أحلام ضائعة في كوريا - رواية كورية

أحلام ضائعة في كوريا

2025, كاترينا يوسف

كورية

مجانا

حياة فتاة كورية جنوبية تُدعى سوهيون، تسير في شوارع مدينة تعج بالتناقضات بين الحداثة والتقاليد. عبر تفاصيل مشاعرها وعلاقاتها مع أصدقائها، تكشف الرواية عن صراعات الشباب الكوري بين طموحاتهم الشخصية وضغوط المجتمع، حيث تمتزج الأحلام المكسورة مع لحظات السعادة البسيطة في رحلة البحث عن الذات.

سوهيون

البطلة الرئيسية التي تحكي القصة من وجهة نظرها. فتاة كورية جنوبية ذكية وحساسة، تبحث عن معنى السعادة في مجتمع مليء بالضغوط والتوقعات

يونجسو

صديقة سوهيون المقربة، طموحة وحالمة، لكنها مكبّلة برغبات أهلها وتضحية بأحلامها من أجل العائلة.

جيهي

لصديقة الثانية لسوهيون، فتاة مهووسة بالمظهر والكمال الاجتماعي، لكنها تعاني من قلة الثقة بالنفس خلف ابتسامتها الواثقة.
تم نسخ الرابط
أحلام ضائعة في كوريا

 اسمي "سوهيون"، عمري 22 سنة، طالبة جامعية أعيش في سيول، قلب كوريا الجنوبية. كوريا بلد الأحلام بالنسبة للبعض، لكن بالنسبة لكتير مننا، هي مكان مليان تحديات وفرص في نفس الوقت. الحياة هنا مش مجرد كيبوب ودراما وابتسامات ساحرة زي ما الناس بتشوف في التلفزيون؛ هي أصعب من كده بكتير، وأحيانًا أجمل بطرق محدش يقدر يتخيلها.

كوريا الجنوبية، البلد اللي بتحب كل حاجة تكون "كاملة"، مهما كان التمن. عاداتنا وثقافتنا بتحكم حياتنا لدرجة إننا ممكن نضحي بسعادتنا عشان "الشكل الاجتماعي". وأنا؟ أنا بنت بسيطة، بحلم بحياة أقدر أكون فيها حرة، لكن في نفس الوقت مش قادرة أتخيل نفسي بعيدة عن المكان ده.

عشت حياتي كلها وأنا بسمع كلمة "إلحقِ القطار". المعنى الحقيقي للكلمة دي هو إنك لازم تواكبي كل شيء في حياتك: الدراسة، الشغل، المظهر، العلاقات... كل حاجة. لو تخلفتِ عن القطار، هتلاقي نفسك متأخرة جدًا، والناس هنا مش بيرحموا المتأخرين.

من صغري وأنا تحت ضغط إن لازم أكون "الأفضل". ماما وبابا مش بيحبوا يشوفوا درجاتي أقل من 95%. ولما جبت مرة 89% في امتحان الرياضيات في المدرسة، بابا كان غاضب جدًا، وقال لي:
"إزاي تفكري إنك هتكوني ناجحة لو مش بتجيبي أعلى الدرجات؟"

الدراسة في كوريا مش مجرد شيء عادي، هي حياة كاملة. من سن 6 سنين لحد ما تدخل الجامعة، حياتك كلها بتكون عبارة عن كتب ودروس خصوصية. بعد المدرسة، بتروحي للـ"هاجوان" (معهد خاص للدروس الإضافية)، وممكن ترجعي البيت الساعة 10 أو 11 بالليل. مفيش وقت للعب، مفيش وقت للأصدقاء، بس كتب وأرقام وقواعد.



رغم الضغط الكبير، كوريا بلد مليانة لحظات صغيرة تخليك تنسى كل حاجة سيئة. لما الربيع ييجي، بتكون الحدائق في كل مكان مليانة أزهار الكرز. الناس كلها بتخرج للتمشية، العائلات بتعمل نزهات، والصحاب بيتصوروا تحت الشجر.

في الصيف، بنروح المهرجانات اللي بتتملي بألوان زاهية وأغاني. أمي دايمًا بتاخدني لمهرجان الألعاب النارية اللي بيتعمل على نهر الهان. بنقف هناك بالساعات وسط الزحمة عشان نشوف السماء وهي بتتزين بكل الألوان.

وفي الأعياد التقليدية زي "تشوسوك" (عيد الحصاد)، بتتجمع العيلة كلها، بنطبخ الأكلات الكورية التقليدية زي الـ"سونغبيون" (كعكة الأرز المحشوة)، وبنقضي اليوم مع بعض. اللحظات دي بتخليني أحس بالدفء، رغم إن حياتنا اليومية بتكون باردة في معظم الأوقات.

