روايه زفاف إجباري

زفاف إجباري

2025, Jumana

رومانسية

مجانا

شابة على وشك الزواج من مايك، وهي تحاول التخلص من عبء ماضيها الغريب بسبب والدتها التي تعاني من أوهام. تعتقد والدتها أن لوسي مخطوبة لملك من عالم آخر اسمه "ألڤار". أثناء اختيار فستان الزفاف، تلتقي لوسي برجل غامض يدعى ألڤار يثير فيها مشاعر لم تختبرها من قبل، مما يزعزع قرارها بالزواج من مايك ويدفعها لمواجهة الحقيقة وراء أوهام والدتها.

لوسي

شابة تحاول العيش حياة طبيعية وهادئة والتخلص من تأثير تربيتها الغريبة بسبب والدتها. هي مخطوبة لمايك وتسعى للاستقرار، لكن لقاءها بألڤار يقلب حياتها رأسًا على عقب ويدفعها لمواجهة ماضيها. تتميز بكونها خجولة وغير اجتماعية، وتحاول تجنب لفت الانتباه.

ألڤار

الرجل الغامض والوسيم الذي يظهر فجأة في حياة لوسي. هو طويل وذو شعر داكن وعينين زرقاوين، ولديه ندبة واضحة على خده. وفقًا لوالدة لوسي، فهو ملك "بلاد ما تحت الأرض" في عالم آخر يدعى

إيميلي

الصديقة المقربة والوحيدة للوسي. تدعم لوسي وتحاول مساعدتها على تجاوز تأثير أوهام والدتها. هي شخصية مرحة ومنفتحة، وتحاول دائمًا تخفيف الأجواء ومساعدة لوسي على رؤية الجانب الإيجابي.
تم نسخ الرابط
روايه زفاف إجباري

عكس جزء كبير من الحريم، فكرة إني أقعد أقيس فساتين فرح مش من الحاجات اللي بتبسطني خالص.

بس طبعًا، كل "عروسة" محتملة بتبقى محتاجة فستان فرح، وأنا عروسة، فيعني – للأسف – أنا موجودة دلوقتي في محل فساتين أفراح فخم أوي في وسط البلد في شيكاغو.

طب أنا ليه مبهربش وأتجوز في السر؟

وأنا قاعدة مستنية الست المسئولة عن فساتين الفرح، اللي كانت عرفتني بنفسها وقالت إن اسمها ڤيكتوريا، ترجع ومعاها فستان، عمالة ألعب في الأستك اللي دايماً في إيدي عشان أمنع نفسي أغرق في دوامة الماضي بتاعي وأسرح فيه.

واللي يزوّد الطين بلة، إن في كل حتة حواليا عرايس متحمسين أوي عشان يقيسوا فساتينهم ومعاهم أمهاتهم اللي عمالين يدلقوا عليهم ورأيهم كتير زيادة عن اللزوم.

أنا عارفة كويس أوي ليه ماما مش هنا، ومش عشان هي ماتت، أو عاجزة، أو سابتني ومشيت.

لأ، كل الأسباب دي كانت هتبقى طبيعية جدًا بالنسبة لحياتي.

لو ماما كانت هنا، كانت قالتلي إني باخد أسوأ قرار في حياتي بإني هتجوز مايكل چونز. وكانت كمان هتقول إن حياتي وحياة كل واحد على وش الأرض في خطر بسبب الجوازة دي.

لوقت طويل قعدت أعافر معاها، وأحاول أفهمها إن دي أوهام، بس دلوقتي خلاص استسلمت: أنا عايشة في الواقع وماما لأ.

طَقة الأستك. أنا هنا. أنا فايقة.

"ألو؟ يا لوسي! اصحي!" صاحبتي الانتيم، إيميلي، بتقول وهي بتهز إيدها قدام عينيا.

"بطلي يا إيم!" بقولها وأنا بزق إيدها بهزار من قدام وشي. هي الوحيدة اللي موجودة معايا وأنا بقلّب في الفساتين.

"شكلك عامل زي ما نكون هنا بنختار تابوت لجنازتك،" إيميلي بتقولها بتعبير زهقان على وشها الجميل. "اضحكي! إحنا هنجيب الفستان النهاردة!"

"أيوه، أنا عارفة،" بتمتم وأنا صوتي واطي.

"أمال فيه إيه؟"

"ماما،" بقولها من غير أي مشاعر. مبقتش أعيط بسبب الموضوع ده قدام إيميلي، دلوقتي مبقاش فيه غير الصراع اللي جوايا، الإحساس إني بخون الست اللي ربتني كل ما أعمل حاجة لنفسي، هو ده اللي معذبني. "هي مكنتش هتوافق على مايك."

أنا بكره كوني كده. اتربيت على إني واحدة غريبة الأطوار بسبب جنان أمي.

"أيوه، بس المهم إنك موافقة على مايك،" إيميلي بتهديني وبتاخدني في حضنها. "وإنتي عارفة إنها مش موافقة بس عشان فاكرة إنها وعدت بيكي لملك بلاد العجايب قبل ما تتولدي."

"ملك بلاد ما تحت الأرض الحقيقة،" بفكرها بصوت واطي. الواحد كان يفتكر إن إيميلي تكون عرفت خلاص. إحنا اتكلمنا في الموضوع ده كتير أوي على مدار السنين.

"يا لوسي، هي تعبانة، وفاكرة الدكتور النفساني بتاعك قالك إيه؟ بطلي تحسي بالذنب بسبب أوهامها وافتكري سنين القسوة النفسية،" إيميلي بتطبطب على ضهري. "بصي! ڤيكتوريا رجعت ومعاها الفساتين."

"إنتي كويسة يا حبيبتي؟" ڤيكتوريا بتسأل.

"هي بس واحشاها مامتها،" إيميلي بتداري على تعابير وشي الغضبانة. "مامتها اتوفت وهي عندها ست سنين." أنا مبمنعش إيميلي إنها تكدب علشاني في الموضوع ده، لإن الحقيقة ساعات بتبقى أغرب من الخيال.

"أنا آسفة أوي يا حبيبتي،" ڤيكتوريا بتقول، وبتمسك دراعي بالراحة وبتوجهني ناحية أوضة الپروڤة. "تعالي معايا وهنبدأ نقيس الفساتين دي. هيبقى شكلك زي القمر."

