة، وكانت بتتمنى خلالها إنها تكون ساحرة بجد وتعرف تعويذة تحول كورتني لضفدعة، مشيت أخيرًا للمدرسة وسقطت في كرسيها في الخلف. غضبها زاد لما شافت إن كورتني طردت جابرييل من مكانه. جابرييل كان زميل بيني في الجلوس.
      
      "قومي،" قالت لكورتني، وإيديها مفرودة على الترابيزة.
      "لأ."
      
      تنهدت بيني، خبطت شنطتها على الأرض ووقعت في الكرسي اللي جنبها. ما كانش فيه مكان تاني تقعد فيه. مسحت الفصل بعينيها تدور على طريقة تطلع بيها كورتني من كرسيها وكشرت. ما كانش فيه كتير يتشاف، بصراحة. كانت أوضة رطبة ومظلمة، وفيها خيوط عنكبوت متدلية زي أغصان من السقف ولافتات دهب على الجدران منقوش عليها آيات مشهورة من الإنجيل. الحاجة الوحيدة الكويسة كانت الشباك اللي جنبها، واللي كان بيقدم منظر للقرية كلها. كانت عبارة عن كتل من اللون الأزرق والأخضر؛ العشب كان بيتموج كل ما الهوا يهب، والتلال البنفسجية في المسافة كانت بترتفع للسما زي عمالقة نايمين، والأشجار كانت متدلية على الشبابيك، بترش العابرين بحبوب اللقاح والحرير.
      
      الست تشيري دخلت الأوضة بابتسامة واسعة، حيّت الفصل، وكتبت التاريخ على الحيطة.
      "كل واحد يقف،" قالت.
      
      وقفوا وبدأوا قسم الصبح اللي كل طلاب الصف الحادي عشر لازم يكرروه: التطويبات من إنجيل متى الأصحاح الخامس.
      "طوبى للمساكين بالروح: فإن لهم ملكوت السماوات. طوبى للحزانى: فإنهم يتعزون..."
      
      بيني كتمت تثاؤب. عقلها رجع لأيام أسعد، لما كانت بتحب المدرسة وبتستمتع بحياة لوكفيو. الحاجات اتغيرت. يمكن بعد ما اكتشفت إن فيه عالم بره الحدود المقدسة؟ ذكريات اليوم ده غمرتها: فاكرت إنها سمعت صرخات من الناحية التانية من الشجيرات والأشجار، وشافت أضواء وضوضاء حفلة. البلدة المجاورة كانت عاملة احتفال بمناسبة اليوبيل الذهبي للملكة. بيني كانت بتتفرج، مذهولة وخايفة، تشوف أطفال تانيين، لابسين هدوم بكل ألوان قوس قزح وناس من مختلف مناحي الحياة. كان شكلها ممتع لدرجة إنها اخترقت الحدود واختفت في البلدة. لما رجعت للوكفيو، حست بالخيانة. أهلها ما قالولهاش عن العالم ده، عن الحفلات. هي يا دوب كانت احتفلت بعيد ميلادها في الوقت ده.
      
      بعد كده، كانت بتخرج كل يوم، واكتشفت حبها للكتب. كل ما كبرت، أذواقها بقت أدق وما بقتش بتسحب من المكتبة إلا أحسن روايات الرعب. ده كان من أربع سنين. دلوقتي، هي منبوذة.
      
      "طوبى للودعاء: فإنهم يرثون الأرض..."
      
      لاحظت إن زمايلها في الفصل كانوا باين عليهم السعادة بشكل غريب وهم بيكرروا القسم الصبح ده. كان قرب ميعاد اجتماع أولياء الأمور. التقارير الكويسة معناها توصيات ممتازة من المدرسين، واللي هتعدي للقسيس جوزيف، قائد كنيسة لوكفيو، ورئيس القرية. هو كان بيزور المدرسة بانتظام، عشان كده المدرسين دايمًا كان عندهم "كيك طوارئ" في تلاجة غرفة المدرسين عشانه. الكل دايمًا كان بيبان مذهول لما بيدخل أي أوضة، بس بالنسبة لبيني كان مخيف. يمكن كتب الرعب هي اللي خلتها تحس كده، بس ما قدرتش تمنع نفسها من التفكير إن القسيس جوزيف عنده سر مرعب. وشه كان شاحب وهزيل. أحيانًا، ممكن تشوف وميض أحمر في عينيه لما الشمس تخبط فيهم، وطريقة ردائه الأسود اللي كان بيطير وراه وهو ماشي كانت بتخليه يبان كأن شبح بيتبعه. ارتعشت من الفكرة.
      
      "طوبى للجياع والعطاش إلى البر: فإنهم يشبعون..."
      
      بيني نضفت زورها. عملت كده بهدوء، بس صوتيات الأوضة خلتها تبان كأنها لسه مخرجة رئتها. الصوت تردد على الجدران الأربعة المظلمة وناس كتير لفت عشان تحدق فيها بسبب إزعاجها للقسم. لحقت نفسها في الوقت المناسب لـ:
      
      "طوبى للرحماء: فإنهم يرحمون..."
      
      الساعة كانت بتدق تيك-تيك-تيك ببطء. ما أدركتش إنها كانت منحنية، بتنسحب ببطء جوه نفسها لحد ما بصت على آنا على الترابيزة التانية اللي جنبها، اللي كانت واقفة مستقيمة زي القلم، ودقنها مرفوعة، متجهة للسقف. بيني كشرت، وراقت زملائها في الفصل مرة تانية. عينيهم كانت واسعة ولامعة، بتستحضر الأطفال الفضائيين الغريبين دول من "قرية الملعونين"، فيلم رعب قديم شافته مع مديرها في تي ريكس ريكوردز في البلدة. وشوشهم فضلت قدام وأجسامهم ساكنة، حتى ابتسامة كورتني المعتادة كانت اختفت وحل محلها ابتسامة مجنونة.
      
      "طوبى لأنقياء القلب: فإنهم يعاينون الله..."
      
      رجليها بدأت تتخدر فغيرت وضعها من رجل لرجل عشان الدورة الدموية ترجع تشتغل تاني. بالغلط مالت أبعد من اللازم للشمال، وانتهى بيها الأمر إنها لمست كورتني. في لحظة جنون، بيني بصت عليها عشان تعتذر، بس سرعان ما عضت لسانها لما شافت نظرة الشر المطلق على وش كورتني، اللي أكيد كانت متضايقة إنها فاقت من غيبوبتها. بيني أدت لها إشارة بإصبعها الأوسط ودارت لوش الفصل، مبتسمة من جوه على الصدمة اللي سمعتها.
      
      "طوبى لصانعي السلام: فإنهم يدعون أبناء الله. طوبى للمطردين من أجل البر: فإن لهم ملكوت السماوات."
      
