رواية يعشقون الكراهية - الفصل الثاني
غريبة في إنجلترا
2025, أدهم محمد
اجتماعية
مجانا
في الهند، تُجبر ناليني على الزواج رغمًا عنها بعد وفاة والديها. تهرب وتتمنى تغيير مصيرها عند بئر أماني، لتجد نفسها فجأة في إنجلترا غريبة. تُتهم بأنها عبدة وتطارَد، وتجد نفسها في عالم لم تره من قبل، مليء بالخطر والغموض، بينما تحاول فهم ما حدث والنجاة، لكنها تجد نفسها محاصرة بواقع مرير وقرارات مصيرية.
ناليني
فتاة هندية تجد نفسها فجأة في إنجلترا بطريقة غامضة بعد تمني أمنية. تواجه صعوبات وتحديات في عالم غريب عنها وتحاول فهم ما حدث لها.جد ناليني
شخصية سلطوية قام بترتيب زواج ناليني دون موافقتها بعد وفاة والديها. يمثل التقاليد والقسوة.عمة مانجو
عمة ناليني التي تلجأ إليها للحصول على نصائح تتعلق بالجمال. تبدو شخصية داعمة ولطيفة.إيشا
صديقة مقربة لناليني، قدمت لها خاتمًا ذا قيمة عاطفية كبيرة. تمثل الصداقة والدعم.

عدى أسبوع من ساعتها، وجدها كان خلاص رتب جوازها من ماهيش. مكنش قالها ولا اتكلم معاها في الموضوع ده أصلاً. هي اللي عرفت من واحدة من خالاتها - الوحيدة في قرايبها اللي مكنتش بتلوم ناليني على موت أهلها. الجواز كان بكرة، وهي طول الفترة دي مابتسمتش ولا حتى طلعت من أوضتها خالص. طلعت تنهيدة وبصت على الصليب اللي كان على سريرها. أهلها كانوا دايماً عايزينلها الأحسن... يا ترى كانوا هيبقوا موافقين على ده؟ ناليني اتنهدت وهزت راسها. مكنش فيه أي فايدة من التفكير في الجواز تاني - كده كده هيحصل. محدش من قرايبها القريبين اتعزم عشان معظم ولاد عمها وخالها عايشين بره. وعشان معظمهم كانوا بيكرهوها وبيلوموها على نفس السبب اللي جدها بيلومها عليه. عشان كده، جزء منها كان مبسوط أصلاً إنهم مش موجودين. ناليني قامت ولبست عشان تخرج. فتحت الباب بالراحة وطلعت راسها تشوف لو فيه حد واقف قريب من بابها. لحسن حظها، الدنيا كانت فاضية، وبعد ما بصت بسرعة على جدها اللي كان باصص على الزينة اللي بتتعلق، ناليني اتسحبت وخرجت من البيت. كتفها نزلت وهي ماشية في طريق ضيق. بصراحة، هي كانت دايماً متخيلة جوازها المتدبر ده هيكون مليان حماس وفرحة... بس الموضوع كان العكس تماماً. لفت شمال ومشيت ناحية بيت عمة مانجو. طبعاً، هي مكنتش عمتها بجد - هي كانت بتقولها كده احتراماً، بس هي كانت بتروح لعمّة مانجو عشان أي حاجة ليها علاقة بتريكات التجميل، من زمان أوي ما تفتكر. بتنهيدة كبيرة، زقت الباب ودخلت بالعافية عشان تستقبلها الهوا الساقع اللي متعودة عليه. "آه، يا ناليني يا حبيبتي! أظن الطلب المعتاد؟" عمة مانجو سألت بابتسامة كبيرة أوي مرسومة على وشها. هزت راسها بالراحة رد، ومكنش فيه أي أثر لابتسامة على وشها. الأحسن إني أبقى شكلي كويس لبكرة. على ما ناليني طلعت، الشمس كانت بتغرب. هي كانت بعتت رسالة لجدها تعرفه مكانها، بس كانت شاكة إنه مهتم. كده ولا كده، هي كانت عايزة تتأكد إنها قالت لحد عشان يعرفوا. وهي ماشية راجعة البيت، عينيها كانت متثبتة على الأرض. يا ريت ربنا يعرف يتكلم. ناليني كانت عايزة تسأله أسئلة كتير أوي. كانت عايزة تعرف ليه قدرها كده وليه هي منحوسة. ليه متخدش شوية سعادة؟ عدت على بيت كانت دايماً بتشوفه، بس عادةً بتكون مع إيشا. كان بيت دايماً بيجيب قشعريرة في جسمها عشان كان شكله مختلف عن كل البيوت التانية - واجهة البيت كانت متدهنة أزرق سماوي، الحيطان كانت مقشرة، وأكتر حاجة مرعبة فيه إن مكنش فيه سقف مظبوط تقريباً. الباب الصاج الصدئ كان بيتأرجح على مفصلات بايظة، و جوا البيت كان شكله ضلمة موحشة. ناليني وقفت مكانها وقطبت حواجبها وهي بتبص جوه. مكنش فيه غير ضلمة، بس ده كان كفاية إنه يخوفها. بلعت ريقها بالعافية وحاولت تلف وتمشي، بس وهي بتاخد كام خطوة لقدام، صرخة وصوت مكتوم مخنوق لفتوا انتباهها. "الحقوني!" صوت ضعيف صرخ. "أنا... أنا مش بعرف أعوم!" لفت راسها بسرعة تشوف الصوت جاي منين، وعينيها وقعت على بئر مية كبير أوي. الغريب إن حتى من هنا، ناليني كانت قادرة تعرف إن الورد والبئر مكنوش باين عليهم إنهم مبلولين خالص. اللافتة اللي عليها حروف باهتة "بئر الأماني" كانت محطوطة تحت. بئر الأماني؟ ناليني قطبت حواجبها. كده فهمت ليه مكنش مبلول، بس مفهمتش إيه اللي بيعمله بئر أماني في وسط حتة سكنية. شكله مكنش لايق على المكان خالص. بئر المية كان متدهن أبيض وفيه طوب بني نحاسي، وكان فيه ورد على الأرض حواليه. جريت ناحيته لما الصرخة رنت تاني، وفهمت إن البنت الصغيرة كانت جوه البئر. عينيها وسعت وبصت لتحت على البنت الصغيرة اللي كانت بتخبط بإيديها ورجليها في المية بخوف ورعب. "يا بنتي الصغيرة! متخافيش، تمام؟ أنا هساعدك!" نادت عليها. البنت رفعت راسها، عينيها كبيرة ومليانة براءة، وقلبها دق جامد من كتر ما كانت كيوت. كان غريب - إزاي وقعت جوه أصلاً؟ ناليني هزت راسها وبصت حواليها. لحسن حظها - ويمكن صدفة كبيرة أوي - كان فيه حبل كبير قريب من البيت اللي بيقع، مربوط في إيد جردل صاج قديم مصدي. الأمور كانت بتزداد غرابة. محدش عاش في البيت ده سنين، وهي مفهمتش ليه البيت فيه جردل وحبل مرميين كده من غير استخدام. بئر الأماني أكيد مش محتاج كده - مش زي أي بئر عادي. لما البنت بدأت تشرق، ناليني طردت شكوكها بهزة راس سريعة وجريت بسرعة على الحاجة دي. فكت العقدة بسرعة وزقت الجردل بعيد قبل ما ترمي الحبل بس لتحت. "بتعرفي تتسلقي؟" سألتها، وكانت بتأمل إنها تعرف. البنت كانت متجمدة من الخوف بس هزت راسها بسيط أوي. بإيدين مرتعشة، مدت إيديها ومسكت الحبل، واستخدمت حيطة البئر عشان تتسلق لفوق زي ما بيتسلقوا الجبال. عشان تشتتها ومتبصش لتحت وتهدي خوفها، ناليني سألت أسئلة. "إيه اللي وداكي جوه ده يا حبيبتي؟" اتضايقت - كان المفروض تشتتها مش تفكرها بالسبب اللي وداها المصيبة دي أصلاً. البنت مبانش إنها متضايقة، مع إنها ارتعشت شوية. "أنا وأخويا الصغير كنا بنلعب بالكورة وهو شاطها جامد أوي فطارت فوق السور ونزلت هنا،" وقفت وكلامها بيقطع. لما وصلت لفوق، ناليني مسكت وسطها قبل ما تسيب الحبل وشدتها لفوق على الأرض. جسمها كله كان بيرتعش من الخوف أو البرد - ناليني مكنتش عارفة. "كان المفروض تقولي لأهلك،" قالت بالراحة وهي بتحاول تدفيها بإيديها. البنت هزت راسها. "كانوا هيزعلوا. عشان كده حاولت أجيبها لوحدي." ناليني اتنهدت. "طيب، خليكي هنا، تمام؟ أنا هجيبلك الكورة." مسكت الجردل وربطته في آخر الحبل ونزلته لتحت. حاولت تحرك الكورة لحد الطرف عشان تعرف تدخلها جوه الجردل، ووطت شوية. لما الكورة وقعت في الجردل، فرحت فرحة صامتة وسحبت الجردل لفوق. مدت إيديها جوه ومسكت الكورة وهزتها جامد عشان تنزل المية الزيادة، ومخدتش بالها خالص من الخاتم المميز اللي اتفك واتزحلق من صباعها ونزل في الجردل. سمعت صوت خفيف بس تجاهلته عشان صوت نقط المية اللي كانت بتخبط في الجردل، وحطت الكورة بالراحة في إيد البنت اللي كانت بترتعش بابتسامة كبيرة. وش البنت الشاحب نور فجأة بسبب الابتسامة الكبيرة وجريت حضنتها جامد. ناليني ضحكت وحضنتها بنفس القوة. وبعدين البنت نطت ومشيت بسرعة وهي بتزعق "شكراً" بصوت عالي وهي بتجري. هزت ناليني راسها على الطفلة ولفت تاني. أدركت حقيقة حياتها المملة وإيه اللي هيحصل لما ترجع البيت، وده أثر فيها جامد وقاومت رغبتها في إنها تتنهد، وكانت متضايقة أوي. ناليني بصت لتحت على البئر، واللافتة "بئر الأماني" كانت تقريباً بتصرخ في وشها. طلعت تنهيدة يائسة وعضت شفايفها وهي بتلف راسها يمين وشمال. بعد ما اتأكدت إن مفيش حد، مسكت شنطتها جامد وهي بتفكر هتعمل إيه. هي مكنتش بتؤمن بآبار الأماني ولا بالسحر - ده كله كان للعب والتسلية. "مش مصدقة إني بعمل كده،" همست لنفسها، مع إنها وهي بتقول الكلام اللي جاي ده وقلبها بيدق بسرعة، كانت عايزة أوي أوي إنه يتحقق. "أنا... أتمنى أعيش في مكان تاني. مكان أقدر أبدأ فيه حياة جديدة بقدر مختلف وممكن كمان أحب،" همست من قلبها. الأمنية بتغيير القدر كانت هتعني إنها مش هتبقى حفيدة جدها. مع إن الأمنية كانت قاسية ومتهورة، مقدرتش تمنع نفسها من إنها تتنهد تنهيدة صغيرة مرتاحة. ده بالظبط اللي كانت