بعدها بكام دقيقة، بخرج من أوضة الپروڤة وبعرض الفستان قدام المرايات لإيميلي. شعري لونه الطبيعي بني رمادي وعمري ما صبغته لون تاني، عينيا لونها بني فاتح، وبشرتي واخدة لون أسمر خفيف، غامقة كفاية إني متلسعش من الشمس بسهولة. أنا مش جميلة، بس ممتنة إن شكلي من النوع اللي مش ملفت للنظر. مش عايزة حد ياخد باله مني وسط الزحمة، كفاية أوي إحساسي إني مختلفة في كل حاجة تانية. إيميلي بتقول إن شكلي فيه حاجة "بنت ناس كده وهادية"، بس أنا متأكدة إن دي طريقتها اللطيفة عشان تقول "واحدة عادية خالص".

"يا خبر أبيض، شكلك تحفة! يا چامدة! كان نفسي الأبيض يبقى حلو عليا كده!" إيميلي بتغرقني بمجاملات مكسفة وزيادة عن اللزوم زي ما المفروض الصحاب الانتيم يعملوا لما بتقيسي معاهم فساتين فرح.

"أعتقد هو ده،" بقول وعينيا بتروح وتيجي على باب الخروج.
أنا مش فارق معايا هلبس إيه طول ما أنا هتجوز مايك اللطيف اللي مش معقد، وأرمي الماضي ورا ضهري.

"مفيش حاجة اسمها إنك هتقيسي فستان واحد بس!" إيميلي بتضحك عليا.

بلف تاني ناحية أوضة الپروڤة عشان ألاقي ڤيكتوريا في وشي وفي إيدها فستان تاني متعلق في كيس.

"هو عايزك تقيسي ده،" ڤيكتوريا بتقول وهي بتشيل الكيس البلاستيك من عليه.

"هو مين؟" بضحك نص ضحكة على كلامها اللي جه فجأة ده.

"مين غيره طبعًا، ألڤار،" ڤيكتوريا بترد.

"مـ.. ممكن تشاوريلي عليه؟" بتأتأ وأنا ببلع ريقي بصعوبة وحاسس إن الدم هرب من وشي.
اسم ألڤار ده مش منتشر هنا في أمريكا... ولا في أي حتة تانية بصراحة.

"أهه هناك عند مكتب الاستقبال،" ڤيكتوريا بتقول وهي بتهز راسها في الناحية دي. بتطلع الفستان من الكيس البلاستيك وعينيا بتوسع. "قال إنه عايز لوسي هاموند تقيس الفستان ده علشانه."

"أنا مقدرش على تمنه يا ڤيكتوريا. وإنتي لسه قايلة إن ألڤار قالك تلبسيني ده؟" بضحك بتوتر. "أنا معرفش أي حد اسمه ألڤار."

"طبعًا متعرفيهوش،" ڤيكتوريا بتهمس وهي بتضحك بخفة. وبتبتسم ابتسامة بتاعة 'إحنا بينا سر'. "مش هقول لصاحبتك. ألڤار قال متقلقيش من السعر. هو هيشتريهولك. إنتي عندك 'صديق' كريم أوي ووسيم أوي!" وبتغمزلي.
ودلوقتي هي فاكراني بخون خطيبي.
رغم الخزي والكسوف اللي أنا فيه، مقدرتش أقاوم نفسي. خليتها تساعدني ألبس الفستان اللي يخبل ده.
صدرية الفستان الكورسيه اللي من غير حمالات، وسطها ساقط، ومرصعة بأحجار بتلمع.
معقول دي أحجار كريمة بجد؟
بإيدين بتترعش، بمشي صوابعي عليهم. ملمسهم حقيقي، وأنا عارفة من ملمس القماشة، إنه لازم يكون غالي أوي. ديل الفستان نازل حواليا زي بحر أبيض.
قلبي كان بيدق چامد أوي في صدري وأنا ببص لنفسي في مراية أوضة الپروڤة.
عمري ما تخيلت إني ممكن أبان أميرة.






ڤيكتوريا رجعتني تاني لإيميلي. الفستان كان بيتهز برقة وأنا ماشية.
إيميلي في الأول مقالتش ولا كلمة. عينيها وسعت أوي، وفكها اللي تحت سقط شوية.
"إيه... إيه رأيك؟" كسرت أنا الصمت وأنا بتأتأ.
أنا لسه مش مصدقة إني لبست الفستان الفخم ده بالرغم من كل الظروف دي.
لازم أعترف، "ألڤار" ده ذوقه حلو.
"ده... ده كإنك... كإنك إلهة جمال بحق وحقيقي!" صوت إيميلي بقى كله حماس وهي بتلف حواليا تتفحص كل زاوية في الفستان. "عمري ما شفت حاجة بالجمال ده،" قالتها وهي نفسها طالع بالعافية. "أنا ممكن أتجوزك وإنتي لابسة ده!"

"خلاص هقول لكل الرجالة إنك اتاخدتي،" هزارتها، بحاول أخفف التوتر اللي جوايا بنكتة.
إيميلي بتحب الرجالة. أيوه، صح كده. جمع.
لما إيميلي كان عندها حداشر سنة، كان ليها أول "صاحب" وعملت فرح لعبة كده وأنا كنت الوصيفة بتاعتها.
الواد تيمي ريتشاردسون الصغير كان أول واحد قلبه يتكسر بسببها.
بقول لإيميلي إني هاخد الفستان، بس أنا بكدب. أنا مستحيل آخد فستان المفروض إن "ألڤار" ده هو اللي اختارهولي. دمي بيتجمد في عروقي لمجرد التفكير في الموضوع.
بس مين ممكن يكون قاسي كفاية إنه يعمل فيا مقلب زي ده؟
أنا معنديش أعداء يعني. تربيتي الغريبة دي خلتني تقريبًا معاقة اجتماعيًا، ماليش حد غير إيميلي ومايك.
كنت فاكرة إني سبت العيال المتنمرة بتوع المدرسة الثانوية ورايا خلاص.