      كورتني كانت بتتنفس بصوت عالي دلوقتي. قلب بيني نط. يمكن، أخيرًا، ده هيكون هو؟ هل ده هيكون اليوم اللي كورتني هتفقد أعصابها فيه قدام شخص بالغ معروف، وسمعتها هتتلوث للأبد؟ ويا له من توقيت رائع: قبل أسبوعين من اجتماع أولياء الأمور الكبير. بيني كانت الوحيدة - بعيدًا عن السيد والسيدة كاول - اللي كانت تعرف عن مشكلة غضب كورتني. شافتها أول مرة وهي عندها ست سنين، بتلعب في الحديقة. أهل كاول وأهل بيني كانوا منغمسين في حديث عميق، وده ساب بيني وكورتني مع بعض. حاجة حصلت أدت لجدال، اللي كورتني صرخت فيه بشكل تهديدي لدرجة إن عيلة كاول اضطروا يجروا على البيت، بيجروا بنتهم وراهم. السيد والسيدة سلوان ما اتضايقوش، بس الانفجار ده أذهل بيني لدرجة إنها قضت الأسابيع اللي بعدها بتراقب عيلة كاول، وشاهدت صرخات خصمتها اللي وشها بيحمر، وسمعت صرخات السباب الحادة اللي زي صرخات الهاربي، والارتعاش المشؤوم اللي كان بيصيب جسمها. بعد كده، السيد كاول كان بيحبس بنته في العلية. كل ما كورتني كانت بتغيب عن المدرسة، بيني كانت بتعرف ده معناه إيه.
      
      استمرت في الميل لليسار، وابتسامة ساخرة بدأت تظهر على وشها ردًا على تنفس كورتني اللاهث والمتعب. شافت المتوحشة بتقبض إيديها في قبضات، وأدت لها دفعة قوية جدًا.
      
      "طوبى لكم، متى طردوكم وعيروا، وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كذبًا. افرحوا وتهللوا، لأن أجركم عظيم في---"
      
      بطلي تسندي عليا يا غريبه
       
      

      رحلة أبايومي الأثرية

      رحلة أبايومي الأثرية

      2025, هاني ماري

      تاريخية

      مجانا

      150 جنبيه

      250 جنبيه

      تنطلق أبايومي في رحلة استكشافية إلى مصر مع والدها عالم الآثار، حيث تلتقي شغفها باللغة المصرية القديمة بالحياة الواقعية. تستمتع بتجاربها الأولى في البلاد، من تذوق الأطعمة المحلية الشهية إلى زيارة المعابد الأثرية، وتُظهر حماسًا كبيرًا للانخراط في أعمال التنقيب التي طالما حلمت بها. وأباها عالم آثار محنك يرافق ابنته في رحلتها.

      أبايومي

      شابة متحمسة وشغوفة بالآثار واللغة المصرية القديمة. تتميز بذكائها وحماسها، وتظهر قدرة فائقة على تعلم اللغات. تترقب بشغف أول تجربة لها في التنقيب بمصر، وتستمتع بالانغماس في الثقافة المحلية.

      والد أبايومي

      عالم آثار محنك يرافق ابنته في رحلتها. يبدو أنه شخصية داعمة ومحببة، يتمتع بروح الدعابة ويحرص على راحة ابنته وسعادتها. يلعب دور المرشد لها في هذه التجربة الجديدة، ويثق بقدراتها وشغفها.

      مصرايم

      ....
      تم نسخ الرابط
      رحلة أبايومي الأثرية | شراء الرواية

      تتقلَّب أبايومي في مقعدها، تحدِّق من نافذة الطائرة. الأرض تحتها ذهبية اللون، متربة، قاحلة ومكبلة بالرياح. عندما تحركت لتُنزِل ستار النافذة، علقت عيناها بلمحة خضراء في الأفق، زاهية وجذابة. بدأت ركبتها ترتفع وتنخفض حماسًا، وتشد قبضتها اليمنى على الكتاب في حجرها.
      
      سيهبطون قريبًا، وعندما تنزل من هذه الطائرة، ستكون في مصر للمرة الأولى في حياتها. لمست يد ذراعها، فالتفتت أبايومي لتنظر إلى والدها، وقد اغمق وجهها قليلًا. أطلق ضحكة خافتة على تعابير وجهها.
      
      "استرخي يا أبايومي. سنهبط قريبًا."
      
      ابتسمت ابتسامة باهتة ورفعت كتفيها. "لا أستطيع التحكم في الأمر. سيكون هذا أول حفريات لي هنا."
      
      "لن يذهب إلى أي مكان. استرخي. بالإضافة إلى ذلك، لن نذهب إلى موقع الحفريات بعد. هذا بعد يومين، عندما يبدأ موسم الحفر."
      
      قطبت أبايومي حاجبيها. "لماذا نصل الآن إذن؟"
      
      ضحك والدها. "لعدة أسباب. أحدها، حتى لا نستيقظ في الرابعة والنصف صباحًا مع إرهاق السفر، وأيضًا ليكون لديك بعض الوقت لاستكشاف المدينة مسبقًا."
      
      "أين سنقيم مرة أخرى؟"
      
      "في الأقصر. سنكون قريبين جدًا من المعبد."
      
      اغرورقت عينا أبايومي إشراقًا. "حقا؟"
      
      "هل أكذب عليك؟"
      
      رفعت أبايومي حاجبًا في وجهه، ابتسامة خفيفة تلوح على شفتيها. "نعم. ستفعل."
      
      كان عليها أن تمسك ضحكتها عندما تراجع. "هل أكذب عليك بخصوص مصر؟"
      
      عضت أبايومي شفتها، تفكر في الأمر. ولتعبيرات والدها، أطالت التفكير قليلًا، من أجل المرح. لكنها فقدت نفسها في نوبة من الضحك، وعندما استعادت نفسها، اعترفت له.
      
      "لا، لن تفعل."
      
      ألقى والدها نظرة أخرى عليها. "مضحكة جدًا يا أبايومي. اقرئي كتابك."
      
      نظرت من النافذة إلى البقعة الخضراء المقتربة وقلبت غلاف المجلد الذي في حجرها. تفحصت الرموز على الصفحة، لم تكن بحاجة إلى النظر إلى الترجمات أدناه لتعرف معنى الهيروغليفية. كانوا يتحدثون عن أحد الفراعنة، ويفصلون إنجازاته.
      
      لم يكن النص مفاجئًا، فالهيروغليفية كانت من مقبرة الفرعون. ومع ذلك، حتى مع هذه المعرفة المسبقة، فإن الممارسة تساعد. لم تكتف بذلك، بل رددت بعض العبارات. خرجت الكلمات من لسانها بسهولة، كما هو الحال دائمًا، لكنها لم تبدو صحيحة تمامًا.
      
