الوشق المصري - أسطورة

الوشق المصري

2025, هاني ماري

مغامرات

مجانا

في قلب الصحراء المصرية، تنشأ أسطورة الوشق المصري، الحارس الصامت الذي يظهر في أشد اللحظات خطرًا ليحمي من يستحق. يواجه حاتحور، ابن القبيلة الصحراوية، تحديات قاسية من الغزاة والجفاف والمجاعة، لكنه يجد في الوشق دليلًا غامضًا يقوده إلى النجاة. بين الحقيقة والأسطورة، تبقى الصحراء شاهدة على حكاية رجل ووحش، جمعتهما المصير وأسراره التي لا تنكشف أبدًا.

حاتحور

بطل الرواية، شاب من قبيلة صحراوية، شجاع وماهر في الصيد، تتغير حياته بسبب لقائه بالوشق.

حيوان الوشق

المخلوق الغامض الذي يظهر في لحظات الخطر، يساعد حاتحور ويوجهه دون أن يترك أثرًا واضحًا.

مادو

بن زعيم القبيلة، طفل شجاع لكن مغامرته توقعه في الخطر، مما يدفع حاتحور لإنقاذه.
تم نسخ الرابط
الوشق المصري

 أنا مش عارف إذا كنت هتصدقني ولا لا، بس اللي هحكيهولك ده حقيقة... أو على الأقل، الحقيقة اللي وصلتني. الحكاية بدأت من آلاف السنين، لما كانت الصحراء المصرية مش بس رملة وجبال، كانت مليانة أسرار وكائنات محدش يعرف عنها حاجة. ساعتها، كانت فيه قبيلة عايشة على أطراف الوادي، قبيلة بسيطة بتعتمد على الصيد والمياه اللي بتتجمع بعد المطر. وكان عندهم أسطورة، بيحكوهالك كده وانت قاعد قدام النار في عز الليل، عن مخلوق سريع، صامت، وعينيه بتلمع في الضلمة زي نجوم الصحرا.

"الوشق."

كانوا بيقولوا إنه مش مجرد حيوان، ده حارس الوادي، مخلوق خلقته الآلهة علشان يحمي الأرض من أي خطر ممكن يقرب منها. بس مش أي حد يقدر يشوفه، ولو شفته، تبقى حاجة من اتنين: يا إما انت راجل مقدر ليك حاجة عظيمة، يا إما نهايتك قربت.

فيه ولد من القبيلة، اسمه "حاتحور"، كان دايمًا بيسأل عن الوشق، مش بيخاف من الأساطير ولا من كلام الشيوخ الكبار. كان كل يوم يخرج لوحده عند الكهوف اللي على حدود الوادي، مستني يشوف أي علامة تدل على وجوده. وفي ليلة، وهو ماشي تحت ضوء القمر، لمح حاجة غريبة... عينين بيتوهجوا في العتمة.

فضل واقف، قلبه بيخبط في صدره، بس ماجريش. بالعكس، خد خطوة لقدام. المخلوق كان هناك، بين الصخور، بصوته الخفيف، وودانه الطويلة اللي كأنها بتسمع نبض الصحرا نفسها. حاتحور مد إيده، وبدون أي خوف، لمس فروه الناعم. ساعتها، حس بحاجة غريبة، كأن حرارة الأرض كلها بتنتقل لجسمه. الوشق بصله، وكأنه فاهم، وبعدين جري وسط الظلام، واختفى.

تاني يوم، لما رجع حاتحور للقبيلة، حس إن فيه حاجة اتغيرت فيه. بقى سريع زي الريح، يسمع حاجات ماحدش بيسمعها، ويحس بحركة الحيوانات قبل ما تظهر. ومن ساعتها، بدأ يبقى "صياد القبيلة"، اللي محدش يقدر ينافسه. بس السر ده، كان بينه وبين الصحرا... وبين الوشق.

يقال إن من يومها، الوشق المصري بقى جزء من روح الصحراء، بيظهر بس للي عندهم قلب نقي وشجاعة حقيقية. ولو في يوم مشيت لوحدك في الصحرا، وسمعت صوت خفيف وسط الرمال، متخافش... يمكن يكون بيختبرك، يشوف انت من أي نوع من البشر.