بعد ما أنا وإيميلي كل واحدة راحت لحالها، سوقت عربيتي لمحل البقالة ومش قادرة أبطل تفكير في اسم ألڤار اللي اتقال ده.
حاجة تقرف. أيا كان مين ده، فهو واحد تافه.
يا دوب لسه بحاول أرمي الماضي ورا ضهري وأعيش حياة لطيفة وهادية، متجوزة راجل طبيعي، وأخلف منه عيال طبيعيين كتمرد مني على الطريقة اللي اتربيت بيها، يقوم واحد يقرر يقلب عليا المواجع تاني ويزود الطين بلة في موضوع الماضي بتاعي.
طب، يولعوا!
مايك، خطيبي، هو وعد ببداية جديدة ليا. أنا ومايك اتقابلنا في الكلية. لما طلب إيدي للجواز طبعًا وافقت. طلبه ده حسيت إنه تذكرتي للخروج من دنيا المجانين دي.
أنا عايزة استقرار في حياتي. استقرار عمري ما حسيته وأنا طفلة. مايك عارف إن اللي بينا مش قصة حب جياشة، دي صداقة قوية. ترتيب مريح إحنا الاتنين راضيين بيه.
مع الفكرة دي، اتصلت بيه. محتاجة أثبت. طَقة الأستك!
"ألو، يا حبيبي،" بقول أول ما بيرد.
"عملتي إيه في مشوار الفستان؟" مايك بيسأل.
"ملقتش حاجة. أنا رايحة أجيب شوية طلبات للبيت،" بقول ببساطة.
"عظيم، أنا ميت من الجوع،" مايك بيقول.
"أفهم من كده إنك جاي تتعشى عندي؟" بسأله وأنا بضحك.
"أكيد طبعًا يا لوسي،" مايك بيقول.
"أشوفك الساعة خمسة ونص بقى! بحبك!" بقولها، بس مش متأكدة أوي إني موافقة إنه يعزم نفسه كده بعد اليوم بتاعي ده.
"وأنا كمان بحبك!" مايك بيقول.
بدخل محل البقالة وبمسك الورقة قدام مناخيري أراجعها بسرعة.
تمام. بيض. لبن. زبدة – كل الحاجات المعتادة.
بتجه ناحية آخر المحل لقسم الألبان. وأنا يا دوب بوطي عشان أجيب علبة لبن، حد بيطبطب على كتفي، فبتنفض، وتقع علبة اللبن مني على الأرض، وأشوفها بتتفتح وبتتدلق وعاملة طرطشة جامدة على جزمة جلد سودا غالية بتاعة حد.
"أنا آسفة جدًا!" بصيح، ومش فاهمة ليه أنا اللي بعتذر مع إنهم هما اللي اتسحبوا ورايا وخضوني في الأول و...
"لأ، أنا اللي آسف إني خضيتك كده،" صوت عميق وغامض جاي من الراجل الغريب، بعت قشعريرة في ضهري.
ببص فوق لصاحب الجزمة ووشي بيسخن. غير صوته الدافي اللي زي الشوكولاتة السايحة، الراجل ده ليه هيبة وحضور قوي. طويل لدرجة إن صدره العريض عند مستوى عيني، وكمان مفتول العضلات.
ده من الرجالة النوع ده.
على الأقل ده الاسم اللي إيميلي بتطلقه على الرجالة الغامضين اللي شكلهم غريب، اللي بيخلوكي مش مرتاحة لأسباب مش قادرة تفسريها.
فجأة لقيت نفسي بلمس شعري وبضحك ضحكة متوترة زي الهبلة.
أنا واحدة مخطوبة يا جدعان! مالي أنا؟!
"أنا هدفع تمن اللبن،" بيقولها باعتذار.
غير شكله الرجولي النضيف بشكل عام، وشه صدمني. فيه ندبة غليظة وواضحة ماشية بالعرض على عضمة خده اليمين وطالعة لفوق لحد حاجبه، مشوهة وشه اللي كان هيبقى وسيم بشكل يخطف الأنفاس لولاها.
يا نهار أسود، الندبة دي كانت خلاص هتدخل في عينه! أكيد وراها قصة وحشة كمان. بس مين ممكن يستجرىء يقرب من واحد زي ده؟
"اه، مفيش داعي! أنا اللي المفروض مكنتش أتخض بالسهولة دي،" بحاول أستعيد رباطة جأشي على قد ما شخصيتي اللي مش اجتماعية دي تسمح.
"افتكرتك واحدة أعرفها،" الغريب الوسيم بشكل مش طبيعي ده بيقول.
"اه،" بشهق. أنا ليه حرّانة أوي كده دلوقتي؟
أنا متأكدة إنه هيمشي ويروح يشوف حاله وعمري ما هشوفه تاني. الحمد لله برضه. الرجالة اللي زيه المفروض ميكونش ليهم أي علاقة بالنوع الخجول اللي زي حالاتي اللي شبه أمينات المكتبة.
من امتى فيه راجل وترني بالشكل ده؟
"أنا مبسوط إني طلعت صح. لوسي، سامحيني إني مقلتش كده من الأول، بس أنا ألڤار،" بيقولها، وعينيه الزرقا متثبتة عليا كإني لوحة فنية. بيميل لقدام لحد ما بقى في طولي، شفايفه على بعد سنتيمترات بسيطة من شفايفي. "ممكن أبوسك، يا عروستي؟"
"إنت اتجننت! لأ—لأ، طبعًا مينفعش!" بتأتأ وأنا برجع لورا، ودماغي بتلف. رجليا مش ثابتة، وتقريبًا كنت هتكعبل في فاترينة خضار وفاكهة.
"يا خسارة، شفايفك المبرطمة دي شكلها طرية أوي،" بيهمس، وعينيه متثبتة عليهم لدرجة إن إيدي طلعت لوحدها غطت بقي.
أنا مدركة بشكل مرعب قد إيه كلام الراجل الغريب ده مأثر فيا بطريقة عمري ما حسيت بيها قبل كده، حتى مع خطيبي نفسه.
"عمومًا، أنا متفق مع مشاعرك في النقطة دي. خلينا نتعامل بشكل رسمي. هشوفك تاني قريب، لوسي الجميلة."
بيمسك إيدي، وينزل على ركبة واحدة ويبوس ضهرها.
كإنه خرج من حكاية خرافية عشان ينقذ أميرته الجميلة.
ببصله وأنا مبهورة ومبرقة. إزاي ده ممكن يكون حقيقي؟ المكان اللي لمسته شفايفه لسه حاسة بحرارته على إيدي. بيقوم ويروح في طريقه، ويدخل في ممر تاني.
للحظة، بقف متسمرة في مكاني، بحاول أستجمع نفسي وأرجع أتحكم فيها. أخيرًا، بفوق نفسي وبجري وراه بسرعة.
روحي وراه. بهدليه!
ببص في كل حتة في المحل، بس الراجل الغريب ملوش أي أثر.
اختفى. كإنه سحر.
الذكريات بتتدفق على دماغي، ذكريات طفولتي الغريبة. متمنهاش لأي حد. سنين العزلة والقلق اللي اتفرضت على بنت صغيرة أمها فهمتها إنها هتنقذ العالم لما تتجوز ملك.
كنت أقنعت نفسي إني أبطل أصدق أوهامها. إيميلي ساعدتني أتخطاهم، وأعيش حياة طبيعية.
بطلع تليفوني من جيبي وبتصل بمايك. أنا مؤدبة زيادة عن اللزوم لدرجة إني مقدرش مخليهوش عارف أنا فين وبعمل إيه.
"أ... ألو، مايك،" بتأتأ. "كـ... كنت بسأل لو ممكن تلغي خطط العشا معايا النهاردة؟"
"أكيد،" بيسكت شوية، وبعدين بيقول، "فيه حاجة غلط؟"
"لأ،" بقول بسرعة، تقريبًا بقطعه في الكلام. "أنا بس محتاجة شوية وقت... لوحدي. أعتقد إني بفكر زيادة عن اللزوم في موضوع ماما و... و..."
"فاهمك،" مايك بيقاطعني، "متقلقيش يا حبيبتي. ليلتك سعيدة."
"وإنت كمان." بقفل السكة وبحط التليفون في جيبي.
بدل ما أكمل شراء الطلبات، بسيب عربية الطلبات مكانها وبتجه على طول لعربيتي. أنا هكره نفسي على اللي هعمله ده، بس أنا محتاجة أشوف ماما.






