رحلتي مع القدر: الفصل الثلاثون
رحلتي مع القدر
2025, خضراء سعيد
اجتماعية
مجانا
في غرفة صامتة، تجلس قاصر شاحبة، تحتضن آلام فقد جنين لم يبصر النور. عيناها تصرخان بالوجع، بينما جسدها الصغير يرتجف تحت وطأة الخسارة. لم يفقد قلبها جنينًا فحسب، بل فقد معه حلم الأمومة ووحدة لم تعد تحتملها. نظراتها الضائعة تحكي قصة قلب كبر قبل الأوان، ثم انكسر في لحظة.
جنى
فتاة قاصر حامل فقدت جنينها. النص يركز على ألمها الجسدي والنفسي العميق، وشعورها بالوحدة وفقدان الأمل الذي كان يمثله حملها. تبدو حساسة وضعيفة في هذه اللحظة، لكن قلبها كان يحمل أحلامًا أكبر من سنها.شمس
تظهر قلقها وفزعها الشديدين على جنى عندما تراها في حالتها. تبدو شخصية عطوفة وسريعة الاستجابة للأزمة، وتحاول مساندة جنى.والدة يارا
تظهر عليها حالة من الانهيار والخوف الشديد على ابنتها، وتلجأ إلى الدعاء.
كانت قاعدة على طرف السرير، ضهرها منحني ورجليها بتترعش. بتحط إيديها على بطنها كأنها بتحاول تلحق اللحظة اللي فاتت… اللحظة اللي كان فيه نبض صغير جواها، حتى لو عمره ما سمعته. هي لسه صغيرة… قاصر، زي ما الدكاترة بيقولوا. بس قلبها؟ كأنه كبر في يوم وليلة من ساعة ما عرفت إنها حامل. كانت كل يوم تحط إيديها على بطنها وتحكي له، تحكي للي لسه ما اتكوّنش كامل، تحكي بحب وخوف وأحلام مش شبه سنها. بس النهارده… حسّت بحاجة غلط. وجع مش طبيعي. نازيف ما وقفش. صريخها ما كانش صوت عالي، لأ، كان في عينيها، في رعشة شفايفها، في سكونها وهي شايلة الوجع لوحدها. كل اللي حواليها بيقولوا: لسه صغيرة، جسمها ما استحملش. بس ولا حد قال: قلبها كان مستني، وكان فرحان. حست كأن في حاجة اتسحبت منها بالعافية… مش بس جنين، ده كان أملها الوحيد تحس إنها مش لوحدها. دلوقتي، بطنها فاضية، بس قلبها أتقل من أي وقت. بتحاول تقنع نفسها إن ده كان بدري… إن الجنين ما لحقش يتكوّن. بس الحقيقة؟ هو كان حلمها، وكان جزء منها. وسابها فجأة، من غير حتى وداع. دخلت شمس الأوضة وهي بتنده على جنى:يا جنى، يلا قومي نتغدى، الكل مستنيكي. لكنها وقفت في مكانها لما شافتها متكوّرة على نفسها على السرير، ووشّها شاحب كأن الدم انسحب منه، وإيدها ضاغطة على بطنها بتوجّع. جنى! إنتي كويسة؟ جنى بصّت لها بنظرة كلها وجع وخوف، وقالت بصوت واطي بيترعش:بطني... بتوجعني أوي، مش قادرة... في اللحظة دي، دخل فراس، ابن عمها، وهو بيضحك عادي كده:هو فين الأكل؟ جعان موت... لكن وقف فجأة لما شاف المنظر. جنى باين عليها كأنها هتغيب عن الوعي، شمس واقفة تايهة مش عارفة تعمل إيه، والجو تقلب. فراس صرخ:في إيه؟! جنى مالها؟! شمس جريت عليه وقالت بفزع:مش عارفة، بتقول بطنها بتوجعها، شكلها بتنزف... ياااارب! صوتها جاب العيلة كلها، وهنا دخلت وهي قلبها وقع. أول ما شافت جنى بالمنظر ده، وشها اتشد وقالت: جنى؟ إنتي نازفة؟!! يا نهار أبيض! كريم، جهّز العربية حالًا! دخل كمال وهو متوتر:إيه اللي حصل؟! مفيش وقت للكلام، الدم بدأ يظهر على الملاية، وجنى بتمسك في يد شمس بتبص لها بنظرات بتستغيث، نظرات طفلة صغيرة مش فاهمة إيه اللي بيحصل لجسمها. حضنتها وهي بتبكي وقالت:إنتي معانا يا جنى، هتعدي... إحنا معاكي، ما تخافيش يا بنتي، ما تخافيش... وفراس واقف مرعوب، عمره ما شاف الموت قريب كده، ولا الألم كده على وش حد بيحبّه. العربية جريت على المستشفى، وجنى في حضن هنا، بتتألم ودموعها سايبة على خدها. فراس سايق وهو مرعوب، قلبه عمال يسبق الطريق. شمس وسلمى ورا، قاعدين في حالة ذهول، مش فاهمين إيه بيحصل. دخلوا المستشفى، والدكاترة أخدوها فورًا على الطوارئ بعد ما شافوا النزيف، والدكتورة قالت بسرعة:الحالة حرجة، دي بداية إجهاض ولازم تدخل العمليات وبالفعل وافق والدها على هذه العملية والقلق يعتصر قلبه . كان جواد واقفًا كالصنم أمام غرفة العمليات، يداه متشابكتان، وعيناه معلّقتان بتلك اللمبة الحمراء التي ترفض أن تنطفئ. كل دقيقة تمرّ كانت كالسكاكين تمزق قلبه، ففكرة أن يفقد حبيبته ، كانت تفوق تحمّله. لم يكن يبكي، لكنه كان يتألم بصمت. صدره يعلو ويهبط كمن يواجه عاصفة داخله. أما والدة يارا، فكانت منهارة في الزاوية، تردد الأدعية بصوت متقطع، تتوسل أن تبقى أبنتهابخير وان تبقى سالمه، أن لا يُختبر صبرهم بهذه الطريقة القاسية. والدها كان يذرع الممر ذهابًا وإيابًا، ينظر إلى جواد بحزن، وفي قلبه خليط من الغضب والخوف.
تعليقات
إرسال تعليق