بعد الليلة دي، ماحدش في القبيلة فهم التغيير اللي حصل لحاتحور غيره هو بس. بقى يتحرك بين الصخور بسرعة، يعرف أماكن الصيد من قبل ما حد يشم ريحة الفرائس، ولما يخرج للصيد، كان بيرجع دايمًا بحاجة وفيرة، كأنه متفق مع الحيوانات على تسليم نفسهم ليه. الناس في القبيلة بدأوا يبصوا له بنظرة مختلفة، نظرة إعجاب بس برضه خوف. الإنسان لما يشوف حاجة مش مفهومة بيخاف منها، حتى لو كانت حاجة كويسة.

الحكيم العجوز والسر القديم

كان في القبيلة راجل كبير اسمه "جد-إيب"، كان الكل بيحترمه، لأنه أكبرهم سنًا وأكترهم معرفة بأسرار الصحرا. لما شاف اللي بيحصل لحاتحور، ندهه ليلة وجلس معاه قدام النار، وسأله بهدوء:

ــ "شفت الوشق، مش كده؟"

حاتحور تفاجئ، بس ما حاولش يكذب. حكى له كل حاجة، عن الليلة اللي لمس فيها الوشق، عن الإحساس الغريب اللي جري في جسمه، وعن القوة اللي حس بيها من بعدها.

جد-إيب فضل ساكت شوية، وبعدها بص له وقال:

ــ "اللي حصل معاك مش جديد. ده حصل قبل كده، من زمان أوي. بس مش أي حد يقدر يقابل الوشق، ولا أي حد يقدر يعيش بعد ما يلمسه."

حاتحور حس برعشة في جسمه، مش خوف، لكن كأنه فهم إن اللي حصله مش مجرد صدفة. سأله:

ــ "يعني أنا هفضل كده؟"

ــ "ده بيعتمد عليك، الوشق مش بيدي قوته للهزار. اللي خد قوته زمان، لو ما استحقهاش، الصحرا أخدته، وفضل اسمه مجرد قصة الناس تحكيها. بس اللي يقدر يحافظ عليها، بيبقى جزء من الصحرا نفسها."

مغامرة في الكثبان

في يوم، واحد من رجال القبيلة، اسمه "مرنبتاح"، خرج للصيد مع ابنه الصغير، وما رجعش. الناس في القبيلة خافت، لأن الصحراء ما بترحمش اللي يتوه فيها. الكل قال إنهم ضاعوا، وإنه ما فيش فايدة من البحث، بس حاتحور رفض. أخد رمحه وخرج لوحده في نص الليل، متبعًا إحساسه، والإشارات اللي كان بيشوفها في الرمل، إشارات ما حدش غيره كان يقدر يفهمها.

مشيت يوم كامل، لحد ما وصل لكثبان بعيدة، وهناك سمع صوت ضعيف... صوت طفل بيبكي. قلبه دق بسرعة، وجرى ناحيته، لقى الولد قاعد تحت صخرة، مرعوب، وعينه متعلقة بجثة أبوه اللي كان واقع جنب الصخرة، مخدوش من ضربة نمر صحراوي.

حاتحور رفع الولد، وبص حواليه، كان الليل قرب، والصحرا ما بترحمش الضعيف. بدأ يسمع صوت حركة في الرمل، وكأنه مش لوحده. في اللحظة دي، حس بشيء يتحرك في الضلمة... عيون بتلمع بين الصخور. الوشق!

كان واقف هناك، زي المرة الأولى اللي شافه فيها، بس المرة دي، كأنه كان مستنيه. الوشق بص له، وبعدها اتحرك ببطء، كأنه بيقوله "اتبعني." وبدون تردد، حاتحور حمل الولد وماشي وراه. كانت رحلة طويلة وسط الظلام، بس في الآخر، لقى نفسه قدام حدود القبيلة. الوشق كان واقف هناك للحظة، وبعدها اختفى وسط الكثبان.

