رواية الظلام لا يغادر- رعب
الظلام لا يغادر
2025, أدهم محمد
رعب
مجانا
تأخذ القارئ في رحلة عميقة داخل عقل فتاة شابة، حيث تتشابك مخاوفها الداخلية مع أشياء غامضة خارج عالمها المدرك. في البداية، هي ضحية لصراع داخلي مع الظلام الذي يلاحقها، لكن مع تطور الأحداث تبدأ الفتاة في تحدي هذا الظلام والنظر إلى مخاوفها كأعداء يمكن هزيمتهم
الفتاة
شخصية محورية في الرواية، تمثل القوة الداخلية والرغبة في الهروب من الظلامالظلام
شخصية غامضة في الرواية، لكنها في الواقع تمثل القوى الداخلية والخارجية التي تحاول السيطرة على البطلتشوي
صديق الطفولة الذي يبقى جانب البطلة طوال الأحداث. يظل شخصية داعمة لها في بداية الرواية، لكنه لا يستطيع فهم حقيقة ما تمر به
كنت دائمًا أسمع أصواتًا غريبة في الليل، أصوات كأنها قادمة من أعماق الجدران، لكنها لم تكن مجرد أصوات، كانت أشياء تنادي. لكن لم يكن أحد ليصدقني، وكنت أظن في البداية أنني أتوهم. كنت أعيش في منزل قديم في أحد الأحياء المنعزلة، منزل تحيط به الأساطير التي يتداولها الجميع، لكنني كنت أعتقد أن تلك القصص ما هي إلا خرافات. كل شيء بدأ بعد تلك الليلة العاصفة. لم أكن أعرف أن ما جرى فيها سيغير كل شيء. حينها، كان هناك شعاع ضوء ضعيف يمر من خلال النوافذ المغلقة، كان الضوء غريبًا، ليس كما لو أنه صادر من مصباح أو حتى من القمر. شيء ما في ذلك الضوء كان غريبًا ومؤذيًا، ومعه جاء الصوت. كان الصوت أشبه بهمسات خفية، كانت كلمات غير مفهومة لكنها كانت تقترب مني تدريجيًا. شعرت أنني أسمع شيئًا يحدث داخل الجدران، شيء كان يراقبني، يراقب كل حركة لي. مع مرور الأيام، بدأ المكان يصبح غير مألوف. الجدران لم تعد تحتفظ بأصواتها المعتادة. كانت هناك نغمة جديدة، نغمة كانت تتسلل إلى عقلي. لم أستطع التمييز بين الواقع وما كان يحيط بي، كلما حاولت تفسير ما يحدث، كانت الأمور تصبح أكثر تعقيدًا. كان يبدو أن هناك عالمًا آخر يختبئ في الظلال، عالم لا يُرى إلا لمن يمتلك القدرة على سماعه أو ربما لم يكن يُسمع إلا لمن هو محكوم عليه بالدخول إليه. كنت أجد أشياء غريبة في كل مكان. أشياء تظهر في أماكن لم أضعها فيها، مثل أشياء قديمة، كأنها آتية من زمن بعيد. حروف غير واضحة ظهرت على جدران الغرفة التي أنام فيها، وعندما حاولت لمسها، شعرت بشيء غير مريح يتسرب من يدي، شيء ثقيل يبتلعني في داخله. في إحدى الليالي، وأنا جالس أمام المرآة القديمة في الصالون، بدأت أرى انعكاسات لا تخصني، وجوه غريبة تظهر خلفي. لكنني لم أكن وحدي في الغرفة، كان هنالك شخص آخر، شخص كان يقف خلفي، في الظلال، لا أستطيع رؤيته بوضوح. لكنه كان موجودًا، شعرت به، شعرت بوجوده حتى قبل أن أدير رأسي. لكن حينما نظرت، اختفى كل شيء في لمح البصر. حاولت أن أفهم، حاولت أن أستجمع كل ما تعلمته في حياتي من منطق وعقلانية، لكن هذه الظواهر كانت تفوق أي شيء منطقي يمكن أن يحدث. هل كان هذا جنونًا؟ هل كانت كل هذه الأشياء مجرد هلاوس؟ أم أنني بالفعل على شفا اكتشاف شيء غير قابل للفهم؟ في تلك اللحظة، شعرت بشيء آخر يتسلل إلى ذهني، شيء كان يهمس لي في كل لحظة. كلمات غير مفهومة، لكنها كانت تثير في قلبي خوفًا غير مسبوق. كان الصوت يتسارع، وكلما حاولت الاقتراب منه، كان يبتعد، لكنه كان يتركني أكثر فزعًا. كانت تزداد الضوضاء حولي، وكأن المكان كله بدأ يتنفس بشكل غير طبيعي، يتنفس معي، ويعيش معي. ثم فجأة، شعرت بشيء ثقيل يهبط على صدري، وكأن أحدًا قد ضغط عليّ بكل ثقله. تلاشى كل شيء في تلك اللحظة، وعيني تغلق شيئًا فشيئًا. لكنني لم أكن مستعدًا لما سيحدث بعد ذلك. لم أكن مستعدًا لأن أواجه حقيقة لم أكن أؤمن بها أبدًا. في تلك اللحظة، وجدت نفسي في مكان مظلم، مظلم جدًا. لا أستطيع التمييز بين الجدران، لا أستطيع الشعور بوجودي. كان هناك فقط صوت هسهسة، وهو يقترب أكثر، وكأن شيئًا ما يراقبني. وكأنني في لعبة لا أستطيع الهروب منها. كلما حاولت الهروب، كلما وجدت نفسي في نفس المكان. كلما أغلقت عيناي، وجدتني في نفس الظلام، وسمعت نفس الصوت. كانت هناك أصوات خلفي، أصوات لا يمكن لأحد أن يفهمها، كلمات بعيدة، وجوه لم أكن أراها ولكنني شعرت بها، كانت تراقبني. ثم، في لحظة من لحظات الصمت الرهيب، ظهر ذلك الشيء. كان شكله غير واضح، لكنني شعرت بوجوده خلفي، شعرت به يقترب مني، وكأنني كنت في قبضة شيء أكبر من الخوف نفسه كنت في الظلام، لكنني كنت أعي تمامًا أنني لم أعد وحدي. الصوت الذي كنت أسمعه في البداية أصبح أكثر وضوحًا، ولكن بدلًا من أن يكون هسهسة، تحول إلى كلام. لم أستطع فهم الكلمات، كانت تتلاشى في الهواء وكأنها مزيج من الأصوات المبعثرة، لكنني كنت أعرف شيئًا واحدًا... كانت تقترب مني، وكان شيء ما يحاول الدخول إلى عقلي. حاولت أن أتحرك، لكنني شعرت بأطرافي وكأنها مغلفة بشيء ثقيل. كلما حاولت أن أرفع قدمي أو أمد يدي، كانت القوة الغامضة تسحبني أكثر إلى أعماق هذا المكان المظلم. كان هناك شعور ثقيل على صدري، كأنني محاصر بين جدران غير مرئية، وكلما نظرت حولي، لم أتمكن من رؤية شيء سوى الفراغ الكثيف الذي يحيط بي. ثم، شعرت بشيء آخر. كان الهواء فجأة أكثر برودة، وكان الزمان يبدو وكأنه متوقف، كما لو أنني دخلت إلى بعد آخر، إلى عالم مختلف تمامًا. لم يكن لدي أدنى فكرة عن الوقت الذي مضى، ولا كيف وصلت إلى هنا. كل ما كنت أشعر به هو أنني بدأت أفقد الاتصال بما حولي. هل هذا هو الجنون؟ هل أصبح عقلي هشًا إلى هذا الحد؟ ثم حدث شيء غريب جدًا. شعرت بشيء يمر بجانبي، شيء ثقيل جدًا لدرجة أنني شعرت بالهواء يتحرك بشكل غير طبيعي، وكأن شيئًا ضخمًا كان يمر بالقرب مني. كان الصوت يقترب، لكن لم يكن الصوت نفسه هو الذي يخيفني. كان الغموض الذي يحيط بالصوت، كان يخفي وراءه شيء غير بشري. شيء قديم جدًا، أو ربما أكثر من ذلك. "ماذا تريد؟" همست الكلمات بصوت غير مسموع، لكنني كنت على يقين أن هناك من يستجيب لي. وفجأة، انقضَّ شعاع من الضوء الساطع على عيني، اخترق الظلام المحيط بي وكأنه يفتح بوابة إلى عالم آخر. لكن الغريب أن الضوء لم يكن كما هو في المرة الأولى، بل كان باهتًا، ضبابيًا، وكأنني أنظر إلى شيء غير حقيقي. في ذلك الضوء الضبابي، ظهرت صورة غير