رواية لعنة الدم الأول

لعنة الدم الأول

2025, سعود بن عبدالعزيز

فانتازيا قوطيه

مجانا

في قرية بعيدة وسط الغابات الكثيفة، كانت تعيش أديلينا حياة هادئة مع والديها، حتى تسلل الظلام إلى منزلهم في صورة مخلوقات عطشى للدماء. في ليلة واحدة، انقلب كل شيء، وقُتلت والدتها أمام عينيها، بينما وقع والدها كارلايل فريسة بين أنياب مصاصي الدماء. لكن مصيرهما لم يكن الموت... بل شيء أسوأ.

أديلينا كولن

الفتاة الصغيرة التي فقدت كل شيء في ليلة واحدة، وبدأت رحلتها في عالم مصاصي الدماء

روزلين

والدة أديلينا، قُتلت على يد مصاصي الدماء في الليلة التي غيّرت كل شيء

زعيم عشيرة مصاصي الدماء

قائد المجموعة التي هاجمت منزل أديلينا، قاسٍ وعديم الرحمة، لديه ثأر قديم مع عائلة كولن.
تم نسخ الرابط
رواية لعنة الدم الأول

 كان الليل ظلامه كالح، والجو كئيب في آخر نوفمبر من عام 1663.

كل واحد في القرية الصغيرة اللي بطرف لندن كان متقوقع داخل بيته، متحصّن بجدرانه كأنها حصن منيع، يدعي ربه إن الليلة تعدي بدون ما يكون هو الضحية الجديدة لذولاك "الشاحبين". كانوا مخلوقات مخيفة، قلوبهم قاسية مثل الحجر، وبشرتهم بيضا كأنها خزف. من أول ما استوطنوا أهل القرية، وهذولا الشاحبين صايرين لعنة عليهم، عددهم ما زاد ولا قل، لأنهم يصطادون فرائسهم بالنهار ويتغذون عليهم بالليل، عطشهم لدم البشر ما له حد.

بس كان فيه واحد بالقرية وقف بوجههم: كارلايل كولين.
كارلايل ما كان يخطط يكون صياد مصاصين دماء، لكنه ورث هالشغلة غصب بعد ما أبوه مات في وقت ما كان متوقع. الصيد ضد هالمخلوقات المتوحشة كان مخاطرة كبيرة، والدليل إنه كلف أبوه حياته. لكن كارلايل، على عكس أبوه اللي ما كان يحسب العواقب، كان عنده شيء يخسره: عنده زوجة جميلة، وعنده بنت صغيرة محتاجة له.

بنته الصغيرة، أديلينا كارلايل كولين، كانت كل ليلة تستناه يرجع من يوم شاق مليان تعب ومخاطر. والليلة ذيك، مثل كل ليلة، قعدت على صندوق ألعابها الخشبي تنتظره، والساعة تدق وتدق، لين منتصف الليل. كان عمرها ست سنين، وشكلها نسخة من أبوها وأمها: ورثت شعر أبوها الأشقر الفاتح، وورثت تموجات أمها الجميلة، وكانت عيونها زرق واسعة برموش طويلة تخلي أي أحد يوقف يتأمل فيها.

الناس في القرية كانوا يشوفون عائلة كولين كأنهم مثال للكمال والجمال، كأنهم دمى صينية مسحورة، بس مو أي دمى، دمى تخلي الواحد يطول النظر فيها بانبهار وإعجاب.

يوم بدت قطرات المطر تطرق بخفة على زجاج نوافذ الكوخ الصغير، أديلينا ضمت دميتها بقوة لحضنها وجلست تطالع القطرات وهي تتسابق على النزول، تقتل بها وقتها. أمها، روزالين، كانت نايمة بالعماق في آخر الممر الضيق—متعودة على تأخر زوجها كل ليلة. بس أديلينا، حتى وهي صغيرة، ما قدرت تمنع نفسها من القلق عليه، وعقلها كان يضج بأسئلة ما تخلص كل ما تأخر حتى دقيقة وحدة عن وقته المعتاد.

بس قبل لا تلمح ظله الطويل يطلع من بين الأشجار اللي تقطع الطريق، سمعت دوي قوي تحت!
تجمدت بمكانها، ما تحركت، حتى نفسَها صار خفيف، وعيونها توسعت وهي تسمع خُطى ثقيلة تتبع الصوت.