"بتعملي إيه هنا يا لوسي؟" ماما بتسأل وهي بتفتح باب شقتها وبتوسع عشان أدخل.

أول ما شفت ماما في الشقة القديمة اللي اتربيت فيها، على طول لقيت نفسي بقاوم إحساسي بالذنب إني مبزورهاش أكتر.

ماما مبتخليش بالها من نفسها.

وأنا مش مستغربة برضه لإني طول عمري أنا اللي كنت بخلي بالي مننا.

بيتنا الصغير كان شكله باهت، بس نضيف ومرتب لما كنت عايشة معاها. دلوقتي جوابات متفتحتش مغطية ترابيزة السفرة، وأكياس بسكوتات مقوية مرمية على السجادة اللي صوفها طويل ووسخة، وعلب رقايق فطار قديمة مفتوحة على رخامة المطبخ.

"أنا جيت أتكلم معاكي عن..." وبسكت. صعب أوي أقولها. "ألڤار." اسمه طلع مني بهمس.

"مش عايزة أتكلم في الموضوع ده." ماما بتمشي ناحية شباك شقتها وبتبص بعيد عني على المطرة وهي بتنزل على الإزاز في نقط بتلمع.

"أنا قابلته النهاردة،" بقولها فجأة.

نظرة ماما بتتحول بسرعة من المطرة ليا.

"إنتي قابلتيه؟" ماما بتقول، وصوتها كله سخرية. يمكن تكون فاشلة في شغل البيت، بس التمثيل والدراما دي لعبتها.

"أنا تقريبًا متأكدة إني قابلته."

"كان شكله عامل إزاي؟" صوت ماما واطي من الصدمة، يمكن متوقعتش إني بتكلم جد.

"طويل، وشعره غامق وعينيه زرقا. شكله ميديش أكتر من تلاتين سنة،" بتمتم. "كان فيه ندبة بيضا واضحة أوي على وشه."

"بالظبط زي ما أنا فاكراه!" دمعة بتنزل من عين ماما الرمادي التعبانة.

"زي ما إنتي فاكراه؟ إزاي ده ممكن؟" بربع إيديا على صدري، زي حيطة عشان أحمي نفسي من إني أرجع تاني لعالم أوهامها ده. وبطق الأستك اللي في إيدي كذا مرة.

"عالمه مختلف أوي عن عالمنا، بما في ذلك كبر السن ومرور الوقت،" ماما بتشرح. "بس إحنا محتاجين عالمهم يكون في سلام مع عالمنا وإلا كل اللي نعرفه هيضيع."

"إنتي مش قصدك تقولي إنه زي الجنيات أو الكائنات الخرافية. هو بني آدم، صح؟" الكلام طالع من بقي كإنه جنان. يا خبر أسود. مش مصدقة إني بدأت أصدق موضوع ألڤار ده. الموضوع كله غريب أوي ومش طبيعي.

"مستغربش لو كان شعبه هو السبب في ظهور كتير من المعتقدات دي،" ماما بتقول وعلى وشها لمحة تسلية سريعة. "بس عالمه اسمه أكسوس وهو بيحكم أقوى بلد في العالم ده: بلاد ما تحت الأرض."

"أنا عارفة،" بقول ببرود. كل حاجة بترجع تاني. كل اللي كنت بحاول أبعده عن تفكيري عشان أحافظ على عقلي. فاكرة: أكسوس، بلاد ما تحت الأرض، خطط جوازي...

"عارفة؟ عرفتي دلوقتي، مش كده؟" ماما بتقوم من على الكرسي وبتروح وتيجي قدامي في الصالة، وشبشبها بيعمل صوت وهو بيخبط في الأكياس البلاستيك.

"آه، ماما، خليني... ألم ده،" بقولها، ومن غير ما أفكر وطيت وبدأت ألم الزبالة.

"كنت هحافظ على المكان ده نضيف لو مكنتيش سبتيني زي ما عملتي!" ماما بتقول، ورجعت للعبتها القديمة بتاعة إنها تلومني على كل مشاكلها.

"ماما،" بقول وأنا باخد نفس عميق. لازم أقولها برضه. "أنا هتجوز."

"أكيد طبعًا هتتجوزي يا لوسي! هتتجوزي ألڤار ومن اللي بتقوليه ده، شكله قريب أوي." ماما بترمي نفسها على الكنبة الزرقا القديمة اللي عندنا من ساعة ما وعيت على الدنيا.

باخد نفس عميق وبقول ببطء، "لأ يا ماما، أنا هتجوز مايك."

بتبصلي وهي مش مصدقة.

كإن مايك هو اللي جاي من عالم تاني.
"مين ده كمان مايك؟" صوتها حاد وفيه اتهام.
"مايك ده 'الصديق' اللي عرفتك عليه في حفلة تخرجي. اللي إنتي عملتي قلق وهللة لما شفتيه." رميت الزبالة من إيدي.
خلاص كده. هي عمرها ما هتعاملني كإني واحدة كبيرة. أنا مش هقدر أفضل أعمل في نفسي كده.
"هو ألڤار يعرف؟" ماما بتسأل، وهي بتعمل صوت بأنفها بسبب الأكياس اللي بتطير.
"آآ، أنا مقلتلوش لو ده قصدك،" بقولها بتحديد، وأنا مربعة إيديا على صدري.
"لازم ميعرفش إنك بتحاولي تتجوزي واحد تاني وإلا كل اللي تعرفيهم، كل اللي بتحبيهم، هيبقوا في خطر." وش ماما بيقلب أبيض زي ورقة الكراس. شكلها مسكونة بذكريات حاجة أنا معرفهاش، بس فكرة إن راجل ضخم وقوي زي ألڤار ممكن يسبب خطر لأي حد مش مفاجأة بالنسبالي.
"اقعدي يا لوسي. أعتقد إنك محتاجة تفوقي ذاكرتك شوية،" ماما بتهمس، وهي بتطبطب على الكنبة.
بعمل زي ما بتقولي، زي ما بعمل دايمًا، بالرغم من إن كل حتة فيا عايزة ترفض واقعها ده وتعتبره مش واقعي.

