رواية ظل المزدوج - أطلال رماد

ظل المزدوج | أطلال رماد

2025, Lafkhar Minato

فانتازيا

مجانا

نشأ أريان في الجيش بعد فقدان عائلته، ليصبح محاربًا لا يعرف الراحة. يجوب العالم وسط الحروب والصراعات، يواجه الفساد والظلم بطريقته الخاصة. بين تحالفات مؤقتة وأعداء أقوياء، يتحول إلى أسطورة منسية، فارسًا مزدوجًا بين النور والظلام. يرفع العجوز قلادة من تحت قميصه، يظهر على نفس دائرة معدنية تحتوي على رموز مطابق لذلك الموجود على سيف الفارس في الصورة

أريان

.....

الأب

.....

قائد

.....
تم نسخ الرابط
رواية ظل المزدوج - أطلال رماد

طالما كانت الحروب تترك خلفها أكثر من مجرد أطلال رمادية، كانت تسرد حكاياتها بالدماء والجثث المبعثرة فوق تراب المعركة. الليل يزحف ببطء، والريح تعزف لحنًا كئيبًا فوق أجساد الذين سقطوا، بينما تصدح أصوات الغربان في الأفق، كأنها ترثي أرواحًا لن تعود.

وعلى أطراف الساحة، حيث يتصاعد الدخان ممتزجًا برائحة الموت، يحتفل المنتصرون في خيامهم. يرفعون كؤوسهم عالياً، يهتفون بنصرٍ خُطّ بالسيوف والدماء. الضحكات تتعالى، والأهازيج تملأ المعسكر، لكن خلف كل ضحكة، ظل طويل من الماضي يهمس لهم بأن مجد اليوم هو مأساة الأمس.

وفي قلب المعركة التي خمد أوارها، كان هناك جسد مسجّى، ما زالت يده القاسية تقبض على نصل سيفه، وكأنها تأبى الاعتراف بالهزيمة...

الفائزون وحدهم من يكتبون التاريخ، هم من يصوغون الحكايات، ويختارون أي الأفكار تستحق البقاء وأيها تُدفن مع أصحابها في التراب. الخير أو الشر، العدل أو الظلم، لا يهم، فصوتهم هو الأعلى، وحكمهم هو الذي سيُخلَّد. أما أولئك الذين سقطوا، فأفكارهم رحلت معهم، بلا من يحميها، بلا من يرفع رايتها من جديد.

في زوايا المعسكر المنتصر، جلسوا القادة حول نيران مشتعلة، يتبادلون كؤوس النصر، يرسمون ملامح المستقبل على صفحة الماضي الدامي. بالنسبة لهم، لا حقيقة إلا قوتهم، لا قانون إلا سيوفهم، لا عدل إلا ما يقرروه هم. أما الذين هُزموا، فقد أصبحوا أرقامًا في كتب النسيان، لن يتذكرهم أحد سوى أمهات ثكالى، وأرامل أجهدهن البكاء.

لكن على أطراف الساحة، تحت ضوء قمر شاحب، وقف ناجٍ وحيد بين الجثث، يتأمل وجه صديق قديم سقط بجواره، يحدق في سيف مكسور كان يومًا يلوّح به بفخر. كان يعلم أن المنتصرين اليوم سيكتبون الحقيقة كما يشاؤون، وسيُمحى كل ما يخالف روايتهم.

تساءل بصوت خافت، والليل يبتلعه:
من ذلك الذي سيأتي ليحقق العدل؟ من سيعيد الميزان إلى نصابه؟ أم أن العدالة ليست سوى وهم... يكتبه المنتصرون؟

في الأعلى، التهمتْ غربانُ السماءِ نجمةً وحيدةً، وكأنّما تَطهّرُ السّماءُ ساحتَها هي الأخرى.

في متحف بألمانيا، بالتحديد برلين
تتلاشى أصوات الخطوات الثقيلة في أروقة المتحف العتيق بينما يقف رجل عجوز يحمل عكاز أسود اللون أمام لوحة كبيرة، يظهر فارسًا يحمل سيفًا لامعًا في قلب معركة ضارية. وجه العجوز متجهم، وعيناه الغارقتان في التجاعيد مليئتان بحنين واضح.

