رواية صغيرة بدونه - رومانسية

صغيرة بدونه

2025, سهى العامري

رومانسية

مجانا

الرواية تتمحور حول الحي الذي نشأت فيه الشخصيات، وتحديدًا قصر قديم يقع على أطراف المدينة. هذا القصر كان يشكل ملاذًا لهما، حيث جرت فيه العديد من لحظات الطفولة بين سلمى وأحمد. الحديقة التي تحيط بالقصر، والمكتبة التي كانت محط اهتمام سلمى، كانت دائمًا أماكن تمثل ذكرياتهما معا

أحمد

شخصية معقدة، مليئة بالصراعات الداخلية. هو شاب طموح، يحب أن يظهر قويًا، ولكنه في أعماقه يشعر بالحيرة الشديدة تجاه مشاعره

سلمى

شخصيتها هادئة، تميل إلى الانطوائية، ولكنها دائمًا ما تظهر اهتمامًا عميقًا بمن حولها. تحب التفاصيل الصغيرة

فاطمة

تتمتع بجمال مميز عن سلمى، جمال يتسم بالجرأة والنعومة في نفس الوقت
تم نسخ الرابط
صغيرة بدونه
  كانت سلمى وأحمد مع بعض من أول ما فتحت عيونهم على الدنيا. كانوا يجيبوا بعضهم في كل لحظة وكل ثانية، يلعبوا مع بعض في الشارع الضيق اللي فيه البيوت متقاربة، وكأنهم عايشين في عالم صغير خاص بيهم. كانت أيامهم تمشي بسرعة، ما بين ضحكات وحركات طفولية، وكأنها لحظات مسحورة محدش يقدر ينسى منها حاجة.

  أحمد كان دايماً أول واحد يوصل للعب مع سلمى. كان بينهم اتفاق غير مكتوب إنه لازم يلعبوا مع بعض، حتى لو الدنيا كانت كلها مملوءة بملعبين كبار وألعاب حديثة. كانوا يتسابقوا على طول للحديقة القريبة من بيتهم. كانوا يركضوا وسط الأشجار، كل واحد منهم عينه على هدف: يلمس الشجرة قبل التاني. "سلمى، لحقتيني!" كان يضحك أحمد، وترد سلمى بنفس الحماس، "هوا في حد يقدر يلحقك قبل ما توصل؟"
  
  كانت اللحظات دي مليانة بشيء خاص جداً، كل شيء كان بسيط، لكن عيونهم مليانة بعالم تاني ما كانش فيه غيرهم. لما كانوا يغلطوا في اللعبة، كانوا يتحايلوا على بعض ويتفقوا على قواعد جديدة. يعني لو أحمد وقع في لعبة الحجلة، كان سلمى تقول له: "ما تحسبش دي!"، ويضحك أحمد ويرد عليها: "طيب، بس المرة الجاية مفيش مغفرة!"
  
  وكلما كانوا يركضوا مع بعض أو يتنقلوا من مكان لمكان، كان في حاجة غير مرئية بتربطهم ببعض، حاجة أكبر من مجرد صداقة. كانت سلمى دايماً تحس إنها مش لوحدها في العالم ده. كان أحمد موجود، دايماً قدامها، دايماً مش بعيد عنها، كانت تفضل تلاحظه وهو بيبتسم، ودمه خفيف، وكانها بتشوفه حاجة واحدة، لا ينفصل عنها.
  
  أحمد كان يفضّل دايماً يقعد في بيت سلمى بعد المدرسة. وكانوا يحكوا لبعض عن كل حاجة، عن المدرسة، عن المعلمة اللي دايماً بتعاقبهم لو اتكلموا، وعن الجيران اللي كانوا يبعثوا ليهم الحلويات أوقات الظهر. وفي كل مرة كانوا يقعدوا على الأرض جنب بعض، يحكوا عن أفكارهم أو عن قصص بيحبوا يسمعوها من أهلهم.
  