باب الغرفة انفتح بصرير خفيف، ودخلت أمها بسرعة، لابسة ثوب نوم حريري، وشعرها الأشقر الطويل نازل على أكتافها بتموجاته الناعمة. سكرت الباب بسرعة، ووجهها كان كله خوف حقيقي! وقفت تركز مع الأصوات اللي تحت، وأديلينا استوعبت فجأة—في أحد غريب بالبيت!

ـــ "ماما، وش صا..."

ـــ "ششش!" روزالين شهقت بهمس، وركضت تجر كرسي صغير تحشره تحت مقبض الباب. ما كان معها أي شي تدافع فيه عن نفسها ولا عن بنتها، والهروب ما راح ينفع—كل اللي تقدر عليه تكسب لهم دقيقة زيادة.

ما في أي عاقل يطلع بهالوقت المتأخر... ووقتها استوعبت الحقيقة:

المصاصين دخلوا البيت.


بصوت مرتجف وهمس مليان خوف، قالت: "حبيبتي، لازم تتخبين!"
بسرعة، شالت المخدات اللي فوق صندوق الألعاب اللي عند النافذة، وفتحته بحركة سريعة. رفعت بنتها وحطتها داخله، قلبها يدق بقوة وهي تحاول تهدي نفسها.

"مهما صار، مهما سمعتي، لا تطلعين صوت، أديلينا! عاهديني!"

"أعاهدك."

كانت بتقفل الصندوق، لكن فجأة، البنت شهقت بهمسة متوسلة: "لا يا ماما! لا تروحين!"

عيون روزالين امتلت دموع، وارتعش صوتها وهي تقول: "أنا أحبك يا أديلينا، لا تنسين هالشي أبدًا يا نور عيوني."

"وأنا أحبك بعد، ماما..."

روزالين وهي تسكر الصندوق، حسّت قلبها يطيح، غصة خانقتها، لأنها عرفت هذي آخر مرة تشوف فيها بنتها. آخر شي لمحته قبل ما تقفل الغطا كان عيون أديلينا المرعوبة، وذاك المنظر حُفر في قلبها. سمعت الخُطى الثقيلة تتقدم في المطبخ تحت، صوت ناس كثير يبعثرون الأغراض، يدمرون المكان. حاولت تكتم شهقاتها وهي ترتب المخدات فوق الصندوق بدقة، كأنها ما لمسته أبدًا.

يوم سمعت خطواتهم تطلع بسرعة للدور الثاني، تراجعت بعيد عن الصندوق علشان ما تثير الانتباه، واندست بسرعة فوق سرير بنتها، تحاول تسيطر على رعشة جسمها. نظراتها كانت مسمّرة على الصندوق، تعرف إن جواته بنتها الصغيرة، مكتمة نفسها، تحاول ما تبكي.

الباب انفتح بصرير مزعج.

أديلينا ما قدرت تلمح شي، بس سمعت أصوات خافتة، كلام متقطع مو واضح. فجأة، صرخة مدوية شقت السكون، صرخة أمها، حادة لدرجة قطّعت قلبها. صوت سحب قوي، سرير يهتز، صوت جسم يرتطم بالأرض!

الصرخات تعالت، ومع كل ثانية تمر، الألم في صوت أمها زاد... كانوا يعذبونها.

أديلينا بدت ترتجف، كل خلية في جسمها تصرخ تبغى تنادي أمها، بس قبل لا تطلع منها أي كلمة...

الصرخات انقطعت.

سكت كل شي.

سكون مرعب غطى المكان.

مرّت لحظات ثقيلة...

------------

وينه أبوها؟ ليه ما رجع؟ ليش تركهم؟ كانوا محتاجينه، هي كانت تحتاجه!

تمسّكت بوعدها لأمها، ما تحركت، ما حتى تجرأت تاخذ نفس عميق، بس انتظرت... انتظرت لين ما حسّت إن الوقت طول مرّة، وإنه يمكن صار آمن تطلع.

ببطء، فتحت غطاء الصندوق، دفت المخدات بعيد، بس أول ما رفعت راسها... تمنّت إنها ما طلعت أبدًا، تمنّت لو ماتت جوّا الصندوق، بس الموت كان قاسي وما أخذها معه.

قدّامها، كان جسد أمها ممدد على الأرض، ساكن تمامًا.

ثوبها الحريري كان كله ملطخ بالأحمر، ما بقى فيه حتى جزء أبيض. رقبتها كانت ملتوية بطريقة تقشعر لها الأبدان، وجلدها مليان علامات عضّ غامقة، حمراء، مرعبة.

