هلا بالعوالم الخفية 2

هلا بالعوالم الخفية 2

2025, هيانا المحمدي

رومانسية

مجانا

جوا كان المكان مضيء بنور دافي، والحيطان مليانة صور غريبة لأعضاء جسم الإنسان… لكن مرسومة بطريقة رمزية، كأن القلب عامل زي زهرة، والكبد عامل زي بحر. في آخر القوضة، ست كبيرة في السن، لابسة أبيض، وشعرها أبيض ناعم، وعينيها فضية. قالت بدون ما هلا تتكلم: ـ "اتأخرتي." هلا قالت وهي بتتلفّت: ـ "إنتي مين؟ وإزاي عرفتي إني جاية؟" في كل مكان تروحه، تحس فيه عينين بتبص عليها من الظل، وفي أوقات تسمع صوت واطي بيكرر نفس الجملة: "اللي بيعالج… لازم يدفع."

...

....
تم نسخ الرابط
فتاة الانتقام

من يوم ما هلا "عالَجت" الست، وهي بقت بتحس بحاجة غريبة لما تلمس الناس…
كأنها بتشم وجعهم، بتشوفه جوّا جسمهم…
كأن فيه لغة صامتة بتتحرك في دمها.

وفي ليلة هادية، المراية لمعت لوحدها…
لكن آسر ماطلعش.

طلع مكانه عنوان مكتوب بخط إيد باهت:

"زنقة الورد، جنب قهوة البهجة، افتحي الباب اللي مافيش عليه رقم."

هلا قررت تروح.

وتاني يوم، بعد الشغل، لبست كاجوال وركبت ميكروباص رايح الحتة اللي في العنوان.
الزنقة كانت ضيقة، كلها قعدات على الأرض وريحة نعناع.

لفت شمال… لقت باب خشب قديم، مش مكتوب عليه أي حاجة.

خبطت… مافيش رد.
دفعت الباب… فتح لوحده.

جوا كان المكان مضيء بنور دافي، والحيطان مليانة صور غريبة لأعضاء جسم الإنسان… لكن مرسومة بطريقة رمزية، كأن القلب عامل زي زهرة، والكبد عامل زي بحر.

في آخر القوضة، ست كبيرة في السن، لابسة أبيض، وشعرها أبيض ناعم، وعينيها فضية.

قالت بدون ما هلا تتكلم:
ـ "اتأخرتي."

هلا قالت وهي بتتلفّت:
ـ "إنتي مين؟ وإزاي عرفتي إني جاية؟"

الست ابتسمت وقالت:
ـ "أنا زُهرة… آخر طبيبة روحية في العالم ده.
وجيت أجهزك لأول حالة حقيقية."

هلا اتحمّست وقالت:
ـ "يعني هشتغل معاكي؟"

زُهرة:
ـ "لأ… إنتي هتشتغلي لوحدك. الحالة مستنياكي من بدري."

مدّت لها ملف، جوّاه صورة بنت صغيرة، شكلها هادي، بس عنيها مطفية كأن فيها ليل ما بيخلصش.

زُهرة قالت:
ـ "دي ميسان. عندها ١٠ سنين. الناس فاكرين إنها مكتئبة، لكن الحقيقة… روحها مربوطة بعالم تاني."

هلا قربت:
ـ "يعني أنا مش بس هعالجها… ده أنا هفك ربط روحي؟ ده سحر؟"

زُهرة قالت:
ـ "ده علم أقدم من السحر.
بس خلي بالك… لو دخلتي جوا روحها… ممكن تتعلقي."

هلا بصّت للصورة، وشعرت بوخز غريب في قلبها، كأن البنت تناديها.

قالت:
ـ "هروح اشوفها.

هلاوصلت لبيت بسيط، في حي شعبي، وفتحت لها أم ميسان.

قالت الأم:
ـ "انتي من طرف زُهرة؟ ربنا يكرمك يا بنتي… بنتي ساكتة بقالها شهور."

دخلت هلا…
وقعدت قدام ميسان، اللي كانت قاعدة ساكتة، ماسكة دب دوب محروق نصه.

قالت لها بهدوء:
ـ "ميسان… أنا اسمي هلا. وسمعت إنك مش بتحبي تتكلمي."

ميسان بصّت لها…
وعينيها بكت من غير دموع.

هلا مدّت إيدها ولمست إيد البنت… وفجأة، لقلبها اتقلب.

في لحظة، حسّت كأنها اتسحبت من المكان…

وفتحت عينيها… لقت نفسها في حديقة سودة، كلها أشجار ميتة…
وفي وسط الحديقة، ميسان واقفة لوحدها.

هلا قالت بخوف:
ـ "ده حلم؟ ولا أنا دخلت جواكي فعلاً؟"

ميسان قالت بصوت طفلة ووش ملاك:
ـ "أنا محبوسة هنا… والوحش مش هيسمحلي أخرج."

ميّا بصّت حواليها، وظهر صوت خشن من وراء الأشجار:

"لو خرجت… هتموتي."

وفجأة، اتجمعت الأشجار على شكل مخلوق أسود، طالع منه دخان، وعينيه حمراء.

ميّا وقفت قدامه وقالت:

ـ "لو كنت وحش، يبقى أنا الطبيبة اللي تعالج الرعب ده!"

ومن غير ما تفكر…
مدّت إيدها، وطلعت منها طاقة بيضا، زي ما تكون دايرة نور اتكونت حواليها وحوالي ميسان.

