رواية يعشقون الكراهية

يعشقون الكراهية

2025, أدهم محمد

اجتماعية

مجانا

تجد ناليني الشابة نفسها أسيرة كراهية جدها القاسية وتحكماته، محمّلة بذنب لم ترتكبه. يُجبرها على الزواج من رجل وقح وكبير في السن يُدعى ماهيش للتخلص منها. تتصارع ناليني بين واجبها تجاه جدها ورغبتها في الحرية والتعليم، وتواجه قسوة وظلمًا يجعلها تتمنى حياة أخرى، لكنها تجد نفسها محاصرة بواقع مرير وقرارات مصيرية.

ناليني

تبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عامًا، تعيش تحت قسوة جدها الذي يحملها مسؤولية وفاة والديها. تجد نفسها مجبرة على الزواج من رجل لا ترغب به، وتتوق إلى الحرية واستكمال تعليمها.

ماهيش

يختاره جد ناليني ليكون زوجها. يظهر سلوكًا غير لائق وتصريحات مبتذلة، وناليني تشعر بالاشمئزاز من فكرة الزواج به.

إيشا

صديقة ناليني المقربة من الكلية، تحاول دعم ناليني وتقدم لها النصح، وتغضب بشدة عندما تعلم بخطط زواجها من ماهيش.
تم نسخ الرابط
رواية يعشقون الكراهية

ملاحظة: زي كل حكاياتي، الأحداث هتبدأ بالراحة شوية، معلش بس والله الدنيا هتحلو لقدام! :D استمتعوا!
-----
ناليني ما كانتش بنت قوية. طول عمرها حساسة، حتى لو كانت بتحاول ما تبينش ده. بتحاول، ودي الكلمة المهمة. عمرها ما عرفت تعملها صح، دايماً كانت بتتصرف زي الأطفال. ده كان عيب فيها عمرها ما عرفت تخلص منه.

عيبها الأسود ده بان قوي في اللحظة دي وهي بتبص على جدها والدموع نازلة على خدها شلال.

في السنين اللي كانوا "بيراعوا" فيها بعض، دي كانت أول مرة يغمى عليه، وهي ما قدرتش غير إنها تقلق عليه قوي لما شافته عامل إزاي، وشه مخطوف كأنه ميت. ومهما ورته حبها ووقفت جنبه، هو برضه كان بيكرهها وبيحملها ذنب موت أهلها.

ناليني كانت عارفة إن اللي حصل زمان ده ما كانش غلطها، بس هو عمره ما اداها فرصة تدافع عن نفسها.

كان بيبين كرهه بالإهانة؛ عمره ما لمسها بصباعه، بس ما كانش فيه يوم بيعدي من غير ما يبهدلها بالكلام. من جسمها لوشها لحياتها ومستقبلها—كل ده كان بيتريق عليه.

ساعات، لما كانت بتتعصب قوي وترد عليه، كان ممكن يوصل إنه يطردها بره البيت وما ياكلهاش طول اليوم.

لحد قريب بس، الإهانة دي وقفت، لسبب غريب. كانت خايفة شوية إنه يكون بيدبر لحاجة، بس ما كانتش فاكرة إن جدها ممكن يكون شرير للدرجة دي.

عينيها رجعت بصت عليه تاني لما بدأ يتحرك. ولما فتح عينيه وبص في وشها، وشه اللي كان مرتاح اتشنج وعينيه ضاقت.

حاولت تتجاهل النظرة الحادة اللي كان بيبصها بيها واتكلمت.

"إنت عامل إيه دلوقتي يا جدو؟"

طنشها وراح زاقق نفسه عشان يقعد على سرير المستشفى.

هي جريت بسرعة لقدام عشان تساعده يقعد، بس هو شد إيده منها ولف بجسمه الناحية التانية كأن وجودها مقرفه. رد الفعل ده وجع قلبها قوي وسحبت إيديها بالراحة وعينيها بتوجعها.

ناليني قعدت تبص في وشه وهو باصص على حجره وإيده بتترعش. كان شكله وحش قوي؛ كان عنده هالات سودة تحت عينيه وجسمه أرفع من العود. وشه كان لونه رمادي مريض.

"يا جدو؟" سألته بصوت مهزوز فيه شك.

"ما تقوليش كده،" الصوت اللي طلع منه كان مبحوح ومر. "أنا بطلت أبقى جدك من اللحظة اللي قتلتيهم فيها، يا بت يا غبية."

ناليني طنشت كلامه ده. قاومت الرغبة إنها تمد إيدها وتمسك إيد جدها جامد. مع إنه كان بيهينها بالكلام وبيطنشها كتير، ما كانتش عايزة تخسر العيلة الوحيدة اللي باقية لها في حياتها.

الباب بتاع الأوضة اتفتح ودخلت ممرضة صغيرة. ناليني بصت عليها على طول، كانت بتمنى تسمع منها أي خبر كويس عن حالة جدها. عيون الممرضة الهادية بصت في عينيها.

"ما تقلقيش يا حبيبتي،" قالت وهي بتشوف ناليني عمالة تلعب في صوابعها بتوتر، "هو كويس خالص وممكن يروح البيت دلوقتي حالا."