"ألڤار قالي إنه محتاج عروسة بشرية من الأرض عشان يحافظ على السلام مع عالمنا،" ماما بتبدأ كلامها.
يا إحنا الاتنين مجانين يا إما هي بتقول الحقيقة.
"أنا وعدت ألڤار إنك هتكوني بتاعته." ماما مبتبصش في عينيا وهي بتقول كده. بتبص على إيديها اللي متشابكة في حجرها وبتتنهد. "إنتي كنتي هتموتي وإنتي لسه في بطني وأنا قلتله لو أنقذك..."
"يعني إنتي وعدتي بيا للشخص ده قبل ما أتولد؟ هو عامل زي الشيطان ولا إيه؟ عنده قوة زي دي إنه ينقذ حياة حد؟"
"لأ، شعبه عندهم قدرات مش عندنا. قدرات على الشفا." ماما بتعيط وهي بتتكلم دلوقتي. "أنا شرحتلك كذا مرة وإنتي بتكبري إزاي كان لازم أنقذ حياتك حتى لو ده معناه إن..." صوتها بيروح.
"يعني أنا المفروض أربط حياتي كلها بملك خطير محتاج عروسة بشرية عشان يحافظ على السلام مع عالمنا؟" أنا كملتلها كلامها، وبهز راسي. بطني بتتقلب وخايفة أرجع. "دي تبدو حياة عظيمة الواحد يستناها، لو سألتيني."
"بعض الناس في أكسوس مش ودودين ناحية البشر. ألڤار بيعمل كده عشان مملكته متهجمش على عالمنا وتاخده لنفسهم،" ماما بتقول. "هو بينقذنا بالدبلوماسية دي. مملكته القوية عاملة معاهدة مع كل البلاد التانية في أكسوس، لو هو قال متهجموش، محدش هيستجرىء يهجم."
"أنا مقدرش أكون عروسته. إزاي أخليه يعرف إنه محتاج يختار واحدة تانية لأني خلاص مرتبطة دلوقتي؟ معلش يا صاحبي، إنت اتأخرت أوي،" بقول، وأنا رافعة دقني لقدام.
"إنتي متقدريش تتجوزي حد تاني. إنتي عروسته المختارة من سنين كتير. الاتفاق كان عليكي إنتي وبس عشان تاخدي مكانك كملكة ليه في الوقت المحدد،" ماما بتقول بحزم. "إنك تقوليله إنك مش عروسته ده هيبقى أكتر من إهانة فظيعة ليه ولشعبه. ده معناه حرب بينا وبينهم." بتسكت وبتاخد نفسها. "وأنا أعتقد إنهم هيكسبوا."
بس هي عرفت منين الكلام ده؟

"طب أعمل إيه؟ أقول إيه لمايك؟" بسأل وأنا مربعة إيديا على صدري. "أقول إيه لصحابي؟"
"صحابك؟" ماما بتعمل صوت بأنفها. "قصدك على البت اياها، إيميلي؟"
"ماما، إنتي عمرك ما حبيتي أي حد من صحابي عشان مكنوش بيصدقوكي وكانوا بيشجعوني إني مصدقكيش. إنتي مش واخدة بالك كلامك كان بيبان مجنون إزاي وإنتي بتتكلمي عن عالم تاني محتاج عروسة من هنا عشان يحافظ على السلام؟ وإزاي الكلام ده كان بيبان متخلف ومن العصور بتاعة زمان أوي لكل واحد عرفته في حياتي؟"

"هما اللي قلبوكي عليا!" ماما بتصرخ في وشي، "أنا فاهمة إن الكلام كان يبان مجنون، بس كل حاجة قلتها لك كانت حقيقة! دلوقتي إنتي مصدقاني عشان شفتي حاجات مش قادرة تفسريها إنتي كمان. كان المفروض تصدقيني على طول يا لوسي. أنا أمك، بس إنتي مصدقتيش غير لما شفتي بعنيكي!"
أهي رجعت تاني تحسسني بالذنب.
بطق الأستك بتاعي جامد عشان يوجعني.
"ألڤار قالي إني ممكن أعيش في بلاد ما تحت الأرض عشان أساعدك تجهزي للفرح وبعدين أعيش معاكي،" ماما بتبلغني بابتسامة منتصرة. "مقدرتش أسيبك غير كده."
مش عارفة إذا كان المفروض الكلام ده يطمني، بس متعبتش نفسي أجادل معاها، وبدل كده سألت، "ده هيبقى امتى؟"
"بما إنه زارك خلاص. زي ما قلت قبل كده، هيبقى قريب أوي."
"قريب قد إيه؟"
"بتوقع في خلال الأسبوع ده بما إن عيد ميلادك قرب،" ماما بتقول، وهي بتبصلي بصة متضايقة وبتتمدد على سريرها. "أنا خلصت كلام."
"تمام." بقوم من مكاني. "سلام يا ماما. أنا... أنا آسفة تاني."
"الكلمة دي مش كفاية أوي، مش كده؟" ماما بتقول، وهي بترمش بعينيها المدمعة بسرعة ناحيتي. "أنا بحبك، بس إنتي وجعتيني لما مصدقتنيش." بتسكت وصوتها بيتخنق والدموع بتبدأ تنزل. "مش عارفة إذا كنت هقدر أسامحك في يوم من الأيام يا لوسي."
كلامها وتعابير وشها جرحوني أوي.