أسطورة تتوارثها الأجيال

لما رجع حاتحور بالولد، الناس في القبيلة بصت له كأنه نزل من عالم تاني. محدش سأل عن التفاصيل، بس كلهم بقوا متأكدين إن الوشق هو اللي رجّعه. من اليوم ده، القبيلة بقت تحكي عن "حاتحور ابن الوشق"، الراجل اللي قدر يفهم الصحرا، واللي الوشق اختاره بنفسه.

السنين عدت، وحاتحور بقى زعيم القبيلة، وعلمه انتقل للأجيال اللي بعده. لحد النهاردة، في بعض الأماكن البعيدة في الصحرا المصرية، الناس لسه بتحكي عن اليوم اللي ظهر فيه أول وشق مصري... الوشق اللي كان مش بس حيوان، لكن روح الصحرا نفسها.

ولو في يوم كنت ماشي لوحدك في الصحرا، وحسيت إن حد بيراقبك من الظلام، افتكر... مش دايمًا الصحرا فاضية، أحيانًا، بتكون عيون الوشق هي اللي شايفاك.




مرّت السنين، وحاتحور فضِل هو وأفراد قبيلته في الصحراء، عايشين وسط الرمال القاسية، بيكافحوا كل يوم علشان يجيبوا المياه والطعام، ويحاولوا يفهموا الصحرا اللي أحيانًا تبقى أحن من الأم، وأحيانًا تقتل بلا رحمة. لكن حياة الصحرا ما بتستقرش، والخطر دايمًا قريب.

غزو الغرباء
في يوم مشؤوم، والصبح لسه بيطلع، صوت صهيل خيول غريبة دوّى في الوادي. ناس غريبة، من قبيلة تانية، كانوا جايين من الغرب، لبسهم أسود وأسلحتهم لامعة تحت نور الشمس. مكنوش جايين للسلام، كانوا جايين ينهبوا، ياخدوا أي حاجة قيمة، حتى لو كان على حساب أرواح الناس.

القبيلة كلها دخلت في حالة فوضى، الأطفال بيصرخوا، الستات بيستخبوا في الخيام، والرجالة مسكوا رماحهم واستعدوا للدفاع عن أرضهم. لكن عدد المهاجمين كان أكبر، وأسلحتهم أقوى. حاتحور كان واقف في نص المعركة، عينه بتدور على نقطة ضعف، على أي حاجة يقدر يستخدمها ضدهم.

وفي وسط الفوضى، لمح حاجة... فوق الجبل الصغير اللي جنب الوادي، كان فيه حركة، زي ظل سريع بيتنقل بين الصخور. الوشق! كأنه كان بيراقب الأحداث من بعيد، مستني اللحظة المناسبة. حاتحور فهم الرسالة، وبدون تردد، استخدم معرفته بالصحراء، قاد المقاتلين بتوعه ناحية الكهوف الصغيرة، اللي عرف إنها مليانة فتحات سرية، ممكن يستخدموها للفخاخ.

بسرعة، بدأ يقود المهاجمين ناحيتها، لحد ما وقعوا في الفخ. الرمال الناعمة تحتهم كانت فخاخ طبيعية، واللي خطى غلط، رجله غاصت في الرمال المتحركة. الرجالة اللي بقوا محاصرين بين الصخور، استهدفهم الصيادون بالرماح، وبعد معركة طويلة، قدروا يدفعوا المهاجمين بعيد عن الوادي.

اختفاء ابن زعيم القبيلة
بعد أيام قليلة من الغزو، حصلت كارثة تانية. ابن زعيم القبيلة، الصغير "مادو"، كان بيحب يجري بعيد عن المخيم، يلعب بين الصخور، يستكشف أماكن جديدة. بس في يوم، مادو اختفى. الناس دورت عليه في كل مكان، بس الصحراء كانت هادية، كأنها ابتلعته.

حاتحور كان عارف إن الصحرا ما بتمحيش حد بسهولة، وإنه لازم يفكر بطريقة مختلفة علشان يلاقي الولد. بالليل، طلع لوحده وسط الصحراء، وقف في المكان اللي اتشاف فيه مادو آخر مرة، وساب عينه تدور وسط الظلام. وساعتها، لمحها... نفس العيون المتوهجة وسط الضلمة.