كتفها نزلت براحة وطلعت نفس طويل، عضلاتها اللي كانت مشدودة ارتخت في ساعتها تقريباً. كانت متأكدة تقريباً إن الممرضة هتقول عكس اللي قالته بالظبط.

بس الكلام اللي طلع من بقها ريحها قوي، عشان لو كان حصل له حاجة، ما كانتش هتعرف تعمل إيه—كانت هتفضل لوحدها في البيت الضلمة ده، أو حتى ممكن يرموها في الشارع عشان تدبر نفسها.

هي كانت بتهتم بيه، بس بصراحة كانت بتحب جدها جزء صغير قوي منه بس. مش معنى كده إنها بتكره وجوده كله أو أي حاجة؛ دي الحاجات اللي كان بيقولها وبيعملها هي اللي عملت مسافة بينهم. ما كانتش عايزة تكره جدها خالص. بس حتى كرهه كان صعب، عشان كانت بتحس بالذنب على طول بعد كده عشان حاسة الإحساس ده. عشان كده، كانت دايماً بتعمل اللي عليها عشان ما تزعقش أو ترد عليه لما كان بيتعصب. وده كان بيحصل كل يوم تقريباً.

ناليني فاقت من شرودها لما الممرضة قالت لها تطلع بره شوية. مشيتها البطيئة وعينيها اللي كانت تقيلة بانوا في دماغها أخيراً. ما كانتش حاسة بالتعب ده كله غير ساعتها.

كانت جريت على المستشفى على طول بعد ما خلصت محاضراتها، واستنت حوالي ساعة عشان تعرف حالة جدها، وده كان بيغيظ قوي.

ناليني عضت على شفتها اللي تحت وهي بترمي نفسها على الكرسي اللي بره أوضته. التعب غلبها خالص وسندت راسها على الحيطة.

بعد شوية، الممرضة فتحت الباب وجدها خرج بيعرج، كان مغير لبس المستشفى ولابس قميصه القطن البني ولونجيه بتاعه زي العادة.

رفض حتى يبصلها.

فضل برضه رافض يبصلها حتى لما ناليني قامت بسرعة من الكرسي ومسكت دراعه. هو اتنفض لما لمسته، بس ما قالش حاجة.

بعد ما اتكلمت مع الممرضة ومضت على ورقة في حافظة، ناليني مشيت بجدها بالراحة برا المستشفى. أول ما خرجت، الهوا الساقع اللي كان مغطيهم جوه المستشفى اختفى وحل محله الحر والرطوبة المعتادة بتاعة كيرالا.

كأنه كان بيتلوى حوالين جسمها وماسك في جلدها، مخليها مش مرتاحة. مع إنها عاشت هنا طول عمرها، عمرها ما اتعودت على الجو ده، وغالباً عمرها ما هتتعود.

مع إنها لازم تعترف بحاجة: ما كانتش بتعرق زي السياح اللي كانوا بييجوا يزوروا—كانوا بيبقوا غرقانين عرق وهي دايماً كانت بتقاوم الرغبة إنها تضحك، وكانت بتحس بالذنب شوية عشانهم.

أول ما اختفوا من النظر تقريباً، جدها نفض إيديها من عليه ومشي لقدام، وده خلى ناليني تتنهد.

شورت لتوكتوك وركبت، وكانت مستمتعة بالهوا اللي كان بيخبط في وشها ويبردها بسبب سرعة التوكتوك.

لفت راسها ولاحظت إن جدها سرحان خالص ومش واخد باله إنه عرقان جامد. عدلت قعدتها وحاولت تشاور له إنه ممكن ياخد مكانها.

"أنا مش عايز شفقتك،" قالها بحدة.

"يا جدو، أنا ما كنتش—"

"لو قلت لي كده تاني، هخليكي تنامي بره." بص لها بغضب شديد. "عايزة اللي حصل إمبارح بالليل يتكرر؟"

ناليني طبقت على سنانها جامد، بتحاول ما تعيطش أو ترد عليه بأي كلمة. بدل كده، هزت راسها بالراحة ولعبت بالخاتم الواسع اللي في صباعها. هو اتنهد ودلك جبهته بإيده اللي كانت بتترعش.

عضت على لسانها، بتحاول ما تدافعش عن نفسها. كانت عارفة إنه راجل كلمته سيف ومش مجرد تهديد.

الهوا كان تقيل ومليان توتر قبل ما صوته يقطعه.
 
 
 
 "إيه رأيك في الجواز؟"
السؤال المفاجئ ده فزعها. حواجبها اتقطبوا وعملوا كسرة باينة بينهم. ما كانش بيبص عليها. بالعكس، كان باصص على المنظر اللي بره وهما ماشيين.