محتاجة تقوله عشان تشيل الحمل اللي في قلبها، مع إنها عارفة إن ده عمره ما هيحصل. ومقدرتش تمنع نفسها من الأمل، ناليني وقفت كام ثانية، وقلبها وجعها من كتر ما كانت عايزة الكلام ده يتحقق، بغض النظر عن مدى قسوته. لما محصلش حاجة، ضحكت على نفسها ضحكة مكتومة، قسوة الحياة المريرة بتتراكم عليها زي طوبة فوق طوبة. هزت راسها على أفكارها وأمانيها السخيفة، اتنهدت وفركت إيديها في بعض لما اتجمدت مكانها. ناليني بصت على إيديها. الخاتم اختفى. شهقت ووطت تدور على الأرض بهلع وفوضى. الخاتم ده كان غالي عليها أوي؛ إيشا هي اللي ادتهولها لما أهل ناليني ماتوا عشان تحس بالراحة. وحقيقة إنه كان هدية إيشا خدتها من أمها قبل ما تموت كانت كفاية عشان تبين قد إيه هو مهم وغالي. حاجة غالية وعزيزة كده اتهدت ليها عشان إيشا وثقت فيها، ودلوقتي... راحت ضيعته زي الهبلة. الغلط منها هي طبعاً - الخاتم كان دايماً واسع بس هي مكنتش عايزة ترجعه لإيشا. مكنش معاها حتى فلوس تصلحه. ناليني كانت مرعوبة دلوقتي وهي بتبص حواليها - ده كان الحاجة الوحيدة اللي كانت بتخليها تحس بالهدوء، ولو ضاع هتحس بالذنب طول عمرها. اللي مكنتش واخده بالها منه، إن الحبل اللي ماسك الجردل كان بدأ يتزحلق وينزل تاني في البئر بسبب سطحه الزالق. أنا كان معايا الخاتم وأنا بجيب الكورة بالجردل... يبقى أكيد ضاع مني بعد ما رجعت الكورة للبنت؟ هو ده الصوت اللي سمعته... استني كده، لو مش على الأرض يبقى - أول ما ناليني استوعبت اللي حصل في دماغها، وبشكل تلقائي مدت إيديها عشان تمسكه بس محسبتش عواقب القرار ده، الحبل شدها جامد كأن حد بيشد من الناحية التانية ورجليها اتزحلقت. الثواني اللي بعد كده عدت بسرعة البرق، وبطريقة قاسية وغريبة من القدر، ناليني لقت نفسها بتقع في البئر، وقلبها بيدق جامد في ضلوعها وهي بتقع لقدام. سمعت صرختها المرعبة اللي هزت الدنيا بتردد في حيطان البئر وهي بتقع في المية اللي كانت تلج. وجسمها بيغرق، ناليني حست بخدر كأنها مش قادرة تتحرك خالص. كانت بتفقد وعيها بالتدريج بس كانت لسه حاسة بدقات قلبها السريعة اللي بتحارب تحت صدرها، بتحاول تبعتلها إشارات عشان تحارب، تتحرك، تعمل أي حاجة. بس هي مكنتش قادرة. كل اللي كانت قادرة عليه إنها تشوف الضلمة وهي بتغطي فتحة البئر بالتدريج، وشعاع نور واحد نازل على جسمها كأن السما اتفتحت وبتتكلم معاها. مكنش عندها وقت تفكر إيه الغرابة في كده وفي ظروف اليوم ده كله عشان كانت قلقانة أوي إنها مش هتلحق تقول لإيشا ولكل الناس مع السلامة للمرة الأخيرة، وقلبها بدأ يبطأ والسواد غطى رؤيتها. ...دي هتبقى النهاية. ومكنش فيه أي اختيار تاني، استقبلت الضلمة اللي سيطرت على جسمها وحواسها. ناليني شهقت عشان تاخد نفسها وهي بتطلع من البئر، كانت بتنهج وبتكح وبتطلع مية. إيه اللي حصل ده؟! مكنتش متأكدة بالظبط إيه الوضع؛ كل اللي كانت قادرة تفكر فيه هو دقات قلبها اللي بتخبط في ودانها. كانت بتتنفس بصعوبة ومسحت إيديها على وشها عشان تشيل المية اللي بتنزل. بصت حواليها، لقت نفسها جوه البئر - بس كان مختلف. حواجبها اتقطبت وهي بتدرسه. بدل ما كان أبيض بطوب نحاسي زي ما كانت متخيلة، البئر كان أسود ومبطن بالطوب الأحمر. ناليني هزت راسها بالراحة. مكنش فيه أي تفسير تاني غير خيالها. أكيد كانت شايفة البئر لون تاني طول الوقت. أو يمكن كانت بتحلم. أكيد، ده كان الحاجة الوحيدة اللي منطقية. إيه تاني ممكن يكون سبب إن لون البئر يتغير بسرعة كده؟ رفعت راسها لفوق، فتحة البئر كانت أقرب بكتير ما كانت متخيلة، وده معناه إنه مكنش عميق خالص. طبيعي، طلعت تنهيدة راحة عميقة، ورمشت كام مرة، رؤيتها كانت لسه مش واضحة أوي. موضوع بئر الأماني ده كله كان غالباً مجرد خيال - في الآخر، البئر مكنش عميق أوي كده! ضحكت ضحكة قصيرة على سخافتها ومسكت جامد في طرف البئر، وكان فيه خوف في قلبها إنها هتغرق زي الأول، مع إنه مكنش عميق خالص. الأول، لازم تتأكد إن ده مش حلم. رفعت إيديها، صوابعها المجعدة كانت بتدل على إنها كانت في المية فترة مش قليلة. قبل ما تعمل أي حاجة، عينيها ضاقت على الخاتم اللي كان متثبت حوالين صباعها الكبير. دلوقتي، كانت متلخبطة أكتر. كانت متأكدة إنه وقع، وإن آخر مرة بصت على إيديها مكنش فيه خاتم. يا ترى كنت بتخيل حاجات؟ غالباً كان مجرد حلم، بس إزاي وصلت للبئر في الأول لو ده كان اللي حصل، ده كان فوق استيعابها في الوقت ده. عشان تختبر نظريتها، قرصت دراعها. ناليني صرخت صرخة مكتومة، والصوت اتردد شوية وغطت بقها. كانت عايشة ومش بتحلم! الفكرة دي خلتها تطلع نص شهقة ونص ضحكة وهي بتبتسم لنفسها. شكراً يا رب! ابتسامتها اختفت بسرعة لما فكرت إن ده عملياً قضى على نظريتها إنها كانت بتحلم. حقيقة إن الخاتم كان في صباعها دلوقتي مكنتش منطقية بالنسبة لها. حتى مكنتش فاكرة إنها لاقيته. ناليني هزت راسها - كانت مبسوطة بس إن الخاتم اتلاقى دلوقتي. بالإضافة لكده، كانت خايفة أكتر من جدها لما يعرف إنها مرجعتش البيت في الوقت. هو مكنش بيهتم بس كان مصمم أوي على جوازها، ولو هربت، هيعرفها أكيد وهيبعت عصابته المتوحشة القديمة أو ماهيش ورجالته عشان يدوروا عليها. أو كل ده مع بعض. بسرعة، حاولت تتسلق تاني، بس فقدت قبضتها ووقعت في المية تاني. واضح إن التسلق مش هينفع. لازم تعتمد على صوتها وتأمل إن الناس تكون ماشية في الوقت ده. ناليني اتنهدت بإحباط ونضفت زورها وهي بتجهز صوتها. "الحقوني!" صرخت. "مفيش حد هنا؟! حد يقدر يساعدني أطلع؟" سمعت خطوات سريعة من فوق وبصت لفوق شافت واحدة أجنبية، شهقت. ده خلاها ترفع حواجبها باستغراب، ونسيت للحظة إنها محتاجة مساعدة. إيه... اللي بيعمل واحدة أجنبية هنا في الحتة دي؟ الست مكنتش شبه السياح الأجانب اللي بييجوا الهند برضه. شعرها بني غامق ومفرود من النص وفيه حلقات على جنب راسها، وكانت لابسة بونيه كبير، وشريط بنفسجي مثبته تحت دقنها. ناليني مكنتش عايزة تسأل عن طريقة لبسها - كانت مبسوطة بس إن فيه حد موجود يساعدها. "لو سمحتي ساعديني! أنا لازم أطلع، لو سمحتي!" زعقتلها لفوق، وسمعت صوتها بيرتد من البئر الضلمة. الست بصت عليها بعيون خضرا واسعة. "متقلقيش، أنا... أنا هرجع بسرعة!" لفت واختفى شكلها. ناليني حست إن كتفها نزلت براحة، وهي بتستنى مقدرتش متفكرش في الست دي. كانت بتتكلم بلهجة مختلفة أوي وكمان بتتكلم... بطريقة غريبة. كان غريب؛ الإنجليزي عمره ما كان صوته كده بالنسبة لها. أو يمكن عمرها ما سمعت إنجليزي مظبوط قبل كده؟ مكنتش عارفة تفكر في إيه. في الوقت ده بالظبط، الست رجعت ومعاها راجل كبير فحص ناليني وهي عايمة فوق المية. هي كانت بس عايزة تطلع من البئر وترجع البيت - الوشوش الجديدة دي خوفتها. ناليني مكنتش قادرة تبطل ترتعش من البرد وكانت بتكره إحساس صوابعها المجعدة ووشها الناشف. بصت لفوق تاني وشافت الست والراجل بيبعدوا، وقدرت تسمع همساتهم الخافتة، حتى من مكانها. هما ليه أصلاً محتاجين يناقشوا حاجة زي دي؟ كل اللي كانت عايزة تعمله إنها تطلع من البئر وتكون على أرض أمان. قبل ما تعرف إيه اللي بيحصل، اتخبطت على راسها بحاجة جامدة، بس مش مؤلمة. بصت لتحت، شافت حبل تخين وقوي في المية قدامها. عينيها رفعت وشافت الراجل بيشاور عليه وماسك طرف الحبل التاني في إيده التانية. "امسكي الحبل!" زعق، ونبرة صوته كانت... مقززة. إحساس مش مريح لف جواها من نبرة صوته الكريهة. مكنتش بتحب تحس إنها عبء على الناس ووعدت نفسها إنها هتعتذر له بعد ما يطلعوها بأمان. كان فيه شدة قوية في الحبل، وعلى طول حطت رجليها الاتنين على جنب البئر، وبدأت تطلع كأنها بتتسلق حيطة صخرية، وهما بيشدوا. لما وصلت لسطح البئر، سابت الحبل عشان تمسك الحافة، والست خطت لقدام ومسكت دراعاتها وجرتها لبره. "أ... أنا آسفة،" قالت بصعوبة، وصدرها كان بيعلى ويوطى كأنها هي اللي كانت بتشد. ناليني وقعت على الأرض وقفلت عينيها. الأرض الناشفة كانت زي الجنة بالنسبة لها في اللحظة دي. مكنتش مصدقة إنها لسه عايشة وطلعت ضحكة مكتومة. يا إلهي، كل حاجة تمام! لما فتحت عينيها وزقت نفسها عشان تقعد، عينها جت في عين الراجل وشافته وهو بيرجع لورا ووشه مكشر