      شعرت وكأن هناك حكة، وأنها قريبة جدًا من النطق الصحيح لكنها أخطأت قليلًا. تنهدت أبايومي. مهما حاولت جاهدة، لن تتمكن من تحقيق ذلك. لا يعرفون كل شيء عن اللغة القديمة، لذلك من المنطقي أنهم لا يعرفون كل تفاصيل كيف تبدو.
      
      مهارتها الخاصة في تعلم اللغات لن تساعدها هنا، ليس بدون مساعدة شخص يتقن اللغة المحكية لمصر القديمة. ولا أحد في العالم الحديث يمتلك تلك المعرفة، لم تنجُ عبر العصور. أفضل ما يمكنهم فعله هو استخدام أصوات الهيروغليفية التي يعرفونها لتقليد ما كان يمكن أن تبدو عليه اللغة.
      
      أغلقت أبايومي الكتاب بتكشيرة ونظرت من النافذة مرة أخرى، في الوقت المناسب تمامًا لترى الأرض تحتهم تصبح خضراء بالكامل. مالت الطائرة واستدارت عائدة بالطريقة التي جاءوا منها، مرورًا سريعًا فوق الأرض الأكثر غبارًا للهبوط في المطار. تحركت أبايومي بسرعة لإعادة كتابها إلى حقيبة ظهرها، راغبة في التحرك بأسرع ما يمكن.
      
      عندما نزلوا من الطائرة، اضطرت إلى إجبار نفسها على عدم الركض نحو منطقة استلام الأمتعة بحماس، غير آبهة بالحرارة الجافة التي تملأ المطار. أمسك شيء ما ذراعها وسحبها للخلف، مما أجبر أبايومي على التباطؤ. عندما نظرت إلى الوراء بعبوس، وجدت والدها يسلمها شيئًا. حقيبة الظهر. احمر وجه أبايومي وأخذتها منه، علقتها على ظهرها.
      
      "شكرًا لك."
      
      لان تعابير وجهه. "لا تتحمسي لدرجة أن تصبحي منسية، هذا ليس ذكيًا في مكان جديد."
      
      "نعم يا أبي."
      
      "جيد. هيا نذهب لنأخذ أغراضنا، يا آيا."
      
      أشرقت أبايومي وبدأت تسير مرة أخرى، قدميها تطيران فوق الأرض. ارتدت حقيبة ظهرها صعودًا وهبوطًا على كتفيها وهي تتحرك، مدفوعة بقوة خطواتها. على الرغم من أنها لم تكن هنا من قبل وبالتالي فهي غير مألوفة بالمنطقة، لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً للعثور على منطقة استلام الأمتعة، بمساعدة اللافتات التي توجههم وسرعتها الخاصة. كانت تسحب حقائبهم بالفعل من الحزام عندما تمكن والدها فعليًا من اختراق الحشد للوصول إليها.
      
      تنهد قائلاً: "حسنًا، بالتأكيد لن تواجهي الكثير من المتاعب في موقع الحفريات يا أبايومي."
      
      "آسفة، هل ذهبت بسرعة كبيرة؟"
      
      هز رأسه. "لا تقلقي. هل هذا كل شيء؟"
      
      نظرت أبايومي إلى مجموعة الحقائب وقطبت حاجبيها. "هناك واحدة أخرى. يجب أن تأتي قريبًا."
      
      بالفعل، رأت الحقيبة بعد لحظات قليلة من انتهائها من الكلام. انزلقت مرة أخرى إلى الحشد لاعتراض الحقيبة، وسحبتها من الحزام لتعليق حزامها على كتفها بتمتمة. لم يكن مفاجئًا أن تكون حقيبة عمل والدها، مليئة بجميع أنواع الأدوات للاستخدام الأثري. طوت أبايومي ذراعها فوق الحقيبة الضخمة وشقت طريقها عبر الحشد للعودة إلى والدها، الذي كان قد سحب جميع حقائبهم إلى الجانب.
      
      أخذ حقيبة عمله منها وبادلها بإحدى حقائب السفر وحقيبة أبايومي الخاصة بالآثار. علقت أبايومي حقيبتها على كتفها وابتسمت لثقلها المألوف حيث تكيفت الحقيبة تمامًا مع انحناء جانبها. ابتسم والدها لها وأشار نحو الأبواب.
      
      "هل أنت مستعدة لاستكشاف الأقصر يا آيا؟"
      
      ابتسمت أبايومي. "أنا أكثر من مستعدة يا أبي!"
      
      
      
      
      
      
      تعبس أبايومي وجهها من ضوء الشمس الذي يحاول أن يشق طريقه إلى عينيها. تتقلَّب لتختبئ من الضوء، لكنها تفتح عينيها ببطء على صوت ضحكة عميقة. إنه صوت والدها، ولا يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لتجده في الغرفة. إنه يُعدّ القهوة، ورائحتها الغنية تملأ الأجواء. تبتسم أبايومي له وهي تتثاءب.
      
      "صباح الخير يا أبي."
      
      "صباح الخير يا آيا. هل نمت جيدًا؟"
      
      تومئ أبايومي وتنزلق من السرير. تشدّ طرف قميصها الداخلي إلى الأسفل وهي تفعل ذلك، تستعد تلقائيًا لقشعريرة باردة قد تلامس بشرتها. لكنها بالطبع في مصر، لذا لن يحدث ذلك. بدلًا من البرد، تُغلَّف أبايومي بدفء مصر الناعم عند الفجر. إنها أكثر رطوبة مما كانت تتوقع، حتى تتذكر مدى قرب فندقهم من النيل.
      
      تُنتزع من لحظة تفكيرها عندما يمدّ والدها فنجان قهوة إليها. تأخذ أبايومي الكوب، تشمّه وهي تذهب للجلوس على الطاولة الصغيرة. لقد وضع هو بالفعل السكر والكريمة فيه، وتبعث أبايومي لوالدها ابتسامة امتنان صغيرة. وقد طوت ساقيها تحتها، تأخذ أبايومي رشفة صغيرة من السائل البني، تُقلّبه على لسانها. يقول والدها شيئًا، فتنظر إليه.
      
      "همم؟"
      
      يضحك. "هل حلمت بأحلام جيدة الليلة الماضية يا أبايومي؟"
      
      تعبس. "لست متأكدة تمامًا. أعتقد ذلك، لكن لا أستطيع تذكر الحلم تمامًا."
      
      "تلك هي الأفضل دائمًا، أليس كذلك؟"
      
      تومئ أبايومي، مبتسمة. "نعم، هي كذلك." تتوقف. "ماذا سنفعل للإفطار اليوم؟"
      
      يهزّ والدها كتفيه. "اعتقدت أننا يمكن أن نذهب لنجد مكانًا لتناول الطعام قبل أن نذهب لاستكشاف السوق أو المعبد. اختيارك."
      