الحياة العائلية في كوريا مش زي أي مكان تاني. هنا، العيلة هي كل حاجة. لكن في نفس الوقت، العيلة ممكن تكون سبب ألمك. لازم تطيع أهلك مهما كان، ولازم تسير على الطريق اللي بيختاروه ليك.

لما قررت أدرس الأدب في الجامعة بدل الهندسة اللي كان بابا عايزني أدخلها، الدنيا قامت ما قعدتش في البيت. بابا قال لي:
"الأدب مش هيأكلك عيش! إنتِ عايزة تضيعِ حياتك؟"

لكن رغم كده، أنا صممت. كان عندي حلم بسيط: أكتب قصص عن حياتنا هنا، عن الأحلام اللي بنحاول نحققها وسط الزحمة.



في كوريا، العلاقات مش سهلة. الصداقة الحقيقية نادرة، لأن الكل بيجري عشان يسبق التاني. أما الحب، فهو حاجة بنخبيها عن العالم، لأن المجتمع ممكن يحكم عليك بسهولة.

مرة وقعت في حب زميلي في الجامعة، اسمه "جونغوو". كان شخص بسيط، بيحب الرسم وبيضحك دايمًا حتى لو يومه كان صعب. لكن لما عرفت أمي، قالت لي:
"إياكِ تتعلقي بشخص مش قادر يقدم ليكِ حياة كريمة."

وكأن الحب هنا مش اختيارك، لكنه قرار بيحدده اللي حواليك.

رغم كل حاجة، عندي حلم بسيط. حلمي هو إني أقدر أعيش في كوريا بطريقتي، بعيد عن الضغوط، وأكتب قصص الناس الحقيقية، وأحكي عن أحلامهم وأوجاعهم. يمكن يكون ده حلم صعب التحقق، لكن أنا مؤمنة إن دايمًا في نور بعد العتمة.

الحياة الاجتماعية هنا في كوريا زيها زي شبكة عنكبوت كبيرة. الكل مرتبط ببعضه، لكن في نفس الوقت، المسافات بين الناس مش قليلة. من وأنا صغيرة، وأنا عندي دايمًا صحاب، لكن كنت بحس إن الصداقة هنا مش زي اللي بشوفها في الأفلام. الكل بيحاول يكون قدام الناس في أفضل صورة، حتى لو كان جوّاهم محطم.

أصدقائي في الجامعة كانوا مختلفين، كل واحد منهم كان عنده حكاية بتعكس جزءًا من الحياة الكورية. كنت بقضي معظم وقتي مع "يونجسو" و"جيهي"، ورغم إن كل واحدة فيهم كانت مختلفة عن التانية، إلا إننا كنا بنلاقي في بعض الراحة من ضغط الحياة.

يونجسو كانت بتحلم تكون مصممة أزياء. كل مرة كنا نخرج مع بعض، كنت بلاقيها بتراقب الناس في الشارع، بتلاحظ لبسهم وطريقة تنسيقهم للألوان. كانت بتكتب ملاحظاتها في دفتر صغير دايمًا معاها.

لكن لما جيه وقت اختيار التخصص في الجامعة، أهلها رفضوا تمامًا إنها تدرس تصميم أزياء. أمها قالت لها:
"إحنا مش هنصرف على حاجة ملهاش مستقبل. أنتِ هتدرسي إدارة أعمال زي كل الناس."

شفت الدموع في عينيها يومها، لكن يونجسو قررت تطيعهم. لما سألتها مرة:
"ليه متمسكتِش بحلمك؟"
قالت لي بابتسامة حزينة:
"في كوريا، رضى الأهل أهم من الأحلام. وأنا مش عايزة أكون سبب في خيبة أملهم."

حتى لما كانت بتحاول تظهر قوية، كنت بحس إنها جوّاها مكسورة

جيهي كانت أكتر واحدة بيننا مهتمة بمظهرها. كانت دايمًا تقول:
"في كوريا، شكلك هو اللي بيحدد مكانتك. الناس مش بتشوف قلبك، بتشوف شكلك."

كانت بتقضي ساعات في عيادات التجميل، بتحاول دايمًا تعدّل في ملامحها، رغم إنها أصلاً جميلة. لما سألتها مرة:
"ليه بتعملي كده؟ أنتِ مش محتاجة أي تغيير."
قالت لي:
"مش مهم أنا شايفة نفسي إزاي. المهم الناس تشوفني مثالية. في كوريا، الكمال مش اختيار، ده شرط عشان تكوني مقبولة."