ـــ "ماما؟!"

صوتها كان مبحوح، كله رجفة، ركضت عندها تهزها بكل قوتها، تحاول تصحّيها، تحاول تصدّق إنها لسا حية.

ـــ "ماما، بالله عليك، قومي! بابا راح يرجع الحين... أكيد بيعرف وش نسوي!"

لكن ما في فائدة. أمها ما تحركت. كانت باردة، ساكنة، وما حتى سمّعت أنفاسها.

استوعبت ببطء... أمها راحت، خلاص، ما راح تقدر تشوف ابتسامتها الدافية الصبح وهي تحط لهم خبز طازج على الطاولة، ولا راح تقدر تسمع صوتها الحنون وهي تحكي لها قصة قبل النوم.

حسّت إن الدنيا تضيق عليها، وكل شي جواها يصرخ. فجأة، ركضت، ما فكرت، بس ركضت. نزلت الدرج بسرعة، مرت بالبيت المدمّر، وصلت عند الباب الرئيسي، دفعته بكل قوتها وطلعته مفتوح.

الهواء البارد ضرب وجهها، بس ما حسّت بشي. ركضت في شوارع القرية الفارغة، ما انتبهت حتى إن المصاصين لا زالوا في كل مكان.

الفوانيس الزيتية كانت تضيء الطريق الترابي بضوء خافت، وعيونها كلها كانت على الطريق اللي دايمًا أبوها يمشي منه وهو راجع للبيت...ـــ "أحد يساعدني! بالله، ساعدوني!"

صرخت بكل قوتها، بصوتها الصغير المرتجف، تحاول تلاقي أي أحد... بس ما حد جا.

ـــ "أنا خايفة! تكفون، ساعدوني! أحد-"

صرخة قوية طلعت منها لما فجأة، يدين قوية سحبتها، وكف غطى فمها، تخبطت، ركّلت، حاولت تفلت، بس بعد لحظة... شمّت الريحة.

ريحة نشارة الخشب وعشب مقصوص توّه...

ـــ "بابا!"

كان هو.

شدها بقوة لصدره وجرى فيها بعيدًا، دخل بين الشجيرات وحطها عالأرض. بسرعة، بدأ يتفقدها بعينه وقلبه يدق بجنون، بس... لحظة! عيونه توسعت وهو يشوف يدينها المتلطخة بالدم.

ـــ "أديلينا! إنتي ليه برا لحالك؟! تعرفين المكان مو آمن!"

ـــ "بابا!" شهقت بصوت متقطع، "ماما... ماما ما قامت! حاولت أصحيها بس ما قامت!"

ملامح وجهه تصلّبت، عيونه اغمضت للحظة كأنه يحاول يستوعب، بس الحقيقة ضربته بقوة. أسوأ كوابيسه صار حقيقة.

شغله الخطر لحّقه، ولحق عائلته.

بدون كلمة، رفعها وحضنها، جرى بسرعة تجاه الكوخ، ركل الباب ودخل بقوة، حطها على الأرض واندفع يركض على الدرج.

وصل غرفته، لقى السرير مكركب، ما كان يهمه! ركض عالغرفة الثانية... غرفة بنته.

وقف عند الباب، وتنفسه انقطع.

قدّامه... كانت زوجته، مهشّمة، مضرّجة بالدم، نفس ما تركوها هذول المخلوقات الملعونة.

صرخة انطلقت منه، كانت أشد من صرخات الألم، صرخة حزن، وخوف، وضياع... صرخة حب انكسر للأبد.

حب حياته... راحت.


حضاها بقوة، قبل جبينها الدافي، وهمس بكلمات غير مفهومة، مليانة حب وكسرة قلب، كأن روحه تبغى تتعلق فيها للحظة أخيرة... بس ما كان في وقت.

مسح دموعه بسرعة، ركض نازل عالدرج، لبّس أديلينا أحسن وأدفى ملابس عندها، بعدين رفعها بين يديه وخرج من البيت بأسرع ما يقدر.

ما يقدروا يبقون هنا... لا والحوش ممكن ترجع، وإذا رجعت، راح تخلص عليهم.

كارلايل يعرف عقولهم، يعرف كيف يفكرون. ما يخلّون شهود. دايمًا يرجعون في اليوم الثاني بس عشان الناس تجمع الجثث.

في ظلمة الغابة اللي تحيط القرية، عيون حمرا، كثيرة، تلمع بين الأشجار.