"جواز؟" كررتها وهي حاسة إن صدرها بيتخنق عند الفكرة. الكلمة لوحدها شايلة مسؤوليات أكبر من أي حاجة عرفتها. "أنا شايفة إن الجواز حاجة عظيمة ومقدسة. ليه بتسأل؟"
كام ثانية سكوت عدوا.
"أنا بفكر في الموضوع ده بقالي شوية ووصلت لقرار." لف وبصلها بعيون غامقة. "إنتي عندك تلاتة وعشرين سنة. أنا مش عايز أراعيكي أكتر من كده، كل شوية أتفكر بموت أهلك من سنين طويلة. أنا شايف إن وقت جوازك جه؛ تبقي مشكلتهم هما من دلوقتي."
عينين ناليني وسعت وشهقة مكتومة طلعت من شفايفها. ما كانتش مصدقة إنه قال كده، مع إنها عارفة إنها ما ينفعش تستغرب قوي.
ده كان كلام ممكن جدًا يطلع من جد، بس برضه وجعها أكتر. ده غير إنها ما كانتش عايزة تتجوز دلوقتي—لسه بتدرس وكان حلم أمها إنها تخلص الكلية وتاخد شهادة.
كمان ما كانتش عايزة تسيب جدها لوحده؛ كان بيعاملها وحش، بس للأسف كان برضه جدها وكبير في السن.
"بس لو اتجوزت، هتبقى لوحدك خالص،" قالت وهي مكشرة وباصة على إيديها اللي بتترعش. مجرد فكرة جوازها فجأة خلت قشعريرة ساقعة تمشي في ضهرها.
زمجر وهو مطنش سواق التوكتوك اللي كان بيبص عليهم من المرايات الجانبية.
"يا هبلة، فاكرة إني محتاجلك؟ هبقى كويس لوحدي،" قال قبل ما يضيف، "وكنت كويس قبل ما تيجي أصلاً."
عينيها اتملت دموع ما نزلتش. قلبها كان بيحرقها نار ما عرفتش تطفيها. كانت بتاكل فيها وبتنخر فيها، وهي عارفة إنها عمرها ما هتبقى كويسة كفاية بالنسباله.
التوكتوك هدي لحد ما وقف، وبعد ما دفعت للسواق الفلوس المضبوطة، مشيت ببطء بجدها لحد بيتهم، وساعدته يقعد على الكرسي الهزاز اللي جنب الباب.
ناليني كانت هتمشي لما مسك رسغها جامد. بصت عليه بعيون واسعة وهي بتحاول تفلت رسغها، والخوف في قلبها إنه هيشتمها ويوجعها تاني.
الخاتم اللي في صباعها انزلق وهي بتحاول تفلت من مسكته. بس هو ما اهتمش وبص على الجنينة وهو سرحان.
"هتتجوزي يا ناليني. مش عايز أسمع كلمة لأ." عينيه الغضبانة لفت وبصت عليها. "فاهمة؟"
الخوف بدأ يسيطر عليها من جواها وخدت خطوة مذعورة ناحية جدها، بتحاول تخليه يفكر بعقلانية. ليه دلوقتي؟ كانت عايزة تعرف إيه اللي وصله لكده.
"إيه...إيه لو اشتغلت يا جدو؟ أنا...أنا ممكن أصرف علينا إحنا الاتنين."
هز راسه بغضب شديد. "فاكرة إن الموضوع موضوع فلوس؟ يا بت يا عبيطة. الموضوع موضوع إني أخلص منك،" قالها من غير أي ندم.
وجع جديد سيطر على حواسها واليأس غلبها وهي بتبص على جدها بعجز. عينيه الغامقة كانت شايلة كره وهي بتبص في عينيها.
"أنا—"
"سمعت إن ماهيش بيدور على عروسة." بص على ناليني اللي اتجمدت في مكانها. "هو أكبر منك بكتير، بس هينفع. ما أظنش إن حد تاني ممكن يعوزك." ولما لف وشه عنها بسخرية قاسية، عرفت إن الكلام كده خلص.
ماهيش؟
الراجل ده دايماً كان بيلف حوالين حرم الكلية بتاعتها كل ما هي وإيشا يخلصوا محاضراتهم. مش عارفة إزاي كان بيعرف المحاضرات اللي بتحضرها وكان دايماً واقف قريب من المدخل مستنيها تطلع.
ناليني اترعشت من فكرة إنها تبقى مراته. ما كانتش مستوعبة الموقف الغريب ده. حصل فجأة كده، ومن غير أي إنذار كمان. الجواز حاجة مقدسة وعظيمة—موضوع ما ينفعش يتكلموا فيه باستخفاف أو يستعجلوا فيه كده.