      تضحك أبايومي. "هل هو اختيار حقًا؟ المعبد أولاً، بالطبع!"
      
      يهزّ والد أبايومي رأسه. "لماذا سألت حتى؟"
      
      "ربما لأنه من الأدب؟"
      
      يضحك. "أفترض ذلك. هيا، يجب أن تفتح الأماكن قريبًا."
      
      تفرغ أبايومي بقايا قهوتها وتضعها جانبًا. تخطو إلى الخزانة وتفتح أحد الأدراج، تبحث فيه عن ملابس لتغييرها. تمسك بها وتسرع إلى الحمام لتغيير ملابسها. عندما تعود أبايومي، تسحب وشاحًا بلون كريمي من درج آخر وتلفه حول رقبتها لتغطية جزء من بشرتها من ياقة قميصها البني الداكن.
      
      تغوص أبايومي في طبق الطعمية الخاص بها، مبتسمة لمزيج النكهات. الطعام في الولايات المتحدة رائع، لكن نكهات الطعام هنا في مصر تبدو بالفعل أفضل بكثير. الطعمية - يا إلهي، الطعمية - من قال إن النسخة المصرية من الفلافل هي الأفضل لم يكن مخطئًا بأي شكل من الأشكال.
      
      الاختلاف في المكونات يختلف قليلاً عن أي شيء اعتادت عليه، لكن بطريقة ما يجعل الطعمية ألذ مما لو كانت فلافل عادية. تأخذ أبايومي رشفة من الليمون وتجده مشابهًا بشكل ممتع لعصير الليمون. إنه أكثر حموضة قليلاً، وهناك شيء خفي أيضًا. تأخذ أبايومي رشفة أخرى، أطول. يسرع صاحب المطعم الصغير إليهما، مبتسمًا. يتحدث بلهجة إنجليزية ثقيلة.
      
      "الطعام. هل أعجبكما؟"
      
      تبتسم أبايومي له، تأخذ لحظة لتقرر ما إذا كانت تريد الرد بالإنجليزية أم بالعربية. تقرر الأخيرة.
      
      "إنه لذيذ. شكرًا جزيلاً."
      
      يبتسم الرجل بفرح. "أنت تفهمين اللغة العربية؟"
      
      تومئ أبايومي. "نعم. لقد نشأت مع اللغة."
      
      يهز رأسه. "إنها تليق بكِ يا طفلتي. هل أحضر لكما بعض المشروبات في نهاية وجبتكما؟ قهوة، ربما؟ من النوع الأصيل، لا النوع الرديء الذي يشربه الغربيون."
      
      يبتسم والد أبايومي. "من فضلك. سادة، إذا أمكن. وابنتي ستشرب زيحة."
      
      "أستطيع أن أفعل ذلك يا سيدي. ولكن هل جربتِ السحلب يا آنسة؟"
      
      تعبس أبايومي. "أليس هذا مشروبًا شتويًا؟"
      
      يهز رأسه. "نعم، لكن زوجتي تشربه على مدار العام ولذلك أحافظ على الكثير من المكونات."
      
      "إذن أحب أن أجربه. شكرًا."
      
      يحني المالك رأسه. "بالطبع يا آنسة."
      
      يغادر الطاولة ويختفي في الخلف. عندما يعود مرة أخرى، يحمل صينية عليها ثلاثة أكواب. تعبس أبايومي عليها في حيرة للحظة، لكنها سرعان ما عادت لابتسامة صغيرة. يضع الكوب الأغمق أمام والد أبايومي والكوبين الآخرين أمام أبايومي. يشير إلى الكوب الأغمق أولاً.
      
      "هذه هي الزيحة الخاصة بك، وهذا الآخر هو السحلب. استمتعي."
      
      ترفع أبايومي كوب الزيحة وتأخذ رشفة من السائل الغني. إنه أحلى من القهوة التي اعتادت عليها، أو على الأقل كان سيكون كذلك. هي تشرب القهوة عادةً بالسكر، وقد قرأت عن القهوة التركية المفضلة هنا. من المفترض أن تكون أحلى، وقد اختار كل من هي ووالدها شكلها وفقًا لذلك. لذا، كما هي الآن، هذه القهوة مناسبة تمامًا لذوقها. تأخذ رشفة أخرى، وتنظر إلى الكوب الآخر.
      
      السحلب بداخله أبيض، ويبدو سائلًا سميكًا. تشرب بسرعة بقية القهوة وتخفض الكوب. خصلة شعر تنزلق إلى عينيها فتزيلها بينما ترتجف موجة دافئة أسفل ظهرها. عندما تشرب شيئًا ساخنًا، تشعر دائمًا بالدفء لبضع لحظات بعد ذلك. تتخلص من هذا الشعور وتمد يدها للسحلب، وتخرج لسانها لوالدها عندما يبدو وكأنه على وشك الضحك.
      
      تأخذ أبايومي رشفة مترددة من المشروب غير المألوف وتتنهد بسعادة. السحلب يشبه الشوكولاتة الساخنة، إلا أنه يحتوي على طعم الفانيليا بدلًا من الشوكولاتة. له لمسات من القرفة وتوابل أخرى، مكونًا مزيجًا يعجب أبايومي كثيرًا. تشربه بشراهة، لكنها تتمنى لو أنها شربته ببطء أكثر عندما يفرغ الكوب. يضحك والدها على تعابير وجهها.
      
      "سنجد وصفة يا آيا."
      
      تومئ أبايومي.
       
      

      أسرار الشرق شين مو - روايه تاريخية

      أسرار الشرق شين مو

      2025, هاني ماري

      فانتازيا

      مجانا

      120 جنبيه

      600 جنبيه

      رجل من القرن الواحد وعشرين بيموت وبيصحى يلاقي نفسه طفل رضيع في آسيا القديمة، محتفظًا بكل ذكرياته. بيستغل ذكاءه وخبراته من حياته السابقة عشان يتعلم فنون القتال، التأمل، والقراءة والكتابة في عالمه الجديد. بيعيش مع عيلة نبيلة غنية، وبيكتشف إن والده شخصية مهمة مرتبطة بالبلاط الإمبراطوري. بتتعمق الرواية في رحلته وهو بيحاول يتأقلم مع حياته الجديدة، وبيخطط لكتابة روايات مستوحاة من عالمه، كل ده وهو بيكتشف أسرار الثقافة اللي حواليه وبيتعامل مع المواقف الطريفة اللي بيتعرض لها كطفل بعقل راشد.

      شين مو

      رجل من القرن الواحد والعشرين اتولد من جديد في آسيا القديمة مع كل ذكرياته. ذكي وموهوب، وبيحاول يتأقلم مع حياته الجديدة كطفل وبيستكشف الثقافة المحيطة بيه، مع رغبة في كتابة القصص.