  وكانوا ساعات يروحوا مع بعض في الأعياد الدينية، يمروا على البيوت المجاورة، ويشوفوا حلويات العيد والزيارات العائلية. أحمد كان بيضحك لما تشوف سلمى تقف قدام باب بيتها عشان توزع الحلوى. كانت تحاول تعمل نفسها كبيرة وهي تقطع الحلوى وتدق الجرس، وهو يقف جمبها عشان يديها الأمان. لكن في الحقيقة، كانت عيناه دايماً تتابع سلمى بحذر، وهو يعرف إنه مهما حصل، هي مش هتقدر تبعد عنه.
  
  لكن فيه حاجة بدأت تتغير مع مرور الوقت. لما كبروا شوية، بدأت سلمى تحس إن في حاجة مختلفة، حاجة مبتش موجودة قبل كده. بدأت تلاحظ إن أحمد بدأ يتحدث مع أطفال تانيين في الحارة أكتر منها. كان يقعد معاهم، يلعب معهم، وحينما كانت سلمى تروح تقعد معاه زي زمان، كان يبدأ يهرب منها بابتسامة صغيرة، ويروح يلعب مع أصحاب تانيين. كان بيفضل يضحك معاهم، يتكلم معاهم، ويبدو إنهم فهموا حاجات أكتر عن الدنيا منهم، عن أشياء مابيتكلموش فيها مع سلمى.
  
  سلمى كانت في البداية مش قادرة تفهم التغير ده. كانت تحس إن حاجة مش مظبوطة، وإنه مش زي الأول. كانت عيونها تتبع كل حركة ليه، وكل كلمة يقولها، وكل نظرة يعطاها. كان في وقت من الأوقات أحمد بيتكلم مع بنت تانية في الشارع، وسلمى كانت بتراقب عن بعد. كانت تلاحظ الضحكة اللي بتكون موجودة بين أحمد والبنت دي، والابتسامة اللي تفرق عن كل الابتسامات اللي شافتها منه قبل كده. كان قلبها يدق بسرعة، وكل فكرة من الأفكار كانت بتدور في ذهنها، بس ما كانتش تقدر توضح لنفسها السبب.
  
  كان في حاجة غريبة، بس كان لازم تمشي في الطريق ده. حاولت تترجم كل حاجة كانت بتحس بيها، بس كانت دايماً تخفيها. كانت تظن إن أحمد لو كان يعرف إن هي بتحبه زي ما هي بتحبه، كان يمكن يحبها هو كمان، لكن المواقف كانت بتدفعها للسكوت، وكأنها عايشة في عالم موازٍ له، مفيش فيه مجال لإعلان عن مشاعرها.
  
  وكانوا يظلوا يلعبوا سوا زي الأول، لكن الوقت ده كان له طعم مختلف. كانت سلمى تبتسم، وأحمد يبتسم، لكن كل واحد فيهم كان له عالمه الخاص اللي بدأ يتغير.
  
  مرّت الأيام، وكأن الزمن بدأ يسرع من خطواته. بدأ كل شيء يتغير، حتى الجو نفسه في الحارة بدأ يختلف. لم يعد هناك نفس الضحك الذي كان يملأ المكان في طفولتهم، ولم يعد هناك نفس الحماس في الألعاب. أحمد بدأ يبتعد، وأصبح له اهتمامات تانية. في البداية، كانت سلمى تحاول التكيف مع التغيير ده، لكن في قلبها كان فيه شيء بيدق بشدة، وكأنها بتحاول تلحق بيه قبل ما يبتعد أكتر.

كان أحمد في السنة الأخيرة من الإعدادية، وكان مشغول بالكثير من الأشياء الجديدة اللي دخلت حياته. بدأ يتكلم عن مواضيع غير اللي كان يتكلم عنها من قبل، زي الموسيقى، والأفلام، وأصدقاء جدد كانوا يدخلوا حياته ويخرجوا منها. كان عنده صحاب في المدرسة الجنبية، فتيات وصبيان، وبدأ يخرج معاهم على المقاهي، وتغيرت محادثاتهم، وكانت نظراته لسلمى أقل من الأول.