واضحة... شيء كان يتشكل في الظلام. كانت كائنات، لكن لم يكن من الممكن تحديد شكلها بوضوح. كنت أرى رؤوسًا مشوهة وأيدي مشوهة تخرج من الظلام، وكأنها تلتف حولي. تلك الأشكال كانت تتجسد في اللحظات التي كنت أغمض فيها عيني، لتختفي بمجرد أن أفتحها. لا أستطيع أن أقول إنها كانت "كائنات" بالمعنى المعروف، كانت أقرب إلى ظلال حية، كائنات ذات أنياب حادة ومخالب طويلة، كما لو أن كل شيء في العالم يخلق، في النهاية، ليصبح جزءًا من هذا الظلام اللامتناهي. أغمضت عيني بشدة، محاولةً الهروب من هذا العالم الملتبس، لكنني شعرت بأنني لا أستطيع أن أتنفس بعد الآن. كان هناك نوع من الثقل في الهواء، كأنني غارقة في قاع بحر مظلم، لا أستطيع الخروج منه. وفجأة، بينما كنت في هذا الصراع مع الظلام، بدأ شيء آخر في التسلل إلى عقلي. كان شعورًا بالندم، وكأنني كنت في حلم طويل جدًا. هل كنت قد ارتكبت خطأً؟ هل كان هذا هو ثمن فضولي في البحث عن الأجوبة؟ بدأ ذهني يتخبط بين الأفكار والذكريات. هل كان كل شيء مجرد حلم طويل؟ هل أنا مجرد ضحية لمكانٍ غريب، أم أنني كنت أستحق هذا العذاب؟ وبينما كانت الصورة تتشوش في ذهني، شعرت بشيء يهمس في أذني، ولكن هذه المرة كانت الكلمات مختلفة. شعرت بأنها كانت مألوفة. شيء كان قد قيل لي من قبل، شيء كنت قد نسيته. لكنني لم أستطع التذكر من قالها لي أو متى. كان الصوت أكثر وضوحًا الآن، وكان يقول لي: "النجاة ليست في الهروب، بل في قبول الحقيقة." لكن ما هي الحقيقة؟ هل كان ما أراه حقيقة؟ وهل كان ما أعيشه مجرد جزء من شيء أكبر؟ كنت أشعر أن كل شيء يتحرك حولي، كان المكان يتحول إلى شيء آخر، وكلما حاولت التمسك به، كان يتفكك. ثم، فجأة، استشعرت شيئًا غريبًا. شعرت بأنني لست وحدي هنا، لكني أيضًا لم أكن أكمل وحدتي بالكامل. شعرت بأن هناك شخصًا آخر في هذا الظلام، شخص كان يراقبني، يراقبني منذ فترة طويلة. وحينما نظرت إلى الظلام الذي أمامي، لم أتمكن من رؤيته، لكنني شعرت به بكل أعماقي. شيء كان يحاول أن يدخل إلى عقلي، ليجعله ملكًا له. بعد تلك التجربة المخيفة التي مررت بها، لم أستطع النوم ليالي عدة. الصوت، الظلام، والأشكال المشوهة التي رأيتها في تلك اللحظات لم تفارق عقلي. حتى في النهار، كان كل شيء يبدو غير طبيعي، وكأنني أعيش في عالمين مختلفين: واحد حقيقي، وآخر مظلم ومشوه. لكن كنت بحاجة لمشاركة ما رأيته مع أحد. قررت في النهاية أن أتحدث إلى صديقي القديم "تشوي"، الذي يعرفني جيدًا. كان شخصًا عقلانيًا، ويُفترض أن يكون منطقيًا في تفسير الأمور. لكنني لم أكن متأكدة من أنني أستطيع شرح ما حدث بطريقة مفهومة. بعد كل شيء، كيف يمكن لشخص عاقل أن يصدق ما مررت به؟ في إحدى الأمسيات، التقيت بتشوي في مقهى هادئ في الزاوية. كان الظلام قد بدأ يحل، وكان الجو باردًا جدًا، كما لو أن البرودة تحاكي ما كنت أشعر به داخلي. جلست أمامه، وكان يراقبني بصمت، كما لو أنه كان ينتظر مني أن أقول شيئًا. "تشوي، هناك شيء غريب يحدث معي،" قلت وأنا أحاول أن أخفي التوتر في صوتي. كانت الكلمات تخرج بصعوبة، كأنني أحاول أن أقول شيئًا لا أستطيع فهمه بنفسي. نظر إلي بتفكير، ثم قال بصوت هادئ: "ماذا تعني؟ هل تشعرين بأنك على ما يرام؟" حاولت أن أشرح له ما مررت به، عن الصوت الذي كنت أسمعه، والظلام الذي شعرت به يغلفني، وعن الكائنات التي رأيتها. كان يراقبني بهدوء، لكنه كان يبدو مترددًا، كأنه يحاول أن يجد تفسيرًا منطقيًا لما كنت أقول. "لكني لا أفهم،" قال أخيرًا، "أنتِ تقولين إنك رأيتِ أشياء غير حقيقية، لكن هل كنتِ متعبة أو مرهقة؟ ربما كان عقلكِ يحاول معالجة بعض الضغوط." لكن لم يكن هذا مجرد تعب. كان هناك شيء ما، شيء أكبر من أي تفسير منطقي. أردت أن أصرخ في وجهه، أريد أن أخبره بما رأيته، بما شعرت به، لكن الكلمات كانت تملكني. كنت أعرف أنني لا أستطيع أن أشرح هذا، ولكن هل هو سيصدقني إذا أخبرته؟ في تلك اللحظة، قررت أن أخبره عن الحلم، ذلك الحلم الذي كنت أراه كل ليلة منذ ذلك اليوم. كان هناك شخص ما، ظل كان يراقبني، يتنقل بين ظلال الجدران ويقترب مني مع كل دقيقة. حاولت أن أشرح له كيف أنني كنت أشعر به أكثر من كونه مجرد شخص في الحلم. "أنتِ تحتاجين إلى أن تهدئي قليلاً، ربما هناك شيء في عقلكِ يخلق كل هذا." كانت هذه الكلمات التي كررها لي تشوي طوال اللقاء. لكنني لم أستطع أن أتمالك نفسي، فقد كنت أعرف أنه لا يمكن أن يكون هذا مجرد خيال. بعد ذلك اللقاء، بدأت أشعر بشيء غريب بيني وبين تشوي، كأنني كنت في عالم مختلف عنه. كنت أبحث عن الحقيقة في كل زاوية، ولكنها كانت تبتعد عني أكثر مع مرور الوقت. وفي اليوم التالي، قررت أن أخبر عائلتي بما يحدث. ربما يمكنهم مساعدتي. لكنهم، كما توقعت، لم يكونوا مستعدين لتصديق ما كنت أقول. كان والدي ينظر إلي بحيرة، كأنما يسأل نفسه ما الذي يحدث لابنته، لكنه لم يعتقد أنه يجب أن يهتم بهذا الموضوع. أخبرني أمي بشكل قاطع أن أتوقف عن التفكير في هذا الأمر، وأنني بحاجة للراحة. لكنني لم أستطع التوقف عن التفكير. كان الصوت يلاحقني، وكان الظلام دائمًا في زاوية عيني. في كل لحظة، كنت أشعر بشيء غريب يقترب مني. ثم، في لحظة، شعرت به أكثر من أي وقت مضى. شعرت به داخل منزلي. كان هناك شيء يتحرك بين جدراننا، شيء حاولت أن أتجاهله في البداية، لكنه أصبح أكثر وضوحًا الآن. كلما سرت في الممرات المظلمة، شعرت بشيء ثقيل يقترب مني، شيء غير مرئي لكنه ملموس. في أحد الأيام، بينما كنت جالسة في غرفتي، سمعت خطوات غير مألوفة في الممر. كان الممر مظلمًا تمامًا، ولا يوجد أحد هناك، ولكن الخطوات كانت تقترب بسرعة. نظرت إلى الباب، وكأنني كنت في انتظار ما سيحدث، لكن شيئًا ما داخل عقلي كان يقول لي ألا أفتح الباب. كنت أعرف أنه لن يكون كما أظن. في تلك اللحظة، توقفت الخطوات، وكأن الشيء الذي كان يقترب مني قد شعر أنني أدركت وجوده. كان الخوف يتسرب في عروقي، لكنني لم أستطع الهروب من هذا المأزق. كان كل شيء يشير إلى أنني دخلت في شيء لا يمكنني الخروج منه. كلما حاولت التحدث عن ذلك، كلما كانت الكلمات تتناثر في الهواء دون أن يصدقني أحد. ثم، في إحدى الليالي، بينما كنت جالسة وحيدة، جاء الصوت مرة أخرى. هذه المرة