بسبها وبخرج متعترة من باب شقتها وأنا بحاول أحافظ على هدوء بالي، بس ده مستحيل. حياتي بتلف في دايرة مسمومة مش عارفة أخرج منها: كل الناس التانيين بيحسسوني بالذنب عشان صدقت ماما، وماما بتحسسني بالذنب عشان صدقت إنها متوهمة.
وبعدين الإحساس المألوف أوي بتاع 'أنا تايهة، أنا مش مكاني هنا' بيتسلل جوايا وبيأسرني.
أنا مش عايزة أكون عروسة ألڤار. أنا مخترتش ده. ألڤار حتى مسألنيش أتجوزه! هو ميعرفش إن الناس مبقتش تخطب بالطريقة دي في الزمن ده خلاص؟ المفروض الواحد يحب الأول.
أيوه، ممكن يقولوا عليا منافقة. الحب الجياش مش هو ده اللي عملته مع الراجل اللي هتجوزه دلوقتي، بس أنا بحبه، وعلى الأقل هو احترمني وسألني رأيي الأول.
مايك مريح، والأحسن من كده، إنه بيخليني مرتاحة.
مايك بيتصل بيا وأنا في العربية.
"ألو، إنتي كويسة يا لوسي؟" مايك بيسأل. "صوتك كان غريب في التليفون."
بمسك عجلة السواقة جامد.
"مش عايزة أتكلم دلوقتي،" بقول بجمود.
"إنتي زرتي مامتك، مش كده؟" مايك عارفني كويس أوي.
"أيوه."
"مكانش المفروض تعملي كده،" مايك بيوبخني. "عمال أقولك. لازم تتخطي موضوعها ده. كان المفروض تكلميني قبل ما تروحي."
كل واحد فاكر إنه يقدر يقولي أعمل إيه. إيميلي. ماما. مايك. ألڤار. كلهم عندهم خطة ليا. حياتي كلها متخططة بشكل مختلف من كل واحد فيهم.
بعمل صوت قرفان وبقفل السكة في وشه.
أنا خلصت كلام. محتاجة مكان هادي أفكر فيه وأنا متضايقة.
بركن جنب محل قهوة وبجيب لنفسي فنجان قهوة بحليب ورغوة عشان القهوة هي الحياة.
وبما إني مش عايزة أرجع عربيتي تاني، بقعد على الرصيف وأتفرج على الشبورة الباردة بتاعة آخر الخريف وهي عايمة حوالين غيط درة قديم محل القهوة باصص عليه.

برتعش وأنا بشرب دفء فنجان القهوة بحليب بتاعتي.
لو ألڤار ده حقيقي، ولو هو جاي ياخدني... هيبقى عامل إزاي إني أسيب كل ده ورايا؟
ده كل اللي أعرفه. دي الحتة اللي كبرت فيها.
"بلاد ما تحت الأرض مناخها استوائي. مفيش شتا في مملكتي. أعتقد إن الجو هناك هيعجبك يا لوسي." الصوت مألوف.
"ألڤار،" بقول، وبلاحظ إن الراجل اللي شفته في محل البقالة قاعد جنبي على الرصيف. "إنت روحت فين بس؟" بسأل ببرود، لإنه بما إن الحياة بقت مهزلة، ممكن برضه الواحد ياخدها بهزار.
باخد شفطة تانية من فنجان القهوة بحليب وببصله من غير كسوف. غير كده، دلوقتي بعد ما عرفت هو مين، أنا عايزة أبص عليه كويس.
لابس بنطلون قماش غامق ضيق على وسطه الرفيع وقميص أبيض بسيط بأزرار مظبوط أوي على جسمه العريض. شعره الأسود الكثيف المموج متصفف على راسه، خط فكه القوي منقط بشعر دقن خفيف بتاع آخر اليوم، وعينيه البنفسجية المزرقة، اللي مش من عالمنا، شكلها جذاب، بس الندبة دي...
إيه اللي يعمل ندبة زي دي؟ حادثة؟ مخالب حيوان؟ لأ، شكلها نضيف أوي إنها تكون من حيوان. أيا كانت جاتله إزاي، هي بتخليني أقشعر.
"شكلها وحش أوي، أنا عارف." صباع ألڤار السبابة اليمين بيمشي على الندبة، شكله حاسس بتركيزي معاه. "الجسر محدش يقدر يتوقعه. بس أنا كنت عارف إنه هيتفتح في سنتك الاتنين وعشرين لما قابلت مامتك. ده بيخلي الوقت ده خطر على كل واحد هنا والوقت مهم أوي عشان نقفل الأرض عن أكسوس."
أيا كان معنى الكلام ده.
"أنا مش عارفة ليه فاكر إني هنفع أكون عروسة كويسة ليك،" ببدأ كلامي وأنا بتنهد.
"إنتي الوحيدة،" ألڤار بيرد. "كلنا لازم نضحي عشان شعوبنا وعشان الصالح العام. ولو ده هيخليكي تحسي أحسن، فهي تضحية بالنسبالي أنا كمان."
ده محستنيش بأي حاجة أحسن.


 

"أنتِ ليه مهتمة بالبشر اللي على الأرض؟ لو ناسك مش بيحبونا، ليه مهتم تحافظ على السلام؟"

"مش لازم تعرفي، كل اللي عليكي تثقي فيا إن ده ضروري،" قالها وهو بيحاوط وشي بإيده ويلف وشي ناحيته. ماقدرتش أقاوم.

رجعت تاني تحت سحره، سحر مخلوط بين الإعجاب والخوف. فيه حاجة مش بشرية فيه.

"أنا ليا حياة هنا،" طلعتها بالعافية في همس مليان تحدي، وزوري ناشف. "هي مش حاجة واو، بس دي بتاعتي أنا."

كدب. أنا بتخبط عشان ألاقي أي حاجة، حتى لو صغيرة، تكون بتاعتي.

"حياتك هنا عاملة إزاي؟" صوته هادي وطمنانته بتتنقل. "بتحبي حياتك دي هنا؟"

عيون ألفار الغريبة خليط من الضلمة والنور متلخبطين مع بعض. شكله عجوز بالنسبة لسنه، ولقيت نفسي بسأل يا ترى عيونه الحزينة دي شافت إيه؟

"أنا... أنا ماقدرش أحبها. مافيش أي حاجة مؤكدة. عمرها ما كانت كده،" زعقت. "حياتي كلها فوضى!"

"فوضى؟" الكلمة دي شدت اهتمامه، قرب لقدام، صباعه ماشي على فكي. "على ده أنا آسف يا لوسي. أوعدك إني هخليكي مرتاحة جداً كملكة ليا."

"مرتاحة؟" سخرت. "أنت السبب اللي خلاني مافيش عندي أي حاجة مؤكدة، وليه ماقدرش أعيش حياتي،" قلتها.

"أنا متأكد إنك هتحبيني يا لوسي،" نبرة صوته صادقة، بس فيها ضلمة مخيفة. ماقالش أي حاجة عن حبه ليا. "هأديكي أكتر ما تحلمي بيه كملكة ليا!"