في يوم من الأيام، كان أحمد راجع من المدرسة متأخر، ولقاها قاعده على سلم بيتهم، مستنية. كان الوقت متأخر، والشمس خلاص غربت، لكن سلمى كانت لازالت قادرة على تمييز تفاصيل وجهه حتى في الظلام. رفعت إيدها وسلمت عليه، وقالت له بنبرة هادئة: "أين كنت؟". أحمد ابتسم ابتسامة صغيرة وقال: "في المدرسة، يعني مفيش حاجة تانية."

لكن سلمى ما صدقتش إجابة أحمد. كان واضح إن فيه حاجة مش تمام. قلبها كان بيقول لها إن في حاجات مش مفهومة، وإن أحمد بدأ يشوف حاجات تانية في حياته غيرها. كان أكتر حاجة بتخنقها في الوقت ده هو إنه بدأ يتجنب يقعد معاها. حتى لما كانوا يقعدوا سوا، كان يقعد بعيد عنها، وكأنهم أصبحوا غرباء.

مرت أيام، وكل مرة كانت سلمى تحاول تقرب منه، كان يتراجع خطوة للوراء. كان أحمد بدأ يحب بنت تانية من المدرسة. كانت جميلة، وذكية، وكان دايماً يتكلم عنها بحماس، عينيه بتلمع كلما ذكر اسمها. سلمى، كانت تشعر بشيء في قلبها كلما سمعته يتكلم عن تلك الفتاة. لكن ما كانتش تقدر تعبر عن اللي جواها. كانت تحتفظ بكل مشاعرها في قلبها، وكأنها مش قادرة تطلعهم.

في يوم من الأيام، كانت سلمى قاعدة في غرفة المعيشة بتقرأ كتاب، وأحمد دخل فجأة، زي العادة، لكنه كان يحمل في يده ورقة مكتوبة. سلمى رفعّت عينيها من الكتاب وقالت له: "ماذا عندك؟"

أحمد وقف قدامها، وصوت قلبه كان بيزيد. كان في دماغه فكرة واضحة، بس كان مش قادر يعبر عنها بسهولة. أخيرًا قال، وهو يحاول يبتسم: "سلمى، فيه حاجة عاوز أقولها لك... أنا بدأت أحب حد تاني."

كانت الكلمات دي زي الصاعقة على قلب سلمى. وقفت لحظة، كأن الزمن توقف تمامًا، وعينيها بدأت تتساقط منها دموع صغيرة بدون ما تحس. كان عندها شعور إن الأرض بتتشق من تحت رجليها، لكن حاولت تظهر قدام أحمد إنها هادئة. قالت بصوت ضعيف، لكنها مسيطرة على نفسها: "أحمد... يعني إيه؟"

أحمد ابتلع ريقه وقال: "فيه بنت في المدرسة... اسمه فاطمة، وأنا ببدأ أشوف فيها حاجات ما شفتهاش في أي حد قبل كده. مش عارف إزاي أقولك، لكن قلبي مش بيوجهني لغيرها."

أحسّت سلمى بشيء تقيل بيقع في قلبها. كانت متأكدة إن أحمد بيحاول ما يجرحها، لكن الكلمات كانت قاسية أكتر مما توقعت. كانت مش قادرة تقول حاجة. نظرت في عيون أحمد وملأت عينها بالدموع، لكنها حاولت تبتسم وقالت: "تمام، بس لازم تعرف إنك مهما تغيرت، أنا هفضل جنبك."

لكن أحمد ما كانش قادر يحس بالمشاعر دي. كان مشغول بفاطمة وبعلاقته الجديدة اللي كانت تتبلور قدامه.

في الأيام اللي بعدها، أصبح أحمد غريب، وكأن مشاعرها هو مش بيشعر بيها. كانوا يتقابلوا في الشارع أوقات قليلة، وكل واحد فيهم كان يحاول يتجنب الآخر. لما كانوا يتكلموا، كان في لحظات صمت طويلة بينهما. كان أحمد يحاول يفهم نفسه، وسلما كانت تحاول تتقبل الوضع. بس كل يوم كان بيبقى أصعب. كانت سلمى تشوفه مع فاطمة وهو يضحك معاها، وتبدأ تشعر إن الوقت بيجري بسرعة جدًا وكل لحظة فيها بتبعدها عنه.