      شين هي لونج

      جنرال عظيم ووالد شين مو الحالي. شخصية مهمة ومؤثرة في البلاط الإمبراطوري، بيهتم بعيلته وبيحب يتباهى بذكاء ابنه.

      أم شين مو

      بتعامل شين مو بحب وحنان وبتدعمه في كل خطواته. بتفضل يكون ابنها قريب منها ومش رسمي في التعامل.

      الأستاذ فا

      معلم الفنون القتالية اللي بيعلم شين مو الكونغ فو والتأمل. شخص حكيم ومراقب جيد، وبيلاحظ ذكاء شين مو واستعداده للتعلم.
      تم نسخ الرابط
      أسرار الشرق شين مو - روايه تاريخية

      دي حكاية خيالية مستوحاة من قصتين قريتهم. لو عايز تعرف إيه هما، دور على القصص دي:
      
      إعادة إحياء فا وي لان - بقلم هاروي.
      عالم آخر: الكتاب الأول بقلم إم إس بريمير.
      
      مع إني استوحيت شغلي من القصص العظيمة دي، لكن عملي أصلي ما عدا أسماء قليلة ممكن تتعرف عليها لو قريت القصص اللي فاتت.
      
      القصة الكاملة مكتوبة بالفعل، ومتقسمة على 6 أجزاء (في خمس كتب) وأكتر من 351,000 كلمة.
      
      الجزء الأول ده متاح للقراءة لكل الناس وهو مجرد مسودة بسيطة للكتاب الأول.
      
      مع إني راجعت النص ده عشان أتأكد إنه مفيش تناقضات أو ثغرات في الحبكة أو أخطاء إملائية، ممكن أكون فوت حاجة.
      
      ____________
      
      
      الولادة من جديد وتناسخ الأرواح، في الأساس، هما نفس الحاجة، بس فيه فرق جوهري: الاختيار.
      
      في الولادة من جديد، حياة الروح اللي جاية بتتحدد عن طريق الكارما بتاعتها؛ أما في تناسخ الأرواح، الروح ممكن تقرر هتتولد فين ولمين. ده بيحصل عشان كل ما الروح كانت متطورة أكتر، بتحتاج خبرات تعليمية محددة أكتر، فبمعنى ما، كلنا بنتحول من ولادة جديدة لتناسخ أرواح مع الوقت.
      
      بس اللي ساعات بننساه، هو إن الوقت مش خطي بالنسبة للكون.
      
      ده اللي اكتشفته لما فتحت عيني بعد ما قتلتني مرض جديد.
      
      فاكر إحساس زي إني عايم على البحر، كان فيه نور قوي جاي من فوق، بس بطريقة ما كنت عارف إنه مش الشمس. كان دافي، بس مش زيادة عن اللزوم... كان أقرب للراحة.
      
      كنت حاسس بالدفى وحركة الماية تحتي، ومع كده ما قدرتش أفتح عيني، ولا سمعت أي حاجة.
      
      بعدين، فجأة زي ما ظهر، النور الدافي اتحول لضلمة، واللي فاكره بعد كده إني كنت بصرخ من الوجع والمفاجأة.
      
      إيدين قوية غطت ضهري ورجلي قبل ما لفة قماش تتلف حوالين جسمي بالراحة.
      
      "إيه ده؟ أنا فين؟ إيه اللي بيحصل؟"
      
      كنت عايز أفتح عيني بكل يأس عشان ألاقي إجاباتي، بس أول ما حاولت، حاجة لفتت انتباهي: الغنا.
      
      ما فهمتش الكلمات خالص، بس كنت عارف إن اللي بيغني ده كان مبسوط بشكل مش طبيعي.
      
      "آه، الأغنية دي مريحة أوي... صوتها تحفة. يا ترى مين اللي بيغني؟"
      
      كنت غرقان في الصوت الحلو ده لدرجة إني نسيت كل حاجة تانية خالص ونمت.
      
      
      
      مش متأكد كام وقت عدى من وقتها، بس دلوقتي، على الأقل، أنا عارف إيه اللي بيحصل: أنا اتولدت من جديد.
      
      معنديش فكرة إزاي أو ليه ده حصل.
      
      أنا قصدي، في حياتي اللي فاتت كنت قريت عن ده. كان فيه نوع كامل من القصص الخيالية مخصص لناس بتتولد من جديد في ثقافات أو عصور مختلفة، وطبعًا كان فيه كتب "المساعدة الذاتية" دي عن الحيوات السابقة واستمرار الحياة بعد الموت، بس عمري ما اديت الموضوع ده اهتمام بجد.
      
      بس دلوقتي... دلوقتي بجد مش عارف أفكر في إيه.
      
      أنا اتولدت من جديد في الماضي: في مكان ما في آسيا القديمة، بس لسه مش قادر أحدد فين أو إمتى. عمري ما درست اللغة أو التاريخ أو الثقافة بتاعتهم، عشان كده مش متأكد أنا فين بالظبط... مش فارق أوي كده كده، لأني أشك إني ممكن أرجع للمستقبل. أسرع حاجة في العالم ده شكلها الخيل، فمفيش فرصة أحقق سرعة 88 ميل في الساعة المطلوبة، ومفيش عربية دي لوريان كمان.
      
      وأنا بفكر في ده، أنا قاعد في حضن أمي الحالية.
      
      الست دي أكتر من إنها جميلة.
      
      بجد مش عارف إزاي أنا محظوظ كده بوالديني الحاليين: أبويا راجل كبير بابتسامة تكسب أي حد؛ هو في التلاتينات من عمره، وشكله مهم شوية، عشان فيه ناس كتير بتيجي وتروح من مكتبه كل يوم؛ ورغم كل الشغل اللي بيعمله، دايمًا بيبدو عنده وقت يقضيه مع أمي ومعايا.
      
      على عكس أبويا اللي في حياتي اللي فاتت، اللي كان مشغول أوي بيجمع الفلوس لدرجة إنه مكنش بيشوف أولاده.
      
      أمي الحالية، زي ما قلت قبل كده، ست جميلة بشكل مذهل في نص العشرينات من عمرها، صوتها رائع وده جزء بسيط من سحرها. مابتفتكرش إنها تبتسم لما عينيها تقع عليا، ورغم إني لسه مش فاهم كلمة من اللي بيقولوه، أغلب الوقت بحس بالإحساس اللي ورا الكلام، عشان كده أقدر أقول إني فاهم اللي قصدهم عليه إلى حد ما.
      
      شكلي معنديش أخوات تانيين، وده مناسب ليا جدًا لأني مكنتش هعرف أعمل معاهم إيه في حالتي دي، بس شفت وشوش مختلفة كتير عشان أعرف إن فيه ناس كتير عايشين معانا.
      