تدخل مجموعة من طلاب الإعدادية برفقة معلمهم، ضاحكين و مثرثرين بحيوية الشباب. يمرون بين اللوحات والقطع الأثرية، حتى تتوقف أعينهم على نفس اللوحة التي يحدق فيها العجوز.
يهمس أحد الطلاب، وهو يشير إلى الفارس في الصورة
-الطالب الأول (ساخرًا): هذا الرجل؟ يبدو ضعيفًا! لا يشبه الأبطال الخارقين.
-الطالبة (ضاحكة): أجل، أراهن أنه لم يكن شجاعًا مثل بقية الفرسان!

يضحك بعض الطلاب في غرور و تكبرهم الذين ولدوا بالمعالق ذهبية غير مدركين حقيقة العالم ووجدوا كل شيء بينهم بدون تعب او مصاعب أمامهم، بينما يسمع العجوز تعليقاتهم، يهز رأسه بابتسامة غامضة لكن لا يقول شيئًا. بعد فترة قصيرة، يغادر معظم الطلاب، لكن ثلاثة طلاب يبقون، فضولهم يتغلب على رغبتهم في المغادرة.

تنظر الطالبة نحو العجوز وتسأله بنبرة فضولية:
-الطالبة: من هو هذا الفارس، يا سيدي؟ لماذا كنت تحدق في صورته طوال هذا الوقت؟

ينضم الطالب الآخر إلى الحديث، مشيرًا إلى العجوز:
-الطالب الثاني: منذ أن دخلنا ونحن نراك تحدق فيها دون أن تتحرك. هل تعرفه؟

يبتسم العجوز ابتسامة خفيفة ويقول:
-العجوز: لديكم ملاحظة جيدة... نعم، أعرفه جيدًا.

يتبادلون النظرات بدهشة، ويقترب الطالب الثالث بخطوة:
-الطالب الثالث: حقًا؟ كيف تعرفه؟

بهدوء، يرفع العجوز قلادة من تحت قميصه، يظهر على نفس دائرة معدنية تحتوي على رموز مطابق لذلك الموجود على سيف الفارس في الصورة. تلمع أعين الطلاب بدهشة.
-الطالب الثاني (مندهشًا): كيف حصلت على هذا؟! هل صنعته بنفسك؟

يضحك العجوز بهدوء ويجيب:
-العجوز:لا، هذا الرمز ورثته عن جدي الأكبر.
يتسع فضول الطلاب، وتزداد أسئلتهم.
-الطالب الأول: جدك أكبر؟ كيف كان؟
-الطالبة: ما اسمه؟
-الطالب الثالث: هل كان بطلًا؟

ينظر إليهم العجوز ثم يشير إلى مقعد قريب
-العجوز: إذا أردتم معرفة القصة، دعوني أجلس. عضلاتي لم تعد تتحمل الوقوف طويلًا.
يجلس العجوز، والطلاب يجلسون حوله بترقب. يتنهد العجوز بعمق قبل أن يبدأ
العجوز: اسمه كان أريان ... آخر فارس حقيقي. فبدأت قصته قبل كل شيء ، قبل عهد فلسفة يونانية و تاريخ الأساطير …

يبدأ في سرد قصة أريان.

في يوم من الأيام، المياه باردة، باردة كالموت. شعر بثقل جسده يغوص أعمق، بينما تتلاشى صرخات رفاقه في أعماق عقله. ثم، هناك... في القاع، كان هناك ضوء. لم يكن الضوء ما أوقف قلبه، بل أحد سيوف أعداء انغرست في صدره. عندما وصل إلى الى القاع محيط دماء أريان يسيل في بحيرة و التمست بشيء غريب. إذ سطع ضوء في أرجاء البحيرة اللون أزرق فاتح . وفجأة سمع صوت شخص يناديه
-أريان … أريان استيقظ . هيا.
عندما استيقظ وجد والده خائف و قلق.
-أريان: والدي … ماذا يجري ؟؟
-أب: وحوش … يهجمون علينا.علينا هروب.
-أريان: أين أمي ؟؟
-أب: لا أعرف. لا أستطيع تواصل معها … هيا …
عندما خرجوا من البيت يرى أريان مجموعة من فرسان يقومون قتل مخلوقات غريبة.