كانت تراقبهم، تتوق للدم البشري.

وفي لحظة، انقضّت عليهم.

طاحت عليهم المخلوقات المتوحشة من بين الأشجار، هجمت وسط الركض، كارلايل حتى ما مداه يصيح!

طاح على الأرض بقوة، انقلب هو وأديلينا، يدور برأسه وهو يحاول يستوعب... لكن فات الأوان.

ـــ "شوفوا شوفوا وش عندنا هنا، يا شباب!"

ضحكة بشعة خرجت من واحد منهم، ابتسامته شيطانية، مليانة متعة معذّبة.

باقي مصاصي الدماء ثبتوا كارلايل وأديلينا بسهولة، ولا حتى تعبوا. زعيمهم اقترب، خياله غطّاهم، ابتسامته تكبر، كأنه يستمتع بلحظة الرعب اللي يعيشونها.

أديلينا صرخت، مدت يدها لأبوها، تبغى تروح له، تبغى يحميها، بس هو ما كان يقدر يتحرك.

ـــ "خذوني أنا! لا تاخذون بنتي، بالله عليكم، خذوني بدالها!"

كارلايل ترجّاهم، بكى، صرخ... بس ما فرق معهم.

ما كانوا يبغون رحمة. كانوا يبغون دم.


قطعوا صوته بكسر ساقه— كأنهم يكسرون عود يابس، بسهولة، بدون أي مجهود. صرخة ألم حادة طلعت منه، بس حتى الألم ما خلاهم يتراجعون.

واحد منهم نزل بأسنانه الحادة على معصم أديلينا، غرزها بقوة... وصوت صراخها ملأ المكان.

كارلايل انفجر بالغضب، قاوم، حاول يحرر نفسه، لكن أياديهم كانت مثل الحديد، ماسكينه بقوة ما يقدر حتى يتحرك.

اثنين فيهم نزلوا بأسنانهم على معصمه واحد بعد الثاني، الألم كان نار تحرق عروقه، كأنها نار جهنم تجري في دمه.

زعيمهم كان يتفرج... مبتسم، مستمتع بكل لحظة.

هذا هو الرجل اللي قتل أبوه عشرات من عشيرته، الرجل اللي كان يمشي على نفس خطاه، بس الحين... جاء وقت دفع الثمن.

بس كيف؟ كيف تخليه يحس بأشد ألم ممكن؟ كيف تعذبه بطريقة تخليه يتمنى الموت؟

وفجأة، خطرت له الفكرة: وش الألم اللي أقسى من إنك تشوف دمك ولحمك يموت قدامك؟

بلحظة باردة، بدون تردد، قال:
ـــ "خلّوهم."

وبكل بساطة، تركوا الأب وبنته، نزفوهم، وتركوا جثثهم الحية في الشارع.

كل البيوت كانت مغلقة، الأنوار مطفأة، بس كل شخص داخلها صاحي، يسمع أصوات الصراخ، بس ما يقدر يسوي شي.

كارلايل حسّ بسمهم ينهش دمه، يحرق كل شي فيه.
كان عاجز، تعبان، روحه تبغى تستسلم، بس ما يقدر... لازم ينقذ أديلينا.

التفت لها، لقى صوتها اختفى، ما عاد تصرخ، بس عيونها... كانت مليانة دموع، تبكي بدون صوت، تبكي من وجع ما له حدود.

سحب نفسه، حبي على مرفقيه، ألم شديد في كل عضلة بجسمه، بس ما همه... البنت أهم.

وصل عندها، رفع يدها الصغيرة، مكان العضة كان لسه ينزف، الوريد أسود من السم، بدون تفكير... حط فمه على الجرح.

سحب... بصق.

كان يحاول ينقذها، يحاول يسحب الموت من عروقها... قبل ما يفوت الأوان.


طوال الوقت، أديلينا كانت تبكي، دموعها تنزل بدون توقف.

كارلايل حسّ الدنيا تظلم قدامه، نقاط سوداء بدت تنتشر في نظره، والجملة الوحيدة اللي كانت تدور في باله هي:

زوجته الميتة...
وبنته اللي تموت بين يديه.

هذا ما كان إلا أول فصل من المآسي اللي تنتظر أديلينا كولن، وكل تغيير في اسمها أو الزمن ما راح يغير مصيرها.

هذه قصة لعنه الدم الأول.

تعليقات

authorX

مؤلفون تلقائي

نظام شراء