بصت على جدها بعيون واسعة وبق مفتوح. حست بالدموع بتتجمع في عينيها لما استوعبت إن الموضوع بجد.
"بـ...بس يا جدو، ليه بتقول كل ده؟ أنا...أنا عايزة أكمل دراستي، أرجوك ما تخلينيش أ—"
"ما تناقشينيش." لف ناحيتها وعينيه كانت باردة زي التلج. "قراري نهائي."
جسمها كله حس كأنه كان في مية ساقعة تلج ولسه طالعة منها. كانت متخدرة دلوقتي. من غير ولا كلمة، وطت ومسكت الخاتم اللي كان مفاجئ زي حياتها دلوقتي بالظبط.
لفت ومشيت على أوضتها زي الزومبي اللي ما بيتحركش، وأول ما قعدت على سريرها، شهقات مكتومة وضعيفة هزت جسمها كله، مش بس زورها.
كانت لسه عندها تلاتة وعشرين سنة يا ناس وماهيش عنده سبعة وأربعين! جدها كان بيجبرها تتجوز راجل أكبر منها بكتير، ومن غير أي ندم. مستحيل حد يكره لحمه ودمه كده. بس هو عملها.
كمان ما كانتش فاهمة ليه اختار ماهيش بالذات من بين كل الناس.
ماهيش كمان كان قليل الأدب، أقل ما يوصف بيه. كان بيقول تعليقات سوقية، بالذات عن الستات، وكان بيتريق على لبس الناس، وعلى دينها، وكان دايماً بيعرق جامد، لدرجة إن قميصه كان بيبقى غرقان كأنه واخد دش بعرقه.
في الحقيقة، كان أي حاجة غير راجل كويس. ما كانش حد لطيف الواحد يقعد معاه خالص، ودلوقتي، جدها عايزها تقضي بقية حياتها مع واحد زيه.
الفكرة دي خلت شهقات أكتر تطلع منها وبصعوبة كانت بتطلع من جسمها بعنف. الدموع كانت بتنزل على بقها ورا بعض. مسحت وشها بغضب وشمّت.
ما كانش فيه فايدة من العياط، كده كده هتضطر تتجوز في الآخر. الفكرة دي بالذات خلت موجة تالتة من الشهقات تطلع منها.
خدت نفس عميق، داخل وطالع، وتنهدت وغطت وشها بإيديها اللي بتترعش. كان لازم تعمل كده. ما كانتش شجاعة كفاية عشان تهرب، وحتى لو هربت، كانت هتضطر تعيش في الشارع عشان ما كانش ليها حد تاني.
ما كانش عندها اختيار. هو ده اللي حصل.

"إنت تعرف ناليني، صح يا ماهيش؟"




بعد يومين، جدها كان وشه كله ابتسامة فخر وناليني ماسكة صينية فناجين القهوة وبتقدمها لماهيش وعيلته. كلهم كانوا مبتسمين ابتسامة بلهاء وهي جاية ناحيتهم—ماهيش بالذات.
ماهيش هز راسه وعينيه لمعت بلمعة شيطانية خلت الخوف يدب فيها. عينيها وسعت وهو بيبص عليها من فوق لتحت ولعق شفايفه بطريقة مغرية—بس هي حست كأنه بيبص عليها وبيقيّمها كأنها وجبة فاخرة. حاولت تكتم إحساس الاشمئزاز ده على طول وحولت نظرها.
بإيد بتترعش، ماهيش مسك القهوة وقربها من شفايفه. ناليني مدت الصينية لأمه اللي كانت قاعدة جنبه، ودست بالغلط على رجله.
"أوه! أنا آسـ..."
فجأة اتنفض بخضة وبصق القهوة على الساري الأبيض بتاعها، وبقعة بني عملت شكل وحش.
صرخت وقفزت لورا، وحست بحرارة القهوة بتتسرب من القماش لجلدها.
"إيه اللي بتعمليه ده يا ست مش مركزة؟!" ماهيش شتم وهو بيبص لناليني بغضب. "كان لازم تستني لما أخلص قبل ما تعملي أي حاجة تانية، يا أداة غبية! إنتي ما بتعرفيش تعملي أي حاجة؟" زعق وهو مكشر بوشه المدور.
كلامه وجع ناليني قوي وخلاها تتنفض. ما كانش ممكن يكون بيتكلم بجد. دي كانت غلطة وهو بيهاجمها، وكل الناس ساكتة كمان.
ما كانتش مصدقة إنه ممكن يقول كلام زي ده! عضت على شفايفها عشان ما تتكلمش من غير دور وحاولت تشغل نفسها بأنها مسكت منديل وقعدت تدعك مكان الحرق، وهي غضبانة وزعلانة.
بصت على جدها بسرعة عشان تشوف هيقول حاجة ولا لأ، بس...ما قالش. حتى ما اهتمش خالص بقلة أدب ماهيش، وبالعكس، ابتسم لهم ابتسامة اعتذار.
بص لها نظرة تهديد، وبكل قوتها قدرت ما تكشرش أو تبص له بغضب هي كمان. أهل ماهيش ما قالوش حاجة هما كمان وبصوا لها بعيون بتلوم كأن اللي حصل ده غلطها هي.
بصت حواليها وحست بالخزي وهي بتنكمش، وكل اللي كانوا موجودين بيبصوا لها كأنها حيوان متوحش.
النظرات اللي كانت بتتبص لها كانت أكتر من طاقتها؛ حست إنها مش عارفة تتنفس. على طول، حطت الصينية وجريت على أوضتها، والدموع بتهدد بالنزول.
ما كانتش عايزة تنهار دلوقتي. ده قدرها. ما فيش حاجة ممكن تعملها، والفكرة دي بس خلت صدرها يتخنق أكتر.
بس كان فيه إحساس متزايد إنها ترجع تاني وتشتِم كل اللي كانوا موجودين عشان بيقللوا منها كأنها ولا حاجة، لمجرد إنها ست.
ماهيش كان وضح كل ما كانت بترجع من الكلية إنه ما بيحبش الستات اللي بتدرس بعد الجواز، وده كان دايماً بيخلي دمها يغلي. كانت عايزة تكمل وتخلص شهادتها، عشان نفسها وعشان أمها.
ما فيش راجل هياخد ده منها.
الموضوع خرج عن السيطرة دلوقتي. عمرها ما تخيلت إن جدها ممكن يوصل لدرجة إنه يجوزها لواحد كبير في السن وقليل الأدب زي ماهيش، عشان بس يخلص منها—ومن غير ما يهتم بمشاعرها هي كمان.
ما فيش حاجة كانت منطقية. رمت نفسها على السرير على بطنها وتنهدت—كأنها بتزمجر—في المخدة.
ده ما كانش عدل.
الجوازات المدبرة بتحصل، بس الجوازات المدبرة بالإجبار دي أكيد ما بتحصلش.
أو على الأقل، ما كانش المفروض تحصل.
كانت لسه سامعة صوت تذمر ماهيش الخفيف من بره وهو بيعاتب جدها، بس فضلت مستخبية في أوضتها حتى بعد ما الشمس غربت. والضلمة بدأت تغطي أوضتها وتخفي أي نور باقي، بصت على الصليب اللي كان متعلق فوق سريرها.
دموع قليلة نزلت على خدها وشفايفها اللي تحت اترعشت وهي بتبص على يسوع على الصليب. لو يسوع مات عشان الكل، حتى الناس اللي في الوقت ده ما كانوش بيحبوه، يبقى هي لازم تقدر تعمل ده عشان جدها، اللي ما بيحبهاش.
مع إنها ما كانتش عايزة تعمل له أي حاجة، ما كانش فيه حاجة تانية ممكن تعملها. دي كانت خطة ربنا ليها، وهي هتتقبلها، مهما كانت بتكرهها.