لكن الحقيقة كانت إنها بتعاني من قلة الثقة في نفسها، وكنت بشوف ده في كل مرة نتكلم فيها عن حياتنا.

في يوم من الأيام، كنا في المكتبة بنحاول نذاكر للامتحانات. الجو كان متوتر جدًا، وكلنا كنا مرهقين من كمية المواد اللي لازم نراجعها. فجأة جيهي قالت:
"أنا تعبت! أنا عايزة أهرب!"

يونجسو ضحكت وقالت:
"فين هنروح؟ مفيش مكان نقدر نهرب ليه في كوريا، كل الأماكن فيها ناس بتذاكر أو بتشتغل."

لكن جيهي أصرت، وقررنا نخرج ونروح كافيه صغير قريب. كانت المرة الأولى اللي نكسر فيها الروتين ونحاول نلاقي لحظة راحة. قعدنا نحكي ونضحك، وفجأة جيهي قالت:
"أنا عارفة إن حياتنا صعبة، بس وجودنا مع بعض بيخليني أحس إننا نقدر نواجه أي حاجة."

الكلمات دي فضلت محفورة في ذاكرتي، لأنها كانت الحقيقة الوحيدة اللي حسيت إنها صادقة وسط كل الضغوط.

في كوريا، لازم تعيشي دايمًا على حسب توقعات الناس. لما تتكلمي مع حد أكبر منك، لازم تنحني وتحترميه، حتى لو كنتِ شايفة إنه غلطان. لما تخرجي مع أصدقائك، لازم تتعاملي بلطافة حتى لو كنتِ مش مرتاحة.

مرة كنت مع أهلي في زيارة لعائلة معارفهم. كنت لابسة لبس بسيط ومريح، وفجأة الست اللي كنا بنزورها قالت لأمي بصوت عالي:
"بنتك لازم تهتم بنفسها أكتر. البنت الكورية لازم تكون دايمًا جميلة."

كنت محبطة جدًا، لكن ماما كانت مضطرة تبتسم وتوافقها عشان ما تعملش مشاكل.

رغم كل الصعوبات، كان في لحظات صغيرة بتخلينا نحس بالسعادة. لما كان ييجي المطر في الصيف، كنا بنلبس الأحذية البلاستيكية ونخرج نمشي تحت المطر. كانت اللحظات دي بتخلينا ننسى كل حاجة سيئة ونحس إننا أطفال تاني.

وفي الشتاء، لما التلج يغطي الشوارع، كنا بنجمع بعض ونروح نعمل رجال التلج ونصور صور تذكارية. اللحظات دي كانت بتخلينا نحس إن الحياة مش كلها صعبة، وإن في أوقات جميلة بتستحق العيش.


كل يوم في حياتي هنا بيبدأ بنفس الإيقاع: روتين سريع، كأنك في سباق ما ينتهيش أبدًا. أصحى الصبح على صوت المنبه اللي بيزعجني، وبعدها أركض عشان أرتب نفسي وأكون جاهزة للجامعة. حتى وأنا ماشية في شوارع سيول، أشوف الناس كلهم بنفس السرعة، كلهم مستعجلين، وكأن المدينة كلها بتتنفس عجلة وضغط.

الحياة الاجتماعية في الجامعة كانت دايمًا مليانة تناقضات. كل حد حواليك مبتسم ومهتم، لكن في نفس الوقت، الكل قلقان من حكم الناس عليه. لما كنت أقعد مع زملائي في الكافتيريا، أسمع البنات بيحكوا عن أحدث صيحات الموضة أو المشاهير اللي عملوا عمليات تجميل جديدة. كنت بسكت أحيانًا، مش عارفة أشارك، لأن في داخلي كنت شايفة إن ده كله مش مهم زي ما هما شايفينه.

مرة واحدة من زميلاتي في الفصل قالت لي:
"سوهيون، ليه شعرك مش مصفف زي باقي البنات؟ أنتِ عارفة إن الناس بيحكموا عليكِ من شكلك؟"

الكلام كان بسيط، لكنه حسسني إني مش كفاية، إني لازم أكون مثالية عشان أنتمي. في كوريا، المظهر مش مجرد شيء جانبي، ده كأنه بطاقة تعريف. لو شكلك مش مثالي، الناس بتتعامل معك كأنك أقل منهم.