كان واضحًا، وكان يهمس في أذني: "لا يمكنك الهروب، لأنك قد دخلت إلى المكان الذي لا عودة منه." كانت تلك الكلمات تتردد في رأسي، تلاحقني أينما ذهبت. "لا يمكنك الهروب، لأنك قد دخلت إلى المكان الذي لا عودة منه." كنت أشعر بأنني محاصرة، وكأنني في دائرة مغلقة لا أستطيع الخروج منها. كلما حاولت الهروب، كان الظلام يعيدني إلى نفس النقطة، كانت تلك الكائنات، تلك الأصوات، تقترب مني أكثر وأكثر، وكأنها تعلم أنني بدأت أضعف. لكن في تلك اللحظة، أدركت شيئًا غريبًا. كنت دائمًا في حالة من الهروب، دائمًا أركض بعيدًا عن الظلام، ولكن ربما كان الحل عكس ذلك تمامًا. إذا كنت قد دخلت إلى هذا المكان بالفعل، فهذا يعني أنني يجب أن أواجهه، يجب أن أواجه هذا الظلام الذي كان يحاصرني. قررت أن أذهب إلى نفس المكان الذي بدأت فيه كل هذه الكوابيس: ذلك الجدار المظلم في الزاوية، حيث كانت الأصوات تظهر لي لأول مرة. شعرت بالرياح الباردة تعصف من حولي، وكلما اقتربت من المكان، كانت الأصوات تصبح أكثر قوة. كان قلبي ينبض بسرعة، وكل خطوة كنت أخطوها كانت تزيد من شعوري بالفزع، لكنني لم أستطع التراجع الآن. كان عليّ أن أفعل شيئًا. عندما وصلت إلى الجدار، شعرت بشيء غير مرئي يقف أمامي، وكأن شيئًا ما يحاول إبعادي. ولكنني جمعت كل قوتي وأمسكت بجدران المكان بقوة. ابتلعت خوفِي، وأغمضت عينيَّ. همست بصوت ضعيف: "أنا هنا. أنا لا أخاف منك." وكان كل شيء في الظلام يراوغني، لكنني شعرت بشيء غريب يحدث. بدأ الصوت يختفي تدريجيًا. كان الصوت الذي كان يلاحقني يتبدد في الهواء كما لو أنه يهرب من نفسي. فجأة، اختفت تلك الكائنات، واختفى الظلام من حولي. كان المكان مليئًا بالصمت، وكأن كل شيء قد انتهى. فتح عينيَّ، وشعرت بسلام لم أكن أتوقعه. لم يكن هناك شيء مخيف بعد الآن، لم تكن هناك أصوات تتسرب في أذني، ولا ظلال تتحرك حولي. لقد عاد كل شيء إلى طبيعته. حتى الهواء أصبح أخف. كنت قد فعلت ما لم يكن ليجرؤ أحد على فعله، واجهت هذا الظلام الغامض دون تراجع. أدركت أنني لم أكن أحتاج للهروب منه، بل كنت بحاجة فقط لأن أوقفه من داخلي، لأنني كنت أقوى من خوفي. وفي تلك اللحظة، شعرت بشيء لا يمكنني تفسيره، كما لو أنني قد تخلصت من شيء كان يطاردني طوال حياتي. ولم يكن الظلام هو الشيء الوحيد الذي اختفى. كانت تلك الأصوات، تلك الكائنات، كل شيء، بدأ يختفي خلف حاجز من النسيان. كأن كل شيء كان مجرد وهم صنعه عقلي في لحظة ضعف، لكن الآن، بعد أن واجهته، اختفى بشكل كامل. في اليوم التالي، وجدت نفسي في غرفتي كما كنت سابقًا، لكنني لم أعد نفس الشخص. لم أعد تلك التي كانت تلاحقها الظلال أو تخشى الظلام. كنت قد تغلبت عليه. والآن، كنت أستطيع أن أعيش في هذا العالم من جديد، وأن أحتفظ بعقلي سليمًا دون أن أخاف مما كنت أعتقد أنه حقيقي. لكنني تعلمت درسًا ثمينًا: لا يوجد شيء في هذا العالم يمكن أن يؤذيك إلا إذا سمحت له بذلك. كنت قد سمحت لهذا الظلام أن يسيطر على حياتي لوقت طويل، لكنني الآن كنت على استعداد للمضي قدمًا.
حبي كما لم يكن في الظلام لم يهن ما لم يكن
ردحذف