الساعات عدت وناليني فضلت قافلة على نفسها أوضتها، بتلعب بالخاتم اللي في صباع إبهامها وده كان بيهديها شوية.

اتخضت شوية لما باب أوضتها فتح بصوت التزييق. خطوات جدها اللي مش متساوية بسبب عرجته كانت بتخبط في الأرض. قرب من جسمها المتصلب.

"يا ناليني."

صوته كان قاسي وبعيد. ناليني حاولت تسكت، عشان تبين له قد إيه هي زعلانة منه، بس الإحساس بالذنب سيطر عليها بسرعة وكتفها نزلت بيأس.

شفايفه كانت متنية لتحت بغضب وهو بيدرس وش ناليني.

"الموضوع ده مفاجئ ليكي قوي، بس ماهيش كان عايز يتجوزك من ساعة ما بدأ يدور على عروسة من سنتين."

لما سمعت اسم ماهيش والجواز، أي ذرة سعادة أو أمل اختفت وحست إنها اتنفخت. حولت نظرها عن جدها بس سمحت له يكمل كلامه، حتى وهي قربت تعيط عياط مرير.

"فاللي أنا بقوله، ما تعمليش أي حاجة تخليه يفقد اهتمامه بيكي،" طلب منها. "وباللي حصل قبل كده—أنا بقترح تتعلمي تبقي ست أحسن، عشان ماهيش. ما تكرريش اللي عملتيه تاني."

عينيها وسعت وخدت نفس حاد. ما كانتش مصدقة اللي بتسمعه. هو كان بيدعم ماهيش مع إن الغلط كان واضح إنه منه؟ ناليني عضت على لسانها، بتقاوم الرغبة إنها تقول أي كلمة تتخطى الحدود.

لو قالت أي حاجة تغضب جدها، كان هيعاقبها بأنها تنام بره بالليل أو يحبسها في الأوضة.

بصراحة كانت فاكرة إنه هيطردها بره وما يديلهاش عشا بسبب اللي حصل مع ماهيش، بس ما عملش كده، وده كان من حسن حظها.

جدها كان قاسي لأقصى درجة، بس كلام أمها كان دايماً بيرن في ودانها كل ما كانت عايزة تزعق له.

"ده راجل عجوز—هيقول ويعمل حاجات هتضايقك بس لازم تبقي الأحسن والأكبر وتسامحيه. ده اللي ربنا عايزه."

وهي ما كانتش ممكن تتفق أكتر مع الكلام ده، بس ساعات، كان صعب قوي تنفيذه.

صوت تنحنح خلاها تبص لفوق. جدها كان بيبص عليها بجمود. "هتتجوزيه."

"أنا عايزة أدرس،" قالت وهي بتحاول تتفاهم للمرة الأخيرة. كانت عايزاه يهدي؛ مع إنها ما كانتش عايزة ده، كانت هتعمله. جزء منها كان عايز يتجوز عشان تهرب منه، بس جزء تاني ما كانش عايز خالص.

جزء كبير منها ما كانش عايز.

هز راسه وحواجبه اتقطبوا وعينيه ضاقت في نظرة حادة حرقتها.

"هتتجوزي يا ناليني. مش عايز أسمع عن أحلامك الفارغة دي ولا أي حاجة من دي."

اتكلم كأنها عبء وحست بإيديها بتترعش. مستقبلها كان بيتقرر بشكل جذري من جدها عشان بيكرهها.

ما كانتش عايزة الأمور تمشي زي ما ماشية كده.

"يا جدو،" همست بوجع وصوتها بيتكسر، "أنا...فاهمة."

أنا مش فاهمة أي حاجة خالص.

"تمام،" قال براحة فيها ارتياح. وبعدين ضحك ضحكة خفيفة، صوتها كان أجش ومخنوق منه، وده خلى عينيها تلف ناحيته بصدمة.

نادراً ما كان بيضحك، وبالذات وهي موجودة. "يا ريتك بس كنتي زي معظم شباب اليومين دول ولقيتي حب—كان ده هيسهل عليا الأمور."

