روايه نغم العودة
نغم العودة
2025, سعود بن عبدالعزيز
اجتماعيه
مجانا
تدور القصة حول "جيف"، فنان موهوب يعاني من الإرهاق الشديد حتى يصل إلى حد الانهيار، فيبتعد عن الأضواء لفترة. بعد عودته، يدرك أن أكثر ما افتقده هو أصدقاؤه، خاصة "باركود"، الشاب الذي يمنحه وجوده طاقة وسعادة لا يستطيع تفسيرها. مع مرور الوقت، يعيد جيف اكتشاف نفسه وعلاقاته، متسائلًا عن المشاعر التي بدأت تنمو داخله.
جيف
بطل القصة، موسيقي موهوب يعاني من الإرهاق، لكنه يجد الراحة بين أصدقائه.باركود
صديق جيف المقرب، شاب مرح وطموح يملك تأثيرًا خاصًا على جيف.بوند
مدير أعمال جيف وصديقه الذي يساعده على الاعتناء بنفسه
المكان اللي دايم يوقف فيه سيارته بالشركة لسه موجود، وكأنه ينتظره. ما يدري ليش فكر في هالشي، لأنه ما صار له كثير من آخر مرة كان هنا. التعب ما عاد يطاق، يحس كأن راسه مليان غيمة رمادية ثقيلة، مغبشة أفكاره ووصلت حتى عيونه اللي يحاول بكل جهده يظل مفتحها. جلس أسبوع في بانكوك، لكن اللي ضيق صدره هي الخمس أسابيع اللي قضاها بعيد عن كل شي، إجازة إجبارية أبعدوه فيها عن كل أحد تقريبًا. حتى قيتاره ما خلّوه ياخذه، لأنه بالنسبة لهم هذا بعد يعتبر شغل.
يشيّل يديه عن الدركسون ويفرك عيونه، بعدين يطالع شكله بالمراية اللي قدامه. لحسن الحظ، شكله ما يعكس الفوضى اللي داخله. ينزل من السيارة بأغراضه، وبكل هدوء كأنه ما تأخر كثير. كان مرة صعب عليه يطلع من السرير هالصباح.
جيف يمشي ببطء داخل المبنى وعبر الممرات، وهو يسمع أصوات زملاءه وأصحابه من بعيد. يقرر يوقف شوي قبل يدخل ويأخذ نفس عميق وهو يسند ظهره على الجدار جنب الباب. قد ما يحاول، ما يقدر يميّز الكلام اللي يدور داخل الغرفة، ولا حتى بعض الأصوات اللي يسمعها. حتى الصوت اللي وده يسمعه، مو متأكد إذا كان بينهم أو لا.
عرف إن أصحابه اتفقوا بينهم إنهم ما يزعجونه بغيابه. الطريقة الوحيدة اللي يقدرون يوصلون له فيها كانت عن طريق بوند، لأنه دايم يكلم أمه. ما قال لأحد غير بوند إنه بيجي اليوم. كان ناوي يفاجئهم، مع إنه متأكد تقريبًا إنه بيفشل بالمهمة، خاصة مع التوتر اللي بدا يتصاعد من صدره لحلقه وورى رقبته. بدأ يعرق.
"هلا، بي جيف!"
الطريقة اللي انتفض فيها أكيد خلت شكله كأنه واقف هنا من زمان، والابتسامة اللي حاول يرسمها شكلها طلعت غريبة شوي، لأن بيلد طالع فيه بنظرة مستغربة.
"أدري إني متأخر"، قالها بابتسامة خفيفة وهو يلعب بحزام شنطته اللي على كتفه.
"ما قلت لنا إنك رجعت!" بيلد ضمه بحضن شوي مرتبك، وجيف غمض عيونه وهو يسمع ضحكة صاحبه المألوفة. لما بعدوا عن بعض، بيلد لسه ماسك كتفه، كأنه يشيّك عليه، وجيف بس هز راسه بإشارة إنه كل شي تمام. حس بيد بيلد تلمس كتفه وهو يستدير يدخل الغرفة عشان يقابل باقي الشباب.
أول واحد صرخ فرحان يوم شافه كان أبو، مثل العادة، نشيط ومتحمس، لكن اللي صدّمه فعليًا هو الخبطة اللي جته على كتفه يوم اصطدم فيه أحد بقوة...
"بي جيف!"
الصوت اللي غمر أذنه، راسه، وكل جسده، سحب من صدره أول ضحكة حقيقية له اليوم. رفع حواجبه وهو يلاحظ إنه الحين صار لازم يرفع عيونه شوي عشان يقابل نظرات الولد. "هلا"، طلع صوته هادي، بالكاد يكفي باركود يسمعه وهو قريب منه مرة.