الوشق كان هناك، واقف بين الصخور. حاتحور خدها كإشارة، وبدأ يتحرك ناحيته. الوشق بدأ يجري، مش بسرعة كبيرة، كأنه كان عايزه يتبعه. ساعات طويلة وهو ماشي وراه، لحد ما وصل عند فجوة صخرية، كان في ضوء ضعيف طالع من جوّاها. لما دخل، لقى مادو، قاعد لوحده، خايف، بس سليم.

قبل ما يمد إيده للولد، سمع صوت هسهسة. التفت، ولقى نفسه قدام واحدة من أخطر مخلوقات الصحراء... أفعى قرناء ضخمة، ملتفة وجاهزة للهجوم!

حاتحور كان بدون سلاح تقيل، مجرد خنجر صغير، لكنه عارف إن أي حركة غلط، الأفعى هتنقض عليه أو على الولد. في اللحظة دي، الوشق اتحرك، بخفة وسرعة مرعبة، قفز على الأفعى قبل ما تهجم، وبضربة واحدة من مخالبه الحادة، أصابها إصابة قاتلة.

الوشق وقف بعدها، عينه في عين حاتحور للحظة، وبعدين، كعادته، اختفى وسط الظلام.

حاتحور حمل مادو ورجع للقبيلة، والناس كلها احتفلت بعودته، لكن القليل بس اللي فهم إن الوشق هو السبب الحقيقي في إنقاذه.

مجاعة الرمال الحارقة
الصحراء أحيانًا مش بتحتاج أعداء علشان تبقى قاتلة، أحيانًا كفاية إن المطر ما ينزلش، وإن الحيوانات تختفي، وساعتها الناس بتواجه أسوأ عدو... الجوع والعطش.

جت سنة قاسية، الحرارة زادت، الأنهار اللي كانت بعيدة نشفت، والصيد بقى نادر. القبيلة بدأت تجوع، الناس وشهم بقى هزيل، الأطفال بقى صوتهم ضعيف، حتى أقوى الصيادين ما كانوش قادرين يلاقوا حاجة. الموت كان بيقرب، وحاتحور كان حاسس بيه في كل خطوة بياخدها وسط الخيام.

في ليلة، قرر يعمل حاجة مجنونة. خرج لوحده، بدون طعام، بدون مياه، ومشي في الصحرا، عارف إنه لو ما رجعش بحاجة، القبيلة كلها هتموت. مشي يوم كامل، والتاني، والتالت، من غير ما يلاقي أي حاجة، لحد ما جسمه بدأ يضعف، ورجله بقت بتغوص في الرمال.

بس في اللحظة اللي عينه كانت بتقفل فيها، سمع الصوت اللي بقى يحس بالأمان لما يسمعه... صوت خطوات خفيفة على الرمل. فتح عينه بالعافية، وشاف الوشق واقف فوق تل رملي، وراه في الضباب، كان فيه شيء ضخم بيتحرك.

حاتحور لمّ آخر قوته ووقف، وبص قدامه، وشاف... قطيع من الغزلان!

كانوا هناك، في واحة مخفية بين الجبال، مليانة مياه ونباتات. الوشق، للمرة الأخيرة، قاد حاتحور للمكان الوحيد اللي كان ممكن ينقذ قبيلته.

رجع حاتحور بالخبر، والقبيلة كلها سافرت للمكان الجديد، وهناك، بدأوا حياة جديدة، بعيد عن الجفاف، بعيد عن الخطر. ومن اليوم ده، فضلوا يحكوا عن حاتحور ابن الوشق، الرجل اللي أنقذ قبيلته، بفضل حارس الصحرا الغامض.

لكن السر الحقيقي؟

في بعض الليالي، لما القمر يبقى مكتمل، وأحد أحفاد حاتحور يكون بيتمشى لوحده، ممكن يسمع صوت ناعم وسط الرمال، كأن حد بيراقبه، ولو كان محظوظ... ممكن يشوف وميض عيون ذهبية، بتختفي بين الصخور.

تعليقات

إرسال تعليق

authorX

مؤلفون تلقائي

نظام شراء