      المشكلة الوحيدة في إني اتولدت من جديد بالشكل ده، هو إني أكون بعقل راجل عنده 36 سنة جوه جسم طفل رضيع. مهما كنت عايز أعمل أو أقول، الجسم ده ببساطة مش قادر يتحمل، وأنا، في أغلب الأوقات، بقضي حياتي نايم.
      
      استسلمت لتعلم اللي أقدر عليه من الناس اللي حوالي، بينما جسمي بيتعود ببطء على إنه يكون عايش.
      
      
      
      
      
      
      
      عدى وقت أكتر.
      
      أكيد عمري حوالي سنتين دلوقتي.
      
      إحساسي بالوقت متلخبط عشان أيامي بقضيها في اللعب والنوم واكتشاف العالم الغريب اللي أنا فيه ده.
      
      الناس دي مش بتحتفل بأعياد الميلاد زي ما كنت بعمل في حياتي التانية: أيوة، فيه حفلة وأكل وهدايا، بس مفيش تورته ولا شمع، ومع إني بقيت أفهم اللغة أحسن شوية، لسه فيه فجوات كتير في معلوماتي.
      
      على الأقل، خليت أمي تضحك وتبتسم أول مرة قلتلها "ماما"، اللي أعتقد إنها معناها "أم".
      
      بجد مش فارق معايا لو مش كده، طالما خلتها تنور بالابتسامة الغالية دي وهي بتبص عليا.
      
      قضيت وقت أكتر مع أبويا، اللي أعتقد إن اسمه شين هي لونج.
      
      دايماً شكله بيكتب رسايل. أكيد بيكتب مية كل يوم. بعيداً عن كده، خدني من البيت الضخم اللي عايشين فيه عشان نزور البلدان والغابات اللي حوالينا. شكله مسؤول عن مجموعة من الرجالة المسلحين (غالباً جنود، عشان كلهم لابسين نفس اللبس الأسود والدروع) اللي بشوفهم حوالين البيت كل يوم.
      
      ساعات بيجي راجل أصلع لابس أبيض البيت وبيقعد مع أبويا لساعات، قبل ما يمشي في محفة على مين عارف فين.
      
      ناس كتير بتحترمه، بس فيه كمان نظرات شفقة كتير بتتوجه له، لأي سبب كان.
      
      "شين مو يا حبيبي، بتعمل إيه؟"
      
      بقلب وشي عشان أشوف أمي قاعدة على ركبتيها وبتبص عليا وإيدها بتطبطب بالراحة على راسي.
      
      "ماما!" بابتسم وأحضنها وبعدين أشاور على الحاجة اللي على الأرض "اقري".
      
      أمي الغالية بترمش باندهاش وبتبص على اللي أنا بشاور عليه.
      
      صوابعي التخينة بتاعت البيبي صعبة في الاستخدام وعقلي بيتوه أكتر من مرة، بس قدرت إلى حد ما أتعامل مع ده عشان أبدأ أدرب نفسي على تعلم اللغة المكتوبة.
      
      مكنتش كاتب على الفاضي، المرة اللي فاتت. وبجد وحشني كتابة الأشعار والقصص للمدونة بتاعتي.
      
      فأنا هنا، حياة كاملة بعد كده، بحاول أعمل نفس الحاجة بس على ورق.
      
      أمي بتبص على الحروف المرسومة بشكل وحش وبتنور بابتسامة وهي بتبص عليا، مع إني بحس بكمية كبيرة من الدهشة جايالها.
      
      "أنت اللي عملت ده يا حبيبي؟"
      
      أعتقد إن آثار الفحم على إيدي كافية كدليل، بس برضه، بهزلها براسي.
      
      بتحضني "الأم دي متفاجئة بشكل لطيف. ابنها ذكي أوي."
      
      "آه، المجاملة دي هتوديكي في أي مكان."
      
      جلسة التدريب الصغيرة بتاعتي اتقطعت لما أمي لاحظت إيدي ودراعاتي كانت وسخة قد إيه، وبالتالي اتسحبت (وأنا بزعق وبعيط... بس عشان أحافظ على المظاهر) للحمام.
      
      وأخيراً، استسلمت لمصيري.
      
      
      
      
      فصول بتيجي وفصول بتمشي، ودي أسهل طريقة ليا عشان أحسب الوقت. عدى ست شتاوات من ساعة ما اتولدت.
      
      بقالي كتير أوي بتعلم القراية والكتابة، وفوق حصص الأدب بتاعتي، كان لازم أتعلم فنون قتالية وتأمل.
      
      بعد ما جيت هنا بس فهمت قد إيه إحنا مدلعين في المستقبل. الولد ما ينفعش يعيش من غير ما يتعلم فنون قتالية وفن الحرب... في حياتي اللي فاتت، أقرب حاجة عرفتها عن الفنون القتالية كانت أفلام هوليود والأنمي.
      
      هنا، "جسم الإنسان معبد ولازم نشتغل عشان نهتم ونقوي صلتنا بالروحانيات" ده كان أول درس أخدته من معلم الكونغ فو اللي بيجي البيت يعلمني.
      
      لو كنت أنا القديم، شدة التمارين اللي بعملها دلوقتي كانت ممكن تموتني. الجسم ده، مع كده، مرن بشكل مش طبيعي وبحب إحساس الحرية والقوة اللي بيجيلي من كل تمرين بعمله. لو الناس المهووسة بالصالات الرياضية بيجيلهم الإحساس ده من التمارين، مش غريب إنهم يقضوا حياتهم بيرفعوا وينزلوا أوزان.
      
      بس هنا مفيش اشتراكات صالات رياضية. هنا المدرسين بيجولي كل يوم يعلموني كل اللي يقدروا عليه في وقتهم اللي مش محدود أوي.
      
      كنبيل، المجتمع عنده توقعات كتير من شخصي الصغير. المفروض أكمل مسيرة أبويا كخادم للإمبراطور. المفروض أكون عارف كل حاجة، عادل وشريف، وفي نفس الوقت أفضل نفسي.
      
      أنا بحب كتبي، بس مفيش تنوع كتير. أغلب الأدب اللي لقيته عن الحرب، الفنون القتالية، حاجة اسمها "الزراعة" (اللي فوجئت إن ملهاش علاقة بالنباتات)، أو قصص رومانسية للبنات. مفيش حكايات خيالية وطبعاً مفيش خيال علمي.
      
      ممكن أكون بعمل خدمة للعالم بكتابة حاجة مبتكرة.
      
      لحسن الحظ، ممارسة الفنون القتالية والانضباط اللي وراها بيساعد إبداعي، فده مكسب للكل.
      
