سيكو سيكو
سيكو سيكو
2025, هاني ماري
رواية اجتماعية
مجانا
في حارة "هرماوي" المصرية الأصيلة، تنمو قصة حب هادئة بين "تارا" الخياطة الهادئة و"عصام" الميكانيكي الجدع، وسط أجواء الحارة الشعبية وحكايات أهلها الطيبين، مثل عم "خالد" الحكيم و"سليمان" خفيف الظل. تبدأ بنظرة عابرة وتتطور بين خجل اللقاءات ونبض القلوب، لتزهر علاقة بسيطة وعميقة في قلب "هرماوي".
تارا عماد
فتاة في أوائل العشرينات، تتميز بجمال مصري أصيل وعينين واسعتين تنطقان بالذكاء والطيبة. تعمل خياطة في مشغل صغير، هادئة وطيبة القلب، سند لوالدتها الأرملة.عصام عمر
شاب قوي البنية في منتصف العشرينات، يعمل ميكانيكيًا. جاد في عمله، قليل الكلام لكنه يحمل قلبًا حنونًا ومشاعر عميقة.خالد الصاوي
رجل خمسيني حكيم، صاحب قهوة "اللمة" وملتقى رجال الحارة. يتمتع بخبرة كبيرة في الحياة ورأي سديد، يعتبر عقل الحارة وقلبها الطيب.
في حارة "هرماوي" المصرية العتيقة، تفوح رائحة الياسمين من الشرفات، تعيش "تارا عماد"، فتاة في أوائل العشرينات، تتميز بجمال مصري أصيل وعينين واسعتين تنطقان بالذكاء والطيبة. تعمل "تارا" خياطة في مشغل صغير بجوار منزلها، وتساعد والدتها الأرملة في تدبير شؤون البيت. في نفس الحارة، يعيش "عصام عمر"، شاب قوي البنية في منتصف العشرينات، يعمل ميكانيكيًا في ورشة عم "عبده" في طرف الحارة. يتميز "عصام" بجدية ظاهرة تخفي وراءها قلبًا حنونًا، ونظرات عينيه تحمل الكثير من المشاعر التي لا يبوح بها لسانه. أحد أعمدة حارة "هرماوي" هو "خالد الصاوي"، رجل خمسيني يملك قهوة "اللمة"، ملتقى رجال الحارة. يتمتع "خالد" بحكمة ورأي سديد، وضحكته المميزة تملأ أرجاء المكان. أما "سليمان عيد"، فهو شخصية فريدة في الحارة، رجل أربعيني يعمل بائعًا للأنابيب المتجولة. يتميز بخفة ظله ونكاته التي تضفي جوًا من المرح على "هرماوي". في أحد الأيام المشمسة، بينما كانت "تارا" تجلس أمام مشغلها منهمكة في تطريز قطعة قماش، سقطت بكرة خيط من يدها وتدحرجت نحو الشارع. قبل أن تتمكن من التقاطها، امتدت يد قوية والتقطت البكرة. رفعت "تارا" عينيها لتجد... "عصام" ينحني ببساطة وهو يمد يده بالبكرة نحوها. كانت نظرة سريعة تبادلت بينهما، نظرة حملت شيئًا أعمق من مجرد التقاء عابر. أخذت "تارا" البكرة وشكرته بصوت خفيض، وعادت ببصرها إلى عملها، بينما استقام "عصام" وتابع طريقه نحو الورشة. كانت هذه اللحظة الصغيرة بمثابة شرارة خفية في هدوء حارة "هرماوي". لم يتحدثا بعدها مباشرة، لكن عيون كل منهما كانت تلمح الآخر بين الحين والآخر، نظرات مسروقة تخبر عن بداية شيء ما. في مساء ذلك اليوم، وكعادة أهل الحارة، كان "خالد الصاوي" يجلس أمام قهوته، يحتسي الشاي ويتحدث مع الزبائن. مرّ "سليمان عيد" بعربته، وألقى تحية بصوته الجهوري على الجميع، ثم توقف ليتبادل بضع كلمات مع "خالد". "إيه الأخبار يا عم "خالد"؟ الجو النهاردة يخلي الواحد رايق." قال "سليمان" وهو يمسح عرقه بكم قميصه. رد "خالد" بابتسامة: "الجو رايق والقلوب أروق يا "سليمان". شايف الدنيا ماشية إزاي؟ كل يوم فيه حكاية جديدة." في تلك اللحظة، لمح "عصام" وهو يمر أمام القهوة، فألقى عليه "خالد" بتحية ودية. رد "عصام" بابتسامة خجولة واستمر في طريقه. علّق "سليمان" بعد أن ابتعد "عصام": "الواد ده طيب وغلبان، بس دماغه فيها ألف حكاية." أجابه "خالد" وهو ينظر في اتجاه سير "عصام": "الطيبين رزق يا "سليمان"، والدنيا ما تمشيش غير بيهم." في الطرف الآخر من الحارة، كانت "تارا" تجلس مع والدتها بعد العشاء، تساعدها في بعض الأعمال المنزلية. كانت والدتها تحدثها عن أمور الحياة ونصائحها، بينما كانت "تارا" تستمع بانتباه، لكن شرودًا خفيفًا كان يظهر في عينيها بين الحين والآخر، وكأنها تتذكر تلك النظرة العابرة التي جمعتها بـ"عصام" في الصباح. كانت حارة "هرماوي" تعيش يومها بهدوءه المعتاد، لكن تحت هذا الهدوء كانت هناك خيوط دقيقة بدأت تنسج علاقات ومشاعر جديدة، وبذور قصص لم تُروَ بعد بدأت تنبت في قلوب أهلها. _________________ في صباح اليوم التالي، استيقظت حارة "هرماوي" على صوت الديك وصياح الباعة المتجولين. بدأت الحركة تدب في الشوارع الضيقة، وفتحت الدكاكين أبوابها لاستقبال الزبائن. كان "عصام" في الورشة منذ الصباح الباكر، منهمكًا في عمله، لكن صورة "تارا" وهي تلتقط بكرة الخيط من يده لم تفارق خياله. كان يشعر بشيء غريب يجذبه نحو هذه الفتاة الهادئة. أما "تارا"، فبينما كانت تجلس أمام آلة الخياطة، كانت تتذكر نظرة "عصام" السريعة. لم تكن نظرة عادية، بل كانت تحمل نوعًا من الاهتمام الذي لم تعتده من قبل. في منتصف النهار، وبينما كان "سليمان عيد" يمر بعربته كعادته، توقف أمام مشغل "تارا". "صباح الخير يا ست الكل! إيه الأخبار النهاردة؟" قال "سليمان" بابتسامته المعهودة. ردت "تارا" بابتسامة خجولة: "صباح الخير يا عم "سليمان". كله تمام الحمد لله." "عندي أنبوبة عايز أركبها في آخر الحارة، جنب ورشة الميكانيكي "عصام". تعرفي الواد ده كويس؟" سأل "سليمان" بشكل عفوي. تجمدت "تارا" للحظة، ثم أجابت بهدوء: "أه.. أعرفه. كويس." "راجل جدع بصراحة، وبيعرف شغله كويس." أضاف "سليمان" وهو يربت على عربيته. "يلا بقى، أنا ماشي عشان عندي شغل تاني." بعد أن انصرف "سليمان"، شعرت "تارا" بدقات قلبها تتسارع. ذكر اسم "عصام" فجأة بهذه الطريقة ترك أثرًا في نفسها. في قهوة "اللمة"، كان "خالد الصاوي" يجلس مع بعض رواد المقهى، يتحدثون عن أحوال البلد وأخبار الحارة. دخل "عصام" لشراء زجاجة مياه غازية، وألقى السلام على الجميع. "إيه يا أسطى "عصام"، مالك سرحان النهاردة؟" سأله أحد الجالسين بمزاح. ابتسم "عصام" بخجل وأخذ زجاجته وهمّ بالانصراف، لكن "خالد" ناداه: "تعالى يا "عصام" اقعد اشرب معانا كوباية شاي." تردد "عصام" للحظة ثم جلس. دار الحديث حول العمل والأحوال المعيشية، لكن "عصام" كان يستمع أكثر مما يتحدث، وعيناه كانتا تتجهان أحيانًا نحو الخارج، كأنه ينتظر شيئًا ما. -------------- في تلك الأثناء، خرج "عصام" من قهوة "اللمة" بعد أن تبادل أطراف الحديث بصورة مقتضبة مع عم "خالد" ورواد المقهى. كان يشعر بشيء يدعوه للسير في اتجاه معين، وكأن قدميه تعرفان الطريق دون توجيه منه. وجد نفسه يسير ببطء نحو نهاية الحارة، حيث يقع مشغل "تارا". لم يكن متأكدًا مما يريد، ربما مجرد إلقاء نظرة خاطفة على المكان، أو ربما كانت هناك قوة خفية تدفعه إلى هناك. عندما وصل إلى المشغل الصغير، كان الباب مواربًا، وضوء خافت يتسلل من الداخل. سمع صوتًا هادئًا، ربما صوت "تارا" وهي تتحدث مع والدتها. تردد للحظات، ثم قرر ألا يقترب أكثر، واستدار ليعود من حيث أتى. في تلك اللحظة، فتح باب المشغل فجأة، وظهرت "تارا" وهي تحمل كيسًا صغيرًا في يدها. وقعت عيناها على "عصام" الذي كان على وشك الابتعاد. للحظة، ساد صمت محرج بينهما، كأن الزمن توقف عن