باشمئزاز. التعبير اللي كان على وشه، مع إنها حتى مكنتش تعرف الراجل، لسه وجعها، بس مقالتش حاجة. يا ريت مكنتش حساسة وخايفة من الأجانب كده، كانت هترد عليه في ساعتها. كتفها اتفردت شوية بس كان صعب عشان كانت بترتعش من الهوا البارد اللي كان بيخبط في جسمها المبلول. "أنتي كويسة؟" الست سألت بقلق. سؤالها الهادي وصل لناليني، بس كأنها مسمعتش. أفكارها كانت في مكان تاني - زي إنها لسه عايشة وبخير ودلوقتي لازم ترجع بيت جدها وهي مبلولة كلها. فجأة، قامت وقفت. "يا إلهي، لازم أرجع البيت!" "البيت؟" الست كررت الكلام وهي معقدة حواجبها. "يعني عايزة تقولي إنك عايشة هنا كمان؟" ناليني اتفاجئت من كده. إيه اللي كانت تقصده بكده - يا ترى الست الأجنبية دي عايشة في الحتة بتاعتها؟ لو كده، إزاي عمرها ما شافتها قبل كده؟ لما لفت راسها عشان تبص حواليها لأول مرة، لقت نفسها في مكان غريب. حواجبها اللي كانت مرفوعة نزلت بالتدريج وبقت مكشرة وهي بتدرس المكان. كانت سامعة صوت صرير العربيات وصوت لجام الخيل، بس كمان صدى بعيد لصوت دقات القطر المنتظمة. المكان اللي حواليها مكنش شكله زي الهند خالص. الهوا كان ساقع ومنعش بس كان بيقرص جلدها اللي لسه مبلول. كيرالا كانت حر ورطوبة، مش برد. إيديها كانت بتعرق وقلبها بدأ يدق بسرعة كأنه بينذرها بحاجة مجهولة. الغريب كان الريحة - مع إنها كانت منعشة ومبسوطة، كان فيه كمان ريحة غريبة خفيفة؛ كانت ريحة الخيل اللي بتجر العربيات، زي ما خمنت. بس لما بصت حواليها، استنتجت إن المكان ده أكيد مش الهند ولا الحتة بتاعتها. لفت على جنب، كان فيه جنينة خضرا فيها تماثيل ونافورة سودة كبيرة أوي في النص بالظبط، بترش كميات كبيرة من المية في كل مكان. الناس اللي كانوا ماشيين كانوا كلهم لابسين كويس ولابسين لبس عمرها ما شافته في حياتها التلاتة وعشرين سنة. كان شبه اللبس اللي كانت لابساه الست اللي قدامها، اللي قربت منها بحذر، كانت لابسة فستان مكشوف الكتف بنقشة ورد، ومبين بشرتها المنورة، والراجل كمان كان لابس لبس غريب؛ كان لابس معطف طويل بينتهي عند نص ساقه وقبعة كبيرة. عين ناليني وسعت من ده. يا ترى دي حفلة تنكرية؟ كانت فكرة سخيفة طبعاً، عشان نادراً ما كان فيه حفلات تنكرية في المكان اللي هي منه، وحتى لو كان فيه، كانت شاكة إن هيكون فيه أجانب أكتر من الهنود. كانت عايزة تسألهم عن الموضوع ده بس مكنتش عايزة تبان سخيفة بسؤالها. يعني، مستحيل تكون سافرت مكان تاني بمجرد إنها وقعت في بئر أماني! ...صح؟ ناليني مبقتش متأكدة من الإجابة، وفجأة، إحساس بالخوف اتجمع في بطنها. يمكن كانت الأمنية اللي اتمتها بغباء ونطقتها. عضت شفايفها وهي بتفكر. الأمنية اللي قالتها للبئر من قلبها - يمكن فعلاً اتحققت. متكونيش سخيفة؛ دي مجرد أسطورة للأطفال! ناليني هزت راسها على سخافتها. حاجة زي دي عمرها ما بتحصل في الحياة الحقيقية. حياتها مش فيلم. ده كله مجرد حلم. لازم يكون كده. ده التفسير المنطقي الوحيد لكل ده. بلعت ريقها وبصت على الست اللي كانت مستنية بصبر، والقلق باين على ملامحها. الراجل مبانش إنه مهتم. في اللحظة دي ناليني لاحظت بجد العربة الضخمة اللي وراهم هما الاتنين؛ شاب ماسك اللجام وقاعد فوقها، وحصانين سمر بينهقوا وكمان مستنيين بصبر. السواق بص عليها بصه جانبية بلامبالاة وبعدين حول عينيه بسرعة. ناليني كانت تقريباً حاسة بالتوتر في الجو، من رد الفعل البسيط ده ليها. "أنتي حاسة إنك كويسة؟ شكلك مجهدة!" الست صرخت، وصوتها قطع أفكارها. ناليني هزت راسها بالراحة، والحركة دي سببت ألم طلع في راسها. اتألمت بس قدرت ترسم ابتسامة صغيرة. الحمد لله إنهم كانوا هما الاتنين موجودين عشان ينقذوها، مين عارف كانت هتبقى لسه في البئر لو مكنوش ظهروا. "أنا كويسة دلوقتي، بس... إزاي سمعتوني وأنتوا كنتوا في عربية؟" سألت بفضول حقيقي. عين الست لمعت باستيعاب وابتسمت بلطف. "كان مجرد حظ محض، أقدر أقول كده،" قالت بتنهيدة ارتياح، "واحد من الحصنة مكنش كويس وبينما كانوا بيهتموا بيه، أنا نزلت أشم شوية هوا نقي. مش قصدي أتباهى، بس لو