خرج أريان ذو 8 سنوات خلف والده، قلبه ينبض بقوة لا يعرف مصدرها—هل هو الخوف أم الصدمة؟ الهواء كان مشبعًا برائحة الدخان والدم، وصراخ الناس اختلط بصيحات الوحوش الغريبة التي تهاجم القرية. السماء كانت مظلمة بشكل غير طبيعي، وكأن الليل قرر أن يحل قبل أوانه.

لم يفهم أريان تمامًا ما كان يحدث، لكن عيناه لمحتا شيئًا لن ينساه أبدًا: فارس يرتدي درعًا لامعًا، سيفه يتوهج بلون أزرق مشابه لذلك الضوء الذي رآه في حلمه (أو رؤياه). السيف شق أحد الوحوش إلى نصفين بضربة واحدة، لكن حتى ذلك لم يكن كافيًا. الوحوش كانت تعود، أقوى وأكثر شراسة.
-أريان (يهمس وهو ينظر إلى الفارس): ذلك الضوء... رأيته من قبل.

لكن لم يكن هناك وقت للتفكير. والده أمسك بيده بشدة وبدأ يركض، يجره عبر الأزقة الضيقة للقرية. كلما تعثر أريان أو تباطأ، كان يشعر بيد والده تشده بقوة أكبر.
-الأب (بصوت مرتجف): لا تنظر خلفك، أريان! فقط استمر بالجري!
لكن الفضول كان أقوى من الخوف. استدار أريان للحظة خاطفة، ورأى شيئًا سيطارده طوال حياته: وحش ضخم، أطول من أي رجل، يحمل رأس أحد الفرسان في فمه و تسيل دماء ، عينيه تتوهج بلون أحمر جهنمي. نظر الوحش مباشرة إلى أريان، وكأنه رآه رغم الظلام والمسافة.
في تلك اللحظة، أدرك أريان أن هذه الليلة لن تكون مجرد ذكرى... بل بداية لنهاية طفولته.
-أريان: انه يطاردنا
يلتفت والده يجد وحش يطارده بكامله سرعته و يعترضه أحد فرسان
-فرسان (بكل شجاعة): هيا … واجهني
و لكن الوحش لم يهتم إذ يقفز عاليا و استطاع قبض على الأب بفمه و أريان يتدحرج بعد سقوطه عندما نزل وحش يرتطم جدار منزل
-أريان: والدي …

و تم يختفي وحش و يطارده فريق فرسان. ركضا أريان نحو المكان الذي سقط فيه والده، لكن الأرض كانت خالية... فقط بقع الدماء والهواء المشبع برائحة الحديد الحار. ركض بلا هدف، صراخه يختلط بأصوات المعركة التي تبتعد شيئًا فشيئًا.
-أريان (يصرخ بأعلى صوته): والدي!!!
لكن لم يرد عليه سوى صدى صوته يتردد بين جدران المنازل المدمرة.

مرت الأيام، أو ربما الأسابيع، وهو يبحث عن والدته وأخته الصغرى بين أنقاض القرية، يسأل الناجين الذين بالكاد يستطيعون الإجابة. وجه أمه وصوت ضحكة أخته كانا يتلاشان في ذاكرته، كل يوم يمضي كأنه يمحو جزءًا آخر من ماضيه.

في إحدى الليالي، جلس أريان تحت شجرة محترقة، ينظر إلى السماء الداكنة. لم يتبق شيء من عالمه السابق سوى صدى صرخاته، و جراح لا تلتئم. كان يعلم أن لا أحد سيأتي لإنقاذه.

في صباح بارد كجليد قلبه، وصلت مجموعة من الجنود إلى القرية المدمرة. لم يكونوا هناك للمساعدة، بل لجمع الأيتام والصبية لتجنيدهم. لم يكن لدى أريان خيار.
-ضابط الجيش (ببرود وهو ينظر إلى الأولاد): لديكم خياران... الجوع والموت هنا، أو الشرف في القتال من أجل المملكة.

لم يرد أريان. لم يعد يعنيه الموت أو الشرف. لم يكن هناك شيء ليقاتل من أجله… أو هكذا ظن.