"إزاي تجرؤ إنك تفترض إني هحبك؟" بعدت عنه بسرعة، "أنت حتى ما تعرفنيش!"

"ما نمتيش مع حد تاني،" قال ألفار وكأنه بيقراني كتاب مفتوح.

حلو إني باين عليا لسه عذراء.

"ده مش يخصك،" قلتها وأنا سِناني قافلة على بعض، وشي احمر أوي لدرجة إني كنت متأكدة إن وشي هيولع.

"حتى لو نمتي، عايزك تعرفي إن ده واجبي إني أتجوزك وهصونك وأحترم رغباتك كجوزك،" قال ألفار.

بقي بوقي مفتوح وبصيتله بوقاحة. هو يستاهل، بيتكلم عننا كأننا زوجين واجبين في قصة خيالية من العصور الوسطى.

مايك كان حاطط قاعدة الامتناع عن العلاقة الحميمية بدري أوي في علاقتنا، وشرح إن السبب هو إنه عايز أول مرة لينا تكون مميزة، وإنه جاي من عيلة بتستنكر العلاقة قبل الجواز.

أنا كنت حابة ده جداً بما إن خلفيتي كده، وعمري ما حسيت برغبة إني أكسر قاعدته معاه.

قبل مايك، ماكانش عندي أي صديق في ثانوي عشان أمي كانت مانعة ده. هي كانت بتفرض احتياطات صارمة من صغري عشان أتأكد إني أفضل "نقية" لأني كنت "موعودة لألفار".

كل كلام أمي عن العلاقة كان ألفار جزء منه.

مش محتاجة أقول إن العلاقة والرومانسية كانوا بالنسبة لي أكتر مواضيع محرجة. لحد النهاردة إيميلي لسه بتتريق على كوني عذراء.

"شايف الخوف مرسوم على وشك، بس ماتقلقيش. أنا عارفة إنك ما صدقتيش إني موجود لحد ما شوفتيني يا لوسي،" قال ألفار بثقة وهو بيطبطب على إيدي. "بس لازم أعترف إني ماكنتش أعرف إنك هتكوني بالجمال ده." حسيت بدفا إيده، وخلاني أحس بإحساس جنسي بكرهه فيه.

بطلي تحسي بالانجذاب ناحيته، ده جنان! قلت لنفسي من جوايا، ده مش المفروض يكون إحساس ارتباط، ده المفروض يكون مقرف.

"بعد تلات أيام هجيلك. عندك لحد وقتها عشان تودعي أصحابك."

في ومضة نور، حضوره اختفى.

ماعرفش إيه اللي هيحصل، بس إني أقاوم حد أغلب الناس ماتعرفش إنه موجود مش هيكون صعب.

كل كلام أمي إنه قوي ويقدر يدمر البشرية مش منطقي. لو ده حقيقي، مش كان هيبقى واضح إن عالمه موجود؟ مش كان هيبقى فيه سجلات لحروب سابقة مع عالمه؟

نزلت من الرصيف، ورجعت لعربيتي.

أنا عايزة حياة مستقرة وعاقلة.

عمري ما كان عندي ده وأنا بكبر، وألفار مش بيوعد بأي حاجة من دي.

هو مش هيديني فرصة للاختيار.

مالوش الحق إنه يقولي أعمل إيه!

مين هو عشان يعمل كده؟ هو مغرور، مسيطر، مقرف، ومش ملكه!

"مش هتجوزه،" أعلنت لنفسي وأنا سايقة عربيتي راجعة البيت، وضفت بصوت أعلى لو كان ممكن يسمعني، "أنا مش هبقى عروسة ماريونيت بتاعتك يا ألفار!"

وصلت البيت وشفت عربية مايك في باركينج شقتي. قلبت عيني، بس كنت مرتاحة برضه.

شكراً يا مايك، إنك جيت تنقذني.

"إيه اللي جابك هنا؟" سألته.

مايك كان ساند ضهره على الكنبة بيتفرج على حلقة من مسلسل جريمة، وبياكل فشار. شعره الأشقر الغامق متسرح بشكل مبعثر لايق عليه وابتسملي ابتسامة كبيرة. هو أطول مني بس بكام سنتي وأسنانه مش منتظمة، بس ده بيضيف لجماله اللي فيه خجل.

وش حد أنا مرتبطة بيه بجد.

"صوتك كان باين عليه إنك مكتئبة أوي، وعايز أفاجئك،" قال، "فشار؟" مدلي حبة في إيده.

"لا شكراً."

مايك وطى جنب الكنبة وسمعت صوت ورقة بتخربش.

"إيه ده؟" سألته.

مدلي زجاجة نبيت. "ده من النوع الغالي يا لوسي. توقعت إنك هتحتاجيه."

"يعني دي طريقة تانية عشان تقول 'مش رخيص'؟" رفعت حاجب وابتسمت ابتسامة خفيفة.

مايك ضحك. "ماكانش المفروض أزعلك على مامتك. ده اختيارك مش اختياري."

"شكراً يا مايك،" رغبة إني أعيط من الراحة بسبب رقته سيطرت عليا. الراجل ده كان صاحبي من قبل ما نخرج حتى. وقت ما كنا في الكلية ماكانش يهمه إن أمي مجنونة والهموم العاطفية اللي اتراكمت عليا بسبب كده. زي إيميلي، هو فضل جنبي في كل حاجة غريبة.

"أنت رائع. أنا بحبك،" همست، وحضنته جامد.

صب النبيت في كاسين وناولني واحد.

"لينا!" شجع، وخبط كاسه بكاسي.

"أيوه!" شربت الكاس بسرعة أوي.

"الله! بالراحة يا بنتي!" حذرني. "يا سلام، النهاردة أكيد كان وحش أوي! كان المفروض أشتري أي نيلة بدل النبيذ الغالي لو هتشربي كده!"

"ممكن تقول كده تاني،" قلتها بضيق.

"أنا آسف أوي يا حبيبتي،" قالها وسحبني في بوسة. لما شفايفه لمست شفايفي، غمضت عيني، بس بعدين ألفار وهو بيطلب يبوسني ابتدى يتعاد في دماغي، ولا إرادياً سألت نفسي يا ترى بوسة راجل زي ألفار كانت هتحسسني بإيه.

لأ، أنا مش عايزة أعرف إيه إحساس بوسة ألفار! ليه بفكر في فكرة مجنونة زي دي؟

بعدت عن مايك فجأة، تقريبا زقيته من عليا.

"إيه ده؟" سأل مايك، والوجع بان على وشه.

