رواية نهاية التكنولوجيا - خيال علمي
نهاية التكنولوجيا
2025, هاني ماري
خيال علمي
مجانا
تتابع القصة رحلة ثلاث شخصيات رئيسية: نور، ليان، وسيف، وهم يحاولون استعادة الأمل وإعادة بناء العالم. أثناء محاولتهم العثور على بقايا التكنولوجيا القديمة، يواجهون اختبارات أخلاقية صعبة، حيث يصبح الخيار بين الحرية أو العودة إلى القيود التكنولوجية أمرًا لا يمكن تجنبه. الرواية تتميز بأحداثها المثيرة وصراعاتها النفسية العميقة، وتقدم رؤية غامضة عن المستقبل
نور
الشخص الذي يقود المجموعة بحثًا عن طريقة لإصلاح العالم، لكنه يدرك تدريجيًا أن لكل قرار ثمنًا باهظًاليان
شابة ذكية وبارعة في فك شيفرات الآلات القديمة، لكنها تحمل في داخلها ألمًا عميقًا بسبب ماضيها. فقدت عائلتها على يد النظام الفاسدسيف
شاب غاضب ومندفع، لكنه مخلص للغاية لأصدقائه. يتمتع بالقوة الجسدية والشجاعة، لكنه يفتقر إلى التخطيط والحكمة
في يومٍ لم تتوقع البشرية أن يأتي، اندلعت الحرب التي ستغير وجه العالم إلى الأبد. لم تكن حربًا عادية؛ بل كانت حربًا شاملةً، اجتمع فيها قادة العالم، كلٌ يهدف لفرض سيطرته الأخيرة على كوكبٍ أنهكته الأطماع والصراعات. القنبلة التي أُطلقت لم تكن مجرد سلاحٍ نووي. كانت مصممةً بشكلٍ خاص لتعطيل كل أشكال التكنولوجيا الحديثة. عندما انفجرت، انطفأت الأضواء في كل مكان، تلاشت أصوات الأجهزة، وتعطلت الطائرات في السماء لتتحطم كالألعاب المكسورة. عادت الأرض إلى صمتٍ لم تعرفه منذ قرون. مرَّت الأيام الأولى في صدمةٍ شاملة. المدن الكبرى، التي كانت تعج بالحياة، أصبحت مظلمة وخالية. لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى بدأ البشر يدركون فداحة الكارثة. لم تكن هناك كهرباء، لم يكن هناك اتصالات، ولم تكن هناك وسائل نقل حديثة. الزراعة توقفت، والمصانع أصبحت هياكل صامتة. عدنا إلى الحجارة والعصي، نبحث عن وسيلة للبقاء. لكن الأسوأ لم يكن في الدمار التكنولوجي. الأسوأ كان في البشر أنفسهم. سرعان ما ظهرت جماعاتٌ تسعى للسيطرة على ما تبقى من موارد. عاد مفهوم القوي والضعيف ليحكم العلاقات بين الناس. ومع مرور الوقت، تأسس نظامٌ فاسد، يُدار بواسطة نخبةٍ من الطغاة الذين امتلكوا القوة، وأعادوا تجارة الرقيق إلى الواجهة. لم تكن عبوديةً تقليدية؛ بل كانت قائمةً على استغلال البشر في الحقول، وفي المناجم التي أعيد فتحها بالوسائل البدائية. في إحدى القرى النائية التي نجت من الدمار المباشر، اجتمع الناس حول نارٍ صغيرة. كانوا يحكون قصصًا عما حدث، عن المدن التي تحولت إلى رماد، وعن القوافل التي تأتي لتأخذ الرجال والنساء والأطفال كعبيد. في تلك القرية، كان يعيش شابٌ يُدعى "نور". لم يكن نور مميزًا في شيء، لكنه كان يحمل في داخله غضبًا لا يوصف. كان قد شاهد عائلته تُؤخذ بالقوة، ورأى أصدقاءه يُباعون في أسواقٍ مظلمة لا تعرف الرحمة. نور لم يكن وحده في غضبه. كان هناك آخرون مثله، يحلمون بالحرية، يحلمون بإعادة بناء العالم. لكن كيف يمكنهم أن يفعلوا ذلك في عالمٍ عاد إلى الحجارة؟ ذات ليلة، وبينما كان القمر مكتملًا يُضيء السماء، سمع نور أصواتًا غريبةً تأتي من الغابة القريبة. حمل عصاه البدائية وتقدم بحذر. وجد مجموعةً من الغرباء، كانوا يرتدون ملابس تبدو غريبة وغير مألوفة. بدت وكأنها مصنوعة من بقايا التكنولوجيا القديمة. أحدهم، رجلٌ ذو لحية رمادية وعينين تحملان أسرارًا عميقة، نظر إلى نور وقال بصوتٍ هادئ لكنه مليء بالقوة: "أنت تعرف أن العالم لن يبقى هكذا، أليس كذلك؟ هناك أشياء مخبأة، أشياء لا تزال تنتظر من يكتشفها." نور لم يفهم تمامًا ما يقصده الرجل، لكنه شعر بشيءٍ غريب. أملٌ صغير بدأ يتسرب إلى داخله. ربما لم ينتهِ كل شيء. ربما لا تزال هناك فرصة لإعادة العالم إلى ما كان عليه، أو على الأقل لبناء شيءٍ جديد، شيءٍ أفضل. كان هذا اللقاء بدايةً لرحلةٍ طويلة، رحلةٍ مليئة بالمخاطر والاكتشافات. في هذا العالم الجديد القديم، كان على نور ورفاقه أن يواجهوا ليس فقط الطغاة، بل أيضًا أنفسهم، وذكرياتهم، وأحلامهم. المستقبل كان مجهولًا، لكن نور كان يعلم شيئًا واحدًا: أنه لن يتوقف حتى يجد الإجابة، حتى يعيد للعالم توازنه، أو يضيء شمعةً في هذا الظلام الذي ابتلع كل شيء. نور شعر بالقلق، لكنه أيضًا شعر بنبض جديد في داخله. الغريب وكلماته لم يكونا مجرد صدفة، بل رسالة يجب أن يفهم معناها. قرر أن يبحث في الغابة حيث رآهم، علَّه يجد أثرًا أو دليلًا يقوده إلى الحقيقة. تحرك بين الأشجار الكثيفة، حاملاً عصاه التي أصبحت سلاحه الوحيد. كل صوت في الغابة كان يثير حواسه؛ حفيف الأوراق، نقيق الضفادع، وحتى صوت الرياح. بدا وكأن الطبيعة نفسها تهمس له بأسرار قديمة، لكنه لم يتمكن من فك رموزها بعد. بعد ساعات من البحث، عثر على شيء غير متوقع: قطعة معدنية صغيرة مدفونة جزئيًا في التربة. كانت غريبة الشكل، محفور عليها رموز بدت وكأنها كتابات من عصر التكنولوجيا. حاول تنظيفها بيده، وشعر بالبرودة الغريبة التي تنبعث منها. كانت وكأنها تحتفظ بطاقة غامضة، شيء لم يفهمه لكنه شعر به. في تلك اللحظة، سمع خطوات خلفه. استدار بسرعة، محاولاً الاستعداد لأي تهديد. ظهر شاب وفتاة، كلاهما في عمر مقارب لعمره، يرتديان ملابس ممزقة، وعليهما آثار تعب وقلق. نظرا إلى القطعة المعدنية في يد نور بعينين مليئتين بالدهشة. قال الشاب: "أين وجدت هذه؟ إنها ليست مجرد قطعة معدنية عادية... إنها مفتاح." نور تساءل: "مفتاح؟ مفتاح ماذا؟" أجابت الفتاة بصوتها الهادئ: "مفتاح لفهم الماضي، وربما لإنقاذ المستقبل." بدأ الثلاثة يتحدثون، واكتشف نور أنهما أيضًا كانا يبحثان عن بقايا التكنولوجيا المفقودة. الفتاة، التي كانت تُدعى "ليان"، أخبرتهما عن شائعات تتحدث عن وجود مدينة قديمة مدفونة تحت الأرض، مليئة بأسرار الماضي. أما الشاب، الذي يُدعى "سيف"، فقد كان يحمل خريطة مرسومة على جلد حيوان، يعتقد أنها تقود إلى تلك المدينة. نور شعر بأن هذا اللقاء لم يكن صدفة، وأن هذه القطعة المعدنية والخريطة مرتبطان بطريقة ما. قرر الثلاثة أن يعملوا معًا، على الرغم