بعد الموت - الفصل الثامن: الحقيقة تتجلى
الحقيقة تتجلى
2025, أحمد عماد
رومانسية
مجانا
تمت كتابة هذه الرواية بأسلوب يجمع بين الغموض والدراما النفسية، وتتناول موضوعات عميقة مثل الهوية وفقدان الذاكرة والحب والفقدان. تبدأ بلحظة صحو غامضة داخل مستشفى، يجد البطل نفسه محاطًا بأشخاص يزعمون أنهم عائلته. تتصاعد الأحداث مع إنكاره لهم وشكوكه في كل ما يُقال له. الغموض يسيطر على الأجواء، والأسئلة تتكاثر بلا إجابات واضحة. هل فقد الذاكرة فعلًا، أم أن هناك سرًا أكبر خلف الجدران البيضاء؟
الطبيب
رجل يرتدي زي أبيض، يتصرف بشكل هادئ وحاول طمأنة البطل بأنه بخير، لكنه يبدو متردد وغير صريح في بعض الأمور.المرأة السوداء
امرأة ترتدي ملابس سوداء، تبكي بصمت وتعانق البطل بحنان، تزعم أنها والدته.
في أحد الأيام، وبينما كنتُ أعبر الطريق في طريقي إلى العمل، كانت الأفكار تتقاذف في رأسي كأمواج متلاطمة. لم أكن أشعر باستقرار داخلي، فقط ضجيج، وتشتت، وشعور غامض بأن شيئًا ما مفقود… أو ربما مدفون. كانت هناك صورة ثابتة في ذهني، تتكرر بشكلٍ مزعج، كأنها لوحة باهتة لحادث مرعب. لم تكن واضحة، لكنها كانت تحتوي على صرخة، وارتطام، ودماء. لم أكن أعرف إن كانت من خيالي، أم من ماضٍ نسيتُه، لكنه لا يريد أن ينساني. في لحظة، شعرت أن كل شيء حولي توقف. السيارات، الناس، السماء... حتى خطواتي بدت وكأنها تتحرك على أرضٍ ليست لي. كنتُ أتنفس، لكنني لا أشعر أنني حيٌّ تمامًا. وفي مساء اليوم ذاته، كنتُ أقف على الطريق، أنتظر السيارة التي ستنقلني إلى حفل التكريم الذي أعدّته الشركة لي. كنتُ أنظر إلى الأفق بلا تركيز، ولا زال رأسي يعجّ بالصراعات، وبذلك الحادث الغامض الذي يزورني في صمت. وفجأة، رأيتُ فتاة تعبر الطريق أمامي. للحظة، بدا المشهد وكأنه تكرار لما كنتُ أراه في ذهني منذ أيام. نظرتُ إلى يساري، فوجدتُ سيارة مسرعة قادمة نحوها. في تلك اللحظة، لم أفكر. اندفعتُ نحوها كالمجنون، دفعتُها بكل قوتي بعيدًا عن الطريق، ووقعتُ أنا أرضًا. كان الزمن بطيئًا، وكان صوت التصادم قريبًا جدًا… لكنه لم يحدث. نجونا معًا. اجتمع الناس من حولي، ساعدوني على الوقوف، وأخذوني إلى جانب الطريق. شعرتُ بأن كل شيء في داخلي انهار دفعة واحدة، وبدأتُ أبكي كطفل. نظر الجميع بدهشة وقالوا: "لقد نجوتَ أنت والفتاة من الحادث، فلماذا تبكي؟!" نظرتُ إليهم والدموع تنهمر من عيني، وقلتُ بصوتٍ مختنق: "بالنسبة لي… فقد نجوتُ، أما بالنسبة لها… فلم تنجُ." تبادلوا النظرات في صمت، بعضهم ظنّ أنني فقدتُ عقلي، وآخرون شعروا بالشفقة. جاءت السيارة، فركبتها وأنا أرتجف. لم أكن أعلم هل ما حدث الآن واقعٌ أم حلم؟ لكنني كنتُ واثقًا أن شيئًا بداخلي قد استيقظ. وصلتُ إلى مكان الاحتفال، وكان في استقبالي حشد كبير من الزملاء والمديرين والإعلاميين. صعدتُ إلى المنصة بعد أن قدمني المتحدث بكلماتٍ منمقة عن النجاح والطموح، وطلب مني أن أروي قصتي للجميع. أمسكتُ الميكروفون، ونظرتُ في وجوههم، ثم بدأتُ حديثي: "قبل وصولي إلى هنا، لم أكن أعرف من أنا. استغرقتُ وقتًا طويلًا في التفكير، ولم أعرف ماذا سأخبركم عن حياتي السابقة. كنتُ أشعر أنني وُلدتُ في الثامنة عشرة من العمر، ولكن اليوم فقط… أدركتُ من أنا." توقفتُ لحظة، وكلماتي بدأت تتدفق بقوة: "لقد رأيتُ حادثًا أمامي جعلني أتذكر كل شيء... رأيتُ مثله من قبل، منذ خمس سنوات، عندما كنتُ في الثامنة عشرة من عمري. بعد ذلك الحادث، فقدتُ ذاكرتي. ومنذ ذلك اليوم، كنتُ أبحثُ عن السبب، عن المعنى، عن نفسي." "الطبيب قال لأهلي إن الحقيقة ستدمّرني إن عرفتُها، فنصحهم بعدم إخباري بأي شيء. وذات يوم، سمعتُ والدتي تقول: 'في بعض الأحيان، تكون الحقيقة قاسية ويجب إخفاؤها لأنها تسلب من الإنسان مصيره.' كنتُ غاضبًا، حزينًا، تائهًا… أما الآن، فأنا ممتن." صمتتُ مجددًا، ثم أضفتُ بصوتٍ مختنق: "كنتُ أعتقد أن إصابتي بفقدان الذاكرة أمرٌ سيئ، ولكنني أدركتُ اليوم أنه أنقذني. دائمًا كنتُ أختار أصعب الطرق للنجاة، والآن أتمنى… أن أُصاب في حادث آخر بفقدان الذاكرة. وإن لم أنجُ، فقد نجوت!" أنهيتُ حديثي، ثم حييتُهم بهدوء، ونزلتُ عن المنصة.
تعليقات
إرسال تعليق