وفي يوم، لما كانوا راجعين من المدرسة، شافته هو وفاطمة مع بعض في الحديقة اللي كانوا بيروحوا ليها مع بعض وهم صغيرين. كانت لحظة صعبة، كانت سلمى واقفة على بعد، مش قادرة تقرب ولا تروح، وكان قلبها بيعصرها.

مع مرور الوقت، بدأ كل شيء بين سلمى وأحمد يختفي كما لو كان موج البحر الذي يبتلع الرمال، يترك أثره في البداية، ثم يمحيه. ولكن كانت الساعات ثقيلة على قلب سلمى، ومع كل لحظة كانت تشعر بشيء يتغير في نفسها، كأنها فقدت جزءاً من كيانها مع ابتعاد أحمد. كانت تحاول تعويض ذلك بالابتسامات المزيفة التي كانت تقدمها لمن حولها، لكنها كانت في أعماقها تشعر بالفراغ العميق الذي صنعه أحمد.

في أيام كانت تمر على سلمى مثل الحلم، كانت تحاول أن تملأ هذا الفراغ بمشاغل أخرى. كانت تجلس ساعات طوال على المكتب، تكتب في دفتر مذكراتها الصغير، تحاول أن تفرغ مشاعرها بطريقة ما. كانت تكتب عن كل لحظة من لحظاتها مع أحمد، عن الضحك واللعب، وعن الأيام التي كانوا يجلسون فيها تحت شجرة التين في الحديقة، حيث كانوا يحكون لبعضهم حكايات الخيال والمغامرة. لكنها لم تستطع أبدًا أن تكتب عن الفراغ الذي شعرت به بعد ابتعاده.

لكن أحمد كان في عالم آخر، عالم لم تعد سلمى جزءًا منه. كانت تغيب أيام كاملة عن البيت بسبب ارتباطاته الجديدة، وبدا أنه أصبح يبتعد أكثر عن الحارة. بدأ يزور أصدقاءه الجدد في أماكن أخرى بعيدًا عن الحي، وبدأ يقضي الكثير من الوقت مع فاطمة. كانت سلمى تراقب عن بُعد، كل لقاء وكل لحظة، ولم تستطع أن تقترب منه كما كانت تفعل من قبل. كان قلبها يؤلمها كلما رآه يبتسم لها بابتسامة سطحية، وكأن العالم لم يعد يشهد على العلاقة الحقيقية التي كانت تجمعهم.

وفي يوم من الأيام، حدث شيء غير متوقع. بينما كانت سلمى جالسة على السور أمام بيتها، تأمل في السماء، تراقب غروب الشمس، شعرت بشيء غريب. كانت هناك خطوات تقترب منها، وكان الصوت غير مألوف. نظرت إلى الأسفل ووجدت أحمد يقف أمامها. كان يرتدي نفس القميص الذي كان يرتديه في أحد الأيام عندما كانوا أطفالًا، ذلك القميص الأزرق الذي كان يحبه، والذي كان دائمًا يرتديه عندما يذهبون للحديقة مع بعض. شعرها بدأ يهتز بشدة، كأن الزمن توقف لحظة.

قال أحمد بصوت خافت: "سلمى، عاوز أتكلم معاك."

سلمى لم تعرف كيف ترد، كانت عيونها مليئة بالأسئلة، لكن قلبها كان يتنفس ببطء وكأن الكلمات تختنق في صدرها. قالت أخيرًا بصوت ثابت رغم التوتر الذي كان يعصف بها: "عن إيه؟"

أحمد جلس بجانبها، لكن المسافة بينهما كانت أكبر من أي وقت مضى. "أنا مش قادر أعيش في دوامة كده، سلمى. بيني وبين نفسي، أنا عارف إن في حاجات غلط، بس مش قادر أفهمها. بحس إني مش قادر أرجع كل حاجة زي ما كانت."

كانت الكلمات تؤلم قلب سلمى بشكل لا يوصف، لكنها كانت تحاول أن تكون هادئة. "أحمد، لو كنت عاوزني أكون زي الأول، لازم تشوفني زي ما كنت شفتني زمان. لكن خلاص، الدنيا مش زي ما كانت. وأنا كمان، مش هقدر أعيش في الحيرة دي طول الوقت."