الوحش صرخ، وابتدى يتحلل…
وميسان بصّت لها وقالت:

ـ "شكرًا… عرفت إني لسه عايشة."

وكل حاجة حوالين هلا اتلاشت…
وفتحت عينيها وهي بتنهج… ولقت ميسان بتضحك لأول مرة.

هلا أنقذت أول روح.

من بعد ما أنقذت ميسان، هلا حسّت إنها مش هي…
مش بمعنى إنها اتغيّرت، لا… هي حاسة إنها اتفتحت، كأن في باب في عقلها كان مقفول، واتفتح فجأة.

بس كمان… كانت حاسة إنها مراقبة.

في كل مكان تروحه، تحس فيه عينين بتبص عليها من الظل، وفي أوقات تسمع صوت واطي بيكرر نفس الجملة:

"اللي بيعالج… لازم يدفع."

وفي مرة، وهي بتعدّي قدام محل تصوير مهجور، شافت انعكاسها في الزجاج…
بس اللي في الزجاج مش كانت هي.

كانت نسخة منها… بس بعين سودة، وبتمسح وشها بخيط وإبرة!

رجعت خطوتين للخلف ، وقلبها دق بسرعه.

منى، اللي كانت معاها، قالت:
ـ "مالك؟"

هلا قالت وهي تبلع ريقها:
ـ "أنا… شفت حاجة في الزجاج… كانت شبهي… بس مش أنا."

منى قالت:
ـ "ممكن تكوني تعبانة…"

بس هلا كانت عارفه… في حاجة مش مظبوطة.

في الليل، ظهرت المراية ثاني…
لكن ماكانش فيها آسر.

كانت سودة، وفيها خيالات تتحرك كأنها بتتخبط في بعض.

وفجأة، طلع صوت غريب…
راجل صوته عامل زي الخربشة:

"أنقذت روح؟ ممتاز… خليني أعرّفك بنفسي."

ظهر راجل غريب… لابس بالطو سودة طويلة، ووشه متغطي بخيوط، وعينه معمولة من زرار!
وشه مش مفهوم، وكأنه معمول من قصاقيص وشوش تانية.

قال:

ـ "أنا الخياط… وأنا اللي بيخيط أرواح الضايعين.
بس إنتي، يا دكتورة هلا، بتفكي الشغل اللي أنا ببنيه."

هلا قالت وهي تحاول تمسك أعصابها:
ـ "إنت بتسجن الناس في خوفهم؟"

الخياط ضحك وقال:

ـ "أنا بحافظ على توازن العوالم…
وإنتي، بكلامك الحلو ولمستك اللي بتوجعني، بتعملي فوضى."

ثم قال:

ـ "أنا ما بقتلش… بس بعرف أخلّي اللي بيحبوه… ينسوهم."

هلا، في اللحظة دي، حسّت حاجة غريبة…
صورة آسر ظهرت للحظة، وهو مربوط بخيط سميك، ووشه موجوع.

صوت الخياط قال:

"لو كملتي، هفكّر أعالجه بطريقتي."

وقبل ما ترد، المراية تكسّرت قدامها، وقطعة صغيرة منها دخلت في كفها…
وانجرحت، بس الجرح مكانش عادي…
كان شكله زي غرزة.

من يوم ما المراية اتكسرت، وميّا مش قادرة تنام.
كل ما تغمض عينها، تحلم إنها مربوطة بخيوط، وخياط ضخم بيقرب منها بإبرة بطول ذراع.

لكن اللي خوفها أكثر…
كان حلم شافته فجأة، آسر قاعد في مكان مظلم، حواليه دخان، وعينيه بتلمع كأنها بتقول "الحقيني".

تاني يوم، ميّا صحيت…
ولقت إيدها اللي كانت مجروحة من المراية، فيها "علامة" مش عادية…
غرزة سودة، كأن الخيط لسه موجود تحت جلدها.

وفي لحظة، قلبها اتقبض، ووشها اتشد ناحية المراية اللي بقت مشقوقة نصفين.

وفجأة…
ظهر دخان أسود، وخرج منه "الخياط" بنفسه.

كان أطول من المرة اللي فاتت، جسمه هزيل لكن صوته ثقيل كأنك سامع ميت بيتنفس،
وأيده فيها إبرة ضخمة بتلمع.

قال بنبرة فيها تهديد ناعم:

"جيت أديكي فرصة… ترجعِي لجهلك الجميل."

وقفت بثبات، وقالت:

"وأنا جيت أقولك… إني مش هرجع، ولا هسيب آسر في إيدينك."

الخياط ضحك بصوت مرعب:

"آسر؟ دا بقي واحد من أنسجتي دلوقتي… عايزة ترجعيه؟ هاتي مشاعرك."

اهلا بتسأول واستغراب
ـ "يعني إيه؟"

قرب منها، ولمس طرف جبينها بالإبرة…
وهي حسّت إن ذاكرتها بتتهز، كأن فيه ذكريات تنسحب منها واحدة ورا التانية.

ضحك وقال:

"لو نسيتيه… هيرجع لك حر، بس قلبه مش ليكي."

بس ميّا، وهى تنهج، رفعت إيدها، والمكان نور فجأة…
طاقة بيضا طلعت من كفها، وخيط الإبرة اتحرق في لحظة.

الخياط اتفاجئ، رجع ورا وقال:

"إنتي بتعرفي تحرقي؟!"
"ده ممنوع… ده قوة قديمة!"

تعليقات

authorX

مؤلفون تلقائي

نظام شراء