      مدرسيني مبسوطين بإخلاصي، وأنا مبسوط بتقدمي السريع في المجالين، وأهلي فخورين بشكل مش طبيعي إن ابنهم عبقري.
      
      "سيدي الشاب" سمعت صوت أستاذ الفنون القتالية بينادي عليا وأنا بخلص الحركة اللي اتعلمتها في نفس اليوم. أول ما وقفت، جه ولد أصغر مني وناولني فوطة عشان أنضف العرق من وشي.
      
      ببص للراجل العجوز "عملت إيه يا أستاذ فا؟"
      
      "ممتاز كالعادة يا سيدي الشاب. الأستاذ ده يتشرف بوجود طالب موهوب زي كده." دي حاجة لسه عندي مشاكل معاها. أغلب الناس هنا بيتكلموا بصيغة الغائب لما يشيروا لنفسهم في الكلام الرسمي.
      
      "الشرف ليا، لوجود معلم عنده كل المعرفة دي" بحني راسي بتحية ووشو ليه، وهو بيرجع التحية بانحناءة أوضح.
      
      هو بيبتسم "سيدي الشاب، خصي الإمبراطور هنا، والأستاذ شين بيطلب وجودك في مكتبه."
      
      أنا اتنهدت.
      
      الراجل الأصلع اللي ذكرته قبل كده طلع هو الخصي الملكي، رسول من العيلة الإمبراطورية بيجي ويروح حسب طلباتهم. السنة اللي فاتت دي، أبويا طلب وجودي كل مرة الراجل ده بيظهر في بيتنا. دايماً بحس إني تحت الاختبار كل ما بيجي، عشان أبويا بيحب يتباهى بمدى ذكاء ابنه.
      
      اديت الفوطة للخادم اللي جري للبيت بسرعة عشان يجهز حمامي ولبسي عشان استقبل المقابلة اللي جاية.
      
      قبل ما أخرج من مكان التدريب، بصيت على أستاذي "يا أستاذ، هتعلمني عن الزراعة (تنمية الروح)؟"
      
      الأستاذ فا بيبتسم بلطف بس مش باين عليه الدهشة. شكله كان مستنيني أسأل السؤال ده. "طبعاً يا سيدي الشاب. هجيب الكتب معايا بكرة."
      
      استحميت ولبست بسرعة وروحت لمكتب أبويا، وهناك الخادم أعلن عن وجودي واتسمح لي بالدخول بسرعة.
      
      "مساء الخير يا أستاذ صن، يا أبي." حنيت راسي للاثنين، لسه مش متأكد إزاي المفروض أحيي الرسول، فاديتله انحناءة مهذبة.
      
      الخصي ابتسم للتغيير، وكذلك أبويا.
      
      "الأستاذ شين بيتكلم عنك كويس أوي" قال الخصي، لسه بيبص عليا. ابتسامته كانت مهذبة، بس قدرت أحس بنظرة عدم صدق من عينيه. هيكون كويس ليا إني آخد كلامه بحذر. "حتى في البلاط، مواهبك معروفة".
      
      حتى أنا كنت عارف إن الإجابة بغرور مش فكرة كويسة، "ده كله بفضل تعليم عيلتي وأساتذتي. أبويا راجل عظيم وممكن بس أتمنى إني في يوم من الأيام أكون قوي أو موهوب زي الجنرال شين العظيم."
      
      كلامي خلى أبويا يبتسم أكتر. حط إيده على راسي "الإمبراطورة بعتت خبر مع صن هنا؛ اتعزمنا على القصر عشان عيد ميلاد ابنها التالت."
      
      آه، يبقى هو ده الموضوع. أبويا معروف كويس في البلاط، فمن الطبيعي إننا نكون مدعوين لحفلة. ده أكيد معناه إن الأمير التالت قريب من سني، عشان كده هياخدوني المرة دي.
      
      "ماما عارفة؟" سألت، بستخدم نفس التمثيل البريء اللي نفعني كتير في الحياة دي.
      
      "لسه. خليك ولد شاطر وقول لمامتك وإخواتك."
      
      "حاضر يا أبي." حنيت راسي للاثنين تاني وطلعت من الأوضة.
      
      أول ما طلعت بره مدى السمع، اتنهدت.
      
      شكله التنمية الروحية بتاعتي هتضطر تستنى كام يوم.
      
      رجعت مشيت للبيت، ناوي أدور على أمي، لما "طوربيد" وردي خبط في صدري، ووقفني مكاني.
      
      "جي-جي!"
      
      آه أيوة، إزاي قدرت أنسى مصدر الفوضى الجميل ده؟
      
      أنا أول واحد من تلات أطفال، لحد دلوقتي. دي اسمها شين زي رو، أختي الصغيرة. عندها تلات سنين وجميلة أوي، بس كمان شقية. بجد بخاف على الراجل اللي هيتجوزها في المستقبل.
      
      "مي-مي، ماما فين؟"
      
      زعلت، هي أكيد عايزة تلعب معايا، بس عارفة إننا لو رحنا لماما، هتتخانق عشان بتجري في الممرات
      
      
      
      "جي-جي العب معايا!"
      
      بطبطب على راسها، وبتتسم. "حاضر، بس لازم أتكلم مع ماما الأول."
      
      "تعالى بقى!"
      
      بتمسك إيدي وبتشدني حوالين البيت لحد ما نلاقي ماما، اللي بترضع أصغر فرد في العيلة. شين يين اتولد من كام شهر، وزي ما كنت أنا في سنه، مبيعملش أي حاجة غير إنه ينام وياكل. بس، على عكسي، مبيظهرش أي رغبة في أي حاجة تانية.
      
      وبرضه، كام مرة راجل كبير بيتولد من جديد وذكرياته سليمة؟ أغلب الناس فاكرين إني عبقري، في حين إني، في الحقيقة، نتاج نظامين تعليميين، التعليم اللي بيركز على العلوم في القرن الواحد وعشرين، والتعليم اللي بيركز على الروحانيات في العصر ده. في المعرفة الصرفة للعالم، عندي على الأقل ألفين سنة ميزة، عشان كده أقدر أركز عقلي على تعلم الارتباط بين الروح والجسم اللي الثقافة دي مشهورة بيه، وأكون دايماً متفوق في أغلب الأوقات.
      
      "ماما! جي-جي هنا!" زي بتبتسم، قاعدة جنب أمنا وبتبص بحب للحزمة الصغيرة اللي هي أخوها الجديد.
      
      أمي الجميلة بتبصلي باندهاش. عادةً، كنت لسه بكون بتدرب في الوقت ده. طبعاً، أول ما عينيها بتيجي على الهدوم الفخمة اللي لابسها، بتفهم.
      
      "أمي" ابتسم وأحني راسي ليها "اتعزمنا على عيد ميلاد الأمير التالت."
      