الوصول إلى معسكر الجيش
كانت السماء ملبدة بالغيوم، والهواء يحمل رائحة الحديد والعرق. أُجبر أريان مع مجموعة من الأطفال اليتامى على السير لمسافات طويلة حتى وصلوا إلى بوابات معسكر الجيش. الأسوار الخشبية العالية تلوح أمامهم، وكأنها تحبس الأمل خلفها.
-الجندي المسؤول(بصوت خشن): أنتم هنا الآن، لا مكان للهروب. من اليوم، ستصبحون جنودًا... أو ستدفنون هنا.
نظر أريان حوله، رأى وجوه الأطفال الآخرين مليئة بالخوف واليأس، لكن داخله، كان هناك شعور مختلف... مزيج من الغضب والرفض.

أول تدريب الأطفال و لأريان.
تحت شمس الظهيرة الحارقة، وقف الأطفال مصطفين يحملون أسلحة أثقل من أجسادهم. أريان بالكاد كان يستطيع رفع السيف، ويداه ترتجفان مع كل محاولة.
-المدرب (وهو يصرخ):ارفع السيف، أيها الفتى! هل أنت جندي أم فأر؟

أريان يحاول رفع السيف، لكن يده تخونه ويسقط على ركبتيه. ضحك زملاؤه، خاصة صبي أكبر يُدعى درين، الذي اقترب منه وساخر
-درين: أوه، انظروا! لدينا أمير صغير لا يستطيع حمل سيفه. هل تريد أن نحمله لك؟
تورد وجه أريان بالخجل، لكنه لم يرد. اكتفى بالنهوض ببطء، وعيناه تلمعان بتحدٍ صامت.

في الليلة الأولى، وبينما كان الجميع غارقين في النوم داخل خیامهم اقترب درین برفقة عدد من الجنود من أريان.
-درين(يهمس بخبث): نحن لا نريد ضعفاء بيننا. ربما تجد مكانًا أفضل بين الخدم.
ثم دَفَعَه بقوة إلى الأرض. أريان لم يرد، فقط نظر إلى السماء، يتذكر الليلة التي فقد فيها والده. الألم الجسدي لم يكن شيئًا مقارنة بما فقده.

في صباح اليوم التالي، بينما كان الجميع لا يزالون نائمين، تسلل أريان إلى ساحة التدريب. بدأ يكرر التدريبات التي فشل فيها بالأمس. سقط مرات عديدة، وجُرِح، لكن عينيه لم تفقدا التركيز.

بينما كان يحاول رفع السيف مرة أخرى، مرّ المدرب بجانبه وتوقف للحظة، يراقبه بصمت دون أن يقول شيئًا، ثم أكمل طريقه. كان هذا أول اعتراف صامت بإصرار أريان.

بعد أسابيع من التدريب القاسي، اندلعت معركة ضد مجموعة من الوحوش التي هاجمت أحد القرى القريبة. تم إرسال الجنود الجدد لدعم القوات الأساسية. كان أريان خائفًا، قلبه يخفق بقوة، لكنه تذكر نظرة الوحش الذي قتل والده... تلك الذكرى أطلقت شرارة داخله.

وسط الفوضى، وجد أريان نفسه وجهاً لوجه مع مخلوق ضخم. جسده تحرك بسرعة لم يكن يعرفها، تفادى الضربة الأولى، وانقضّ على الوحش بطعنة دقيقة. الجميع وقفوا مذهولين، حتى أريان نفسه لم يصدق ما حدث.
-درين (مندهشًا وغاضبًا في نفس الوقت): كيف فعلت ذلك؟ أنت... أنت مجرد أضعف جندي رأيته في حياتي!
-أحد الجنود الأكبر (يقترب من أريان بتقدير): هذا الفتى ليس عاديًا... هناك شيء مختلف فيه.

منذ تلك الليلة، تغيرت نظرة الجميع لأريان. لم يعد الصبي الضعيف الذي كانوا يسخرون منه. لكن بالنسبة له، كان كل شيء لا يزال غامضًا. هل هذه القوة نتيجة التدريب؟ أم أن هناك شيئًا أعمق بداخله... شيئًا ما مرتبطًا به، بالشيء ما غير مفهوم الذي لم يره بعد، لكنه يشعر بوجوده في أعماق قلبه.
 

تعليقات

authorX

مؤلفون تلقائي

نظام شراء