شباب اليومين دول؟ بصراحة، ناليني كانت لازم تتفق مع جدها في النقطة دي. ما كانتش زي معظم الشباب دلوقتي.
كانت بتلبس لبس تقليدي وما بتحبش أي حاجة بتعتبرها وحشة زي الشرب والسجاير والشتايم وحتى الحفلات. ناليني كانوا دايماً بيقولوا لها إنها كان المفروض تعيش من خمسين سنة فاتوا، وده تعليق كانت بتتفق معاه جداً.
العيشة في الماضي كانت دايماً بتعجبها. كانت دايماً بتحس إنها غريبة شوية وكأنها قطعة بسكوت مختلفة وسط الكل، حتى إيشا.
ناليني هزت راسها بابتسامة مريرة على وشها. "يا ريتني كنت أتجوز أمير، كنا ممكن نعيش كلنا سوا ونجيب الممرضة الملكية تعالجك وتساعدك تخف،" همست لنفسها بحماقة.
جدها بص لها كأنها طلعت لها راسين، وشفايفه كانت متنية في خط رفيع وغضبان. "كان ده هيسهل عليا الأمور عشان كنت هقدر أجبر حبيبك ده إنه ياخد باله منك وده معناه إني أخلص منك أسرع."
الكلام وإدراكها لمعناه الحقيقي وجعها قوي في بطنها. ليه ده بيحصل لها، ما كانتش عارفة. بتنهيدة يائسة، هزت راسها.
"تمام كده،" تمتمت بصوت واطي، ودمعة نزلت على خدها. حاولت تخفي إنها بتعيط، لفت وشها الناحية التانية وطلعت ضحكة مصطنعة.
ما كانش فيه فايدة من العياط، كانت عارفة كده. طب ليه ما كانتش قادرة تبطل؟ ده سؤال كان بيرن في دماغها، حتى وجدها بيتجاهلها وخرج من الأوضة وقفل الباب، والضلمة غرقتها جوه الأوضة الصغيرة.
تنهيدة صغيرة طلعت من شفايفها. يا ترى قد إيه كانت عايزة تهرب أو تقول لحد.
قد إيه كانت عايزة تزعق له.
بس ما كانش ليها حد غيره. كان ليها أصحاب، بس ما كانوش الناس اللي ممكن تشارك معاهم حاجات شخصية بجد.
راحت عشان تنام تاني لما موبايلها عمل صوت رنة، صدى في السكون. بصت على شاشتها اللي منورة قوي وكأنها بتنور في الضلمة ومسكتها وقرت الرسالة.
بالحديث عن الأصحاب، كانت من إيشا—صاحبتها من الكلية.
"لازم أقولك على حاجة، أرجوكي قولي إنك هتيجي تقابليني في الكافيه بتاعنا بتاع زمان!"
ناليني تنهدت وعضت على شفايفها وهي مستغربة. ما كانش ليها نفس تعمل أي حاجة النهاردة، بس دي إيشا وهي محتاجة مساعدة.





طلعت تنهيدة صغيرة فيها ضيق، وقامت بكسل ومشيت ناحية الباب وهي بتعدل شال الكورتا الأسود بتاعها. ما كانتش محتاجة تستأذن جدها عشان تخرج لأنه ما كانش بيهتم بعملت إيه. دي كانت النقطة الإيجابية الوحيدة في كرهه ليها؛ كانت ممكن تروح أي مكان وهو ما يهموش.
بعزيمة، خرجت من أوضتها ومن باب البيت، بتحاول تتجاهل وجود جدها اللي قاعد على الكرسي الهزاز. بسرعة شورت لتوكتوك عشان يوصلها للكافيه اللي هي وإيشا متعودين يتقابلوا فيه.
طول الطريق، ما قدرتش تبطل تفكر إيشا عايزة تقول إيه وفضولها كان بيحك في دماغها بشكل مزعج.
يا رب ما يكونش خبر وحش؛ ناليني ما بتعرفش تتعامل كويس مع الأخبار الوحشة...بالذات مش بعد الخبر اللي لسه واخدته من جدها.

"أرجيت سابني!"
ناليني رمشت، وهي مذهولة تماماً من الخبر. ده اللي كانت عايزة تقوله؟ ضيعت وقتها وهي مستنية خبر فظيع وفي الحقيقة، ما كانش فظيع قوي.