أحمد كان يحاول أن يفتح قلبه لها، لكن مشاعره كانت متشابكة جدًا. "أنا بحاول، سلمى، بس الحقيقة إن فاطمة دخلت حياتي، وأنا مش عارف إزاي أتصرف. إنتي بالنسبة لي حاجة كبيرة، وكل حاجة بيننا مش هقدر أنساها، لكن مش قادر أبقى زي الأول."

كانت كلمات أحمد كالرصاص في قلب سلمى، وكان كل شيء مؤلم في تلك اللحظة. لكن كان هناك شعور غريب بدأ يعمق داخلها: شعور بالتحرر، وكأنها بدأت ترى بوضوح أكثر. قالت له بصوت منخفض: "أنا مش هكون في حياتك لو مش قادر تكون فيها ليا زي الأول. ولا يهمني تبقى مع مين، بس لازم تكون واضح مع نفسك ومعايا."

سكت أحمد لحظة، وعيناه تحاول أن تجد كلمات أخرى، لكنه لم يجد. كانت سلمى قد أغلقت باب قلبها، بعدما كانت تحاول مرارًا فتحه له.

مرت الأيام، وكان كل شيء يبدو كما لو أنه علق في منتصف الطريق. لم يكن هناك لقاءات جديدة بينهما، لكنها كانت تعرف أنه كلما ابتعد أكثر، أصبحت خطواتها أقوى في الحياة.

وفي أحد الأيام، بعد فترة من الغياب، قررت سلمى أن تخرج مع صديقاتها. كانوا في إحدى المقاهي الجديدة في المدينة، حيث كانت الحياة هناك مليئة بالصخب. وفجأة، بينما كانت تجلس مع صديقاتها، دخل أحمد مع فاطمة. كان المشهد محيرًا، كان أحمد يبدو سعيدًا جدًا، بينما كانت سلمى تحاول أن تخفي نظراتها عنهم. فاطمة كانت تجلس بالقرب منه، وكانت عيونها مليئة بالحب والاهتمام.

لكن قلب سلمى كان قد بدأ يشق طريقه نحو فهم جديد. لم يكن أحمد هو مركز حياتها بعد الآن. كان هناك شيء عميق بداخلهما، لكن الحياة تستمر.


مرت الشهور ببطء، وسلمى كانت تحاول التكيف مع الواقع الجديد. كان أحمد قد ابتعد تمامًا، أصبح مشغولًا مع فاطمة، وكلما اقترب منها، كان قلب سلمى ينفطر أكثر. أصبح وجهه بعيدًا عن وجهها، وكانت أيامهم القديمة تذوب مع مرور الوقت. كانت سلمى تتابع كل شيء من بعيد، كأنها تشاهد فيلمًا يعيد نفسه كل يوم. كانت تراهم معًا في الشوارع، يضحكون، يتحدثون، ينظرون إلى بعضهما البعض بعينين مليئتين بالحب الذي كانت تتمنى لو أنه كان موجهًا إليها.

ذات يوم، بينما كانت سلمى تجلس في غرفتها بعد فترة من التغييرات، كان هناك شعور ثقيل في قلبها. كان لديها إحساس عميق بأن حياتها أصبحت مليئة بالفراغ. كان أحمد، ذلك الفتى الذي أحبت منذ طفولتها، قد أصبح شخصًا آخر في حياتها. لم يعد هو الشخص الذي كان يسير بجانبها في الحديقة، ولم تعد هي الفتاة التي يشاركان ضحكاته الصغيرة.

شعرت أن العالم كله قد تغير، وأنها أصبحت مجرد ذكرى عابرة في حياة أحمد. وبينما كانت عيناها تتبع كل خطوة في حياتهما الجديدة، كانت جروح قلبها تتسع أكثر. كانت قد اعتادت على فكرة أن حبها له لن يموت، حتى عندما ابتعد عنها، لكن الآن أصبحت تشعر بأن الحياة قد أغلقت أبوابها أمامها.