الضحكة والأصوات اللي طلعها الصغير وهو يهزه بين ذراعيه خلّت جيف يضحك لا إراديًا. ريحة باركود المميزة دوخته بطريقة مختلفة عن الدوخة اللي كان حاسها الفترة الأخيرة. ريحة ما كان يدري إنه يقدر يميزها، ولا حتى يشتاق لها. حس بطعمه في حلْقه، لدرجة اضطر يبلع بصعوبة، وقتها بس استوعب قد إيش كان فمه ناشف، نفس حلقه.
فجأة، كل الشباب دخلوا بحضن جماعي، خلاه يلتصق أكثر بباركود، لدرجة إنه سند راسه على كتفه. في هاللحظة، حس إنه طاقته رجعت له بالكامل. الحضن الكبير هذا شال الغيمة اللي كانت ملازمته، ومسح أي أثر للتعب.
"خلوه يتنفس!" جيف رفع راسه وشاف تونج يدف الشباب عنه. "توه راجع، خلو عندكم شوي روقان." "هاه؟ مو كأني بطيح ولا شيء!" ضحك وهو يتنفس براحة بعدما تحرر من الأحضان، ومرّر يده في شعره وهو يشيل الشنطة اللي لسه كان شايلها.
الدقايق اللي بعدها كلها سوالف عن آخر الأخبار بينهم، لكن جيف ما كان عنده شيء كثير يقوله، لأن الفترة اللي غاب فيها كانت بس نوم لتعويض كل الساعات اللي ما نامها من قبل. الأسئلة عن حاله وكيف وصل لهالنقطة كانت شي طبيعي، لكنه بصراحة للحين ما يعرف كيف يجاوب. "كنت مرهق بشكل ما تخيله، وكنت ما أقدر أنام، لدرجة إنه في يوم بس طحت."
هذا كل اللي قدر يقوله. كان شيء غريب عليه إنه يكتشف إنه مصاب بـ الاحتراق الوظيفي، لأنه رغم التعب اللي كان حاس فيه، هو يحب شغله، وكان دايم يفكر إن الاحتراق يصيب اللي يشتغلون بشي ما يحبونه أو شيء زي كذا. ما استوعب جدية وضعه إلا لما بوند قرر رسميًا يطلعه إجازة. ولما سمح لنفسه أخيرًا يرتاح، حس كأنه جبل من التعب كان متكدس فوق راسه وانهار عليه فجأة. الخمس أسابيع اللي قضاها بعيد عن بانكوك فادت كثير، لكن الحين وهو جالس يسمع سوالف أصحابه، حاس إنه ما كان المفروض يتركهم أبدًا. هو يبي يكون هنا معهم، ووعد بوند وعائلته إنه بياخذ الأمور بهدوء وبيهتم بنفسه أكثر.
جيف طالع زملاءه اللي متوزعين في الغرفة، لين وقفت عيونه على الشخص اللي ما فارقه من أول ما دخل. باركود كان يكتب بجنون في جواله، وساكت بعكس العادة. جيف استغل الفرصة وتأمله شوي. رغم إن ما مضى إلا كم أسبوع، باركود ما عاد شكله مجرد ولد صغير. عرض أكتافه صار يعطيه مظهر أنضج، حتى ستايله وتسريحة شعره الجديدة خلّوه يبان أكبر.
"هلا!" بدون ما يحس، مد يده ولمس يد باركود. عيون باركود على طول التفتت له.
"بي جيف!" هزّ راسه، وجيف تلقائيًا ابتسم أكثر.
"كيفك؟ ودي أعرف وش كنت تسوي... غيرت تسريحة شعرك..." ما كمل جيف أسئلته إلا وباركود صار مواجه له، يبتسم ويأشر بيدينه وهو يتكلم.
"أوه، ما صار شيء كثير. كنت أروح المدرسة، عندي شغل كثير." هزّ راسه وهو ما بعد شال عيونه عن جيف. "حضرت كم فعالية، وكثير ناس سألوا عنك، بي جيف."
"أوه صدق؟ وش كنت تقول لهم؟" جيف كان يبي يعرف، مو بس لأنه مهتم، لكن لأنه يبي يفهم كيف كان باركود يتعامل مع الأحداث والمقابلات لحاله.