"إنتي ناديتيني هنا...عشان كده؟" سألت ناليني وهي بتهز راسها للبنت اللي مكشرة قدامها.
إيشا هزت راسها، وغضب مرسوم على شفايفها وهي بتبص بغيظ على نقطة في الترابيزة. "ده بني آدم غبي ومتخلف! سابني بعد ما قال لي إني 'مملة' زيادة عن اللزوم—إزاي أنا مملة؟!"
ناليني تنهدت وبصت على صاحبتها اللي بتعيط، وحست فجأة بوخزة ذنب. زعلت عليها. ما كانتش مملة ولا ناقصها أي حاجة. إيشا كانت جميلة؛ بشرتها فاتحة ورقيقة، عشان كده ناليني اتفاجئت تماماً إن أرجيت سابها.
"إنتي مش مملة يا إيشا." ناليني مدت إيدها من على الترابيزة وحطت إيدها على إيدها. "أرجيت عبيط عشان سابك. إنتي أطرف وأكتر بنت مثيرة أعرفها وأنا بحبك عشان كده. هو ما يستاهلكيش،" قالت وهي بتتكلم بصدق.
الكلام اللي طلع من بق ناليني ما كانش غير من قلبها. كانت بس بتمنى إن إيشا تصدق ده زي ما هي مصدقاه بالظبط.
إيشا لحسن الحظ بطلت عياط ومسحت خدودها بإيديها الصغيرة. ابتسامة صغيرة انتشرت على وشها وبينت أسنانها البيضا المستوية.
"واو، ده كان كلام عميق قوي،" قالت بصوت مبحوح وبعدين بصت على إيدها بابتسامة عريضة.
"يعني لسه لابسة الخاتم اللي جبتهولك بعد كل السنين دي. أنا مبسوطة قوي!"
ضحكت. "إنتي بتقولي كده طول الوقت كأنك مش مصدقة. إنتي عارفة أنا بحبه قد إيه."
شمّت ورفعت عينيها لفوق بملل، وابتسمت ابتسامة مهزوزة. "عارفة. أنا بس بحب أسمعك بتقوليها. أنا أحسن صاحبة في الدنيا، صح؟"
كان دور ناليني ترفع عينيها لفوق بملل المرة دي بس هزت راسها، بغض النظر.
"أيوة، إنتي 'أحسن' صاحبة في التاريخ."
"في التاريخ كله، ها؟ ترقية—أنا متفاجئة."
بعد ما ضحكوا على كلامهم السخيف، إيشا فجأة بقت حزينة وهادية تاني.
"بصي، بجد، أنا آسفة قوي يا ناليني. ناديتك هنا وبدل ما نتكلم كلام زي ده، كنت بس برغي عن نفسي."
"لا، عادي،" قالت وهي مش عايزة تتكلم عن جوازها القريب من راجل كبير في السن.
"لا، اسكتي. أنا بحاول أبقى البني آدم الأحسن هنا." إيشا طلعت تنهيدة كبيرة. "يلا قولي! إيه اللي بيحصل في حياتك؟ بقالنا كتير ما اتكلمناش."
ناليني حست بعدم ارتياح فوري لتغيير الموضوع. أكيد ما كانتش عايزة تتكلم عن نفسها وعن اللي بيحصل.
مستحيل تخلي أي حد يقول كلمة وحشة عن الشخص الوحيد اللي باقي لها في حياتها. ما كانتش هتمانع طبعاً، بس ده كان هيخليها تحس بالذنب أول ما ترجع البيت.
"أنا... هتجوز،" قالت أخيراً، وهي بتتكلم كأنها بتواجه صعوبة في شرح معادلة رياضية معقدة.
بق إيشا اتفتح بصدمة وعينيها الواسعة وسعت أكتر. "إيه؟ إمتى؟! مين ده وإزاي عمرك ما جبتيش سيرته ليا قبل كده؟!"
ناليني رفضت تبص على البنت الفضولية اللي قدامها. "إنتي عارفة إني طول عمري كنت عايزة جواز تقليدي، صح؟" بدأت بخجل. إيشا هزت راسها وشورت لها بإيديها عشان تكمل. "طيب، أنا هتجوز جواز تقليدي من... ماهيش."
كانت بتمنى إن إيشا ما تكونش سمعتها كويس وتعديها، بس ده ما حصلش.
"إيه؟!" صرخت. "ماهيش؟! الراجل الكريبي اللي بيستناكي بعد الكلية؟ جدك هيجوزك لراجل عجوز وتخين؟!" إيشا كانت غضبانة، وخدودها احمرت من الغضب.

ناليني اتنفضت. رد فعلها كان زي رد فعلها من جواها، وده خلى حقيقة كل ده توجع أكتر.
"هو مش... وحش قوي،" حاولت تقنع بصوت واطي، وهي مش مصدقة الكلام ده خالص.
ما كانتش مصدقة إنها بتدافع عن جوزها المستقبلي.
ده مقرف أوي.
إيشا كشرت وحطت إيدها على وشها بتعبير يأس. "إيه الهبل ده؟ ما تقوليش إنك وافقتي."
كام ثانية سكوت عدوا بينهم وإيشا اتأوهت كأنها استوعبت حاجة.
"كنت مضطرة،" ناليني قالت بسرعة. "جدي..." وسكتت. إيشا ما كانتش تعرف جدها عامل إزاي وقد إيه كان قليل الأدب معاها وناليني ما قدرتش تقول لها. "...جدي تعبان وده أول طلب يطلبه مني في حياته. عايز يشوفني بتجوز حد يعرفه ويثق فيه."
إيشا رفعت حاجبها بتشكك. "هو مش بيهتم بسعادتك؟"