يا خسارة إنه مابيسيبش أي حاجة.

"آسفة، أنا... آه... مرهقة جداً بعد كل اللي حصل النهاردة. مش حاسة إني عايزة أتباس." أحسن لي أكون صريحة معاه.

جرس التايمر رن من المطبخ.

"البيتزا خلصت!" قال مايك.

"أنا هجيبها،" قلت، بحاول أهرب من الموقف المحرج. فتحت باب الفرن وفي تشتتي مسكت صينية البيتزا من غير مساكة الفرن.

"بتعملي إيه؟" صرخ مايك، وخلاني أنط. "هتتحرقي!"

"آه!" سيبت الصينية السخنة من المفاجأة، ووقعت على الفرن بخبطة.

مايك جرى بسرعة على الحوض وفتح المايه الساقعة. مسك إيدي عشان يحطها تحت المايه.

"وريني إيدك،" قال مايك، والقلق باين على وشه.

فردت صوابعي وهزيت إيدي قدام وشه. "شايف؟ مفيش ولا علامة،" قلت بضحكة، "أنا كويسة."

بعد العشا، مايك استعد عشان يمشي.

"متأكدة إنك مش عايزاني أفضل موجود؟" مايك سحبني في حضنه واحنا واقفين على باب شقتي. "عارفة، فرحنا قرب أوي. أنا عارف إني هتجوزك. إيه رأيك نعمل حاجة حلوة النهاردة؟ حاجة عمرنا ما عملناها قبل كده."

هو قصده ندخل أوضة النوم.

في اللحظة دي، بصيتله، بتساءل يا ترى هيكون إيه إحساس إني أعمل كده بجد مع مايك، ومش قادرة أتخيل ده. جسمي مش بيستجيب. حطيت إيدي على صدره وبست رقبته.

مفيش أي شرارة.

أنا ما لمستش ألفار حتى، وكان في تيار كهربا بيمشي بينا.

ودلوقتي، فوق كل ده، بفكر في ألفار تاني!

"لأ يا مايك، خلينا نستنى،" قلتها، وببعد نفسي من بين إيديه بابتسامة، "إحنا قربنا أوي على الجواز."

"عمري ما تخيلت إنك هتكوني اللي هتخلينا نلتزم بالامتناع عن العلاقة،" مايك تمتم بخيبة أمل.

ليه مش عايزاه زي ما هو عايزني دلوقتي؟

إحنا حضنا بعض على الكنبة في كل فيلم أو ماتش كرة قدم، وعملنا جلسات بوس انتهت بأن مايك... آه... استمتع أكتر مني حبة. فليه أنا مترددة أعمل كده دلوقتي؟

المفروض أقاوم ألفار إني أعمل كده مع مايك، بس أنا مش عايزة علاقة مع مايك. أنا عايزة أكون صاحبة مايك، مش حبيبته.

وده معناه إني المفروض ما اتجوزوش.

"طيب، تصبحي على خير يا حبيبتي." سابني ببوسة على خدي وتعبير محتار على وشه.

في صمت شقتي الفاضية، كل حاجة استقرت في دماغي: أمي ماكانتش مجنونة. ألفار حقيقي وهيجي ياخدني كمان تلات أيام. حياتي كشابة، تعليمي، وظيفتي، علاقاتي، كلهم مالهمش أي معنى هنا لو ألفار فعلاً هيخطفني لعالم تاني خالص.

وغير كل ده، المفروض ما اتجوزش مايك لأني عندي كيميا أكتر مع شخص غريب تماماً عن مايك!

كل تعبي في إني أكون شخص "طبيعي" طلع على الفاضي!

يا مايك المسكين، إزاي هقوله إن مستقبله معايا مستحيل حتى لو ألفار ما جاش ياخدني؟ إزاي هقول لإيميلي إن أمي فعلاً مش مجنونة وإن في ملك سحري هيجي ياخدني؟

ومع الفكرة دي، باقي النبيذ اللي مايك جابه بقى صاحبي.

"لوسي، لوسي!" حد بينادي اسمي.

"ممم؟" اتأوهت، وبغطي وداني من الصوت الصارخ المؤلم. دماغي بتوجعني. كأن طن طوب محطوط على جبهتي.

"لوسي، جاهزة لأحلى حفلة وداع عزوبية في التاريخ؟"

دي إيميلي؟

جت عشان تشوفني وأنا بصحى بهانجوفر محرج.

سمعت شوية ضحك.

تصحيح: مش إيميلي لوحدها.

يا نهار أبيض.

أنا لسه لابسة نفس هدوم إمبارح، وفي أوقات زي دي بتساءل ليه أصلاً اديت إيميلي مفتاح شقتي.

لفيت على ضهري وركزت بعيون مش واضحة على المجموعة اللي واقفة حواليا.

هي الساعة كام أصلاً؟ عمري ما سكرت كده قبل كده. أنا عادةً البنت اللي بتشرب كاس نبيت واحد في الحفلة.

"بتعملوا إيه هنا؟" اتأوهت، وبدعك دماغي عشان أخفف الألم.

"خدي شوية ميه،" واحدة من البنات ناولتي كاس.

مين دي أصلاً؟ فاكرة إني قعدت جنبها مرة في محاضرة في الكلية. بتعمل إيه في حفلة عشاني؟

"مش هسأل ليه صاحبتي اللي عمرها ما بتشرب جالها هانجوفر، عشان مافيش وقت! إحنا بنعملك حفلة وداع العزوبية!" إيميلي كانت مبتسمة من ودن لودن. استوعبت إن كل صحاب إيميلي من الكلية لابسين لبس حفلات عزوبية قصير.

"قلتلك بلاش أي حاجة أوفر،" طلعتها بالعافية بدل الكلام وأنا بقوم.

"مش هعمل أي حاجة أوفر يا لوسي. لا رقاصين رجالة، ولا زينة أشكال... " إيميلي بدأت بابتسامة كبيرة.

"خلاص فهمت،" قلتها، ووشي احمر أوي وسكتتها من إنها تكمل، "وداني البكرية مش هتستحمل!"

"هناخدك بولينج الأول،" واحدة من البنات قالت بضحكة على تعليقي إني عذراء.

"مش بدري شوية على البولينج؟" سألت، مش متأكدة لو هقدر أقف، فما بالك أمسك كرة بولينج.

"الساعة 2 الضهر يا لوسي!" إيميلي قالت بضحكة، مسكت إيدي وسحبتني من السرير. "يلا بقي! خلينا نلبسك حاجة مثيرة!"
 

تعليقات

authorX

مؤلفون تلقائي

نظام شراء