الدوران. "مساء الخير يا أستاذ "عصام"." قالت "تارا" بصوت هادئ ورقيق. تلعثم "عصام" في الرد: "مساء النور يا آنسة "تارا". كنتِ خارجة؟" "أيوة، كنت بجيب شوية حاجات للبيت." أجابت "تارا" وهي تنظر إلى الأرض بخجل. شعر "عصام" بشيء يدفعه للحديث، لكسر هذا الصمت الذي يخيم على المكان. "الجو النهاردة كان حر شوية." قالها وكأنه وجد أول جملة تخطر بباله. ابتسمت "تارا" ابتسامة خفيفة أضاءت وجهها: "أيوة فعلاً، بس بالليل الجو بدأ يلطف." تجرأ "عصام" ونظر في عينيها مباشرة، فشعر بدوار خفيف. كان هناك شيء ساحر في نظرة عينيها، شيء يجذب الروح. "شغلك ماشي كويس النهاردة؟" سأل محاولًا إطالة الحديث. "الحمد لله، ماشي الحال." ردت "تارا" ببساطة. "وأنت عامل إيه في الورشة؟" "الشغل كتير الحمد لله، بس الواحد بيتعب." قال "عصام" وهو يمسح بيده على رقبته. فجأة، ظهر "سليمان عيد" وهو عائد بعربته، ولوح لهما من بعيد وهو يصيح: "إيه ده؟ واقفين تتكلموا سوا؟ الدنيا بقت ألوان!" احمر وجه "تارا" خجلاً، بينما ابتسم "عصام" بخجل أيضًا. "يا عم "سليمان"، ما فيش حاجة." قال "عصام" محاولًا إنهاء الموقف. "يا عم الحاج، أنا شايف كل حاجة. ربنا يتمم على خير." قال "سليمان" وهو يغمز بعينه ثم أكمل طريقه. بعد أن ابتعد "سليمان"، عاد الصمت يخيم على "تارا" و"عصام". كانا يشعران بشيء جديد يتشكل بينهما، شيء أرق من النسيم وأقوى من الجبال. "أنا... أنا كنت ماشي بس كده." قال "عصام" محاولًا تبرير وجوده. "أنا كنت مروحة خلاص." ردت "تارا" بصوت منخفض. لكن رغم كلماتهما البسيطة، كانت نظراتهما تتحدث بلغة أخرى، لغة القلب التي لا تحتاج إلى كلمات كثيرة لتصل المعنى. كان هناك إعجاب متبادل بدأ ينمو بينهما، إعجاب بالهدوء والطيبة التي يراها كل منهما في الآخر. في الأيام التالية، بدأت نظرات "عصام" تتجه أكثر نحو مشغل "تارا" عندما يمر في الحارة. وأصبحت "تارا" ترفع عينيها بخجل عندما تلمحه من بعيد. كانت حارة "هرماوي" تشهد بداية قصة حب هادئة، قصة حب تنمو ببطء بين زحام الحياة اليومية وبساطة العيش في الحارة الشعبية. كان عم "خالد الصاوي" يراقب هذه النظرات المتبادلة بابتسامة خفيفة. خبرته في الحياة علمته أن الحب غالبًا ما يبدأ بنظرة أو بكلمة عابرة. أما "سليمان عيد"، فكان يلقي بتعليقاته المرحة كلما رآهما قريبين من بعضهما، مما يزيد من خجلهما وارتباكهما. وذات مساء، وبينما كانت "تارا" عائدة من عند إحدى الجارات، وجدت "عصام" ينتظر بالقرب من منزلها. كان متوترًا ويفرك يديه. "يا آنسة "تارا"، ممكن أتكلم مع حضرتك شوية؟" قال "عصام" بصوت متردد. تجمدت "تارا" في مكانها، وشعرت بدقات قلبها تتسارع. "خير يا أستاذ "عصام"؟" "أنا... أنا بصراحة مش عارف أقول إيه." بدأ "عصام" وهو ينظر إلى الأرض. "بس أنا بقالي كام يوم... يعني بفكر في حضرتك كتير." رفعت "تارا" عينيها ونظرت إليه بدهشة. لم تتوقع هذه الصراحة المفاجئة. "أنا عارف إن ده ممكن يكون غريب شوية، وإحنا ما اتكلمناش كتير." تابع "عصام" وهو يجمع شجاعته. "بس أنا حسيت بحاجة ناحيتك من أول مرة عينيا جت في عينيكي." صمتت "تارا" للحظات، ثم قالت بصوت خفيض: "وأنا كمان... حسيت بحاجة." ابتسم "عصام" ابتسامة واسعة أضاءت وجهه. "يعني... يعني ممكن؟" ابتسمت "تارا" بخجل وأومأت برأسها. كانت بداية قصة حب جميلة، بدأت بنظرة عابرة في حارة "هرماوي"، وستنمو وتزدهر بين بساطة الحياة ودفء القلوب.
تعليقات
إرسال تعليق