علاقتي مع يونجسو وجيهي كانت الجانب الوحيد اللي فيه أمان. رغم إن كل واحدة فيهم كانت عندها ضغوطها ومشاكلها، كنا بنلاقي وقت نفضفض فيه لبعض. مرة وأنا وجيهي قاعدين في الكافيه الصغير اللي بنحبه، فجأة بدأنا نحكي عن المستقبل. جيهي قالت لي:
"إنتِ عارفة إني مش عارفة أتخيل نفسي بعد 10 سنين؟ كل اللي بشوفه هو شغل وضغط ومجتمع بيفرض علينا نكون زي ما عايز."

رديت عليها بابتسامة حزينة:
"يمكن ده لأننا مش بنعيش الحياة اللي عايزينها. يمكن لو تبعنا أحلامنا بدل ما نمشي ورا التوقعات، هنلاقي السلام."

جيهي ضحكت وقالت:
"أحلامنا في كوريا زي النجوم... بعيدة جدًا ومش ممكن نوصل لها."

كانت اللحظات اللي نقضيها مع بعض هي الهروب الوحيد من كل شيء. لما كانت الأمطار تهطل في سيول، كنا نروح نتمشى تحت المطر بدون مظلات، ونحس إننا بنغسل قلوبنا من كل القلق اللي جوانا. كنا نضحك على الناس اللي بتجري عشان ما يبلوش، ونقول لبعض:
"خلينا نكون مختلفين عنهم ولو مرة واحدة."

لكن حتى في اللحظات الجميلة دي، كنت بشعر دايمًا إن السعادة مؤقتة، وإن الواقع بيرجع يضغط علينا بمجرد ما نرجع للبيت.

حياتي مع أهلي كانت مليانة حب، لكن الحب ده كان مشروط. ماما دايمًا كانت تقول لي:
"إحنا بنعمل كده عشانك، عشان تكوني ناجحة. النجاح هو أهم حاجة في الحياة."

لكن إيه معنى النجاح لو كنتِ مش سعيدة؟ مرة لما حاولت أتكلم مع ماما وأقولها إني حاسة إني مخنوقة، قالت لي بحزم:
"سوهيون، الناس هنا مش عندها وقت للمشاعر. لازم تكوني قوية. البكاء مش هيفيدك في حاجة."

الكلام ده خلاني أتعلم إني أخبي كل مشاعري، إني أضحك حتى لو كنت حزينة، وإني أظهر قدام الناس قوية حتى لو كنت منهارة من جوّا.

في يوم كنت ماشية في شارع صغير قريب من الجامعة، شفت مشهد بسيط لكنه خلاني أفكر كتير. كان في بنت صغيرة ماسكة إيد أمها، وبتضحك بصوت عالي. الأم كانت مبتسمة وهي بتشتري لها آيس كريم. الموقف ده خلاني أحس إني وحيدة، رغم إني محاطة بناس كتير. ليه إحنا كبشر لما نكبر، بنفقد القدرة على الاستمتاع بالحاجات البسيطة؟

حتى العلاقات العاطفية هنا مليانة تعقيد. في كوريا، لو وقعت في حب حد، لازم تفكر ألف مرة قبل ما تعبر عن مشاعرك. المجتمع هنا بيحب يحط قواعد حتى للحب. مرة واحدة من زميلاتي في الجامعة قالت لي:
"سوهيون، لازم تتأكدي إن اللي هتحبيه يكون مناسب اجتماعيًا. الحب هنا مش مجرد شعور، ده قرار لازم يكون عقلاني."

الكلام ده خلاني أفكر في فكرة الحب نفسها. هل فعلاً الحب قرار؟ وهل ممكن المجتمع يحكم على اللي بنحسه تجاه الآخرين؟

مرة واحدة من زميلاتي ارتبطت بشاب من خلفية بسيطة، والعلاقة دي خلتها في صراع كبير مع أهلها. أمها قالت لها:
"لو فضلتِ معاه، هتكسفي عيلتنا. إحنا تعبنا عشان نوصلك للمكانة دي، ومش هينفع تضيعي كل ده."

شفت في عيونها ألم عميق، وكأنها بين المطرقة والسندان. الحب اللي كانت بتحس بيه تجاهه كان صادق، لكن في نفس الوقت، شعورها بالذنب تجاه أهلها كان بيقتلها. انتهت العلاقة بعد شهور، لأنها مقدرتش تتحمل الضغط.

القصص دي كلها بتخليني أفكر في معنى الحياة هنا في كوريا. كل حاجة حوالينا مليانة تناقضات. في لحظات تحس إنك محاصر، وفي لحظات تانية تحس إن الحياة جميلة بطريقة خاصة.

الحياة هنا مش سهلة، لكنها مليانة تفاصيل تخليك دايمًا تفكر وتحلم، حتى لو كان الحلم بعيد.

تعليقات

إرسال تعليق

authorX

مؤلفون تلقائي

نظام شراء