مكنتش نزلت، أكيد مكنتوش هتلاقوني. أنا عارفة إن مش ناس كتير بتمشي هنا." ناليني طلعت نفس عميق براحة والدموع اتجمعت في عينيها. شكرت ربنا إنه جاب الست دي ليها في اللحظة دي بالظبط. مجرد فكرة إنها مكنتش هتبقى عايشة لو الست دي مكنتش موجودة... جابتلها قشعريرة، ومكنتش عشان كانت بردانة برضه. وقفت على رجلين مهزوزة، ناليني ضمت كفوف إيديها، وابتسامتها كانت مهزوزة. "شكراً جزيلاً،" قالت. الست ردت ابتسامتها بابتسامة منورة. "مش محتاجة تشكريني،" قالت بالراحة وهي بترفع إيديها الرقيقة بإشارة استخفاف. "أنا بس عملت اللي أي حد كان هيعمله." "بس برضه،" بدأت ناليني وهي بتحاول متضحكش على الموقف الغريب أوي اللي لقت نفسها فيه، "مش عارفة كنت هعمل إيه لو مكنتوش موجودين." كل عضلات جسمها المشدودة بدأت ترتخي، بس راسها لسه وجعاها. يا ترى اتخبطت في راسها؟ حتى مش فاكرة... كل حاجة كانت مشوشة، بس هيكون منطقي لو وقعت على راسها الأول. بس مش المفروض الخبطة دي كانت تقتلها ساعتها؟ كانت متلخبطة أوي من اللي بيحصل. مكنش فيه أي منطق. كان فيه صمت قبل ما الست قطعته. "هل لي أن أكون فضولية وأسأل... من أين أنتِ؟ لا تبدين أو تتحدثين وكأنكِ من هنا،" الست سألت بأدب، والحلقات اللي في شعرها بتتحرك بسيط وهي بتميل راسها. ناليني بلعت ريقها تاني، مش عارفة ترد ولا تقول إيه. "إيه... إيه المكان ده؟" قالت، وجاوبت على سؤالها بسؤال تاني. اتضايقت من إن ده ممكن يكون قلة أدب، بس سكتت، مستنية رد بدلًا من كده. الست كشرت؛ شكله مكنش طبيعي على وشها الأبيض الخالي من العيوب. "أليس لديكِ أي ذكرى عن مكانكِ؟" لما ناليني هزت راسها بالراحة، الست ردت، "هذه إنجلترا." بدت قلقانة على ناليني تقريبًا، مع إنها كانت غريبة تمامًا. بس لما كلماتها وصلت لدماغها، قلبها وقف ونفسها انقطع. لأ. ممكنش تكون في إنجلترا. أكيد كانت في مكان تاني، بس إنجلترا؟ إزاي ده ممكن يكون؟ عينيها بصت لفوق للسما وبصت على الغيوم البيضاء المنتفخة. أنا عارفة إنك فوق يا رب، أرجوك قلي إيه اللي بيحصل؟! بصت تاني على الست، اترددت. "إزاي ده ممكن يكون إنجلترا؟ أنا من... الهند." عين الست وسعت وبصت بسرعة على الراجل اللي كان واقف بعيد عنهم شوية، وعينيه ضيقة وهي بتقابل عين ناليني. الست لفت تاني، وعينيها دلوقتي فيها رعب، وبدأت تحللها. "الهند؟" همست. "ده يفسر طريقتكِ الغريبة في الكلام،" تمتمت لنفسها قبل ما عينيها ترجع بسرعة لعين ناليني. "إذن، لابد أنكِ أمة." عينها وسعت، وبقها اتفتح. "إيـ..." "حسنًا، يجب ألا تذكري من أين أتيتِ لأي شخص! الكثيرون لا يحبون الملونين وسوف يقومون إما بشحنكِ بعيدًا أو استخدامكِ كعبدة غير قانونية." التحذير اللي في صوتها، سبب ذعر لناليني. "بس مش هيقدروا يعرفوا إني ملونة بمجرد النظر إليّ؟" الست عضت شفتها التحتانية وهزت راسها. "هذا صحيح، ولكن إذا لم تذكري ذلك، فلن يكون لديهم أي دليل، ولن يكون عليهم أي واجب في اتهامكِ. سيعتقدون أنكِ ولدتِ وترعرعتِ هنا." ناليني بلعت ريقها. ده بدا وكأنه مهمة مستحيلة! هي بوضوح مش بيضا، وكمان مش أحسن كذابة. فكرة إنهم يشحنوها تاني مبقتش تبدو سيئة أوي دلوقتي، بس المشكلة الوحيدة هي إنها مش عارفة هيشحنوها فين. وإنها تكون عبدة لحد دي مكنتش فكرتها عن المتعة. لو ده هيكون قدرها، كان الأفضل تتجوز ماهيش وخلاص. إزاي ده بيحصل في الدنيا؟ الحلم ده بدأ يخرج عن السيطرة، وهي مش عارفة تصحى. بدأ يخوفها. ناليني حست بعيون حد عليها، ولما لفت، قابلت عيون الراجل الحادة المليانة كراهية، وده خلى عينيها توسع. خطت خطوة بسيطة على جنب، وخبّت رؤيته ليها بالست اللي قدامها. دلوقتي وهو مش شايفها، ارتاحت كفاية إنها تتنفس. مع إن جلدها كان بيقشعر من إحساس عيونه عليها، حاولت تتجاهل ده بالتفكير في وضعها الحالي. من الواضح إنه حلم بتحلمه. غالباً كانت فاقدة الوعي وموجودة على الأرض في الهند. بس كل حاجة بدت حقيقية أوي. "على أي حال،" صوت الست قطع أفكارها، "ماذا كنتِ تفعلين في بئر الأماني هذا بحق السماء؟!" عينيها الخضرا زي لون الغابة