"هو عارف إني طول عمري كنت عايزة جواز تقليدي، عشان كده فاكر إني هبقى مبسوطة بعدين. هو بجد مؤمن إن ماهيش كويس من جواه ورا كل... قلة أدبه دي،" شرحت ناليني، وبطريقة ما قدرت تخترع كذبة، يا رب تكون مقنعة كفاية. عشان تشغل نفسها، نفخت في الشاي بتاعها وشربت منه، مستنية رد إيشا.
"ده كلام فارغ!" إيشا زعقت، ولفتت انتباه ناس تانية.
ناليني هزت إيدها لفوق وتحت عشان تسكتها، بس ما كانتش منتبهة. "أنا مش فاهمة ليه لازم تتجوزي واحد أكبر منك بعشرين سنة. إنتي تستاهلي أحسن بكتير وإنتي عارفة كده!"
ناليني بصت عليها وعينيها اتملت دموع. "ما عنديش اختيار تاني. هو عمال يقول إنه مش هيقعد كتير وعايز يشوفني مبسوطة ومتجوزة وعندي عيال،" قالت وهي مستغربة من هدوئها وهي بتكدب.
إيشا طلعت صوت تذمر مكتوم ومزعج ما كانش لايق يطلع منها. "ليه ما تفكريش في سعادتك إنتي؟ بجد هتبقي مبسوطة لو اتجوزتي ماهيش؟"
لأ، طبعاً لأ!—ده اللي كانت عايزة تقوله. بس ما قالتش، وبالعكس، هزت راسها بالراحة.
"هتعلم أحبه وهبقى مبسوطة بعد جوازنا،" همست وقلبها اتقبض جامد عند الفكرة. "ده اللي جدو عايزه. وبعدين، ما أقدرش أقول لأ. ما عنديش اختيار."
الجزء ده كان حقيقي. جدها كان عنده علاقات كتير مع عصابات لأنه كان جزء منهم وهو صغير. كانت عارفة اللي عمله لعيال أصحابهم اللي أغضبوه أو خانوه، فما بالك باللي ممكن يعمله بحفيدته.
ما كانتش بتشك في تهديداته إنه هيدور عليها ويقتلها عشان فضحتو، أبداً، لأنها شافته وهو بيدي أوامر بصوت عالي من وقت للتاني من وهي صغيرة.
البنت الصغيرة اللي قدامها غطت وشها بإيديها وطلعت تأوه تاني فيه إحباط.
"يا ست، إنتي سخيفة. الحل بسيط؛ اهربي وبوف—" استخدمت إيديها عشان تقلد صوت انفجار. "—المشكلة اتحلت!"
أبداً! الاقتراح ده خلى ناليني تضيق عينيها وتهز راسها بغضب شديد.
"ما أقدرش أهرب!" همست بصوت عالي شوية وهي بتقرب.
الهروب أكيد ما كانش اختيار ممكن تعمل بيه. كانت هتبقى ميتة لو عملت كده.
حرفياً.
يمكن لو كان عندها بيت في الريف وجد هادي ما حدش يعرف عنه كانت ممكن تهرب بس ما كانش عندها كده. إيشا ربعت إيديها وبصت على ناليني باستياء.
"إنتي عارفة إيه، أنا مش فاهمة ليه ما تقدريش تاخدي بالك من جدك حتى من غير ما تكوني متجوزة."
عشان هو عايز يخلص مني.
ناليني تنهدت بس ما اهتمتش تشرح.
بعد كام ثانية سكوت وهما الاتنين بيشربوا قهوتهم بهدوء، إيشا فجأة قطعت الصمت.
"طيب، هتتجوزي إمتى؟" سألت بحزن.
"ما أعرفش،" ناليني همست بنفس النبرة وهي بتلعب بخاتم فنجانها الفاضي. "لسه ما فيش حاجة اتقررت."
إيشا طلعت نفس طويل مبالغ فيه والابتسامة المصطنعة اللي كانت على وشها اختفت. "يا رب لك الحمد! ده معناه إنك لسه ممكن تفلتي منها،" قالت بابتسامة شيطانية.
ناليني بصت لها نظرة عدم تصديق وهزت راسها. حاولت تفكر في طرق كتير عشان تهرب من الجوازة دي، بس تقريباً ما كانش فيه أي طريقة. حتى لو قررت تثق في إيشا، ده معناه إنها هتحملها هي وعيلتها عبء، وما كانتش ممكن تعمل كده.
أبو إيشا كان أصلاً بيمر بظروف صعبة، لأنه كان اتفصل من شغله من شهرين وكان بيربي خمس عيال، منهم هي. مستحيل ناليني تطلب منه إنه ياخد باله منها هي كمان.
بتنهيدة، مسكت رسغ إيشا ولفتها عشان تبص على الساعة. أول ما شافت الوقت، عينيها وسعت وقامت بسرعة من الكرسي.
"يا إلهي، لازم أمشي،" قالت بلهفة وهي بتحط نص الفاتورة على الترابيزة. "هكلمك بعدين."
أول ما خدت خطوة لقدام، سمعت إيشا بتقول حاجة من وراها، ونبرة صوتها ما كانش فيها غير خيبة أمل.
"إنتي بجد تستاهلي أحسن يا ناليني."
الكلام ده كان كفاية يكسر قلبها. كانت عارفة إنها تستاهل أحسن هي كمان، بس ده عمره ما هيحصل.
ده ما كانش واقعها.

تعليقات

  1. وحشاني رواياتك🤍
    لو مهتم بكتابه الفانتازيا والكوري قول ممكن نكتب مع بعض لو ينفع

    ردحذف
  2. دي بتبقى ناس مرضى اصلا

    ردحذف

إرسال تعليق

authorX