"بي بوند قال لي أقول إنك بإجازة." رفع كتوفه وكأن الموضوع عادي. "أوه، أكيد طبعًا." هزّ جيف راسه وهو لا زال يبتسم. "كتبت شيء جديد؟ وبالمناسبة... أحسك صرت أطول؟" جيف كان متأكد إن الجواب على الاثنين هو "إي".
"ما فوت يوم بدون تمرين، يمكن هذا السبب." عيونه لمعت بحماس وكأنه فخور بنفسه. "لسا أتدرب على البيانو، وكتبت كم شيء، بس للحين ما خلصت شيء." "متى أقدر أشوفه؟"
جيف ابتسم وهو يشوف حماس باركود. "لما أخلصها." جاوبه باركود على طول وهو يضحك، وبعدها ضرب جيف على ذراعه كعادته، لكنه فجأة وسّع عيونه ولوّح بيديه في الهواء. "أوه! آسف، بي جيف!" جيف انفجر ضاحكًا، عارف تمامًا إن هذه ردة فعل عفوية من باركود. هو لسه ما تكلم معه عن اللي صار وكيف حس، لكنه عارف إنه لازم يجي وقت لهذا الحديث.
"عادي." رد عليه جيف وهو يرد له الضربة بلكزة خفيفة على ذراعه. "أنا كويس، ما تغير شيء. بس راح أشتغل أقل شوية."
"هممم، أظن إن بي جيف ما المفروض يشتغل أبدًا!" جيف ضحك، لأنه بصراحة يعرف إن الولد عنده حق. مد رجله وركل قدم باركود برفق كإشارة إنه موافق، لكنه ما راح يخوض في النقاش الحين.
"وجودي هنا يخليني أحس بشعور حلو." ختم كلامه بابتسامة، ورد له باركود الابتسامة مع هزة خفيفة من رأسه وهو يثبت عيونه على جيف.
"هلا، قيتارك هنا؟" "إي، بروح أجيبها."
قام باركود بسرعة واتجه لركن إحدى الأرائك، وين واضح إنه رمى أغراضه هناك. جيف تبعه بنظراته طول الوقت، يشوفه كيف يفتح الكيس، يطلع القيتار، يقفل الكيس ويرجعه مكانه، قبل ما يرجع له حامله.
جيف أخذ الجيتار بابتسامة وهو يستقر على الأريكة، قبل ما يبدأ بعزف بعض النوتات العشوائية. تنفس بعمق، كأنه بيستعيد السيطرة على جسده ببطء، وبدأ بعزف بعض الأوتار بلا لحن معين. باركود جلس جنبه مرة ثانية، ونظروا لبعض للحظة، قبل ما يرجع باركود لجواله، كأنه موجود بس عشان يكون رفيقًا صامتًا.>
عيون جيف ما زالت عليه، والابتسامة لسه ما فارقت وجهه. مع الوقت، حس كيف الحمل اللي كان على كتفه بدأ يخف، وكيف ظهره ورقبته ارتخوا أخيرًا. لما قال إنه يحس بشعور جيد هنا، كان مجرد محاولة لإقناع نفسه إن وجوده بين أصدقائه راح يساعده يتعافى. لكن الحقيقة اللي ما يقدر يعترف بيها حتى لنفسه، إن اللي رجع له طاقته فعلًا، هو قربه من باركود.
منذ ما استعاد جواله، كان ملف باركود هو الوحيد اللي يتابعه فعليًا. وحتى لو عمره ما راح يعترف لنفسه، فهو قضى وقتًا أطول مما يجب في تصفح حسابات المعجبين، في وضع التصفح الخاص، محاولًا يعوض الوقت اللي ضاع عليه. كانت هذه طريقته لمعرفة الأخبار، لمتابعة القصص التي فاتته، ولجمع كل لحظات باركود خلال الأسابيع اللي غاب فيها. حتى لما سأله عن إجاباته في المقابلات عن مكانه، كان يعرف الجواب مسبقًا.
كان يومًا كاملًا من الهوس، مع كل صورة وفيديو شاهده، كان يشعر بشيء داخله ينتعش قليلًا، أو كما يفضّل أن يصفه، ترتفع معنوياته. ومن بين كل الأشياء اللي ابتعد عنها في الفترة الماضية، أدرك في ذلك اليوم، وهو يتصفح بصمت، إن باركود هو الشيء اللي اشتاق له أكثر من أي شيء آخر.
ضحكاته في المقاطع اللي كان يشاهدها، نفس الضحكات اللي يسمعها الآن بجانبه، كانت وكأنها جرعات صغيرة من الطاقة تتدفق مباشرة إلى عقله.
🤍💃🏻
ردحذف