كانت واسعة من الحيرة. ناليني طلعت نفس طويل من بقها، وحست أخيراً بالإرهاق من الموقف كله بيغمرها. "دي قصة طويلة أوي. كنت بساعد بنت صغيرة وقعت في البئر وبعد ما مشيت بوقت قصير، ضيعت حاجة وبدل ما امشي عملت قرار غبي ووقعت،" قالت وهي حاسة بالغباء بس مش فارق معاها أوي عشان جسمها كان تعبان وموجوع. تعمدت إنها محكتش الجزء اللي حصل في الهند. الست غالباً هتشوفها مجنونة. إيد رقيقة طلعت غطت بقها وهي شهقت. "لا أستطيع تخيل حدوث مثل هذا الظرف لي. حقًا، أنتِ بطلة!" ناليني هزت راسها بسرعة برفض. "لـ لا، أبداً! لو اعتبار محاولة إنقاذ حبل وجردل بطولة يبقى أعتقد إني بطلة،" هزرت رغم الوضع المأساوي. شفايف الست اتفردت في ابتسامة واسعة، مع إن عينيها اتصلبت شوية بس ده اختفى بسرعة لما الراجل نضف زوره بضيق من وراهم. الست عضت شفتها، وعينيها بتتحرك من جنب لجنب. ناليني فتحت بقها عشان تسألها لو كانت كويسة وليه شكلها متوتر كده بس سكتت لما الست فردت ضهرها ولفت، وكلمت الراجل اللي كان واقف قريب منهم وبيراقبهم. "يمكنك الذهاب الآن يا غابرييل،" قالت بنعومة. "أنا ممتنة للغاية لأنك جئت لمساعدتها." الراجل اتردد وعينيه ثبتت عليا، بتدرس وشي. "يا سيدة آينسورث، بالتأكيد تعلمين أن هذه المرأة ليست من هنا؟ وتبدو مريبة للغاية. لا يوجد تفسير لوجودها في بئر." غابرييل لف على كعبه. "سأحضر الحـ-" السيدة آينسورث دي رفعت إيديها ووقفته. "لن تفعل مثل هذا الشيء!" صاحت فيه. "يجب ألا تسألني يا غابرييل، لأني أعلم أن هذه المرأة ليست خطرًا علينا على الإطلاق." كان هيبدو تهديدًا، لولا الابتسامة اللطيفة اللي مزينة وشها. غابرييل جز على أسنانه، ووشه احمر زي الطماطم في ثواني. النقاش ده كله كان بيخلي ناليني تحس بالذنب. كانوا بيتخانقوا بسببها، بس ده كمان خلاها تتغاظ. إيه الحق اللي عند غابرييل إنه يقول عليها "مريبة"؟ مكنش فيه أي حاجة فيها مريبة! على الأقل، هي مكنتش فاكرة إن فيه. كل اللي حصل إنها وقعت في بئر - إيه اللي مريب في كده؟ اتساءلت لو كان المفروض اتكلمت عن الموضوع ده، بس فضلت ساكتة لما غابرييل فضل يتكلم بغضب. "يجب شحنها إلى حيث أتت..." تلعثم لما الست بصت له بحدة. بمجرد النظر للاثنين، ناليني قدرت تعرف إن السيدة آينسورث شخصية ليها نفوذ كبير، مقارنة بالراجل، وحتى اسمها بدا رسمي وراقي. كان عندها وش لطيف بيضاوي، وتصرفاتها كانت رسمية ورشيقة - بس هي والموقف ده كله قدروا يجيبولها قشعريرة في ضهرها. من غير ما تقول أي حاجة تانية، الراجل حنى راسه وبعدين مشي. السواق لسه قاعد مكانه، ثابت زي التمثال، وناليني اتساءلت لو كان بيتحرك أصلاً. أفكارها الشاردة اتقطعت لما السيدة آينسورث لفت ورجعتلها، فستانها اللي على شكل جرس بيتهز وعينيها الخضرا زي لون الغابة فيها ضيق. "أنا آسفة بشأن غابرييل؛ يجب ألا تأخذي الأمر على محمل الجد،" بدأت بلطف، وعينيها بتلين، "لأنه جاهل بهذه الأمور. هو وكثيرون غيره يحتقرون الملونين، ولو تركته يفعل ما يريد، سيقوم بحملك على متن سفينة وشحنك إلى حيث أتيتِ. أنا متأكدة تمامًا أنكِ لا تريدين ذلك،" همست. "لذا أنا أحثكِ، يجب أن ترحلي وتجدي مأوى قبل أن يتم العثور عليكِ." ناليني رمشت بالراحة، بتحاول تستوعب اللي بتقوله وهي بتنصت بانتباه. مكنش عندها أي مأوى، بس مقدرتش تقول للست كده. الست دي كانت طيبة أوي، وناليني كانت متأكدة إنها هتعرض المساعدة، بس هي مكنتش عايزة ده. مكنتش بتحب تثقل على الناس خالص. كل يوم في حياتها مع جدها، مكنتش بتقدر تبطل تحس بالذنب لأنها كانت عارفة إنها عبء عليه. ده كان واحد من الأسباب اللي خلتها متقدرش تفضل زعلانة منه؛ رغم تصرفاته المسيئة ليها، كان لسه بيهتم بيها. طبعاً، الحلم ده مكنش زي واقعها خالص. مكنتش عبء دلوقتي، بس كانت غريبة. مكنش فيه شك في ده؛ كانت بارزة زي الإصبع الموجوع، خاصةً إنها كانت لسه لابسة الشروال المبلول أوي وكانت هندية. الفكرة دي خلتها تعض على شفتها بقلق. آخر حاجة كانت عايزاها، إن الناس يحكموا عليها في بلد غريب وهي أصلاً محكوم عليها في بلدها على حاجة معملتهاش. بس لحسن الحظ، ده كان لسه حلم. وده معناه إن أي حاجة عملتها أو قولتها، مش مهمة أوي. صح؟ هزت راسها عشان تبعد الأفكار دي. مكنش ده الوقت المناسب للتفكير في كده عشان ده لازم يكون حلم! ناليني سمحت لعينيها تبص حواليها، وفي اللحظة دي أدركت إن كل الناس كانوا بيض. اتساءلت إزاي ده ممكن يكون حتى في القرن الواحد والعشرين في إنجلترا، كان فيه ناس ملونة، خاصة الهنود. كان فيه هنود كتير هناك، كانت عارفة. صداع بدأ يدق في دماغها بعشوائية وهي بتفكر بجدية. رفعت إيديها ودلكت راسها، مكنتش عايزة تفكر في معضلتها الغريبة دي كتير. فجأة رؤيتها بدأت تغبش وترنحت على رجلها، بس تماسكت بلمسة دافئة من الست اللي قدامها. السيدة آينسورث بصت في عينيها بقلق. "يا إلهي، أنتِ سخنة!" ناليني هزت راسها. "لأ، أنا كويسة يا سيدة آينسورث!" قالت بسرعة أوي. "لأ، لأ، أرجوكِ لا تناديني هكذا!" صاحت برعب وناليني اتضايقت وابتسمت باعتذار. "يجب أن تناديني تشاستيتي،" قالت بابتسامة جميلة. ناليني حست بإحراج وغرابة - كل حاجة بدت مش حقيقية أوي، بس من غير ما تسأل عن حلمها، مشيت مع التيار بدلًا من كده. وطت صوتها وقالت، "حـ حسنًا. أنا بس محتاجة أرتاح شوية... يا تشاستيتي." ناليني حاولت تطلع ضحكة بالعافية من شفايفها الناشفة ومن نظرة تشاستيتي، قدرت تعرف إنها مكنتش مصدقة خالص. "حسنًا، تم الأمر!" صاحت تشاستيتي بابتسامة منورة وعينيها وسعت. تم؟ إيه اللي تم؟ "يجب أن تأتي معي ويمكنكِ أن تستريحي قدر ما تشائين حيث أعيش،" أصرت بابتسامة صغيرة وهي ماسكة إيد ناليني جامد. كانت عايزة تضحك على إن تخمينها إن الست دي طيبة أوي وهتعرض المساعدة كان صح، بس امتنعت عن كده عشان مكنتش متأكدة لو ده مناسب ولا لأ. ناليني فتحت بقها عشان ترفض عرضها الطيب في نفس الوقت اللي عينيها راحت فوق كتف تشاستيتي. المنظر اللي قدامها خلى شهقة صغيرة تطلع من شفايفها. كان فيه غابرييل، ماشي بغضب ناحيتهم وراه، ماشي كام حارس، بيبصولها. الهوا اللي طلع من شفايف ناليني خلى تشاستيتي تلف هي كمان وتطلع شهقة صغيرة. "يا إلهي،" تمتمت تشاستيتي. بصت لناليني بنظرة مرعوبة. "يجب أن تهربي! من يدري ماذا قال غابرييل لهؤلاء الرجال؟!" مش عارفة أهرب فين! كانت عايزة تقول كده بس منعتها. الجري من غير هدف كان الحاجة الوحيدة اللي ممكن تعملها في الوقت ده، ومبانش إنها فكرة وحشة برضه. راس ناليني كانت بتلف وتدور وتشاستيتي خطت لقدام بسرعة عشان تشتت انتباه الرجالة. "تفضلوا من فضلكم، يا سيدة آينسورث. ما شأن الزنجي بالتسكع هنا؟!" زمجر غابرييل. عين ناليني وسعت. زنجي؟ كان فيه أسئلة كتير أوي عايزة تسألها، بس مقدرتش. "لابد أنها أتت بطريقة غير قانونية، وسوف نتأكد من إعادتها على الفور. إما ذلك، أو يمكنها أن تأتي لتعيش معنا وتنظف من ورائنا. يمكنها أن تختار بكل سرور،" أضاف واحد من الحراس. أول ما سمعت صوت تشاستيتي وهي بترد، استغلت انشغالهم وجريت بأسرع ما يمكن. لما انطلقت، الرجالة زعقوا لها عشان تقف ورجليهم اللي لابسة جزمة كانت بتخبط في الرصيف وراها. كانت بتتلوى بين الناس، زي الأفلام الأكشن، بس في الحلم ده، مكنش فيه أي متعة. جريت في البلد الغريبة، بمباني قديمة ليها نهايات مدببة وزخارف فوق الشبابيك محاوطاها، مكنش عندها وقت تبص لفوق وتعجب، حتى في حلمها. رجليها كانت بتقولها تقف، بس دماغها كانت بتقول عكس كده. كأنها مش قادرة تقف، حتى لو عضلاتها كانت بتصرخ من الألم. طبعاً، موقفتش؛ حتى لما كادت تصطدم بعربة متحركة. واضح إنها مكنتش في وعيها، اعتذرت للحصان بدل السواق، بس طلعت ابتسامة خجولة لما السواق ابتسم بمتعة. مكنتش في كامل وعيها، ده كان أكيد! الحاجة الوحيدة اللي كانت قادرة تفكر فيها وهي بتجري زي المجنونة، هي ليه بتحلم الحلم ده ويا ترى البنت الصغيرة كانت آمنة ولا لأ. مكنش عندها وقت تفكر في أي حاجة تانية بسبب الرجالة اللي بيطاردوها. كل اللي كانت عايزة تعمله إنها ترتاح وتصحى تاني. لو ده كان حلم، فده كان حلم غريب عمرها ما كانت عايزة تشوفه تاني.
تعليقات
إرسال تعليق