في أحد الأيام، بينما كانت تسير في الحي الذي شهد على طفولتها، قابلت أحمد صدفة. كان يسير مع فاطمة، وكان يبدو أكثر سعادة من أي وقت مضى. كانت سلمى تحاول أن تخفي شعورها بالخذلان، لكنها لم تستطع. كانت عيناها تبتسم، لكن قلبها كان يصرخ بالوجع.

أحمد نظر إليها، وأحس بشيء غريب. لكنه لم يتوقف. ابتسم له وقال: "مرحبًا، سلمى." ولكن صوته كان باردًا، ليس كالصوت الذي كان يتحدث به في طفولتهم. كانت فاطمة بجانبه، تنظر إليها بلطف، وكأنها تلمح شيء غير مفهوم في عيون سلمى. سلمى لم تستطيع أن تقاوم شعور الألم الذي اجتاح قلبها، لكنها قالت بابتسامة حزينة: "مرحبًا أحمد، كل شيء بخير."

ثم ساروا معًا، يبتعدون عن سلمى، وكانت تلك اللحظة هي التي قلبت حياتها. كانت تراقبهم من بعيد، وكل خطوة كانوا يخطونها كانت تكسر قلبها أكثر. شعرت وكأنها تغرق في بحر من الذكريات، ولا شيء يمكنه إنقاذها.

الحياة بعد أحمد:

عاشت سلمى أيامًا مليئة بالحزن، كانت تجلس في الزوايا المظلمة من بيتها، وتحدق في الصور القديمة التي كانت تجمعها بأحمد. كانت تتذكر أيام الطفولة، كيف كانت تضحك معه، وكيف كانت حياتهم مليئة بالأمل. لكن الآن، كان كل شيء يتلاشى.

كانت الأيام تصبح طويلة، والساعات تمر ببطء. حاولت أن تملأ فراغها بالعمل، والقراءة، والخروج مع الأصدقاء، لكنها لم تستطع أن تنسى. كل شيء كان يعود بها إلى أحمد، إلى الذكريات التي لن تعود أبدًا. وكلما حاولت أن تبتسم، كانت دموعها تملأ عيونها بدون أن تشعر.

في إحدى الليالي، بينما كانت سلمى جالسة على الشرفة تطل على السماء، فكرت في كل ما مر بها. فكرت في اللحظات الجميلة التي عاشت فيها مع أحمد، في الوعود التي كانت تظن أنهما سيعيشانها معًا. لكنها الآن، في تلك اللحظة، أدركت أن الحياة لا تسير دائمًا كما نريد. أحمد اختار طريقه مع فاطمة، واختارت الحياة أن تبتعد عنها.

نهاية الرواية:

مرت السنوات، وسلمى كبرت، لكن حزنها لم يختفِ. كانت تعيش في عالم ملون بأحلام قديمة، ولكن قلبها كان لا يزال في مكانه، عالقًا في ذلك الحلم الذي لم يتحقق. في إحدى اللحظات، نظرت إلى نفسها في المرآة ورأت انعكاسها، الفتاة التي كانت تحب أحمد بكل جوارحها، والتي لم تستطع أن تقاوم التغيرات التي حدثت في حياتهما.

كانت الحياة قد وضعت أمامها طريقًا آخر، مليئًا بالأسئلة التي لا إجابة لها، ومليئًا بالذكريات التي لا يمكن محوها. لكن الألم كان يرافقها في كل خطوة، وكأنها فقدت جزءًا من روحها مع ابتعاد أحمد عنها. الحياة علمتها أن الحب ليس دائمًا يتبع الطريق الذي نريده، وأن القلب قد يُكسَر مرات كثيرة، لكننا نبقى مجبرين على المضي قدمًا.

في تلك اللحظة، أدركت سلمى أنها لن تستطيع أن تعيش مع الماضي للأبد. صحيح أن جرحها كان عميقًا، لكنه أصبح جزءًا من شخصيتها، جزأ من كل خطوة تأخذها نحو المستقبل. كانت تبتسم أخيرًا، رغم أن الابتسامة كانت حزينة. ومع كل ابتسامة، كانت تحمل ألمًا في قلبها، لكنه كان ألمًا تعلمت كيف تعيش معه.

تعليقات

إرسال تعليق

authorX

مؤلفون تلقائي

نظام شراء