      "يا حبيبي مو، لازم تكون قاسي أوي على مامتك؟" بتوبخني بلطف عشان أنا رسمي معاها.
      
      أكيد لسه متأثر بالهدوم اللي لابسها، عشان نسيت إنها دايمًا كانت بتحبني أكون ألطف معاها.
      
      مقدرتش أمنع نفسي من إني أحمر وشي شوية وأنا بحك مؤخرة راسي. "آسف." بتضحك عليا، بس في الحقيقة أنا بفضل معاكستها الخفيفة. بتساعدني أفتكر إن فيه بيئتين في الحياة دي: العيلة والمجتمع، وكل واحدة ليها قواعد مختلفة.
      
      "جي-جي، ممكن نلعب دلوقتي؟"
      
      بقلب عيني على النبرة المتفائلة لأختي الصغيرة، وده بيخلي ماما تضحك.
      
      "أيوة يا مي-مي، يلا بينا."
      
      "يااااي!"
      
      وهكذا، بتم جرّي عشان أعتني بأختي الصغيرة بينما الخدم بيزعجوا نفسهم عشان يجهزوا كل حاجة لرحلتنا اللي قربت.
      
      اللي معرفتوش هو إن أبويا وأمي وأنا بس اللي هنروح القصر بينما بقية العيلة هتستنى في بيتنا في العاصمة. إخواتي الاثنين صغيرين أوي على تجمعات زي دي، وده قال لي قد إيه الموضوع هيكون ممل. لحسن الحظ، كنت ناوي أستخدم التجمع ده عشان أكتشف أكتر عن مجتمع النبلاء على أمل إني ألاقي حاجة تساعدني في رواياتي المستقبلية.
      
      آه أيوة! كنت بالفعل بخطط لبعض منهم: كنت عايز أكتب قصة إثارة مليانة أكشن للرجالة، وممكن قصة رومانسية ملحمية للبنات. كنت بالفعل عملت الشخصيات الرئيسية، بس كنت محتاج أعرف إيه اللي ينفع وإيه اللي ممكن أتعلق عشانه، قبل ما أنشرهم.
      
      كنت بتمنى إن العيلة المالكة يكون عندها مكتبة أقدر أسرق منها كتب.
      
      السفر من بيتنا للعاصمة خد أكتر من يومين بالحصان، بس بما إن أمي كانت بتسافر في محفة مع إخواتي، بقوا أربع أيام بدل يومين. لحسن الحظ، كان ممكن أختار أركب في المحفة أو حصان مع بابا. وده اللي كنت بعمله يوم بعد يوم، عشان أقدر أستفيد أقصى وقت مع والدي.
      
      كانت ليلة اليوم الرابع لما وصلنا العاصمة أخيرًا. وقتها بس فهمت قد إيه أبويا كان مهم بجد. كان عنده قصر خاص بيه في العاصمة، ورمز اسم عائلتنا محفور بالفضة على الأبواب الرئيسية للقصر! كان فيه خدم كتير مستنييننا على الباب، واتوجهنا بسرعة لأوضنا.
      
      بدل ما استحمى وأنام زي أي حد تاني، قررت أستكشف المكان.
      
      مع إن البيت ده كان أفخم، إلا إنه كان أصغر من مكان إقامتنا الرئيسي. مكنش فيه مكان تدريب، والإسطبلات كانت أصغر. لقيت الحصان اللي شالني لحد هنا واديته جزرة خلاها تختفي من إيدي في لحظة. طبطبت على جنب راسه ومشيت في طريقي، خبطت في حاجة تاني مرة.
      
      "بتعمل إيه هنا؟" صوت حاد طلب. لقيت نفسي مضطر أبص لفوق لبنت، كانت بتبصلي بغضب.
      
      "ببص على الخيل؟" جاوبت من غير ما أتأثر. رفعت حاجب ليا.
      
      "ماتنفعش تبقى هنا! الأسياد والفرّاشين بس اللي يقدروا يلمسوا الخيل!" أكيد كانت واحدة من خدم البيت، وبما إن دي أول مرة أجي هنا، أكيد افتكرت إني أنا كمان خادم. مقدرتش ألومها، بالكمية اللي على هدومي ووشي من التراب.
      
      مسكت ذراعي وحاولت تشدني بالقوة. لسوء حظها، أنا كنت متدرب كويس من أساتذتي وهي انتهى بيها الأمر وهي بتبص على النجوم من الأرض. بصتلي باندهاش، وأنا ببتسملها من فوق.
      
      "كله تمام هناك تحت؟"
      
      نظرتها الحادة زادت مع ابتسامتي. قامت ووقفت وإيديها على وسطها. "استنى بس لما كبار الخدم يعرفوا اللي عملته! أتمنى يجلدوك!" لما شافت إني مش خايف منها، استدعت القوى العليا، بس كل اللي عملته إني رفعت حاجب.
      
      حاولت تمسكني تاني، بس لقيت نفسها على الأرض مرة تانية.
      
      مقدرتش أمنع نفسي من الضحك وهي بتبصلي بنظرات غاضبة من وضعيتها وهي قاعدة على الأرض.
      
      "لو طلبتي بلطف، ممكن أقرر أرافقك عشان تشوفي كبار الخدم."
      
      أعتقد إني كسرتها.
      
      بتبصلي كأن طلع لي رأس تاني.
      
      بقلب وشي وبمشي كام خطوة ناحية البيت الرئيسي قبل ما أبص ورايا "جايّة؟"
      
      بسمعها بتنتفخ وتمشي ورايا. رجليها أطول من رجلي، فده إنجاز، أعتقد.
      
      أول ما وصلنا البيت، نطت على فرصة إنها تنادي رئيسها عشان يعاقبني. مقدرتش أمنع نفسي من الابتسامة على وشها لما رئيس الخدم ظهر وانحنى ليا.
      
      سألت إذا كان حمامي جاهز، اللي رد عليه بالإيجاب. الخادم العجوز التفت ليها وأمرها إنها توصل السيد الشاب لحمامه.
      
      في طريقنا، فضلت بتبعت لي نظرات خجولة ومعتذرة، أكيد كانت فاكرة إني هعاقبها عشان صرخت في وشي. بس الحقيقة، أنا مش شخص حقود، ومن بدري، كنت عارف إنها بتغلط.
      
      مش معنى كده إني مش ممكن أضايقها.
      
      "معرفتش اسمك أبداً" سألتها لما فتحت لي باب الحمام.
      
      وشها اتجهم. "اسم الخادمة دي لينغ، سيدي الشاب."
      
      "تمام يا لينغ. ممكن تروحي." ابتسمت لوشها اللي مش مصدق "ماتقعديش تستنتجي أي حاجة في كل مرة." قفلت الباب ورايا، وسبتها لوحدها في الممر.
      
      

      Pages

      authorX