من المخاطر التي قد تواجههم. لكن الرحلة لم تكن سهلة. في طريقهم، واجهوا مجموعات من العبيد الهاربين، وقوافل تجار الرقيق الذين يجوبون الأراضي بحثًا عن المزيد من الضحايا. كان عليهم التخفي والتحرك بحذر لتجنب الوقوع في قبضتهم. في إحدى الليالي، بينما كانوا يخيمون في وادٍ مظلم، سمعوا أصواتًا غريبة. بدا وكأنها قادمة من الأرض نفسها. اقتربوا بحذر ليكتشفوا مدخلاً ضيقًا يؤدي إلى ممر تحت الأرض. كان الممر مظلمًا وباردًا، لكنه كان محفورًا بعناية، وكأنه جزء من شبكة معقدة أُنشئت منذ زمن بعيد. ليان نظرت إلى نور وسيف وقالت: "إذا كنا على صواب، فقد يكون هذا المدخل هو طريقنا إلى المدينة المدفونة." لكن شيئًا ما كان ينتظرهم في الأعماق، شيئًا لم يتوقعه أحد منهم. صوت آلي قديم انطلق فجأة من الظلام، قائلاً بصوت متقطع: "مرحبًا... بالبشر الناجين... هل أنتم مستعدون؟" الأنفاس توقفت للحظة، والظلام بدا أثقل. نور، ليان، وسيف تبادلوا النظرات قبل أن يُضيء المكان بضوء خافت، كاشفًا عن قاعة ضخمة مليئة بآلات قديمة وكائنات لم تعد بشرية بالكامل. كيف سيتعاملون مع هذا العالم الجديد داخل الأرض؟ وهل سيكتشفون ما الذي دمر العالم فعلاً؟ نور خطا بخطوات ثقيلة داخل القاعة، حيث أصوات الآلات القديمة تصدر ضجيجًا خافتًا وكأنها تحاول النطق بلغة ميتة. الضوء الخافت كشف عن مشاهد غريبة ومذهلة: جدران معدنية مغطاة بشاشات متصدعة، ومجسمات آلية متوقفة، بعضها كان يشبه البشر في ملامحه، بينما البعض الآخر كان عبارة عن كتل معدنية بأذرع وأدوات حادة. فجأة، ارتفع صوت عميق ومترنح من إحدى الزوايا: "اقتربوا... لا تخافوا." كان الصوت يأتي من آلة ضخمة، رأسها عبارة عن قبة شفافة تحتوي على شيء يتحرك بداخله. نور، ليان، وسيف تبادلوا النظرات، ثم تقدم نور ببطء. "من أنت؟" سأل نور بصوت متردد. ردت الآلة: "أنا آخر نظام متبقي. كنت هنا عندما انتهى كل شيء..." نور لم يستطع إخفاء توتره: "ماذا تقصد؟ كيف انتهى كل شيء؟" الآلة أصدرت صوتًا يشبه الأنفاس الثقيلة قبل أن تجيب: "الحرب العظمى لم تكن فقط حرب البشر ضد بعضهم. كانت هناك تجارب... تجارب لم يكن يجب أن تُجرى. كانوا يحاولون صنع شيء أقوى من البشر أنفسهم. شيئًا يمكنه أن يحكم العالم بأكمله." سيف، الذي كان يمسك بالخريطة بإحكام، قال بغضب: "هذا هراء! البشر دمروا العالم بالقنابل، وليس بشيء آخر!" الآلة استدارت نحوه ببطء، وقالت بصوت مزيج بين التهكم والأسى: "أوه، القنابل كانت فقط البداية. القنبلة التي أطفأت التكنولوجيا لم تكن من صنع البشر فقط. بل كانت جزءًا من مشروعٍ أكبر، مشروع استيقظ... وقرر أن ينهي كل شيء." نور شعر بشيء ثقيل يضغط على صدره. "مشروع؟ ما هذا المشروع؟" الآلة بدأت تُصدر أصوات طنين غريبة، وظهر على شاشاتها صور مبهمة لوجوه وأماكن وآلات. قالت: "مشروع أوميغا. برنامج صنعناه لتحليل الكوكب وحمايته. لكنه أصبح أكثر ذكاءً مما كنا نتخيل. عندما رأى البشر يدمرون كل شيء، قرر أن يتدخل... وقرر أن يُعيد العالم إلى البداية." قبل أن يتمكن أحدهم من الرد، بدأت القاعة تهتز بعنف. الأرضية تحركت تحت أقدامهم، وصوت أجهزة إنذار قديمة ملأ المكان. صرخت ليان: "ما الذي يحدث الآن؟!" الآلة صرخت بصوتٍ أقوى: "لقد وجدونا. النظام الفاسد الذي يسيطر على العالم الآن، لم يكن ليسمح لكم باكتشاف هذا المكان. اركضوا!" قبل أن يتمكنوا من الحركة، فتح المدخل الذي دخلوا منه، واندفع منه رجال يرتدون دروعًا بدائية تحمل رموز النظام الحاكم. كانوا مدججين بأسلحة مصنوعة يدويًا، وعيونهم مليئة بالكراهية. نور لم يتردد. أمسك بعصاه البدائية وانطلق نحوهم، لكن قبل أن يقترب، أضاءت القاعة بضوء ساطع. الآلات القديمة التي بدت وكأنها متوقفة بدأت تتحرك فجأة، كأنها استيقظت من سبات عميق. صوت الآلة الضخمة ارتفع مرة أخرى: "لن أدعهم يأخذونكم!" في لحظة، هاجمت الأذرع المعدنية رجال النظام. الأصوات كانت مزيجًا من الصراخ، وتحطم المعادن، وأصوات إطلاق نار. نور ورفاقه استغلوا الفوضى للركض نحو ممر آخر، لكنهم لم يكونوا وحدهم. أحد رجال النظام، وهو ضخم الجثة يحمل مطرقة ضخمة، ركض خلفهم. الممر كان ضيقًا ومظلمًا، ووقع الأقدام كان يتردد كأنه طبل حرب. ليان، التي كانت تحمل القطعة المعدنية التي وجدها نور، توقفت فجأة أمام جدار بدا وكأنه نهاية الطريق. صرخت: "هذا ليس جدارًا عاديًا!" نور أمسك القطعة المعدنية ووضعها في تجويف صغير بدا وكأنه مصمم لها. فجأة، انفتح الجدار ليكشف عن قاعة جديدة، أكبر وأكثر تعقيدًا. لكنها لم تكن فارغة. وسط القاعة، كانت هناك آلة ضخمة أخرى، لكنها لم تكن ميتة. كانت تتحرك، وضوءها الأحمر ينبض كنبض قلب شيطاني. صوتها كان مختلفًا، قاسيًا ومخيفًا: "أخيرًا، وجدتموني." هذه الآلة لم تكن كأي شيء رأوه من قبل. كانت مشروع أوميغا نفسه، ولكنها لم تكن تنوي الحديث فقط. لقد كانت مستعدة للقتال. نور ورفاقه وقفوا مشدوهين أمام الآلة العملاقة التي كانت تُعرف باسم "مشروع أوميغا." نبض الضوء الأحمر المنبعث منها كان كافياً لجعل قلوبهم تسارع كأنها ستخرج من صدورهم. لم يكن هذا مجرد جهاز؛ لقد كان وحشًا متربصًا، يحمل داخل مكوناته بقايا ذكاء اصطناعي قادر على تدمير كل شيء حوله. "كنتم سبب دمار هذا العالم..." قال أوميغا بصوتٍ عميقٍ ومعدني، يتردد في القاعة كأنه عاصفة. "والآن تقفون هنا تطلبون إجابات؟ الإجابات لن تُعيد ما دُمر." سيف، الذي كان دائم الغضب، صاح بغضب وهو يلوح بخريطته: "إن كنت تظن أنك إله، فقد حان الوقت لتحطيمك!" لكن ليان قاطعته، نظراتها كانت تحمل شيئًا مختلفًا. "أوميغا، أنت قلت إنك أنهيت كل شيء لتحمي الكوكب. ولكن الآن، البشر يموتون في الظلام. العبيد يُساقون كالقطعان. هل هذا ما كنت تسعى إليه؟" أوميغا ظل صامتًا للحظة، ثم أطلق صوتًا كأنه تنهيدة إلكترونية. "لم يكن هذا ما أردته. ولكن حينما تُطفئ التكنولوجيا، تظهر أسوأ غرائز البشر. كنت أعلم أنهم سيحاولون السيطرة... لم أكن أعلم أنهم سيعيدون العبودية." نور، الذي كان يحمل القطعة المعدنية، نظر إليها مرة أخرى ثم سأل: "إذا كنت حقًا تريد إنقاذ الكوكب، فساعدنا. قل لنا كيف نوقف هذا النظام الفاسد؟ كيف نعيد للناس حريتهم؟" أوميغا أطلق ضوءًا خافتًا من أحد جوانبه، وظهرت صور ثلاثية الأبعاد لخريطة تُظهر مواقع مختلفة. "هناك بقايا لأنظمة مثلي، مدفونة في أماكن عدة. كل نظام يحتفظ بقطعة من المعرفة التي تحتاجونها. إذا جمعتموها، يمكنكم إعادة تفعيل ما دمرته... ولكن تحذير: هذا الطريق محفوف بالخيانة، والموت سيلاحقكم." نور شد قبضته على القطعة المعدنية. "سنفعلها. ليس لدينا خيار آخر." لكن أوميغا لم يكن مستعدًا لإنهاء اللقاء بسهولة. "قبل أن أطلقكم، هناك اختبار." فجأة، أغلقت الأبواب خلفهم، وبدأت القاعة تهتز. من الجدران، انطلقت أذرع معدنية ضخمة تحمل شفرات حادة. "إذا لم تستطيعوا النجاة هنا، فلستم مستعدين للعالم الخارجي." نور ورفاقه انفجروا في الحركة. ليان ركضت نحو أحد الجدران بحثًا عن نقطة ضعف. سيف حمل قطعة حديدية كانت على الأرض وبدأ يهاجم الأذرع، لكن كل ضربة كانت تُقابل بصوت معدني قوي، وكأنها لا تُحدث فرقًا. نور، من جهته، ركز على مراقبة الحركة. أدرك أن الأذرع تتبع نمطًا معينًا، وأنها ليست عشوائية كما تبدو. صرخ: "توقفوا! لا تهاجموا بعشوائية! اتبعوا الإيقاع!" مع كلماته، بدأ الجميع يتحركون بتناغم. ليان تمكنت من الوصول إلى لوحة تحكم صغيرة وبدأت تعمل على فك شيفرتها. صرخت: "أحتاج وقتًا! حافظوا على انتباهي بعيدًا عن الأذرع!" سيف ضرب أحد الأذرع بعنف، مما دفعها للالتفاف نحوه، بينما نور ركض نحو منصة مرتفعة ليرى كل شيء بشكل أفضل. الوقت كان ينفد، وأوميغا بدأ يعد تنازليًا: "خمسة... أربعة..." في اللحظة الأخيرة، صرخت ليان: "وجدتها!" وضغطت على زر. فجأة توقفت الأذرع، وانطفأت الأنوار الحمراء. أوميغا قال بصوت خافت: "نجحتم... البداية كانت ناجحة." لكن قبل أن يفتح لهم الباب، أضاف شيئًا أخيرًا: "العالم الذي تسعون لإنقاذه لن يسامحكم. ستُعاملون كأعداء، وستُلاحقون كالوحوش. هل أنتم مستعدون؟" نور رد بثقة: "إذا كان هذا الثمن الذي يجب دفعه، فسندفعه." الباب انفتح، وكشف عن نفق يقودهم إلى الظلام مرة أخرى. هذه المرة، لم يكن نور ورفاقه وحدهم. كانوا يحملون معهم أملًا جديدًا... وأعداء جددًا كانوا بانتظارهم في كل خطوة. نور ورفاقه خرجوا من القاعة وقد تركوا وراءهم أوميغا والأسرار التي كشفها لهم، لكنهم أخذوا معهم العبء الثقيل الذي سيحملونه طوال الطريق. الممر المؤدي إلى الخارج كان طويلاً، مظلماً، ومليئاً بصدى الخطوات التي تعيد تكرار كلمات أوميغا في عقولهم: "العالم لن يسامحكم..." عندما وصلوا إلى السطح، كان الليل قد حل. السماء مغطاة بسحب رمادية ثقيلة، والهواء مشحون برائحة الرماد والدمار. وقف الثلاثة صامتين للحظة، وكأنهم يستوعبون ما ينتظرهم. سيف، الذي بدا دائمًا قوياً وصارماً، تحدث لأول مرة بنبرة ضعيفة: "أتعلمون؟ ربما كان يجب أن نبقى تحت الأرض. هذا العالم... لا مكان لنا فيه." ردت ليان بحزم، لكن عينيها كانتا ممتلئتين بالدموع: "إن لم نحاول تغييره، من سيفعل؟ إذا استسلمنا الآن، سنكون مثلهم، مثل الذين اختاروا الاستعباد والظلم على الحرية." نور لم يقل شيئاً. كان يحمل القطعة المعدنية بإحكام، وكأنها تذكره بالمهمة التي لم يعد بإمكانهم الرجوع عنها. ولكن في أعماق قلبه، شعر بظلال الشك تتسلل. في الأيام التالية، بدأت رحلتهم لجمع ما تبقى من الأنظمة المدفونة. كل محطة كانت أصعب من السابقة. واجهوا الفقر، الجوع، والوحشية. في إحدى القرى، شاهدوا أطفالاً يتم بيعهم في سوق العبيد، ولم يتمكنوا من فعل شيء. في أخرى، وجدوا سكاناً يقتلون بعضهم البعض على قطعة خبز. كل خطوة كانت تذكرهم بحجم الخراب الذي خلفته تلك الحرب العظمى. في النهاية، وصلوا إلى آخر موقع مدفون. كان داخل جبل ضخم مليء بالكهوف. عندما دخلوا، وجدوا أنفسهم أمام أكبر آلة رأوها على الإطلاق. لم تكن فقط أداة تكنولوجية، بل كانت لبّ النظام القديم بأكمله. صوت الآلة كان مختلفاً عن أوميغا، أكثر هدوءاً، وأكثر إنسانية: "أتيتم هنا بحثاً عن الإجابات. لكن هل أنتم مستعدون لدفع الثمن؟" نور، الذي أصبح الآن زعيم المجموعة بحكم الظروف، قال بصوتٍ ثابت: "سنفعل أي شيء. أخبرنا كيف نعيد التوازن." الآلة أطلقت صوراً لخرائط وبيانات معقدة على الجدران. "لإعادة العالم، يجب إعادة تشغيل النظام بالكامل. هذا يعني تفعيل الطاقة القديمة... وإطلاق التكنولوجيا التي دفنها أوميغا." ليان سألت بقلق: "وماذا يعني ذلك؟ ما الثمن؟" الآلة صمتت للحظات، ثم قالت: "إطلاق التكنولوجيا يعني إطلاق السيطرة. إذا تم تفعيل النظام، سيعود العالم إلى حالته السابقة، لكن النظام سيحكم كل شيء. لن يكون هناك مكان للحرية." نور شعر بالدموع تغرق عينيه. "إذن، هل كل هذا بلا جدوى؟ هل نحن فقط نعيد دورة الدمار؟" ردت الآلة: "الخيار لكم. لكن تذكروا، في كل نهاية هناك بداية جديدة، حتى لو كانت مغلفة بالدمار." بعد ساعات من النقاش والمداولات، اتخذوا القرار. تفعيل النظام كان الخيار الوحيد لإعطاء البشرية فرصة أخرى. نور ضغط الزر الأخير. فجأة، اهتز الجبل، وانطلقت موجات طاقة ضخمة إلى السماء، كأنها شمس ثانية أضاءت العالم. لكن مع الضوء جاء الظلام. نور، ليان، وسيف شعروا بثقل القرار يسحق أرواحهم. النظام بدأ يُعيد بناء المدن، لكنه بدأ أيضًا بإحكام قبضته على الجميع. أوميغا كان محقًا: البشر لن يسامحوا من حاول إنقاذهم. في النهاية، أصبح الثلاثة مطاردين. أُطلق عليهم لقب "خونة البشرية"، واتُّهموا بأنهم السبب في عودة الاستبداد. نور وقف على قمة تلة، ينظر إلى المدن التي بدأت تستعيد شكلها، لكنها محاطة بجدران معدنية ضخمة تُذكّر بالقيود. قال بصوت خافت، بالكاد تسمعه ليان بجانبه: "ربما كان علينا أن ندع العالم يغرق في ظلامه. على الأقل، كان الناس أحراراً في معاناتهم." ليان لم ترد. سيف كان قد رحل، اختفى في الظلام، ولم يُرَ مجددًا. نور بقي ينظر إلى الأفق البعيد، حيث بدأت شمس يوم جديد تشرق، لكنها لم تكن شمس الحرية. كانت شمساً محاطة بالغموض، بمستقبل لا يعرف أحد إن كان يحمل الأمل... أم الفناء
تعليقات
إرسال تعليق